إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المذيع المبدع محمود الجمعات ثلاثة عقود في إذاعة دمشق والشاشة السورية - حوار : حمدان كوسى

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المذيع المبدع محمود الجمعات ثلاثة عقود في إذاعة دمشق والشاشة السورية - حوار : حمدان كوسى



    المذيع المبدع محمود الجمعات ثلاثة عقود
    في إذاعة دمشق والشاشة السورية
    حوار : حمدان كوسى


    محمود الجمعات

    حوار : حمدان كوسى

    ما أن تخرج الحروف من شفتيه .. حتى تبتلعها الأذن .. واضحة .. ناطقة هادئة .. هدوء صاحبها .. كيف لا .. ؟؟ وهو مذيع موهوب بالفطرة .. وطني حتى النخاع .. إنساني من طراز رفيع ...

    إنه محمود الجمعات .. المذيع والمعد والإداري , الذي أمضى مايزيد على ثلاثة عقود , وهو يتحدث إلى الناس عبر أثير إذاعة دمشق , والشاشة السورية , حتى أمسى علما من إعلام الإذاعة والتلفزيون ..
    من بلدة جباب في محافظة درعا , سطع نجمه كعريف للحفلات والمهرجانات الخطابية .. فأية ذكريات تحتفظ بها ذاكرة محمود الجمعات عن تلك الأيام ..؟؟

    تريدني أن ألقي عن كتفي عباءتي وأرحل ... أتقدم بذاكرتي للوراء .. أعود مسرعا , أقتلع كل العوائق التي تقف الآن على حواف تلافيف الذاكرة .. ولا أدري , وأنت المحرض بسوالك .. من المهاجر .. ؟! أأنا , أم ذاكـرتي , أم الكلمات .. ؟!!

    الآن , أقطع المحطة التي ذكرتها أنت , وها أنا الآن أقف أمام يافطة مكتوب عليها .. هذه هي سنوات الطفولة
    آه ما أسرع مرور الزمن ..!! من الذي هاجر من نسغ الآخـر أنا أم الزمـن .. ؟!! كيف نكبر هكذا دون انتباه ؟! وكيف نغادر أحلامنا .. ونسافر .. ؟!
    ها أنا الآن أمضي موغلا في مسارب الماضي الجميل , لأبصر ذلك الطفل الذي بات كهلا الآن ويحدثك .. أراه مع ثلة من أترابه , يتحرك وتسري في أوصاله - بل تضج – في عروقه مباهج الحياة .. يجمع حوله رفاق اللثغة والتفاخر , وقد حمل بيده قمعا معدنيا مما يستخدمه باعة الكاز والمازوت .. وقد جعله " مايكرفون " ويخطب من خلاله بهؤلاء الرفاق , وقد تجمع إليهم نفر من الكبار يضحكون وينصتون إلى مذيع الحارة الصغير بشوق وإعجاب وهو يذيع البيانات والأخبار التي اختزنها في ذاكرتـه , بعد أن التقطها مـن " فؤاد شحادة " أو " عادل خياطة " في زمن الوحدة ..
    لذلك كان الأمر طبيعيا أن يصير "مذيع الحارة " الصغير هذا , عريفا للحفلات في المراحل التالية من حياته , ليس فقط في بلدته جباب .. وليس في المحيط الاوسع قليلا – ناحية الصنمين , قبل ان تصير منطقة – بل تعدى ذلك جغرافيا وديمغرافيا .. فصار اسمه معروفا لدى الاوساط الادارية والثقافية في المحافظة , وخاصة أنه كان ناشطا في المجالات الفنية والثقافية , من خلال منظمة اتحاد شبيبة الثورة وعضويته لقيادة رابطة الصنمين ..
    هذا هو محمود الجمعات , المذيع المجاز شعبيا , القادم إلى أضواء العاصمة وضجيج حضارتها من حقول القمح وخضرتها .. وأكوام بيادر الخير وصفرتها الذهبية ..

    قبل عملك في الإعلام , كنت مدرسا , ماذا تركت مهنة المعلم من أثر على المذيع محمود الجمعات ..؟؟

    لم أمارس مهنة التعليم بشكل رسمي .. أي لم أكن معلما " موظفا " ولا مدرسا .. إنما كلفت بتدريس بعض المواد للصفوف الإعدادية في بلدتي جباب , على نظام الساعات "من خارج الملاك " حيث كنت طالبا أيامها في جامعة دمشق .. إنما المفارقة – وهي جميلة جدا – أنني كنت أدرّس مواد لا علاقة لها باختصاصي في الجامعة.. فأنا طالب في كلية الشريعة .. وأقوم بتعليم مادتي الرياضة والفنون .. قد يقول البعض : هذه المواد عادة تعطى لأي انسان كان ليقوم بتدريسها , بينما تجد الحال مختلفا جدا عندي .. فأنا إنسان لدي هوايات قد أكون موهوبا فيها .. وهي الرسم والرياضة , وحتى الموسيقا " ثقافة " وليس عزفا وممارسة .. لذلك فقد أسهمت في تأسيس حركة رياضية في جباب , مع ثلة من أصحابي , حيث شكلنا فريقاً رياضياً يمارس مختلف ألعاب الكرات , وكان بمثابة " نادٍ صغير " إنما كانت مساهمتي شخصيا من خلال توجيه النشئ , نحو الرياضة وخاصة الموهوبين .. توجيها صحيحا .. مدروساً وعلمياً .
    حتى أذكر أن إعدادية جباب عام 1970 , حصلت على بطولة إعداديات درعا في لعبة كرة السلة , والمرتبة الثانية في لعبة كرة اليد , وهي الإعدادية المحدثة في ذلك العام .
    كذلك فقد تعرّف الطلاب على فنّ ما كانت لديهم أدنى فكرة عنه , وعن أنواعه وتاريخه , الا وهو فنّ الخط العربي , حتى لتجدنّ الآن في جباب مجموعة من الخطاطين الجيدين , وصار التمييز بين أنواع الخط أمراً بديهيـا .. حتى ترى الوصف يختلف بين هؤلاء , بالنسبة لمهارة أحدهم .. فذاك متفوق في مجال الديواني , والأخر رائع في الفارسي , وهذا يجيد الثلث , وهكذا...
    أما بالنسبة لتأثّر عملي الإذاعي بعملي التدريسي , فباستطاعتك أن تقلب الصورة تماما , وتقول كيف أثرت هوايتك الإذاعية علـى عملك التدريسـي ..؟
    نعم فأنا العاشق للإذاعة حتى دخلت أحلامي .. كنت استمع إلى كل ما يعرض فيها , من مختلف الفنون والبرامج , وهذا ما كنت أنقله إلى طلابي الذين كانوا يستمتعون جدا - بسماع أوحتى أدائه - إذا كان المنقول مادة غنائية أو موسيقية .

    لا بد من الحديث عن الخطوات الأولى , كيف بدأت العمل الإذاعي ..؟ وهل يحمل محمود الجمعات جميلاً لأحد ..؟؟

    كان يوما ربيعيا دافئا , عندما طُلب مني أن أشارك في نقل المسيرة الجماهيرية الكبرى في مدينة درعا , بمناسبة أعياد ثورة أذار .. وفي اليوم التالي , وكان يصادف السادس عشر من أذار عام 1981 , كنت أقف على المنصة , أصف مجريات ما أرى وبشكل ارتجالي , وكان قد حضر من الإذاعة لنقل المسيرة , المذيع نايف حمود – معذرة لم أقل الزميل لأنني لم أكن زميلا يومها – لكنه افسح في المجال لي , كي أتحدث وأقدم ما لدي , حتى أن الكلمات الثلاث التي ألقيت في المهرجان , قسّمها بشكل غير عادل ولصالحي , حيث قدّم هو خطيبا واحدا , وأنا قدمت اثنين ..
    مساءً عُرضت المسيرة كاملة على شاشة التلفزيون , وكانت المفاجأة ..!! لقد أعجب المعنيون في وزارة الإعلام وهيئة الإذاعة والتلفزيون بهذا الصوت .. ما حدا بالمدير العالم للهيئة يومها , وكان الأستاذ فؤاد بلاط الإداري البارع والإعلامي الكبير , أن يتصل بالسيد محافظ درعا الأستاذ محمد مصطفى ميرو – وكان عنده ساعة الإتصال – السيد أحمد زنبوعة أمين فرع الحزب .. طالبا معلومات عن صاحب هذا الصوت , مستفسرا عن أحواله كلها , فقيل له , إنه أحد شبابنا الموهوبين واسمه محمود الجمعات .. فلم يملك أن يخفي إعجابه شخصيا بأداء هذا " المذيع " كما سماه , طالبا إرساله الى المديرية العامة للإذاعة والتلفزيون , من أجل مكافأته , فقيل له لماذا لا تستثمرون إمكانياته , وتأخذونه مذيعا عندكم ..؟ فقال .. حبذا , ولكن يمكن بحث هذا الموضوع معه عند حضوره .. وفعلا هذا ما كان .. فلما حضرت .. أثنى كثيرا على إمكانياتي الصوتية واللغوية , وأسلوبي في الأداء , مركزا على مقدرتي في الإلتزام بالتوجيه السياسي للخطاب الإعلامي أثناء المسيرة , ودون أن أخذ توجيهات من أحد في هذا المجال ...
    ومضى شهر ونصف .. حتى طلب إلي أن أشارك المذيعين في نقل مسيرة ايار الكبرى << مسيرة عيد العمال التي ستقام " غداً " أمام مبنى البريد بدمشق , وسيحضرها القائد حافظ الأسد >> هذا ما أبلغني به رئيس اتحاد عمال محافظة درعا السيد علي الأسود , وكنت يومها أعمل لدى مؤسسة تنفيذ الإنشاءات العسكرية " متاع " بوظيفة إداري ..
    لا تسل عن فرحتي , أو بالأحرى مشاعري , التي أعجز عن وصفها وأنا أقف أمام الكبير القائد الخالد حافظ الأسد , وهو يصافحني بعد انتهاء المسيرة التي دامت من التاسعة صباحا وحتى الخامسة مساء , وقد شاركت المذيعين العشرة النظاميين , الذين جاؤوا من الإذاعة والتلفزيون لنقل هذه المسيرة .. حيث توجه صاحب القلب الكبير القائد الأسد نحونا وصافحنا واحدا واحدا , ملاطفا كلاً منّا بكلمات تحمل الكثير الكثير في حروفها من معان زرعت على صدورنا زهوّاً من ألوان شتى , بل كنا من عظمة فرحتنا التي ما وسعتنا , نغيب أحيانا عن وعينا أو نكاد .. فلما جاء دوري عرّفني إليه رئيس البعثة الإعلامية وقتها , وكان الأستاذ عبد السلام حجاب – مدير التلفزيون .. فقال سيادته والإبتسامة تعلو وجهه , وقد وضع يده اليسرى على كتفي , وما تزال يدي اليمنى تهنأ بمصافحة يمناه : أنت من علّق على مسيرة درعا .. أليس كذلك ..؟! قلت بلى .. فتوجه إلى السيد عبد السلام حجاب وقال : استفيدوا من إمكانياته .. ولم تمض شهور حتى كنت مذيعاً رسمياً في الإذاعة السورية .. فهل عرفت الآن لمن أحمل الجميل .. ومن الذي أخذ بيدي ..؟! لقد كنت أباهي زملائي قائلا : أنا من رشحني وزكاني الرئيس حافظ الأسد , فمن لديه شرف كهذا فليظهره ..
    لكنني أرى الآن , أنه من خلال الوفاء لأصحاب الأيادي البيضاء , ومن باب الأمانة , أن أذكر وبكل امتنان , فضل الإعلاميين الثلاثة وقتها عليّ وهم وزير الإعلام المتميز الأستاذ أحمد اسكندر أحمد , الذي كان يشجعني كلما حانت الفرصة , وكان دائما يوصي السيد مدير الإذاعة بهذا المذيع الجديد , الذي جاء " جاهزا " على حـدّ تعبيره , ثم المدير العام للهيئة الأستاذ فؤاد بلاط أمد الله في عمره , والذي مازال حتى الآن يروي حكاية محمود الجمعات , وكيف صار مذيعاً .. وقد سماني مرة أمام ثلة من المذيعين العرب المتدربين في المركز العربي للتدريب الإذاعي والتلفزيوني " الإكتشاف الجميل "
    وأيضا أقف الان بإجلال أمام روح المرحوم خضر عمران مدير الاذاعة يومها , الذي كان يباهي ويفخر دائما بمذيع اسمه محمود الجمعات ... هؤلاء الثلاثة , أحمل لهم في قلبي الكثير من الإمتنان والشكر والاعتراف بالجميل , إضافة إلى بعض المذيعين القدامى الذين أعطوني جرعات كبيرة من الثقة بالنفس , من خلال توجيهاتهم واطراءاتهم ونصائحهم .. منهم الأستاذ سميح الحاج خليل الذي دربني لمدة أسبوع واحد , كانت كافية لزجي أمام المايكروفون , والمرحومين الأستاذ فؤاد شحادة , والأستاذ مروان شيخو .

    قيل عن محمود الجمعات إنه المذيع الأول في الوطن العربي , كيف استطاع أن ينـال هذا اللقب ..؟؟

    هو في الحقيقة ليس وصفا بحرفية الكلمة , بقدر ما هو لقب كما – قلت – منحني إياه جمهور إذاعة دمشق , من متابعي برنامج " لقاء الأحبة " الذي كان لي شرف إعداده وتقديمه بداية , في اليوم الأول من عام 1989 بالإشتراك مع الزميلة عزيزه ادلبي , التي هي في الحقيقة ليسـت زميلة فقط , بـل أخت عزيزة وغالية , وبكل ما لكمة الأخت من معـان ومدلولات .. واستمر هذا البرنامج الشبابي المنوع , حتى عام 2004 بعد أن تعاقبت على تقديمه زميلات عزيزات أمثال فيوليت بشور ورائدة وقاف وهدباء العلي .. أما حكاية اللقب , فإنها تختصر بإستفتاء أجرته إذاعة مونت كارلو 1993 حول أفضل برنامج شبابي عربي , وأفضل مذيع عربي فكان " لقاء الأحبة " أفضل برنامج , ومحمود الجمعات أفضل مذيع , وكان الإستفتاء هاتفيا وعلى الهواء مباشرة ..
    أما كيف استطاع محمود الجمعات أن ينال هذا اللقب , فإني أحيلك الان إلى هؤلاء المحبين الذين منحوا محمود الجمعات أفضل ما يتمناه ويصبو إليه أي عامل في مجالات الإبداع والتواصل .. إنه التقييم الحق والشهادة الحية الصادقة التي لا تقبل الطعن أو التزوير أو التدخل الفج .. هنا يشعر المرء أن الحقيقة استجمعت كلّيتها حتى المطلق , ليظهر وجهها الأنقى و الأطيب .. على الرغم من أنها في زماننا تعني المعادلة الأصعب , لذلك حمل هؤلاء المحبون البشارة على صدورهم وأوصلوها إلى قلبي في سمت الظهيرة .

    ما أبرز المحطات الإعلامية في حياة محمود الجمعات ..؟؟

    مثل نهر متدفق من الأحلام والأماني , سار بي العمر الإعلامي على متن مركب من التصميم والإرادة والعمل الدؤوب , فمارست العمل الإذاعي بشتى أنواعه ومختلف ألوانه وتعدد طيوفه .. قرأت الأخبار والتعليق السياسي والبرامج الإخبارية والسياسية جميعها .. أعددت وقدمت البرامج المنوعة والثقافية والعلمية والرياضية والدينية ... وأيضا الفترات المفتوحة ذات الصبغة الخدمية والمنوعاتية أحيانـا , والتي تأتي علـى الهواء مباشرة .. وحتى البرامج الثقافية الموسيقية , وأظنني ما فشلت فـي أيّ منها .. ولكن لا بد من أنني وجدت نفسي في بعضها أفضل مني في بعضها الآخر , فقد كنت ميالا إلى المنوّع أكثر من سواه , على الرغم من وصف صوتي من قِبل البعض بأنه صوت سياسي .. وهذا ما جعل المسؤولين ومنذ البداية يختارونني دائما ضمن المجموعة التي ستقوم بعملية النقل الخارجي المباشر لأي حدث سياسي أو جماهيري .. ولذلك فإن البرامج التي مازلت ملتصقا بها , ومنذ أكثر من عقدين , هي التي أعطتني بعداً اعلامياً وقرباً جماهيرياً , منها برنامج " مسؤول على الهواء " الذي بدأ في عام 1990 وما زال مستمراً حتى الان , وفي توقيته الذي لم يتغير , الثالثة بعد ظهر الاربعاء اسبوعياً , كذلك فترة " معكم على الهواء " التي انخرطت أيضاً في صفوف أسرتها منذ أواخر الثمانينات من القرن الماضي بصفتي مشرفاً , أي معداً ومقدماً .. وما زلت مستمراً في هذه المهمة حتى الان , ومن خلال فترة السبت ابتداءً من الثامنة صباحا وعلى موجات البرنامج العام , أما لقاء الأحبة , الذي اضطررت الى تسليمه للزميل العزيز موسى عبد النور عام 2004 بسبب المهام الإدارية التي اضطلعت بها , فإنه بمثابة الابن الأحب والأغلى , الذي هاجر ودموع أبويه تنساح على الخدود , كلما هاجت الذكرى ..
    تلفزيونياً , أحن إلى البرنامج الديني "حديث الروح " ..
    قلت إنني مارست شتى أنواع العمل الإذاعي .. فهناك أيضا الكتابة الوجدانية في زاوية " بيـن قوسين " التي تذاع بعد الفترة الإخبارية الصباحية , ودوري أنا , صباح الثلاثاء من كل أسبوع .. وثمة الكتابة الغنائية – الشعر الغنائي – ففي مكتبة الإذاعة الان نحو أربعين أغنية من كتابة محمود الجمعات , ما بين الوطني والعاطفي والشعبي .. أيضا لي مشاركات درامية من خلال بعض التمثيليات التي قمت بإعدادها أوتأليفها.

    إذاعة دمشق , ماذا تعني لمحمود الجمعات ..؟ وكيف يراها اليوم ..؟؟

    لقد حملت إذاعة دمشق عباءتها العربية على كتفها , وتقدمت نحو أبنائها .. نحو أبناء العروبة منذ أن كتب لها أن تكون إذاعة لكل العرب حين ولادتها من رحم الاستقلال عام 1947 والحقيقة تقول والتاريخ يحكي أن الاذاعة السورية قد زرعت في نفوس ساكني هذه الارض الممتدة ما بين لجة المحيط وزرقة الخليج بذورا قومية الصفات والأجناس , عربية الإنتاش وحدوية الأغصان والأوراق والثمار , فصار صعبا اقتلاعها بعد أن تجذرت وصارت الآن أشجارا طولها بمقياس الزمن الراهن فقط ثلاثة وسـتين عامـا .. وأنا الذي أصغرها بسنتين أعد نفسي من أترابها , ترعرعت معهـا , كبرت على وقع خطواتها , عشقتها لدرجة الإندماج .. وكأنني كنت أعلم أنني سأصير ابنها وأخاها .. وتصير أمي وأختي وعشقي الذي يسافر في أنحاء روحي .
    وكيف يرى الإبن أمه ... هل تتغير مشاعره نحوها ... حتى وإن خفت سخونة العاطفة بعد الفطام , وهذا أمر طبيعي لكن الأم تبقى أغلى ما في الوجود .

    بالأمس .. كان محمود الجمعات ورفاقه , واليوم .. تغيرت الأسماء وتزايدت الأصوات .. هل أثّر الكم على النوع ..؟ مـاذا تقول لمذيعي اليـوم ..؟؟

    لاشك أن وجه الزمان الذي يتغير مع الأيام يلقي بظلاله وملامحه على كل شيء .. كيف لا وهو الوعاء الذي يحتوينا جميعا , أشخاصا حقيقيين واعتباريين .. والقاعدة تقول : لاينكر تبدل الأحكام بتبدل الأزمان .. لهذا كان من المنطقي والبدهي أن يكون للإذاعة اليوم وجه آخر يختلف كثيرا عن الوجه الذي بدأت به مسيرتها وهو أيضا مختلف عن الوجه الذي كان أيام بداياتنا " فلكل زمان دولة ورجال " يمكن أن ينطبق على حالنا هذه , وإذا جاز لنا بدلنا القول ليصبح : " لكل زمان إذاعة وإذاعيون " فالزمان هو الذي يسِم الجهتين بسماته – الإذاعة والعاملين فيها وليس العكس , وإن حاول الرجال أن يتركوا بصماتهم على وجه الإذاعة لكن الزمان يبقى أقوى منهم .
    فإذا كان الكم اليوم , يزيد عمّا كان عليه سابقا , فلأن الحال يقتضي ذلك خصوصا وأن ساعات البث صارت 24/24 وبالمناسبة كان هذا في بداية عام 2005 وبإقتراح منّي يومها , إذ كنت مديرا للإذاعة ..
    على كلّ .. لا علاقة تأثيرية للكم على الكيف بالمطلق , وإنما لا بد من تأثير شخصي لكلّ مذيع على شخصية الإذاعة بشكل عام , ليضفي على برامجها شيئا من سماته وبعضا من شخصيته الإعلامية , لذلك أنصح كل زميل يعمل حاليا أو آت مستقبلا أن يعمل جاهدا على تحقيق هذه المعادلة قدر استطاعته , ليكون له الحضور الاذاعي الواضح والمؤثر في شخصية الاذاعة ولدى أذهان المستمعين .

    في نهاية هذا اللقاء الكلمة لك استاذ محمود ..

    أعود لمخاطبة كل زميل وزميلة في إذاعتنا الحبيبة بقنواتها الثلاث – العام – وصوت الشعب – والشباب ... مذيعين ومحررين وفنيين وإداريين , فأقول : وفقكم الله وأعانكم في أداء مهمتكم , ولا بد للإعلامي من تأكيد قدرته على تطوير ذاته , وتجديد طاقاته , بما يتلائم وينسجم مع ما تتطلبه حتمية التاريخ وحركة الزمن , التي تملي على الإذاعة والإذاعيين المراحل التي تأتي أمواجا تختلف فيها الموجة عن أختها , فنجد أنفسنا عندها وفي إذاعتنا , قد لبسنا لكل موجة اللباس المناسب لها وبيدنا العدة الخاصة للتعامل معها ..
    مرة أخرى وفقكم الله لما فيه خير الإذاعة والإعلام , وصالح بلدنا الحبيب سورية .. والسلام .
    مع شكري لك زميلي العزيز على تحلّيك بالصبر تجاه نزوعي للإملال أحيانا وتحملك لتبعات استطراداتي المزعجة ...





  • #2
    رد: المذيع المبدع محمود الجمعات ثلاثة عقود في إذاعة دمشق والشاشة السورية - حوار : حمدان كوسى

    تسلم الأيادي أخت رحاب عالمقالة الرائعة

    تعليق

    يعمل...
    X