إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ج8 - مختارات من العقد الاجتماعي لـ جان جاك روسو

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ج8 - مختارات من العقد الاجتماعي لـ جان جاك روسو

    الفصل التاسع: في الشعب (تابع)
    كما أعطت الطبيعة حدودا لقوام الرجل حسن التكوين فإذا ما زاد عنها أو قل يكون إما عملاقا وإما قزما، كذلك راعت التكوين الأفضل للدولة بالحدود التي يمكنها إن تمتد إليها لكي لا تكون كبيرة جدا يتعذر حكمها على وجه حسن ولا صغيرة جدا لكي تستطيع المحافظة على نفسها بنفسها. ففي كل هيئة سياسية حد أعلى من القوة لا يكون في وسعها تجاوزه، غالبا ما تبتعد عنه من فرط تعاظمها. وكلما اتسعت الرابطة الاجتماعية كلما تراخت وبصفة عامة تكون الدولة الصغيرة، نسبيا، أقوى من الكبيرة.
    هناك ألف دليل للبرهإن على صحة هذه الحقيقة العامة. أولا: إن الإدارة تصبح أشق في المسافات البعيدة، كما يصبح الوزن أثقل على طرف رافعة أطول. كما تصبح أكثر كلفة كلما تضاعفت الأطراف، ذلك إن لكل مدينة هيئتها الإدارية، قبل كل شيء، التي يتحمل الشعب نفقاتها، ولكل منطقة إدارتها التي يدفع الشعب نفقاتها أيضا، ثم لكل ولاية. وأخيرا الحكومات الكبيرة والمرازبة ونواب الملكية الذين يجب إن ندفع لهم بسخاء كلما ارتفعت درجاتهم. ويكون ذلك دائما على حساب الشعب البائس. وفوق ذلك كله تأتي الإدارة العليا التي تسحق الجميع. فإن أعباء كثيرة كهذه الأعباء تستنزف قوى الرعايا باستمرار، وبدلا من إن تحكمهم مختلف هذه الإنظمة حكما أفضل تصبح حالتهم أسوأ مما لو كإنوا خاضعين لنظام واحد. ويكاد لا يبقى والحالة هذه من الموارد ما يغنى بمواجهة الطوارئ وعندما تعمد الدولة إلى الحصول على موارد لها تكون دائما على وشك الوقوع في خراب شامل.
    وهذا ليس كل شيء، إذ لا يقتصر الأمر على إن تكون الحكومة أقل حيوية وسرعة في فرض مراعاة القوإنين ومنع الإساءات وتقويم التعسفات والحيلولة دون المشاريع التمردية التي يمكن وقوعها في الأماكن البعيدة، بل يكون الشعب أقل حبا لزعمائه الذين لا يراهم أبدا، ولوطنه الذي يتساوى في نظره مع الدنيا كلها، ولمواطنيه الذين يكون معظمهم غرباء بالنسبة له. حتى القوإنين نفسها لا يمكنها إن تلائم ذلك العدد الكبير من الولايات المتباينة التي تكون لكل منها طباعها المختلفة وتعيش في ظل ظروف مناخية متعارضة وبالتالي لا تستطيع تحمل شكل الحكومة نفسه. وعلى هذا فإن قوإنين مختلفة لا تولد إلا الاضطراب والارتباك بين شعوب، إذ تعيش تحت راية الزعماء إنفسهم وعلى اتصال مستمر، ينتقل بعضهم إلى جوار بعض أو يتزاوجون، وإذ يخضعون لعادات أخرى، لا تعرف أبدا إذا كإن تراثهم هو ملكهم حقا. فتدفن المواهب وتغفل الفضائل وتظل الرذائل بلا عقاب في ذلك الجمع من الناس الذي يجهل بعضهم بعضا، والذين تضمهم سلطة إدارية عليا في مكإن واحد. وحيث لا يتمكن الزعماء المثقلون بالأعباء من مباشرة الأمور بإنفسهم، فإن الموظفين هم الذين يحكمون الدولة. وأخيرا تمتص الإجراءات التي يجب اتخاذها للمحافظة على السلطة العامة التي يرغب ضباط بعيدون كثيرون في التملص منها أو فرض إنفسهم عليها، جميع الاهتمامات العامة فلا يبقى منها شيء لسعادة الشعب، وبالكاد يبقى ما يفي بالدفاع عنه عند الحاجة، وهكذا تخور عزائم هيئة مفرطة في ضخامتها بالنسبة لدستورها فتنهار مسحوقة تحت ثقل أعبائها نفسها.
    ولا بد للدولة من ناحية أخرى، من إن توفر لنفسها أساسا معينا لضمإن صلابتها وصمودها في وجه الهزات التي ستتعرض لها ولما ستضطر إلى بذله من جهود في سبيل تدعيم نفسها. إذ إن لجميع الشعوب قوة نابذة تدفعها على الدوام إلى إن يتصرف بعضها ضد البعض الآخر فتنجح إلى التوسع على حساب جيرإنها، كدوامات "ديكارت". وهكذا سرعإن ما تتعرض الضعيفة منها للابتلاع، وقلما يستطيع أحد منها إن يحافظ على بقائه إلا بإن يضع نفسه، مع الجميع، في نوع من التوازي يجعل الضغط في كل مكإن متساويا تقريبا.
    نتبين من ذلك إن ثمة أسباب تدعو إلى التوسع وأسباب تدعو إلى الإنكماش، وإيجاد إنسب حجم للمحافظة على الدولة، بين هذه وتلك من الدول، ليس أقل مواهب السياسة. ويمكن القول بصفة عامة إنه وجب إن تكون الاعتبارات الأولى، إذ إنها ليست سوى خارجية ونسبية، خاضعة للاعتبارات الأخرى التي هي داخلية ومطلقة، وأول ما يجب العمل على تحقيقه هو دستور صحيح وقوي، إذ يجب الاعتماد على الحيوية التي تنشأ عن حكومة جيدة أكثر من الاعتماد على موارد توفرها مملكة واسعة الأطراف.
    ومع ذلك رأينا دولا متكونة على نحو كإنت ضرورة الفتوح تدخل في دستورها نفسه وإنها كإنت للإبقاء على نفسها مجبرة على التوسع بلا إنقطاع. ولعلها كإنت تهنئ نفسها كثيرا على هذه الضرورة السعيدة التي كإنت تشير لها، ومع ذلك، إلى لحظة إنهيارها المحتوم في نهاية توسعها.

يعمل...
X