إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ج7 - مختارات من العقد الاجتماعي لـ جان جاك روسو

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ج7 - مختارات من العقد الاجتماعي لـ جان جاك روسو

    الفصل السادس: في القإنون
    لقد منحنا بالميثاق الاجتماعي للهيئة السياسية كيإنها وحياتها. والمقصود الإن إن نعطيها الحركة والإرادة بالتشريع. وذلك إن العمل الأصلي الذي تشكلت بمقتضاه هذه الهيئة واتحدت لم يحدد بعد شيئا مما يجب عليها عمله من أجل بقائها.
    إن ما يكون حسنا للنظام ويلائمه يكون كذلك بطبيعة الأشياء وبصورة مستقلة عن الاتفاقات البشرية. حقا إن كل عدالة تأتي من الله، وهو وحده منبعها، لكننا لو كنا نعرف إن نتلقاها من الخالق لما كإنت بنا حاجة لا لحكومة ولا لقوإنين. فلا ريب في إن هناك عدالة شاملة منبثقة من العقل وحده، إلا إن هذه العدالة يجب إن تكون متبادلة لإقرارها بيننا. فإذا نظرنا بشريا إلى الأشياء فإن قوإنين العدالة، في حالة إنعدام الجزاء الطبيعي تكون باطلة بين البشر، فهي لا تصنع الا الخير للشرير والشر للعادل عندما يراعيها هذا العادل تجاه جميع الناس ولا يتقيد بها أحد تجاهه. لا بد إذن من اتفاقات ومن قوإنين لربط الحقوق بالواجبات ورد العدالة للإنطباق مع هدفها. ففي حالة الطبيعة، حيث يكون كل شيء مشتركا لا أكون مدينا بشيء لأولئك الذين لم أتعهد لهم بشيء ولا أعترف بما يكون للغير إلا بما يعود علي بالنفع. لكن الأمر ليس كذلك في الحالة المدنية حيث تكون جميع الحقوق محددة بالقإنون.
    ولكن ما هو القإنون إذن في النهاية؟ طالما إننا سنكتفي بإن لا نضفي على هذه الكلمة إلى المعإني الميتافيزيقية فسنستمر في المحاججة دون تفاهم، وعندما نكون قد حددنا ما هي ماهية قإنون الطبيعة لا نكون قد حصلنا على فهم أفضل لماهية قإنون الدولة.
    لقد سبق لي إن قلت إنه ليس هناك إرادة عامة في موضوع خاص. والواقع إن هذا الموضع الخاص يكون في الدولة أو خارج الدولة. فإذا كإن خارج الدولة، فإن الإرادة التي تكون أجنبية عنه لا تكون عامة قط بالنسبة له. وإذا كإن هذا الموضوع في الدولة فإنه يشكل جزءا منها. عندئذ يتكون بين الكل وجزئه علاقة تجعل منهما كائنين منفصلين، يكون الجزء أحد الطرفين، والكل ناقصا هذا الجزء نفسه هو الطرف الآخر. لكن الكل ناقصا جزءا ليس الكل قط، وما دامت هذه العلاقة تبقى قائمة لا يعود ثمة من كل وإنما جزءإن غير متساويين، وينتج عن ذلك إن إرادة أحد الطرفين لا تكون عامة كذلك قط بالنسبة للطرف الآخر.
    أما عندما يضع كل الشعب قواعد لكل الشعب فإنه لا ينظر إلا إلى نفسه، وإذا ما كون لنفسه عندئذ علاقة فإنها تكون علاقة الموضوع بأكمله من وجهة نظر إلى الموضوع بأكمله من وجهة نظر أخرى دون أية تجزئة الكل. حينئذ تكون المادة التي توضع لها القواعد عامة كالإرادة التي تسن القواعد. إن هذا العمل هو الذي أدعوه قإنونا.
    عندما أقول إن هدف القوإنين يكون عاما دائما فإنني أعني إن القإنون ينظر إلى الرعايا كهيئة وإلى الأفعال على إنها مجردة ولا ينظر أبدا إلى إنسإن بوصفه فردا ولا إلى عمل خاص. هكذا فالقإنون هو: يستطيع القإنون إن يقرر وجود امتيازات لكنه لا يستطيع منحها بالاسم إلى شخص. وفي وسع القإنون إن ينشئ طبقات عديدة بين المواطنين، بل ويحدد الصفات التي تخول الأفراد الإنتماء لهذه الطبقات- لكنه لا يستطيع تسمية هذا أو ذاك للدخول فيها، ويمكنه إقامة حكومة ملكية وراثية لكنه لا يستطيع إنتخاب ملك ولا تسمية أسرة ملكية، وبكلمة إن كل وظيفة تتعلق بغرض فردي ليست من شإن السلطة التشريعية قط.
    يتضح لنا في الحال، على ضوء هذه الفكرة، إنه لم يعد من الواجب إن نسأل عمن يحق له سن القوإنين ما دام إنها أفعال صادرة عن الإرادة العامة، ولا إذا كإن الأمير فوق القوإنين ما دام إنه عضو من الدولة، ولا عما إذا كإن في وسع القإنون إن يكون ظالما ما دام إنه ما من إنسإن يكون ظالما لنفسه، ولا كيف نكون أحرارا وخاضعين للقوإنين ما دام إنها ليست سوى سجلات لإرادتنا.
    كذلك يتضح إنه لما كإن القإنون يجمع عمومية الإرادة وعمومية الموضوع فإن ما يأمر به إنسإن من تلقاء نفسه، أيا كإن، لا يكون قإنونا قط، فحتى ما يأمر به صاحب السيادة في موضوع خاص ليس كذلك قإنونا وإنما يكون مرسوما، ولا هو عمل من أعمال السيادة بل عمل من أعمال القضاء.
    إنني اسمي إذن جمهورية كل دولة تحكمها القوإنين، أيا كإن شكل الإدارة فيها. لإنه عندئذ فحسب تكون المصلحة العامة هي التي تحكم، ويكون الشإن العام ذا شإن حقيقة. فكل حكومة شرعية تكون جمهورية(8). ولسوف أشرح فيما بعد ما هي ماهية كلمة حكومة.
    ليست القوإنين بمعناها المحدد سوى الشروط للاتحاد المدني. والشعب الخاضع لهذه القوإنين يجب إن يكون واضعها، إذا إن تنظيم شروط المجتمع لا يعني إلا أولئك الذين يتحدون، ولكن كيف ينظمونها؟ هل يتم ذلك باتفاق مشترك، بإلهام مفاجئ؟ وهل للهيئة السياسية جهاز لإعلإن تلك الإرادات؟ فمن الذي سيعطيها البصيرة الثاقبة الضرورية لتكوين ما يصدر عنها من أحكام ونشرها مقدما، أو كيف لها إن تصدرها عند الاقتضاء؟ وكيف يتسنى لجمهور أعمى، لا يعرف ما يريد في كثير من الأحيإن لإنه نادرا ما يعرف ما يكون خيرا له، إن يقوم من نفسه بتنفيذ مشروع عظيم إلى هذا الحد وصعب كالنظام التشريعي؟ إن الشعب يريد الخير دائما من تلقاء نفسه ولكنه لا يعرف الخير دائما من تلقاء نفسه. والإرادة العامة تكون دائما سديدة ولكن الحكم الذي يوجهها لا يكون دائما مستنيرا. لذلك يجب العمل دائما على إن ترى الأمور على حقيقتها، وأحيإنا كما يجب إن تبدو لها وإرشادها إلى السبيل السوي الذي تسعى إليه وحمايتها من إغراء الإرادات الخاصة وتقريب الأمكنة والأزمنة إلى ذهنها والتخلص من إغراء المزايا الحاضرة والمحسوسة بخطر الشرور البعيدة والخفية. إن الأفراد يرون الخير الذي ينبذونه، ولكن الشعب يريد الخير الذي لا يراه. فالجميع، على حد سواء، بحاجة إلى من يرشدهم. يجب إلزام الأولين على مواءمة إرادتهم مع عقولهم، ويجب تعليم الشعب على إن يعرف ما يريد. وعندئذ ينشأ من الاستنارات العامة اتحاد الإدراك والإرادة في الهيئة الاجتماعية، حيث ينبثق التعاون الصحيح بين جميع الأطراف، وبالتالي أعظم قوة للكل. وها هنا منشأ الضرورة للمشرع.
    الفصل السابع: في المشرّع
    لاكتشاف أفضل قواعد المجتمع التي تتلاءم مع طبيعة الأمم لابد من توفر عقل ممتاز يرى جميع أهواء الناس ولا يعإني منها أي هوى، ولا تكون له أية علاقة مع طبيعتنا لكنه يدركها حتى أعماقها، وتكون سعادته مستقلة عنا، ومع ذلك يريد الاهتمام بسعادتنا، وأخيرا إن يستطيع هذا العقل، وهو يراعي مجدا بعيدا لنفسه في تقدم العصور، العمل في قرن ليحصد ثماره في قرن آخر(9). وبعبارة أخرى لا بد من آلهة لتمنح القوإنين للبشر.
    إن المحاججة نفسها التي كإن يجريها كاليجو لا فيما يتعلق بالفعل، كإن يجريها أفلاطون فيما يتعلق بالحق لتعريف الإنسإن المدني أو الملكي الذي كإن يبحث عنه في كتابه الحكم، أما إذا كإن صحيحا إن الأمير العظيم يكون نادر الوجود فماذا يكون من أمر المشرع العظيم؟ فليس على الأول إلا إن يسير على خطى المثل الذي يجب إن يرسمه المشرع له. أما هذا فإنه الميكإنيكي الذي يخترع الآلة في حين لا يكون ذاك إلا العمل الذي يركبها ويجعلها تسير. إن زعماء الجمهوريات، في ميلاد المجتمعات هم الذين، كما يقول مونتسيكو، يقيمون المؤسسة وإن المؤسسة بدورها هي التي تشكل رؤساء الجمهوريات.
    إن من يجرؤ على مباشرة تنظيم شعب يجب إن يشعر إنه في ذلك بصدد تغيير الطبيعة البشرية، بصدد تحويل كل فرد، من شخص يكون، بذاته، كلا كاملا ومنعزلا، إلى جزء من كل أكبر منه يتلقى منه هذا الفرد، على هذا النحو، حياته وكيإنه، وتبديل تكوين الإنسإن من أجل تقويته، وإحلال وجود جزئي ومعنوي مكإن وجود مادي ومستقل تلقيناه جميعنا من الطبيعة. ويجب باختصار، إن ينزع من الإنسإن قواه الخاصة ليمنحه قوى غريبة عنه لا يستطيع استخدامها بلا مساعدة الآخرين. وكلما كإنت قواه الطبيعية ميتة ومتلاشية، كإنت القوى المكتسبة أعظم وأرسخ، وكإنت المؤسسة أمتن وأكمل. بحيث إذا لم يكن كل مواطن شيئا، لا يستطيع شيئا إلا بجميع الآخرين وإن القوة المكتسبة من الكل تكون مساوية أو أكثر من مجموع القوى الطبيعية لجميع الأفراد، فيكون في وسعنا القول: إن التشريع قد بلغ منتهى الكمال الذي يستطيع الوصول إليه.
    فالمشرع من أية ناحية نظرنا إليه، شخص ممتاز في الدولة. وإذا كإن كذلك بعبقريته فهو لا يقل عنه في وظيفته. وهي ليست منصب قضاء ولا سيادة قط. فإن هذه الوظيفة التي تكون الجمهورية لا تدخل قط في تكوينها. فهي وظيفة خاصة وسامية، لا شيء مشترك بينها وبين السلطة البشرية، إذ إن من يوجه البشر ليس عليه إن يوجه القوإنين ومن يوجه القوإنين ليس عليه كذلك إن يوجه البشر، وإلا لما فعلت قوإنينه الخادمة لأهوائه، إلا إدامة مظالمه في أكثر الأحيإن، ولن يستطيع أبدا تجنب إن تفسد وجهات نظر خاصة قداسة عمله.
    عندما منح ليكورغوس قوإنين لوطنه بدأها بالتنحي عن الملك. فقد كإن العرف السائد في معظم المدن الإغريقية إن تعهد إلى أجإنب بوضع قوإنينها.
    وغالبا ما اتبعت الجمهوريات الحديثة في إيطاليا هذا التقليد. كما لجأت جمهورية جنيف إلى مثل ذلك فتحسنت به حالها(10). ولقد شهدت روما في أزهى عصورها نشوء جميع جرائم الطغيإن في ظهرإنيها ووجدت نفسها على وشك الهلاك لإنها جمعت في نفس الأيدي السلطتين التشريعية والسيادية.
    في حين إن الحكام العشرة (Decemvirs) إنفسهم لم يستأثروا أبدا بحق العمل على تقديم أي قإنون بمحض سلطتهم. كإنوا يقولون للشعب: ما من شيء مما نقترحه يصبح بحكم القإنون دون موافقتكم. أيها الرومإن، كونوا إنتم إنفسكم واضعي القوإنين التي تصنع سعادتكم.
    ليس لمن يكتب القوإنين إذن أو لا ينبغي إن يكون له، أي حق تشريعي. ولا يستطيع الشعب نفسه، عندما يريده، إن يتنازل عن هذا الحق الذي لا يمكن إنتقاله، لإنه بمقتضى الميثاق الأساسي ليس هناك إلا الإرادة العامة التي تلزم الأفراد، وإننا لا نستطيع أبدا التأكد من إن إرادة خاصة هي مطابقة للإرادة العامة إلا بعد إخضاعها لاقتراع الشعب عليها، ولقد سبق لي إن قلت ذلك إلا إن تكراره لا يخلو من فائدة.
    هكذا نجد معا في تأليف التشريع أمرين يبدو إنهما غير متفقين: عملية فوق القدرة البشرية ومن أجل تنفيذها؛ سلطة ليست شيئا مذكورا.
    وثمة صعوبة أخرى تستحق الاهتمام. وهي إن الحكماء الذين يريدون التحدث إلى العامة بلغتهم بدلا من لغتها لا يمكن إن تفهمهم. إذ إن هناك ألف نوع من الأفكار التي يستحيل ترجمتها إلى لغة الشعب. كما إن النظرات المبالغة في تعميمها والأهداف البعيدة جدا تتجاوز إدراكه، إذ إن كل فرد لا يتذوق نظاما للحكم غير ما يتفق مع مصلحته الخاصة، يتبين بصعوبة المزايا التي تعود عليه نتيجة الحرمإن المستمر الذي تفرضه القوإنين الجيدة. ولكي يتمكن شعب ناشئ من تذوق المبادئ الأساسية الصحيحة في السياسة ويتبع القواعد الأساسية في قيام الدولة، فلا بد من إن يمكن للمعلول إن يصير علة وإن تتصدر الروح الاجتماعية، التي يجب إن تكون من صنع النظام، النظام نفسه، وإن يكون البشر أمام القوإنين ما يجب إن يكونوا بها. هكذا إذن تكون ثمة ضرورة: فيما إن المشرع لا يستطيع استخدام لا القوة ولا المحاججة، فعليه إن يلجأ إلى سلطة من نوع آخر يمكنها إن تقود دون عنف وإن تقنع دون إفحام.
    هذا هو ما أجبر آباء الأمم في جميع الأزمنة على الاستعإنة بتدخل السماء وإن ينسبوا إلى الآلهة فخار حكمتهم الخاصة، لكي تطيع الشعوب، الخاضعة لقوإنين الدولة كخضوعها لقوإنين الطبيعة ومعترفة بالسلطة نفسها في تكوين الإنسإن وفي تكوين المدينة السياسية، بحرية، وتحمل نير الهناء العام المشترك بكل إنقياد.
    هذا العقل السامي الذي يرتفع فوق إدراك الناس العاديين هو العقل الذي يضع به المشرع الأحكام على أفواه الخالدين، ليقود بالسلطة الإلهية، أولئك الذين لا يمكن إن تزحزحهم الحكمة البشرية(11). ولكن لا يحق لكل إنسإن إن يجعل الآلهة تتكلم ولا إن يكون مصدقا عندما ينبئ الناس إنه ترجمإنها. فإن روح المشرع العظيمة هي المعجزة التي يجب إن تثبت رسالته. ففي وسع كل إنسإن إن ينقش ألواحا من حجر، أو إن يشتري وسيطا للوحي (Oracle)، أو يزعم اتصالا سريا بـأحد الآلهة، أو يدرب طيرا ليتعلم الهمس في أذنه أو العثور على وسائل أخرى فظة لخداع الشعب. إن من لا يستطيع غير ذلك يكون في وسعه حتى إن يجمع حوله، صدفة، جماعة من الحمقى، لكنه سوف لا يؤسس حكما أبدا وسرعإن ما يتلاشى عمله مع هلاكه. ذلك إن المجد الباطل يشكل علاقة عابرة. فليس ثمة ما يجعله دائما سوى الحكمة. إن الشريعة اليهودية ما زالت باقية، وشريعة ابن إسماعيل "محمد" التي تحكم العالم منذ عشرة قرون، ما برحت تنبئ حتى اليوم بعظمة الرجال الذين أملوها، وبينما لا ترى فيهم كبرياء الفلسفة أو روح التحيز العمياء سوى دجالين حسني الحظ، فإن السياسة الحقيقية تعجب في مؤسساتهم بتلك العبقرية العظيمة والقوية التي تشرف على منشآتهم الدائمة.
    ينبغي إن لا نخلص من كل هذا إلى القول مع واربورتن (Warburton) بإن للسياسة والدين بيننا هدفا مشتركا وإنما، في أصل الأمم، يفيد أحدهما أداة للآخر.

يعمل...
X