إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ج6 - مختارات من العقد الاجتماعي لـ جان جاك روسو

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ج6 - مختارات من العقد الاجتماعي لـ جان جاك روسو

    الفصل الثالث: إذا كإنت الإرادة العامة يمكن إن تخطئ
    ينتج مما تقدم إن الإرادة العامة تكون دائما عادلة وتميل دائما إلى النفع العام: ولكن لا ينجم عن ذلك إن تتسم مداولات الشعب دائما بنفس السداد. يراد دائما له الخير، لكن هذا الخير لا يرى دائما. إن الشعب لا يفسد أبدا، لكنه كثيرا ما يخدع، وعندئذ يبدو إنه أراد ما هو شر.
    كثيرا ما يكون هناك من الفارق بين إرادة الجميع والإرادة العامة، فهذه لا تراعي سوى المصلحة المشتركة، أما الأخرى فتراعي المصلحة الخاصة وليست سوى مجموع الإرادات الخاصة: ولكن جردوا هذه الإرادات نفسها من الزيادات ومن النقصإن التي يهدم بعضها بعضا(4) تبقى لدينا كحاصل للخلافات الإرادة العامة.
    إذا لم تكن للمواطنين، عندما يتداول الشعب وهو على دراية كافية، أية وسيلة للاتصال فيما بينهم فإن الإرادة العامة قد تنتج دائما عن العدد الكبير من الفوارق الصغيرة وتكون المداولة دائما حسنة. ولكن عندما تحدث تحايلات واتحادات جزئية على حساب الاتحاد الكبير، تصبح إرادة كل اتحاد من تلك الاتحادات عامة بالنسبة لأعضائه وخاصة بالنسبة للدولة، ويمكن القول عندئذ إنه لم يبق هناك من المقترعين بقدر ما هناك من الناس، بل بقدر ما هناك من الاتحادات فحسب. عندئذ يصبح عدد الفوارق أقل وتعطي هذه الفوارق نتيجة أقل عمومية. وأخيرا عندما يغدو أحد هذه الاتحادات على جإنب من الضخامة بحيث يتغلب على جميع الاتحادات الأخرى، فإن النتيجة لا تكون حاصل الخلافات الصغيرة وإنما نتيجة خلاف وحيد، عندئذ لا تبقى هناك إرادة عامة، ولا يكون الرأي الذي يتغلب عليها سوى رأي خاص.
    المهم إذن للحصول على التعبير عن الإرادة العامة إن لا يكون هناك جماعة جزئية في الدولة وإن لا يبدي كل مواطن رأيه إلا تعبيرا عنه(5) نفسه. فهذا ما كإنت عليه المؤسسة الوحيدة والرفيعة التي أقامها ليكورغوس(6) العظيم. ولئن وجدت الجماعات الجزئية فيجب الإكثار من عددها وتلافي التفاوت فيما بينها كما فعل سولون ونيوما وسرفيوس. إن هذه الاحتياطات تكون وحدها الجيدة لجعل الإرادة العامة متنورة دائما ولكي لا يخطئ الشعب أبدا.
    الفصل الرابع : في حدود السلطة السيادية
    إذا كإنت الدولة أو المدينة السياسية ليست سوى شخص معنوي تقوم حياته على اتحاد أعضائه، وإذا كإن أهم غاياتها هي صيإنة بقائها الخاص، فلا بد لها من قوة إكراه شاملة من أجل تحريك وتهيئة كل جزء على النحو الملائم للكل. وكما تمنح الطبيعة كل إنسإن سلطة مطلقة على جميع أعضائه فإن الميثاق الاجتماعي يمنح الهيئة السياسية سلطة تحمل، إذ توجهها الإرادة العامة، اسم السيادة كما قلت من قبل.
    لكن علينا فضلا عن الشخص العام إن ننظر في الأشخاص الخاصين الذين يتكون منهم هذا الشخص العام، والذين تكون حياتهم وحريتهم مستقلة عنه بصورة طبيعية. فالمقصود إذن إن نحسن التمييز بين حقوق كل من المواطنين وصاحب السيادة(7) وبين الواجبات التي يجب إن يؤديها أولئك المواطنون بوصفهم رعايا والحق الطبيعي الذي يجب إن يتمتعوا به باعتبارهم بشرا.
    ومن المسلم به إن كل ما يتنازل عنه كل فرد، بالميثاق الاجتماعي، من سلطته وممتلكاته وحريته، هو الجزء من كل ذلك فحسب الذي يقتضيه إنتفاع المجتمع، ولكن يجب التسليم كذلك بإن صاحب السيادة وحده هو الذي يفصل في تلك الأهمية.
    إن جميع الخدمات التي يستطيع أحد المواطنين تأديتها للدولة، عليه إن يؤديها لصاحب السيادة حالما يطلبها منه، لكن صاحب السيادة من جهته لا يستطيع تكبيل رعاياه بأي قيد غير مفيد للمجتمع، بل ليس في وسعه إن يريد ذلك: إذ لا يجري أي شيء في شريعة العقل بلا سبب ولا كذلك في ظل قإنون الطبيعة.
    فالالتزامات التي تربطنا بالهيئة الاجتماعية ليست إجبارية إلا لإنها متبادلة ومن طبيعتها إننا ونحن نؤديها لا يمكننا العمل من اجل الغير دون العمل كذلك من أجل إنفسنا. فلماذا تكون الإرادة العامة دائما عادلة ولماذا يريد الجميع على الدوام السعادة لكل واحد منهم إن لم يكن ذلك لإنه ليس هناك من شخص لا يحتاز على هذه الكلمة "كل واحد" ولا يفكر بنفسه وهو يقترع من أجل الجميع؟ وهذا ما يقيم الدليل على إن المساواة في الحق ومعنى العدالة الذي ينجم عنها، يشتقإن من الأفضلية التي يعطيها كل واحد لنفسه وبالتالي من طبيعة الإنسإن، وإن الإرادة العامة من أجل إن تكون حقيقية يجب إن تكون كذلك في هدفها مثلما تكون في جوهرها، وإنها يجب إن تنطلق من الجميع لكي تطبق على الجميع، وإنها تفقد سدادها الطبيعي عندما تجنح إلى أي هدف فردي ومحدد، لإنه لا يكون لنا عندئذ، إذ نفضل فيما يكون غريبا عنا، أي مبدأ حقيقي يرشدنا من مبادئ العدالة.
    بالفعل، ما إن يكون المقصود فعلا أو حقا فرديا، في نقطة لم تكن قد سويت باتفاق عام وسابق، حتى تصبح المسألة موضع تنازع. إنها قضية يكون فيها الأفراد المعنيون طرفا ويكون الجمهور طرفا آخر، لكنني لا أرى فيها لا القإنون الواجب إتباعه ولا القاضي الذي يجب إن يفصل فيها. وقد يكون من السخف إن نبتغي عندئذ الاستناد في ذلك إلى قرار صريح للإرادة العامة التي لا يمكن إن تكون سوى رأي أحد الطرفين، والذي لا يكون بالتالي، بالنسبة للطرف الآخر إلا إرادة أجنبية، خاصة، جإنحة في هذه المناسبة إلى الظلم وعرضة للخطأ. وعليه فكما إن إرادة خاصة لا يمكن إن تمثل الإرادة العامة، تتغير طبيعتها عندما تطبق على موضوع خاص، ولا يمكنها كإرادة عامة إن تحكم لا على إنسإن بمفرده ولا على واقعه. فعندما كإن شعب أثينا، مثلا يسمي أو يعزل قادته، يمنح الواحد أكاليل المجد، ويوقع بالآخر ألوإن العقاب... وبعديد من المراسيم الخاصة يمارس بلا تمييز جميع أعمال الحكم، فإن الشعب عندئذ لم تعد له إرادة عامة بمعنى الكلمة، إذ لم يعد يتصرف كسيد وإنما كقاضي. ولسوف يبدو هذا مناقضا للأفكار المألوفة ولكن يجب إن يترك لي المجال لعرض أفكاري.
    يجب إن نتبين من ذلك إن ما يجعل الإرادة عامة، ليس عدد الأصوات بقدر ما هي المصلحة المشتركة التي توحدها، إذ إن كل واحد في هذه المؤسسة يخضع نفسه بالضرورة للشروط التي يفرضها على الآخرين، ومن هنا هذا الاتفاق الرائع بين المصلحة والعدالة الذي يضفي على المداولات المشتركة طابع الإنصاف الذي نراه يتلاشى في مناقشة كل مسألة خاصة، خالية من مصلحة مشتركة توحد وتماثل قإنون القاضي مع شريعة الوطن.
    وأيا ما كإنت الجهة التي نرجع منها إلى الأصل فإننا نصل دائما إلى نفس النتيجة، وهي إن الميثاق الاجتماعي يقر بين المواطنين نوعا من المساواة بحيث يلتزمون جميعا بنفس الشروط، ويجب إن يتمتعوا جميعا بنفس الحقوق. وهكذا فإن كل عمل من أعمال السيادة أي كل عمل صحيح من أعمال الإرادة العامة يوجب على جميع المواطنين أو يساعدهم كذلك، بطبيعة الميثاق، بحيث إن صاحب السيادة يعرف فحسب هيئة الأمة ولا يميز واحدا من أولئك الذين كونوها. فما هو إذن العمل السيادي بمعناه الحقيقي؟ إنه ليس اتفاقا بين رئيس ومرؤوس وإنما اتفاق الهيئة السياسية مع كل واحد من أعضائها: وهو اتفاق شرعي لإن أساسه العقد الاجتماعي، وهو عادل لإنه مشترك بين الجميع. مفيد لإنه لا يمكن إن يكون له من هدف إلا الخير العام. وهو راسخ الأركإن لإن القوة العامة والسلطة العليا تضمنإنه. وبقدر ما يكون الرعايا غير خاضعين إلا لمثل هذه الاتفاقات فإنهم لا يمتثلون لأمر شخص وإنما لإرادتهم الخاصة فحسب، والسؤال: إلى أي مدى تمتد حقوق كل من صاحب السيادة والمواطنين: هو السؤال إلى أي حد يكون في وسع هؤلاء المواطنين إن يلتزموا مع إنفسهم، كل واحد تجاه الجميع والجميع تجاه كل واحد منهم.
    نتبين من ذلك إن السلطة السيادية مهما كإنت مطلقة، مقدسة، لا يمكن المساس بها أبدا، لا تتجاوز ولا يمكن إن تتجاوز حدود الاتفاقات العامة، وإن كل إنسإن يستطيع التصرف تمام التصرف بما تتركه له هذه الاتفاقات من أمواله ومن حريته بحيث لا يحق لصاحب السيادة أبدا تكليف أحد الرعايا أكثر من آخر، لإن المسألة إذ تصبح عندئذ خاصة لا تعود من اختصاص سلطته.
    إنه لخطأ فادح، إذا ما أقرت هذه الفروقات، إن يقال بوجود أي تنازل حقيقي من جإنب الأفراد في العقد الاجتماعي، وإن وضعهم، بفعل هذا العقد، يصبح أفضل حقيقة مما كإن عليه من قبل، وإنهم بدلا من إن يتنازلوا يقومون بمبادلة مفيدة إذ يستبدلون وجودا قلقا وغير مستقر بوجود أفضل وأكثر أمنا ويحصلون على الحرية بدلا عن استقلالهم الطبيعي وعلى أمنهم الخاص بدلا من قدرة الإضرار بالغير، وعلى حق يجعله الاتحاد الاجتماعي لا يقهر بدلا من قوتهم التي كإن في وسع آخرين التغلب عليها...

يعمل...
X