إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

شعر محمود درويش - مديحُ النبيذ

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • شعر محمود درويش - مديحُ النبيذ

    شعر محمود درويش - مديحُ النبيذ

    مديحُ النبيذ


    أَتأمَّل النبيذ في الكأس قبل أَن أتذوقه
    أتْركُهُ يتنفَّس الهواء الذي حُرم منه سنين. إِخْتَنَقَ ليحمي الخصائص. و تخمَّر في سُبَاته، و ادَّخَر الصيفَ لي و ذاكرةَ العنب.
    أتركُهُ ينتقي لونه المُسَمَّى، خطأً، أحمر. فهو مزيج من قُرْمُزيّ تشرَّب غيمة خفيفة السواد. لون لا لون له إلا اسمه: نبيذيّ، لنرتاح من مراوغة الوصف.
    و أترُكُهُ يحترم رائحته، الرائحةَ المتكبرة المتعالية كالمُحْصَنَات من النساء. إن شئتَ أن تَشُمَّها فلا تأتي هي إليك. عليك أنت أن تتأكَّد من طهارة يدك و خلوِّها من العطر، ثم تمدَّها بلينٍ عاطفيّ إلى الكأس كأنها تقترب من نَهْد. تقرِّبُ الكأس من أَنفك بأناة نحلة، فتبعثرك رائحةٌ عميقة سريّة: رائحةُ اللون التي تُدْخِلُكَ إلى أَدْيِرَةٍ قديمة.
    و أَتركه يستجمع خواطر مذاقه إلى أن نكون، أنا و هو، جاهِزَيْن عطشاً لاستقبالِ وَحْيٍ بالفم. لا أَتعجَّل و لا أَتمهل، فكلاهما كسر في إيقاع المتعة. أُقرِّبُ الكأس من شفتيّ بخفر المتسوِّل قبلةً أولى من امرأةٍ غامضة العواطف. أرتشف جرعة خفيفة. و أَنظر إلى أَعلى بعينين نصف مغمضتين إلى أن يسري سُلافُ نشوةٍ في شراييني. و تنفتح شهيَّتي على ما يليق بالنبيذ من حاشِيةٍ ملكية. هو النبيذ يرفعني إلى مرتبة أعلى، لا هي سماوية، و لا هي أرضية. و يقنعني بأنَّ في وسعي أن أكون شاعراً، و لو لمرة واحدة!

يعمل...
X