إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الدكتور حليم بركات : المخيلة نافذة والمشهد زمن صاخب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الدكتور حليم بركات : المخيلة نافذة والمشهد زمن صاخب

    حليم بركات: المخيلة نافذة
    والمشهد زمن صاخب

    في محاضرة لا تخلو من المتعة كان الموعد مع الدكتور حليم بركات في ثقافي ابو رمانة. بحضور غصت القاعة به .. وما هذا الا دلالة على مكانته الرفيعة. . بين محبيه ومتابعيه..
    الندوة ادارها الاستاذ عبد الرحمن الحلبي .. والاستاذ غسان كلاس تحدث د. بركات عن اولى رواياته ( القمم الخضراء ) والتي نشرت عام 56 ونالت جائزة (سليمان المدرس) في دمشق وكان ما يزال طالباً في السنوات الجامعية الاولى ...ويتابع عندما نلت الجائزة اصبح العديد من الناشرين يرغبون بنشر الرواية وكانت هي المرة الاولى التي آتي فيها الى دمشق ما بين عامي 55-56 وقد تجولت في شوارعها لوقت طويل.. وكان هذا لقائي الاول مع دمشق.‏
    ومن ثم كتبت مجموعة قصصية بعنوان ( الصمت والمطر ) ونشرت عدداً منها في المجلات اما روايتي ( ستة ايام ) فقد كتبتها ما بين عامي 61-62 ومن خلالها اردت ان اتصور المجتمع العربي يواجه تحدياً... وتبدأ الرواية بأن عدوا يحاصر المدينة والتي اسميتها - دير البحر - واعطيت المدينة خياراً صعبا إما أن تستسلم أو تدمر.‏
    هذه - الستة ايام - اول رواية كتبت . .وكان اسلوبها جديداً..البعض كتب في هذا الشأن عندما بدأت الحرب عام 67 .‏
    الرواية نالت اهتماماً واسعاً . .لقد كتبت عن الحرب قبل 7 سنوات من حدوثها.. وكنت ادرك ان المجتمع العربي يواجه تحدياً كبيراً‏
    ولن يقدر على المواجهة‏
    -من الادب الى علم الاجتماع :‏
    ويطرح الاستاذ عبد الرحمن الحلبي.. تساؤلاً حول نقطة التلاقي بين الادب وعلم الاجتماع عن الدكتور بركات .. وأيهما أسس للآخر علم الاجتماع أسس للأدب أم العكس?!‏
    ويقول د. بركات: لقد قمت بتدريس طرق البحث الاجتماعي... وكان لي تجربة اثرت في حياتي بشكل لا استطيع ان اتكلم عنها دون ان أتألم. وهي عندما قلت للطلبة بدل ان نتكلم عن طرق البحث . . لماذا لا نقوم بالبحث .. وفعلاً ذهبنا الى الاردن .. والمخيمات تحديداً حيث قمنا بدراسة ظروف النازحين... ولماذا نزحوا , سكنا المخيم لمدة خمسة اسابيع بعد الحرب.. كان تأثير هذه التجربة قويا على الطلبة واصبحوا - يهتمون بهذه القضايا وقد لخصت التجربة حيث كتبت ان الدراسة الاجتماعية لا تكفي.‏
    ومن هنا كتبت روايتي - عودة الطائر الى البحر عام .69 والتي عللها الاستاذ الحلبي بتقاطعها الحاد مع دراسة د.بركات لعلم الاجتماع وهذا يعني ما يعنيه .. ان الادب يهتم بعلم الاجتماع ..واضاف د.بركات في معرض حديثه عن علاقة المرأة بالرجل ان العلاقة بينهما - كالسم والوتر هو السهم- الاصطياد- هي الوتر الموسيقا.. والحب الحقيقي الذي يحصل بين الرجل والمرأة هو ما يجب ان يحصل فعلاً . علاقة ليس فيها اخضاع وانما تكون متبادلة. يغتني الانسان/رجل -امرأة/ من هذه العلاقة وحين لا يغتني يكون في العلاقة/خلل/.‏
    أما عن كتابة /المجتمع العربي/ والذي استعمل هذا الكتاب في التدريس وبعد مرور خمس عشرة سنة على كتابته فقد طلب مني الدكتور /خير الدين حسيب/ ان اعيد صياغته واتناول فيه التطورات التي حدثت في المجتمع العربي ..وافقت على الفكرة .. وكتبت كتاباً اسميته/المجتمع العربي في القرن العشرين طورت فيه اموراً كثيرة .. غيرت رأيي ببعض الاحداث.. ويجب ان يكون هذا الكتاب حل محل الآخر.. البعض يفضل حتى الآن قراءة -الكتاب الاول- كان كتابي ويتعامل الانسان مع معتقداته.. تناولته كما يطبق في الحياة اليومية‏
    تناولت . . السلوك الديني-السلوك السياسي-العائلة..‏
    مثلاً: العلاقة بين السياسة والعائلة-العلاقة بين الدين والعائلة .‏
    لقد اخذت بتشابك العلاقة والجدلية فيما بينهما .اما القسم الآخر من الكتاب تناولت فيه الثقافة العربية.. وافهم فيها شيئين هما :‏
    القيم العربية- والثقافة الابداعية وكيف عبر العربي عن نفسه في الشعر والقصة والرواية..اما القسم الاخير فقد تطرقت فيه الى المجتمع العربي والتغيير الحاصل فيها- وقد اسميت هذا التغيير /التجاوزي/ تجاوزا وتغييرا في البنى.. والعلاقات العامة بين المواطن والمؤسسات التي ينتمي اليها ..‏
    طائر الحوم.. غربة في المكان ..‏
    غربة عن المكان‏
    د.بركات .. من اكثر المواضيع التي اهتم بها الاغتراب ... وكانت اطروحته /حول الاغتراب ومعانيه / ويضيف الاغتراب عندي اغترابان : اغتراب عن المكان واغتراب في المكان . ولكن كيف نفهم هذا الاغتراب?‏
    لقد حاولت ان اعيد صياغة هذا الفهم بالنسبة للواقع العربي تحديدا .. كتبت حول الاغتراب كتاباً.. ما هو الاغتراب .. ما هي مصادر الشعور بالاغتراب.‏
    الاغتراب هو نوعية العلاقة فردا او جماعة بالمؤسسة التي ينتمي اليها هل يشعر بالنمو الطبيعي في العائلة .. هل هو عاجز يتلقى اوامر ام ينمو حراً يكون هناك ازمة... حاولت ان اصور هذه الجوانب من الدين وفي الدين في العائلة ومن العائلة. كيف يتجلى الاغتراب والى اي حد يشارك في صنع الاغتراب . . تناولت نتائجه ايضا مثلا النازحون 67 اثر نكسة حزيران في هذا النزوح كان الاغتراب مبنيا على نتائج توصلت اليها ..‏
    لقد نزحنا كعائلة من بيروت .. ودرست في الجامعة الاميركية بلبنان .حينما قمت بدراسة حول الطلاب الجامعيين الفلسطينيين .. استاءت الجامعة من ذلك وجرى ابعادي عنها.. دعتني جامعة /هارفرد/ لأكون استاذاً زائراً فيها .‏
    كما درست في جامعة /نيوفرستي/ وفي جامعة /جورج تاون / لمدة 26 سنة.‏
    وكتبت بالعربية والانكليزية.. لا ادري اين يقودني الحديث ... ولكن الحديث عن الاضطهاد بالنسبة لي.. /يولد نتائج عكسية/ مزيدا من التعلق بالاشياء التي اهتم بها ..‏
    -العلاقة بين الابداع والمنفى:‏
    اما عن علاقة الانسان بالمنفى وكيف يعيشه .. ماذا يحدث?‏
    يقول د.بركات : المنفى احياناً يزيد حالة الابداع ... ولا يعطلها . قمت بدراسة حول ذلك من الناحية الادبية والفنية.. وتطرقت الى ما حدث في امريكا اللاتينية وشرق اوروبا... حيث يوجد اهتمام واسع بأدب المنفى..‏
    اما ما هي نقاط الالتقاء بين د. حليم بركات .. وادوارد سعيد والنظرة الثقافية يقول د.بركات .. لقد كتبت في الثقافة والمرحوم ادوارد سعيد كتب ايضا وافخر كثيراً به /انساناً وكاتباً/ ادوارد سعيد هو ابن الحضارة الغربية.. لم يكن لديه اهتمام بالقضية الفلسطينية.. ولكن جرى تحول في حياته جعل من هذه القضيةموضوعه الحياتي..حيث كتب / الثقافة والامبريالية/ و/الاستشراق/ادوارد سعيد تحول بعد ال 67 وبدأ يشعر بانتمائه الفلسطيني .. ايضا كتب دراسة حول روايتي.. واصبحت تدرس..‏
    ادوارد سعيد لعب دوراً مهما واثر في الرأي العام الغربي .. وارى في ذلك جانبا ايجابيا .انا اختلف عنه ويختلف عني..‏
    اما عن كتابه /خطوط في الرمل والزمن/ فقد كان عبارة عن يوميات كتبتها من خلال قراءتي للصحف والمجلات الاميركية..وأتعمق في طريقة تحليلهم ومعالجتهم لهذا الغزو على العراق.. الى ان اصبحت هذه اليوميات كتاباً كاملاً.. اعطيتها لمركز دراسات الوحدة العربية لطباعته بعد ان اجريت عليه تعديلات .. تحت عنوان /يوميات من جوف الآلة/د. حليم بركات .. يمكن ان نستخلص بعد كل هذا .. ان سمته الموسوعية فهو ليس روائيا فقط بل عالم اجتماع ..ومرب .. لقد قام بتحليل الواقع العربي من خلال نظرة شاملة.. تناولت كل جوانب حياته ..‏
    حليم بركات .. لديه انتماء.. وتشبث بالارض والوطن .. كطائر الحوم الذي لا ينفك يقوم برحلته التي تعيده دوما الى وطنه الاصلي

    وفي موضوع كتب عن الأديب حليم بركات في المنتدى الثقافي بصحيفة الشرق الأوسط
    العصامي حليم بركات: من قبو «رأس بيروت» إلى جامعة «جورج تاون»
    الكفروني المتنكر يروي قصة حبه الجارف من وراء قناع

    في كتابه الأخير «المدينة الملونة» الذي قدمه حليم بركات لقرائه على انه مجرد رواية، هناك أسرار وذكريات وسيرة حياة تستحق ان تعرف. لأسباب كثيرة ألبس بركات أبطال كتابه/سيرته أسماء ليست لهم، وربما أن صفية ابنة انطون سعادة التي أحبها بشغف في شبابه، وحيل بينه وبين الزواج منها، هي أحدى تلك الشخصيات التي أراد أن يروي حكايتها مواربة. لكن صفية اليوم لا تجد حرجاً في ذلك، ومع هذا فحليم بركات فضّل لعبة الأقنعة.


    تأثر حليم بركات بجبران خليل جبران في مطلع حياته الادبية اسوة بالعديد من الذين سبقوه وعاصروه امثال فؤاد سليمان. واذا كان تأثره الواعي قد نتج عن «عذوبة كلماته وصوره ورموزه والدروب التي سلكها في حدائق القلب»، فان التأثر اللاواعي يعود الى الشبه الكبير بين ام جبران كاملة، ومريم ام حليم. الاولى، لم تترك وطنها الاصغر بشري لترفع اسم لبنان عالياً في سماء بوسطن، وانما فعلت ذلك هرباً من الجوع وتوقاً الى توفير مستقبل مشرق لاولادها، ومنهم جبران بعد اهمال زوجها لها وللعائلة. والثانية، تركت الكفرون السورية، باتجاه بيروت للسبب نفسه، بعد وفاة زوجها. ولأنهما غير متعلمتين، فقد مارستا مهنة شريفة ووضيعة وهي الخدمة في البيوت. ونجحتا في تحقيق هدفهما. لعل افضل برهان لنجاح كاملة البشراوية، ومريم الكفرونية، انهما وفرا الطعام والمدرسة والمنزل المتواضع لجبران وحليم، ليحلقا في سماء الادب باللغتين العربية والانجليزية، وفي الشرق القديم والعالم الجديد.
    جبران وحليم: الأمزجة المتناقضة
    ولكن حليم يختلف عن جبران، حين يتكلم عن شجرة العائلة. فجبران يؤكد لصديقته ماري هاسكل ان السجاد يُفرش له لحظة يهبط من سلم الباخرة في ميناء بيروت، وان اسدين يستقبلانه على مدخل بشري، في الوقت الذي يعتم تماماً على الوظيفة التي مارستها امه وسط الجالية في بوسطن. اما حليم بركات، فلا يتردد، رغم معارضة اخيه فؤاد، في القول ان الوقت لم يعد يسمح لامه كي تحك رأسها، حين انتقلت من الكفرون الى رأس بيروت، «لكثرة الشغل من تنظيف وغسيل وجلي وطبخ وعجن».
    كانت مريم قد ابقت حليم وكمال وندى في الكفرون، كي يصبح بامكانها توفير المدرسة والمنزل. وبعد ان امتلأت «قجتها» الصغيرة، قررت استئجار شقة قبيل استدعاء اولادها. بعد السلام والسؤال، ألقت صاحبة الشقة، ام سعد الدين محاضرة باللهجة البيروتية قالت فيها: «شوفي يا اختي، انا من بيت الطقوش وزوجي من بيت العيتاني. ديننا الاسلام يعلمنا الرحمة والعطف على الارامل والايتام. عندي غرفة صغيرة تحت الارض، ان شاء الله تناسبك. وعلى كل، الايجار لا نختلف عليه، حسب قدرتك على الدفع».
    واستأجرت ام حليم مستودع الحطب. وحين تمكنت من «شراء حصيرة ومساند ينام عليها اولادها»، التأم شمل العائلة في مطلع سبتمبر (ايلول) 1942، وكان الابن البكر حليم في السادسة من عمره.
    تلميذ متفوق حد كسر الحواجز
    بدأ الطفل حليم حياته الدراسية، بصورة مؤقتة، في مدرسة الكبوشية في شارع الحمرا. وسرعان ما انتقل الى ميتم «الفرندز» في رأس المتن. اما لماذا لم يتعلم في «فرندز» برمانا، فلأن هذا الفرع الرئيسي قبلة انظار ابناء العائلات الثرية. والطريف، ان حليم، بعد تخرجه من الجامعة، درّس في مدرسة الفرندز البرمانية.
    ومن رأس المتن، هبط حليم الى رأس بيروت ليكمل دروسه في الاعدادية (i.c) التابعة للجامعة الاميركية، في العام 1949. وفي الاعدادية نشر باكورة قصصه القصيرة في المجلة الطلابية «صدى النادي» التي اشرف على تحريرها الاديب فؤاد سليمان الملقب بـ «تموز» واستاذ العربية في الاستعدادية. وخلال اطلاعي على سجله في ادارة المدرسة، تبين انه كان متفوقاً في مادتي التاريخ واللغة العربية، خصوصاً في العام الاول، وناجحاً في سائر المواد. فقد بلغت علامة العربية في فبراير/شباط 93% وعلامة التاريخ 94%.
    ولم تقتصر حياة حليم في الاستعدادية على الدروس وكتابة القصص، بل هي شملت ايضاً السياسة، وأدت الى اعجابه ببعض الطلبة المنتمين آنذاك الى حركة القوميين العرب ممن لعبوا دوراً بارزاً في الحقل السياسي امثال جورج حبش ووديع حداد الفلسطينيين، واحمد الخطيب الكويتي، ووديعة حداد، شقيقة وديع، التي باتت تعرف بوديعة جرار بعد زواجها من صديق حليم مروان جرار. وكان لوديعة وزوجها دور كبير في «مهرجانات بعلبك» الفنية عبر «فرقة الانوار» التي اسساها مع الصحافي الراحل سعيد فريحة ولعب زكي ناصيف ووديع الصافي، ادواراً فنية رئيسية في حفلاتها التي اقيمت في «مدينة الشمس» منذ نصف قرن.
    لم يكن حداد وحبش وحيدين بين الطلاب الذين تخصصوا في حقل الطب، ومارسوا العمل السياسي. فقد سبقهما طبيب البلدان والابدان شبلي شميل، وعاصرهما القومي عبد الله سعادة ومنصور ارملي الماركسي الذي لمع في واشنطن، وكان من زوار عيادته حليم بركات.
    واعتبر حليم ان للدكتور قسطنطين زريق، و«جمعية العروة الوثقى»، دوراً ملحوظاً في تنشيط الايديولوجية العروبية في اوساط «الجامعة الاميركية» في بيروت. وبالمناسبة، فمن القصائد ـ الاناشيد التي ندم الشاعر سعيد عقل على نظمها، النشيد الرسمي للعروة الذي يقول في مطلعه:
    للنسور ولنا الملعب.... والجناحان الخضيبان بنور العلى والعربُ
    وعندما عبر حليم بوابة الاعدادية باتجاه «الجامعة الاميركية»، كان يعبر، في الوقت نفسه، بوابتين عريضتين: اولى، ادبية، اطل بها على عالم الرواية والقصة القصيرة متأثراً بالاديب المبدع الساخر سعيد تقي الدين... وثانية، سياسية، انتمى خلالها الى حزب انطون سعادة، وكان لصديقه وابن منطقته (صافيتا) منير بشور دور ملحوظ في انتمائه اليه.
    يقول حليم: «اسعدني جداً انني تعرفت الى سعيد تقي الدين الذي حبب لي كتابة القصة، واكتشفت انسانيته التي تفيض طيبة وكرماً. فكان من القلائل الذين يجمعون في شخصهم بين الروعة في كتاباته الساخرة وسلوكه في الحياة العامة». ويؤكد، من جهة اخرى، ان منير بشور ـ استاذ في الجامعة الاميركية ـ او عادل الاميوني كما يحلو له تسميته، قرّبه من الحزب القومي بعد ان اعطاه كتابي سعادة «المحاضرات العشر» و«نشوء الامم»، لكنه تأثر بالكتاب الثالث «الصراع الفكري في الادب السوري» لأنه «مولع بالادب اكثر من السياسة».
    الكاتب الصدامي ذو المظهر الهادئ
    واتسعت شبكة علاقات حليم بالادباء والصحافيين امثال يوسف الخال، وادونيس، ومحمد الماغوط، وانسي الحاج، خصوصاً بعد اصداره في تلك الحقبة ثلاث مجموعات قصصية، ودخوله عالم الصحافة هاوياً في «الزوابع» و«النهار» و«المجلة» ومحترفاً في «البناء» التي تولى ادارة صفحتها الثقافية.
    ويوحي مظهر حليم بركات الهادئ، بأنه في حقل الكتابة، بعيد عن الحوارات التصادمية والنقد اللاذع. ولكن المظهر يخفي، كالعادة، جوهراً مناقضاً. وعلى سبيل المثال، عندما كتب صديقه يوسف الخال، في جريدة «النهار» بتاريخ 6 اكتوبر 1960 ان «ادونيس شاعر لبناني مولود في احدى قرى جبال العلويين. تبنانا وتبنيناه منذ لفظه موطنه الاول وأصبح بدون وطن. ما من عربي ذي قيمة، لا وطن له ولبنان موجود. بهذا لبنان لبنان. جغرافيته لا تعرف حدوداً في الارض. حدودها في النور». رد عليه حليم، في الجريدة نفسها حيث دعاه الى التمييز بين الوطن والنظام القائم آنذاك الذي هجّر ادونيس لاسباب سياسية. ثم انتقل الى لبنان الذي تغزل يوسف به تغزل العاشق بحبيبته، فذكّره بأمرين: الاول انه – اي يوسف ليس لبنانياً، والثاني ان لبنان ليس بلداً ديمقراطياً لسبب بسيط وهو انه يعتمد نظاماً طائفياً.
    نشر الرد تحت عنوان ملفت «ادونيس شاعر غير لبناني». ومثل معظم العناوين، لم يكن العنوان من نظم الكاتب وتلحينه، بل من ابداع مسؤول الصفحة الثقافية آنذاك الشاعر والناثر انسي الحاج الذي يعتبره حليم «سيد من يعرف كيف ينتقي مواضيع سجالية ويجتذب من خلال العنوان، اهتمام القارىء».
    ولم يأخذ على خاطر الخال من رد بركات في «النهار» ومن ردوده الاخرى، خصوصاً المتعلقة بالدكتور شارل مالك. فقد رد الخال بابتسامة حين اتهمه بركات في حوار جرى في منزله بحضور منير بشور، بأنه كمعلمه مالك «يتكلم عن الحرية بمنهج مطلق واستبدادي من الاعالي».
    حبيبة الصبا: صبا أم صفية
    وقبل زواجه، احب حليم بركات فتاة، كان لها اثر كبير في حياته الحزبية والروائية. هو يطلق عليها اسم «صَبَا» في كتابه الأخير «المدينة الملونة»، واسمها الاول الحقيقي صفية. كانت رفيقته في الحزب القومي. وتطورت الرفاقة الى صداقة، فحب، ولقاءات سرية في مصيف ضهور الشوير والعاصمة بيروت. وكان يمكن ان تتوج العلاقة بالزواج، لولا تدخل احد مسؤولي الحزب، واصدار الامر لحليم بوضع حد «للطلعات» وقطع العلاقات.
    ولم يصدر «الامر» تطبيقاً لقاعدة، بل حالة استثنائية. فصفية هي الابنة البكر لمؤسس الحزب انطون سعادة. ونفذ حليم الامر رغم عدم قناعته به. وكان من تداعيات ذلك، تركه الحزب، واصداره رواية «ستة ايام» حيث يحكي فيها قصة حبه من الـ»طق طق» حتى السلام عليكم. اما الدكتورة صفية، فقد اكدت لي على الهاتف منذ ايام، ان حالة الاستثناء لا مبرر لها، خصوصاً وان والدها لم يكن متزمتاً، ولم يسبق له ان أصدر امراً مماثلاً منذ تأسيسه الحزب في العام 1932، حتى اعدامه في العام 1949.
    وهاجر حليم الى بلاد العم سام ليكمل دروسه العليا، ويصبح استاذا في جامعة جورج تاون واشنطنية اسوة بهشام شرابي. وخلال حياته الاكاديمية، اصدر مجموعة من الروايات والابحاث الفكرية والسياسية، باللغتين العربية والانكليزية. وبعد تقاعده من العمل الاكاديمي، اصدر كتابه الاخير «المدينة الملونة»، الصادر عن «دار الساقي»، والذي اقتبست عنه العبارات الموضوعة بين اهلة. والظاهر انه لن يتقاعد عن الكتابة، بدليل ان مذكراته قد البسها عباءة روائية، واسند دور البطولة فيها لنادر الكفروني بدلاً من حليم اسبر بركات...الكفروني.



    عن الشرق الأوسط- جان دايه
يعمل...
X