إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المبدع جرجي زيدان وضياء (الهلال) المؤنس (1861-1914)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المبدع جرجي زيدان وضياء (الهلال) المؤنس (1861-1914)

    جرجي زيدان
    وضياء (الهلال) المؤنس (1861-1914)


    خليل البيطار

    في النصف الثاني من القرن التاسع عشر كانت مصر منطلق المشروع النهضوي العربي والإسلامي، ومركز تفاعل حضاري مع المراكز المتمدنة في أوربا. ووفد إليها دارسون وعلماء وسياسيون وحالمون بإنجاز مشروعات ثقافية أو سياسية أو تجارية من أقطار المشرق والمغرب العربيين والإسلاميين، ومن بينهم جمال الدين الأفغاني وأبو خليل القباني وعبد الرحمن الكواكبي وشبلي الشميل وخير الدين الزركلي وجرجي زيدان.
    وجرجي زيدان صاحب مشروع متعدد الأوجه، يشبه ثقافته الموسوعية، فهو عالم ومؤرخ وقاص متمكن ورحالة بحاثة وإعلامي متبحر في جوانب الثقافة الحديثة، انتبه مبكراً إلى أهمية البحث العلمي وضرورة تأسيس الجامعة المصرية، وإلى تجديد منهج البحث التاريخي وعلم التاريخ، وإلى دور الإعلام الرصين في رفع الوعي وتأصيل الثقافة العقلانية الضرورية لنهضة المجتمعات المعاصرة.
    ولد جرجي زيدان في بيروت، وتعلم في صباه صناعة الأحذية، وانتظم في جمعية أدبية أسسها شمس الدين بدر، وكانت فرعاً لجمعية الشبان المسيحيين في إنكلترا. درس الطب، وطرد مع عدد من زملائه بسبب إضرابهم من أجل حرية التعبير وتضامنهم مع مدرس مطرود من الكلية الأمريكية، وتمكن من الحصول على شهادة في الكيمياء التحليلية، وشهادة في اللغة اللاتينية. ثم هاجر إلى مصر، ودرس التاريخ الإسلامي، ثم كلف بالتدريس في الجامعة التي طالب بتأسيسها منذ عام 1900، وقبل أن يطالب بها مصطفى كامل (1874 ـ 1908)، وقاسم أمي ن( 1863 ـ 1908)، واستكتر عليه المتعصبون المتأسلمون تدريس التأريخ الإسلامي، وضغطوا على إدارة الجامعة فسحبت التكليف عام 1910.
    انتبه مبكراً إلى أهمية الإعلام في التنوير ونهضة الأمم. وكتب في مجلة (المقتطف) لمؤسسيها يعقوب صروف وفارس نمر، وفي جريدة (الأهرام) لمؤسسيها الأخوين تقلا. ثم أسس مشروعه الإعلامي الرائد مجلة (الهلال) الشهرية، وصدر عددها الأول غرة أيلول عام 1892، وانتظم صدورها إلى أيامنا دون انقطاع، وغدت مؤسسة ضخمة تصدر العديد من الدوريات المتخصصة والكتب الشهرية وكتب الأطفال، ومنارة لتدريب الإعلاميين، ولم يمنع مشروع الهلال زيدان ـ وهو الطموح والمتعدد والمتعجل بتؤدة وتركيز لإنهاض مجتمعه أن يواصل البحث والتأليف والإبداع الروائي، والترحال الدائم لمعرفة أحوال المجتمعات المتمدنة، وقد جال في ممالك أوربا عبر رحلتين علميتين: أولاهما إلى فرنسا وسويسرا، والثانية إلى إنكلترا، ودرس فيهما أحوال المجتمع، وتفقد المكتبات والمتاحف والآثار، واطلع على العمران ونظام الحكم، وعلى الأحوال الاقتصادية والاجتماعية. وسجل ذلك كله ونشره في مطبعته كي ينتفع به الدارس والقارئ.
    وجرجي زيدان مؤرخ منهجي ومؤسس للمنهج العلمي في البحث التاريخي، وهو مبدع واسع الخيال في مضمار القصة التاريخية، وتحويل الحوادث التاريخية الجافة والكارثية إلى حكايات مشوقة تسعف في فهم أسباب النكبات، وفي أخذ العبرة من الأحداث، كما أنه رحالة ومفكر ومحاور هادئ بعيد عن التعصب والانفعال، وهو ناقد رصين ومتذوق للفنون، وقد مكَّنه ذلك كله من تحويل (الهلال) إلى منارة جاذبة لكبار مثقفي عصره.
    أصدر زيدان عدداً من المؤلفات الأدبية والتاريخية، احتفظت بأهميتها وريادة مؤلفها حتى اليوم، وقد وضع كتاباً في (الفلسفة اللغوية والألفاظ العربية) عام 1886، وأبدع عدداً من الروايات التاريخية وصلت إلى 22 رواية. ووضع كتاب (تاريخ اللغة العربية وآدابها)، وهو مرجع مدرسي علمي مهم.
    وألف عدداً من الكتب التاريخية هي: (تاريخ التمدن الإسلامي، تاريخ مصر الحديث، التاريخ العام في جزأين، تاريخ الماسونية. ووضع دراستين في أدب الرحلة والبحث التاريخي، الأولى عنوانها: (ممالك فرنسا وإنكلترا وسويسرا، عمرانها ونظام حكومتها وحضارتها ومتاحفها، وسائر أحوالها الاقتصادية والاجتماعية). وركز اهتمامه على ما يهم القارئ العربي، وقال في مقدمة الكتاب: توخينا النظر على الخصوص في مايهم قراء العربية من أحوال تلك المدنية التي أخذنا في تقليدها منذ قرن كامل، ونحن نتخبط فيما يلائم أحوالنا منها)، وها قد مر قرن كامل على صدور هذا الكتاب، وعلى كتابة هذه المقدمة، وما زال مضمونها يدحض الرأي المكابر.
    ووضع دراسة عن رحلته إلى فلسطين، لم يهتم باستنتاجاتها وتحذيراتها أحد، عنوانها: (فلسطين تاريخها وآثارها وسائر أحوالها الاقتصادية والاجتماعية والعلمية). وأهمية الدراسة أنها نشرت قبل وعد بلفور بسنوات، وقد جال خلالها زيدان في القرى والبلدات الفلسطينية، وفي المستعمرات اليهودية، وحذر من بيع الأراضي للمستوطنين الذين دعمتهم الحركة الصهيونية الناشطة في أوربا. ودعا التجار العرب إلى شراء الأراضي الحكومية المطروحة للبيع، ونبه مبكراً إلى خطورة المشروع الاستيطاني الصهيوني.
    أتقن زيدان لغات عديدة، وتعمق في دراسة أسباب التمدن في عصور الإسلام المزدهرة، أو لدى أوربا المتقدمة، ورأى في كتابه (تاريخ التمدن الإسلامي) أن أسباب ذلك تعود إلى التساند الاجتماعي الديني لا إلى الدين، كما عُدّ مؤسس علم التاريخ، وسجل في رواياته التاريخية المشوقة محطات انعطافية في التاريخ العربي الإسلامي.
    ودرس زيدان الشرق تاريخاً ومجتمعاً وثقافة وفكراً، ودرس الاستشراق الأوربي، وتفرغ مبكراً للكتابة، ونشر أبحاثه وآراءه.
    مشروع مجلة (الهلال) عاصر دوريات عديدة عرف منها: الأهرام والمقتطف والمؤيد والنيل والبستان والأستاذ والفتاة والرشاد. ولم يصمد من هذه الدرويات إلى جانب الهلال سوى الأهرام) ثم واصل ولداه إميل وشكري زيدان الإشراف على مؤسسة الهلال وتوسيعها، وأدخلا الصحافة المصورة إلى مصر، وأسسا مجلة (المصور) عام 1924، وأتبعاها بمجلات متنوعة تصدر عن دار الهلال مثل (إيماج) الأسبوعية باللغة الفرنسية، و(الكواكب) الأسبوعية، و(حواء) الشهرية، و(طبيبك الخاص). كما صدر عن الدار سلسلة (روايات الهلال الشهرية. وكتب الهلال للأولاد والبنات، ودورية (توم وجيري) للناشئة والأطفال. وغدت (الهلال) كما (الأهرام) مدرسة للإعلام الرصين.
    وأهم الموضوعات التي طرقت في مجلة (الهلال): تاريخ المسرح عند العرب، نحل الشعر، دوائر المعارف وأهميتها، تحرير المرأة، الشأن السياسي، النقد الأدبي، التذوق الفني، الحوارات الفكرية والقضايا المعرفية المعاصرة. وقد طالبت مجلة (الهلال) بالعفو عن الزعيم الوطني أحمد عرابي عام 1896 قبل أن يطلب العفو بنفسه عام 1901.
    ومشروع زيدان الإعلامي (الهلال)، ومؤسسته الراسخة تواصل صدورها المنتظم، وفعلها التنويري المميز، بعد مرور قرن ونصف على ولادة المؤسس، ومئة وعشرين عاماً على صدور العدد الأول، ويدفعنا ذلك إلى التمعن في طرائق المقاربة والدينامية والدأب التي أسهمت في إنجاح هذا المشروع وتوسيعه، وإلى الاحتفاء بأمثال زيدان من رواد النهضة. إذ اعترف المؤرخون والإعلاميون والنقاد بريادته وحسن تقديره، وجريه إلى آخر الكون كي يجلب ما يسهم في نهضة مجتمعه. وقد قال عنه المؤرخ والباحث د. حسين مؤنس في تقديمه لكتاب (تاريخ التمدن الإسلامي). (أؤكد تقديرنا نحن المؤرخين المصريين لهذا العالم الجليل الذي يعد بحق رائد المدرسة المصرية من المؤرخين، ومؤسس علم التاريخ على المناهج الحديثة عند العرب المعاصرين).
    خليل البيطار
    لن اقول كل ما افكر به00 لكنني حتما سافكر في كل ما ساقوله
يعمل...
X