إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

عبد الغني بن طارة مسرحي تونسي في حوار معه

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عبد الغني بن طارة مسرحي تونسي في حوار معه



    حوار مع المسرحي التونسي عبد الغني بن طارة

    هذه الكلاب لها أجنحة و قد تطير أحياناً

    منقول - سودان رأي
    عبد الغني حسن بن طارة و احد من ابرز المسرحيين في الوطن العربي ، فخلال سنوا ت طويلة من العمل استطاع أن يكون احد القلائل الذين بلوروا منهج ( الاحتفالية ) في المسرح حيث أسس في تونس فضاءاً مسرحياً اسماه ( بيت الاحتفال ) هو الأول من نوعه ، و قد قدم فيه كأول عرض مسرحية ( على قيد الحياة ) التي اخرجها عن نص للمسرحي المغربي الدكتور عبد الكريم برشيد الذي يعد رائداً للاحتفالية ، و قد شاركت المسرحية في مهرجان البقعة الأخير فأثارت جدلاً واسعاً في الجلسة النقدية التي وصفها عبد الغني بن طارة بـ ( الثرية ) إلا أنها لم تكن إلا انعكاساً لثراء العرض نفسه الذي كشف عن احترافية عالية تأليفاً و اداءاً و اخراجاً ما دفعني لإجراء هذا الحوار للتحري عن ما يمكن أن يخبئه مسرح يحيط به الجمهور من الجهات الأربع خصوصاً أن المسرحية حصدت ثلاث من جوائز المهرجان
    أسست فضاءاً مسرحياً اسميته ( بيت الاحتفال ) نود ان تحدثنا عنه على أن يتضمن حديثك اجابة على سوأل آخر هو هل يؤشر ذلك أن المسرح الاحتفالي في الوطن العربي نضج كمدرسة ؟
    - المسرح الاحتفالي هو منهج و طريقة عمل تقدم المسرح بصورة مغايرة على ما هو سائد لا أريد ان ادعي أنها الفضل إنما اقول انها مغايرة و هذه المغايرة هي محاولة لتأسيس مسرح عربي يتضافر فيه الشكل مع المضمون فبيت الاحتفال الذي اقمته على نفقتي الشخصية هو مسرح خاص جداً و ليس مدعوماً و هذا المسرح الخاص أسسته لتأكيد الاحتفالية في المشهد المسرحي لذلك فأن هذا الفضاء في مقاربته المسرحية هو مسرح ذو أوجه أربعة و أردته هكذا لأنه في اعتقادي أن الاحتفالية تكون بين الناس أي أن يكون الفعل وسط الناس لأنه ينبع منهم و يعود إليهم فالناس هم طرف و هم شهود و ليسوا شهوداً سلبيين قد يبدو انهم سلبيون بصمتهم فحضورهم جنب الممثل أمام الممثل وراء الممثل أي إالتفافهم حول الحدث أي انهم شهود عيان حاضرون الحدث الذي هو ( النحن ) و ( الهنا ) و ( الآن ) ،- هذا الثالوث الذي أسس له الدكتور عبد الكريم برشيد و الذي اتبناه و أنخرط فيه تماماً كما ينخرط فيه الأستاذ علي مهدي لأننا وجدناه قريباً من حاجاتنا و من تفكيرنا بل هو أقرب إلى ذواتنا فمنه نستطيع ان نعبّر و ان نستشف روح ردود فعل المتلقي الذي لا يأتي ليتلقى درساً إنما يشاركنا فرحنا المسرحي و نحن ( نلعب ) لأن المسرح لعب و بهذا اللعب نعلم .. ألا نقول ( علم الصغار و هم يلعبون ) ،- نحن نلعب و نزهو و نغني و نقول شعراً و نثراً و نحكي و نأتي بقصص لمواقف تهمنا و ليست غريبة عنا .. عن لهجاتنا و عن لغتنا و عن ديننا و أصالتنا .. كل هذه العوامل تعني أن المسرح الذي نقصده هو احتفالي لا حفّالي ،- لأن الكثيرين يعتقدون ان الاحتفالية في الصخب و المرح و الغناء و الرقص و الطبول و ما إلى ذلك و هي عناصر قد تكون موجودة لكن ليس بالضرورة ان يعني ذلك انه المسرح الاحتفالي بل إن ذلك مسرح حفّالي أي أنه يقيم حفلة ،- لأن الاحتفال هو أن تحتفل بمن أتاك مثل ما يأتنيك ضيف فتحتفل و تحتفي به بأن تجالسه لا أن تتركه في بيت يكرم في بالطعام و الشراب و تطفئ عليه النور فتجعله في الظلام .
    فبيت الاحتفال هو امتداد لهذه الفكرة لأن الاحتفالية لا بد ان تأخذ حياتها في شكل من المسرح و قد يكون هذا الشكل ملائماً و قد تكون هناك أشكال أخرى يلجأ إليها البعض الآخر .. مسرح الشارع مثلاًً هو مسرح قد تكون فيه احتفالية و لكن إلى أي مدى لنه تنقصه الحميمية فهم مسرح تنشيطي فرجوي .. حفالي أما ان يتعمق ليكون احتفالياً بالمعنى الفكري أي ان يقصد أفكاراً يتلقاها الناس فلا بد من بعض الهدوء حتى لا تغيب الأفكار و حتى يبقى المعنى واضحاً كي لا تشتت الأفكار و تذهب سدىً مع الريح في ( السجة و اللجة ) لكن قد تكون هناك أفكار وجدانية أنا لست ضد الرقص داخل المسرح لكن ان ياتي موظفاً لا ان يأتي لنقول ان هذا المسرح احتفالي فهو ياتي لتعزيز موقف ففي مسرحية ( على قيد الحياة ) توجد محاولات لإنضاج سمفونية كلامية شبه غناءية عن طريق أداء الممثلين على مستوى الحركة أو على مستوى التنغيمات التي أسقطناها و التي لفتت الجمهور طبعاً و هذا ليس من اجل نقول أن لدينا غنائية في النص بل لتأكيد مضمون فكري نود ان نضع تحته كذا خط لنبرزه .
    الاحتفالية لم تبدأ مع عبد الكريم برشيد ؟
    - بل هي بدأت مع عبد الكريم برشيد و الطيب الصديقي و آخر لا أذكر اسمه من العراق و المدني من تونس .
    بعد هذه التجارب و زحم الكتابة عند عبد الكريم برشيد و تأسيس فضاء مسرحي بأسم ( بيت الاحتفال ) يمكننا ان نقول ان الاحتفالية في المسرح العربي تبلورت كفكرة واضحة المعالم ؟
    - نعم .
    قدمت ( على قيد الحياة ) كأول عرض مسرحي في بيت الاحتفال أهذا ما وفرته الظروف ام كان اختياراً محدداً و مقصوداً من بين اختيارات عدة ؟
    - )على قيد الحياة ) ليس اول عمل لي مع عبد الكريم برشيد لكنه اول عرض مسرحي قي بيت الاحتفال و لم يكن اختياراً محدداً لكن اعداد العمل تزامن مع تأسيس البيت فجاءت متكاملة .. حتى ان العرض كان مخصوصاً لبيت الاحتفال لكن جاءت عروض أخرى من خارج انتاجاتنا الشخصية فعرض بيت الاحتفال مسرحية من مدينة ( سوسة ) أسمها ( انشوناتال ) من ممثلين رجل و أمرأة كما قدم بيت الاحتفال أمسيات شعرية لا تخرج من الاحتفالية و كذلك قراءات مسرحية و جلسات موسيقية ناضجة ..و كانت هذه اللمسات لتعبّر لن هذا الفضاء المسرحي أساساً يمكن أن يكون لأشكال أخرى من الفنون فهو يحتوي على فضاء للفنون التشكيلية أسمه ( رواق ) تقدم فيه عروض المبدعين التشكيليين و في يوم 17 من هذا الشهر سيفتح معرض للتشكيلي التونسي الكبير عز الدين البراري و سيرافق ذلك حفل موسيقي راقي .. فابيت لا بد ان يكون مفتوحاً لمشاركات الناس ،- و البيت سيشارك في مهرجان ( الفْداوي ) و هي يغني الحكواتي و الحكاية الشعبية ضرب من ضروب الاحتفالية .
    أما ( على قيد الحياة ) هذه المسرحية التي اخترتها من نصوص عبد الكريو برشيد – و التي لم تكن الأولى – فقد اخرجت له عام 1983 مسرحية أسمها ( يا عبد السميع ) و بقيت علامة مضيئة في دنيا المسرح العربي حيث نالت استحسان الجمهور و النقاد .. فعلاقتي مع عبد الكريم برشيد وطيدة و قديمة ، ثم اخرجت له قبل عامين مسرحية ( الدجال و القيامة ) و قد عنونتها بـ( سرك الدنيا ) و نالت كذلك استحسان الجمهور و ( على قيد الحياة ) هي المسرحية الثالثة و التي سماها المؤلف ( صياد النعام أو تاج العروس ) و لكني بعد التشاور معه سميتها ( على قيد الحياة ؟) و اعتقد انه اسم افضل فهذه المسرحية اخترتها لأنها قراءة عميقة تحتزل الكون كله و تحتزل الانسان ( المرأة منه و الرجل ) و تعبّر عن همومه و عن تتناقضاته و عن تساؤلاته ( هل ان المرأة حرة ؟ ) فهناك الانفعالات هناك باطن المرأة الذي يتجلى في هذه المسرحية .. المرأة التي تريد و ترغب أن تستمع إلى شكر و ثناء زوجها الذي يمتدحها قبل الزواج و يعبّر لها عن اعجابه و محبته و بعد الزواج تصير ( أهي موجودة ) و هذا ما يزعج المرأة منهن من يقبل هذا بصمت و منهن من يرد الفعل .. في مسرحيتنا على المستوى الأول تكلمنا عن هذا الود المفقود لكن القراءة الأساسية في عمق المسرحبة هي أنه إذا دخل ثالث على أثنين فأنه يكون الشيطان فبين أخوين يبطل العلاقة الشيطان و كذلك بين الزوج و الزوجة و أيضاً حين تدخل دولة ثالثة بين دولتين .. دائماً الثالث ... يقولون عندنا في تونس ( اثنين ونس و ثلاثة دنس ) فالثالث هو الدنس ، الثالث الذي ياتي في هذه المسرحية لينغص على الزوج حياته و يبعثرها و يجعل المراة تحلم بما ليس لديها و يؤتيه ملابساً ليست ملابسها و قيافة ليست قيافتها فتغتر و تذهب في طريق الشيطان إلا انها تكتشف في نهاية المسرحية انها على خطأ و ان هذا الزي ليس زيها و أن هذا الثوب ليس ثوبها و عليها أن تعود إلى نفسها و ما أجمل الانسان حين يعود إلى نفسه إلى حقيقته فالأزياء ليست معبراً حقيقياً عن قيمة الانسان .. ففي المسرحية معاني كثيرة و عِبَر كثيرة فهي مسرحية مفتوحة يأخذ كل كائن منها بطرف فالمثقف يقراها قرائات سياسية اجتماعية و العادي و المتوسط قد يقرأها حكاية بين زوج و زوجة و يدخل بينهما ثالث .. و لكن التفسير فيه مجال للقراْة و لا أقول التأويل فكل شئ يقرأ أما التأويل فيبقى من باب الاجتهاد بينما القراءة تعتمد على اشارات و دلالات موجودة في سيميولجية النص .. و الانسان لو تمعن في كل الجزئيات فنحن اشتغلنا على العمل بحرفية ودقة و بامعان في البحث على كل حركة و كل جزئية لها دلاة .. فلون الملابس له دلالة وكذلك شكلها فعندما يطلع علينا الثالث بزيه الافرنجي فهو له دلالة على ان هذا الرجل غريب شكلاً و مضموناً أي انه ليس من هذا البلد .. إنه غريب ( وما غريب إلا الشيطان ) حتى أنه يلبس قفازات .. قفازات بيضاء لتستر يديه الملطختان بالدماء ، دماء أفغانستان و العراق و كل العالم فهذه الاشارات و الدلالات للذي له درجة من الوعي و الثقافة و التصور و من وضع الأشياء في مواضعها لأنه يملك رؤى أكبر ليقرأ المسرحية هكذا ، لكن هذا لا يمنع ان يقرأها الانسان العادي على المستوى الأول ، و هناك قراءات لم نقصدها مثل الرجل الذي قرأ قراءة دينية و قد اعجبت بقراءته أيما اعجاب لأن له منظور اسلامي و يقرأ من وجهة نظر اسلامية و قد يأتي يهودي و يقرأ المسرحية من وجهة نظر يهودية و كذلك المسيحي ، ففي المسرحية امكانت كبيرة للقراءة و من هنا تجيء قيمة المؤلف لأنه يعطيك مجالاً ، لأن الكلمة لا تموت على شفة الممثل – بل تولد فيها - .. الكلمة عند برشيد لها أجنحة تحلق عالياً و يتمتع بها كل حسب ادراكه و قدراته و امكانات تقبه للأشياء و فهمه لها بارتكازه على ثقافته و مشاهداته و زخم ما يتعرف عليه في حياته .
    عبد الكريم برشيد يقول بان الانسان مجرك و متحرك مغير و متغير ، ألا يبدو الانسان متغيراً في هذه المسرحية أكثر من كونه متغيراً
    - لا .. الانسان مغير و متغير حتى في هذا النص بالدليل أنه أولاً : الشخصيات ليست ثابتة في مواقعها فهي تختلف نرى الشخصيات تغير ملابسها ، تغير مواقعها ، تتحرك ، و بتحركها تقترح تحركاً و تغيراً بالنسبة لتقبل المشاهد لهذه الشخصيات فعندما نرى في البداية ( المحجوب ) و المحجوبة ) لا نعرف هل هما شخصيتان مسرحيتان و وضعهما المؤلف أم هما فعلاً محجوب و محجوبة ، و الأسماء هذه لها دلالات ثم نرى المحجوبة تغادر شخصيتها ( تتحرك ) لتصبح تلك السيدة الفاضلة – مؤقتاً – (و كلمة مؤقتاً لها مدلول بأنها سوف لن تبقى على ذلك الحال ) فهي تتغير فعلاً حيث ذهبت إلى شخصية تلك المرأة المحترمة مؤقتاً ثم تعود إلى شخصيتها ثم أنها في آخر المسرحية بعدما كانت غنية و ثرية و صاحبة دار و عز اصبحت ( صبّانة ) أي غسالة تشتغل عند الناس وهنا تتألم جداً لأن عزها ذهب مع زوجها الذي رفضته في البداية ثم جاءها ليخبرها أنه صياد للكلاب عند البلدية هذا الرجل الذي " عضه بغل الحكومة فاستسهل الأمر و لم يعالج نفسه فمات المسكين في ساحة الوغى " و كلمة ( ساحة الوغى ) و ( بغل الحكومة ) لها دلالات كبيرة .. حتى لا نقول الأشياء بأسمائها نضعها في شكل شبه شعبي فكاهي .. و هو ما فعله برشيد طبعاً فهو قريب من حكايات جحا ، هذا الرجل الذي يشتغل صياد للكلاب و الذي له ترسانة كبيرة من الأسلحة ، و الرجال الذين يأتمرون بأوامره ، و له بغال .. و عندما يذكر أن الكلاب التي يصطادها كم هي ذليلة و مكسورة الجناح تقول له زوجته : " و هل للكلاب أجنحة ؟ " ليقول لها : " نعم ، هذه الكلاب لها أجنحة و قد تطير في بعض الأحيان " و المقصود بالكلاب أولئك الناس الذين هم في مصاف الكلاب الذين لا بد لنا أن نمسك بهم و أن نضعهم في أقفاص و أن نقضي عليهم .. و ما أكثر الكلاب في مملكة الله .
    • الرقصة التي ختم بها العرض فسرت على أنها هجين من ( الظار ) و الرقص الصوفي ،• هل كانت حقاً كذلك ؟
    هي رقصة شعبية في أساسها و ما الظار و الرقص الصوفي إلا قريبان من بعضهما البعض لكن فيهما اختلاف في المنطلق لأن الظار هو رقص من اجل الجان و يؤدى من غير عقيدة دينية إنما الصوفية فهي توهج يعطينا حركة نتقرب بها إلى الله حيث تصفو فيه أرواحنا إلى روح الله و نكون في حالة عليا و صافية بمحبة الله ، في هذا و ذاك نجد الرقصة الشعبية المغربية و احتفظنا بها لنعطي الكاتب هويته المغربية و هي ليست من الرقص الشرقي الذي في ( هز الوسط – و لا مؤاخذة ) ، كما أن الرقص الغربي هو رقص بلا روح فيه حركات رياضية أكثر من أي شئ آخر ، إنما الرقص في شمال في أفريقيا أكان ظاراً أم صوفياً فيه حركة للجسد تعبّر عن الفرح و عن البؤس و الشقاء – في بعض الأحيان – فالمرأة في قمة شقاءها وقعت ثم نهضت ترقص و تقول أن الحكاية لكم أنتم ، في تونس مثلاً قام الجمهور و رقص مع الممثلين ، اندمجوا .. انخرطوا في هذه الرقصة ، كنت انتظر من الجمهور السوداني أن ينخرط و لا يبقى متفرجاً .. لكنه ربما لم يتعود على هذه الرقصة فقد يكون انتهاجه .. بمعنى أن حضوره نوعاً من المسرح بهذا الشكل قد يتركه - في بعض الأحيان – لا أقول ( واجهياً ) إنما منتهجاً و مبسراً و لا يدري ماذا يفعل ، لكننا لو عرضنا المسرحية مرة أخرى ستجد الجمهور يشارك الممثلين هذه الرقصة ، رقصة الأمل رقصة الفرح رقصة الطائر المذبوح .
    • برشيد يقول بأن المسرح هو تعبير عن الحس الجمالي الجماعي كما يقول أن المسرحي يوجد دائماً في فضاء أعم و أوسع من خشبة المسرح ،• أهذا يتوافق مع فكرة الأوجه الأربعة للمسرح ؟

    المسرح ذو الأوجه الأربعة يلتقي مع فكرة برشيد لأننا – أنا وهو – منخرطين في هذا الأسلوب و بالتالي هذا الفضاء الأعم قد يكون فيه الجمهور من هنا هناك أو من ثلاث جهات أما المسارح المبنية على الشاكلة الإيطالية مثلما نراها الآن تعيق في بعض الأحيان لكنها لم تعقني شخصياً لأني بفضل الله أولاً ثم بفضل هذا المسرح الكبير المسرح الوطني – مسرح البقعة الذي تمكن من أن يتسع للعرض و للفرجة فتحنا النافذة الأخرى لأن الجمهور كان كثيراً و إلا لاكتفيت بقفل الجهة الرابعة بعدد من الجمهور لكن أستاذ علي مهدي طلب مني أن نفتح الوجهة الرابعة كي يتسنى للمتفرجين حضور العرض ، فكان هذا اللقاء الذي لم تعد في خشبة المسرح مجرد خشبة بل اصبحت قاعة .. و هذا ما أعتقد أنه يدخل في سياق ما يتحدث عنه عبد الكريم برشيد .
    • قال برشيد " أن المسرح أكثر حقيقة من الواقع " إلا أنني لم استحضر العبارة تماماً فقلت أن برشيد قال " أن المسرح أكثر واقعية من الحياة " سائلاً بذلك عبد الغني بن طارة إن كانت هذه المقولة للمسرح عموماً أم أنها ترجمة ما للمسرح الاحتفالي ؟
    المسرح أكثر واقعية لماذا ؟ لأنه يسبر أغوار النفس البشرية و يتمعن في جزئيات و دقائق الأمور التي نخجل في بعض الأحيان من البوح بها فيأتي المسرح ليتكلم بأكثر صراحة و عمق و تحليل .. بطريقة مجهرية فالمسرح مجهر يحلل الأشياء و يبرز نقاط القوة و الضعف فيها ليسبر أغوار النفس البشرية التي قد لا تبرز كل شئ بل قد تخفي أشياء كثيرة لأن ما نقوله قد يعبّر عن ما نفكر به و المسرح هنا أكثر واقعية لأنه يخرج لك كل تفكيرك و يظهر كل تداعياتك ويضعها على خشبة المسرح فيصبح الشخص معرى من الداخل .. و لا مزايدة على ( الواقعية ) فهي لفظاً عربياً تعني ما تعنيه ، لكن و من خلال ما عرفته عن مسرح عبد الكريم برشيد و عن عبد الكريم برشيد شخصياً كصديق عزيز عاشرته و جلست معه عديد الجلسات و سهرنا كثير السهرات إن كان في المغرب أو في تونس عرفت أنه شخص لا ينظر إلى الشئ من وجهته الظاهرية بل يتكلم دائماً عن ( الجواني ) فيكشف المستور و يأتيك بما يختلج في ذات الانسان من أفكار و طموحات إلى غير ذلك حتى يضعها في مجهر المسرح ، لذا نجد المسرح أكثر واقعية من الحياة .
    • ألا يمكن للمسرح الاحتفالي أن ينتج سينوغرافيا ذات سمات محددة ؟
    ضروري أن ينتج المسرح الاحتفالي سينوغرافيا مغايرة لأنه مسرح مغاير ماذا و إلا لن يكون احتفالياً .. السينوغرافيا بحد ذاتها قد تكون ايضاً على المسرح ذو الواجهة الواحدة ففي مسرحية ( يا عبد السميع ) اشتغلنا على واجهة واحدة لكن الديكور – وقد اعجبت به كثيراً – لم يكن فيه شئ مغلق كان مفتوحاً ، و منسوجاً داخل العرض فقد كان أبواب و سلالم ، و السلالم شفافة لما ورائها ، و هناك سرير لم يعد سريراً بل له دلالة أخرى وحصان لم يعد حصاناً و كذلك الأبواب اصبحت شيئاً آخر ، و الانسان يستعمل هذه المكونات المسرحية للتعبير و الدلالة على أشياء أعمق من شكلها الظاهري .. و السينوغرافيا تخدم هذه الفكرة التي تقول بأنه لا يمكن أن نُبقي على الأشياء كما أخذناها من المسرح الآخر ، و لأننا نود أن نبني مسرحنا العربي فمسرحيونا لا يقلون عن ( بريشد ) الذي أسس فكرته و أوجد نمطاً مسرحياً مبنياً على سياسة معينة .. لأن برشيد يكتب مسرحاً عربياً قد يصعب على البعض من المخرجين تناول أعماله و قد لا يرقى بها إلى مستوى عبد الكريم برشيد و هذا – طبعاً – قد يكون الأخذ فيه هو أنه لا يعرف برشيد بشكل عميق و الحمد لله انا لا أدعي ذلك لكني محظوظ بمعرفة برشيد ، و سبرت أغواره و فهمته حقيقةً و تمعنت في كل جوانبه و هذه عادتي في الأعمال المسرحية فقد عملت على نص لعلي سالم دخلت فيه في تركيبة علي سالم حتى السياسية و احتفى علي سالم بالإخراج الذي قمت به لمسرحيته لأنه فهم كنه أموره ، و حقيقة لا بد للمخرج أن يدرس المؤلف من خلال النص فهو ليس كاتباً عمومياً يكتب إلى القاضي مثلاً ، فيجب أن تتفاعل معه و تقرأ نصه قراءة معمقة و تنخرط معه ، و لا اُخرج نصاً ما لم اعجب به و يحرك فيّ كوامن معينة لأنه شغلني و أشغلني و همّني ، فأنا لا أهدر وقتي و طاقتي و أموالي و جهدي في العمل ما لم اعجب به حيث ان الإخراج ليس نقلاً بل هو فهم و ادراك و استخدام ادوات تعبّر عن ذات المخرج و ذات المؤلف لذلك اعتبر النص نصي كي اتمكن من اخراجه .
    • هل هذه السيوغرافيا تتميز بالبساطة و التكثيف الرمزي ؟
    طبعاً حسب المقولة المسرحية ( السينوغرافيا هي التي تحدد مكان العرض ) لا يمكننا أن نضع أشياءاً زائداً عن المطلوب و لا ناقصاً عنه ، فالديكور هو الذي يحدد المكان و الزمان كما ان الملابس لها أهمية تحديد الزمكانية فقد حددت الملابس في ( على قيد الحياة ) أننا عرب و حددت وضعنا الاجتماعي فلا نحتاج أن نضع لها ديكوراً اللهم إلا استعمال بعض الأشياء البسيطة فالسرير دلل على أننا في عقر دار المرأة بل في مخدعها ، و قد علقنا حبلاً على أطراف السرير بعد ان اصبحت ( صبّانة ) فدل على أنها شغالة في مكان فقير ، و لأننا مسرح ذو أجه اربعة لا يمكننا أن نضع ديكوراً على الطريقة التقليدية فنحن لا نحتاج إلى زخرفة المكان فالجمهور هو الزخرفة ، و الجمهور ضروري أن يكون حاضراً لأنه المتلقي .. العمق الذي اردتُ أن اصل إليه هو أن يصبح الجمهور هو المرآة ... و خالتك أو أختك أو صديقك هو سميّك فهو أنت .
    • المكان له حضوره في الوجدان العربي ألا يمكن استثمار هذا في تصميم سينوغرافيا المسرح الاحتفالي ؟
    إذا لم تضع ديكوراً فأنت تضع سينوغرافيا فهي عملية تجريد ففي ( على قيد الحياة ) نجد السرير الذي هو المكان الذي لا يأتيه إلا صاحبه لكننا وجدنا فيه أناساً لا يعرفون بعضهم ثم نجد هذا الثالث الذي يخرج من الوسادة .
    و الحدث المسرحي يدور في هذا الاطار ، الغرابة كل الغرابة هو ان هذا الفضاء له منطق معين لكنه يعطي منطقاً اخراً ، فهو الفضاء الأول الذي يعبر فيه العمل المسرحي عن ذاته و هو ليس تكملة بل هو أساس حيث تظهر فيه الكلمة و المعنى و المحرك و المتحرك ، فالفضاء يبدو خالياً لكنه لا يمكن أن يكون كذلك .. أنا لا أؤثث بالديكور أنا استخدمه
يعمل...
X