Announcement

Collapse
No announcement yet.

«ماتا هاري».. العرض المسرحي على مسرح الحمراء في دمشق ..مكاشفة الواقع وتعريته

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • «ماتا هاري».. العرض المسرحي على مسرح الحمراء في دمشق ..مكاشفة الواقع وتعريته

    حالياً.. على مسرح الحمراء في دمشق
    العرض المسرحي «ماتا هاري».. مكاشفة الواقع وتعريته



    سمير المحمود








    يقدم حالياً على مسرح دمشق القومي مسرح الحمراء مسرحية «ماتا هاري» تبدأ أجواء العرض مع حالة صمت وترقب..
    وعلى وتيرة تصاعد أنغام موسيقا جنائزية, يقرأ أحدهم إعلاناً هو قرار إعدام صادر بحق «ماتا هاري»... تتوسط الخشبة ماتا هاري التي صدر بحقها الحكم مع شيء من الذهول, يتكرر صدى الإعلان أكثر من مرة على أنغام الموسيقا التي تتصاعد بشيء من الرهبة, وكأن شيئاً ما يوحي بالمجهول... شخص ما يبدو أنه رسول من قبل هاري أو محاميها يبلغها بأن طلبها للاسترحام قد رفض فتعبر عن غضبها وذهولها ودهشتها بفلسفة الموقن بأن هذا الحكم ليس إلا حالة نكتة أو دعابة هي أكبر منها... فهي تعتبر القرار بمنزلة خلاص وتحرر وانعتاق من عالم خبرته جيداً, وبأن هذا الحكم هو لعنة على من أصدره بحقها...
    مراسم وطقوس

    وبعد أن تطلب هاري أن تقابل القس تبدأ مراسم وطقوس كنائسية... وتختلط أصوات موسيقا الصلوات والابتهالات الكنائسية مع صوت البطلة هاري التي تعبر عن عدم خشيتها من الموت بوصية وداع أشبه بفلسفة دينية روحية تؤمن بها...
    وعلى أنغام الموسيقا الكنائسية والصلوات والابتهالات ذاتها وبتأهب العسكر لتنفيذ حكم الإعدام ينتهي المشهد ويدخل العرض بمشهد آخر بتحول أقرب ما يكون إلى التحول الدفعي, ولكن ليس هو دفعاً امتدادياً بقدر ما يعبر عن بداية لمشهد ما جديد مستقل تماماً عن الذي قبله لنكتشف من خلاله أن بنية المشهد الثاني ترتكز على أنغام طقوس عيد ميلاد, ربما هو عيد ميلاد البطلة في صغرها.. إنها الطفلة ماركريت... ومن الملاحظ أن تلك الطفلة تعيش ظروفاً قاسية في ظل أسرة مفككة.. الأب الغائب وربما المهاجر.. الأم المريضة دائماً والتي تموت فيما بعد.. تحلم بأن تصبح راقصة لها حضورها.. فتتعرض للاستغلال أكثر من مرة.. استغلال جسدها من قبل أستاذها الذي يعلمها فن الرقص ويتعامل معها باستهانة من دون أدنى مسؤولية وعندما تقرأ له إعلاناً لأحد الضباط الذين يريدون الزواج يكون رده بالذهاب إلى ذلك الضابط والزواج منه..
    الراقصة الهولندية

    هذه الفتاة بطلة المسرحية هي باختصار «ماتا هاري» الراقصة الهولندية الأصل التي تعرضت في حياتها للكثير من المعاناة وخيبات الأمل ودفعتها الظروف إلى أن تتعامل مع شخصيات غاية في الأهمية في كل من باريس وبرلين فعرفها الناس بأنها الجاسوسة الأكثر شهرة في التاريخ والتي كانت تستخدم جمالها وخداعها لتجمع معلومات عن الأسلحة وعن عشرات الضباط الذين عرفتهم لكن الأمر لم يدم طويلاً فبعد اكتشاف تعاملها مع الألمان قام الفرنسيون بالقبض عليها وحكموا عليها بالإعدام بقرار من مجلس الحرب الفرنسي في 15 تشرين الثاني عام 1917... وإذا ما عدنا إلى تسلسل حكايتها في العرض هي ماركريت (ماتا هاري) التي تسافر بعد رحلة من المعاناة والاضطهاد والاستغلال من أستاذها لتتزوج من ضابط هولندي وتعيش معه في مستعمرات الشرق الأقصى, وبعد أن تنجب طفلين تكتشف خيانة زوجها الضابط ويموت أحد طفليها فتترك البيت وتهاجر, ولكن لا يسمح لها الضابط الزوج باصطحاب الطفلة معها.. ثم تبدأ رحلة جديدة من المعاناة وتغادر منزل الزوجية لتعود إلى فرنسا.. ثم تتقدم لاختبار للرقص في مسرح شهير وتفشل به... وبعد ذلك تقدم نفسها لرسام حتى تكون موديلاً للوحاته وتستحوذ على اهتمامه, وتتخذ لنفسها لقباً هو ماتا هاري عوضاً عن اسمها الحقيقي ماركريت... ومع هذا الفنان تنطلق إلى العالم الأرستقراطي من خلال الرقص لتستحوذ على إعجاب كل من يشاهد فقراتها الراقصة وتنال التصفيق والإطراء من كل من يراها ويشاهد فنها وتصل شهرتها الآفاق... وحتى لا نسرد تفاصيل المسرحية بالكامل ممكن أن نستعيض عن ذلك برسم خط بياني لأهم الانعطافات والتحولات والإرهاصات التي طرأت على حياة ماركريت «ماتا هاري».. وهي عبارة عن رحلة معاناة وألم مملوءة بالمحطات الفجائعية, ويمكن لنا تقسيم هذا الخط البياني إلى ثلاث مراحل, المرحلة الأولى وهي مرحلة ماركريت الفتاة الصغيرة التي عاشت طفولة بائسة ما بين أب بعيد تماماً وأم طريحة الفراش.. ثم موت الأم ورحلة البدايات مع تعلّم الرقص واستغلال جسدها من أستاذها في الرقص, ثم سفر وزواج غير منسجم, واكتشاف الخيانة الزوجية, وموت أحد طفليها, مهاجرة المنزل والانفصال الشكلي عن الزوج... أما المرحلة الثانية, فهي رحلة الانطلاق في عالم الرقص والشهرة مع لقب (ماتا هاري/ عين الفجر)... والتي تتجلى بالفشل في اختبار الرقص الأول لمسرح شهير.. ومن ثم العمل كموديل, وبعد ذلك الدخول إلى عالم الأرستقراطيين كراقصة, والتمكن من عالم الشهرة الثراء والدخول إلى عالم الجنرالات والمتنفذين, طلاقها من زوجها وحرمانها من ابنتها نهائياً بعد فخ نصبه لها الزوج, اليأس من المجتمع الفرنسي والهروب إلى ألمانيا, ثم حياتها في ألمانيا والشهرة ووقوعها بيد شبكة تجسس وتجنيدها لمصلحة الاستخبارات الألمانية بعد أن يتم الإيقاع بها في شرك امرأة سحاقية, العودة إلى فرنسا وفترة الإفلاس المادي والتسكع ثم العمل والتغلغل وسط عالم جديد من الضباط وأصحاب الرتب والسلطة في فرنسا... السفر إلى اسبانيا وتقديم معلومات سرية للعملاء الألمان, اكتشاف سرها في فرنسا والحكم عليها بالإعدام, أما المرحلة الثالثة فتتجلى في الربط بين مشهد التحقيق والمحاكمة النهائي في المسرحية والمشهد الذي بدأت فيه المسرحية... رؤية إخراجية

    طبعاً من الواضح أن المخرج المبدع هشام كفارنة قد حاول من خلال رؤيته الإخراجية والسينوغرافية أن يخاطب الجمهور بلغة بصرية تعتمد الصورة والرموز والإحالات والتأويل..
    ولذلك نجد أن الجانب الفكري في العرض قد تجلى من خلال الحمولات التأويلية للوحات المشكلة بسياق أحداثها الدرامية فقد عالج الواقع والحياة بحركتها الديناميكية التي تتداخل فيها الأزمنة الثلاثة, الماضي والحاضر والمستقبل للوصول إلى الزمن الإبداعي الذي هو البعد الرابع والذي اشتغل عليه كفارنة بحرفية عالية من خلال اعتماده على الطاقة التعبيرية لجسد الممثلين والراقصين والفضاء العالم للفكرة والديكور والأزياء التي جعلها تؤدي دوراً أساسياً إلى جانب الإيقاع الموسيقي الذي يتناوب بين عدة أنساق وأنواع من الموسيقا وبصورة تتحقق فيها العفوية والانسيابية لتحويل الفضاء المسرحي برمته إلى سيناريو يحاكي وجدان المتلقي وبالوقت نفسه نجد ذلك الإيقاع الموسيقي أنه قد منح كل من على الخشبة من أشياء وكتل وحركة بعداً فلسفياً ميتافيزيقياً.. إضافة إلى أننا نجد في الذاكرة الميثولوجية للبطلة «ماتا هاري» الكثير من الحضور للثقافات الأخرى التي ما زالت توحي بالحكمة والفلسفة والغنى الروحي ولكن الشيء الجوهري الذي طغى كفكرة عامة هو إبراز البعد الميتافيزيقي واللامرئي في حلم الإنسان الأبدي.. ألا وهو الخلاص كفكرة ميتافيزيقية وكمنهج وسبيل حياة, غير أن الموت ظل يرفرف منذ المشهد الأول كطائر أسطوري أو ربما كمكون مؤجل من مكونات العرض.. في حالة إمكانية انقضاضه في أية لحظة ليمارس وجود العبثي.. باختصار المسرحية بشكل عام هي شكل من أشكال المكاشفة للواقع وتعريته.. بقبحه وجماله.. بخاصه وعامه.. أما بالنسبة للوحات الراقصة فكانت مشغولة بعناية فائقة ومنسجمة تماماً مع سياق الحدث والفكرة وتحولات وانعطافات القصة وكأنما أراد القائمون على العرض من هذه الرقصات عدداً من الأهداف.. وربما الكثير من الرسائل.. أهمها: إبراز الإمكانات العالية للمصممين والراقصين معاً, توظيف الأداء في بعض جوانبه كنص إيحائي أو كصوت داخلي من خلال الحركة والإيماء وأحياناً الحركات الرقصية كانت بمنزلة الصوت الداخلي الصامت والصائت معاً لما يجول في الأعماق.. وكذلك نجد أن تلك الرقصات بتنوع أنساقها وأزيائها قد أغنت السينوغرافيا وعوضت عن غياب التنويع في الديكور..
    العرض المسرحي

    التأليف: رياض عصمت, الإخراج: هشام كفارنة.. الممثلون: تيسير إدريس, أمانة والي, فائق عرقسوسي, علي القاسم, كفاح الخوص, محمود المحمود, هلال خوري, رنا ريشة, سوسن أبو الخير, قصي قدسية, نضال حمادي, نضال جوهر, إيمان عودة, ريم درويش, خلدون قاروط, روجينا رحمون, هيلانة شميط, فادي الحموي, زهير بقاعي, طالب عزيزي, حسان عمراني, هيلانة الحلبي, جمال تركماني, محمود بليلي, محمد حمادي.. الراقصون: رهف شيحاوي, سجى الآغا, ديانا درويش, مها الأطرش... تصميم الرقصات: معتز ملاطية لي... سينوغرافيا: هشام كفارنة, تصميم الإضاءة: نصر الله سفر, تصميم ديكور: وسام صبح, الأزياء والإكسسوار: ربيع الحسين, تصميم الإعلان: زهير العربي, توليف موسيقا: قصي قدسية, مكياج: هناء البرماوي, تنفيذ فني للديكور: ريم أحدم, تنفيذ الإضاءة: عماد حنوش, تنفيذ الصوت إياد عبد المجيد, متابعة إعلامية: منصور ديب, تصوير فوتوغراف: غياث حبوب, كوافير: شادي الزغبي, مدير منصة: أحمد السماحي, مساعد مخرج: محمد الكفري, مخرج مساعد: نوفل حسين.
Working...
X