إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أغلـــى مسبحــة قصة / فريد محمد معوض

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أغلـــى مسبحــة قصة / فريد محمد معوض

    أغلـــى مسبحــة
    قصة / فريد محمد معوض
    ها هي لحظتك يا هنداوي ..
    أخذ يدفع حبات مسبحته بسرعة غير عادية .. وأحس بقلبه ينتفض في صدره وانحدرت دمعة تدعوه .
    اعرض على الشيخ " رشدي" مشكلتك يا هنداوي ..
    كان الشيخ في صدر المحفل والساحة تكتظ عن آخرها بالجالسين فقد خرجوا لتوهم من الجامع .
    الشيخ يأتيه الناس من كل حدب وصوب يسعون لكلمته .. كلمته تنبع من القلب وتتلقفها القلوب وتطرب لها الآذان .
    "نحن في حاجة لبناء مسجد جديد تتردد فيه كلمة التوحيد يسبح فيه بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله"
    ويتسابق الجالسون .. يخرجون كل ما يستطيعون إخراجه من مال حتى يرتفع البناء .
    نحن في حاجة لبناء مستشفى يعالج فيه المرضى الفقراء الذين لا يملكون مالا جعلكم الله لهم مالا وسندا فهل من مستجيب ؟
    وتزحف الإقدام للأمام وتدخل الأيدي في الجيوب وتسمع صوت انفتاح حافظات النقود .. كرم بلا حدود .. والنفوس خاشعة خاضعة ، وشمس القلوب ساطعة مشعة بنور لا مثيل له يملأ القلوب .
    وها هو الشيخ والدنيا حوله والساحة تمتلئ بالمصلين والقلوب تواقة إلى عالم جميل ليس فيه ظلم ، يلتحم فيه الجيران ويسود فيه الأمان ويخسأ فيه الشيطان ويذهب الشر بلا رجعة ..
    ها هو الشيخ اعرض عليه مشكلتك يا هنداوي .
    مشكلتك يا هنداوي الحقيقية أن الخجل يقف أمامك حائلا دون ماتريد .. ألم يقل الشيخ " لا حياء في الدين " ألم يذكرنا بقول نبينا الكريم بأننا جميعا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ..
    آه كيف أستطيع أن أقول .. ومن أين أبدأ .. أسألك يا ربي أن تعينني .. أنا العبد الضعيف الذي بلغ من الكبر عتيا .. امنحني القدرة كي أنتصر على نفسي.. آه وجدتها .. أحمدك يا ربي أن هديتني إلى طريقة لا تخجلني ولا تظهرني في موقف الذليل .. ليس صلفا يا ربي أو غرورا .. إنما أريد ألا أكون ذليلا إلا لك فالمذلة لك عزة .. والمذلة لعبد مثلي هوان وضياع .. نعم لقد وجدتها .. هذه ورقة وهذا القلم سوف أكتب للشيخ كلمة وسوف أثنيها وأعطيها لمن سبقني في الصف قائلا له : أوصلها للشيخ قل له من عند عبد الله
    وسيقول الذي سبقني للذي يسبقه :
    أوصل هذه للشيخ قل له من عند عبد الله
    وهكذا تنتقل الورقة بلا ضجيج ولا جلبة ولا صياح يؤذي .. ولا حرج يكون حتى تصل لصدر المحفل حيث يجلس الشيخ ، ويقرأ الورقة لكن ماذا تكتب .. المهم أن تكتب أن تستطيع أن توجز حياتك البالية في سطور .. أن تكون صادقا مع نفسك ومع ربك ..
    وأخذ القلم يتحرك سعيدا على الورقة يخط حروفا وكلمات بينما تتساقط الدموع من عيني هنداوي على الورقة فتبللها وما إن انتهى من ذلك حتى طوى الورقة عدة طيات وغمز الذي يسبقه وأعطاه إياها كي يعطيها للذي يسبقه لكنه وضع المسبحة في الورقة قبل أن يطويها وأخذت الورقة تنتقل للأمام من واحد لآخر .. من صف إلى صف .. تُرى ماذا تحمل هذه الورقة غير المسبحة .. هنداوى وحده الذي يعرف أنها تحمل موجزا لحياته البالية .. هنداوي وحده قلبه يتضرع وينتفض كلما تقدمت الورقة والشيخ في صدر المحفل يفيض على الجالسين بعلمه الغزير .
    وهنداوي يرقب الورقة بالمسبحة تتحرك للأمام ، وما إن وصلت ليد الشيخ حتى خُيل إليه أن قلبه قد توقف عن الوجيب .. فتح الشيخ الورقة .. قرأها بلا صوت كعادته .. لعل سرا لا ينبغي أن يطلع عليه أحد ثم أدرك أخيرا وبفطنته أنه ليس بالورقة ما يخجل فلم يكن اسم صاحب الورقة موجودا بالورقة فقرأ على الجالسين بصوت عال وقوي .
    " بسم الله الرحمن الرحيم
    يا شيخنا الفاضل بارك الله فيك وأكثر من أمثالك فالأمة بك دائما للأمام .
    إن الإمام الحق من يشعر بآلام الناس ويسعى جاهدا للتصدي لها .. أنا يا أخي الكريم شيخ بلغت من الكبر عتيا .. تجاوز وجودي في تلك الحياة سبعين عاما .. كم زيفت .. وكم سرقت .. وكم تجاوزت حدودا .. حتى إخوتي أشقائي لم يسلموا مني .. كنت فظا غليظ القلب لا يعرف الحب إلى قلبي طريقا ولا احترم شقيقا ولا صديقا .. وجهتي المال ورسالتي من أجل ثراء لا حدود له وقد كان .. وكثر مالي .. واشتد بأسي .. ولا تسأل كيف جار علىّ الزمان .. وكيف فقدت كل هذا السلطان لأن ما أصابني من فقر هو من نفسي .. وكل ما أود أن أقوله أنني لم أعد أملك سوى هذه المسبحة الرقيقة وهي من رائحة الماضي الذي لا أود أن أذكره .. لأنه يذكرني بخسة نفسي .. لقد ابتعتها يوما بخمسين جنيها أيام كنت أملك الجنيهات .. ولم أعد قادرا على العمل وقد صرت شيخا كبيرا .. وأود أن أحيا بقية عمري بلا مذلة .. خذ هذه المسبحة وأعطني ثمنها ومن الآن فصاعدا فليكن تسبيحي على أصابعي ."
    وما إن انتهى الشيخ من القراءة وصوته يتهدج بالبكاء والصمت قد حلّ في ربوع المكان .. قال الشيخ : من يبتاعها من أجل أخيه ونظر في المسبحة وقال كل حبة عليها لا إله إلا الله .. قال أحد الجالسين .. أنا آخذها بألف..
    وصاح آخر : أنا آخذها بألفين ..
    وصاح آخر قائلا :
    ثلاثـــة
    أربعــة
    خمسـة
    ودمعت عينا الشيخ .. هذا مبلغ كاف لمساعدة المحتاج في مثل هذه السن فنادي :
    فليتقدم من يدفع خمسة وليتسلم المسبحة وليأتي صاحب الورقة والمسبحة بعد أن ينصرف الجميع ، وهنا انتفض هنداوي من موضعه مفاجئا الجميع :
    يا لكرمكم الذي ليس له حدود .. كم ظلمتكم وسرقتكم .. والآن تصفحون عني .. وتمدون لي يد العون لا أريد كل هذا المال .. إن آفتي كانت بسببه .. يكفيني ربعه .. وحمدا لله ..
    قال الشيخ : قضي الأمر يا رجل هذا مالك إن شئت فأنفق منه ما تيسر على الفقراء .
    رفع هنداوي يده شاكرا ربه .. وانتقل الشيخ رشدي عباس لجواب آخر عن سؤال سأله أحد الشباب .
    تمت
    http://samypress.blogspot.com
    http://samypress.yoo7.com

  • #2
    رد: أغلـــى مسبحــة قصة / فريد محمد معوض

    يا لذلك الهنداوي فقد أفاق متأخراً جداً ولكنه استفاق ولا يهم أن عرف نفسه ظالماً جاحداً وسيء الأفعال بقدر ما يهم ما أخذه الحاضرون من عبرة ودروس

    تعليق


    • #3
      رد: أغلـــى مسبحــة قصة / فريد محمد معوض

      تحياتى لك اخى عباس
      ورحمك الله أخى فريد
      http://samypress.blogspot.com
      http://samypress.yoo7.com

      تعليق

      يعمل...
      X