تويت
حبة رمل فوق تاج الأميرة
قصة / فريد معوض
وقفت حبة رمل أعلي صخرة ، تراقب اتساع البحر، وماهي إلا لحظات حتى غامت الرؤية ، فقد اندفعت سمكتان كبيرتان في قتال عنيف أمام الأسماك الصغيرة فأخذت تفر مذعورة ، قالت حبة الرمل : حياة البحر قاسية للغاية ، ثم نظرت إلي كل حبات الرمل التي ترقد في القاع ..وشعرت بالأسى ..أنها لا تفترق في شيء عن ملايين تلك الحبات..لكنها تمنت في داخلها أن يحدث شيء جديد يوما ما ، أن تصعد إلي أعلي ، علي الشاطئ مثل بعض زميلاتها تراقب الناس ، وتسمع ضحكات الأطفال .
حبة الرمل كانت غارقة في أفكارها عندما شعرت بحركة جوارها.. التفتت وقالت : أهلا بك يا سيد قوقع..فهز رأسه بهدوء . هي تعرف السيد قوقع منذ زمن بعيد..فهو شخص هادئ الطباع ، وهو أحيانا يشعر بالوحدة مثلها فيغلق باب صدفته عليه ، ولا يخرج إلا نادرا ، ربما لالتقاط بعض الأعشاب من أجل طعامه .
ذات يوم ..كانت حبة الرمل متضايقة للغاية .. كانت تشعر بوحدة شديدة ، وربما كان ذلك نفس الشعور الذي أحسه السيد قوقع ، لأن في تلك اللحظة فتح باب صدفته ، ونظر إليها بعينين حزينتين وقال لها .. وكأنه يعرف ما تفكر فيه: يا صاحبة القلب الذهبي هل ستمضي الحياة هكذا ؟ فهزت حبة الرمل رأسها وقالت: معك حق يا عزيزي أنا أرفض أن أعيش بهذا الشكل ، ورغم أن حبة الرمل والسيد قوقع لم يتوصلا لحل مشكلتهما في تلك اللحظة إلا أن كليهما شعر بشيء جديد ، شعاع يدخل حياتهما ، صداقة جميلة تربط بينهما .
حتى حانت اللحظة التي جاء فيها السيد قوقع وقد ازدادت انحناءة رأسه .وهمس : يا صاحبة القلب الذهبي هل تسمحين بالحياة معي في هذا المنزل المتواضع ؟
وأشار إلي صدفته الصغيرة .قالت حبة الرمل والخجل يكسو ملامحها : في الحقيقة يا سيد قوقع أنا لا أستطيع أن أرفض طلبك المهذب . ولكن لي شرط وحيد ، أنا لن أقارن نفسي بزميلاتي اللاتي يعشن علي الشاطئ ..ويرين السماء الواسعة ، ولكني أريد شيئا أكبر من هذا فلمحت قلقا في عيني السيد قوقع فقالت
: لا تخش شيئا.. سنصنعه معا فتطلع بنظرة ثقة إلي شريكة حياته المقبلة.
في صباح أحد الأيام كان علي السيدة صاحبة القلب الذهبي أن تنتظر الرياح حتى تحرك الماء بالقدر الكافي فترفعها إلي منزل السيد قوقع ، وبالفعل حانت اللحظة .. وكم كانت سعادتها غامرة حقا وهي تقف علي حافة صدفته، وما كادت تنظر إلي لونها ناصع البياض حتى هتفت : يا إلهي إن بيتك رائع حقا ..ولونه مثل قلبك تماما .
فخجل السيد قوقع من هذا الإطراء..وقال : لم يزدد جمالا إلا بمجيئك يا صاحبة القلب الذهبي .
ومرت الأيام ولم تعرف الأمواج ، ولا الأسماك الكبيرة شيئا عن هذا الحدث الجميل ، فهو بالطبع لا يلفت نظرنا في كثير من الأحيان ، ومر الوقت ولم يكن أحد يعلم شيئا عما يحدث علي الطرف الآخر..فوق البحر..في القصر الأبيض الذي تقف الأميرة (ندي الصباح) في احدي شرفاته الآن، وتلوح بيدها للأمير(نور الفجر) وهو فوق جواده ، فاليوم ..هو الذي حدده الملك لكي يخطب الأمير(نور الفجر )الأميرة(ندي الصباح) ، وجاء الأمير بالفعل محملا بالهدايا الثمينة ، وعرض الأمير هداياه علي الأميرة، لكنه لم ير السعادة التي كان يرجوها في عينيها ، ولما سألها عن السبب قالت : أريد حبة لؤلؤ لونها أنقي من السحاب ، وقلبها أجمل من شعاع الشمس ، وقف الأمير متحيرا من طلب الأميرة ، لكنه أرسل الصيادين في كل مكان للبحار القريبة والبعيدة ، فجاءوا بجواهر لا تملك عندما تراها سوي أن تندهش من جمالها الباهر ، لكنها لم تنل إعجاب الأميرة ، حتى اضطر الأمير أن يبحث عنها بنفسه فتحمل المشاق والتعب فهو لا يستطيع ترك الأميرة بعدما أعجب بجمالها وأخلاقها.
وبدأ الأمير يغوص إلي أعماق البحر ..وقبل أن يفقد الأمل فوجئ بالسيد قوقع وصاحبة القلب الذهبي يفتحان باب صدفتهما ببطء ..في الحقيقة كان جمالهما يبهر الأبصار ..فقد صارا لؤلؤة جميلة ..من الخارج لون السيد قوقع ناصع البياض ومن الداخل صاحبة القلب الذهبي .
وما كادت تراها الأميرة حتى صاحت : ما أروعها من لؤلؤة أمسكتها بين يديها ، كان وجهها يشع بالنور والسعادة ، نظرت للأمير وقالت : إنني تأكدت الآن من صدق حبك لي أيها الأمير بعد تحملك كل هذه المشاق من أجلي .
فقال الأمير..إذن ..ألا نضع هذا الحب في أعلي مكان أيتها الأميرة ؟ فهزت الأميرة رأسها.
فأمسك الأمير، والأميرة حبة اللؤلؤ ووضعاها في أعلي مكان في التاج .
تعليق