إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رواية السماء تعود الى أهلها فصل ابليس جزء9 وفاء عبد الرزاق

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رواية السماء تعود الى أهلها فصل ابليس جزء9 وفاء عبد الرزاق

    ـ شكراً (قالتا بصوت واحد).
    استخرجت عطراً من حقيبتها، أزاحت شعرها الأشقر عن أذنيها وعطـّرت ما تحتهما مروراً برقبتها، ثم قدّمته لصاحبتها. شكرتها السمراء، دون أن تأخذ العطر.
    الأفكار والناس والمكان، وصوت يلمع في صدر السمراء، كل هذا جعلها معطـّلة عن التفكير..
    ـ لم أرَ في حياتي شقة كهذه.
    اجابتها الشقراء وعينها على ضيف وسيم :
    ـ عزيزتي ما دخلنا غير ثلاث شقق، شقة وليد وشقة صابر وهذه الشقة، ومن خلالها دخلنا أبواب الشيوعية والرأسمالية والسمسرة.
    أحسّت السمراء ببرودة هواء قادم من أحد الشبابيك، نهضت تستنشق بعضاً منه، واستدارت صوب صاحبتها بعد أن لعب الهواء بشعرها ، لحظتها فُتح الباب دون استئذان، فقد تعمّدت الخادمة أن تتركه مفتوحاً .
    ـ يا حافظ، ما حد إجا؟ وين الباقين،. عفواً، السلام عليكم.
    ـ وعليكِ السلام.( جميعا )
    دخل الحلاق خلف المرأة، الحلاق المائع الذي رأتاه البارحة، وعلقت السمراء على مشيته، أما صابر الذي غيّر لهجته حسب هوية المتحدثين وقف مهلـّلا مرحباً بالحاضرين، كأنه صاحب الدار. بعد مضي دقائق أشار للخدم إشارة معينة، فاصطفت على الطاولة أنواع المازات ودارت كؤوس الشراب. ولدى دخول أحد المطربين وفرقته، أسرع الخدم لحمل الآلات الموسيقية عنهم، وانشغلوا بتهيئة (المايكرفونات)، فأصبح كل شيء أليفاً، الدلع، الكأس، الوجوه، التبغ، النساء المتبرجات، الياقوت والماس؛ كل ذلك خضع للكأس. تهيأت الفرقة الموسيقية، وأصبحت رهن الإشارة.
    حضر الصحفي محمود، حدجهما بنظرة خاصة، وابتسم بوجه السمراء. وحين صافحها ترك يدها تنام في يده، وقف مذهولاً بعينيها الواسعتين ورموشهما الكثيفـــــة، فأحسّت برجفة يده ونبض قلبه المتسارع. وفجأة ساد صمت، ووقف الجميع إجلالاً لصاحب الدار، حالما قال السلام عليكم ردّ الحضور بصوت واحد :
    - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. فلما جلس جلسوا، وحين وقف هبّ أغلبهم للوقوف بجانبه، لكن لما ابتسم منحهم بركة الابتسام، وراحوا يضحكون لمزاحه السخيف.
    - همست السمراء لصاحبتها :
    - أهذا نوع آخر من الفراغ؟
    - هِس، أصمتي.. هنا الحيطان لها آذان. ( ردت عليها صاحبتها بتوتر)
    أخافتها شفته المتهدّلة، فواصلت أسئلتها :
    - وعندما يخرجون من جلودهم، هل تسمعهم الحيطان أم تتستر عليهم؟
    عزفت الفرقة أغنية أم كلثوم ( أراك عصي الدمع)، تمايل الجميع معها، طلب المحفوظ أن يغيروا العزف الى أغنية راقصة. وبأمر المحفوظ رقصت النساء، وشُـدّت الأوساط، زحفت السجاجيد مع الأقدام الراقصة، أُزيحت الطاولة الوسطية الكبيرة جانباً، وتناغموا مع حركات جسد الشقراء الراقصة وموسيقاها.
    أما الصحفي فقد اغتنم الفرصة وجلس قرب سمرائه، حيّاها، واستجلى العالم كله في عينيها، نسى الكلمات، نسى الحضور، إلا حضورها ورائحتها. سألها:
    - ما اسمك؟
    ـ لا اسم لي.
    ـ أهذا معقول؟
    ـ الذي جاء بي الى الدنيا لم يعطني اسماً.
    ـ الحق على والديك.
    ـ ليس لي أم ولا أب.
    ـ عفواً لم أقصد إيذاءك، أنت يتيمة؟
    ـ لا، لست يتيمة، كما إنني لست ابنة زوج وزوجة.
    ـ من أنت؟ جنيّة،. (وضحك)
    ـ بل أنا من ألوان.
    ـ هل أعتبر كلامك مزاحاً؟
    ـ بل جد. بصفتك صاحب قلم، هل سمعت عن فنان اسمه وليد سالم؟
    ـ أظنني سمعت به، كم عمره؟
    ـ في الثالثة والخمسين، هل تعرفه جيداً؟
    ـ لا.. لماذا لم يحضر معك؟
    ـ إنه يرفض الخضوع، إنه فنان عظيم لكنه يقولب نفسه بأفكاره ويحاصر فنه ويحاصرني معه. الفن انطلاق، تعارف. كيف تكتب عنه الصحافة، وهو لايزال يجهل نفسه؟
    ـ معك حق. لكن هل أنت إحدى موديلاته؟. ثم من المؤكد أنه لم يصل الى قناعة تامة بفنه، ويخشى النقد. أو ربما هو قبيح ومعقد بسبب قبحه، أعرف شاعراً قبيحاً يكره من هو أجمل منه وأشعَرُ منه فيحاربه.
    ـ صحيح هو لا يملك غير رقم واحد؛ بنطال واحد وبلوفر واحد ومعطف واحد، لكن سيد محمود الفنان لا يُقاس بشكله أو حسبه ونسبه بل بتجربته وبما يقدمه من إبداع.
    (تولستوي) ترعرع بين الفساد وكان سكّيراً، لكنه أكبر روائي في عصره. و(بلزاك) برجوازي، أما أعماله فيقرؤها الفقراء والأغنياء. الإبداع أكبر من الطبقات الاجتماعية، إنه يخاطب وجدان الإنسان.
    ـ يبدو أن ثقافتك عالية؟
    ـ بل محدودة. تلقيت ثقافتي من وليد، كلما يُسقط عليَ لوناً أكتسبت منه معلومة ، لأنه يرسم بيده ولسانه وقلبه.
    ـ والعقل؟
    - إذا دخل العقل ساعة الخلق ما عاد إبداعاً.
    أشار الرجل الثري لصابر أن اقترب، ووشوشه، فردّ صابر:

    على الرحب والسعة، لكنها يا سيدي عصيّة.
    رفع الثري حاجبه وبدا عليه السرور:
    ـ بيدي مفتاحها، كن مطمئناً.
    اعتراها شك مما سمعت، وزحف الدم الى خديها، رغم ذلك بدت كمدينة محصّنة. نظرة (المحفوظ ) تلتهمها، فتشغل نفسها بمحادثة محمود. هو يسألها عن نفسها، وهي تجيبه عن وليد. تفاجأ لقولها :
    - لم يسدّد فاتورة الماء، فالألوان تستهلك نقوده كلها.
    تهالكت الشقراء من الرقص، ورمت بنفسها على الأريكة لاهثة. صفق لها الجميع، فقد ابتلّ جسدها بعَرق الرقص والتهمتها العيون الشبقة حتى أثارت غيرة النساء الباقيات. بعضهن كنّ زوجات، وبعضهن عشيقات، والأخريات بديلات لمغامرة فاشلة.

    المحفوظ يومىء لخادمته ، فتنحني احتراما وتلبية لأوامره ، يهمس باذنها فتجيب بانحناءة كإن أمرك سيّدي ،لكنه يشارك اثنين يتحدثان عن الحب:
    - إنّ الحب كارثة تؤذي قلب صاحبها فقط.
    ثم يقترب من يقترب من السمراء هامساً :
    - قوامك جميل يا سيدتي، وثوبك أيضاً.
    - شكراً، الجمال جمال الروح والأخلاق.
    -شعر بفسحة الأمل، اقترب منها محاولاً الالتصاق بها؛ لكن الصحفي يسبقة بتقديم كارته :
    - تفضلي هنا رقم هاتفي وسأكون ممتناً لو سمحت أن أدعوك الى أي مكان ترغبين ، هذا بعد إذن المحفوظ .
    استدرك خطأه واعتذر من المحفوظ ، لكنه أشار اليه مطمئناً :
    - خذ راحتك انت في دارك .
    اخترق تطفلهما صدغيها وضمت يديها الى صدرها كمن يضم ما يخصه من أشياء ، شعرت ساعتها انها الوحيدة المنسجمة مع ذاتها ورغبت مواصلة الحديث مع محمود :
    http://samypress.blogspot.com
    http://samypress.yoo7.com
يعمل...
X