إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رواية السماء تعود إلى أهلها وفاء عبد الرزاق جزء 4

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رواية السماء تعود إلى أهلها وفاء عبد الرزاق جزء 4

    تزاحمت الأفكار عليه، برز حائط السجن المحفور بأظافر قاطنيه، سمع طقطقة براميل النفط، شمّ رائحة دشداشة أبيه، سمع صوت عراك أمه وهي تتوسط الحوش، تصبّ الماء الساخن في طست وتدلق عليه الصابون وترطن:
    -إي يمته يريحني ربى من الضيم، إيديـّه ورمت من غسل النفط).
    تراءى له الموت الكامل والعظام الناتئة بعد سلخ الجلد وتهدّله، السلك الكهربائي حُني وأدخلوه عورته، طوّقه بالألم والعجز.
    منذ أن وطأت قدماه أرض لندن لم يذق طعم النساء، رجعت الى مخيلته صور الشبابيك المتسخة بفضلات الذباب، الكلاب السائبة الملتصق جلدها على عظمها ، الاستعطاء في الشوارع، ممرات ضيقة متعرّجة وراح يسال نفسه بهدوء من يخاف الرقيب:
    -هل نحتاج أربعاً وثلاثين سنة من الانتظار لتخلصنا أمريكا من حزب ظالم ومن طواغيته الزناة؟
    على مقربة من محمود مشت راوية، ذكرت له أسماء ولحظات ومواعيد لم يذكرها أمام أحد، مكالماته الهاتفية، ثلـّة السكر والعربدة.
    حبّه لفتاة لا يعرف عنها شيئاً يركض خلفها بحذاء لا يعرف كيف يتعامل معه، عمله في جريدة صاحبها كان من أقرب المقربين لـ (عدي بن صدام) وصراعه مع نفسه بين القبول والرضى، مصداقية علاقات السكر والنساء، أنّى لها أن تخترق صدره؟

    ***

    عقب علاقته الأولى بفتاة في التاسعة عشر، حيث عاملها كطفلة في بادئ الأمر.... خبث التعامل مع براءة لم تزل بكراً، النيران الداخلــة والخارجــة من شفتيــه. قبـــلاته الحارة، وعده لها بالزواج، شراؤه خاتم الخطــوبة، رغبته كأستاذ متمرّس في صيد الفريسة، وجهها المغمور بعرق صدره، يداها المتشابكتان حوله، سكونها المضطرب بالالتصاق الأول، تورّم الثديين إثر لمسة غزلية.
    كل هذا أظهرت السيدة معرفتها به، هل كانت معه؟ أبوسعها اختراق الجدران؟،. هل كانت ترتدي طاقية الإخفاء، هل شاهدت عريه على السرير ؟،.
    لا بدّ أن يعرف، كما لا بدّ أن يكون يقظاً. حتى المخابرات العراقية التي تعرف عدد شعرات إبطه، ليست كمثل السيدة راوية.
    طلبت منه راوية أن يسأل وليداً عن آخر ساعة للمعرض، وعـّلّقت:ـ
    أعتقد أنه سيقول لك الساعة السابعة والنصف.
    ـ مادمت تعرفين الموعد لمَ تطلبين مني سؤاله؟.
    واستمرّ يسألها:
    -أختي، اسمحي لي، أنت شرطي متنقل؟ لكن شرطي مثقف، هذا ما لم نتعوّد؟؟!!
    ضحكت حتى كادت ضحكتها العالية أن تخرجها عن وقارها، ربما سيستنتج الحقيقة. مرّت على أسماء العراقيين الذين تعرّف عليهم في لندن، نساء ساقطات عاشرهن، سماسرة مغاربة في ساحة الطرف الأغر (ترافغلر سكوير)، مشاعره، كيف توصّلت لمشاعره؟

    ***
























    ذكّرته بكلمة سمعها من لاجئ عراقي ذات يوم، يوم سُرقت من جيبه محفظة نقوده ،،، حيث عبـّرعن استيائه وهو يتفحص أوراقاً مهمّة وضعها في الجيب الخلفي لبنطاله، سنوات من عمره في الغربة سُرقت منه، جواز سفره، بطاقة التأمين وتذكرة سنوية اشتراها للتنقل.
    رأى رجلاً قادماً ممسكاً بيد شاب في السابعة عشرة من العمر:
    ـ لقد أوقعت به سيدي، شاهدته وقت سرقك، راقبت وقفته، لم يرني وأنا أتابع حركاته، ها هو خذه وقدّمه للبوليس.
    توسّل اليهما الصبي بعربية كردية:
    - (أنا ابنكم، عراقي من الشمال، لا تنطوني للإنجليز).
    أشفق عليه محمود، وطلب منه أن يسلـّمه ما سرقه. أفرغ جيوبه، وجد ثلاث ساعات نسائية، وسلسلة ذهبية.
    ـ ( عمّي خذهن كلهن.)
    ـ سآخذ خاصتي، والله يعوّض أصحاب الساعات والسلسلة.
    ـ (ممنونك عمي والله بعد ما أسويها تبت على إيديك).
    كان محمود يحاول التخلص من لوم نفسه على سهوتها، وكان الشاب خائفاً يبكي ويطلب المعذرة والسماح، و محمود يرد عليه:
    ـ لا عليك لست المخطئ، إنه خطأ الأوطان .
    (ضحك وقتها على الذين يكتبون عن الأوطان) واستمرّ قائلاً:
    ونضيع نحن في الخطأ*
    ـ الصمت راحة بال اليس كذلك سيدة راوية..؟.
    سألها وصمت، ثم استطرد قائلاً:
    - هل أنت (مُخاوية)..؟؟.
    ـ لم أفهم.
    ـ يعني هل عندك جنّي ينقل لك أخبارى؟ حتى كلمة الرجل الذي قبض على اللص حفظتِها؛
    لم تجب على سؤاله، بل راحت تشير بإصبعها إشارة استخفاف تعقيبا على قوله عن الذين يكتبون عن الأوطان:
    - الوطن كالسرير، كلما اهتزّ أكثر لملمك في حضنه، بشرط أن تمحو من جبينك كلمة شرف.
    اكتشف دموعاً حبيسة في عينيه وهو يجيب السيدة :
    - والله يا سيدة راوية لطالما تمنيت لوطني أن يرحل من هذا الوطن قبل أن يصبح قشرة بصل.
    ـ للأسف الشديد. (متعجلا)
    ـ للأسف أصبحنا قشرة بصل.
    شعر بضيق أصابها، لم يلتحق بها وهي تنزوي على كرسي في زاوية بعيدة من المعرض. رأت من مكان جلوسها وليداً يشرب قهوته ببرود.

    ***
















    تذكرت برود صديقة لها أمام ما كان يجري من أحداث، جملة وحيدة كانت ترددها:
    ـ (المهم آنه آكل واشرب، ومستورة الحمد لله والشكر).
    كانت تلح عليها لارتداء الحجاب، وتذكرها يومياً بعذاب القبر وعقاب الآخرة،وحساب الله على كل شعرة مكشوفة من شعر رأسها. كانت تجاملها وتصمت، إلا أن الكيل طفح بها، فزعقت في وجهها:
    ـ الدين علاقة خاصة بين الفرد والله، ليس الدين شَعراً يُستَر أو مسبحة أو سجادة. الدين انتصار العفة على الرذيلة، انتصار الحياة على الضعف، الفضيلة على السجادة.
    ولطالما كانت تتهمها بالشيوعية، وتعتقد أن الذي لا يمارس طقوس الدين هو شيوعي*
    الذي أرجعها لصديقتها القديمة وجود شابة في مقتبل العمر قربها، ترتدي بنطالاً من الجينز الأزرق وبلوزاً من القطن بلون بنّي، تدلـّى صليب فضي على رقبتها ، كانت مثالاً في الحشمة واحترام الذات، والآخر.
    بحبها للفن تمايلت على صوت وحيدة خليل (نزهة والبدر شاهد علينه، والعذيبي تنسّم)، ومن كلمة مرحبا، عرفت راوية أنها من مدينة الموصل، أما الشابة، فالمصحف الصغير في رقبة راوية جعلها تتطفل وتسألها متقرّبة في فضول شبابي:
    ـ من أين حضرتك؟.
    أجابتها السيدة مبتسمة:
    ـ أنا من البصرة، وأنتِ من الموصل، هذا واضح من لهجتك.كم سنة لك في لندن؟.
    ـ (أنا جيتُو مع أبويي بوقت كان عمغي سبع سنين، أنتِ مسلمة ما هاكذ؟)
    ـ نعم، مسلمة.
    ـ (الإســلام عنيف، واحنــا دينـّه يعلمنا المحبي والسلام ، يمكن إنتي هم ماغشيمي عن دينا.. أشقلتي بالله؟؟)
    أجابتها السيدة راوية:
    ـ نعم لكن كل دين يختار لنفسه طريقة تقرّبه من الله وطريقة حسابه وعقابه، ومثلما لكل دين حسناته فلكل دين أخطاؤه.
    ـ ( لا ما هاكذ، لمن غحتُو للكنيسه، كنتو بوقتو كثيغ زغيغي، ما سمعتُونو القس يقول يسّوع على خطأ، ليش انتم أشكان يقلكم السيّد؟)
    ـ يا بنتي هذا حوار عقيم، استمتعي بالمعرض، هذا المكان لا يتحمل حواراً بالدين، تفضلي خذي راحتك.
    بين الفينة والأخرى تتابع انفعالات وحيد ومحمود، امرأة تحب رجلاً لا يحبها ورجل تثيره امرأة لا تحبه، ومن أجل إثارة الصورة النهائية لرجلين يغيبان حول جملة فارغة. ليت وليداً يعرف كيف استوطن في قلب عيناء، وليت عيناء تشعر بوجودها في قلب محمود.
    الزمن يثأر من محمود على تصرفه مع (لبنى) التي تعلـّقت به حدّ العبادة، واعتبرته ملاذها وحضنها.. لكنه تركها تلوك أيامها بعد أن نال منها ما يريد، بينما الأغاني التي يؤلفها الرجال تُبرز إضافة لجمال الإناث خياناتهن وألاعيبهن، حتى ضاعت مفاهيم الخيانة ابتداءً من الجسد وانتهاء بالوطن.. لم نعد نعــرف تنقل الرجل من امرأة الى أخرى أهو أحقية له وحده منحتها له رجولته أم هي طبيعة البشر؟. كيف لامرأة قدرة على هوى عدة رجال في آنٍ واحد،أتُجمَع الرجال وتكدَّسهم كتكديس المجوهرات؟ آدم وقت خالف ربه هل أراد أن يصبح خير مثال لبني جنسه؟ أم كان يدافع عن حقه في الحرية؟ وتعدّدت الحريات والزنا واحد.
    جلست تعاقب وتحاسب الرجال، وهي تنتظر قيامةً وانطباق الجدران على الجدران، يوم نشور الكلمة..... رنت بمسامعها أصوات المومسات في رواية تولستوي ( الانبعاث ) ، وكشاعرة وروائية كانت تسمع أصوات الكلمات والفضاء العام للمباني والإهانة التي تتعرض لها البغي على يد الشرطة للحصول على بطاقة رخصة البغاء، عدالة عرجاء تحبك التدمير.
    في غمرة الكآبة والقرف ودونية المجتمع ومومسية المخابرات في تجنيدها لنساء مومسات وإعطائهن شرف الدفاع عن الأرض والدولة، علاقة الرئيس بالمبغى العام، السمسار لمومسية الحروب يرشد ضحالته للوحل الكبير والمبغى العام، الابن اللاشرعي للخطيئة الكونية التأريخ..
    عذرت الحروب الخاوية وعلامات التذكير والتأنيث في اللغة، وعذرت لوليد براعته في تجسيد إرثه على قماش الكنفز، ركضه ولهاث فحولته ساعات وساعات يملأ بياضاً لم يتعوده على لوحة الحياة، بعصارة التكوين الهش لعشق شقرائه.
    ***
    http://samypress.blogspot.com
    http://samypress.yoo7.com
يعمل...
X