إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حكايات الجد مشعل ( استيطان الأرض ) قصة / محمود عبد الله محمد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حكايات الجد مشعل ( استيطان الأرض ) قصة / محمود عبد الله محمد

    ولما غادر وباء الكوليرا اللعين القرية إلى غير رجعة .. عادت إلينا ليالي السهر والسمر .. وراح مشعلي يتلألأ في يدي .. حتى الشحاذين قد عادوا .. والباعة أيضاً عادوا إلى القرية يشترون ويبيعون من جديد .. كان ذلك عام 1947 .
    حكاية
    استيطان الأرض
    حدث كل هذا بسرعة مدهشة .. وأكثر من ذلك .. فقد بات "يوسف الأعرج" ولا أدري لماذا كان اسمه الأعرج .. الذي كان يشتري الأجولة الفارغة والردة .. واحد من أبناء القرية .. كما اشترى له ولحماره داراً بوسط البلد .. وبعد قليل استطاع أن يشتري قطعة ارض زراعية .. باعها له عواد .. ثم ترك التجارة وراح يتعلم الزراعة .. أخذ يتعلمها رويداً رويداً .. حتى صار فلاحاً جيداً يزرع ويحصد .. وعندئذ حاول "حزّو وولده غبريال " .. بائعاً قلادات القشرة .. أن يقلدا يوسف في ذلك .. فاشتريا داراً كبيرة بوسط البلد أيضاً .. ثم راحا يبحثان عن ارض يشترياها .. لكن أحداً لم يبيع لهما .. فجاء حزو إلى يوسف كي يأخذ منه النصيحة والمشورة .. فأشار عليه .. بأن يحاول مرة أخرى مع فضيلة ابنة شيخ البلد .. فربما اقتنعت هذه المرة وباعت .. ثم أردف:
    - وإن لم توفق على البيع .. زوجها لولدك غبريال .. البنت وحيدة وتحتاج لمن يرعى معها مصالحها ويقف إلى جوارها .
    وبالفعل راح حزو وولده يحاولان إقناعها ببيع ولو قطعة صغيرة من أرضها لهما بحجة المساعدة على العيش .. ولكنها عادت ورفضت .. فهي لا تحب أن تتزوج بواحد من غير قريتها .. ولم ييأسا .. وأخذا يبحثان عن وسيط يستطيع إقناع فضيلة .. فأشركا العمدة وشيخ البلد الجديد .. بل وشيخ الخفراء أيضاً .. ومع ذلك باءت كل المحاولات بالفشل .. وذات يوم جاءني حزو وولده غبريال ويوسف الأعرج .. وطلبوا مني نفس الطلب .. فهم يعرفون جيداً قدري وقدر كلمتي عند فضيلة التي تعتبرني مثل أبيها رحمه الله .. ودون تردد رفضت طلبهم .. بل حذرتهم من أن يضغطوا عليها أكثر من ذلك .. عند هذا الحد اندفع غبريال بحماقة وقال لي:
    - لو أقنعتها سنعطيك ما تريد .
    ولم أشعر بنفسي إلا وأنا ألطمه على وجهه لطمة قوية .. جعلتا حزو ويوسف يشعران بفداحة ما قاله لي ذلك الحلوف غبريال .. لذا اندفع حزو وأخذ يضربه حتى سال الدم من وجهه.. ولم يكتف بذلك .. بل جذبه من طوق جلبابه وأقسم له لو لم يقبل رأسي ويعتذر لي بشكل لائق .. ما سمى له ولداً .. ثم صرخ في وجهه وقال :
    - هيا .
    ولم يكن لدي أمام هذا القسم سوى أن اترك رأسي لغبريال يقبلها كيف يشاء .. ثم راح حزّو ومن بعده يوسف الأعرج يعتذران لي أيضاً .. وبعد ذلك استأذنوا بالانصراف .
    ولم يمر على ذلك سوى أسبوعين فقط .. يومها كنت ذاهباً إلى الحقل كي أعاون سلطان في حم البرسيم .. إذا أنها كانت الريّة الثانية .. ويجب أن تمتلئ الأرض عن آخرها بالماء .. في الطريق سمعت خبراً غريباً .. وهو أن عبد الغني باشا كاتب الوسية .. سيقتل غبريال .. وسمعت أيضاً أن فضيلة هي السبب وراء ذلك .. وعند الساقية .. رأيت سلطاناً يدور خلف البقرة وهو حزين .. وثائر ... وما إن وقع بصره علىّ .. حتى توقف عن الدوران وقال لي:
    - هل علمت ما فعله الحيوان غبريال تجاه فضيلة الليلة الماضية وقبل الماضية ؟
    - وماذا فعل هذا الحلوف ؟
    - سل عبد الغني .. لا لا .. الأجدر أن تسأل فضيلة نفسها .. إنها قريبة من هنا .. اذهب إليها في أرض الدكاني .. سوف تحكي لك كل شيء .
    وعلى الفور اتجهت إليها .. كانت جالسة اسفل شجرة الصفصاف إلى جوار بقرتها وتبكي .
    - ما الذي يبكيك يا فضيلة ؟ .. ماذا حدث يا بنيتي ؟
    فأخبرتني بأن غبريال يضايقها كلما رآها .. وأكثر من ذلك .. فانه يأتيها في الليل ويجلس اسفل شُباكها الخلفي المواجه للحقول .. والناس نيام .. ويعوي كما تعوي الذئاب في الحقول .. في الليلة الأولى خافت وارتعدت .. بل أكملت ليلتها ساهرة حتى الصباح .. لكنها في الليلة الثانية .. أخذت حذرها من الذئب .. لما أحضرت إلى جوارها سكيناً وعصاً كبيرة .. ثم أقفلت الباب الكبير جيداً .. وفي نفس الميعاد جاءها غبريال واخذ يعوي كما تعوي الذئاب في الحقول .. لكنها هذه المرة عرفته .. من صوته الذي يشبه صوت نهيق الحمار .. عرفته .. لأنه هو الوحيد الذي يود مضايقتها . عرفته . فنهضت من مكانها وحملت آنية فخارية واتجهت بها ناحية باب غرفتها على أطراف أصابعها .. فتحت الباب وراحت تصعد أدراج السلم إلى أعلى.. من فوق السطح أطلت برأسها إلى الشارع .. كان مازال يعوي أسفل الشباك .. رفعت الآنية إلى أعلى وهبطت بها فوق رأسه .. فسقط على الأرض .. من فوق السطح ظلت تراقبه بعينين قلقتين .. ظلت على ذلك لحظات قصيرة .. استطاع خلالها غبريال أن ينهض واقفا ثم غادر المكان .
    وكي تتأكد فضيلة أكثر وأكثر من أنه هو غبريال .. أرسلت جارتها في الصباح .. كي تشتري لها عقداً من القشرة .. دون أن تطلعها على ما حدث في الليل .. وراحت الجارة وعادت بالعقد .. فسألتها :
    من الذي باع لك العقد ؟ هل غبريال أم حزو ؟
    - حزو .. حزو هو الذي باعني إياه .
    - خشيت أن يكون غبريال فغبريال يبيع بأسعار غالية .
    - يبدو لي أنني سمعت صوت رجل يئن داخل أحد الغرف .. يهيئ لي أنه كان صوته.
    وعند هذا الحد أخذت فضيلة من يدها وذهبت بها إلى العمدة .. قدمنا له بلاغاً بما حدث.. وعلى الفور أمر العمدة .. خفراءه كي يأتوه بغبريال .
    أمام جميع أهالي القرية .. اخذ العمدة تعهداً مكتوباً على غبريال .. بأن لا يقرب فضيلة بأي أذى أو سوء .. وألا سيعاقب بالطرد خارج القرية .
    فوقع على التعهد .. ثم سمح له العمدة بعد ذلك بالعودة إلى داره .. وسط غضب وسخط الجميع عليه .
    ولم يمر سوى شهور قليلة .. حتى تقدم لخطبة فضيلة .. عبد الغني باش كاتب الوسية .. فوافقت دون تردد وتم زواجهما .
    @@@
    http://samypress.blogspot.com
    http://samypress.yoo7.com
يعمل...
X