5
ولم تدم فرحتنا بانتهاء الحرب غير أيام أو شهور قليلة .. فوباء الكوليرا قد اجتاح القرية بأكملها .. وقتل منها أعدادا كثيرة من الناس .. ففي خلال يومين فقط .. كان هذا المرض قد طرق كل البيوت .. ولم يفلت بيتاً واحداً من هذا الوباء اللعين .. إلا وقد شيع نفراً منه .. هاااه .. رحمك الله يا أم سلطان .. وأنت أيضاً يا حامد يا تركي يا شيخ البلد .
حكاية
شيخ البلد
ماذا تفعل يا شيخ البلد ؟
مشعل ؟ لما لم تهرب كما يهرب الناس ؟ اللعنة حطت على البلد .. هيا يا رجل تعالى معي إلى حوض الساقية .. انج بنفسك وبأهلك يا مشعل .
وأخذت أساعده في نقل أمتعته .. ولما انتهينا من تحزيمها ووضعتها على ظهر حماره.. حملنا في أيدينا ما تبقى منها .. ثم اتجهنا بعدها للحقول .. ولكننا أثناء سيرنا إلى حوض الساقية.. مال عليّ شيخ البلد وهمس في أذني :
أشعر بألم وانتفاخ في بطني يا مشعل .
طمأنته رغم القلق الذي انتابني .. قلت له :
ربما كان ذلك من أثر طعام الإفطار .. ماذا تناولت اليوم ؟ .
لكنه لم يستطع أن يرد على سؤالي .. بل اخذ يصرخ :
سأموت .. سأموت يا مشعل .
وعلى الفور أنزلنا ما كان على ظهر الحمار .. وحملنا بدلاً منه شيخ البلد الذي بدا مغشيا عليه .. وقبل أن نعبر الجسر الذي يربط القرية بحوض الساقية .. بخطوات قليلة .. كانت قد فاضت روحه إلى خالقها .. فازدادت حالة اليأس بداخلي .. وكان من الضروري أن تلغى الرحلة إلى الحقول الخضراء .. ونبدأ في دفن جثة شيخ البلد .. فعدت أنا وحسان بعد أن تركنا الزوجة وابنته فضيلة إلى جوار جثته .. لنبحث معاً عن نعشٍ نحمله فيه إلى المقابر .. ولأنه كان نعشاً واحداً بالقرية .. ولأن القرية كانت في تلك الأيام تحتاج إلى أكثر من نعش .. فكرامة الميت في سرعة دفنه .. حملته أنا وزوجته وحسان وفضيلة .. فوق سلم خشبي إلى المقابر .. ثم تعاونا في دفنه .. وبعدها عاد حسان مع أمه وأخته .. وجلست أنا إلى جوار قبر أم سلطان لأقرأ لها ولأمواتنا جميعاً الفاتحة .
@@@