إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حكايات الجد مشعل ( بئر الأشباح ) قصة / محمود عبد الله محمد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حكايات الجد مشعل ( بئر الأشباح ) قصة / محمود عبد الله محمد

    كنت في الرابعة عشرة من عمري .. في هذه الأيام يا أبنائي .. كانت الألعاب المسلية والألغاز ودفء الحكايات .. والمسرحيات التي كان يؤديها بعضنا في الشارع هي السلوى.. أما الليالي التي كان يغيب عنها القمر .. فكان لا أنيس ولا ونيس لي سوى مشعلي .. احمله معي أينما أذهب .. إلى الجامع .. أو لزيارة الأقارب والأصدقاء . . أو عند ذهابي إلى الحفل في الليل .. خشية أن تتعثر قدماي في حفرة أو اصطدم بحائط أو جذع شجرة .. كما حدث لي يوم أن وقعت في بئر الساقية الذي كان يقال عنه أنه مسكون بالجان .
    حكاية
    بئر الأشباح
    يومها كنت ذاهباً إلى الحقل لأساعد أبي في ري القطن .. غير أن الظلام كان كحائط يسد الطريق أمامي .. والزرع في الحقول معتم .. ولا أحد يستطيع أن يميز القطن من الأرز .. ولكن إصراري وحبي لمساعدة أبي .. جعلني لا أشعر بالخوف من الظلام .. فواصلت المسير وحدي .. لا أنيس معي غير نقيق الضفادع وتلاوة القرآن الكريم .. حتى اقتربت من تلك الشجرة التي يخشاها الكل .. شجرة الجازورين الضخمة والتي يسكنها ثعبان ضخم .
    وأنا أمامها تذكرته .. نعم تذكرته .. أنا لا أحب الثعابين ولا أطيق سماع فحيحها .. فتسلل الخوف إلى صدري .. راح جسدي كله يرتعد بشدة .. وأحسست وكأن الثعبان يزحف خلفي .. وعلى الفور تذكرت حديث الشيخ "أبو المجد" شيخ المسجد الكبير وهو يقول :
    قرأت عن الثعابين ذات مرة .. أنها بدون آذان .. ولكنها تسمع عن طريق لسانها الحساس للاهتزازات الصوتية .
    فكتمت أنفاسي وحاولت أن أسير على أطراف أصابعي .. بل كنت أحيانا استدير إلى الشجرة وأواصل المسير بظهري .. حتى سمعت صوت ارتطام جسم غريب بالماء الجاري بالمرّوَة .المارة أسفل الشجرة .. ساعتها شعرت وكأن زلزالاً قد اجتاح جسدي كله .. وأن الرعب سيقتلني .. ودون أن أشعر انزلقت قدماي في حفرة وكدت أسقط فيها .. لولا أنني غرست أصابعي العشرة بالأرض متشبثاً بها .. وكانت قدماي المتدليتان بالحفرة تبحثان عن القاع دونما جدوى .. تعبت وما عدت أستطيع المقاومة .. انزلقت إلى القاع واقفاً .. إلا أن جسدي المختل وقدمي المتعبتان .. فقدتا الثبات على الأرض الممتلئة بالحجارة .. فسقطت على ظهري .. وشعرت وكأن عظامي قد تفتت .. وأن رأسي قد شجت إلى نصفين .. لكنني بعد فترة من الترقب والخوف تمالكت بعض الشيء .. ورحت أتحسس المكان من حولي بيدٍ خائفة مرتعدة .. ثم اتكأت على جدار الحفرة ونهضت .. وعندئذ .. عرفت أنني سقطت في بئر الأشباح .. اقصد بئر الساقية المهجورة منذ سنين .. إنه قريب من شجرة الثعبان .. أقصد شجرة الجازورين .. لقد ساقني خوفي إليه .. لابد أن أخرج من هنا سريعاً .. لكن كيف والألم يجتاح جسدي؟ ما هذا ؟ أحجار؟ نعم تلك أحجار كثيرة متهدمة من جدران البئر .. الآن أستطيع أن اخرج .. سأجعل منها سلماً يساعدني على الخروج سريعاً .
    أواه يا ربي .. هذه الأحجار ثقيلة جداً .. هل سأقدر على حملها ؟ كن معي يا رب .. وبعد محاولات كثيرة .. فشلت أن أضع ولو حجراً واحداً فوق الآخر .. فجلست فوق الأحجار ابكي وأنا لا ادري كم مر من الوقت على وجودي داخل البئر .. وفجأة سمعت الأشباح تناديني.. أصوات كثيرة متدافعة تنطق باسمي وتبحث عني :
    شمس النهار .. يا شمس النهار .. أين أنت يا شمس النهار ؟
    فنهضت من مكاني مرتبكاً .. لا أعرف ماذا أفعل والأشباح تناديني ..
    بسم الله الرحمن الرحيم " قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس"
    ولكن الأشباح ما زالت تناديني .. تقترب مني وتبتعد أصواتها :
    شمس النهار .. يا شمس النهار .
    كانت تقلد صوت أبي .. أبي ؟ .. أبي الآن بالأرض يروي القطن ..
    شمس النهار .. يا شمس النهار .. شمس النهار يا ولدي .
    ويقلدون صوت جدي !! لا لا .. لن أخدع أيها الأشباح .. وفجأة برق ضوء احمر داخل البئر .. ثم اقتربت الأصوات أكثر وأكثر .. صارت على بعد أمتار قليلة مني .. فانزويت إلى أحد أركان البئر حتى لا تراني .. ورويداً رويداً .. كسى المكان ضوء كبير .. ثم سمعت الشبح الذي كان يقلد صوت جدي وهو يقول:
    أذهب يا نور الدين إلى هذا البئر وابحث في عن ولدك شمس النهار .
    فرد عليه الشبح الذي كان يقلد صوت أبي : عندك حق يا أبي .. لقد بحثنا في كل مكان وبقى هذا البئر الملعون .
    وراحت دبيب أقدام الشبح تخطو نحوي ببطء شديد ..
    ورحت أنا التصق بجدار البئر أكثر وأكثر .. وأنا اقرأ سورة الناس بطريقة آلية .. ولكن الشبح لم ينصرف .. بل مد مشعله إلى البئر وهو يحركه وينادي .
    شمس النهار .. يا شمس النهار .
    ولما رآني في ضوء المشعل .. صرخ بأعلى صوته :
    يا أهل البلد .. يا أهل سامول .. شمس النهار في البئر .. يا أبي شمس النهار هنا .
    ثم وثب إلى قاع البئر .. ولكنني لم أخف منه .. بل فرحت به .. لأنني عرفته من صوته.. من لهفته عليّ .. إنه أبي .. ارتميت على صدره وأنا ابكي بكاءً مراً .. غير أن قدميه قد جزعت ولم يستطع النهوض .. فضمني إليه بشدة وراح يقبلني .. وما إن نظرت إلى أعلى .. حتى رأيت جدي وكل أهل قريتنا سامول .. وهم يحملون المشاعل .. فمدوا إلينا حبلاً قوياً .. تعلق به أبي بعد أن رفعني فوق كتفه .. ثم راحوا يرفعوننا إليهم .. وما إن خرجنا .. حتى رفعوني على أعناقهم .. وهم يغنون طوال طريقنا إلى القرية .. التي عدنا إليها مع شروق شمس نهار جديد .. ومن يومها وأنا لا احب الظلام ولا أطيقه .. لذا قررت أن يكون لدي مشعل .. فأحضرت تيلاً من الكتان ويداً خشبية من شجر التوت .. وصنعت مشعلي .. وكنت لا أتركه في أوقات الظلام حتى ألفني الناس على هذا الشكل .. فكانوا يتمنون لو يصادف طريقهم طريقي ويأنسون بمشعلي .
    http://samypress.blogspot.com
    http://samypress.yoo7.com
يعمل...
X