Announcement

Collapse
No announcement yet.

المسرحي الراحل (( سعد الله ونوس )) وقراءة بـ (الملك هو الملك)

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • المسرحي الراحل (( سعد الله ونوس )) وقراءة بـ (الملك هو الملك)

    المسرحي الراحل (( سعد الله ونوس )) وقراءة بـ (الملك هو الملك)


    قراءة جديدة في مسرحية (الملك هو الملك) للأديب الراحل سعد الله ونوس

    مهند علي صقور - الوحدة
    نحن نبدع النصوص حين نقرأها , ونحن بالقراءة , نقيم حياة النصوص , أو نشهد على موتها

    عندما ندخل عالم النص الأدبي , نجد أنفسنا أمام صرح عظيم غامض يحتاج منا وقتاً وجهداً , وآليات للوقوف عند خفاياه وكنوزه .. صرح لا ندري أنخرج منه كما دخلناه ,‏
    أما نخرج منه وقد سكنتنا قضاياه وهواجسه وأمتعتنا فنياته وجمالياته , وراودتنا دلالاته ورموزه ؟‏
    ومسرحية " الملك هو الملك " للكاتب المبدع سعد الله ونوس من النوع الثاني الذي تخرج منه وقد ترك في نفسك أثره , بل إنه ليشدك إليه ويفرض عليك عدة قراءات لا تطابق إحداها الأخرى تماماً وإن كانت تشترك في الأساس , فلا يمكن الإحاطة بعالم النص الناجح بقراءة واحدة , كما أنه لا يمكن أن ندخل صرحه ونحن نريد شيئاً محدداً ينطلق من خلفية ثقافية أو اجتماعية , أو سياسية فالعلاقة بين النص الأدبي والقارئ يجب أن تكون علاقة ود وحوار كما يرى باوس , فالنص يطرح تجربة هي تجربة الكاتب , والقارئ يملك تجربة في سياق ما من سياقات الحياة , فإذا اجتمعت التجربتان على مبدأ الحوارية فإن القراءة عندئذ تخلق عالماً جديداً من المتعة , ويمكن أن نوضح المسألة بشكل آخر ونقول : إن النص الأدبي هو من بعض جوانبه جملة من المثيرات التي تستدعي من القارئ استجابات معينة بحسب القارئ ونوع القراءة , هذه الاستجابات تتجسد في أشكال شتى من أهمها إنتاج النص الجديد الذي نسميه النص النقدي الذي يشتغل على النص الأدبي وينطلق منه .‏
    والملك هو الملك مسرحية أدرجها النقاد ضمن ما يعرف بالمسرح المرتجل , الذي لا يحتكم إلى التنظيم المعهود الذي تتقمص فيه الشخصيات أدوارها وكأنها حقيقة من الواقع , بل تحرص هذه على إشعار المتلقي بأن الأمر يتعلق بأمثولة تساعد على فهم بعض ما يجري في الواقع واتخاذ موقف منه , ولهذا تجد ما يشبه الجوقة على نمط ما نراه في المسرح الشعبي , كما تجد بها أيضاً روح الحكاية تشبه إلى حد بعيد ما في ألف ليلة وليلة ويدور النص في الأساس حول لعبة تتخذ أبطالها من واقع سياسي سيء , فالملك يضجر ويقرر أن يعابث رعيته لينفش عن ضجره , وهو ملك ظالم متجبر , يختار ضحيته وهو رجل مخبول كان تاجراً فدار عليه الزمان بفعل ما لحقه من أعدائه , حتى توهم أنه سيصبح ملكاً يملك البلاد والعباد , ويتمكن من الانتقام من أعدائه شر انتقام يقرر الملك أن يحقق لأبي عزة حلمه ليوم واحد ليسري عن نفسه غير أنه مصاب بصدمة كبيرة فأبو عزة ما إن ينصب ملكاً حتى يقبض على الأمور بيد من حديد , ويتقمص دور الملك بجدارة فائقة , وما من خطوة يخطوها الملك الجديد في إدارة المملكة إلا وتزيد الملك الحقيقي عجباً وحنقاً , حيث يكتشف أن دوره يمكن أن يقوم به أياً كان حتى وإن كان مخبولاً وحين يصل إتقان أبي عزة لدوره كملك ذروته يكاد الملك أن يصاب بالجنون , فيسعى إلى إيقاف اللعبة التي كان يظن أنها ستمتعه , بل إنه ليقرر أن اللعب والحلم والخيال أشياء ممنوعة .‏
    ويكشف جلوس أبي عزة على عرشه الوهمي عن خطين متوازيين هما :‏
    يظهر إمعان الملك في السيطرة و يظهر جماعة من المتمردين , وهم من العامة , يتنكرون في أزياء حمالين ومتسولين , وتنتهي اللعبة , ويراجع كل واحد من الشخصيات دوره و وهمه , ولعل الملك كان أكثرهم كرهاً لذلك الدور , لأنه غامر بأمر كل شيء فيه ممكن إلا للعب .‏
    وإذا نحن حاورنا النص وجدناه يكشف عن تجربة عميقة , فالحلم والواقع يتلازمان ويلامس أحدهما الآخر حتى لا نكاد نفرق بينهما , فالملك الحلم والملك الواقع يتطابقان , يتصرفان بالطريقة ذاتها , بل ربما وجدنا الحلم أكثر تجسيداً من الواقع , وأكثر قساوة منه , فهل يعني هذا أن مجتمع التنكر يجسد تشاؤمية الإنسان ويأسه من التغيير ؟ إن الجواب بالإيجاب عن سؤال كهذا لا يشكل في الواقع إلا قراءة ضمن قراءات محتملة , والجواب بالنفي أخرى كأن مطابقة أبي عزة للملك في التصرف والشعور ينبئ بيأس من البحث عن تغيير يأتي برياح جديدة تخصب المجتمع , طالما أن كل شخص يلبس رداء الملك ويمسك الصولجان ينفصل عن الآخرين , ويصبح في عالمه فريداً , أو كأن تلك المطابقة تعني من جانب مخالف أن الخلل في الرعية التي لا يأتي التغيير من داخلها , فتنتظر موت الملك وتولي آخر , دون أن تحقق الغرض الذي علقت آمالها عليه .‏
    لا نستطيع ـ حقيقة ـ أن نعتبر إحدى القراءتين هي الصحيحة دون غيرها , كما لا يمكن أن نصدر أحكاماً على النص وكأن لنا سلطة عليه , إن لنا الحق أن نستنطقه وأن ندرسه ابتغاء استكناه قضاياه الفنية في اتساعها وتشعبها وتعمقها وسواء خرجنا بما يسرنا أو بما يخيب آمالنا , يكون فعل القراءة قد تحقق , وتكون نتائجه مثمرة , هذه هي نظرة باوس الذي انتقد المناهج المعاصرة التي تعاملت مع النصوص من موقف شروط وخطوات محددة , فأضحت تلامسها دون أن تغوص في عالمها الواسع , ومسرحية سعد الله ونوس هذه ليست مسرحية ترفيهية ولا تعليمية , إنها بدقيق العبارة مسرحية فنية تعج بالقيم التي تحتاج منا إلى وقفات للكشف عنها , إن ضجر الملك الحانق ورغبته في التسلية قد يبدو طبيعياً لأنه يحدث لكل شخص لكن عندما تمتد التسلية لتكون على الرعية فهذا يطرح علامة استفهام , يقول الملك : لا يروي حاجتي أن أسخر من وزيري , ما أحتاجه هو سخرية أعنف وأخبث , أريد أن أعابس البلاد والناس , ويقول وزيره في لحظة صدق حين يخلع رداء الوزارة للتنكر : حين أخلع ردائي أشعر بنوع من الرخاوة تدب في بدني , تخور ساقاي , وتصبح الأرض أقل صلابة , أما عبيد فيقول وهو يقص ما حدث معه في مشاجرته مع بائع الفواكه .. وأبعدوه عني , ومع هذا استطعت أن أحتفظ بتفاحة , ويقول أبو عزة وهو في أوهامه الملكية مخاطباً عرقوب : » أقدر فيك الهمة , ولكن أخاف ألا تصلح للوزارة , إن الأصل يحول بينك وبينه , والوزير ينبغي أن يكون من أصل كريم , يجمع الحسب والنسب إلى الجاه والسلطان , أما أنت ولا تزعل من كلمة الحق لست في النهاية إلا واحداً من الدهماء أو إذا شئت من عامة الناس « .‏
    إن هذه الأقوال جاءت على ألسنة شخصيات المسرحية تعبر عن قيم كثيرة سائدة لكنها هذه الأقوال التي تتحد جميعها لترسم لما أسماه الكاتب مجتمع التنكر أي تكون اللاحقيقة هي الحقيقة والزيف هو الأصل .‏
    يرى باوس أن القراءة تتطلب من فاعلها الوعي والقدرة وهما عاملان لهما وزنهما , فنحن في زمن تمرر فيه الأفكار العظيمة في رداء بسيط وأخاذ , والوعي هو إدراك الشيء على حقيقته من خلال قراءة عميقة تستحضر العناصر الفنية والثقافية والاجتماعية للفرد , والقدرة هي امتلاك الأدوات التي تنجّح فعل القراءة وبهما تستطيع أن تمحص المعارف والقيم , وأن تواجه الفكر الوافد المضاد أو دعم الفكر الواعد المنتج وفي هذا الإطار يجدر بنا أن نطرح هذا السؤال : إذا كانت الملك هو الملك مسرحية بالأساس تتخذ الملك موضوعاً لها , فهل يعني هذا أن المشكلة في الملك : وهل المسحة العربية التي أضفاها الكاتب على المسرحية لكونها محبوكة على نمط ألف ليلة وليلة يعني أن نظام الملك الفاسد حكراً على العرب ؟ إن القراءة الواعدة ترفض مثل هذه الأحكام , رغم تطابقها مع الواقع . إن النص الأدبي لا يجب أن يوجه الوجهة التي نقبلها نحن فقط , بل ينفتح على قراءات أخرى لها مصداقيتها أيضاً لا , هل تستند إلى مستويات مختلفة , إن كل نص أدبي بقدر ما تتعمق مجاهله وتولج دواخله وتستطيل الإقامة بين ظهرانيه يعطيك من الثمرات والنتائج ما لا يعطيه غيره إذا قصر , ثم يعطي في مقابل ذلك غيرك ما لا يعطيك إذا قصرت أو أقصرت .‏
    وانطلاقاً من فكرة الحوارية مع النص , تأتي ظاهرة الإحالة التي هي القراءة الربطية التي تجعل القارئ والكاتب يجتمعان على مجموعة من الصور والأخيلة والمواقف , ويسميها الباحث أحمد حيدوش بتعليق القراءة ويعرفها بقوله هي أن النص يجعل القارئ بين جملة وجملة أخرى يستعيد تجربة ما , وينطلق هذا من تجربة دينامية الخيال أي أن الصورة الفنية والمكان الأليف والذكريات ليست معطيات ذات أبعاد هندسية بل مكيفة بخيال وأحلام يقظة المتلقي , هذه الصور الإحالة في نص ونوس كثيرة فمثلاً وضع أسرة أبي عزة بأبعاده الثلاثة :‏
    » أبو عزة غارق في الخمرة والأحلام الممزوجة بالأسى والمرارة «‏
    » أم عزة تمرغ وجهها في الذل لتعالج آثار انحراف الزوج «‏
    » عزة الضحية التي لا حول ولا قوة لها , تعيش بين حلم جميل , وكابوس مرعب «‏
    فهل ترتبط هذه الصور في ذهن المتلقي فقط لمجرد كونها أوضاعاً اجتماعية ؟ إن القراءة الفنية ترفض هذا الزعم وتخرج بالصورة عن دلالتها المحدودة إلى آفاق رحبة , آفاق المجتمع في علاقاته السياسية والاجتماعية المتشابكة , إن ظلال الصورة تتشعب في ذهن القارئ لتكون لها تلك اللذة التي تحدث عنها رولان بارت , لكن وضع أسرة أبي عزة ليس هو الوحيد الذي يحيلنا على الأخيلة الفنية , فوضع الوزير الخائف على مركزه , الباذل أقصى ما يمكن لثني الملك عن قرار التنكر , ألا يترك في ذهن القارئ صورة لكل متمسك بالمصالح ولو على حساب الآخرين مكرساً مبدأ أعض عليها حتى الموت , إن هذه الصور وغيرها التي استفزت الكاتب تستفز القارئ أيضاً وتجعله مشاركاً في ترسيخ الصورة في الذهن وتصور آثارها حتى يصل الأمر بالقارئ إلى القول كان علي أن أكتب ذلك , أو هذا ما كنت أريد أن أقوله , ولكن الكاتب سبقني إليه , واللافت للانتباه في نص سعد الله ونوس تلك اللافتات الخمس عشرة التي يفتتح بها المشاهد , وهي اختزال للأحداث في عبارات مركزة موجعة , يقول بعضها :‏
    » عندما يضجر الملك يتذكر أن الرعية مسلية وغنية بالطاقات الترفيهية «‏
    » محكوم على الرعية أن تعيش الآن متنكرة «‏
    » أعطني رداء وتاجاً أعطك ملكاً «‏
    إنها لافتات تشكل في النهاية جملة الأفكار التي تعالجها المسرحية , وهي كما نرى ليست بريئة , بل تومئ على معاني واسعة ومثيرة فالأولى تكشف عن مدى الاستخفاف بالشعوب المغلوب على أمرها أما اللافتة الثانية فهي أكثر اللافتات استدعاء للتأمل وهي أكثرها احتقاراً للملك وأعنف هزاً لشعور الرعية فليس الملك في النهاية إلا رداءاً وتاجاً وبالتالي كل واحد من الرعية يمكن أن يكون ملكاً كما هي الحال مع أبي عزة , ثم تأتي اللمسة الحكائية في النص لتضفي طابعاً متميزاً له عمقه التاريخي ومرارته الواقعية وهذا ما جعل الدكتور علي الراعي يقول عن هذه المسرحية » أعذب رشفة من نبع التراث الشعبي ارتشفها كاتب عربي«.‏
    وأخيراً هل صدمنا من خلال الملك هو الملك أم أننا وجدنا أنفسنا أمام عمل هو مرآة فنية لما يعيشه الإنسان في مثل هذه المجتمعات ؟ أم أنها مجرد محاولة لإحياء التراث القديم والتسلية بمخزون الماضي .

  • #2
    رد: المسرحي الراحل (( سعد الله ونوس )) وقراءة بـ (الملك هو الملك)

    شكرا لكى عل نقلك لنا هذه الدراسات المفيدة
    عيد سعيد
    http://samypress.blogspot.com
    http://samypress.yoo7.com

    Comment

    Working...
    X