إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الحروف الشعورية الحلقية (( خاصية غير متوقعة لحرف العين ونتائجها )) - دراسة (( حسن عباس ))

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحروف الشعورية الحلقية (( خاصية غير متوقعة لحرف العين ونتائجها )) - دراسة (( حسن عباس ))

    الحروف الشعورية الحلقية
    (( خاصية غير متوقعة لحرف العين ونتائجها ))
    - دراسة (( حسن عباس ))

    خاصية غير متوقعة لحرف العين:
    باستقراء معاني المصادر التي تبدأ بالعين، عثرت على أربعة وستين مصدراً تدل معانيها على العقد والربط وأدواتهما، وعلى الميل والعوج، وعلى الفتل والدوران، في أسرة من الأحداث يجمع بينها عامل حسي منظور هو تكرار الحركة، مما لم أتبينه في خصائص صوت العين وفق ما نلفظه اليوم.
    منها ثمانية عشر مصدراً للعقد والربط، ولما يعقد به ويربط، منها:
    العبكة (العقدة من الحبل). عرس البعير عرَسا (شدّ عنقه إلى ذراعه وهو بارك) ، والعِراس هو الرباط. أما العُرْس، بضم العين وتسكين الراء فهو الزفاف والتزويج. فهل كان ثمة رابطة في ذهن العربي بين عُرْس الرجل، وعَرْس البعير؟ العِصابة (العِمامة). العِصام (حبل تشدّ به القربة وتحمل). عقد الحبل (لواه على بعضه). عقصت المرأة شعرها (ضفّرته ولوته على رأسها). عقل الدابة (ربطها، والعُقال هو الرباط). عقط الرجل (شدّ عمامته). عكم المتاع (شدّه بثوبه). عكس الشيء (ردّ أوله إلى آخره). عكا ذنب الفرس (عطفه وعقده). العِلاط (حبل يجعل في عنق البعير). عكبشه (شدّه وثيقا). العِياج (زمام البعير). عِنان الفرس (مقودها). العُكال (الحبل الذي يشدّ به عضد الدابة إلى رسغها
    وكان منها تسعة وعشرون مصدراً تدل معانيها على العِوَج والميل والثني. منها:
    عتش الشيء (عطفه وأماله). عِثلت يده وعِثم العظم (انجبرا على غير استواء). عدل عن الطريق (مال). عرقل عليه الكلام (عوّجه). عسف عن الطريق (مال). عصد الشيء (لواه). عصف الشيء (مال). عصل العود (عوّجه). العصلّج (المعوج الساق). أعصد الأمر (أعوجّ وعثر). عفته (لواه). عفص يده (لواها). عقش العود (لواه). عقفه. العُكنة (ما تثنّى من لحم البطن سِمنا). عنَد عن الطريق (مال). أعنز الشيء (أماله ونحّاه). عنس العود (عطفه وقلّبه). عِكش الشعر (التوى وتلبد). العِوج. عال في الحكم عولا (جار ومال عن الحق). عال في الأرض عيلا (ذهب ودار، وفي مشيه تمايل واختال وتبختر).
    وكان منها سبعة عشر مصدراً لتكرار الحركة والدوران. منها:
    عَبل الحبل (فتله). عرقد الحبل وعسده (فتله شديداً). عسّ عسسا، وعاس عوسا (طاف ليلا). عفق (أكثر الذهاب والمجيء في غير حاجة). عَكف (عطف حول الشيء). عمت الصوف (لفّه مستديراً ليجعله في اليد فيغزل). عقى العقاب تعقية (حام حول الشيء وارتفع). عكر على الشيء (كرّ وانصرف وعطف). العِمامة (ما يلف على الرأس). عاف الطير عوفاً وعيفاً (دار حول الشيء يريد الوقوع عليه). عاك عليه عوكا (عطف وكرّ وأقبل). عاد عوداً (رجع وارتد).
    وهذه الخاصية المستدركة في صوت العين لمعاني العقد والربط، والميل والحني، والفتل والدوران، في صور من التحرك وتكرار الحركة، لها نظير من خاصية صوت (الراء). لمعاني التأود والترجيع والدوران، في صور من تكرار الحركة، كما مر معنا في دراسة هذا الحرف.
    وإن دلّ التوافق في هذه الخاصية بين العين والراء على شيء، فإنما يدل على أن العربي قد لفظ صوت العين مشدداً عليه مع شيء من التواتر والتكرار (ع، ع،ع) قريباً مما لفظ صوت الراء، وليس كما نلفظه نحن اليوم. فكان له من هذه الظاهرة الصوتية مختلف معاني العقد والربط والعِوج وتكرار الحركة والدوران، مضافاً إليها ما سبق بيانه من المعاني. فهل للقارئ تعليل آخر؟ ومثل ذلك ما لحظناه من هذه المعاني في حرف (الحاء).
    وهكذا بلغت نسبة تأثير صوت العين في معاني المصادر التي تبدأ به في محيط المحيط (68%) بينما هذه النسبة في الوسيط (88%). على أن انخفاض هذه النسبة في محيط المحيط يرجع إلى كثرة ما ورد فيه من غرائب المعاني المتناثرة، مما تعذر ضبطه في أبواب معينة من المعاني. كما يرجع أيضاً إلى كثرة ما ورد فيه مما هو مولّد ومعرّب ودخيل ومحدث وعامّي، فلم نستشهد به أخذاً بالنهج الذي اتبعناه في دراسة أصوات بقية الحروف. مع الإشارة إلى أن معظم غرائب الكلم كان حِكراً على محيط المحيط.
    في النتائج:
    1-كانت الصفة الغالبة على معاني المصادر الواردة في الجداول السابقة جميعاً، هي الشدة والفعالية أو الظهور والعلانية، وفقاً لما توقعته.
    2-على الرغم من أن صوت العين هو أوحى أصوات الحروف بالصفاء والنقاء والضياء والسمو، فإنه قد اقتصر على طبع أحد عشر مصدراً فقط بهذه المعاني، لتخيب بذلك توقعاتي جميعاً. على أن موحياته الصوتية هذه، وإن أقلّ العربي من اعتمادها في التعبير عن معانيه، فإنها تؤهله إلى تصدر الحروف الشعورية. ويكفينا من هذه الموحيات أن الأصوات الغنائية ذات الطابع العيني، هي أكثر الأصوات قدرة على التعبير عن مختلف المشاعر الإنسانية النبيلة.
    3-بلغت نسبة المصادر التي تتوافق معانيها في محيط المحيط مع العين المشددة (46.2%) بينما اقتصرت نسبة المصادر التي تتوافق معانيها مع العين المرققة على (6.4%) مما يقطع بأن مخرج العين يقع في أول الحلْق داخلاً كما قال الفراهيدي وابن جني والعلايلي.
    ولكن ماذا عن حرف العين في آخر المصادر؟
    إن معنى كل لفظة هو في الأغلب محصلّة خصائص أصوات الحروف، أي معانيها. ومن قوانين اللغة العربية كما رأينا، أنّ الحرف القوي يضعف تأثيره في معاني المصادر عندما يقع في نهايتها لتسلط الحروف التي تقع في مقدمتها. لذلك رأيت أن أشير إلى المساعدة التي يقدمها حرف أو أكثر في تكوين المعنى المقصود من اللفظة. وهذه الإشارة إنّما هي درس تطبيقي مبسط للدراسة التي قمت بها حول خصائص أصوات الحروف على واقع المعاجم اللغوية.
    وبالرجوع إلى المعجم الوسيط عثرت على مئتين وخمسة مصادر تنتهي بالعين، كان منها خمسة وستون مصدراً تدل معانيها على الشدة والفعالية بما يتوافق مع صوت العين مشدداً عالي النبرة. منها:
    بزُع الصبي (صار جريئاً على الكلام، الباء هنا للظهور والبيان، والزاي للشدة). بضع اللحم (قطعه. الباء هنا للحفر والبقر). بكعه (ضربه ضربا شديداً متتابعاً، الكاف للاحتكاك). جذع الشيء (قطعه، الذال للحز والقطع). خرع الشيء (شقه، الخاء للتخريب) دفع الشيء (نحاه وأزاله بقوة، الدال للشدة المادية). ردع. شجع (جرؤ، الجيم للغلظة). الصدع (الشق في الشيء الصلب، الصاد للصلابة والدال للشدة). صرعه (طرحه أرضاً، الصاد للصلابة). الضّلع. قضعه (قهره، القاف للقوة والمقاومة). قطع. قلع. قسعه (ضربه على قفاه). تكنع (تحصن، الكاف للاحتكاك، والنون للبطون والخفاء). مزع الفرس (عدا عدواً شديداً. الزاي للفعالية والاهتزاز). هزع (أسرع، الهاء للاضطراب والزاي للشدة). ملعت الدابة (أسرعت).
    وكان منها واحد وعشرون مصدراً للعظم والارتفاع والظهور، بما يتوافق مع صوت العين مفخماً. منها:
    بتع الإنسان (طال، الباء هنا للظهور والبيان). ترع الأناء ( امتلأ). تلِع الرجل (طال عنقه). زلعت النار (ارتفعت، الزاي للشدة والاهتزاز). سنُع (طال وارتفع، السين للمسير، والنون هنا للانبثاق). فرع (طال وعلا). نبع الماء من الأرض (خرج، النون للانبثاق رفع الشيء (أعلاه).
    وكان منها واحد وثلاثون مصدراً للعيوب الجسدية والنفسية، معظمها يتصف بالعلانية، بما يتوافق مع العين المشددة، منها:
    خدعه (ختله، الخاء للعيوب النفسية). خفع (ضعف من جوع). رقُع (حمُق، للتنافر في أصوات الحروف). الشناعة (القبح الشديد)، الشين للتوافه. الظلع. الأكتع. الهلاع. (الأحمق، الهاء للاضطرابات العقلية). الهِمْلع (من لا وفاء له، والهاء للتنافر). الوجع. كعكع في كلامه (تحبَّس. نعّ (ضعف).
    وكان منها تسعة مصادر للنور والصفاء والصقل بما يتوافق مع العين المشددة. هي: سطع. أشعّت الشمس (انتشر شعاعها، الشين للتفشي والانتشار). شمع السراج (سطع نوره). المِصطع (البليغ الفصيح، الصاد للصفاء والصلابة). المِصقع. صلِع. قشع النور الظلام (كشفه ،القاف للقوة، والشين للانتشار). نصُع (صفا ووضح، النون للنقاء والانبثاق والصاد للصفاء). لمع البرق.
    وكان منها اثنا عشر مصدراً لمعاني الرقة واللطافة بما يتوافق مع صوت العين مرققاً مخففاً. هي:
    تاع الجْمد (ذاب، التاء للضعف والوهن). و(رتعت) الماشية (رعت كيف شاءت في خصب وسعة، الراء للتحرك والتكرار). رضع (الراء لتكرار الحركة، والضاد لفخامة الثدي وامتلائه، والعين لرقة وعيانيه المشاعر المتبادلة بين الرضيع ومرضعته). السمع. الشفاعة. المتعة. مرع المكان (أخصب). معَّ الشمع (ذاب). النفع. هجع (نام ليلاً). هكع (سكن واطمأن). الورع (التحرج عن المحارم).
    وكان منها تسعة مصادر لأصوات لا تطريب فيها، تتوافق مع العين المشددة عالية النبرة هي:
    جعجع الجمل (اشتد هديره). خَبّع الصبي (فحِم من البكاء). فرقع (بدا له دوي، الفاء للانفلاق والقاف للانفجار الصوتي). قرع الطبل. قعقع الشيء (أحدث صوتاً عند تحريكه). لعلع الرعد (صوت) نشع (شهق حتى كاد يموت، النون للصميمية والانبثاق). وعوع الكلب (عوى وصوَّت). الخُواع (شبه النخير والشخير).
    وكان منها تسعة عشر مصدراً لمشاعر إنسانية سلبية موزعة المعاني بما يتوافق مع العين المشددة والعين المرققة. هي:
    خشع. خضع. خنع. (الخاء للعيوب النفسية).الجشع (الجيم للغلظة والفجاجة والشين للانتشار). الطمع (الطاء للفلطحة والميم للانجماع). الفزع. قنِع. اللوعة (الحزن الشديد). كعّ (جبن وضعف). المصوع (الرجل الخائف لا فؤاد له). صعصع (خاف واضطرب). هِلع (جزِع جزعاً شديداً، الهاء للاضطرابات النفسية واللام للالتصاق). هطع (أقبل مسرعاً خائفاً). هنع (خضع). الولع (التعلق بالشيء والحرص عليه، اللام للالتصاق). هاع هوعا (خضع وذلّ). هاع هيعاً (فزع وجبن). يَرِعَ (جبن).
    ولم أعثر على أي مصدر يدل على الربط أو العقد أو العوج والتكرار والدوران سوى لفظة الفدع (العوج في المفاصل، الفاء للتوسع). وهذا كان متوقعاً لأن صوت العين في نهاية المصادر لا يلفظ متواتراً أو بشيء من التكرار كما يمكن أن يلفظ في أولها.
    وهكذا قد طبع حرف العين بخصائصه الصوتية مشدداً ومرققاً منعماً (61%) كان منها (44%) للتشديد، و(17%). للترقيق. وبذلك يكون هذا الحرف قد حافظ على قوة شخصيته في نهاية المصادر. كما أن العين المشددة قد تغلبت هنا أيضاً على العين المرققة، على الرغم مما يتعرض صوتها في نهاية المصادر للترقيق والتخفيف أصولاً.
    ثم أخيراً ماذا عن حرف العين في وسط المصادر؟
    بالرجوع إلى المعجم الوسيط عثرت على مئتين وثمانية مصادر. كان منها ثلاثة وأربعون لمعاني الشدة والفعالية بما يتوافق مع العين المشددة. ولقد سبق أن استشهدت بمعظمها لهذه المعاني بالذات في حروف (الباء والجيم والدال والزاي والقاف والكاف). لذلك سأكتفي بسرد ما يرجع تأثيره حصراً لحرف العين. منها:
    رعبل الشيء (قطعه أومزقه). رعله (شقه). لعسه (عضه). معج (أسرع). معس الشيء، ومعك الأديم (دلكه دلكاً شديداً) معل الرجل (أسرع في المشي). وعث الطريق (تعسّر سلوكه). وعُر المكان (صلُب). وعك الحر (اشتد).
    وكان منها أحد عشر مصدراً للعلو والضخامة والامتلاء بما يتوافق مع صوت العين مفخماً عالي النبرة. هي:
    الجَعْظ (الضخم، الجيم للغلظة والفجاجة). الجعفر (النهر الكبير). رعبب (سمن حتى قطر دسما). زعب الإناء (امتلأ). صعد (الصاد للفعالية والدال للشدة). فعم الإناء (ملأه وبالغ في ملئه، الفاء للتوسع، والميم للانجماع). القعب (قدح ضخم غليظ). كعَبت الفتاة نَهَدَ (ثدياها). كعر الصبي (امتلأ بطنه وسمن). توعّل الجبل (علاه). وعَّنت الدواب (سمنت).
    وكان منها ثمانية وعشرون مصدراً لعيوب جسدية ونفسية تتصف بالشدة أو الظهور، بما يتوافق مع العين المشددة عالية النبرة. منها:
    الجعيس (الغليظ الضخم). الجُعْوَس (القصير الضخم). دعر (فسد وفسق). دعن (مجن). الأرعن. الزُّعنفة (رديء كل شيء ورزالته). شعبذ وشعوذ (مهر في الاحتيال).القُعْدُد (الجبان الخامل، يقعد عن المكارِم). قعِن الأنف (كان فيه قِصِرٌ فاحش) معد الشيء (فسد، ومنه المعدة بيت الداء والفساد). معق فلان (ساء خلقه). نعثل (عرج). وكان منها مصدر واحد للنور هو:
    رعج البرق (اضطرب وتلألأ وتتابع لمعانه، على أن الاضطراب والتكرار هو الغالب على المعنى، للراء).
    وكان منها ستة عشر مصدراً للرقة واللطافة والكياسة، ماديها ومعنويها، بما يتوافق مع العين المرققة. منها:
    دعب (مزح). دعجت العين (اشتد سوادها وبياضها). السعابيب (خيوط العسل). اللعب. الماعي (اللين من الطعام). نعج (خلص بياضه). نعس. النعفة (الذؤابة). نَعُم الشيء (لان ملمُسه).
    وكان منها عشرة مصادر لأصوات تتوافق معانيها مع العين المشددة هي:
    بعق الحيوان (صوّت شديداً، الباء للبيان والقاف للانفجار الصوتي). الرعد. رعقت الدابة (صوَّت بطنها في العدو. للقاف). السُّعال. صعق الحيوان (اشتد صوته، للصاد الصفيرية والقاف الانفجارية). قعم السِّنور (صاح). معاً السنور معاء (صَوَّت). نعب الغراب (صاح، للنون والباء). وعق الفرس (سُمع في بطنه صوت إذا مشى). يَعَرت الشاه (صاحت).
    وكان منها تسعة مصادر لمشاعر إنسانية موزعة المعاني بما يتوافق مع العين المشددة والمرققة. هي:
    بعِل بأمره (دهش وتحير). التعاسة. ذعن (خضع وذل). الرُّعب. السعادة. قعِط (ذل وهان). أكعت فلان (مضى منتفخاً من الغضب). لعج الحب فؤاده (استحرّ فيه). معِض (غضِب).
    وخلافاً لتوقعاتي، كان منها عشرة مصادر لمعاني الالتواء والعوج والتمايل بما يتوافق مع صوت العين متواتراً عالي النبرة، مما يدل على أصالة هذه الخاصية في صوت العين. هي:
    جعُد الشَّعر (اجتمع وتقبّض والتوى). دعلج (تردد في الذهاب والمجيء). قعس الشيء (عطفه). قعنب الأنف (أعوجّ). قعي (أشرفت أرنبة أنفه ثم مالت نحو القصبة). كعنب قرن التيس (التوى كأنه حلقه). كعنز في مشيه (تمايل كالسكران). معِض فلان (أصابه التواء في مفصله أو عصب رجله). نعظل (تمايل في مشيه يُمنة ويُسرة، النون للنوسان). وعى العظم وعياً (برأ على أعوجاج).
    وهكذا بلغت نسبة المصادر التي تأثرت معانيها بخصائص العين قرابة (58%) كان منها (44%) للعين المشددة مما يقطع بقوة شخصية العين أنّى كان موقعها من اللفظة.
    ملاحظات ونتائج:
    آ-باستقراء معاني ألوف من المصادر والمشتقات التي تبدأ بحرف العين في محيط المحيط لوحظ أن معظمها يتعلق بشؤون المرحلة الرعوية، أو يصلح للتعامل الحياتي فيها. بينما لم أعثر على أي معنى منها يتعلق صراحة بالمرحلة الزراعية، فلا شيء منها لأعمال الفلاحة والحفر أو الزراعة والبستنة، أو السِقاية والجِني، وما إليها. وكأني بهذا الحرف الرعوي قد نشأ وترعرع في- البادية، فلم يشأ أن يفارق خيامها وإبلها ورُعاتها وعاداتها وأحوالها إلى الحياة الزراعية طوال آلاف الأعوام.
    وذلك على العكس من حرف (الفاء) المختص أصلاً بشؤون الزراعة والبستنة. فمن أربعمئة وأربعة وثلاثين مصدراً تبدأ بحرف (الفاء) عثرت عليها في محيط المحيط، لم أجد في معانيها ومشتقاتها، ما يتعلق بالحياة الرعوية وشؤون البادية سوى الآتي:
    1-خمس لفظات للأسد من غرائب الكِلم. 2-الفصيل (ولد الناقة: فصل عن أمه)
    3-الفودج (الهودج، من هدج الظليم، مشى في ارتعاش) 4-الفلاة والفيف (للأرض والصحراء الواسعة). وذلك لخاصية التوسع في (الفاء). 5-فعفع الغنم (زجرها) 6-الفَرَاءُ. (حمار الوحش) 7-الفرتاج (سمة للإبل) 8-الفرس (واحد الخيل للذكر والأنثى). وهكذا الأمر مع حرف (اللام) الزراعي، فلم أعثر في المعجم الوسيط على ما يتعلق معناه بالمرحلة الرعوية من المصادر والمشتقات التي تبدأ به سوى ثلاثة، هي لاه السراب بمعنى (اضطرب وبرق، والهاء الرعوية للاضطراب أصلاً)، الليث واللبوة (للأسد وأنثاه).
    وهكذا قد صح ما ذهبت إليه سابقاً من أنني أستطيع إلى حد ما تحديد المرحلة الحياتية التي أُبدع خلالها أي من أصوات الحروف، وذلك بالرجوع إلى معاني المصادر التي شارك في تركيبها. هذا وغير خاف عني ما قد يثيره هذا القول من احتجاج البعض. وفي مصالحة ودية بيننا أقول: من المرجح أن العربي قد استعمل بعض الحروف العربية ليعبر بكل واحد منها عن حاجات المرحلة الحياتية التي تتوافق مع خصائصه. فكانت حروف (الفاء واللام والميم) بترجيح شديد من نصيب المرحلة (الزراعية)، وكانت العين قطعاً من نصيب المرحلة (الرعوية) في توافق عجيب بين الخصائص الفطرية لهذه الحروف وبين المراحل الحياتية التي مر بها الإنسان العربي في جزيرته، مما لا نظير له في أية لغة أخرى.
    ب-بلغ متوسط نسبة المصادر التي تأثرت معانيها بخصائص حرف العين الصوتية مما عثرت عليه في المعجم الوسيط كما يلي
    88+61+58/3=(69%).
    وهذه النسبة العالية تجعل حرف العين في مقدمة الحروف القوية الشخصية.
    ج-بلغ متوسط نسبة المصادر التي تقبل العين المشددة:
    62+44+44/3=(50%).
    ليقتصر نصيب العين المخففة المرققة على 69-50=(19%)
    وهذا يقطع بأن العرب الأوائل قد لفظوا (العين) بحناجر بدوية مرنانة وصوت ناصع مشبع مفخم، لا يخلو من التكرار. وذلك لتأمين التوافق بين إيحاءاته الصوتية وبين الشدة والفعالية والظهور والعيانية التي رافقته على العموم في مسيرته الثقافية عبر التاريخ.
    قاعدة لغوية ميدانية تغني عن السماع لتحديد مخارج أصوات الحروف التي اختلف حولها علماء اللغة، ولبيان كيفية نطق العرب الأوائل بالحروف العربية قبل أن ترتخي حناجر الأجيال التالية في عصور الانحطاط، فتوزع العرب بذلك إلى لهجات كادت تتحول إلى لغات.
    عودة إلى تشكل صوت العين:
    إنه أعسر أصوات الحروف العربية نطقاً. فهو يتشكل عبر مراحل ثلاث:
    1-يتضيق أول الحلق من الداخل على شكل حلقه مجوفة ملساء الجوانب.
    2-يندفع النفس من جوف الصدر فيحتك بفوهة الحلق ويتوزع إلى ذبذبات هوائية.
    3-تتكيف فوهة الحلق مع هذه الذبذبات لتجميعها في محراق الفوهة، فتتحول إلى صوت صاف نقي ناصع، لا اهتزاز فيه ولا اضطراب ولا صحل ولا رخاوة.
    فصوت العين كما بدا لي، يتشكل في جوف الحلق وليس على صفحات غشائه. وذلك على مثال ما يتشكل صوت الصفير خارج الفم وليس على صفحات الشفتين.
    فبعد أن يتم ضم الشفتين في حلقه مضيقة ويحتك النفس المضغوط بحافاتها الملساء، يتحول إلى ذبذبات هوائية تتجمع في بؤرة هذه الحلقة خارج الفم في صورة صوتية صافية نقية من الصفير. ليكون الصفير بذلك من الشفتين كصوت (العين) من الحلْق. مما يصح معه أن نقول: إن صوت (العين) هو صفير الحلق، وإن الصفير هو (عين) الشفتين.
    وهكذا، إذا كان التحكم بصفحات أنسجة الحلق لإحداث صوت الحاء مصحولا به يتطلب كثيراً من المهارة، فإنه لا بد من مهارة معجزة (لتحويل) فوهة الحلق إلى عدسة صوتية ملساء، تتمركز في بوتقتها ذبذبات النفَس في صوت متوهج ناصع اللمعان، على مثال ما تفعل العدسات الضوئية بأشعة الشمس.
    ولذلك يتعذر على غير أبناء اللغات السامية (العروبية) التلفظ بصوت العين إلا بكثير من التشويه بمن فيهم أبناء اللغة الفارسية، على الرغم من وجود حرف خاص في لغتهم لصوت (العين).
    وهكذا يبدو لي أنه كان أولى بالعربي أن ينسب لغته لحرف (العين)، من أن ينسبها لحرف (الضاد).
    فلئن كان في (الضاد) فخامة قد أرضت كِبريِاء المتنبي في موقف فخار شعري، ولا قت هذه الدعوى من بعده هوى في نفوس الشعراء والأدباء، فإن في (العين مزايا قد تفردت بها عن سائر الحروف مما يجعلها أولى وأجدر بهذا المقام الثقافي الرفيع.
    فصوت (العين) وإن كان خاتم أصوات الحروف العربية. فإنه يتقدمها جميعاً في مخرجه الصوتي.
    وإذا كان صوت العين يقصر شيئاً ما عن الضاد في مضمار الفخامة، فإنه أشد من صوتها نصاعة وصفاء ونقاء ومرونة وهو لا يزال معجزة اللغات العروبية، لا يتقن النطق به إلا أبناؤها ومن تربوا بينهم من الشعوب والأمم.
    وإذن أما آن لحرف الضاد أن يتنازل طوعاً عن عرش لم يعد أهلاً له، إلى حرف لا يزال يتمتع بكل ما يتطلبه هذا المنصب الرفيع في العصر الحديث من الشروط والمؤهلات؟
    في الختام:
    لقد عرضت في مدخل الدراسة الثانية (الحرف العربي والشخصية العربية ص22-23) أن فطرية اللغة العربية، تقتضي أن تكون حروفها موزعة الخصائص والمعاني بين الحواس الخمس والمشاعر الإنسانية.
    فرضية لغوية ولا أغرب، قد اقتضاها المنطق الرياضي الصرف، ولا سابقة لها في علوم اللغة. فما من عالم لغة عربياً كان أم غير عربي على مدى التاريخ، قد خطرت هذه الظاهرة على باله فأشار إليها ولو بصورة عابرة، فكان سعيي الحثيث طوال أعوام عديدة للتثبت من صحتها مغامرة حقيقية تتماس مع المستحيل. وأخيراً تتحقق هذه الفرضية في هذه الدراسة على واقع المعاجم اللغوية بما لا يدع مجالاً لأي شك في صحتها تأييداً لفطرية اللغة العربية.
    ولكن البرهان الحاسم على فطرية اللغة العربية يتوقف على صحة الفرضية القائلة بأن معنى الكلمة العربية هو محصلة الخصائص والمعاني الفطرية لحرفها (المرجع السابق ص25-28).
    ولقد أثبتت هذه الدراسة على واقع المعاجم اللغوية كما لاحظ القارئ، أن معاني المصادر الجذور قد تأثرت بخصائص ومعاني الحروف التي شاركت في تراكيبها بنسب راوحت بين (50-92%) ولئن كانت هذه النسب ولا سيما العالية منها تعزز صحة القول بخصائص الحروف العربية ومعانيها الفطرية فإنَّها تثير الشكوك حول فطرية المصادر التي لم تتأثر معانيها بخصائص الحروف التي تقع في أولها أو آخرها أو وسطها، كما مر معنا. فحق للمحتج أن يجد في باقي المصادر التي راوحت نسبها بين (8-50%) ثغرة للطعن منها في فطريتها، وبالتالي في فطرية اللغة العربية أيضاً.
    والرد على هذا الطعن بأن أي مصدر جذر لا تتأثر معانيه بأحد حروفه موضوع الدراسة، قد تتأثر بأحد الحرفين الباقيين أو بهما معاً. فثمة تعاون حقيقي بين حروف كل مصدر جذر للتعبير عن معناه الفطري. ولكن هذا القول على منطقيته ومعقوليته يحتاج إلى إقامة الأدلة القاطعة على صحته.
    لذلك وحماية لدراساتي اللغوية جميعاً من هذا المطعن العقلاني الرصين كان لابد لي من تخصيص الباب الأخير بفصوله الثلاثة للبرهان على أن معاني المصادر الجذور هي في الغالب (محصلة) خصائص ومعاني حروفها. ويا له من اختبار تطبيقي شاق وخطر وخطير، فهل أوفّق فيه أيضاً.
    على أن القارئ سيجد في دراستي الثالثة " (حروف المعاني) بين الأصالة والحداثة" مئات الأدلة والبراهين على صحة ذلك من واقع المراجع (الصرفية -النحوية). مما يقطع كل الشكوك ويدحض جميع التهم التي أثيرت ببراءة أو بلا براءة حول فطرية العربية وأصالتها.
يعمل...
X