إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الحروف الشعورية الحلقية (( حرف الهاء -(العلايلي :للتلاشي) )) - دراسة (( حسن عباس ))

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحروف الشعورية الحلقية (( حرف الهاء -(العلايلي :للتلاشي) )) - دراسة (( حسن عباس ))

    الحروف الشعورية الحلقية (( حرف الهاء -(العلايلي :للتلاشي) ))
    - دراسة (( حسن عباس ))
    3- حرف الهاء

    مهموس رخو، يشبه رسمه في السريانية شكل الهاله. يقول العلايلي عنه: إنه (للتلاشي). وهو تعريف مبهم.
    ولقد اختلف علماء اللغة العربية في موقع مخرجه من الحلْق. فمعحرف الهاءظمهم جعله في أوله داخلاً قبل أي حرف آخر، وقلة منهم كالخليل بن أحمد الفراهيدي وابن سينا والعلايلي، قد جعلته بعد حرفي العين والحاء، وهذا الاختلاف يرجع إلى كيفية التلفظ به. فمن أشبع صوته وزاد في توتره وارتفاع نبرته، يلاحِظ أن مخرجه الصوتي يقع فعلاً في أول الحلق، أما من خفَت بصوته ورقَّقه، فلابد أن يلاحِظ أن مخرجه يقع بعد حرفي العين والحاء.
    وللفصل في هذا الاختلاف، لابد أن نرجع إلى المعاجم اللغوية، على غرار مافعلنا بصدد كل خلاف وقع حول مخارج أصوات الحروف، كما مر معنا. فإذا غلب على معاني المصادر التي تبدأ بهذا الحرف طابع الشدة والفعالية والاهتزاز، بما يتوافق مع صوته مشبعاً مضغوطاً عليه، عالي النبرة، كان مخرجه في أول الحلق داخلاً، أما إذا غلب على معانيها طابع الضعف والرقة والوهن، بما يتوافق مع صوته مخفوتاً به مرققاً، كان مخرجه بعد حرفي العين والحاء، كما قال الفراهيدي.
    ولكن قبل ذلك، أرى من المفيد أن نعرف كيف اهتدى الإنسان العربي إلى وظيفة صوت هذا الحرف الذي لاشبيه له في الطبيعة.
    إن صوت حرف الهاء باهتزازاته العميقة في باطن الحلق يوحي أول مايوحي بالاضطرابات النفسية. وإذن لابد أن يكون الإنسان العربي قد اهتدى إلى صوت هذا الحرف للتعبير عفوياً‌ عن اضطراب نفسي معين قد أصابه، أو أن يكون قد اقتبسه عن صوت إنسان كان اعتراه مثل هذا الاضطراب النفسي.
    ولكن ما أكثر أنواع الاضطرابات النفسية، فأيها هو الذي يتوافق مع موحيات صوت الهاء؟
    إن الإنسان المنفعل الذي يدخل في حالة يأس أو بؤس أو حزن أو ضياع ولو لعارض مفاجئ، لابد أن تنقبض معها نفسه، فينعكس ذلك على جملته العصبية. وتبعاً لذلك لابد أن ينقبض لها بدنه بما في ذلك جوف الصدر وأنسجة الحلْق. وهكذا عندما ينطلق النَّفسَ الهيجاني المشحون بمثل هذه الحالات النْفسية من جوف الصدر إلى مخرج الهاء في جوف الحلق ليتحول إلى صوت، لابد له أن يرتعش على شكل اهتزازات توحي بالحالة النفسية التي تعرَّض لها صاحب هذا الصوت.
    وهكذا يبدو أن العربي قد اقتبس صوت الهاء من مادة هذا الصوت الهيجاني المضطرب المهزوز للتعبير عن تلك الاضطرابات والانفعالات النفسية التي عاناها هو، أو عاناها غيره على مشهد منه ومسمع.
    ولكن عندما تتأصّل تلك الحالات في نفْس صاحبها لأسباب عاطفية عميقة الجذور من فواجع موت أو حب، أو لظروف قاهرة من يأس دائم وأسى مقيم، وما إليها من دواعي البؤس المتحكِّمة في النْفس، لابد لطبيعة الانقباض بالذات أن تتحكم في جملته العصبية، ليصبح صوت مثل هذا الإنسان هائي الطبيعة والمخرج الصوتي معاً.
    وهكذا فإن الأصوات الغنائية التي لها في الأصل خصائص الهاء المخفوت بصوتها، إنما هي أشجى الأصوات وأبلغها في التعبير عن مشاعر اليأس والبؤس والهجران (خضيري أبو عزيز العراقي، فريد الأطرش السوري بعد وفاة شقيقته اسمهان).

    ولكن هل تقتصر الايحاءات الصوتية للهاء على مشاعر الحزن والياس والشجى، وما إليها، على مثال الأصوات الغنائية ذات الطابع الهائي؟

    إن الايحاءات الصوتية للهاء تختلف بحسب كيفية النطق بها:
    1- فإذا لفظ صوتها مشبعاً مشدداً عليه، أوحت الاهتزازات المتوتِّرة بالاضطراب والاهتزاز والسحق والقطع والكسر والتخريب، وبما يماثلها أيضاً من الأصوات الشديدة التوتر العالية النبرة. وفي هذه الحال يكون مخرج صوت الهاء في أول الحلق داخلاً قبل أي حرف آخر.
    2- وإذا لفظ صوت الهاء باهتزازات رخوة مضطربة، أوحى بمشاعر إنسانية من حزن ويأس وضياع وبما يحاكيها من الأصوات الرقيقة، ومخرجه في هذه الحال يكون بعد العين والحاء.
    3- وإذا لفظ صوتها مخففاً مرققاً مطموس الاهتزازات، أوحى بأرق العواطف الإنسانية وأملكها للنفس، فيكون مخرجه أيضاً في أول الحلق، أقرب مايكون من جوف الصدر.
    4- أمَّا إذا لفظ صوتها بطريقة تهكمية (كوميدية) مخنخناً به ولو بصورة مضمرة، كان أوحى أصوات الدنيا بالاضطرابات النفسية، وبما يُضحِك من مظاهر الخبل والهتر والتشوهات العقلية والجسدية، ويكون مخرجه بعد العين والحاء.
    وهكذا يتحول صوت الهاء (المأساوي) أصلاً وطبيعة إلى صوت (كوميدي) إن صح التعبير. ولا فارق بين الصوتين، إلا كيفية النطق بهما، وقيد شعرة بين المخرجين، مخنخناً أو غير مخنخن. وما أكثر الخصائص الصوتية في حرف الهاء تنوعاً وتناقضاً.
    فهل يرجع ذلك إلى خاصية الاهتزاز في صوت الهاء؟
    إن صوت الزاي أشد اهتزازاً منه، ومع ذلك فإن معاني المصادر التي تبدأ بالزاي ظلت ملتزمة بما هو محسوس مادي من مظاهر الشدة والفعالية والاضطرابات والأصوات الحادة، ولاشيء للمشاعر الإنسانية، كما مر معنا.
    وفي الحقيقية، إن الفارق بين الموحيات الصوتية لحرفي (الزاي والهاء) يرجع إلى موقع المخرج الصوتي لكل منهما، وإلى طبيعة الأعضاء التي تحدثه.
    فالاهتزازات الصوتية (للزاي) تحدث في آخر المدرج الصوتي بعيداً عن أي انفعال يعتمل في جوف الصدر. كما أن المخرج الأساسي لهذا الحرف يقع بين طرف اللسان، لا أرشق حركة وبين صفحتي الثنيتين العُلْوِيتَين، ولا أقسى مصداً، ولذلك فإن الإيحاءات الصوتية لهذه الاهتزازات ظلت محصورة ضمن نطاقها المادي المحسوس من المعاني التي تحاكيها رشاقة حركة، وصلابة أحداث، وحِدَّة أصوات من دون أن تتجاوزها إلى النطاق الشعوري.
    أما الاهتزازات الصوتية للهاء، فهي تحدث في الحلْق قريباً من جوف الصدر،’ لا أرق أنسجة، ولا أكثر حساسية. ولذلك فإن هذا الموقع الممتاز لمخرجها قد جعل اهتزازاتها الصوتية أكثر عرضة للتأثرّ المباشر بمختلف الانفعالات. التي تجيش في الصدر، من حِدَّة وقساوة، أو حزن وأسى، أو تهكم وسخرية، أو رقة وشفافية.
    كما أن الرقة المتناهية في أنسجة مخرجه في الحلق قد جعلته أكثر طواعية لإرادة الناطق به وأسلس قياداً، فمنحت صوته المهتز قدرة فائقة على التكيف مع الحالات النفسية والمشاعر الإنسانية التي تعتمل في نفس صاحبها، ومع مختلف المعاني المعبَّر عنها.
    ولما كان صوت الهاء بحسب طبيعته وكيفية النطق به، هو أقدر الأصوات على التعبير إيحاءً عن مشاعر اليأس والأسى والشجى، وعن الاضطرابات والتشوهات والعيوب العقلية والنفسية والجسدية، فإننا كثيراً مانرى أن العربي قد اعتمد مصدراً ما، أو واحداً من مشتقاته لمثل هذه المعاني، وإن كان هذا المصدر قد أبدِع أصلاً للتعبير عن معنى مادي محسوس آخر.
    وإذن، فالصعوبة في دراسة هذا الحرف تتجلى في إشكالات اعتماد المصادر التي يشارك فيها، ثم في اختيار معنى كل منها.
    فأيٌّ هو المصدر الجذر الذي ينبغي اعتماده؟
    وأيٌّ هوالمعنى الأصل الذي ينبغي اختياره؟
    فهل نعتمد المصدر الألصق نشأة بفطرة الإنسان العربي، فنختار المعنى الحسي من مختلف معانيه ومعاني مشتقاته. وذلك جرياً على القاعدة الفطرية التي درجنا عليها في دراسة معظم الحروف السابقة.
    ولكن هذا الحرف الشعوري بغض النظر عن المرحلة الحياتية التي أبدعه العربي فيها، فإنه قد استثمر خصائصه الصوتية للتعبير عن حالاته ومعانيه في مرحلة (رعوية شعرية) كانت أكثر رقياً وتطوراً.
    ولذلك رأيت من الدقة والأمانة في دراسة هذا الحرف أن لا أتقيد دائماً بالقاعدة السابقة، على أن أشير كلما اقتضى الأمر إلى المصدر ذي المعنى الحسي إلى جانب المصدر المعتمد. وللقارئ أن يأخذ باختياري أو لايفعل، فيعدِّل من نتائج الدراسة بمقدار مايُسقط من هذه الاختيارات.
    وبتمحيص معاني المصادر التي تبدأ بهذا الحرف تبين لي أنه لا يكاد يوجد مصدر واحد منها دون أن نجد علاقة وثيقة بين معناه وبين إحدى خصائص الهاء الصوتية تبعاً لكيفية النطق بها.
    فمثلاً في المصادر التالية:
    هجد (نام. صلّى بالليل). هدى هَديا وهِداية (استرشد). هاد هوداً (ناب ورجع إلى الحق). هاء إليه هيئة (اشتاق).
    نلاحظ أن الحروف المشاركة للهاء فيها هي (الجيم والدال والهمزة). وهذه الحروف كما مر معنا في دراستها تتجافى خصائصها الصوتية قطعاً مع كل مايمت إلى المشاعر الإنسانية بأي صلة. كما أن معاني هذه المصادر من حالات الطمأنينة وصفاء النفس ورقة المشاعر، تتناقض أيضاً مع الخصائص الصوتية لحرف الهاء الذي اختص أصلاً باليأس والشجى.
    وإذن فإن هذه المعاني وماشاكلها من هوى وهيام هي مدينة ولا شك إلى كيفية النطق بصوت الهاء. فإذا لفظ مرققاً مخففاً مخفوتاً به، وخرج عميقاً من جوف الصدر في أول الحلق، لابد أن تتلاشى بذلك اهتزازته الصوتية مع النفَس المبعثر، فيختفي التخريب فيه ويغيب التشويه عنه ويضمحلُّ الاضطراب.
    ودفعاً لأي تُهمة من التحيز في تطويع المعاني وقسرها لصالح خصائصه الصوتية، رأيت أن أستشهد بأكبر عدد من الأمثلة بمعرض البرهان على كل خاصية منها، كما رأيت أن أتتبع الهاء في نهاية المصادر وفي وسطها للتأكيد من مدى رسوخ خصائصها الصوتية في معاني المصادر التي تشارك فيها.
    وقد يرى البعض في ذلك شيئاً من التطويل المملَّ، ولاسيما والكثير من هذه الأمثلة هو من غرائب الكلم لفظاً وتركيباً قد تجاوز العصر أغراضها ومراميها قروناً عديدة.
    ولكن بعض الصبر، وسيجد القارئ أنها فرصة فريدة تتاح له مع الهاء كي يطلع على خبرة الإنسان العربي في تشخيص مختلف الاضطرابات والتشوهات والعيوب والأمراض النفسية والعقلية والجسدية والاجتماعية بصدق فراسة ودقة ملاحظة، مما لا يحيط به اليوم أي طبيب متخصص بالأمراص العصبية. كما ستتاح له فرصة مماثلة لمعاينة براعة الإنسان العربي في اختيار الحروف المتنافرة والتراكيب المضطربة في صور صوتية ساخرة من الألفاظ النشاز للتعبير عن هذه الحالات النشاز أيضاً، مما لايستطيعه أي رسام كاريكاتوري معاصر.
    أما أنا، فستتاح لي مناسبة جديدة أخرى لتذكير القارئ بالعلاقات الأصيلة المتبادلة بين القيم الجمالية والقيم الأخلاقية بمعرض تعبير العربي عن أمثال هذه العيوب، بما يتوافق معها من الألفاظ النشاز، ولعله قد يخرج من دراسة هذا الحرف وهو أكثر قناعة بأنه: (لافن بلا أخلاق ولا أخلاق بلا فن). مقولة كانت هي الدافع الحقيقي لقيامي بهذه الدراسة المضنية عن أصوات الحروف العربية.
    ولكن ما رأى المعاجم اللغوية في كل ذلك؟

    بالرجوع إلى المعجم الوسيط عثرت على مئتين وثمانين مصدراً تبدأ بحرف الهاء، كان منها سبعة وسبعون مصدراً تدل معانيها على الاضطرابات والعيوب النفسية والعقلية والأخلاقية، بما يتوافق مع صوت الهاء رخواً مخنخناً به بعض الشيء، وبذلك يقع مخرجه بعيداً قليلاً عن أول الحلق. منها:
    الهبيت (الجبان الذاهل العقل من هبت، لان واسترخى). هبرم وهترم (أكثر الكلام). الهبنّغ من النساء (الفاجرة لا ترد يد لامس من هبغ رقد بالنهار). الهُبَكة (الأحمق). الهَبل. الهِبلَّع (اللئيم). الهَبَنّك (الأحمق الضعيف). هتر (حمُق وجهل). الهُتْكة (الفضيحة من هتك الثوب، شقه). هثّ (كذب). الُهجأة (الأحمق من هجأ الشيء، انقطع). هجر المريض (هذي من هجر، تباعد). رجل هِجرس (لئيم الهِجرس هو القرد أو الثعلب). الهَجْرع (الأحمق). الهِجْزع (الجبان). هجلت المرأة بعينها (أدارتها) تغمز الرجال من هجل بالشيء، رمى به). هجُن الكلام (صار معيباً من هجنت الصبية، تزوجت قبل البلوغ). الهِجاء (السب وتعديد المعايب). هذر الرجل في منطقه (تكلم بما لا ينبغي). هرأ فلان في منطقه (أكثر الخطأ والقبيح في كلامه). الهرب. هرج في الحديث (أفاض فيه وخلَّط). هرِش فلان، (ساء خلُقه من هارش الكلب، قاتله). هرط في الكلام (خلط وسفسف من هرط الشيء، مزّقه). هرف الرجل (هذي من هرفت الريح فلاناً، استخفته وجعلته يمشي بسرعة). هرمز الرجل (لؤم). هرمط الرجل عِرض فلان (وقع فيه). هثّ (كذب من هثّ الأشياء، خلط بعضها ببعض). الهَيعرة (الفاجرة النزقة من هيعر، خفّ وطاش). الهيفك من النساء (الحمقاء من تهفّك، اضطرب واسترخى في المشي). تهقّع الرجل (جاء بأمر قبيح). الهقلس (السيء الخلق من الناس). هكب فلاناً وبه ومنه (استهزأ). هقي فلان هقياً (هذي فأكثر). الهكيك (المخنث). تهكم به (استهزأ به واستخف). هاكاه (استصغر عقله). هلب فلاناً بلسانه (نال منه نيلاً شديداً من هلب الفرس، نتف شعر ذنبه). الهُلابج (الأحمق الذي لا أشد منه حمقاً). الهَلائث (السَّفِلة من الهلاث، الاسترخاء يعتري الإنسان). هلس هُلاساً (سُلب عقله). الهِلّوس (الثقيل الجافي). الهِلَّكس (الدنيء الخلق). الهمَج (الحمقى من الهمج، ذباب صغير يقع على وجوه الغنم والحمير). همزه (اغتابه وغض منه). همش الرجل (أكثر الكلام في غير صواب). همط (خلّط وأتى بالأباطيل). الهِمَّق (الأحمق المضطرب). الهَملَّع ( مَنْ لا وفاء له). هِنب (بلُه وحمُق). الهَنْبَثة (الاختلاط في القول). الهِنْبَص (الضعيف الحقير الرديء). الهُنْبُع (المرأة الحمقاء، أو الفاجرة). هنفت المرأة (فجرت). الهَوْب (الأحمق المهذار). هوج (حمق). الهوَس (طرف من الجنون من هاس، طاف بالليل في آخره). هوِك الرجل (حمُق وفيه بقية من عقل). هاش فلان هيشاً (أكثر من الكلام القبيح من هاش القوم، هاجوا). الهَيضة (معاودة الهم والحزن من هاض العظم، كسره بعد ماكاد ينجبر). اهرمّع الرجل (كان سريع البكاء والدمع).
    وكان منها اثنان وأربعون مصدراً تدلُّ معانيها على التشوهات والعيوب الجسدية في شكل أو مشية أو حركة نابية، بما يتوافق مع صوت الهاء، رخواً مخنخناً به بعض الشيء، منها:
    تهبرس وتهطرس (تمايل في المشي وتبختر فيه). هبع الحمار (مشى مشياً بليداً)، هبرج (خلط واضطرب في مشيته). هتهت في كلامه (أسرع فيه فالتوى لسانه). هجَّت العين هجّاً (غارت)، الهِجَفُّ (الطويل الضخم لاغَناء عنده)، الهُجَّنف (الطويل العريض). الهِدَبْل (الأشعث الذي لا يسرح رأسه ولا يدهنه). هدج فلان (مشى متثاقلاً في ضعف ومنه الهودج). الهربذى (مشية فيها اختيال وعجب). هرجل (اختلط مشيه). الهِرشِن (الواسع الشدقين). هرِص (جرب جرباً يابساً). الهِرطال (الرجل الطويل العظيم الجسم). الهُراكل (الجسيم الضخم من الرجال والحيوان). هرملت العجوز (بليت كبراً وخرقت). الهيشر (الرخو الطويل من الرجال من هشر الناقة، حلب ما في ضرعها جميعاً). هصا هصواً (أسنَّ وكبر). هضب الرجل هضباً (مشى مشية البليد من الدواب). الهضْلاء من النساء (الطويلة الثديين وهذا عيب في نظر العربي، على العكس من الأفريقي الأسود). الهَطلَّع (الجسيم المفرط في الطول مما يدعو إلى الاضطراب في الحركة).الهِقَبُّ (الضخم في طول وجسم). الهِقمّ (الكثير الأكل). هكّلت المرأة (مشت اختيالاً). الهالط (المسترخي البطن). الهِلقام (الواسع الشدقين). الهِنْبض (العظيم البطن). هنبع وهنبل (ظلع في مشيه). الهَيْق من الرجال (الدقيق الجسم المفرط الطويل). الهِرمل من النساء (الهوجاء المسترخية).
    وكان منها اثنا عشر مصدراً تدل معانيها على الرداءة والضعة والاهتراء، بما يتوافق مع الهاء مخفوتاً بصوتها، رخواً ومخنخناً به: منها:
    الهُباشة (الجماعة من الناس ليسوا من قبيلة واحدة). الهِدْمل (الثوب الخلق). الهرشم (الحجر الرخو). الهش. الهلاك. تهلهل الثوب (رقّ حتى كاد يبلى). الهماليل (الممزق من الثياب). هاص الطير (رمى بسلحه).
    وكان منها أربعة وثلاثون مصدراً تدل معانيها على أصوات يمكن تصنيفها في فئتين اثنتين:
    آ- الأصوات التي فيها رقة أو ضعف أو تدل على حزن بما يتوافق مع صوت الهاء مرققاً مخففاً، وعددها ثمانية عشر، هي:
    هتَّ الماءُ (سُمع له صوت عند صبه). هتفت الحمامة وهدلت (صوتت). هتْمل (تكلم بكلام خفي). هدهد الطائر (قرقر). هرنفت المرأة (بكت وتكلمت في ضعف). وهرنف الرجل، (ضحِك في ضعف قد أسند الضحك للرجل لأن البكاء يعيبه). هرهر الشيء (أحدث صوتاً ضعيفاً). هزِج (تغنَّى). هسهس الرجل (أحدث صوتاً ضعيفاً). هطف الراعي (احتلب فسمع صوت اللبن عند الحلب). هفّت الريح (هبّت فسُمع صوت هبوبها). الهمْس (كل خفي من كلام ونحوه). همهم (ردّد الزئير في صدره من همّ وحزن). هنّ هنيناً (بكى بكاءً مثل الحنين). هوّت به وهيَّت (صاح). هَهْ (حكاية صوت للتذكير). تهوّه (تأوه وتوجع).
    ب- الأصوات النابية والمستهجنة والغوغائية، بما يتوافق مع صوت الهاء مشدداً، وعددها ستة عشرة. هي:
    هأهأ (قهقه). هبِص بالضحك (بالغ فيه من هبِص الكلب، حرص على الصيد وقلِق عليه). هتش الصياد الكلب (حرشه وأغراه بالصيد). هجهج الفحل (شدّد في هديره). هدر البعير (ردد صوته في حنجرته). هرّ الكلب (نبح وكشرّ عن أينابه من هرّ سلحه، استطلق حتى مات). هرمس الناس (صاحوا وجلبوا). هزر (ضحك من الهِزْر). هزِق في الضحِك (أكثر منه). الهزَق (النزق والخفة). الهزيم (صوت الرعد). الهزمجة (اختلاط الأصوات). همرج (لغط). هند (صاح كالبوم). هاط هيطاً (ضجّ وأجلب). هاهى بالإبل (دعاها وزجرها).
    وكان منها اثنان وعشرون مصدراً للمشاعر الإنسانية ثمانية عشر منها للحزن والخوف والذل، وأربعة للفرح والهوى والهيام، بما يتوافق مع صوت الهاء رخواً مضطرباً، أو مخففاً مرققاً، هي:
    هطر الفقير للغني (تذلّل). هقّ (هرب مذعوراً). أهطع (نظر في ذلّ وخشوع). تهكَّن (تندَّم). هلِع (جزع جزعاً شديداً). هنع (خضع والأهنع هو ابن العربية من مولى). هنِق (ضجر). هاع هوعاً (خاف وجزع)، هال هولاً (خاف ورعب). هابه هيباً ومهابة (حذره وخافه). هاع فلان هيعاً (فزع وجبن). هان هوناً (ذلّ). هاده هيداً (زجره فأفزعه وكربَه). هزأ منه وهزِئ به (سخر منه). الإهساء (حيرة يقع الناس فيها). هاضاه (استحمقه واستخفَّ به). هلّ فلان به، وهاء هوءاً (فرِح). الهوى (الميل والعشق). الهيام (الجنون من العشق).
    وكان منها واحد وثلاثون مصدراً تدل معانيها على ماهو محسوس من الاضطراب والارتعاش والتحرك السريع، بما يتوافق مع صوت الهاء مشدداً، منها: هبّت الريح (هاجت). هبا الغبار (ثار وارتفع). هذرم (أسرع في مشيه). هزلم (أسرع في مشيه مقارباً بين خطاه). هزّ الشيء (حركه بقوة). هفّت الريح (هبّت). هرول. هزرع في عدوه (أسرع). هزرق (أسرع). هزع الظبي (عدا عدواً شديداً). هزهز الشيء (كرر تحريكه). هشهش الشيء (حركه). هصت الإبل (أسرعت). همر الماء (انصبّ). همعت العين (دمعت). هملت العين (فاضت وسالت). تهنَّج الجنين (تحرك في بطن أمه). الهُوف (الريح الهوجاء، حارة أو باردة). هات الشيء (تحرك). هاش القوم هوشاً (هاجوا). هاده هيدا (حركه). تهطلس الرجل (هرول واحتال في طلب اللص).
    وكان منها واحد وثلاثون مصدراً لمعاني التخريب والقطع والسحق والكسر بما يتوافق مع صوت الهاء ملفوظاً بشدة وحِدَّة. منها:
    هتم الشيء، وهتاه، وهشم الشيء الأجوف، وهصر الشيء، وهصمه، وهاضه، وهضمه بمعنى (كسره). هبر اللحم، وهدب الشيء وهذاه بالسيف هذواً، وهزبره بمعنى (قطعه). هذّ الشيء هذا وهذذا وهذأة وهذمه بمعنى قطعه سريعاً). هتم الشيء، وهرسه، وهمق السويق، وهمك البطاطس بمعنى (دقه وسحقه وهرسه). هدّ البناء، وهدمه، وهورّه، وهبره بمعنى (هدمه). هثهث الشيء (وطئه شديداً). هرت الشيء (شقه ليوسعه). هرد الثوب (شفه ومزقه). هرض الثوب (مزقّه). هدغه، وهمغه (شدخه). هصّ الشيء (وطئه فشدخه). هلت الشيء (قشره).
    نتائج:

    1- بلغت نسبة المعاني الدالة على الاضطرابات والعيوب النفسية والعقلية والجسدية (43.5%)، وكان للرداءة والضعة، ولما هو ناب ومستهجن من الأصوات، وللحزن والفزع والذل والحيرة (17.5%). بما مجموعه (61%) وهذا يقطع بأصالة هذه المعاني التي تترافق أصلاً مع (الهاء) المخفّفة كما أسلفنا:
    2- بلغت نسبة المعاني الدالة على الاهتزاز والتخريب بما يتوافق مع الهاء المشدّدة التي يقع مخرجها في أول الحلق (31%).
    3- وهكذا تتفوق (الهاء) المخففة على (الهاء) المشدّدة بنسبة (61% إلى 31%) بما مجموعه (92%) وهي نسبة عالية.
    ولكن ماذا عن الهاء في آخر المصادر؟

    بالرجوع إلى المعجم الوسيط عثرت على سبعين مصدراً تنتهي بحرف الهاء، كان منها اثنا عشر مصدراً للرقة ماديها ومعنويها، بما يتوافق مع الهاء المرققة المرخمة، منها:
    أبه له (فطن وتنبه). رفه. رفقه. كنه الأمر (أدرك حقيقته). نقه (برئ ولا يزال به ضعف). بره (ثاب جسمه بعد علة). رهره لونه (حسن بريقه ولمعانه).
    وكان منها تسعة للشدة دون كسر أو قطع أو سحق، بما هو أكثر توافقاً مع الهاء المشددة، منها:
    بدهه (فاجأه). دره عليهم (فاجأهم غفلة). رمِه اليوم وذمِه (اشتد حره) زمِه الحر (اشتد). وَمِهَ النهار (اشتد حره).
    وكان منها سبعة للأصوات، ثلاثة للهاء المخففة وأربعة للهاء المشددة. هي:
    أيَّه به (صاح به وناداه). فاه بالقول (نطق). قهقه (ضحك، فسمع له صوت). صهصه بالقوم (زجرهم). قهَّ (ضحك). نده (صات). ويْه (كلمة اغراء وحثّ).
    وكان منها أربعة عشر مصدراً للاضطرابات والعيوب النفسية والعقلية والجسدية بما يتوافق مع الهاء المخففة المخنخن بها. هي:
    أمُه (ذهب عقله). البله. ترِه (وقع في الأباطيل). دلِه (ذهب فؤاده من همٍّ أو عشقٍ أو نحوه). تفِه. تاه توهاً(ضل الطريق). عتِه. سفِه. شرِه. كمه الرجل (عمي). كهّ (هرِم). مته (ضلّ وغوى). شاه شوهاً (قبح). ورِه (حمق).
    وكان منها ثلاثة عشر مصدراً لمشاعر إنسانية: أحد عشر منها لمشاعر سلبية من حزن وألم وحيرة، بما يتوافق مع الهاء المخففة. هي:
    الِه ألهاً (تحيّر). أهَّ (توجع وتأوه). آه أوهاً (للتوجع والحزن). فهّ فهاهة (ذلّ من عِيٍّ وغيره). الكره. ولِه (حزِن حتى ذهب عقله). الوهُّ (الحزن). وَهْوَهَ (حزن). العمه (الحيرة والتردد). كوِه الرجل (تحير). شدهه (دهشه حيره).
    واثنان منها لمشاعر إيجابية تتوافق مع الهاء المشددة. هما:
    تاه تِيهاً (تكبر). فرِه (بَطِرَ وأشِر).
    ولم أعثر على أي مصدر يدل على الاهتزازات والاضطرابات المادية، وذلك لأن الهاء لا تلفظ في آخر المصادر إلا مخففة ومرققة، مما يحرمها من مثل هذه الإيحاءات.
    ومما يلفت النظر، أن المصادر التي تنتهي بالهاء، مما يدل منها على العيوب والاضطرابات النفسية والعقلية والجسدية، وعلى مشاعر الحزن واليأس والحيرة، كانت جميعاً من أرق الألفاظ نغماً ومبنى، فلا تنافر في أصوات حروفها ولا اضطراب في تراكيبها، مما هو أقرب إلى الألفاظ الشعرية. كما كانت معانيها مجرد تعابير علمية مهذبة عن حالات نفسية أو جسدية معينة، فلا فجور فيها ولا شناعة ولا سخرية ولا استهزاء، ولا مِمّا هو نابٍ عن المألوف، وذلك على العكس مما كان حال هذه الفئة من المعاني مع الهاء في أول المصادر، كما مرَّ معنا.
    وهذه الظاهرة الغريبة مع الهاء في آخر المصادر، تدل على قدرتها الذاتية على التعبير عن الاضطرابات والعيوب النفسية والعقلية والجسدية، دونما حاجة بها إلى الاستعانة بتنافر أصوات الحروف واضطراب تراكيب الألفاظ. وهذا مايقطع بأصالة هذه الخصائص الإيحائية في صوت الهاء، ولاسيما ما يدل منها على مشاعر إنسانية سلبية قد بلغت نسبتها )(21%).
    وهكذا كانت الهاء المخففة أغلب على معاني هذه المصادر من الهاء المشددة بنسبة (57 إلى 21%) بما مجموعه (78%). وهي نسبة عالية قلَّ أنْ حظي بمثلها أي من الحروف.
    ثم أخيراً، ماذا عن حرف الهاء في وسط المصادر؟

    هل ستظل كفة الهاء المخففة هي الأرجح. وهل ستحافظ في هذا الموقع الثانوي من اللفظة على إيحاءاتها المعتادة من الاضطرابات النفسية والتشوهات الجسدية ومشاعر الحزن والخوف والحيرة....؟
    بالرجوع إلى المعجم الوسيط عثرت على مئتين وأربعة وعشرين مصدراً وما أكثرها؟ كان منها تسعة وعشرون مصدراً للرقة بما يتوافق مع الهاء المخففة. كما كان منها ثمانية وأربعون لمعاني الشدة والفعالية والقطع والقشر والكسر وما إليها، بما يتوافق مع الهاء المشددة، قد شاركت حروف القوة والغلظة، ولاسيما (الدال والزاي والباء والكاف). في تسعة وعشرين منها.
    أما الاضطرابات والاهتزازات الحسية فلم يكن لها سوى مصدرين (ارتهز وارتهش بمعنى ارتعش)، وذلك لعلة (الراء). في أول المصدرين.
    وكان منها تسعة وثلاثون مصدراً للعيوب والتشوهات الجسدية، مما يتوافق مع الهاء المخففة، منها.
    تبهصل (تعرى وخرج من ثيابه). داء البهاق. تهِم الرجل تهماً (خبُثت ريحه). الجهبلة (المرأة القبيحة الدميمة). الدهكر (القصير من تدهكر، تدحرج في مشيه). الدهكم (الشيخ الفاني). رهِل (اضطرب واسترخى). رهيأ (ضعف وعجز وتوانى). الضهياء (امرأة لا تحيض ولا تلد لضمور أعضائها الجنسية). ضهب الرجل (لم يصل مستوى البلوغ، ولم يشبه الرجال في صفات الرجولة). الطهْمَل (الجسيم القبيح الخِلقة). فهفه (عيّ وكلّ لسانه). قهل جلده (قشف ويبس) قهِم (قلَّت شهوته للطعام من مرض أو غيره). قهي قهيا (لم يشته الطعام). الكَهمَس من الرجال (القصير القبيح الوجه). تلهْيع في الكلام (أفرط). مهق (كان لونه ناصع البياض بغير حمرة، وهو لون قبيح). النهبَرة من النساء (الطويلة المهزولة). نهبل (ظلع ومشى كأن أعرج). الوهن. الأيهم (الأصم من الناس).
    وكان منها خمسة عشر مصدراً للعيوب والاضطرابات العقلية والنفسية، مما يتوافق مع الهاء المخففة. منها: بهتر ونهتر (كذب). الجهل. الرهدل والرهدن (الأحمق الجبان). رهق (سفِه وحمُق وجهل ومنه المراهق). زهف (ذلّ كذب). السهو. عهر عهوراً (فجر). غهب (غفل عنه ونسيه). يهم يهماً (جُنّ).
    وكان منها عشرة مصادر للأصوات تتوافق جميعاً مع الهاء المشددة، هي:
    أَهَى (قهقه في ضحكه). بهِص (عطش). جهجه الأبطال (صاحوا في الحرب). دهدق في ضحكه (أساء الضحك). زهزق (ضحك شديداً). سهف الدب (صاح). نهت القرد (صاح). نهق الحمار (يلاحظ في هذا المصدر اجتماع النون للرنين والهاء للاهتزاز والقاف للانفجار الصوتي فكان النهيق أنكر الأصوات قاطبة). نهم الأسد (صوت). يْهيَهَ بالإبل (صاح).
    وكان منها اثنان وعشرون مصدراً لمشاعر إنسانية، منها ثلاثة عشر لمشاعر سلبية معظمها للهاء المشددة وهي:
    بهره وبهته (أدهشه وحيَّره). جهث (استخفه الفزع أو الغضب أوالطرب). جهشت نفسه (تحركت وهمّت بالبكاء). دهشه (حيّره أذهب عقله). الداهل (المتحيّر) رهبه (خافه). زهد فيه (أعرض عنه احتقاراً). ضهده (أذله وظلمه). كهي (جبن وضعف). لهف (حزن). وهل (جبن فزع) سهجر (عدا عَدْوَ فَزَعٍ).
    ومنها تسعة لمشاعر إنسانية إيجابية، معظمها للهاء المخففة، هي:
    بهأ به بهئاً وبهوءاً (أنس به وأحب قربه). بهجه (أفاض سروره). بهش إليه (ارتاح). ذهِل (تدلّه وغاب عن رشده لعشق). زهَل (اطمأن قلبه). زها زهواً (تاه وتعاظم وافتخر). شهاه (أحبه ورغب فيه). لهي به لها (أحبّه) تجهضم (تغطرس وتكبر).
    فكان للهاء المخففة نسبة 45% وللهاء المشددة 29% بما مجموعه 74% لتتغلب الهاء المخففة أيضاً على المشددة.
    في الخلاصة:

    1- كانت المعاجم اللغوية لصالح الهاء المخففة بنسبة وسطية مقدارها (56 إلى 25%). مع الإشارة إلى أن الهاء لا تلفظ في نهاية المصادر إلا مخففة مرققة وإن كانت معانيها تدل على الشدة والقوة، وذلك بخلاف ماهو حالها في أول المصادر، حيث تلفظ بما يتوافق مع معانيها. أما الهاء في وسط المصادر، فهي تلفظ بين بين، وإن كان في معانيها شدة وفعالية. وبذلك ترجح كفة الهاء المخففة بنسبة وسطية لا تقل عن ثلاثة أمثال، لنخلص من كل ذلك إلى أن مخرج الهاء لا يقع في أول الحلق، تأكيداً لرأي الفراهيدي وابن سينا والعلايلي.
    2- بلغ متوسط نسبة تأثير خصائص الهاء في المصادر التي شاركت فيها (81%)، وهي نسبة عالية تجعل هذا الحرف المضطرب المهتز في مقدمة الحروف القوية الشخصية.
    3- أما المعاني الدالة على عيوب نفسية وعقلية وجسمية، وعلى مشاعر إنسانية سلبية، وعلى ماهو ناب ومستهجن من الأصوات، وعلى مايدل على التفاهة والضعة، فقد بلغ متوسط نسبتها (43%). وهكذا يكون العربي قد جعل من (الهاء) مصّحاً للأمراض النفسية، ومحجراً للأمراض والتشوهات الجسدية، وما يستتبع ذلك من حالات الضعة والرداءة، على مثال ماجعل من حرف الخاء سلة للنفايات في بنيانه اللغوي الأنيق.
    4- ومما يلفت الانتباه في تعامل العربي مع حرف الهاء، كيفية توزع المشاعر الإنسانية على معاني المصادر، تبعاً لموقعه منها:
    آ- لقد كان لحالات الخوف والجبن في المصادر التي تبدأ بحرف الهاء ثماني كلمات وفي المصادر التي يتوسطها خمس، ولا شيء لهذه الحالات في المصادر التي تنتهي به.
    ب- كان لحالات الحزن في المصادر التي تنتهي به خمس لفظات، وفي المصادر التي يتوسطها اثنتان ولا شيء لها في المصادر التي تبدأ به.
    وهاتان الظاهرتان ترجعان فيما أرى، إلى أن حالات الخوف والذعر والفزع والجبن، هي: الأظهر على سيماء الإنسان وملامحه وحركاته، فوضع العربي لها حرف الهاء في أبرز موقع له من اللفظة، أما حالات الحزن والشجى والتوجع، وهي الأخفى في طيات النفس وحشايا القلب، فقد وضع لها هذا الحرف بعيداً عن الأنظار خلف ستائر من أصوات الحروف.
    جـ- كان لحالات الحيرة في المصادر التي تبدأ بحرف الهاء لفظة واحدة، وأربع لكل من المصادر التي يقع في وسطها وآخرها، وذلك لأن الحيرة كالحزن تدخل في زمرة الهواجس النفسية الخفية.
    د- على الرغم من تنوع المشاعر الإنسانية وتوزعها على سلم طويل متعدد الدرجات من الحالات النفسية التي شملت أيضاً، مشاعر الذل والندم والكراهية والضجر والتحقير والسخرية والفرح والحب والتكبر والغطرسة، فإنني لم أجد أي مصدر منها يدل على الحقد أو الغضب، سوى لفظة واحدة، هي جهث بمعنى (استخفه الفزع أوالغضب أو الطرب)، وبأفضلية الفزع على المشاعر الأخرى.
    وذلك، فيما أرى، ليس للتنافر بين موحيات صوت الهاء، وبين حالات الحقد والغضب فحسب، وإنما للتناقض أيضاً بين طبيعة صوت الهاء خلخلة واضطراباً، وبين طبيعة الحقد والغضب حشداً وتجميعاً لهذه المشاعر في النفس، وتوتراً عنيفاً في انفعالاتها.
    ولهذا السبب بالذات من التنافس بين طبيعة صوت الخاء، رخاوة واضطراباً، وبين خصائص الحقد والغضب، لم أعثر على معانيها في المصادر التي شارك فيها هذا الحرف إلا في لفظة واحدة، هي: سخطه بمعنى (كرهه، وغضب عليه، ولم يرض عنه). وبأفضيلة الكره على المشاعر الأخرى.
    هـ- ولكن مايدعو للغرابة والدهشة أن عثرت في المصادر التي شارك حرف (الحاء) في تراكيبها على تسعة عشر مصدراً لحالات الحقد والغضب من بين خمسة وثلاثين مصدراً لمختلف المشاعر الإنسانية، وصوت (الحاء) هو كما يعلم القارئ، أجمل أصوات الدنيا قاطبة، وأرقها حاشية وأعذبها جرساً، فلماذا؟
    وذلك يرجع فيما أرى إلى أن العربي كان يلفظ صوت الحاء بشيء من الحدّة، كما سبق أن أشرت إلى ذلك في دراسته. وهكذا يتجمع النفَس في جوف الحلق ويزداد توتره، مما يجعل طبيعة صوت الحاء الحادة، المتماسكة، متوافقة مع طبيعة الحقد والغضب.
    وقد يجد بعضهم في هذه الظاهرة مايتعارض مع الطبيعة الإنسانية: تناقضا بين موحيات الجمال وبين حالات الحقد والغضب.
    ولكن الجمال له أسرة حميمة من المفاهيم الثقافية، في مقدمتها عاطفة الحب، وليس بين مشاعر الحب في النفس وبين حالات الحقد والغضب إلا سماكة نسيج عنكبوتي شفاف، قد تثقبه نظرة شذراء، وقد تمزقه لمسة يد خرقاء. وهكذا قد يتسرب الحقد والغضب لأي هفوة إلى منطقة الحب، فيختلط الحب بالحقد والغضب.
    هذا هو إنذار الإنسان العربي في حرف الحاء ومعانيه للذين يتعاملون على الطبيعة مع مفاهيم الحب والجمال.
    فالحب الذي يقوم على الجمال أعزل من مشاعر الإيمان لا يصمد لتقلبات الأمزجة وظروف الحياة. ذلك أن الحب هو من أسرة المفاهيم الفنية، والإيمان هو من أسرة المفاهيم الأخلاقية، فكما أنه (لافن بلا أخلاق ولا أخلاق بلا فن)، فإنه:
    (لا حب بلا إيمان ولا إيمان بلا حب). بعضهما يأخذ بعناق بعض ولا فراق.
    وهكذا، قد بلغ الإنسان العربي، عفو فطرته السوية، في تعامله الثقافي مع أصوات الحروف الشعورية ومعانيها حساسية سمع ورهافة مشاعر، أعماقاً نفسية لا تقصر عما وصل إليه علم النفس الحديث، إن لم يكن قد بزّه في بعض النقاط.
يعمل...
X