إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الحاسة السمعية وحرفاها (( حول ظاهرة فقدان معاني الأصوات)) - دراسة (( حسن عباس ))

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحاسة السمعية وحرفاها (( حول ظاهرة فقدان معاني الأصوات)) - دراسة (( حسن عباس ))

    الحاسة السمعية وحرفاها (( حول ظاهرة فقدان معاني الأصوات))
    - دراسة (( حسن عباس ))

    أولاً - حول ظاهرة فقدان معاني الأصوات:

    من الملاحظ أن الزاى غير المشددة تلفظ في نهاية الكلمة ، ساكنة ومخففة ، بذبذبة صوتية ضعيفة ، قد توحي بشيء من الاهتزاز والاضطراب ولكنها لا توحي بأصوات.
    ولكن هذا التعليل لايطال الزاي المشدّدة، فمهما يُخفف صوتها ويرّفق ويُخفَفُ به ، يبقى فيه من الذبذبات الصوتية ما يكفي للايحاء بأصوات ما.
    وإذن لابد من المقارنة بين حرف الزاي والحروف الموحية بأصوات (ص. ن..ق) ، في محاولة للاهتداء إلى السبب.
    1- مع حرف الصاد.

    من (147) مصدرا تبدأ به كان ثمة (26) للأصوات. أما المصادر التي تنتهي به، فلا شيء منها للأصوات.
    2- مع حرف النون.

    من (386) مصدراً تبدأ به كان ثمة (30) مصدراً للأصوات. أما التي تنتهي به، فكان منها (7) للأصوات ، ستة منها تنتهي بنون مشددة، كما سيأتي في دراسته لاحقاً..
    3- مع حرف القاف.

    من (280) مصدراً تبدأ به، كان ثمة (22) للأصوات . أما التي تنتهي به فكان منها (17) للأصوات . ولكن كان ثلاثة عشر منها تبدأ بالحروف الموحية بأصوات موزعة كما يلي:
    (6) للنون. (3) للزاي. (4) للقاف ذاته، كما سيأتي وشيكاً.
    ومما سبق يتضح أن العربي قد درج على وضع الحروف الموحية بأصوات في مقدمة المصادر التي تدل معانيها عليها. فهي في هذا الموقع البارز أوحى ما تكون بخصائصها الصوتية الأصلية. ثم يسوق الحروف الأخرى للتأليف بينها في اللفظة الدالة على صوت بالصورة التي تتوافق جملتها الصوتية مع طبيعة الصوت الذي يريد التعبير عنه.
    وفي الحقيقة إن وضع الحروف الموحية بأصوات (ز. ص. ن. ق) في آخر اللفظة، من شأنه أن يضعف من موحياتها الصوتية، بمقدار ما يبعد الذهن عن معانيها وخصائصها ، إلى معاني وخصائص الحروف التي تقع في المقدمة. ولذلك شدَّد العربي من صوت النون في جميع المصادر التي تنتهي بها مما يدل على أصوات ، لفتاً للذهن والسمع إلى صوتها برنين النون المشددة
    ولكن لماذا لم يتعامل العربي مع الزاي المشددة في آخر اللفظة للتعبير عن الأصوات، على مثال ما فعل مع النون المشددة؟.
    ذلك لأنَّ خاصية الاهتزاز والشدة في حرف الزاي هي الأصل ، والصوت ما هو إلا نتيجة للاهتزاز. فبتشديد الزاي تتغلب خصائص الاهتزاز والقشر والشِّدة في صوتها على الموحيات الصوتية فيه.
    أما النون فخاصية الرنين في صوتها هي الأصل، والاهتزاز نتيجة للرنين. وبتشديد النون في آخر اللفظة تتغلب خصائص الرنين في صوتها على الخصائص الأخرى.
    وهكذا فان استبعاد معاني الأصوات عن المصادر التي تنتهي بالزاى يدل على حساسية سمعية ورهافة شعور، ما تمتع بمثلها إنسان آخر غير شاعر أو موسيقي.
    ثانياً- حول ظاهرة فقدان معاني البعثرة.

    عندما تلفظ الزاي في أول الكلمة ينفرج الفم قليلا ويتبعثر النفس مع خروج صوتها. أما في آخر الكلمة ، فتلفظ ساكنة ينحبس النفَس معها داخل الفم، فلا بعثرة ولا تشتت في النفَس، ولا ما يوحي بهما. ولذلك كان طبيعياً أن لا توجد في المصادر التي تنتهي بهذا الحرف ما يدل على معاني البعثرة والتشتت.
    ولما كان الزاى قد طبع بخصائصه الصوتية (54%) من معاني المصادر التي تنتهي به بعد أن طبع (72%) من معاني المصادر التي تبدأ به، وكان التزم بطبقته الصوتية في كلتا الحالين لم يتجاوزها إلى الطبقة الشعورية، فهو صحيح الانتماء إلى زمرة الحروف الصوتية، ويتمتع بشخصية متميزة تؤهله للانتماء إلى الحروف القوية.
    2- حرف القاف

    هو شديد. يلفظه بعضهم مجهورا، وبعضهم يلفظه مهموسا. يصفه العلايلي بأنه: (للمفاجأة تُحدث صوتا) . ويصفه الأرسوزي بأنه : (للمقاومة). وكلا الوصفين يفضيان به إلى أحاسيس لمسية من القساوة والصلابة والشدة، وإلى أحاسيس بصرية وسمعية ، من فقاعة تنفجر، أو فخارة تنكسر. ولكن ما رأى المعاجم اللغوية في هذه الإيحاءات؟.
    بالرجوع إلى المعجم الوسيط عثرت على مئتين وثمانين مصدرا تبدأ بحرف القاف، كان منها اثنان وعشرون مصدرا تدل معانيها على أصوات . هي.
    قبقب الفحل (ردد صوته في حنجرته). قحب الجمل (سعل). قرَّ قريرا (صوت). قرع (ضرب بصوت). القَرْق (صوت الدجاجة إذا حضنت). قرقر وقرقف (في الضحك). قصف الرعدُ (اشتد صوته). القعقعة. قعم السنور (صاح). قهقه، وقهّ (ضحك). قفقف (اصطكت أسنانه). قاقت الدجاجة وقوقأت وقوَّقت (صوتت). قال. قوّه لصاحبه (صاح به). قضَّ قضيضاً (سُمع له صوت كأنه قطع). قضقضت العِظام (صاتت عند كسرها) قطقطت الحجلة (صوتت). قعط فلان (صاح شديداً).
    وكان منها خمسة وثمانون مصدراً تدل معانيها على الشدة والقوة والفعالية. منها:
    قبص (عدا عدوا سريعا). قتله. قحز (وثب) . قحم. القدرة. القسر. القساوة.
    قضعه. قهره. قَفَزَ (وثب) . قحطر (اشتد). قهره. القوَّة. قاظ الحر (اشتد).
    قاوم . قاد قيادة.
    وكان منها واحد وثلاثون مصدراً تدل معانيها على القطع والقشر والكسر، بما يتوافق مع خاصية الانفجار في صوته. منها:
    قدّه (قطعه طولا). قطَّه (قطعه عرضا). قذَّه (قطعه وهذَّبه). قرضه. قرطم الشيء (قطعه). قسم . قشده (كشطه). قشره. قتا العودَ (قشره) . قصب الشيءَ (قطعه). قصّه. قصل الشيءَ (قطعه بقوة). قصم وقصمل الشيءَ (كسره). قضبه (قطعه). قلم العودَ (قطع منه شيئاً).
    وكان منها ثمانية مصادر تدل معانيها على اليباس والجفاف، بما يتوافق مع الموحيات اللمسية في صوته. هي:
    قتن المسك والدم (يبُس). قحط. قحِل. قرت الدم (يبس) . قِرِه الجلد (تقشّر).أقسن الرجلُ (صلُبت يده). قشَّ النباتُ (يبس). قِهل جِلده (يبُس).
    وعلى الرغم من موحيات الانفجار والقوة والقساوة والصلابة والشدة في صوت هذا الحرف ، فإنه لم يستطع أن يفرض خصائصه الصوتية على معاني المصادر التي تبدأ به إلا بنسبة (52%) . ولعل ذلك يرجع إلى أن حرف القاف لم يكن يلفظ بمثل الشدة والانفجار الصوتي اللذين يلفظ بهما اليوم. إذ إن بعضهم كان يلفظه مجهوراً والبعض الآخر يلفظه مهموسا، كما أشار إلى ذلك علماء اللغة.
    على أن هذا الحرف كان شديد الالتزام بطبقته الصوتية، فلم يتجاوزها إلى المشاعر الإنسانية إلا في مصدرين اثنين هما: قَنَط بمعنى (يئس)، لتدخل حرف النون المختص أصلاً بالمشاعر الإنسانية وقَعِط‌َ (ذل وهان) لتدخل العين الشعورية. فحرف القاف بفقاعته الصوتية هو في الحقيقة من أعجز الحروف عن إثارة المشاعر الإنسانية.
    وبملاحقة حرف القاف في نهاية الألفاظ : عثرتُ على مئة وخمسة وسبعين مصدرا ، كان منها سبعة عشر مصدرا للأصوات ،وتسعة عشر للشق والكسر والقشر. وسبعة وعشرون للشدة والفعالية.
    ومنه يتضح أن هذا الحرف لم يحافظ على مركزه المتواضع السابق بصدد تأثير خصائصه الصوتية في معاني المصادر التي تنتهي به، إذ هبطت هذه النسبة إلى (36%).
    لا بل إن معظم المصادر التي تدل على الأصوات والشق والشدة كانت مدينة بمعانيها إلى الحروف الأولى التي تتصدرها.
    فلقد عثرت مثلا على سبعة مصادر تدل على الشق قد بدأت بحرف الفاء المختص أصلا بمعاني الشق والانفراج كما مَرّ معنا. هي:
    فتق. فرق. فشق. فسق. فقّ الشيء (انفرج). فلق. فهق الإناء (امتلأ حتى تصبب).
    كما عثرت على اثني عشر مصدرا تدل معانيها على أصوات قد بدأت بحروف الزاى والقاف والنون المختصة أصلاً بالتعبير عن الأصوات التي تتوافق مع إيحاءاتها . هي:
    1- زعق به (صاح به فأفزعه). زقزق الطائر. زهزق (ضحك).
    2- القَرق (صوت الدجاجة إذا حضنت). قاقت الدجاجة وقوّقت (صوّتت).
    3- نطق. نعق. نغق الغراب (نعق). نقنق الضفضع. نقَّت الدجاجة. نهق الحمار.
    كما عثرت على ثمانية مصادر تدل على الشدة والفعالية تبدأ بحرف الدال المختص أصلاً بالشدة والفعالية الماديتين . هي:
    أدحقه (أبعده وطرده). دحلق بطنُه (انتفخ). دسق الحوضُ (فاض ماؤه). دعقت الدابة الطريقَ (داسته وأثَّرت فيه). دفق الماءُ. دلق (خرج سريعا). دمق (دخل بغتة). الدَّرَق.
    وإذن فإن قلة تأثير حرف القاف في معاني الألفاظ التي تنتهي به ترجع إلى التلفظ به في هذا الموقع منخفضا أكثر مما فعل العربي به في أول المصادر. وهذا ما أفسح المجال لأصوات الحروف القوية الشخصية أن تطغى على إيحاءاته الصوتية.
    وهكذا خابت توقعاتي أيضاً مع حرف القاف من حيث قوة شخصيته.



    rr

يعمل...
X