إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الحاسة البصرية وحروفها - دراسة (( حسن عباس ))

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحاسة البصرية وحروفها - دراسة (( حسن عباس ))

    الحاسة البصرية وحروفها - دراسة (( حسن عباس ))

    الفصل الثالث

    الحاسة البصرية وحروفها



    الحاسة البصرية:

    آلتها العين. وهي مكونة من عدسة بلورية ونسيج عصبي حساس، هو الشبكة ولئن كانت ظاهرة الإبصار تنطبق عليها قوانين الانعكاس الفيزيائية ، فإنه ثبت مؤخراً أن عملية الإبصار هي عملية كيميائية بحتة تحصل في طبقات العين.
    تدرك العين أشكال الأشياء وخصائصها الهندسية من عمق وبروز وأبعاد . ولا تتأثر العين البشرية إلا بالموجات الضوئية التي يتراوح طولها بين 390-670 ميلليميكرون، وعدد ذبذباتها بين (395و756) تريليون ذبذبة في الثانية.
    الحروف البصرية :

    الألف . الواو. الياء. الباء . الجيم . السين . الشين. الطاء. الظاء. الغين الفاء . وما أكثرها.
    يلاحظ أن حروف اللين الثلاثة (الألف . الواو . الياء) ، هي جميعاً من زمرة الحروف البصرية والعربي لم يعط هذه الحروف الغابية إلا القليل من الأهمية، من حيث عدم عنايته بالتلفظ بها، لتكون بذلك أقلَّ وضوحاً في الجرْس وظهوراً في السمع من أصوات الحروف الساكنة .
    ولقد استتبع ذلك إهمال رسمها في الأشكال القديمة للكتابة العربية ، كشأنها في بقية اللغات السامية (الحرف العربي والشخصية العربية ص48). كما عمل العربي على إماتة هذه الحروف في ألفاظه . وذلك بتحويلها إلى حركات مدّية تارة، وبالاستعاضة عنها بحروف صامتة تارات أخر، ولاسيما بالهمزة والحروف الحلقية، على ما أكده العلايلي في مقدمته.
    1- الألف المهموزة:

    للألف صورتان صوتيتان : الألف المهموزة ، والألف اللينة.
    فالألف إذا وقعت في أول اللفظة كانت مهموزة ، وتسمى الهمزة.
    أ- الهمزة / يقول عنها العلايلي:" إنها للدلالة على الجوفية، وعلى ما هو وعاء للمعنى، وعلى الصفة تصير طبعاً ". تعريف مبهم.
    هي حرف شديد يحصل صوتها بانطباق فتحة المزمار وانفراجه الفجائي قبل ان يصل النفَس إلى الحنجرة. فلذلك لا يهتز معه الوتران الصوتيان، ولا تعتبر بالتالي حرفا مجهوراً ولا مهموساً. والهمزة في رأي الدكتور ابراهيم أنيس في كتابه الأصوات اللغوية، ليست من الأحرف الحلقية خلافاً لما أجمع عليه علماء اللغة العربية. وهو رأي جدير بالاعتبار.
    وصوت الهمزة في أول اللفظة يضاهي نتوءاً في الطبيعة.. وهو يأخذ في هذا الموقع صورة البروز كمن يقف فوق مكان مرتفع ، فيلفت الانتباه كهاء التنبيه. ولكن بفرق انَّ الهاء شعورية والهمزة بصرية . والصورة البصرية تتصف بالحضور والوضوح والعيانية.
    لذلك بدأت الضمائر المنفصلة للمتكلم والمخاطب بالهمزة : (أنا. أنت. أنتم. أنتن..) ولا أشدَّ حضوراً وعيانا . ولتبدأ الضمائر المنفصلة للغائب بالهاء: (:هو. هما. هم) لعدم الحضور.
    كما بدأت الألوان الطبيعية بالهمزة: أبيض. أسود. أحمر. أخضر.... لا أوضح ألوانا ولا أظهر. فلا يقال أسود قليلا، أو أبيض كثيرا لعدم اللزوم، إذ إن الذي يتحمل القلة والكثرة هو اللون ذاته ، فيقال قليل السواد أو البياض وكثيرهما.
    كما جُعلت الهمزة من حروف التعدية ، إذ إنها تمنح الفعل اللازم (القاصر أصلا) مرتقى يسهل معه التعدي على الأسماء. فمن كَرُمَ الرجل أكرمه ، ومن عُلِم وصَلُح أعلمه وأصلحه.
    لابل قد تحيل الهمزة المعنى إلى نقيضه أحياناً ، كما في:
    مرس حبلُ البكرة (خرج عن البكرة) . وأمرس حبل البكرة (أعاده إلى البكرة) وكما في شعب الشيء (تفرق) وأشعب الشيء ( أصلح صدعه) وذلك كثيرٌ في اللغة العربية.
    أما الهمزة في وسط الكلمة أو في آخرها، فلا تأثير لها يذكر في معانيها وإن ظلَّت توحي للسامع بالبروز والنتوء كما في (سأل. جأر. يدأب. يسأم. ذئب. بؤبؤ).
    وبالرجوع إلى المعجم الوسيط عثرت على مئة وثمانية وسبعين مصدراً تبدأ بالألف المهموزة، لم أجد بين معانيها وبين الإيحاءات الصوتية للهمزة رابطة حسية صريحة. فلقد كانت هذه المعاني تتأثر في الغالب بصوت أحد الحرفين الباقيين ولاسيما الأخير منهما . فالفعالية مثلاً في معنى أرّ النار (أوقدها) ، تعود للراء وفي أحّ (سعل وتنحنح) للحاء ، وفي أحن (حقد)) ، للنون والحاء ، وفي أرن (نشط وفرح) للنون والراء. وفي أطم الهودج (ستره) للميم. وفي أَتَم بالمكان وأَتَن به (أقام وثبت) للميم والنون. وفي أبَشَ الشيء جمعه) للشين. والهمزة في هذه المصادر للظهور.
    ولقد توقعت أن تكون معظم الأفعال التي تبدأ بالهمزة متعدية ، بدعوى أن الهمزة تمنح الفاعل مرتقى يسهل معه الاعتداء على غيره على مثال ما لحظنا ذلك في همزة التعدية.
    ولكن الواقع خيَّب توقعاتي . فمن مئة وخمسة وخمسين فعلا، كان منها تسعة وثمانون فعلا لازماً، وستة وستون فعلاً متعدياً فقط. وكان منها أثنا عشر فعلا يقبل اللزوم والتعدية. كما لم تلتزم الهمزة بطبقتها البصرية ، فكان ثمة ستة مصادر للأصوات وعشرون للمشاعر. وسأعود إلى هذه الظاهرة في دراسة الأحرف الشعورية.
    وهذا يدل على أن العربي لم يول إيحاءات الشدة والبروز في صوت الهمزة أي اعتبار بمعرض التأثير في الأفعال، لا من حيث معانيها كما أسلفت ، ولا من حيث اللزوم والتعدية أو من حيث الالتزام بالطبقة الحسية.
    2- الألف اللينة

    لينة جوفية معناها في السامية القديمة (الثور، وشكلها يشبه صورة رأسه. الأصوات اللغوية للدكتور أنيس ص 94). أما رسمها في السريانية فيشبه صورة الإنسان (المجلد الأول للأرسوزي ص 371).
    وقيل في الألف المهموزة إنها الحرف الأول من اسم النبي العربي (إدريس)، قد وضعت في أول كل من جدولي الحروف الهجائية والأبجدية. وذلك تكريماً له، وإشارة إلى أنه هو أول من نقل الحروف العربية من مجرد أصوات إلى حروف مكتوبة . فكان هذا النبي العربي بذلك إذا صحت هذه الرواية، هو المعلم العربي الأول الذي علَّم العرب فن الكتابة. ولكن الأصح فيما أرى ان اسمه مشتق من الدراسة والتدريس، فكان لقباً له قد غلب على اسمه . وهكذا لاشك في أن الكثير من الأنبياء العرب ممن لم تصلنا أسماؤهم قد أسهموا في تهذيب أصوات الحروف العربية ومعانيها على مثال ما فعل النبي إدريس.
    إن الألف اللينة التي تقع في أواسط المصادر أو أواخرها ، يقتصر تأثيرها في معانيها على إضفاء خاصية الامتداد عليها في المكان أو الزمان . كما في (باب- سماء- كافة- إلى - على....).
    على أن للألف اللينة كل الأهمية في معاني حروف المعاني كما سيأتي في الدراسة اللاحقة (حروف المعاني بين الأصالة والحداثة ).
    3- الواو:

    لينة جوفية هي (للفعالية) كما يقول الارسوزي، و (للانفعال المؤثر في الظواهر) كما يقول العلايلي. وهذان التعريفان قريبان من الواقع. إلا أن تعريف الارسوزي هو الأدق.
    كما أن صوت الواو الحاصل من تدافع الهواء في الفم يوحي بالبعد إلى الأمام . وإذن ما رأي المعاجم اللغوية في الخصائص الصوتية المسندة إلى هذا الحرف؟.
    بالرجوع إلى المعجم الوسيط عثرت على ثلاثمئة وخمسة عشر مصدراً تبدأ بالواو، لم أجد بين معانيها وبين الإيحاءات الصوتية للواو رابطة واضحة. ولقد كانت الفعالية في معانيها تعود إلى الحرفين الباقيين، ولاسيما الأخير منهما، كما لُحِظ ذلك في حرف الهمزة.
    فالفعالية في معنى وأمه (وافقه) للميم. وفي وبص البرق (لمع وبرق) للباء والصاد. وفي وتد (ثبت) للدال. وفي الوحل (الطين الرقيق) للحاء واللام. وفي الوخم (تعفن الهواء ) للخاء. وفي ورَع (تحرَّج عن المحارم) للعين. وفي وسل (رغب وتقرب) للام. وفي وسِن " اخذ في النُّعاس" للنون . وفي وشج الشيء(تداخل وتشابك والتف) للشين. وفي وصَّ العمل ( أحكمه) للصاد . وفي وطد (رسا وثبت) للدال. وفي وعك الحرُّ (اشتد) للعين والكاف. وفي وغرت الهاجرة (رمضت واشتد حرها ) للراء. وفي وقح حافر الدابة (صلب) للقاف. وفي وكحه برجله (وطئه بها وطئاً شديداً ) للكاف....
    وبمقارنة الألفاظ التي تبدأ بالهمزة مع الألفاظ التي تبدأ بالواو عُثِر على ثلاثين لفظة شقيقة في حروفها ومعانيها . منها.
    أبش (جمع) وبَّش للحرب (جمع لها) الأتاد (حبل تضبط به رجل البقرة عند الحلب)، الوتد.
    أتم وأتن بالمكان ( أقام به) ، وتم ووتن بالمكان ( أقام به) . أحّد الشيء وحّده . أَحِنَ (حقد) ، وَحِنَ (حقد). أزم على شفتيه (عض شديدا) ، وزم (عضّ خفيفياً). أطم الهودج (ستره). وطم الستر (أرخاه). أفِد (دنا واقترب )، ، وفد (قدِم) ، أصر ، وصر.
    فهذه الحروف الغابية قد اقتصرت وظائف أصواتها على الإيحاء بالاتجاهات الثلاثة ( الألف اللينة إلى الأعلى، والواو إلى الأمام ، والياء إلى الأسفل )، من دون أن توحي بأي إحساس حسي آخر، أو بأية مشاعر إنسانية معينة.
    ونظراً لكثرة استعمال هذه الحروف في تلك المرحلة مترافقة مع مختلف الحركات الجسدية، فقد عمل العربي في المرحلة الرعوية بصورة خاصة على إماتة الكثير منها من ألفاظه المتداولة ، وذلك تخليصاً للسانه من لغوها، فاستعاض عنها بحروف أقل لغوا وأكثر إيحاء بمختلف الأحاسيس الحسية والمشاعر الإنسانية، ولاسيما الهمزة والحروف الحلقية كما ذكر العلايلي ، وكما لوحِظ ذلك آنفاً.
    ولا شك في أنَّ بقاء الألفاظ المماتة والبديلة معاً حتى تدوين اللغة العربية في صدر الإسلام يرجع إلى أن بعض القبائل كان أكثر تطوراً من بعضها الآخر، فأخذ علماء اللغة اللفظين معاً على انهما أصليان. أما الاستعاضة عن (الألف والواو والياء) بالفتحة والضمة والكسرة فلم تكن لإماتتها كما زعم (العلايلي) في مقدمته (ص50) وإنما لتطويرها والخلاص من غوغائيتها كما جاء في الحرف العربي والشخصية العربية (ص128) وما بعدها.
    4- الياء:

    لينة جوفية . يشبه شكلها في السريانية صورة اليد. يقول عنها العلايلي: إنها (للانفعال المؤثر في البواطن). وهو قريب من الواقع ولكنه قاصر.
    صوت هذا الحرف يوحي بصور بصرية تختلف إلى حدٍّ ما بحسب مواقعه من اللفظة:
    أ- في أول الكلمة:

    يبدو صوت الياء هنا كأنه يصعد من حفرة بشيء من المشقة والجهد . لذلك قلّت الأفعال التي تبدأ بهذا الحرف ومعظمها من الأفعال اللازمة. فالأفعال التي تبدأ بالياء يصعب عليها من هذا المكان الصوتي الخفيض أن تعتدي على أحد.
    وبالرجوع إلى المعجم الوسيط لم أعثر إلا على واحد وثلاثين مصدراً تبدأ بالياء. كان منها اثنان وعشرون فعلاً . خمسة منها أفعال متعدية . هي.
    يبّبه (جعله يبابا أي خرابا والتعدية هنا جاءت بتشديد عين الفعل). أيدع الحجّ على نفسه (أوجبه والتعدية هنا بفعل الهمزة في أول الفعل). يداه ( أصاب يده). يفخه (أصاب يافوخه، أي ضربه). ياومه (عامله واستأجره باليوم). وهكذا فإن تعدية هذه الأفعال مصطنعة غير أصلية.
    ب- في وسط الكلمة :

    تختلف إيحاءات صوت الياء في هذا الموقع تبعاً لحركتها وحركة ما قبلها.
    فإذا كانت متحركة بالفتح وما قبلها فتحة أخذ صوت الياء صورة المطبّ الهوائي الصغير يعترض مسار طائرة: طيران . حيدان . غثيان..... أما إذا كانت الياء ساكنة وما قبلها متحرك بالفتح، فان صوتها يأخذ صورة الحفرة أو حفنة اليد.
    وهو يصلح أن يكون مقرا للمعنى، على مثال ما تصلح الحفرة على سطح الأرض أو في باطن اليد أن تكون مقرا ومستقراً للماء أو الأشياء: بَيْت. عَيْب. سَيْل. عَيْن. دَيْن. غَيْظ. لَيْل. فَيْض.
    والأسماء المصغرة لا تخرج ياؤها الساكنة المفتوح ما قبلها عن هذه الإيحاءات.(رجل، رُجيل شاعر، شُويعر نهر، نُهير) . وكأنَّ الاسم مع ياء التصغير هذه قد وقع في حفرة فلم يبدُ منه إلا أقلُّه.
    وإذا تحرك ما قبل الياء الساكنة بالكسر ، فإنها تعطينا صورة الحفرة العميقة والوادي السحيق (كريم ، فهيم . فقيه. نبيء. لئيم)، لتشف الياء في هذه الحالة عما في صميم الإنسان أو الأشياء من الخصائص المتأصلة فيها. فالكريم هو الذي تفجَّرت ينابيع الكرم في صميمه ، ليس كرمه طارئاً ولا مصادفة موقف. وكذلك الأمر مع العليم والتعيس والجميل والقبيح والسعيد والحقير...
    جـ - في آخر الأسماء.

    لا تخرج إيحاءات صوتها هنا عنه في وسط الكلمة: (قويّ. دويّ. شقيّ. أبيّ. تقيّ. سويّ . رضيّ. نقيّ. غبيّ...) . وحرف الجر (في) يوحي بصورة الحفرة أيضاً.
    وهكذا الأمر معها في إضافتها إلى الأسماء في النسبة: (كنيسة ، كنسيّ. علم. علميّ. مدينة / مدنيّ....).
    والياء في مختلف وظائفها الصرفية، سواء بإلحاقها بالمثنىّ أو جمع المذكر السالم في حالتي النصب والجر، لاتخرج في إيحاءاتها عما ذُكر عنها من حيث استكانة هذه الأسماء في حفرها الصوتية لفعل الاعتداء . ولا فرق في ان يقع الفعل مباشرة من فاعل ، أو بصورة غير مباشرة بالإضافة أو بحروف الجر. كما في : (أكل التفاحتين ، كسب ثقة السامعين ، فاز على المتسابقين..).
    والياء ، على الرغم من توافق وظائفها الصرفية آنفة الذكر مع خصائصها الصوتية ، فلم يكن لهذه الخصائص أي تأثير في معاني المصادر التي تبدأ بها. كما أنَّها لم تلتزم بطبقتها البصرية . فكان ثمة مصدران للسمعية . هما:
    يأيأ بالقوم (دعاهم لضيافة أو غيرها). يعرت الشاة (صاحت).
    وكان ثمة مصدران للمشاعر الإنسانية . هما:
    يئس. يرِع (جَبُن).
    ولم أجد للمرئيات سوى مصدر واحد. هو: اليلق (الأبيض من كل شيء).
    في الخلاصة:

    ومما سبق يتضح أن العربي الذي لم يعط حروف اللين إلا القليل من اهتمامه قد استمر على تجاهلها بمعرض التعبير عن أحاسيسه ومشاعره وحاجاته ومعانيه. وذلك لأن أصوات هذه الحروف اللينة ، أو الجوفية ، أو الهوائية، أو الصائتة كما يسمونها ، إنما هي بالفعل أسماء على مسميات..
    ولولا واقعة التمويج في أصواتها لكانت خلُوّاً من أي إحساس على الإطلاق.
    ولعل الشاعر الفرنسي (رامبو)، إحساساً منه بمثل هذا الفراغ الحسي والشعوري في صوت حرف ( أو ) في اللغة الفرنسية ، الذي يقابله حرف (الواو) في اللغة العربية، قال عنه: إنه يوحي باللون الأسود . وذلك لأن صوته في الفرنسية معدوم الإيحاءات الحسية والشعورية.
يعمل...
X