إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

كتاب جواهر الأدب-فنون الإنشاء-12-

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كتاب جواهر الأدب-فنون الإنشاء-12-

    قال: أي بني لا تزهدن في معروف فإن الدهر ذو صروف والأيام ذات نوائب على الشاهد والغائب فكم من راغب قد كان مرغوباً إليه وطالب أصبح مطلوباً ما لديه: واعلم أن الزمان ذو ألوان ومن يصحب الزمان يرى الهوان.
    ثم قال: أي بني كن جواداً بالمال في موضع الحق. بخيلاً بالأسرار عن جميع الخلق فإن أحمد جود المرء الإنفاق في وجه البر وأن أحمد بخل الحر الضن بمكتوم السر وكن كما قال قيس بن الخطيم:
    أجودُ بمكنون التِّلاد وإنّني

    بسرّك عمّن سالني لضنينُ

    إذا جاوزَ الإثنين سرُّ فإنه

    بنث وتكثير الحديث قمين

    وعندي له يوماً إذا ما ائتمنتني

    مكانٌ بسوداء الفؤاد مكين
    ثم قال: أي بني وإن غلبت يوماً على المال فلا تدع الحيلة على حال فإن الكريم يحتال والدنيء عيال وكن أحسن ما تكون في الظاهر حالاً أقل ما تكون في الباطن مالاً فإن الكريم من كرمت طبيعته وظهرت عند الأنفاذ نعمته.
    ثم قال: أي بني وإن سمعت كلمة من حاسد فكن كأنك لست بالشاهد فإنك إن أمضيتها حيالها رجع العيب على من قالها وكان يقال الأريب العاقل هو الفطن المتغافل.

    "وصية بعض نساء العرب إلى ابنها وقد أراد السفر"
    قال أبان بن تغلب وكان عابداً من عباد أهل البصرة شهدت أعرابية وهي توصي ولداً لها يريد سفراً وهي تقول له.
    أي بني أجلس أمنحك وصيتي وبالله توفيقك فإن الوصية أجدى عليك من كثير عقلك. فقال أبان فوقفت مستمعاً لكلامها مستحسناً لوصيتها فإذا هي تقول. أي بني إياك والنميمة فإنها تزرع الضغينة وتفرق بين المحبين وإياك والتعرض للعيوب فتتخذ غرضاً وخليق ألا يثبت الغرض على كثرة السهام. وقلما اعتورت السهام غرضاً إلا كلمته حتى يهي ما اشتد من قوته. وإياك والجود بدينك والبخل بمالك. وإذا هززت فاهزز كريماً يلن لهزتك ولا تهزز اللئيم فإنه صخرة لا ينفجر ماؤها ومثل لنفسك مثال ما استحسنت من غيرك فاعمل به وما استقبحت من غيرك فاجتنبه فإن المرء لا يرى عيب نفسه ومن كانت مودته بشره وخالف ذلك منه فعله كان صديقه منه على مثل الريح في تصرفها، والغدر أقبح ما تعامل به الناس بينهم ومن جميع الحلم والسخاء فقد أجاد الحلة ريطتها وسربالها.
    الفصل الثاني عشر في رسائل التنصل والتبرؤ
    "كتب أبو الحسن علي بن الرومي المتوفي سنة 284ه? إلى القاسم بن عبيد الله"
    ترفع عن ظلمي إن كنت بريئاً وتفضل بالعفو إن كنت مسيئاً فو الله إني لأطلب عفو ذنب لم اجنه وألتمس الإقالة مما لا أعرفه لتزداد تطوالاً وأزداد تذللاً وأنا أعيذ حالي عندك بكرمك من واش يكيدها وأحرسها بوفائك زمن باغ يحاول إفسادها وأسأل الله تعالى أن يجعل حظي منك بقدرودي لك ومحلي من رجالك بحيث استحق منك.
    "وكتب أبو الوليد بن زيدون المتوفي بأشبيلية سنة 463ه?"
    يا مولاي وسيدي الذي ودادي له واعتمادي عليه واعتدادي به وامتدادي منه ومن أبقاه الله ماضي حد العزم وأرى زند الأمل ثابت عهد النعمة إن سلبتني أعزك الله لباس نعمائك وعطلتني من حلى إيناسك وأظمأتني إلى برود إسعافك ونفضت بي كف حياطتك وغضضت عني طرف حمايتك بعد أن نظر الأعمى إلى تأميلي لك وسمع الأصم ثنائي عليك وأحس الجماد باستحمادي إليك.
    فلا غزو قد يغض الماء شاربه ويقتل الدواء المستشفى به ويؤتى الحذر من مأمنه وتكون منية المتمني في أمنيته والحين قد يسبق جهد الحريص.
    كلُّ المصائبِ قد تمر?ُ على الفتى

    وتهون غير شماتةِ الحسَّادِ

    وإني لأتجلد وأرى للشامتين أني لريب الدهر لا أتضعضع فأقول هل أنا إلا يد أدماها سوارها وجبين عض به إكليله ومشرفي ألصقه بالأرض صاقله وسمهري عرضه على النار مثقفه وعبد ذهب به سيده مذهب الذي يقول:
    فقسا ليزدجروا ومن يكُ حازماً

    فليقسُ أحياناً على من يرحمُ

    هذا العتب محمود عواقبه وهذه النبوة غمرة ثم تنجلي وهذه النكبة سحابة صيف عن قليل تقشع ولن يربيني من سيدجي إن أبطأ سبييه أو تأخر غير ضنين غناؤه فأبطأ الدلاء فيضاً أملؤها وأثقل السحائب مشياً أحفلها وأنفع الحيا ما صادف جدباً وألذ الشراب ما أصاب غليلاً ومع اليوم غد و (لِكُلّ أَجَلٍ كِتَابٌ) [الرعد: 38] له الحمد على اهتباتله ولا عتب عليه في اغتفاله.
    فإن يكن الفعلُ الذي ساءَ واحداً

    فأفعالهُ اللائي سررنَ ألوفُ
    وأعود فأقول ما هذا الذنب الذي لم يسعه عفوك والجهل إلي لم يأت من ورائه حلمك والتطاول الذي لم تستغرقه تطولك والتحامل الذي لم يف به احتمالك ولا أخلو من أن أكون بريئاً فأين عدلك أو مسيئاً فأين فضلك.
    ألاَّ يكن ذبنٌ فعدلك واسعٌ

    أو كان لي ذنبٌ ففضلك أوسع

    فهبني مسيئاً كالذي قلت طالباً

    قصاصاً فأين الأخذ يا عزّ بالفضل
    حنانيك قد بلغ السيل الزبى ونالني ما حسبي به وكفى وما أراني إلا لو أمرت بالسجود لآدام فأبيت واستكبرت.
    وقال لي نوح اركب معنا فقلت سآوي إلى جبل يعصمني من الماء وأمرت ببناء صرح لعلي أطلع إلى إله موسى وعكفت على العجل واعتديت في السبت وتعاطيت فعقرت وشربت من النهر الذي ابتلى به جيوش طالوت وقدت الفيل لأبرهة وعاهدت قريشاً على ما في الصحيفة وتأولت في بيعة العقبة واستنفرت إلى العير ببدر وانخذلت بثلث الناس يوم أحد وتخلفت عن صلاة العصر في بني قريظة وجئت بالإفك على عائشة الصديقية وأنفت عن إمارة أسامة وزعمت أن خلافة أبي بكر كانت فلتة ورويت رمحي من كتيبة خالد ومزقت الأديم الذي باركت يد الله عليه وضحيت بأشمط عنوان السجود به وبذلت لقطام.
    ثلاثة آلافٍ وعبدٌ وقينةٌ

    وضربُ عليّ بالحسامِ المسمَّمِ
    وكتبت إلى عمر بن سعد أن جعجع بالحسين وتمثلت عندما بلغني من وقعة الحرة.
    ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا

    جزع الخزرج من وقع الأسل
    ورجمت الكعبة وصلبت العائذ على الثنية لكان فيما جرى علي ما يحتمل أن يكون نكالاً ويدعى ولو على المجاز عقابا.
    وحسبك من حادث بازمرئٍ

    ترى حاسديهِ له راحمينا

    فكيف ولا ذنب إلا نميمة أهداها كاشح ونبأ جاء به فاسق وهم المهمازون المشاؤون بنميم والواشون الذين لا يلبثون أن يصدعوا العصا والغواة الذين لا يتركون أديماً صحيحاً والسعاة الذين ذكرهم الأحنف بن قيس فقال ما ظنك بقوم الصدق محمود إلا منهم.
    حلفت فلم أترك لنفسك ريبةً

    وليسَ وراءَ الله للمرءِ مذهبُ
    والله ما غششتك بعد النصيحة ولا انحرفت عنك بعد الصاغية إليك ولا نصبت لك بعد التشيع فيك ولا أزمعت يأساً منك مع ضمان تكلفت به الثقة عنك وعهد أخذه حسن الظن عليك ففيم عبث الجفاء بأذمتي وعاث العقوق في مواتى وتمكن الضياع من وسائلي ولم ضاقت مذاهبي وأكدت مطالبي وعلام رضيت من المركب بالتعليق بل من الغنيمة بالإياب وأنى غلبني المغلب وفجر على العاجز الضعيف ولطمتني غير ذات سوار.
    ومالك لم تمنع من قبل أن أفترس وتدركني ولما أمزق.
    أم كيف لا تضطرم جوانح الأكفاء حسداً لي على الخصوص بك وتنقطع أنفاس النظراء منافسة لي على الكرامة فيك وقد زانني اسم خدمتك وزهاني وسم نغمتك وأبليت البلاء الجميل في سماطك وقمت المقام المحمود على بساطك.
    ألستُ الموالى فيك غرّ قصائد

    هي الأنجمُ اقتادت مع الليلي أنجما
    ثناءٌ يظلُّ الروض منه منوراً

    ضحّى ويخال الوشى فيه منمنما

    وهل لبس الصباح إلا برداً طرزته بفضائلك وتقلدت الجوزاء إلا عقداً فصلته بمآثرك واستملى الربيع إلا ثناء أملأته في محاسنك وبث المسك إلا حديثاً أذعته في محامدك (ما يوم حليمة بسر) وإن كنت لم أكسك سليباً ولا حليتك عطلاً ولا وسمتك غفلاً بل وجدت آجراً وجصاً فبنيت ومكان القول ذا سعة فقلت حاشا لك أن أعد من العاملة الناصية وأكون كالذبابة المنصوبة تضيء للناس وهي تحترق (فلك المثل الأعلى) وهو بك وبي وفيك أولى ولعمرك ما جهلت أن (صريح الرأي) أن أتحول إذا بلغتني الشمس (وبنا بي المنزل) واصفح عن المطامع التي تقطع أعناق الرجال فلا (استوطئ العجز) ولا أطمئن إلى الغرور. ومن الأمثال المضروبة: خامري أم عامري.
    وإني مع المعرفة أن الجلاء سباء والنقلة مثلة.
    ومن يغتربْ عن قومه لم يزل يرى

    مصارعَ مظلوم مجرا مسحبا

    ويدفن منه الصالحات وإن يسيء

    يكن ما أساء النار في راس كبكبا
    عارف أن الأدب الوطن لا يخشى فراقه والخليط لا يتوقع زياله والنسيب لا يخفى والجمال لا يجفى.
    ثم ما قران السعد بالكواكب أبهى أثراً ولا أثنى خطراً من اقتران غنى النفس به وانتظامها نسقاً معه فغن الحائز لهما الضارب بسهم فيهما "وقليل ما هم" أينما توجه ورد منهل بر وحط في جناب قبول وضوحك قبل إنزال رحلة وأعطى حكم الصبي على أهله.
    وقيلَ له أهلاً وسهلاً ومرحبا

    فهذا مبيتٌ صالحٌ ومقيل

    غير ان الوطن محبوب والمنشأ مألوف واللبيب يحن إلى وطنه النجيب إلى عطنه والكريم لا يجفوا أرضاً بها قوابله ولا ينسى بلداً فيها مراضعه، قال الأول:
    أحبّ بلادَ الله ما بين منعجٍ

    إليّ وسلمى أن يصوبَ سحابها
    بلاد بها حلّ الشّباب تمائمي

    وأوّل أرضٍ مسّ جلدي ترابها

    هذا إلى مغالاتي بعقد جوارك ومنافستي بلحظة من قربك واعتقادي أن الطمع في غيرك طبع والغنى ممن سواك عناء والبدل منك أعور والعوض لفاء وكل الصيد في جوف الفرا.
    وإذا نظرتُ إلى أميري زادني

    ضنَّا بهِ نظري إلى الأمراء

    وفي كل شجر نار وأستمجد (المرخ والعهفار) فما هذه البراءة ممن يتولاك والميل عمن لا يميل عنك وهلا كان هواك فيمن هواه ورضاك فيمن رضاه لك.
    يا من يعزُّ علينا أن نفارقهم

    وجداننا كلَّ شيء بعدكم عدمُ
    أعيذك ونفسي من أن أشيم خلباً وأستمطر جهاماً وأكدم في غير مكدم وأشكو شكوى الجريح إلى الغربان والزخم فما أبسست لك إلا لتدر ولا حركت لك الحوار إلا لتحن ولا نبهتك إلا لأنام.
    ولا سريت إليك إلا لأحمد السرى لديك.
    وإنك إن سنيت عقد أمري تيسر ومتى أعذرت في فك أسري لم يتعذر وعلمك محيط بأن المعروف ثمرة النعمة والشفاعة زكاة المروءة وفضل الجاه يعوذ به صدقه.
    وإذا امرؤٌ أهدى إليك صنيعةً

    من جاهله فكأنّهامن ماله
    لعلي ألقي العصا بذارك وتستقر بي النوى في ظلك وأستأنف التأديب بأدبك والاحتمال على مذهبك فلا أوجد للحاسد مجال لحظة ولا أدع للقادح مساغ لفظه.
    والله ميسرك من إطلابي بهذه الطلبة وإشكائي من هذه الشكوى بصنيعة تصيب منها مكان المصنع وتستودعها أحفظ مستودع حسبما أنت خليق له وأنا منك حري به وذلك بيده وهين عليه.
    ?مكاتبات متفرقة
    "كتب الدولة العلية العثمانية إلى إحدى الدول الأوروبية"
    أيها الوزير الأفخم: إن لفظة (تقسيم تركيا) إفك لا يفوه به عاقل ولا يتصوره إنسان تكاد تنفطر له السماء دهشة وترتج له الأرض وحشة بل تخر دونه الجبال وتنفك عنده الآمال كأن أوروبا تستطيعه ولكنها لم تفعله: ولن تفعله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً فقل: (اللّهُمّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمّنْ تَشَآءُ وَتُعِزّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنّكَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران: 26] تقسم تركيا كلمة ليست اكبر من أوروبا فقط بل هي أكبر من منظومة هذا العالم الشمسي الذي تراه أو تسمع به إن كنت لا تراه فلا يليق أن يفوه به إلا فم القدرة الإلهية (قَآئِمٌ عَلَىَ كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ) [الرعد: 33] (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَىَ أَمْرِهِ وَلََكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) [يوسف: 21] تقسيم تركيا ربما يكون ولكن متى يكون؟ يكون حينما يتحلى وجه البسيطة بدمائنا الطاهرة الزكية يوم ترى الأرض لابسة تلك الحلة الأرجوانية الثمينة حيث تتمشى الدماء على فيروزج الفضاء محاطة كواكب الوجود بكتائب جنود العدم المطلق: لا أرض لمن تقل ولا سماء لمن تظل ولا قائم موجود ولا دائم مقصود، هنالك تتحدث شياطين الخيال في أندية المحال بحديث ذلك التقسيم المشؤوم ولا من سميع ولا من مجيب فالويل ثم الويل يوم ذلك التقسيم الموهوم والثبور ثم الثبور إذا تنزلت السماء بقضاء ذلك الهول المقسوم: إن في
    ذلك لبلاغاً يتفكرون.
    "وكتب ابن العميد المتوفى سنة 360ه? في شكر صديق له على مراسلته إياه"
    وصل ما وصلتني به جعلني الله فداك من كتابك بل نعمتك التامة ومنتك العامة فقرت عيني بوروده وشفيت نفسي بوفوده ونشرته فحكى نسيم الرياض غب المطر وتنفس الأنوار في السحر وتأملت مفتتحه وما اشتمل عليه من لطائف كلمم وبدائعه حكمك فوجدته قد تحمل من فنون البر عنك و ضروب الفضل منك جداً وهزلاً ملأ عيني وغمر قلبي وغلب فكري وبهر لبي فبقيت ا أدري أسموط در خصصتني بها أم عقود جوهر منحتنيها ولا أدري أجدك أبلغ وألطف أم هزلك أرفع وأظرف وأنا أوكل بتتبع ما انطوى عليه نفساً لا ترى الحظ إلا ما اقتنته منه ولا تعد الفضل إلا فيما أخذته وأمتع بتأمله عيناً لا تقر إلا بمثله مما يصدر عن بدك ويرد من عندك وأعطيه نظراً لا يمله وطرفاً لا يطردونه، وأجعله مثالاً أرتسمه وأحتذيه وأمتع خلقي برونقه وأعذي نفسي ببهجته وأمزج قريحتي برقته وأشرح صدري بقراءته ولئن كنت عن تحصيل ما قلته عاجزاً وفي تعديد ما ذكرته متخلفاً لقد عرفت أن ما سمعت به منه السحر الحلال.
    "وكتب السيد توفيق البكري في سفراه إلى الآستانة العلية"
    كتابي إلى السيد الأجل وأنا أحمد الله إليه وأدعوه أن يديم النعمة والسلامة عليه، وبعد: فلما اعتزمت عى الرحلة هذا العام إلى قبة السلام ودا خلافة الإسلام وفارقت مصر وساكنها وأرباضها ومواطنها ركبت سفينة عدولية إلى الثغور الفرنجية فجرت في خضم عجاج ملتطم الأمواج لع دوي من جرجرة الآذي أخضر الجلد كأنه إفرند تصطخب فيه النينان وتجري لفي جوفه الدعاميص، والحيتان إذا ما زحه الأصيل وبالعشي خلته كسرت، عليه الحلي أو مزج بالرحيق القطربلي وإن لاحت به نجوم السماء خلته صفائح من فضة بيضاء سمرت بمسامير صغار من نشضار وأخذت السفينة تشق عبابه وتفلق حبابه بين ريح رخاء أو زعزع هوجاء فهي تارة في طريق معبد ورةميث مسرد وطوراً فو حزن وردد أو على صرح ممرد وطان معنا في الفلك رهط من العرب والترك فكنا نتوار د معهم جوائب الأخبار وطرف الأحاديث والأسمار ما يزري بالمنهل العذب واللؤلؤ الرطب إلى أن يميل ميزان وتغرق ذكاء في البحار ويمسي الكون من السواد في لبوس حديد أو لباس حداد وتبرق ونجوم السماء في أكناف الظلماء كأنها سكاك دلاص أو فلق رصاص أو عيون جراد أو جمر في خلال رماد أو در في بحر أو ثقوب في قبة الديجور يلوح منها النور ويبدو الهلال كأنه خنجر من ضياء يشق طياليس الظلماء أو قلادة أو دنملج غادة أو سنان لواه الضراب أو الليل فيل وهو ناب فنأخذ مجلساً نسمه الكافور وأرضه عنبر مذور رقمت فيه زرابي مثبوتات ومنابذ وحسبانات وأنماط مفروشة وأبسط منقوشة.
    بسط أجادَ الرسمَ صانعها

    وزها عليه النقشُ والشكلُ
    فيكاد يقطف من أزهارها

    ويكاد يسقط فوقها النحلُ
    وحوله شموع تزهر وأضواء تبهر وقد دارت عليه سقاة جماع الثريا بأقداح الحميا وأكواب الفانيذ المروق وقوارير الجلاب المصفق ثم تجيء قينة في يدها ناي كأنه صور إسرافيل يحيي الرفات وينشر الأموات حتى إذا بدا الضياء كابتسام الشفة اللمياء دخلنا المضجع لنهجع وهلّم جراً في أيامنا الأخرى إلى أن وطئنا أرض القوم بعد ثلاثة أيام وبعض يوم فلما أضحت مرأى عين كبرنا تكبر ابن الحسين.
    كبرتُ حول ديارهم لما بدت

    منها الشموس وليس فيها المشرق
    وراقنا ما رأينا من عمران وحضارة ورفهينة وشارة وزراعة وصناعة وتجارة وضخامة وسلكان بنيان وجواد كالأودية بين الأطواد وكأنما الناس في المدينة احتفلوا ليوم الزينة أو هم لكثرة الحركة منهزموا معركة ىفيهم غادون ورائحون زرافات ووحداناً إناثاً وذكراناً وقد لبثنا في تيك البلدان هنيهة من الزمان نتقلب في جنباتها ونتنقل في أنحائها وجهاتها إلى أن قدمنا القسطنطينية إيوان الخلافة الإسلامية وعش الدعوة المحمدية فإذا النعيم والملك الكبير والجنةوالحرير وإذا بقعة أطيب الأرضين رقعة وأمرعها نجعة وقد اعتلت منائرها في الفضاء وحلقت قصورها بالسماء فلبست أردية الغيوم وتقلدت عقود النجوم ولاحت مقاصيرها البيضاء في أكنافها الخضراء وجرى بينها خليج الماء فكأنها النجوم والمجرة والسماء واكتظت نواحيها بالآثار وحشدت بالجوامع الكبار ناهيك "بأيا صوفية" وما أدراك ما "أيا صوفية" هو بنية تعلوها شرافات علية وقبة ضخمة جوفاء كأنها قبة السماء وأرض تلك البنية كالماوية من مرمر ألاق ذي بصيص براق وافيها دعائم كل دعامة كالحق واستقامة وبها محاريب وحنايا وأقبية زوايا ومنبر كأنه أريكة سلطان في الخورنق أو غمدان هذا وقد نزلت من كنف أمير المؤمنين وخليقة رب العالمين ىفي دار السعادة ومرع الفضل والمجاد ومطلع الجود وفل السعود وحظيرة لنع ومشعر الهمم وأقمت ضيفاً تعند السيد السند الهزبري النضد تاج آل محمد السيد فلان في عصابة من الصوابة لاعيب فيهم غير أنهم ينسون الغريب وطنه وحامته وسكنه لهم أعراق عربية وأخلاق هاشمية وحماس وسماح كالماء والراح ولم أكد ألقي العصا وتستقر بين النوى حتى جاءني سلام من أمير المؤمنين خلته السلام الذي ذكره في قوله تعالى: (ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ) [الحجر: 46].
    "كتبت السيدة وردة اليازجية إلى السيدة عائشة تيمور المتوفاة سنة 1300ه?"
    سيدتي ومولاتي: أعرض أنني بينما أنا ألهج بذكر ألطافكم السنية أتنسم شذا أنفاسكم العبقرية وأترقب لقاء أثر من لدنكم يتعللل به الخاطر ويكتحل بإثمد مداد الناظر.
    وصلتني مكاتبكم فجلت العين أقذاءها وردت إلى النفس صفاءها فتناولتها بالقلب لا بالبنان وتصفحت ما في طيها من سحر البيان، فقلت:
    هذا الكتابُ الذي هامَ الفؤاد به

    يا ليتني قلمٌ لفي كفّ كاتبه

    ولعمري إنه كتاب حوى بدائع المنثور والمنظوم وتحلى من درر الفصاحة فأخجلت لديه دراي النجوم وقد تطفلت على مقالكم العالي بهذا الجواب ناطقاً بتقصيري وضمنته من مدح سجاياكم الغراء وما يشفع لدى مكارمكم في قبو معازيري لا زلتم للفضل معهدناً وذخر اً وللأدب كنزاً وفخراً.
    ?"وكتبت السيدة عائشة تيمور إلى السيدة وردة اليازجية المتوفاة سنة 1313ه?"
    استهل براعة سلام مل الشوق وتقلد الشقق ما نشقت ناشقة عف الوداد كفالته ورضيت المجال في صدق المقال لنطق بخالص الوفاء مداد حروفه وأقام بأداء التحية العاطرة قبل فض ختام مظروفه ولعمري قد توجته أزهار الثناء بلآلئ غراء كللته زواهر الوفاء من خالص الوداد إلى حضرة من لا تزال تستروح الأسماع بنسيم أنبائها صباح مساء، وتتشوق الأرواح إلى استطلاع بدر إنسانها الكامل أطرافاً وآناء، ومما زادني شوقاً إلى شوق حتى لقد شبّ فيه طفل الشفق تعن الطوق اجتلائي حديقة "الورد" القدسية ونافجة الأدب المكية فيالها من حديقة رقمتها أحداق الأذهان فاقتبست نوراً وانشقتها مسام الآذان فثملت طرباً وسروراً ومنذ سرحت في أرجاء تلك اليانعة إنان العيون وشرحت بأفكار البصيرة أسرار ذلك الدر المصون لم أزل بين طرب أتوشح وأدب أتعجب من حسن اختتامه وافتتاحه وجعلت أغازل من نرجس تلك الروضة تعيوناً ملكت مني الحواس وهصرت من غصون ألفاتها كل ممشوق أهيف مياس وأتأدب في حضرة وردها خوفً من شوكة سلطانها وأن حياتي بجميل الالتفات ضاحكة عن نفس جماثة وإذا بالياسمين الغض قد ألقى نفسه على الثرى ونادى بلسان الإفصاح هل لهذه النضرة نظيرة يا ترى فأشار المنثور بكفه الخضيب أن لا نظير لتك الغادة ونطق الزنبق بلسان البيان لا تكتموا الشهادة فعد ذلك صفق الطير بأكف الأجنحة وبشر وجرى الماء لإذاعة نبأ السرور فعثر بذيل النسيم وتكسر وتمايل أغصانها المورقة لسماع هذا الحديث وأخذت نسماتها العاطرة في السير الحثيث إذاعة لتلك البشائر في العشائر ونشراً لهذه الفضائل التي سارت مسير المثل السائر فقلت بلسان الصادق الأمين بعد تحقق هذا النبأ اليقين هكذا وهكذا تكون الحديقة وإلا وكذلك كذلك لتكتب الفضائل وتملي.
    وحدثني يا سعد عنهم فزدتني

    غراماً فزدني من حديثك يا سعدُ
    قيمة المرء ما يحسنه
يعمل...
X