إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الباحثة ( بدرة فرخي ) الجزائرية - حاورها : عباس بومامي - الكتابة عندها بوح عميق

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الباحثة ( بدرة فرخي ) الجزائرية - حاورها : عباس بومامي - الكتابة عندها بوح عميق

    الكاتبة و الباحثة الجزائرية بدرة فرخي لأصوات الشمال
    الكتابة عندي بوح عميق .


    حوار : عباس بومامي
    ----------------------
    * أستاذتي كانت تبتسم و تقول لي :هذا هو المراد و لن أضيف على ما شرحته و أوضحته شيئا .
    * الجرجاني هو أول من أسس للنظرية اللغوية العربية و الباحث العربي تجاهل الواقع و راح يلهث وراء حضارة زائفة .

    * اللغة العربية نظام تواصل راق و قد عبر عن ذلك القرآن الكريم الذي أعجز كل لسان بشري .
    * الثقافة تحضر و التحضر معرفة .
    * هل يستوي الذين يعلمون واللذين لا يعلمون ؟
    -------------------------------
    الحديث إلى الباحثة و الكاتبة الجزائرية بدرة فرخي ، ذو شجون ، لا تكاد تفرغ من الإجابة عن سؤال إلا ووجدت نفسك قد سرت معها في عمق التفاصيل و استرسلت معها في الكلام . و هي بذلك تعبر عن مخزون معرفي يبحث عمن يفجره ليتدفق حروفا و كلمات ، جملا و عبارات ، سمتها الصدق و عنوانها العلم و المعرفة .. لا شيء غير ذلك . عنها كانسان و عن رحلتها في البحث اللساني و اللغوي و عن هم الكتابة و قضايا الأمة كان هذا الحوار .

    * أصوات الشمال: بدرة الكاتبة و الشاعرة و الباحثة قد نعرفها هلا عرفتنا على بدرة الإنسانة ؟

    أ . بدرة: إنسانة بيسطة جدا ،اجتماعية ،مدللة ،تعشق البحر كثيرا وأقرب الناس إليها رابطة وصداقة الوالدة الحبيبة، طموحة إلى ابعد الحدود ،لا يوجد في قاموسي العملي أو الخاص مصطلح المستحيل . حياتي كفاح متجدد منذ البداية إلى يومنا هذا وأعتز بهذا الكفاح وأفخر.
    تعلمت مرحلة الابتدائي في مدرسة تجاور بيتنا وكنت أراها قبلتي المقدسة ؛وكثيرا ما أذكر رهبتي من النظر في أعين معلمي أو معلمتي وأذكر جيدا كيف كنت أقضي الليالي في غرفتي أحفظ كلاما قيل في قاعة الدرس ،ثم أنظر في كتابي وأبدأ في الحفظ بصوت مجهور؛ ولليوم تذكرني أمي بملفوظ الذئب يعوي .
    انتقلت إلى مراحل التعليم المتوسط بمتوسطة بوهالي محمود الشقفة دائرة الطاهير ولاية جيجل و بعدها المرحلة الثانوية بثانوية بوهرين الشريف بالشقفة أيضا ، و كنت أشعر بتقدم نحو الأفق ؛ ولكني كنت افهم انه كان علي أن أضاعف الجهد ؛ فالمرحلة الآن ستطور في طبيعة الدرس وطريقة طرحه وعلي أن أجدد الجهد وأضاعفه ...هذا ما شغلني وبات يمارس على جسمي النحيل آنذاك ثقلا لم أكن أحسه إلا بعد انتهاء الامتحانات . حيث أتفوق في دراساتي وكنت أختتم كل سنة بجوائز مشرفة قدمت لي من طرف المتوسطة و الثانوية .
    تحصلت على الباكالوريا والتحقت بالجامعة التي أعشقها كثيرا فهي الفضاء الذي أهداني إكليل النجاح بعد تعب وجهد مضاعف .وقد لمحت في فترتي الجامعية ميولا نحو اللسانيات وحبا كبيرا برغم نفور كثير من الطلبة من هذا التخصص .وأذكر جيدا كيف كانت زميلاتي يشتكين صعوبة هذا الحقل وتعقيد رؤيته ومناهجه وهو ما لم يجد له موازيا أو مماثلا في ملكتي أو قدرتي فكنت، وبحمده عز وجل ، ألتقط المصطلحات التقاطا وأستوعب ما وراء القراءات التأويلية بصورة صحيحة ومحكمة .

    *** أستاذتي كانت تبتسم و تقول لي :هذا هو المراد و لن أضيف على ما شرحته و أوضحته شيئا .
    ولا يزال ملفوظ أستاذتي المحترمة ليندة خراب مرسخا ومحفوظا عندما كانت تبتسم وتقول لي : هذا هو المراد ولن أضيف على ما شرحته أو وضحته . تفوقت في الجامعة وتحصلت على الليسانس بالدرجة الأولى دفعة جوان 2001 وبتقدير ممتاز ، وكرمت من قبيل رئيس الجامعة عن جائزة قدمها لي وزير الشؤون الدينية حفظه الله . تحصلت بعدها على منحة دراسية من قبل الحكومة الجزائرية وأكملت الماجستير في الجامعة الأردنية بعمان بالأردن
    وتحصلت على شهادة الماجستير من الجامعة الأردنية بتقدير ممتاز تخصص اللسانيات عن أطروحة مقدمة بعنوان :النظرية التحويلية في الفكر اللساني العربي الحديث،إشراف الأستاذ الدكتور نهاد الموسى .
    وتنتهي رحلتي الأكادمية وأشد أدراجي إلى الجزائر الحبيبة ومعي ثمرة النجاح في أوت 2004.ولم يمض وقت حتى عينت من طرف الوزارة أستاذة في جامعة منتوري بقسنطينة وتم تنصيبي في قسم اللغة والأدب في أكتوبر2004 .
    وحرصا على تواتر دفعات الطموح أيقنت بأنه يجب أن أسجل الدكتوراه قبل أن تقل شعلة ذلك الطموح الجبار الذي يأمل دوما تميزا ورقيا وتألقا أكبر من سابقه وسجلت الدكتوراه في نفس التخصص طبعا ولم يبق إلا شوطا وتقدم بإذن الله للمناقشة .

    أ .ش: هل من صعاب واجهتك في رحلتك هذه ؟
    أ . بدرة : رغم أني واجهت صعوبات كبيرة تخص المصادر والمراجع إلا أن رحلتي إلى باريس أنهت متاعبي في هذا المجال وأثريت بحثي بما يلزمه من أمهات الكتب اللسانية ومختلف المراجع التي شرحت ووسعت في بعض النماذج المقترحة .

    *** معاينة الوقائع اللغوية معاينة موضوعية وفق شروط علمية لا تقيم اعتبارا لعوامل اللانص و لاتقف عند المعنى بالبحث و الدراسة هي اللسانيات في تعريفها البسيط .

    *أ. ش : كونك باحثة في علم اللسانيات و متحكمة في اللغة كيف ترين استفادة العربية من هذا العلم ؟

    أ . بدرة: اللسانيات في تعريفها البسيط والمألوف هي علم اللغة ،ومعنى ذلك أنها تقوم بمعاينة الوقائع اللغوية معاينة موضوعية في شروط علمية لا تقيم اعتبارا لعوامل اللانص في بداياتها الأولى ولا تقف عند المعنى بالبحث والدراسة . بعيدا عن أية غايات تعليمية أو تقييمية أو جملية ، موضوعها اللغة في ذاتها ولأجل ذاتها كما عبر عن ذلك الأب الشرعي للسانيات العامة الباحث الألسني السويسري فرديناند دي سوسير .
    ولما كانت اللغة العربية منظومة لسانية تستجيب لدواعي التحليل اللساني الهادف وجب تكييف الدرس اللساني وفق شروطها استجابة لحداثة عربية لسانية ؛ ولن أقول لسانية عربية لأن الفرق شاسع وجلي .

    * أ . ش : و كيف يتجلى ذلك الفرق ؟

    أ . بدرة : الفرق يا سيدي هو أن الدرس اللساني العربي يعتمد المناهج الغربية التي ظهرت في العالم الغربي ويطبقها على التراث العربي ؛ ذلك أن اللسانيات التي استقر وجودها كعلم له رؤيته ومناهجه بمختلف مصطلحاته؛ إنما ظهر أول ما ظهر في أوروبا والتاريخ يحفظ ذلك حفظا لا شك فيه .أما الدرس العربي اللساني فمعناه أن الباحث ينطلق من التراث العربي بعد أن تمعن فحواه وأتقن طبيعة خصوصياته ومن ثمة يحاول تكييف وأقلمة المناهج اللسانية الغربية وواقع النص العربي ،ومعنى ذلك إثراء النص العربي إثراء منهجيا مؤسسا على الانتفاع المكرس للبعد الحضاري وليس على مبدأ الابتداع والإتباع اللذان يثبتان ضياع هوية أمة وفطانة دارسين يدعون حداثة غير صائبة .

    *** الجرجاني هو اول من اسس للنظرية اللغوية العربية و الباحث العربي تجاهل الواقع و راح يلهث وراء حضارة زائفة .

    صحيح أن عبد القاهر الجرجاني ،هذا العالم الذي قيل عنه أنه سباق لعصره قد أرسى في مضامين كتبه دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة رؤى لغوية تشابه الرؤى اللسانية الحديثة ولكنها بقيت مبثوثة في مضامين كتبه تنتظر من يطورها ويزيد عليها ، إن أمكن ،ومن ثم يؤسس لنظرية اسمها النظرية اللغوية العربية ،وهذا ما لم يكن ، لأن الباحث العربي تجاهل هذا الواقع وراح يلهث وراء حضارة زائفة مدعيا الحداثة ومتناسيا حقيقة أن الحداثة نفسها تنطلق من النص ، ففسر هؤلاء الحاضر بالغائب وعكسوا حقيقة رياضية لا تستقيم بذلك الطرح .
    لقد استفادت اللغة العربية من اللسانيات بمنحها مناهج التحليل الدقيق وحملها من مختلف الدراسات المعيارية والانطباعية نحو العلمية التي توظف مختلف ميكانيزمات التحري الدقيق والموضوعية وعدم الانحياز ، فالنصوص أنظمة علاماتية تدرس في حدود تلك العلامات دراسات وصفية تقف عند حدود السطح مفضية إلى رصد خصائص لغوية للمنظومة اللغوية ،أو تتجه نحو الشرح والتفسير مفنذة حجة الوصفيين في أن أصل النصوص ،هي المرئيات والمحسوسات بل على العكس من ذلك النصوص هي بنى عميقة يجب فهمها حتى نتمكن من فهم بناها السطحية قبل الإخراج النهائي والتمثيل الفونل
    اللسانيات عندي علم رائع يحظى بتشكيل معقد جدا يتأسس على الحفر الهادئ في الكيان اللغوي وتوسيع ملكة الواقع اللساني في ضوء تخيل لغوي بناء يقوم على الشواهد .
    وتمثل المعايير التي تنير سبيل فهم النظريات المتطورة والتي بدأت مع الباحث اللساني الأمريكي إفرام نوام تشومسكي .

    * أ . ش: اقصد كيف ترين العربية من حيث البنية اللسانية خاصة إذا كنا نعلم أن بعض أعدائها يتهمونها بالقصور اللغوي و اللساني .

    *** اللغة العربية نظام تواصل راق و قد عبر عن ذلك القرآن الكريم الذي اعجز كل لسان بشري .
    أ . بدرة: عفوا لكن من يظن ذلك فهو واحد من اثنين :إما أنه لايملك أية علاقة باللسانيات وغير متخصص في حقلها وتراه يسمع باسمها كشريط أخبار عابر أو يدري تعريفها دراية حفظ لا دراية فهم وإتقان ، لأن اللسانيات موضوعها اللغة، عامية كانت أو فصيحة ،قديمة أو حديثة ،حضارية أم غير ذلك، المهم أنها تحمل ظواهرها الصوتية والتركيبة والدلالية في بعدها التواصلي الذي يقر بوظيفتها الإبلاغية الأولى معترفة بكفاءتها عندما تملأ فجوات إعلامية وتحقق تباين المقاصد بتباين السياقات .
    اللغة العربية نظام تواصل راق وإعجاز القرآن الذي أنزل باللغة العربية كان ومازال ولايزال في نظمه ،في مختلف صوره البلاغية البليغة التي أعجزت اللسان البشري على الإتيان بمثله .
    وهي اللغة التي كتب عنها النقاد القدامى كابن قتيبة وقتادة بن جعفر والجرجاني والجاحظ وأفرغوها أبوابا من الدراسة والتحليل وقدموا نماذج جوهرية تعاد اليوم بطريقة تعدل في التسمية وتعيد في الصياغة . فكيف يعقل أن نتهم اللغة العربية بالقصور و نصدرا أحكاما مجوفة وخاطئة ونحن نتواصل بها ومن دونها لا نستطيع تبين الأفكار وشرحها كما يجب .

    الثقافة تحضر و التحضر معرفة و المعرفة هي ذاك الكل المعقد المتضمن للتعليم و المعتقد و الفن و الخلق و القانون و العادات .

    *أ .ش: أفهم الثقافة على أنها إنتاج التغيير الايجابي . ترى كيف تفهمها الأستاذة بدرة ؟
    أ .بدرة : أخي عباس أوافقك في مصطلح الإيجابي ولكني أوجزالثقافة ، وباختصار، في مصطلح تحضر. والتحضر معرفة والمعرفة هي ذاك الكل المعقد الذي يتضمن جوانب التعليم ،والمعتقد والفن،والخلق،والقانون،والعادات الاجتماعية وأية إمكانيات أجتماعية أخرى تحقق الإفادة وتطلعنا على موروث أمة ،و من ثم فهي عندي موسوعة التحضر بأبعاده الانتفاعية التي تمكن من تسهيل التواصل وإدراكه.

    * أ . ش : هل توافقينني الرأي على مفهوم التغيير الاجتماعي ، ذلك أن الاستفادة يجب أن يرتكز عليها المصلحون الاجتماعيون لتغيير واقعهم ؟ و بمعنى آخر أن هناك فرق بين المثقف الذي يحمل معول البناء و التغيير إلى ما هو أحسن و بين مدع للثقافة سلبي يتشبه بالمستنقع الراكد الذي يضر أكثر مما ينفع .
    أ .بدرة: نعم أصبت سيدي ولكني أخالفك في المصطلح، فالتغيير عادة ما يكون بالسلب كأن نعرف عادة محمودة صارت مع الزمن منبوذة أو كأن يتغير معنى كلمة من الإيجاب نحو السلب أم التطوير وهذا ما تقصده من سياق كلامك فيحمل بذرة الخير والإيجاب والإصلاح والرقي ، ونحن مطالبون بدعوة إصلاحية متجددة مادمنا سنخدم في ضوئها واقعنا ونزيده أصالة ورفعة وحضارة ، ومواكبة العصر أمر لابد منه لكن في حدود التقدم وليس جرا لأذيال خيبة تدنس أمجاد الأمة وتطيح بحنكة أفرادها نحو تأخير يجعلنا غير متحضرين ،غير متعلمين ،غير قادرين على تمثل المعارف أي غير مثقفين .

    *** هل يستوي الذين يعلمون واللذين لا يعلمون ؟

    * أ . ش: من هو المثقف الحقيقي في رأيك ؟
    أ . بدرة: المتحضر
    * أ . ش : وهنا المشكلة لان المتحضر افهمه أنا و أنت و الكثيرين لكن في المقابل هناك من يفهم التحضر على انه كل عملية تنصل من قيم المجتمع و مبادئه الكبرى .
    أ .بدرة : لا يستوي اللذين يعلمون واللذين لا يعلمون . وبلا شك فإن أولئك اللذين يرون أن التحضر هو التنصل من قيم المجتمع ومبادئه الكبرى مساكين يحتاجون لشفقتنا والله لأنهم لا يعلمون ،جاهلون يغرقون في بحر التخلف ومحاكاة الآخر ويزعمون أنهم على شاطئ الآمان يقفون. و الإغراءات والماديات تختبر النفوس وتفصل أخيرا بين تافه وعبقري ،بين فاطن وغافل بين عالم وجاهل . الحضارة قيم وأخلاق وتسام عن الآثام المشينة والسلوكات الهجينة . الحضارة هي التشبث بنظمنا الاجتماعية الصائبة و بقانوننا العادل و أولا و أخيرا بديننا و بإيماننا . والمثقف الحقيقي هو المتحضر بالمعنى السوي والصحيح

    * أ .ش : لكن السوي و الصحيح كما نفهمه نحن ليس كما يفهمه غيرنا .
    أ .بدرة : صحيح وربما نمثل نسبة ضئيلة إذا قورنا بنسبة من يخالفوننا الفهم ولكن الحق معنا والحق أقوى حتى وإن تمثله شخص بعينه ،لا سلطة أقوى من سلطة الله ، ونطلب لهم الهداية ، و مفهوم السوي و الصحيح كما يفهمه العقال من الناس وليس كما يفهمه المجانين و المعتوهون .

    *** أتبنى قضايا الأمة رغبة في توسيعها ولفت الأنظار وخلق روح الغيرة في أبنائها
    * أ . ش : هناك من الكتاب من يتبنى قضايا الأمة انسجاما مع مبادئها و أفكارها و هناك أيضا من يتنكر لها تعاليا عليها. أين أنت من هؤلاء و هؤلاء ؟

    أ . بدرة : لست مع الاثنين لأني ، وبصراحة مطلقة ، أتبنى قضايا الأمة رغبة في توسيعها ولفت الأنظار وخلق روح الغيرة في أبنائها ،وأملي كبير في تطويرها ،فإن استطعت بالفعل فذاك ما أردته وأرتقبته وإن لم أستطع فعلا وتطبيقا فبقلمي الذي عاهدته على حفظه وتشريفه بالكلمة وعلى أن لا يسيل حبره إلا ابتغاء وجه الله وإعلاء كلمته .

    * أ . ش : و لكن هناك من يرى أن الكتابة مجرد وسيلة للاسترزاق .. الكتابة وسيلة للتزلق و التملق ...الكتابة مجرد تفريغ لشحنات عاطفية و نفسية .. و هي أيضا وسيلة للتطوير . ترى كيف ترى بدرة الكاتب والكتابة ؟

    *** الكتابة عندي بوح عميق لا ينفس في الحقيقة عن روح متعبة بل يذكرها بمأساتها ويشهد دوما على تلك المأساة .

    أ . بدرة : الكتابة عندي بوح عميق لا ينفس في الحقيقة عن روح متعبة بل يذكرها بمأساتها ويشهد دوما على تلك المأساة كلما ادعيت نسيانا أو تناسيا إلا وأجد الصفحات تحتفظ بشيء من ذاتي أراه ملهما للجرح ولكنه لا يشابهها نهائيا عندما يستسلم للنظم الجميل والأسلوب البليغ ، وما كانت المشاعر في أغوارها تتدفق بالأغلال ولا تعترف بالوقائع بل نهرا صافيا أغراني بهدوئه وها أنا أسبح في رجعية موجه ولا أعرف إن كانت كتاباتي شراعا منقذا أم بنزينا يزيد اللهب . الكتابة عندي إبداع خالد مادام يحمل قيمه الإنسانية و يجسد تجربتها أو بعضا من تجاربها .

    * أ . ش : هل نستطيع القول أنها معاناة من نوع فريد؟

    أ . بدرة : نعم هي معاناة من نوع فريد ،نوع يتقاطع مع بقية الأنواع ويفارقها في الوقت نفسه،هي فلسفة جبارة تمليها خفايا العالم المسكت عنه في الصمت وحيرة النظرات .

    * أ .ش : مجتمعنا العربي و الإسلامي يمر بفترة حرجة في تاريخه ،فترة عودة الاستعمار. هل نستطيع القول أننا أمام عودة لتاريخ أدب المقاومة أو أدب الثورة إن شئت قول ذلك ؟

    أ . بدرة : نعم صدقت . إنها فترة حرجة جدا ومؤسفة ،ولكن لا أظن أن ما يكتب اليوم يعبر عن عودة لأدب الثورة لأن بالأمس كانت الأمجاد تصنع بأنامل تشتعل شموعا موحدة لدعم صيت خالد هو الحرية والتحرر من غطرسة شعوب استعمارية طاغية .وحظي الأدب بتلك الأمجاد فتغنى الشعراء بالبطولات والصمود والنصر مفتخرا بوطنية خالصة لا تشوبها الجوسسة ولا النفاق ولا الخيانة في العموم ، وصنع أفذاذ الرجال خلودهم في ذكراهم التي حفظها التاريخ وطرق بابها بوقائعها الزمكانية ولم يتأخر الأدب عن تلبية حاجات عصره حيث استجاب لحركية المجتمع وترك لنا روعة في النظم الشعري والنثري والخطابي ، أما اليوم ، وقد تعكرت النوايا وامتزج الخير بالشر والصدق بالباطل وبدت الأمة العربية والمسلمة تحارب وتقاتل ولكننا لا نعرف في الحقيقة من يحارب من ، هل نحارب كفرة يسلبوننا الحقوق أم أننا ننهش بعضنا البعض سرا وعلانية . فهل تعرف النفس الأدبية ما تكتبه وعن ماذا تكتب ؟ أتطيح بالعدو الذي نزعم غربيته أم بالعربي و بالمسلم الذي ينهك قواه في قتل وذبح من هم من أمته ؟
    الأدب يا أخي تمجيد وتخليد ؛ وعلينا أن نفهم قبل أن ندون ونكتب ، ولا أتوقع أن هناك عودة لأدب الثورة بالمفهوم المتعارف عليه ، فشتان بين ذاك وهذا الذي يحدث اليوم .

    *** إذا أردت أن تفهم ما يريده إنسان فلا تستمع إلى ما يقوله، بل إلى ما لم يقله .

    * أ .ش : هل تتساوى عندك تعليقات قرائك السلبية و الايجابية إن كان نقدهم بناءا ؟

    أ . بدرة : إنه سؤال مهم جدا ، خاصة في مجتمع يعشق جدا المجاملة والإطراء ، وكلنا يحب المجاملة والإطراء ولكن يجب أن يكون في حدود ،و التعليقات الإيجابية تعجبني وتطربني ولكنني أراها في بعض الأحيان مبالغة تشعرني بعكس ما يراه الآخر أو يجامل به .
    وهو ما يتركني أبحث عن الأفضل دوما لأن مقولة جبران خليل جبران لا تفارقني أبدأ:إذا أردت أن تفهم ما يريد إنسان فلا تستمع إلى ما يقوله، بل الى ما لم يقله . التعليقات السلبية تزيدني عزة ومفخرة فأكيد أن الناقد الذي جسد رؤية يراها بعضه سيئة أو سلبية ستؤكد مصداقية النص وقيمته .فالناقد عندما يشغله نصي ويذوب في ثناياه فيخرج بنظرة نحوه يكون قد بذل جهدا فكريا ، ومن ثم لخصه في قراءة ما ،وهذا شيء جميل يثبت أن النص قابل للقراءة الناقدة. والنص مفتوح على تعدد القراءات ،التعدد الذي يثبت لا محالة إبداعيته وفنيته.إذن فجميل أن ننقد والنقد لا يحتاج لتسمية إيجابية أو سلبية بل إلى تسمية موضوعية تتجاوز الذاتية والانطباعية والمعرفة الشخصية بروح الناقد المتخلق والمحترم

    *أ .ش : من يقرأ لكي يتلمس تأوها دفينا في نفسك ترى ما مرد ذلك ؟
    أ .بدرة : صحيح انه تأوه دفين و إني أخشى عليك من البقاء هنا معي تنتظر انتهاء البوح من دون أن تشعر بالوقت يمضي وتجدها شهورا مضت وانقضت وما استطعت أن تفهم شيئا من بوحي هذا .

    * أ .ش : إذن هو بوح لازمك طول عمرك .
    أ . بدرة : لا زمني مع بداية خلتها بداية العمر والحياة الهانئة .، ولم أكن أدري أن عمري ما كان يجب أن يطول لأبكي وأنا لست راغبة في البكاء .

    * أ .ش : قد نتعلم من الأشياء التي تضرنا أكثر . المشكلة فقط في وحش اسمه الزمن .
    أ .بدرة : صحيح ؛ وقد نزعم سلبيته ولكنه أحيانا مطلوب ولا بد منه لتتقوى عزائمنا ونزيد حنكة وخبرة تعيننا على صد لكمات الحياة المتقلبة .
    أ.ش: ليس هناك في الدنيا من شيء يستحق البكاء بل نبكي على ما فرطنا في جنب الله
    أ .بدرة : صحيح ولكننا بشر و لسنا حجرا ، نملك عقلا وقلبا معا . أشكرك أيها الصديق الطيب .الحمد لله أنا قوية بمعونة الله ودعاء قرائي ودوما أبتسم عندما ترغمني النفس على البكاء.

    * أ.ش: ما هو الشيء الذي إن فعلته أو تمنيته ارتاحت سريرتك ؟.

    أ . بدرة : النجاح والتفوق .

    * أ .ش : ما الذي يشدك إلى أصوات الشمال أكثر من غيره ؟

    أ .بدرة : تواضعها وتكرمها باستضافتي صوتا جزائريا أتمناه يزهر ويثمر في روضها البهي ، ويشدني تألق إخراجها واحترام مشرفيها .فهي المجلة الأولى التي تشرفت بالنشر في صفحاتها وأتمنى أن يباركها الله وتتسع لآفاق أكبر تجعنا نفخر بها ونعتز .

    * أ.ش : هل هي مجاملة و إطراء ؟

    أ .بدرة : لا تقل مجاملة يا صديقي ،هذا واقع جلي لا يقبل التزييف ، فعن حق هي فضائي الذي انحني تواضعا ونبلا له وتركني أبوح لغة وأدبا بما تجود به قريحتي وكفاءتي . فشكرا لممثليها وبخاصة لمن ظفرت به محاورا العزيز عباس بومامي حفظك الله لنا صوتا جزائريا وللأمة العربية المسلمة . و تأكد أيها الصديق أن أفضل الأصدقاء هو الذي تستطيع أن تجلس معه لتناقشه وتحاوره في مكان ما أو زمن واحد ٍ ..! كأن تتأرجحان سوياً بصمت أو عبارة .. ثم تفترقان ..! وكأنكما خضتما أمتع مناقشة وأروع حديث ..!

    *** الحب عندي أمل و ألم و الساكت عن الحق شيطان أخرس .
    * أ.ش : كيف تقرئين هذه الكلمات : الحق ، الجمال ، الحب ؟
    أ .بدرة : الحق : أحق أن يقال و الساكت عنه شيطان اخرس . و الجمال نعمة الله التي أضفاها على خلقه . و الحب أمل و ألم .

    * أ .ش : كلمة أخيرة للقراء .
    أ .بدرة : أحبكم جميعا .
    * أ. ش : ممتع الحديث إليك و جميل أن نلمس الصدق في أحاديث من نحاورهم . أتمنى لكي النجاح و التوفيق ولا تنسي دعوة أصوات الشمال عند مناقشة رسالة الدكتوراه حتى نغطيها و نفرح بك و بنجاحاتك .
    أ . بدرة : اشكر كم على تشريفي بهذا الحوار وأعدكم أني سأعزمكم إن شاء الله . أحبكم جميعا و على المحبة نلتقي .

    -----------------------------
    بعض أعمال الباحثة و الكاتبة بدرة فرخي .
    • كتاب /تحت الطبع / اللسانيات البنيوية .. الرؤية و المنهج
    • دراسة / اللسانيات التداولية الصورة و الصيرورة
    • رواية تحت النشر / جناية أم جنحة
    • مجموعة مقالات نشرتها جامعة الأردن
    • التأمين اللساني في ضوء المقولة القانونية / جريدة اليوم الجزائرية
    • راحل بلا قلب / جريدة صوت الأحرار
    • النقد العربي بين حقيقتي الإبداع و الابتداع / مجلة الماس / جامعة جيجل
    • النص الموازي في رواية تفنست . دراسة منشورة في مجلة الثقافة
    • المشاركة في العديد من الملتقيات منها ملتقى جامعة عنابة / حول الدرس الصوتي في اللغة العربية . و ملتقيات و منتديات أخرى .
يعمل...
X