إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

علي الأحمد - الموسيقا علم وفن وفلسفة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • علي الأحمد - الموسيقا علم وفن وفلسفة


    Alwatan -
    علي الأحمد


    الموسيقا علم وفن وفلسفة


    كيف قرأت الفلسفة العربية القديمة الموسيقا «كعلم وفن»؟ وهل كان على الفيلسوف أن يكون على اتصال وثيق بهذا العلم حتى تكتمل فلسفته التي أنتجت تصانيف ورسائل علمية مبهرة وخاصة في علوم الحساب والهندسة والفلك تلك العلوم الرياضية التي كانت بحاجة ماسة لانضمام الموسيقا لتكتمل هذه المنظومة الرياضية في مسعى أيضاً لفهم وقراءة الكون وأسراره المغلقة.
    - نعم لقد تأثرت الفلسفة العربية القديمة بالموسيقا وفنونها ولم يكن هذا التأثر مبنياً فقط على نظريات وعلوم هذا الفن بل كان أيضاً مدخلاً لفهم العلاقة الجمالية والأخلاقية وقدرته على القراءة والتحليل النفسي، بما مهد لظهور علم العلاج بالنغم بعد تجارب وقراءات متعددة لموضوعات الصوت وخصائصه الطبيعية، بما أفضى إلى تصنيف الألحان حسب تأثيرها النفسي فكان أن قدمت هذه الفلسفة خلاصة وافية عن منظومة المقام وتفرعاتها النغمية التي وصلت كما تؤكد أبحاث هذه الفلسفة إلى ما يقارب الألف مقام ونغمة وكان موضوع التناغم والتنافر يأخذ حيزاً كبيراً وممتداً من البحوث الفلسفية، يقول الفيلسوف العربي «الكندي»: والأوجب أن يستعمل في كل زمان من أزمان اليوم ما شاكل ذلك من الإيقاع ليؤكد أن هذه الأنغام تصنف حسب تأثيرها في النفس البشرية إلى «اللهوي والطربي والتلذذي وللجرأة والبأس والإقدام وللبكاء والحزن «كما أن للطفولة ألحانها وللشباب ألحانها كما للشيخوخة ألحانها أيضاً، وهي ألحان تختص بكل أوقات السنة من الصيف والشتاء والصباح والمساء وغير ذلك من بحوث فلسفية قام بها الكندي وأقرانه ممن تأثر وقرأ بعمق نظرية «التأثير ethos» وهي نظرية قديمة على مذهب الصابئة والإغريق ارتبطت بصلة وثيقة بالموسيقا كعلم رياضي تقوم على أن كل شيء أرضي يتأثر بشيء سماوي، حيث نغمات السلم السبع تعادل أو تساوي الكواكب السبع، وصور البروج الاثنتي عشرة تقرن إلى ملاوي العود الأربعة ودساتينه الأربعة وأوتاره الأربعة حيث تعبر هذه الأوتار كما رأت هذه الفلسفة عن الطبائع الكونية القديمة وهي كما هو معلوم الرياح والفصول والأمزجة والقوى العظيمة والألوان والعطور وأرباع دائرة البروج والقمر والعالم، ومن هنا كان على الفلسفة العربية الإسلامية القديمة أن تؤسس لعلوم الموسيقا انطلاقاً من نتائج هذه الأبحاث المتقدمة التي تأثرت كما هو معلوم بالنظرية الموسيقية الإغريقية وإن اختلفت عنها في كثير من العناوين والنتائج كما نرى عند الكندي الذي أكد في العديد من رسائله العلمية القيمة أن النظام الموسيقي العربي لم يكن أبداً محض قواعد ومبادئ فارسية وبيزنطية بل امتلك هويته الخاصة والمتفردة وأن فن الموسيقا عنده يتألف من عدة فنون أي العربية والفارسية وغير ذلك في إشارة دالة على تميز وتمايز الفن الموسيقي العربي عن باقي الفنون الموسيقية وهو ما أكده أيضاً حين زعم أن لكل أمة من الأمم طريقتها الخاصة في العزف على آلة العود واختلافهم في ذلك يشبه اختلافهم في سوى ذلك من الأمور.
    -وتعمقت الفلسفة العربية بالمذاهب الجمالية وعلائقها الموسيقية بتأثير من المذهب المشائي في التفكير في إشارة إلى المعلم الثاني الفيلسوف «الفارابي» الذي قدم دراسات وبحوثاً موسيقية في غاية الأهمية والعمق تعتبر مرجعاً ومصدراً أصيلاً لهذا الفن بعد تجارب مثمرة في مجال الصناعة الموسيقية وتصنيف الألحان والآلات وعبرها كتب بحوثاً فلسفية أضاءت الكثير من الجوانب بحثت في جماليات الصوت الطبيعي وإحصاءات النغم وغايات الألحان ومدخلها في النفس البشرية حيث ميز بين الألحان الكاملة وقسمها إلى أنواع عدة بما لها من تأثير قوي في نفس المتلقي شارحاً بإسهاب ووضوح التراكيب الفيزيائية والرياضية للنغم مؤكداً أهمية إيلاء الجانب الأخلاقي دوراً مهماً حيث الطبيعة العلمية والوظيفة الأخلاقية للعلم الموسيقي معتبراً الألحان الكاملة ثلاثة تتوزع بين المقوية التي تكسب النفس قوة والملينة التي فيها لين ورخاوة والمعدلة المعتدلة ما بين القوة واللين أو كما كان يسميها القدماء الألحان «الاستقرارية» كأنها تكسب النفس استقراراً وهدوءاً.
    - وتكتمل فلسفة الموسيقا وجمالياتها مع الشيخ الرئيس ابن سينا واحد من أعمدة الحكمة الإسلامية وصاحب نظرية خاصة ومتفردة في البحث الموسيقي وفلسفة النغم التي تعمق في علومها وأنشأ من خلالها مدرسة سامقة اعتمدت كثيراً على التناغم بين الفلسفة وعلوم الموسيقا الرياضية متأثراً بالفيلسوف العظيم أفلاطون ىخاصة في دراسة الجانب الأخلاقي كما نرى في كتابه المهم الشفاء في قسم جوامع علم الموسيقا وفيه قرأ بإسهاب وعمق أهمية موضوع العلاج بالموسيقا بما له من دور نفسي فعال وتأثيرات فيزيولوجية يقول: «ومن مسكنات الأوجاع: الغناء الطيب، وخصوصاً إذا نُوم به والتشاغل بما يفرح مسكن قوي للوجع «وقد اعتمد ابن سينا في ارتحاله المعرفي على تجارب شعوب الشرق وفلسفتها حيث توصل إلى أن الكمال النفسي المنشود يتحقق عبر إتقان الفنون والعلوم ومن بينها الموسيقا التي يرى وظيفتها الأساسية دعم الأخلاق والمنظومة التربوية، بما تفضي لإفادة اللذة النفسانية في دلالة قوية على توجهه الإنساني الشامل الذي تعزز بالتناغم ما بين العالم الروحي والعالم المادي وهي أفكار فلسفية جاءت متماسكة وقوية أطرت فلسفته الموسيقية التي كانت خير معبر عن اقتران الفلسفة بالموسيقا وهو اقتران أثمر تلك السلالة الإبداعية التي يعود لها الفضل في بناء وارتقاء العلم والنظرية الموسيقية العربية في أزمنتها الإبداعية كافة.
يعمل...
X