إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ام علي امي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ام علي امي

    ذكرياتي
    ( أم علي)















    اهدي ذكرياتي و عملي هذا الى روح جدتي مريم التي أود ان اخاطبها و هي بجوار ربها لاقول : أماه سافرت و لم أكن في سورية و لم أكحل عيني بوجهك الملائكي اليك أهدي جهدي ووفائي.














    - مقدمة -
    فكرت مرات عديدة أن أروي للناس فيها تجربتي كأم و كزوجة وكمواطنة أحبت وتحب بلدها دون حدود . بالنسبة لي من المهم أن يستطيع الإنسان أن يروي للآخرين أي شيء .... أي شيء يرى فيه قيمة ما سامية ولذلك أفعل .
    أريد أولا أن أقول للقارئ الكريم بأننا لم نولد وفي فمنا ملعقة من فضة وكافحنا بشرف في الحياة وأريد أن أصف بعض المعاناة التي يمر بها من كان مثلي وفي حالتي و أن أتضامن مع معاناة الناس حيثما كانوا من خلال ذكرياتي هذه خصوصا مع المرأة العربية بل المرأة في كل العالم حيث تتعرض للظلم الإجتماعي ولا تلقى في كثير من الحالات ثوابا حقيقيا لتضحيتها . كما أود أن أذكر في هذه المقدمة أنني أحب دمشق حباً جماً و أريد أن أهمس بأذنها أنني أحبها ، و قد تكون أحد أسبابي لكتابة ذكرياتي أن أحكي عن هذه المحبة لهذه المدينة الخالدة و أقول أنا التي سافرت إلى عدد من البلدان أنني لم أعشق مثل دمشق وقاسيون الذي يطل عليها منذ الأزل .






    البداية
    أنا من قرية جميلة في حمص تدعى / أم الدوالي /: قرية في الريف أهلها روحهم غنية ويحبون الغريب ويكرمون الضيف . كان والدي رحمه الله / كامل حسن أسعد / و هو من آل خضور شاعرا يقول وينغم الزجل وذو صوت شجي جميل يستدعى في الأفراح ليغني العتابا والميجنا كان الناس يسمونه الزجال وكان يحفظ القرآن الكريم ويرتله على الدوام في البيت وفي مناسبات العزاء والحزن حيث كان الناس يدعونه لترتيل القرآن .
    أما أمي فكانت شابة صغيرة فوالدي كان يكبرها بعشرين عاما وكان اسمها-رحمها الله- (فهيمة فياض) وكانت لي جدة اسمها / مريم / وكنت أرى في وجهها ملاكا طاهرا فهي عدا عن النور الذي شع من وجهها كانت تحن علي حنانا جميلا وكنت أعشق النوم في حضنها . كنت في الثالثة عندما هربنا من ظلم الآغا الذي حاول إجبار والدي على شهادة زور فهربنا إلى لبنان ( طرابلس) كان أخي في السادسة من العمر . هناك في طرابلس عمل والدي في مكبس للخفان وكبرت في طرابلس في "بعل محسن "، طريق زغرتا في بيت صغير واستمر الأمر بنا هناك حتى داهم المرض أبي – رحمه الله – فقررنا العودة إلى قريتنا وقد صرت حينها في التاسعة صار أخي في الثانية عشرة، و عدنا للسكن عند جدتي . أثناء مرض والدي الذي كنت أحبه حبا جما ً توالى الأقارب من آل خضور على زيارته ومرت سنة على التقريب وهو راقد في سريره وذات صباح عرفت أنه غادرنا إلى دار الحق (رحمه الله) و أني منذ ذاك اليوم صرت يتيمة الأب .
    في هذا اليوم الذي لن أنساه ما حييت تجمع عدد كبير من الرجال والنساء في بيتنا وكنت أنظر إليهم بعيون حائرة ولا أعرف ما الذي يخبئه الغد .
    تولت جدتي رعايتنا وأخي وهنا صار الملاك / جدتي / هو الذي يرعاني وكانت تدللني كل دلال حتى بدأت فتيات القرية يغرن مني فجدتي كانت تخبئ بعض المال وصارت تشتري لي أجمل اللباس من تاجر جوال اسمه/ دغمان / كان يحضر اللباس والعطر وأشياء أخرى من لبنان الذي لا تبعد حدوده عن قريتي بضعة كيلومترات .
    في سن الحادية عشرة رحلت مع وأمي وأخي إلى مدينة حمص وسكنا في حي الخضر في بيت المرحوم / يونس اللالي / الذي سأتزوج فيما بعد من ابن أخته عبد الله الأحمد .
    بدأت أمي تبحث لأخي عن عمل فقال لها العم يونس أنا أشغله مع ابن أختي في معمل البلاط فأتى به وتعرفا على بعضهما وصارا رفيقين حيث قام عبد الله بتعليم أخي محمد الصنعة.
    ولد ل / يونس الللالي / ولد جديد وقامت فرحة بهذه المناسبة وكنت في الثانية عشرة استدعتني الفتيات إلى الرقص وأثناء رقصتي وقعت عيناي على عيني عبد الله الجالس بين الشباب وأحسست من وقتها بهذا الشاب إحساسا غريبا .. لقد دخل إلى قلبي . بعد أيام جاءت خالة أمي وأخذتني معها إلى مصنع الحرير في حي عكرمة المملوك /لآل بشور / خير الله و بشور حيث تعلمت هناك ما كنا نسميه / حل الحرير / وعملت سنة ونصف هناك , .
    مرت فترة و أتى عبد الله وطلبني من أهلي وكان برفقته كل من الشيخ محمد الحبيب والشيخ سليمان الحبيب وكان معهم علي الأحمد أبو عبد الله واستدعيت جدتي وجدي وكانت والدتي وتمت قراءة الفاتحة وكتب كتابنا بعد سنة تماما من هذا التاريخ , وأصبحت زوجة وأنا في تمام الخامسة عشر من العمر .
    وبدأ موعدي مع الحياة برفقة أبو علي
    أذكر أن عبد الله كان يحاول صنع طائرة أثناءها وكان يسمى في الحارة عدة تسميات / المخترعجي / أو / أبو الطيارة / وكان البعض ممن يغار من عبد الله ويريد أن يلحقني في الشارع / ملطشا / قائلا : هي خطيبة أبو الطيارة اللي بتكب عليها /شنينة/ بتطير ! والشنينة معروفة هي اللبن حيث كانت أم عبد الله تعمل في بيع اللبن وكانت سيدة مناضلة مكافحة ومن أشرف من عرفت النساء وما كان هذا الاستهزاء إلا ويزيدني ارتباطا وحبا لهذا الشاب غير الاعتيادي بل / العبقري / الذي سوف يثبت للناس فيما بعد هذه العبقرية .
    كانت أيام الوحدة مع مصر عندما كان عبدالله يصنع الطائرة و في مرة
    ذكر راديو / صوت العرب / مرتين اسم / عبد الله الأحمد / في نشرة الأخبار كشاب من الإقليم الشمالي يصنع طائرة وصار الناس يتجمهرون أمام بيتهم من كل حارات حمص حتى صارت أزمة كبيرة فلم يعد أهل الدار قادرين على العيش بحرية كان اعجابي به يزداد.
    للأسف في ما بعد لم تساعد الدولة عبد الله بشيء بسبب بعض الأشخاص و ليس بسبب دولة الوحدة العظيمة وقد كتب هو بمذكراته تفصيلا في هذا الموضوع.


    أصبحت أما لطفل عمره سنة وكان زوجي يبحث عن عمل حيث كانت مهنته بالأصل صب البلاط....
    وأخيرا وجد عملا في دمشق مع السيد ألفرد زلحف وأخوته وهم عائلة محترمة جدا وسكنت قرب عمل زوجي , وكان أثناءها عهد الانفصال فبدأ نشاط حزب البعث العربي الاشتراكي وكان زوجي منظما منذ إل 16 عاما فيه .
    بدأ بتنظيم حلقات للشباب المنتسبين لدينا في البيت وأستمر هذا الوضع سنتين ولقد ساهمت بتوزيع بعض المناشير الحزبية أثناءها في منطقة باب شرقي حارة الأرمن وعندما أكتشف رب العمل ذلك خاف حيث هو شخص مسالم /رحمه الله / فطلب من زوجي الرحيل عن المكان وترك العمل فبدأنا البحث عن عمل جديد , فأشتغل مع عائلة /كريم/ وهم دمشقيون من منطقة /زقاق الجن/ وسكنت في حي الطبالة , وهذا الحي كان فيه أناس من كل مشرب من القرى والبلدات ومن كل ناحية . سكنا مع عائلة من /دير عطية , بيت أم هيثم / كانت أم هيثم ربة منزل محترمة و زوجها يعمل على سيارة وصارت بيننا وبينهم ألفة كبيرة كانوا من: دير عطية ,النبك , صدد , السويداء , حمص ..... الخ


    كانت السيدة / أم معروف / من النبك هي زعيمة الحارة وكان زوجها مقاولا وهو الذي بنى الحارة وأذكرها مثل زعيمة و الكل يأتمر بأمرها وكانت من أفضل من صنع الكبة النبكية ودعتنا ودعت الجارات وجلسنا ندق على الجرن ونشوي الكبة وكانت حفلة رائعة حضرها كل أهل الحارة كأسرة واحدة .
















    يوم 8 آذار عام 1963
    كنت في هذا اليوم في بيتي و كان لدي ولدان / علي / و / صنعاء / _ رحلت صنعاء رحمها الله - كان الرفاق يأتون إلى بيتنا حيث كانت لدينا غرفة متطرفة في بهو الدار , في هذه الغرفة جرت اجتماعات كثيرة وسرية وكانت تجري ليلاً على الشمع ويطفئ زوجي نور الكهرباء مقصوداً حتى لا ينكشف أمره .
    في يوم 8 /آذار/ أبلغني أبو علي أن مجموعة الضباط الأحرار طردوا الانفصاليين وأن البعث أصبح في السلطة وكانت فرحته لا توصف كان ذلك بعد ظهر الثامن من آذار 1963 و بعد أن أبلغني ذهب ومجموعة الشباب / عودة قسيس – محمود حديد - عيسى عرنوس – عادل كبول – نايف شريطي – زيد شريطي / وهم من كان يجتمع معه على الدوام , تجمعوا وذهبوا ومعهم أخي محمد كامل حسن الذي كان معهم هو أيضا .
    لمست فرح الناس في البيوت والشوارع , خرجت خارج المنزل كان الجميع يرقص في الشوارع وعندما عاد زوجي متأخراً وجد كل الجارات عندي في المنزل يتعشين وهن فرحات والزغاريد تملأ المكان وكنت أوزع الحلوى وزوجة أخي التي هي مثل أختي وصديقة عمري أم جابر وكانت الفرحة عظيمة وهنا لا أنسى سيدة كريمة من قرية فاحل هي / أم سامي / وأسمها الحقيقي علياء كانت في غاية الكرم والألفة , لم أكن أعلم أنني على موعد مع القدر بأن يصبح زوجي واحداً من رجالات البلد المعروفين ومن صاحبي القرار فيه .
    بعد الثورة بأيام عين / أبو علي / مديرا لمكتب العمل في معمل اسمنت دمر وملأني الفرح حيث كانت الوظيفة في تلك الأيام تعني الكثير , قال لي عندها أبو علي : كنا مستأجرين غرفة ومطبخ والآن سأستأجر البيت من بابه , و كان مرتبه ثلاثمائة ليرة وكنا ندفع 50 ليرة أجرة منزل و 50 ليرة نعيش بها و 50ليرة اشترينا تلفزيون وبراد بالتقسيط ولا أنساهما / التلفزيون والبراد / كانا جميلين و كانت فرحتي لا توصف , من يومها صارت كل /الطبالة/ تسهر عندي ولم نعد المخدات والفرش والكراسي تكفي حيث كانت النساء يأتين مع أولادهن حتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ....صارت أم معروف تغار ! ولم أكن أشعر أبداً أني حللت مكانها كنت أحبها وأحترمها ولا أنسى الخبز والملح ....
    حدثت معي طرفة خاصة فلقد تعطل التلفزيون وذهبت إلى السمان / أبو هاني / وهو من صدد واتصلت بالمهندس ياسين برغل وأصبح فيما بعد مدير عام شركة النصر – فردت علي أمرآة وعلى ما يبدو أني أخطأت الخط وسألت :
    من فضلك المهندس ياسين برغل ؟
    أجابتني
    - راح ع الكبة , بدك رز بيعطيكي !!
    المهم أن هذا الأخ المحترم أرسل أشخاصاً وأصلحوا هذا الجهاز الذي صار مؤرقا ً لحياة زوجي الذي كان يصل المنزل متعبا ً يريد أن يرتاح ولا مجال للراحة في ما بات يشبه دار السينما وعندها قررنا بيع التلفزيون والبراد وشراء أرض في منطقة /برزة/ وبالفعل بعناهما ب/700/ ليرة واشترينا من صديق لزوجي أرضا صغيرة واقترضنا مبلغا من البنك العقاري وبدأنا نبني منزلا كان القرض عندها /14000/ ليرة ...
    انتقل أبو علي إلى معمل بردى وكانت أسباب النقل مشاكل خلافية صار أبو علي أيضا مديراً لمكتب العمل فيه.
    وأذكر هنا أن السيد رئيس الجمهورية أمين الحافظ أتى إلى معمل الأسمنت وجلس وراء مكتب أبو علي واستدعاه ليسأله بنيرة:
    - تعال وأشرح لي كيف وظفت كل الحماصنة في المعمل ؟
    وعندها استدعى أبو علي العمال الذين وظفهم وقال له:
    - انظر سيادة الرئيس إلى هذه السواعد وهؤلاء الشباب ألا ترى أنهم شغيلة حقيقيون وسيبنون المعمل ؟
    في الذكرى الأولى 8 /آذار/ 1964 كان الاحتفال بالثورة يوما واعدا وكنت أنا وأولادي وزوجي على موعد مع النوم على سرير دون فرش والنوم على بلاط المنزل لأن ما كان لدي من فرش لم يكف للزوار الذين أتو من حمص وباقي أطراف سوريا ولم يكن بمقدورهم النوم في الفندق فناموا عندنا على الرحب والسعة .
    هذا اليوم لا أنساه ليس فقط لأن بطني آلمني عندها بل لأني كنت فرحة بذكرى الثورة .
    في هذه الأيام المملوءة بالأمل و الكفاح افتخر بان زار بيتي كثير من الناس من رفاق زوجي و زوجاتهم ، اذكر منهم الأخ عبد الكريم بلال (أبو أيمن) الذي كان مديراً لشركة الريجي أطال الله عمره .
    رزقني الله أطفالا حلوين فأصبح عندي ثلاثة أولاد –حمى الله كل أطفال الدنيا- وكنت حاملا عندما قررت القيادة إرسال عدة نقابيين إلى روسيا لدراسة / النظم السياسية / وكان أبو علي واحداً من هؤلاء , أذكر جيدا ذلك اليوم الذي غادرنا فيه وتركنا في دمشق وحدنا وسافر لكي ينفذ الأمر الحزبي ... كنت أتواصل مع / أبو علي / عن طريق الرفيق / محمد رباح الطويل / وزير الداخلية وعن طريق الرفيق / أبو رباح / رئيس لجنة اتحاد العمال وكان رفاق زوجي يأتون ليأخذوا ملابس وحلويات لأبو علي وكان الأخ / إحسان فقيه / يأتيني بالراتب شهريا وكانت الاتصالات معدومة ودخلت في حزن كبير على زوجي الذي أحب وأنا ابنة عشرين عاما . كانت أوقانا صعبة توجت بأيام عصيبة ومؤلمة هي خسارة 1967 وقيام إسرائيل المعتدية باحتلال أرضنا مجدداً وضرب شعبنا الآمن.













    قي يوم 5 / حزيران / 1967 وكنت لازلت أسكن في دار أم هيثم في الطبالة بدأ العدوان وبدأت الناس حركة نزوح وكنت وحدي في الدار وكنت أرى الخوف في عيون أطفالي وذلك من ضجة غارات الطيران وأصوات صفارات الإنذار. كان كل شيء غير عادي والأطفال كانوا يحسون وأنا بأن شيئا ما يحدث ولم يكن سند الدار معنا.
    بدأت أبحث عن وسيلة لأذهب إلى مدينتي حمص وحصلت عملية استغلال : سائق طلب مني 150 ليرة فقط ليوصلني إلى محطة الباصات إلى أن أتى الجار أبو هيثم فأوصلني إلى المحطة حين وصلنا فحدثت غارة على المنطقة وركض البشر ودخلنا مكان مغلق /ملجأ/ وكنت وأطفالي خائفين ونظرت حولي فوجدت نفسي في مطبعة ورأيت كلمة /البعث/ مكتوبة على الجدار فسألت أحدهم :
    - كم أبعد عن فرع الحزب ؟
    فأجابوني
    - الفرع قريب
    فناديت شابا ورجوته :
    - أرجوك نادي لي أحد السادة / عودة قسيس أو محمود حديد / وذهب إليهم فأتوا ولم يستطيعوا أن يدخلوا من الباب من زحمة الناس فكسروا الشبابيك بأخمص البندقية فظن الناس أنها الغارة وخافوا , لكن هنا دخل إخوتي و زملاء زوجي عودة ومحمود من الشباك ورأوني وسألوني كيف جئت إلى هنا فحكيت قصتي وطلبت أن أسافر فحملوا الأولاد وصعدوا إلى الباص وكان السائق مرعوبا فأمروه أن يسافر بي وبأولادي إلى حمص و يستطيع أخذ ركاب من الطريق و هكذا كان ، وطوال الطريق كنت أبكي وأطفالي معي .......... أين أنت يا عبد الله !؟
    كان أبو عبد الله بانتظارنا في محطة حمص ...




    .... انتهت الحرب بسرعة وتركت آثار في نفوس الناس كانت هزيمة كبرى نفسية قبل كل شيء...
    عاد أبو علي على الفور من موسكو وجاء إلى حمص برفقته رفيق دربه يوسف ميرو جاء وضم أولاده واحدا واحداً وضم ابنته /فوز/ التي ولدتها عندما كان غائبا وأطلقت عليها أسم / فوز / لمحبتي بأبي فراس الحمداني وابنته فوز .. ضم الجميع وبكي بحرقة و عاد أملي من جديد ..
    تسلم أبو علي مهمة رئيس إتحاد عمال دمشق ونائبا لرئيس اتحاد نقابات العمال وبعد عدة أشهر حصلت انتخابات وانتخب في قيادة فرع دمشق للحزب و في خلال هذا الوقت كان بيتنا في برزة قد صار على ما يشبه العظم وبقيت الشبابيك والأبواب و أذكر مرة أننا ذهبنا لزيارة البيت لنرى أين وصل العمار و قمت بطبخ طنجرة برغل بالزيت الحلو و كنا قد نسينا الصحون فقام أبو على و طلبت إليه العودة للأكل في بيت الطبالة فأصر قائلا : سأتدبر الأمر و ذهب و غسل بعناية شباكاً من شبابيك المنزل و جعله (صحناً) كبيراً و دلق فيه طنجرة البرغل و قال: كلوا !
    قبل انتهاء العمار تماما أصر أن نذهب لنعيش هناك وقال : سنكمله تدريجيا من مرتبي ولا حل آخر وذهبت للعيش والأولاد هناك في بيت بلا شبابيك و لا أبواب إلا غرفة واحدة . كان عندي حينها علي و محمد و سلمان و فوز و قحطان (الذي كان يحبو وقتها)
    في هذا الوقت انضم أبو علي للعمل الفدائي في منظمة الصاعقة وتركني مع الأولاد ومع سلفي /إبراهيم/ وسلفي /يحيى/ وكان إبراهيم مدرسا ويحيى صغيرا وينشط في اتحاد الشبيبة...
    في بدايات عام / 1969 / حصلت حادثة معنا عندما أعلن راديو دمشق عن أسماء شهداء إحدى العمليات الفدائية وكان أن شهيدا – رحمه الله – اسمه (أحمد العبد الله) فالتبس الأمر على رفاق أبو علي و ظنوا أنه هو لأنه كان مشتركاً في العملية الفدائية و جاء أبو علي بعد العملية إلينا وقد امتلأ جسده برائحة البارود والطين والدخان .. وكان الدم ينزف من أذنيه فلقد سقطت عليهم قذيفة مدفعية....
    جاء رفاقه و كانوا على الباب يبحثون عن طريقة لعزائي وصحت بهم - أبو علي في الداخل.!!!
    وكان موقف أترك للقارئ أن يتخيله.
    بقي الرفاق عندنا حتى منتصف الليل , في اليوم التالي حكى لي أبو علي الرواية كلها وبأنهم كانوا في عملية في الأرض المحتلة وأنهم تعرضوا لنيران عدوة شديدة بعد أن أتموا مهمتهم و روى لي عن أن رفيقاً له يدعى (عبد الكريم موال) دخل وراءهم لتغطيتهم بالنيران مما مكنهم من الانسحاب وأنه لن ينسى في حياته هذه الفدائية من (عبد الكريم) .
    لقد كان لموقف عبد الكريم البطولي ما بعده وسيصبح صديقا وسيعمل مع أبو علي فترة طويلة من الزمن .
    بعد عدة أشهر شب حريق في منزل مجاور لمنزلنا وصاح الجيران / حريق , حريق / وذهبت إلى المكان ووجدت حالة هلع وصياح وفهمت أن طفلة رضيعة في الداخل وتبين أن صاحب الدار كان يعبئ الغاز المنزلي من عبوة الغاز الكبيرة واندلعت النار وعندما فهمت أن طفلة بالداخل كسرت الشباك الخارجي و هممت بالدخول فدخل شباب وأنقذوا الطفلة كان أصحاب الدار هم / أم أيمن و أبو أيمن / الأحباء والأعزاء و / أبو أيمن / - رحمه الله – هو اللواء عبد اللطيف ياسين فيما صديق العمر والجار والأخ والضابط السوري المميز الذي خدم بلده بإخلاص وزوجته / وردة / ستصبح صديقة العمر الغالية .. لم أنتبه يومها إلى الدم الذي كان يخرج من يدي حتى نبهني البعض ولكن سعادتي بإنقاذ / ميساء / ابنتهم الغالية أنستني كل شيء .






    الحركة التصحيحية :
    اختلف الرفاق في القيادة فيما بينهم و هنا أريد أن أروي ما أعرف ليس كإنسان يعمل في السياسة بل كزوجة وأم و كمواطنة ليس إلا وكان أبو علي يروي لي بعض الأشياء ليس فقط لأنه زوجي بل لأنه رفيق العمر أيضا و كان من وقت لآخر يشاورني في بعض الأمور أو يشتكي هماً ما ربما لأنه عبر رفقة العمر وثق في بعض رأيي ... بين فترة وأخرى كنت أسمع منه عن أنباء الخلاف بين أناس أشعر تجاههم جميعا بالمحبة والاحترام وكانوا بالنسبة لي أسماء كبيرة لها احترامها ... ولم أكن أتمنى حدوث أي خلاف ولكنه كان واقعا لا محالة...
    جاء البعض أثناء المؤتمر الحزبي الى (أبوعلي) وكلفوه بأمر حزبي باحتجاز ابن وزير الدفاع حافظ الأسد و معه رئيس الأركان مصطفى طلاس للمساومة عليهم حيث كان الخلاف على أشده في المؤتمر وكان جواب المرحوم أبو علي بأنني لست برجل عصابة وإنما مناضل سياسي في حزب يحترم نفسه. وعندما عرفت بالأمر قلت له:
    - كيف ..أنهم بغلاوة أولادي أن / باسل / بغلاوة / علي / وقال لي بالطبع يا أم علي لقد رفضت الأمر رفضا قاطعا ... ولقد علمت فيما بعد أنهم عرضوا عليه المال ومنصبا رفيعا في الدولة وأنه قال : لست برجل عصابة أنا أعمل في حزب و ثورة ...
    وفي نهاية المؤتمر الحزبي اعتقل الجميع وكان أبو علي بين المعتقلين وأعتقل أيضا أخي محمد وبقيت مع أطفالي ابكي ...
    جاءني الأخ أبو أيمن / عبد اللطيف ياسين / وحدثني عن الوضع وقال أنه على استعداد لإيصال رسالة إلى أبو علي في السجن وأرسلت له رسالة.
    بعد عشرة أيام من المعاناة خرج أبو علي بالفعل من السجن ودخل المنزل ليلاً وبدأ الأولاد يحتضنوه / علي / و / محمد / وكان الصغار نائمون ولم يكونوا في عمر يسمح لهم بوعي شيء من هذا القبيل....
    في اليوم التالي وفي تمام السابعة صباحا سمعت قرعا على الباب وخفت خوفا شديدا ورفضت أن أفتح الباب إلى أن جاءني صوت / أبو إياد / محمد حيدر من وراء الباب :
    - أم علي افتحي أنا أبو إياد , وفتحت الباب و كانوا خمسة : محمود الأيوبي – عبد الحليم خدام – محمد حيدر – عبد الله الأحمر ، و محمد جابر بجبوج . ورحبت بهم وأيقظت أبو علي وذهبت لصنع القهوة ... وكنت مصفرة من الخوف ...
    قال أبو إياد للرفاق :
    الله لا يعطيكم العافية المرأة اصفر وجهها / كان صاحب نكتة دائما / فقال الأيوبي :
    أم علي لا تخافي نحن أهلك وأخوتك ونحن هنا لنكمل الطريق سوا ...
    قال / حيدر / : أي منيح ضمنوها منشان ما تحطلنا شي بالقهوة .
    أصبح زوجي من هذا التاريخ عضوا في القيادة القطرية المؤقتة للحزب أي أنه أصبح واحدا من قيادة البلاد التي تساند قائدها الجديد الرئيس حافظ الأسد الذي حاز بسرعة على محبة الناس و تأييدها.
    ومن يومها أصبح بيتي شيئاً آخر, صار مقصدا لأصحاب الحاجة ممن نعرف ومن لا نعرف و كنت أحب الناس كثيرا و لكني بكل صراحة
    ( هلكت) و لم أعد قادرة على إعطاء الوقت الكافي لأولادي , وكان المشهد بالفعل صعبا للغاية ولم يكن أحد بجانبي لمساعدتي ونحن أبناء ريف و نحب الناس كما قلت ولا بد لمن يأتيك من الريف ضيفا أن يجد لديك المأوى وكل أسباب الرعاية ... و إلا أتهمك بأشياء وأشياء و إضافة لكل ذلك كان عليك أن تلبيه وتساعده ولا لوم لأهلنا فهم أبناء الفقر ومن الطبيعي أن يروا فينا أملا في تحسين أوضاعهم ... لكن الأمر كان أحياناً يتجاوز الطبيعي و مقدرتنا حتى المادية .. و البعض كان يرى فيك ساحراً و يأتيك بطلبات مثل: حطوني معاون مدير أو مدير! اعطوني كلاشنكوف ! جوزوني بنت عمي ! ما بدي ابني ع الجبهة !
    ( بالضبط مثل غوار الطوشة بدو يصير مخرج بالتلفزيون لانو حسني صاحبو)! و مسائل أخرى أترك للقارئ تصور الصح منها و الخاطئ .

    إضافة لكل ذلك ولدت ولدي السادس طارق في عام 1970 فلقد شعرت في شتاء 1971 بإنهاك شديد و صار لزما أن أزور عيادة الطبيب وكانت زيارة إلى عيادة المرحوم – جوزيف صايغ – الذي أصر على أبو علي أنني في وضع شديد الإنهاك والتعب وأن الراحة هي العلاج .
    هنا سمع السيد الرئيس بتعبي وكان يسأل على الدوام رفاقه عن أحوالهم وأشار أبو علي أن نذهب في رحلة استراحة إلى الإتحاد السوفيتي وكانت الرحلة الأولى إلى خارج الوطن .











    في الإتحاد السوفيتي
    وصلنا إلى مطار موسكو في صيف 1971م وكان باستقبالنا عضوا في المكتب السياسي في الحزب الشيوعي السوفيتي و/ الأخ أبو خلدون جميل شيا وزوجته الفاضلة أم خلدون / وعدد من المستقبلين و كانت معهم مترجمة اسمها / فيرا / كانت واحدة من أجمل نساء الأرض وكانت جميلة الروح أيضا ونزلنا في فندق اللجنة المركزية في موسكو لمدة خمسة عشر يوما زرنا خلالها عددا من الأطباء الذين أكدوا كلام الدكتور صايغ بالحرف وأوصوا بأن نذهب للاستراحة في القفقاز حيث الأجواء مشابهة لجو بلادنا حسب اقتراح مضيفينا .
    لقد أحببت هؤلاء الناس جدا كانوا طيبين و رائعين و غمرونا بكرمهم وكياستهم و لن أنسى ما حييت تلك الأيام التي أعادت إلي الروح بالفعل.
    كنا في جمهورية داغستان الإسلامية الروسية وكان مرافقنا حينها الشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف الذي كان ملازما رائعا لنا في منتجع جبلي خلاب وكان الحوار معه عبر المترجمة فيرا أو دون مترجم عندما يبدأ أبو علي بالتحدث الروسية التي تعلمها خلال السنة التي قضاها في موسكو عام 1967 وهنا أريد أن أشير إلى أن أيام استراحتي لم تكن خالية تماما من الدموع فلقد كانت لي وجبة يومية من البكاء شوقا لأولادي الذين تركتهم مع عمتهم أم جابر صديقة العمر الحبيبة كان أبو علي يحتج من بكاءاتي الحسينية .
    عدنا إلى دمشق وقد استعدت قوتي وارتحت بحمد الله وبعد عدة أشهر في عام 1972 وضعت طفلتي الحلوة / رولا / ولم أطلق أنا هذا الاسم على ابنتي بل تلقيت هاتفا يبارك لنا من الأخ العزيز و الكبير مصطفى طلاس الذي أشهد و أكرر كلام أبوعلي عنه (أبو فراس رجال ) و قال ما أسميت أبنتكم يا أم علي فقلت ما زلنا بعد نفكر فقال : يا أم علي نكتب قائمة بالأسماء ثم نختار وهنا أريد أن أذكر أخا عزيزا على قلبي هو الأخ أبو وائل / محمد ناصيف / الذي وقف إلى جانب أسرتي في أشد الحالات وأذكره هنا لأنه كتب نفس القائمة لاختيار اسم لطفلتي و شاءت الصدف أن اجتمع الأخوان / أبو فراس و أبو وائل / في مكتب أحدهما واتصلا / بأبو علي / ثم اتفق الثلاثة على أن نسمي الطفلة رولا !
    واتصل بي أبو فراس قائلا :
    رولا عرب قصورهم الخيام
    سمي الطفلة رولا يا أم علي وكان الاسم الجميل .
    استمرت حياتنا بمنوالها الطبيعي وبدأت أتعود قليلا بقليل مع حياتي كزوجة لرجل مسؤول في البلد ولكن ذلك الأمر لم يجعلني أتغير أو أغير أولادي حتى مع النصائح التي كانت تأتيني من بعض الأصدقاء . فقد كنت أحب جيراني في مساكن برزة كثيرا وأزورهم ويزورونني وكنت أستقبل في كل يوم صاحب حاجة أحاول مساعدته بإرساله إلى مكتب أبو علي في القيادة وذلك بأن أتصل مباشرة مع الأخ سليمان زيود – أبو بسام – و هو رجل وفي وكريم وكان مديرا لمكتب أبو علي فيقوم أبو بسام باستقبالهم وتقديم المعونة بالاتصال بأبو علي ....
    حتى أن أبو بسام قال مرة لأبو علي : والله لو سافرت شهرا في إجازة فإن أم علي ستبقينا نعمل من الناس الذين ترسلهم لكي نساعدهم .
    كنت أفرح كثيرا عندما أعرف أن فلانا ممن جاء يطلب المساعدة قد عين في مصنع السماد أو المصفاة مثلا أو رفع عنه الظلم أو حتى منعنا عنه قضية ثأر مثلاً فلقد كانت تأتيني مشكلات كهذه حتى في مرة من المرات جاءني يضرب على بابي شاب يبيع الجرائد و رجاني أن نجد له عملا و عندما علمت أنه تخرج منذ أيام من الجامعة اتصلت على الفور بأبو علي وكانت شدة فرحي كبيرة عندما علمت أن زوجي وظفه على الفور بوظيفة تناسبه وتناسب اختصاصه وعندما أتى زوجي إلى المنزل كنت أحاوره دائما متسائلة أنه كيف يمكن أن يبقى خريج جامعة دون وظيفة أو يبيع الجرائد ؟!
    لا أريد أن أذكر الحالات التي جاءتني وساعدت فيها لكي لا أمارس منة لا سمح الله وكنت ولا زلت أعرف أن هذا واجب ولكني أذكرها من بوابة طرح المشكلة آنذاك لكي يعرف القارئ أحد جوانب حقيقة حياتنا ليس إلا , فهذا الأمر كان يحصل و كان يحصل أن يأتيني من يريد مصالحة زوجته ويريد تدخلي وأحمد الله أني ما رديت واحدا عن بابي وكنت على الدوام أومن أن الله تعالى سيطرح البركة في أولادي بقدر ما أساعد هؤلاء الناس .
    لقد قال السيد الرئيس حافظ الأسد مرة في خطاب أمام مجلس الشعب عن هذه الناحية عندما تحدث عن المرآة بأنه يشكر كل امرأة تساعد زوجها في واجباته في المجتمع وأعرف من الأصدقاء أنه كان قبل أيام يناقش وتطرق لنشاطات زوجات المسؤولين في القيادة وطبيعة حياة أسر المسؤولين .
    جاء تشرين الأول 1973 وكنا على موعد مع يوم تشرين الغالي الذي صنعه شعب سورية البطل وشعب مصر البطل ولكني أريد القول هنا أن القائد الكبير حافظ الأسد قد صنع من كل سوري بطلا في هذا اليوم والأيام التالية...
    في يوم 6 / تشرين / ومن زاويتي كأم و كزوجة مسؤول أريد القول أنني كنت أشعر أن شيئا ما سيحدث لأن أبو علي كان شديد الجدية و الانشغال على نحو غير اعتيادي و لم يكن في المنزل ليومين متتاليين وكان الاتصال الهاتفي صعبا معه أيضا ...
    بدأت الحرب و تحرك الطيران وتحركت القطعة العسكرية المجاورة لبيتنا وسمعنا حديث الناطق العسكري وكنت أنا و أولادي و سلفي يحيى في المنزل – يحيى أصبح فيما بعد طبيبا مشهورا في حمص – وقال يحيى : إنها الحرب يا أم علي ...
    وتمنينا على الله أن تكون حرب التحرير هذه المرة وأن نرد أرضنا السليبة وأن نستعيد الكرامة والثقة التي هدرت في عام 1967م .
    في اليوم التالي جاءتني لجنة من فتيات الدفاع المدني وقرعوا بابي وأدخلتهم مرحبة فقالوا أن هناك جريح في مشفى المواساة يطلب أن أزوره مبتور اليد وأسمه / سمير حمدان / ولقد عرفته على الفور فهو أخ لصديق زوجي والأخ الفدائي / عيسى حمدان / من رجال الصاعقة و ذهبت على الفور إلى المشفى لأزوره وكان سمير عندها قد فقد يده وهو يحاول رفع العلم السوري على مرصد جبل الشيخ , وكنت في قمة الانفعال وأنا أحادثه وأحاول شد أزره لكنه هو الذي كان يشد أزرنا جميعا وهكذا هم أبطال تشرين وأبطال سوريا .

    كانت أيام تشرين أياما مشهودة لم أر فيها زوجي بالطبع إلا لدقائق معدودات و استمرت بعدها أيام حرب الاستنزاف و كان مشرفا سياسيا على القوات البحرية في الساحل السوري و انتهت أيام تشرين والاستنزاف بانتصار كبير كانت سوريا قد انتصرت على ذاتها أولا وكنت أشعر في حارتي أن الناس صارت تحب بعضها أكثر , كانت جدران البيوت تبتسم وتريد أن تتضامن مع رجال الجيش والترحم على الشهداء وكنت أشعر بالعزة كمواطنة سورية وأيضا كزوجة مسؤول في الدولة التي تصنع في هذه اللحظة هذا الانتصار .
    كان الأولاد السبعة يكبرون وكنت أرى المنزل المؤلف من غرفتين و/ أرض ديار / صغيرا علينا و بدأت أفكر أنه علينا الانتقال إلى منزل أوسع..
    قبل أن أتابع الحديث عن المنزل الجديد أريد إن اذكر هنا أن ولدي طارق مرض بالربو لتحسسي و تفاقم الأمر معه و كان الوضع صعبا ودخل إلى مستشفى المجتهد و كدت أفقد صوابي خوفاً عليه أنا التي فقدت
    طفلتي صنعاء قبل عدة سنوات و مرت أيام في المشفى كانت بقربي الأخت (أم أيمن) زوجة الأخ عبد الكريم بلال وقد كانت رئيسة الممرضات في المشفى و لم تتركني أبداً و بحمد الله خرج طارق ابن الثلاث سنوات من الأزمة ، اذكر هذا لكي أصور بكلامي الناس الأوفياء فأم أيمن و هي ابنة الشاعر و الأديب المعروف حامد حسن (رحمه الله) كانت أختا بكل معنى الكلمة أشكرها من كل قلبي .
    كان لنا صديق من أحد معارف أبو علي يعمل في مجال البناء وبعد حوار مع أبو علي الذي كان معارضا للانتقال وإصراري محاولة إقناعه تقدمنا بطلب قرض من المكتب المالي في القيادة القطرية وبطلب آخر من المصرف العقاري ودفعنا مبلغ أربعين ألف ليرة سورية مبلغا لشقة / غير مكسية / في منطقة المزه وكان قرض القيادة للكساء .
    وكان الأخ / أبو عصام / مدير الكتب المالي في القيادة محترما ووجب علي هنا أ، أذكره بكل الود .
    وبالإضافة إلى هذين القرضين بعت / الذهب / الذي كان لدي وهكذا توفر أساس المبلغ وبدأنا الإكساء بالتدريج وجهز البيت في صيف 1974م وانتقلنا إلى المزه .
    أذكر هذا لأن واحدة من أحلى لحظات حياتنا هي قدوم السيد الرئيس حافظ الأسد إلى بيتنا للمباركة وذلك على ما أذكر في تموز 1974 بعد المؤتمر السادس القطري.
    جاء أبو علي من العمل وقال لي السيد الرئيس سيأتي للعشاء عندنا بعد يومين ومعه القيادتين القومية والقطرية وفرحت فرحا شديدا ولكني لم أنم ليلتها وبدأت أفكر بالموضوع ليس من باب الفرحة فقط بل من باب المشكلة ؟! فلقد كانت كراسي غرفة الضيوف لا تكفي وطاولة الطعام عليها اثنا عشر كرسيا فقط... فما العمل ؟!
    وبدأت أفكر وقال أبو علي: لا أعلم ماذا ستفعلين... هذا ما عندي !! واللي بدو يوقف... يوقف – يعني يأكل على الواقف -!
    أما أنا فتحرك تفكيري وذهبت إلى الأخ / تحسين بعلبكي / وهو صديق لزوجي وشرحت له مشكلتي فقال :
    - أم علي لدي طقم كامل مؤلف من / 34 / قطعة من الكنبات إلى المفروشات إلى طاولة السفرة ولقد أتيت به من مصر منذ أيام وهو في بيتي فقلت له :
    -أتعيرني إياه يوما واحدا ً
    فوافق الرجل بكل الرحب والسعة
    فكان الأمر وجاء من عنده عمال فرشوا بيتنا بمفروشات بيته كاملة وصار بإمكاني هكذا أن أستقبل السيد رئيس الجمهورية والرفاق في القيادة .. على أن لا يبقى أحدهم واقفا !!
    أعددت طعاما منزليا واستجلبت طعاما أيضا من عند الأخ / فتحي كلش / وفي ذلك اليوم أنقطع شارع / الأكثم بن صيفي / الذي كنا نسكن فيه واتخذ عدد من رجال أمن الرئاسة مواقعهم فوق أسطحة المنازل ودخلت لأغسل يدي في الحمام وارتعبت من قرع الشباك مع تهذيبه الشديد ,كان القرع على الشباك يريد صاحبه أن يقول :
    - نحن هنا ...!
    في التاسعة مساءً وصل ضيوفنا ودخلت مسلمة مرحبة مع أطفالي وكنت برفقة / رولا و فوز / أولاً وكان الصبيان ينتظرون فأطلق / أبو إياد / وهو صاحب النكتة الدائم إحدى تقريعا ته :
    - شو أم علي لأنو بناتك حلوين جبتيهون بالأول وين الصبيان ؟!
    وضحك الجميع ودخل الصبيان مسلمين وصافحهم السيد الرئيس مقبلا إياهم واحداً واحداً... وبالفعل كانت واحدة من أحلى لحظات حياتي لم يكن الرجل الماثل أمامي وهو رجل قائد البلد والأمة إلا رجلا حنونا وطيبا وكريم المحيا وشعرت بأنني في قمة سعادتي .وأثناء العشاء وكنت قد حضرت نفسي لقول بعض الجمل منها : حللت أهلاً ووطئت سهلاً ومن هذا القبيل , ارتبط لساني تماما عندما التفت إلي قائلا : شكرا جزيلا أم علي فخرجت مني بالكاد : أهلا وسهلا .
    هنا أذكر أن ولدي قحطان عندما دخل مسلماً اتجه فورا صوب الرئيس الذي يجلس في المنتصف من المدعويين فبادره (أبو دريد)
    قائلاً: عمو السلام بيبلش من اليمين .. فرد قحطان : ل أبدي سلم
    ع الرئيس .. أنت مو رئيس ! فضحك الجميع بقوة !
    كان الفنان الكبير الأردني / عبده موسى / حاضرا في البيت فلقد كان الرئيس الأسد يحبه و اتصل به / أبو علي / واستدعاه ليغني عندنا في هذه الليلة وغنى عبدو موسى :
    ريت المنايا يا اللي بتجي يا سلامه
    وتحوم ع الأنذال دار بدار
    ويطول عمرك يا حفيظ السلامة
    وتدوم يا عز الأهل والجار
    وبكيت عندما سمعت هذا وما قدرت منع فرحي من البكاء ....
    و غنى / عبدو موسى / من أجلي
    من أحلى ما لديه
    ونزلن على الحمام حنن شعرهن يا عنيد يا يابا
    كل البنات نجوم وأم علي قمرهن .....يا عنيد يا يابا
    وغيرها وغيرها من أغانيه الجميلة .
    حتى الرابعة صباحا كان الحي يسمع ضحكات ضيوفي الكرام و صوت عبدو موسى الشجي وكان سيد النكتة / أبو إياد / محمد حيدر وهذا كان حاله ظريفا و شديد الذكاء و نكاته لا توفر أحداً .
    في اليوم التالي رن جرس الهاتف وجاءني صوت الأخ / أبو سليم / مدير مكتب السيد الرئيس قائلا :
    - مرحباً ست أم علي
    - أهلا وسهلا
    - السيد الرئيس يريد أن يشكرك
    - أهلا وسهلا
    وجاءني صوت السيد الرئيس
    - مساء الخير
    - أهلا وسهلا
    - كانت جلسة لطيفة وأشكرك
    وهنا أخرجت كل الذي لم أستطيع قوله وجها لوجه وقمت بالترحيب به بكل الكلام الذي ساعدتني ذاكرتي عليه وشعوري تجاه قائد البلد و بطل حرب تشرين الذي شرفنا بزيارته.
    في اليوم التالي اتصلت بالأخ تحسين وأعدت إليه مفروشات منزله شاكرة إياه جزيلا فلقد / سترنا / أمام الضيوف.
    في عام 1975 وعندما كان أبو علي مشغولا إلى الرأس بعمله ومكلفا بمهام إضافية عدا عن رئاسة مكتب العمال القطري بالإشراف على بناء وإقلاع عدد من المصانع في البلد وبرئاسة لجنة إعمار مزارع الدولة لبناء قرى الغمر في الجزيرة وكان عمله يقتضي التنقل الدائم بدأ القلق يعود مرة أخرى مع بداية أحداث لبنان وبداية عمليات الاغتيالات من قبل الأخوان المسلمين وكان زوجي يتلقى تهديدات وكان أسمه في قوائم تم اكتشافها في أوكار الإخوان على رأس من يتوجب اغتيالهم .
    وزادت القيادة الحراس على باب بيتنا إلى ما يقرب من عشرين رجلا يتناوبون على مدى ال 24 ساعة ولم تعد الحياة بسيطة وهادئة ودخلت في جو يتنافى مع طبيعتي الإنسانية وهي أني أحب الناس كل الناس وأحب البساطة والإنسانية في التعامل بين البشر ولا أحب إيصاد بابي لأي أحد .... لكن دخول الناس بسهولة إلى مضافة منزلنا صار صعبا دون أن أعلم من الطارق بسبب الوضع الأمني ... كل هذا كان يقلقني ولا يعطيني تلك الميزة التي كانت تفرحني وهي رغبتي الجامحة بمساعدة الطارق على الباب .
    حتى أن إشكالا حدث مرة مع جارنا الأستاذ / عدنان السواس / وهو مهندس حلبي محترم وزوجته روسية –رحمها الله- وكان الحرس جديدا لا يعرفه وخرجت إلى الشرفة وصحت على الحارس أنه كيف يمنع / أبو عمار / من صف سيارته قرب البناء وهو الجار وأوصيت لجميع الحرس أن يراعوا الجيران كلهم ويعاملونهم أطيب معاملة .
    في هذا العام هرب أهلنا في لبنان إلى سورية وكان منهم شعراء وفنانون وعلماء حتى الفنان الكبير / فيلمون وهبي / سكن في فندق الفاندوم ولم يكن لديه قرشا في جيبه ليدفع للفندق فعلم أبو علي بالأمر عن طريق الأخ سليمان نصر الدين وقام بالواجب ودفع الفاتورة من ميزانية مكتبه واتصل بالسيد الرئيس شارحا له الوضع فأثنى الرئيس على ذلك وطلب إليه أن يستمر وأن يرعى كل الفنانين اللبنانيين الذين يطلبون المساعدة والحماية ... وهنا أرسل زوجي إلى الرحابنة والسيدة فيروز رسائل تضامن ومحبة وقال لهم أن لهم بيوت أخوة في سورية تنتظرهم حين يرون أنهم في حال الخطر أو حين يريدون زيارة الشام .
    وبدأ الأحباب الرحابنة يزوروننا ونزورهم وصاروا أهلا وأصحابا .
    / بو عميد / أو / أبو عماد / والأولى باللفظ اللبناني هو فلمون –رحم الله ترابه- فلمون / يغني اسوارة العروس مشغولة بالدهب / فلمون يغني أنا خوفي من عتم الليل والليل حرامي
    فلمون ... هو فلمون الكبير .
    في أول زيارة ل / بو عميد / إلى بيتنا حكى لنا عن ظروف الحرب اللئيمة و عن قسوتها وعما حدث له حيث توقف الفن والمسرح الذي كان يعمل فيه ويأكل خبزه منه ..
    وروى حادثة تروى وأتمنى أن تسعفني ذاكرتي لعدم إنقاص حرف منها وهي أنه تلقى نصيحة أبان الحرب أن يذهب إلى السعودية ليمدح أحد الأمراء الكبار ليحصل على مال يسمح له بإكمال حياته دون عوز وبالفعل ذهب إلى جدة وهناك في أحد القصور جعلوه ينتظر ساعة ويزيد حتى دخل عليه سموه وسأله :
    - وش تشتغل أنت ؟
    - أنا شاعر يا مولانا
    - شاعر !؟ ونادى على حراسه صائحا
    - اندهوا ل فليحان ابن فعيلان
    ودخل بعد دقائق رجل في الثمانين من عمره وقد تبقت في فمه بعض الأسنان للذكرى فقط وأمره الأمير صائحاً
    - قل ... قل يا شاعر (بلهجته البدوية)
    وبدأ أخونا يزبد ويرعد وقال ومال وهاج وماج أكثر من عشر دقائق ولم أفهم عبارة واحدة مما قال ... ثم التفت سمو الأمير قائلا:
    - رد عليه ... رد عليه
    وهنا لم أدر ما أفعل وأنا لم أفهم كلمة مما قال فجاءني وحي الشعر قائلا :
    حلوي سايقة بنجمي
    ونجمة تحوم عا نجمة
    ومنكل هالحكي اللي حضرتك قلتو
    (....) أم اللي فهم كلمة
    وانفجرنا ضاحكين بقوة من حضرة هذا الفنان الكبير وكان الضحك يلفه حزن دفين على حال وصل إليها عباقرة و فنانون بهذا القدر و
    ملوك الحرب و الفساد يعشعشون في كل مكان
    رددنا الزيارة ل / بو عميد / / أبو عماد / في البيت الذي خصصته له الدولة في دمشق وكانت جلسة رائعة ذقنا فيها طعام السيدة الكريمة / أم عماد / ثم غنت أم عماد بصوت شجي وقال أبو علي لفلمون :
    - أم علي صوتها حلو وتغني غناء جميلا ( كان والدي قوالاً ) وأمسك أبو عماد بعوده وعزف أنا خوفي من عتم الليل وغنيت معه
    - أنا خوفي من عتم الليل
    والليل حرامي
    يا حبيبي تعا قبل الليل
    وعيني لا تنامي
    كانت ردة فعل فلمون : يا بيي ي ي ي ي
    غنيتها من كل قلبي وكانت عيوني و قلبي تشاهدان حبيب العمر ( عبد الله ) وهي خائفة من أن يأخذه شيء ما مني ولم أكن أعرف هذا الشيء ولكن المستقبل سوف يصدق لي مخاوفي .
    في هذه الأيام كان يحدث تنقلات بين حرس القيادة و اتخذ قرار بتبديل كامل للحرس عندنا و كان حرس البيت قد صاروا مثل إخوة لنا فهذه طبيعتي التي افتخر بها و كنت أزور منهم من تلد زوجته في البيت مثلاً و كانوا يشكون لي همهم و مشاكلهم فكلهم كانوا مكافحين في الحياة و بالكاد تكفيهم مرتباتهم و كان أولادي يعتبرونهم اخوة لهم . المهم أصدر قرار بنقلهم و تبديلهم ذات صباح و رأيت هرجاً على باب البيت و عندما فتحت الباب كان (فيصل) و هو أحد الشباب يبكي في الباب قائلاً:
    - خالتي أم علي بدهن ينقلونا من عندكم !
    - كيف
    - جاء أمر و يجب أن نغادر اليوم
    و لم أعرف ما أقول له فلقد أربكني الموضوع و لم اقل له إلا ما يطيب خواطر الجميع حيث دعوتهم و تحدثت إليهم و تغدوا مع الأولاد..
    المهم أن الحرس عندنا لم ينفذ الأمر و طلب بالفعل أن يذهبوا إلى السجن على أن يتركوا مهمتهم عندنا مقابل الخدمة في مكان آخر.
    أقول ذلك بعد مرور كل هذه السنين بفخر و لكي أتوجه شاكرة لكل واحد منهم أينما كان و أنا التي أسمع من حين لآخر أو يزورنا بعضهم ليطمئن و منهم الأخ الكريم (أبو علي منزل ) و زوجته .

    زارنا الجميع عاصي ومنصور وزارنا محاميهم ومدير أعمالهم في سورية الرجل الذي أصبح صديقا مقربا للعائلة بل ومحامي الشخصي الأستاذ نجاة قصاب حسن هذا الرجل ذو المكانة الاجتماعية المرموقة سيلعب دورا مهما في حياتنا المستقبلية وكنت ولا زلت أكن له مشاعر ود وأخوة – رحمه الله –
    لابد هنا من أن أذكر و بسبب أن أصول عائلة زوجي تعود الى الريف الحموي و ليسوا من حمص أصلاً بل أتوا اليها مهاجرين بسبب ظلم الاقطاع مثل أغلب أسر الفلاحين ، و هم من قرية قرب بلدة مصياف تدعى (سيغاتا) و بقربها توجد غابة من الشجر و هي منطقة جبلية جميلة ، زاد من أهميتها أنها خرجت رجلاً عظيماً في تاريخ نضال السوريين ضد الاحتلال الفرنسي هو (بوعلي شاهين) و هو رجل قل مثيله في الشجاعة و التحدي و القوة الجسدية حيث تروى عنه حتى الان روايات تشبه الاساطير و لكنها ليست دون أساس بل لقد كان الرجل ثائراً حقيقياً (على طريقته) ضد الفقر و الظلم بكل أشكاله حتى أنه مرغ أنوف العسكر الفرنسي في الوحل و قتل عدداً منهم و صار مطلوباً و محكوماً بالاعدام غيابياً و لم يقبض عليه الا غدراً و بعد خيانة .
    المهم أنه و بعد مرور كل هذا الزمن و عندما أصبح عبدالله في قيادة الحزب قام بواجبه تجاه أبناء هذا البطل الذي لم يأخذ حقه المعنوي كمناضل ضد الاضطهاد و الاحتلال ووظف ولده في مصنع السماد الازوتي الذي أشرف على اقلاعه في حمص حيث لايفوتني القول أن صلة قرابة تجمع بين بوعلي شاهين و عبدالله الاحمد و لاغرابة في ان يكون كلاً منهما (بوعلي) .
    حيث زارنا ابن بوعلي شاهين بعد حيازته البكالوريا مع والدته و طلب من زوجي ان يجد له عملاً و هذا اقل ما يمكن تقديمه لاسرة هذا المناضل .

    في هذا الوقت تقريباً قدمت المؤسسة العامة للسينما فيلماً عن بوعلي شاهين باسم (الفهد) من بطولة أديب قدورة و اغراء و تخللت الفيلم مشاهد احتج عليها أهل بوعلي شاهين حيث كانت اغراء الممثلة – وهي ممثلة جيدة- تقوم على الدوام في افلامها باغراء المشاهد . جاءتني زوجة بوعلي شاهين محتجة على الفيلم و قد نقلت احتجاجها هذا لزوجي و اظن انها رفعت دعوى قضائية لهذا السبب .
    في يوم من أيام تلك الحقبة الزمنية اتصل بي الأخ الكريم ( أبو وائل ) محمد ناصيف مسلما ثم قال : أم علي , الإمام موسى الصدر يريد أن يأكل من طبخ بيتك ...
    وقلت له: يا مرحبا وهذا شرف لي ولبيتي بل وليدي التي ستطعم رجلا بهذه الكرامة.
    وجاء الإمام موسى الصدر في اليوم التالي إلى بيتنا ومعه رفيقه الذي اختفى معه فيما بعد وكان في الحضرة رجال كرام منهم ( أبو وائل ) وآخرون وكنت حينها أود أن أدخل مسلمة عليه وقلت لأبي علي :
    هل لي أن أغطي رأسي فسمع الإمام حوارنا فصاح :
    - يا بو علي أم علي أختي ولتدخل كما تحب .... ومددت يدي مسلمة من اليمين فلم يسلم رفيقه أما هو فهجم قائلا : أم علي أختنا
    ودخلت وسلمت عليه وكنت أرى النور في وجهه الكريم وأقسم بالله العظيم أنني كنت أشعر أنني في حضرة نورانية ولم أكن أعلم لا أنا ولا أحد غيري أن هذا الرجل سيسافر بعدها إلى ليبيا لكي يختفي إلى غير رجعة وحدث ذلك بعد مدة من زيارته وهو الذي كرر مرارا ,
    - أم علي كلما أتيت إلى الشام سأتغدا عندك .... وغاب الإمام موسى ولم يعد . –فرج الله غربته – ورحمه
    في نفس الفترة تواصلنا مع الأستاذ الكبير نزار قباني أيضا فلقد دعاه أبو علي إلى منزلنا أكثر من مرة وكانت صداقتهما عميقة ترسخت بعد أن قدم الشاعر الكبير لرواية ( أبو علي ) : عندما يتوهج الحلم واتصل مرة قباني إلى البيت يسأل عن ( أبو علي ) فحاورته وكلي سعادة وقلت له :
    - أحب شعرك أستاذنا الغالي ليس فقط لأنه فن جميل بل لأنه رسالة تدافع عن المرأة وتحاول رفع الظلم الواقع عليها في مجتمعنا لأننا مجتمع يعطي كل شي للرجل ويلوم المرأة حتى على أبسط شعور قد يخالج قلبها .... ودعاه زوجي إلى الغذاء فرفض قائلا :
    - لا أريد أن أرى أم علي وقد تعذبت من (الطبخ) اعزمني إلى المطعم ثم نشرب القهوة عندك , أنا أعرف كم تعذبونها وغيرها في مطابخنا , أريد أن أرى الست أم علي مرتاحة وصوتها الملائكي على الهاتف يدعونني لكي أتعرف على هذا الكائن .
    جاء الشاعر الكبير إلى بيتنا ودار الحوار عن كل شيء فقال
    أن زوجته ( بلقيس ) رحمها الله كانت ترد على المعجبات بنفسها وتناديه لكي يتكلم معهن لا بل كانت أحيانا تكتب على ورقة صغيرة ساعة موعد تقترحه إحداهن ومكانه ...
    وسألته :
    - هل تؤمن بكل ما تكتبه ؟
    أجاب
    - أنظري ( أم علي ) الحقيقة غير ذلك
    لقد خطبت ابنتي وخرجت عدة مرات مع خطيبها فناديته قائلا
    -تعال ( ولاه ) واكتب كتابها حتى لا نتزاعل !
    هنا قلت ( لأبو علي ) ضاحكةً:
    ممكن حضرتك تطلع شوي بلكي الأستاذ نزار بيكتب فيني شي قصيدة ومستحي منك ؟ وضحكنا جميعا !
    سألني نزار ماذا أحب من شعره
    فقلت :
    عيناك كنهري أحزاني
    و أني خيرتك فاختاري
    كان لقاءً رائعا مع هذه القامة الشعرية الكبيرة لن أنساه ما حييت وكنت ولا زلت اعتبر البشر الذين لا يحبون الشعر يغادرون بشريتهم إلى شيء آخر .






    مرحلة الألم :
    في نفس الفترة الذي كان لبنان يعيش حربا دامية بين الأفرقاء المختلفين بدأت الاغتيالات في سورية وكان أول اغتيال قرب منزلنا هو اغتيال الشهيد ( عبد الكريم رزوق ) الذي كان منزله قرب منزلنا في الشارع المجاور وكان أولادي مع أولاده في صف واحد في المدرسة وتكررت الاغتيالات ( محمد الفاضل ) و ( إبراهيم نعامة ) و ( محمود شحادة خليل ) و ( نايف وزيد شريطي) في مرحلة لاحقة، وغيرهم من عشرات الرجال الأفاضل من محامين وأطباء وضباط وفي هذه الأيام القيت قنبلة على شرفة منزلنا وكنا بحمد الله خارج المنزل وكان ولدي ( علي ) قد غادر إلى موسكو لمتابعة تحصيله العلمي وصار ( محمد ) لا يترك من يده الرشاش البولوني الصغير ويحمله معه كلما أخذ أخوته في أي مكان أو خرج معي وكنت أتألم كثيرا من هذا المشهد فهو شاب يافع لا يزال في الإعدادية ومع ذلك فقد كانت عيناه ترقب المحيط بحذر و تتحفز للحظة تريد فيها الدفاع عمن تحب .
    كانت المنشورات التي يكتبها حزب الأخوان المسلمين تصلنا بالطبع وكنا نقرأ فيها حقدا فظيعا لا نرى له أي مبرر إلا المرض
    أو التكفير ونحن الذي عشنا وتربينا على عبادة الله العلي القدير وكنا نعلم أولادنا مثلما تعلمنا أن ( الدين هو المعاملة ) وأن من يخالف حدود الله ليس منا .
    فكيف يدعي هؤلاء أنهم مع الله ويقتلون أبطال تشرين وأطباء سورية وعلماءها وكيف يستهدفون من لا ينام وهو يجري لكي يبني بلده... لقد كان أبو علي لا ينام في البيت إلا قليلا وكان أولادي يقولون لي صراحة : نتمنى أن نرى بابا يشبه ذلك الأب المرسوم في كتاب الصف الأول يحمل عدة أكياس من الطعام ويدخل إلى المنزل كانت حاجات البيت مقضية والحمد لله فهناك من يحضر الخبز والخضار هذا صحيح ولكن ( الوالد ) لم يكن في البيت . لقد حُمِلَ أبو علي على حسب المثل الدارج عدة بطيخات وكانت الأسرة واحدة من هذه البطيخات وكان عليه أن يوقع بطيخة واحدة منها ...فهل كنا نحن هذه البطيخة ؟
    في عام 1979 وبعد مضي عدة أعوام على منوال واحد من الحياة وكان الأولاد يكبرون دعينا إلى عرس ابنة السيد رفعت الأسد وكان في استقبالنا المرحوم الفارس باسل الأسد من على الباب وعندما دخلنا قبلني ولدي باسل حين الاستقبال فصاحت ( أم إياد ) :
    - والله يا أم علي لك حظوة ؟!
    حيث أذكر هنا أنني كنت أعرف المرحوم باسل عندما كنت أزور صديقتي الحبيبة (أم هايكو) في بلودان وكان باسل يقطن بلودان من وقت لآخر ..
    جلسنا مجموعة من السيدات في جمعة واحدة وكانت السيدة الأولى – أم باسل – أمد الله بعمرها بيننا وسلمنا على بعض وما إن جلسنا حتى بادرت زوجة يوسف الأسعد بالقول بصوت عال موجهة الكلام للسيدة الأولى:
    - انظري أم علي ما أحلاها ... ومع ذلك فزوجها تزوج عليها ... أجابتها السيدة الأولى
    - ( عنا منو كتير هادا )
    وكان مساءً صعبا علي بالكاد تحملته ومنذ تلك الليلة تغيرت حياتي..
    وهنا لا أريد حول هذا الموضوع أن أذكر أي شيء إلا للذكرى وأقول رحمك الله يا أبو علي ومثلما سامحتك في حياتك أسامحك الآن وأنت في جوار ربك..
    جاءت نهاية 1980 وجاء مؤتمر الحزب السابع ليحمل معه تغيرات كبيرة في البلد خرج فيها زوجي من القيادة وكنا قبل ذلك بسنتين قد ابتعنا أرضا صغيرة ( ستة دونموات )في قرب حمص منطقة – مسكنة – وكان أبو علي قد شرع في بناء غرفتين في هذه الأرض تحدث عنها بعض المغرضين بأنها قصر يشبه قصر شاه إيران وكان القصد تلويث سمعتنا بالطبع وكان أن زار الأرض العماد أول مصطفى طلاس ( أبو فراس ) و عبدالله الاحمر (أبوجهاد) وتحدث طلاس في اجتماع القيادة القطرية أمام الرئيس قائلاً للسيد الرئيس :
    - والله يا سيادة الرئيس أن الحديث عن أرض أبو علي وأنها تصلح مهبط للطائرات مضحك ولقد رأيتها ووجدت أنها تصلح محرمة يطويها و ( يحطها بجيبتو ) واللي مو مصدق يتفضل ويروح يزورها
    و ضحك الجميع لتلميح أبو فراس .

    صار لزاما على أبو علي أن يجد عملا ما يعود عليه بالمال و الأولاد يكبرون و لم يكن يرغب ببقائنا في دمشق ربما لأنه يرى أن العودة إلى حمص تبعد الأولاد عن ممارسات كان بعض أبناء المسؤولين يمارسونها و يكرهها هو كثيرا . وكان أبو علي رجلا لديه فكر صناعي عدا عن فكره السياسي وارتأى أن يبني مصنعا للبلاستيك في هذه الأرض ولكن عازه رأس المال ولم يكن لدينا سوى منزلنا في المزة وهو حيلتنا من مال الدنيا ..
    فتح (أبو علي ) معي فكرة بيع المنزل في المزة من أجل تأسيس المصنع في حمص ووعدني بشراء شقة بحمص بنفس الوقت وبعد مدة من محاولات الإقناع الماراتونية قبلت على بيع البيت وكأن قلبي يقلع من مكانه ...
    لقد كان بيت المزة مكان الذكريات الحلوة و المرة وبالإضافة لذلك كانت الفكرة كلها تقتضي أن نعود إلى حمص عودة نهائية ونترك وراءنا عشرين عاما من العيش في دمشق لم يكبر فيها أولادي فقط بل حتى أنا نفسي ترعرعت فيها لأني جئت دمشق في السادسة عشر أما لطفلي الأول (علي) .
    بعنا المنزل سريعاً نسبياً و بسعر قليل هو ثمانمائة ألف ليرة سورية وغادرنا إلى حمص حيث كان العمل في بناء المصنع في أولياته وكان علي أن أعيش حياة جديدة , الى حد ما ً .
    أذكر هنا أن (أبو علي) بقي واحدا من رجال الفكر في البلد ورجال الرأي ولقد أرسل له السيد الرئيس غير مرة رسائل وفاء و محبة و سماه رئيساً لتحرير مجلة المناضل الحزبية ومهمات أخرى لست بصدد ذكرها إلا أنها كانت دليلا على مقدار الثقة و الاحترام .
    بالنسبة لي صارت قضية حياتي الأولى أولادي لأنهم كبروا وصار لزاما علي التفكير في المستقبل وكانت كل الأمور تهون وتصغر مقابل لمحة حزن في وجه علي أو مجمد أو سلمان أو فوز أو قحطان أو رولا هؤلاء هم أهلي وناسي ولهم كرست الباقي من حياتي برغم أني لم أتجاوز عندها الخامسة والثلاثين من العمر ...و الآن أحمد الله فهم جميعاً تخرجوا من الجامعات و سمعتهم طيبة و الناس تحبهم و هذا من كنت أرجوه .
    لكني مرة و اصدق القارئ قرأت عنوانا لكتاب/ الفرح ليس مهنتي / لمحمد الماغوط وصار العنوان يعن علي على الدوام وبرغم من أنني من النوع الذي ينسى بسرعة إلا أنني صرت أستمد الفرح في الحقيقة من ضحكات أولادي وسعادتهم لا بل وصارت محبتي دون حدود لكل أولاد الناس وأطفالهم حتى أنني صرت أضم إلى صدري أولاد زوجي من / امرأته الثانية / كأولادي وأنا اليوم أحبهم كأولادي تماما . وأتمنى لهم أن يصبحوا بأعلى المراتب وهم خالد وحسان و تمرة .











    الدين (المعاملة):
    تقصدت أن أفرد صفحات خاصة للحديث عن الإيمان و العبادة في ذكرياتي و أنا التي تربيت منذ صغري على حب الله سبحانه و تعالى و علمت أولادي هذا الحب على أساس أن الدين هو المعاملة بين الناس و ليس التظاهر بأي شيء و ترك الفطرة الإنسانية الصحيحة في نزوع الإنسان نحو الخير و التعايش مع بني البشر بصرف النظر عن انتمائهم الديني . هنا أود القول أنني كنت و لازلت و أولادي نشعر أن المنادي للصلاة في المسجد و الكنيسة هما شيء واحد فقلبي يشعر بالغبطة و الفرح من صوت المنادي للصلاة و ناقوس الكنيسة معاً و كم أتمنى أن يناديا دائماً معاًُ.
    أذكر أنه تسنى لي مرة في مكتب أبوعلي في القيادة القطرية أن أحاور الشيخ الجليل المرحوم عبدالستار السيد وزير الأوقاف الأسبق في شؤون الحياة و الدين فرأيت فيه عقلاً لايعرف التعصب و يدعو إلى سبيل الله بالحكمة و الموعظة الحسنة تماماً مثلما يأمر القرآن الكريم . كان الرجل متفتحاً يفهم الحياة و يفهم و يؤمن بدور المرأة في الحياة و بأن ظلماً وقع عليها بسبب الفهم الخاطئ للدين من بعض المتعصبين و هذا الأمر أشعرني كإنسانة و مواطنة سورية بالفرح الكبير أن هناك من المتنورين من رجال الدين في بلدي الكثيرين و سوف يكون هؤلاء السوريون منارة وحدة وطنية ابتعاد عن التعصب و أتذكر قوله أمامي ذاكراً الحديث النبوي الشريف :
    (الصلاة عادة و الصيام جلادة و انما الدين المعاملة )
    و اليوم من هؤلاء الشيخ الجليل المنفتح الذهن أحمد حسون مفتي سورية الآن الذي رآه شعبنا كله و غبطة البطريرك اغناطيوس الرابع هزيم كل يطعم الآخر في شهر رمضان الكريم لكي يقولوا لنا أن الله محبة و ليس عداء و كراهية .
    اذكر أيضا الشيخ و الجار الكريم أحمد راجح الذي جاورنا و عائلته الكريمة في مساكن برزة و كانت فيما بيننا زيارات تعرفت خلالها على زوجته الفاضلة و هي من أشقائنا المصريين و كنت ولا أزال أرى فيه رجلاً كريماً متفتح الذهن و خال من أية عصبية و تعصب و مثل هؤلاء يجعل الإسلام جميلاً و يعطون المثل للآخرين .
    كانت عاطفتي ولازالت مثلما تربيت على حب آل النبي (ص) فنحن حسينيون نحب علي (ع) و كل ما يمت إلى علي و هذا أمرنا و أنا أذهب مرة في كل عام إلى مقام سيدنا زين العابدين (ع) لكي أصلي هناك و أعطي لروحي حقها في المناجاة و لقد صار خادم المقام يعرفني و يعرف أنني أذهب إلى المقام كل سنة مع أحد من أولادي أو الأقارب في أحد الأعياد .
    بفرح و بكل عزة أريد أن أذكر و أنا أكتب الآن بعد أيام من استشهاد الحاج رضوان (عماد مغنية) أن الشهيد عباس الموسوي قدس الله سره و الشهيد مغنية هذا القائد الكبير قد شرفا بيتنا و عدد من رجال المقاومة
    من حزب الله . أكتب لأقول أنني أقف عاجزة عن وصف هؤلاء الناس
    و لن تستطيع كلماتي إعطائهم أي حق و أنا التي بكيت بكربلائية و أنا أشاهد جهاد عماد مغنية يعاهد القائد سماحة السيد حسن نصرالله بمتابعة
    الدرب على نهج الشهيد .



    أريد أن أنصح:
    أيها الجيل الجديد :
    أتوجه إليكم بمودة لأنكم أولادي و بناتي و أولاد بلدي لأقول أن ليس كل ما ينتجه الاجنبي هو خير ! نحن لدينا الكثير مما يحتاج لعمل و جهد
    لكي نتطور لكن لا تظنوا أن ثقافة الأجنبي هي الحل . تمسكوا بالقيم المحترمة عندنا و لن أذكرها فالعقل السليم يعرفها و لا تظنوا أن من يتشبه بالأجنبي (سلوكاً ) سوف يعيش سعيداً .
    إن في فنهم أشياء جميلة و رائعة و لكن هناك الكثير من السيئ في ما يطرحه من نمط تفكير و حياة.. نحن نخاف عليكم فانتبهوا و نحن لا نطلب أن تتعصبوا لشيء بل أن تعقلوا أي شيء و تدركوا أن الحياة عطاء و موقف و ليست استهلاكاً .










    شخصيات
    / غوليزار أوكوموشيان /أم هايكو
    لا يمكن أن أكتب هذه الصفحات عن حياتي دون أن أذكر السيدة ( أم هايكو ) رحمها الله وهي من أخوتنا الأرمن ولقد تعرفت على أم هايكو عن طريق السيدة الفاضلة ( أم أحمد ) وهي سيدة مصرية كريمة كان زوجها كبير خبراء مصنع السماد الآزوتي الذي قام زوجي بالأشراف على إقلاعه بتكليف من السيد الرئيس .
    عرفت ( أم هايكو ) في عام 1975 وكان زوجها صاحب مصنع للمفروشات في باب شرقي واقتربنا من هذه العائلة التي أحببناها وصرنا نزورهم في بلودان حيث كانوا يملكون بيتا صيفيا . توطدت علاقتي بهذه الأم والسيدة الكريمة لأنها كانت شديدة الطيبة والحب لنا . كانت عندنا تضم أولادي مثل أم لهم وكنت أرى ذلك وأحبه حبا شديدا... وقفت أم هايكو إلى جانبي في موقف لن أنساه ما حييت وحمتني وضمتني وها لكم الحكاية :
    كانت غرفة الجلوس في بيتي فيها عدة كراسي قديمة وذات عجلات وكان أولادي بدلا من الجلوس على الكراسي يركبونها ويدفعون أنفسهم بها ( لعبا ) فتصبح فوضى في البيت وكنت أناقش أبو علي محتجة أن علينا تغيرها وشراء طقم آخر / مثل الخلق / وكان يرفض بشدة ويعلق دون وجه حق –رحمه الله- بأني أحب الشراء كثيرا ثم قام بربطها بسيخ ليجمعها مع بعضها وكان منظراً فظيعاً ...
    وكنت قد جمعت ألفي ليرة من الراتب الذي كان يعطيني إياه و ذهبت إلى محلات ( ديباج ) وابتعت طقم جلوس منزلي وكان ثمنه حينها / ثلاثة ألاف ليرة / فاتصلت بمدير مكتب زوجي وطلبت سلفه ألف ليرة ... فذهب إلى أبو علي وقال له : أم علي طلبت ألف ليرة سلفه وجاء أبو علي إلى المنزل وشاهد الطقم الجديد المشترى حيث كنت قد دفعت الدفعة الأولى و أرسلوا إلي المفروشات وما أن رآها حتى قال لي بقسوة :
    - إذا لم تعيدي هذا فأنت طالق ..!
    كانت حركة عصبية و غير مفهومة ومؤلمة وأصابني في اليوم التالي انهيار كامل أسعفت على أثره – أسعفني الجيران وابني محمد – إلى مشفى الرازي وكنت قد أخذت بعض الأدوية وحدث اختلاط ونمت ثلاثة ليالي في المشفى .
    في هذه الليالي والأيام كانت ( أم هايكو ) الصديقة الصدوق وجه أم حنون وصارت من حينها مرفأ أمان بالنسبة لي . ستبقى ( أم هايكو ) وفية أثبتت أنها إنسان محب حتى بعد أن غادر زوجي القيادة ليس مثل عدد من الذين كانوا يلتصقون بنا من أجل المصلحة ليس إلا ....
    ( السيدة أم شادي )
    من الصديقات اللواتي لن أنسى أختي أم شادي( ابتسام دهما من الحواش ) زوجة الشاعر عيسى أيوب – رحمه الله – فهي كانت ولا زالت أخت عزيزة أحبها وأحترمها وقفت لجانبي في المواقف الصعبة وكانت نعم الصديقة .

    إحسان بيات دروبي ( أم مصباح )
    هذه السيدة الكريمة – رحمها الله – هي زوجة الأستاذ الكبير الراحل سامي دروبي و لقد تعرفت عليها منذ أن أصبحت عضوة في قيادة منظمة طلائع البعث كمربية وذلك بتوجه من السيد الرئيس وصرنا نتبادل الزيارات , أريد هنا أن أذكرها لأنها كانت أيضا صديقة صدوق , وقفت إلى جانبي في السراء و الضراء حتى آخر أيام حياتها ولا أنسى في مرة أني طلبت مساعدتها في الثالثة صباحا فأتت إلي ملثمة فأوقفها الحرس معتقدا أنها رجل فعرفت بنفسها ودخلت البيت وساعدتني وأسعفتني إلى المشفى حيث كان أولادي كلهم في حمص , هذه السيدة بقيت وفية وتعلمت منها الكثير ولازلت أشعر بقسوة القدر لأنها مرضت في القاهرة وبقيت هناك تعاني المرض حتى رحلت فلم أتمكن من رد دينها إلي .
    هنا أتمنى لولديها ( مصباح ) و ( ليلى ) ولحفيدها ( عمر ) كل الخير والنجاح .
    لقد نجحت – بحمد الله – عندما عدت إلى حمص و بعت البيت في المزة من أجل أن يستطيع أبو علي تنفيذ فكرة – مصنع في حمص – نجحت أن أحافظ على أولادي وسافر علي إلى روسيا لمتابعة التحصيل وصار فيما بعد مهندسا يحمل درجة الماجستير في الهندسة وتابع كل أخوته دراستهم في مدينة حمص ودخلوا الجامعات بلا استثناء وكانت دراستهم وتحصيلهم العلمي هدفي الأساسي في الحياة بالإضافة طبعا للحفاظ عليهم من أي خطأ قد يقع فيه أبناء الجيل الشاب خصوصا ( أولاد المسؤولين ) ممن تمتع أهلهم بنفوذ ما .
    و بحمد الله لم تظهر عن أولادي أية ظاهرة تدل على ممارسة خطأ مع الناس , بل على العكس تماما وحتى أثناء عيشنا في دمشق لم يظهر لم يحصل أن مارس أولادي أي مظهر من مظاهر الإساءة أو التعالي على الناس وفي كانت العودة إلى حارتنا والتواصل مع أهلها بكل مودة أكبر دليل على ما أقول فهم أهلنا وناسنا ولم أحرص كغيري – مثلا – على تأمين زيجات من نمط معين – القارئ يفهمني بالتأكيد –
    لأجل الحفاظ على موقع نفوذ أو سلطة بل بالعكس كان مبدأي ومبدأ زوجي هو ترك الأولاد على حريتهم وتربيتهم على الجانب الروحي والإنساني وترك المادة وعالم المصالح لأهله .
    في هذا الوقت كان ( أبو علي ) الخارج لتوه من القيادة يعمل على تأسيس مصنع في الأرض التي اشتريناها في حمص – مصنع للبلاستيك - وكان يعمل مع بعض الأصدقاء و حيث لم يستورد شيئاً من الخارج بل نفذ فكرة هو صاحب – براءة اختراع - فيها وكان بنفس الوقت يتابع نشاطه الفكري والأدبي حيث نشر رواية أدبية وتابع الكتابة في الصحف العربية ولم نشعر في البيت للحظة أنه ترك القيادة بل في وقت ما ومن كثر زوارنا – بحمد الله – كنا نشعر أنه صار يؤثر بالكلمة أكثر مما كان يفعل وهو عضو في قيادة الحزب .
    وهنا صار علي أيضا أن أعود لممارسة دوري واستمرت عجلة الحياة .

    أم علي

    وهنا أود أن أختم برسائل أوجهها إلى أحفادي الذين أحبهم و عبرهم أحب كل الطفولة و أتمنى لكل شبابنا و بناتنا أن يكونوا أمثلة في المجتمع
    و أصارح القارئ أنني أكتب أيضاً من باب الافتخار بهم و الشكر لله لأنه لم يضيع لنا تعباً و لا دعاء:
    - أكتب رسائلي للأحفاد بترتيب الاولاد :
    أولاد علي :
    رسالتي إلى (عبدالله) و هو خريج ألمانيا مختص في إدارة المصارف و هو شاب مميز بعلمه و ذكائه و حبه لسورية :
    أنت يا حبيبي (عبدالله) حفيدي الأول رعاك الله و حماك أتمنى لك السعادة في حياتك و أن ترفع رأسنا مثلما كان جدك يفعل و أنت تحمل اسمه ، وطنك يا حبيبي بحاجة إليك و إلى كل شبابه و أنا أتمنى أن تخدمه بما تعلمت و قد حققت ذاتك و ما تحب ، أعلم يا حبيبي أنك الآن تبني نفسك في ألمانيا و هذا يسعدني و فقك الله ، كن سفيراً لبلادك عند الألمان و تعال إلينا قوياً جميلاً مثلما كنت دائماً .
    رسالتي إلى (دانا) الجميلة (أم ياسمين) : حبيبتي يا أحلى ورداتي و أرقاها سعيدة أنا لسعادتك و زوجك الرائع بسام و علمت أنك تستمرين بالعلم و هذا يجعلني فخورة بك .. أتمنى يا حبيبتي أن تكوني أحسن الأمهات مثلما كنت أحلى و أحسن البنات.
    رسالتي إلى عازفة البيانو رائدة سورية الأولى (مارسيل) : كم أحب طلعتك يا مارسيل تابعي يا بنيتي و الله يحفظك و أنت ترفعين رأسنا بنجاحك في مجال الموسيقى ، بك أرى يا حلوتي نفسي من حبي للموسيقى و بك أرى كيف نعطي لسورية أسماءً لها مستقبل .
    أولاد محمد :
    إلى حفيدي (عبدالناصر ) بطل في بناء الأجسام :
    من بعيد اكتب يا حبيبي و اتمنى لك النجاح فيما تحب و لقد ملأتني فرحاً عندما قرأت اسمك تتقلد الميداليات . تابع يا حبيبي و لا تنسى وطنك سورية .
    إلى حفيدي (يوسف) الرسام الصغير :
    ثلاثة سفراء تجمع يا يوسف في معرضك الأول و لازلت في الحادية عشرة من العمر ماذا أقول غير أني أشكر الله... أقول لك أيضا لا تنسى سورية أيها المذكر بحسن سيدنا يوسف .
    أولاد سلمان :
    إلى حفيدي (كنعان) أصغر مخترع في سورية :
    آه ما أحلاك و أطيبك يا كنعان ..أنت أبو الكومبيوتر في العائلة و أصغر مخترع في سورية، رفعت رأسي و أنا أشاهدك على شاشات التلفاز تشرح اختراعك الأول.. استمر يا بني و فقك الله .
    إلى الرسامة الشاعرة (عشتار) :
    عشتار في تاريخ سورية (ربة الخصب و الجمال) و أنت ربة قلبي .. في رسمك و عزفك و ثقافتك أرى البنت التي كنت أتمنى أن أكون دائماً ، أنا فخورة بك يا عشتار .
    بنات فوز :
    إلى (جفرا ) وردة الشام الجورية :
    ماذا أقول يا جفرا الفنانة ، الممثلة ، سأقول : عندما لعبت دورك الأول (نجمة) في مسلسل (الجمل ) كنت أخاف عليك لأنك بالفعل نجمة .. هل أذكر جوائزك الفنية و موهبتك الفذة . سأقول يا حبة عيني تابعي مثابرتك و جهدك الفني و العلمي و إياك و الغرور و لا حاجة لتذكيرك بالباقي فأنت بحر جمال و حرية ووطنية.
    إلى (بابل) ذكرى مجد الأمة التليد :
    اسمك يا حبيبتي يذكرني من أي أمة عظيمة نحن و أي مهمة تنتظر جيلكم و عندما أرى الذكاء الساكن في عينيك و رسمك الرائع المعبر و نجاحك المدرسي الباهر أتفاءل ببابل القادمة.
    أولاد قحطان :
    إلى (يزن) السيف العربي:
    تذكرني يا صاحب الوجه الملائكي بالسلام عندما أراك و أرى طيبتك و هدوءك نجاحك المدرسي يغمرني بالسعادة و متابعتك لعلوم الكومبيوتر تعد بمستقبل مشرق بإذن الله.
    إلى (زين) الزين :
    عندما مثلت في (رين دي فو) و لازلت في العاشرة قال عنك فنانون كبار أنك رائع و موهوب . أقف أمام وجهك المشع بالذكاء مطمئنة لأنك تعد بالكثير وفقك الله.
    إلى (ماريا) يا مسوسحة القبطان و البحرية :
    والدك محق يا حبيبتي يا شعلة الذكاء بتسميتك ماريا و كأنك بنت الأغنية الفيروزية الرائعة.. يا ابنة الخامسة من العمر حماك الله .
    أولاد طارق :
    إلى الشاعرة (تالة) :
    تالة أنت لست فقط حفيدتي أشعر أنك بالفعل ابنتي بكل شيء و عندما قال ضيف : هاي أم علي الصغيرة .. أعرف من روحي ما يقصد .. قصيدتك الاولى يا ابنة التاسعة من العمر و أنت تسألين البحر إن كان مثلك أفهمها و أفهم الوحي الذي جاءك لكي تكوني شاعرة .. وفقك الله.
    الى (جبران) أعطني الناي و غني يا جبران :
    لو أمسك ناياً يا حبيبي و أغني لك .. يا صغيري الذي يشبه جده عبدالله
    كثيراً كم أحبك ؟ كم أتمنى على الله أن تكون مثل اسمك و من يلوم أماً ترى النور في وجوه أولادها و تتمنى الخير لكل الاولاد .. انت الان في الرابعة من العمر و تحاور أمك و أباك بالفصحى التي تعلمتها من التلفاز و بقدر ما تتندر العائلة و تضحك عندما تسمعك تقول : عمتم صباحاً بقدر ما يكبر حدسي أنك تعد بشيء عظيم .. حماك الله .
    و من أصغر بناتي الصحفية رولا أتمنى أن تأتي بيترا و هي التي تزوجت من رسام الكاريكاتير الاردني خلدون غرايبة .. خلدون الفنان الطيب الرائع .






    الخلاصة
    ربما يتساءل البعض لماذا رويت كل هذه الأحداث أو ربما لماذا تقرر امرأة مثلي أن تكتب ذكرياتها وهنا أريد أن أقول للجميع أنني أردت مجرد البوح بمكنوناتي الداخلية إلى من يستأهل وأردت أن أسجل ما فعلت طيلة حياتي كزوجة وكأم وكمواطنة من بيئة ريفية بقيت تحترم بيئتها وأصلها وتحبها . كما أنني أردت لفت عناية القارئ إلى زاوية ربما لا يستطيع البعض رؤيتها ومشاهدتها هي ان المذكرات عندنا يكتبها الساسة الكبار والمشاهير بينما يبقى عدد من الناس الكثيرين جنودا مجهولين دون وجه حق . كما أود أن أشير الى الوفاء كقيمة انسانية عليا تبقى خارج المناصب و المهمات التي يتولاها أحد بل هي صفة الناس الحقيقيين التي يجب أن نورثها للأجيال حيث نريد لقيمنا الجميلة أن تبقى كذلك ، فالبعض لم تعد قيمة الوفاء تعنيه للأسف و هذا الامر أقل ما يمكن القول فيه أنه غير صحي و لا يحافظ على قيم مجتمعنا.
    أما الحكمة الأساسية التي تعلمتها من كل حياتي فهي الأيمان والمحبة والتضحية فهي وحدها القادرة على جعلنا نكبر على كل شيء ونصنع الجمال والخير .
    أم علي
    .







    هذه امي - ام علي بحبك ماما كل عام و انتي بخير - محمد الاحمد

  • #2
    رد: ام علي امي

    تسلمي يا خالة أم علي كل عمرك حكياتك حلوات حتى ذكرياتك حلوة حسيت حالي قاعدة معك وعم نتساير متل أيام زمان بس اليوم اللي بروح ما بيرجع. الله يديمك ويحفظ صحتك ويطول بعمرك وكل عام وانت بألف خير.

    تعليق


    • #3
      رد: ام علي امي

      والدتك يا دكتور محمد مثال مشرف عن الام المكافحة التي وهبت حياتها لعائلتها وهي تفخر بهم الان, ويكفيها فخرا هذه المنارات من الابناء والاحفاد المتفوقين في كل المجالات
      ادامها الله واطال عمرها وكل عام و هي بألف خير

      تعليق


      • #4
        رد: ام علي امي

        مسيرة مشرفة
        تعبر من خلالها السيدة العظيمة أم علي عن مكنونات نفسها ببساطة وعفوية شأنها شأن أبناء ريفنا الرائع المليء بالحياة والمفعم بالصدق والبساطة والشهامة والتضحية
        والحق يقال ما تركته السيدة أم علي من سيرة عطرة وآثار كثيرة تجلت بمحبتها لمسقط راسها وأبناء قريتها وجيرانها
        ووفائها ومعاملتها الحسنة لهم
        وصونها زوجها وأبنائها في زمن صعب قاسي وأحترامها لطبيعة نضال زوجها ورفاقه وتضحيتها بكل ما تستطيع في سبيل وطنها
        وأدائها لرسالة الأمومة المقدسة بهذه الروعة ورسائل حبها لأحفادها واحدا" واحدا"
        أنما يدل هذا على قامة مرفوعة وشجرة باسقة مثمرة
        فرعها شامخ يعانق السماء
        وأصلها ثابت راسخ في الأرض الحبيبة
        أطال الله في عمرك ياأم علي وأدامك وأبنائك وأحفادك ذخرا" لبلدنا الحبيب
        وألبسك الصحة والعافية
        قيمة المرء ما يحسنه

        تعليق


        • #5
          رد: ام علي امي

          ادام الله امهاتكم و الرحمة لمن غادر منهن و الامهات الفاضلات يقهرن الشيطان

          تعليق


          • #6
            رد: ام علي امي

            الله يعطيك الصحة والعافية يا ام علي وهنيأ لك بأولادك وأحفادك
            وأنا منذ صغري أسمع من والدتي / ام حسن / عن كفاحك بالحياة وأقدر لك ذلك كثيرا وعندما تعرفت بك عن قرب رغم انني رأيتك مرة واحدة
            عبير
            :p

            تعليق


            • #7
              رد: ام علي امي

              نشكرك أخت أم علي على سرد هذه الذكريات التي أوردتيها في مذكراتك عن الأخ المرحوم عبد الله الأحمد لكن كنت أتمنى أن تكون مسهبة أكثر من ذلك و ذكر كل الأعمال والذكريات النضالية مع رفاق المرحوم الأخ أبو علي رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه ونتمنى لك ولأولادك الكرام ولأحفادك الحياة المليئة بالخير والبركة وشكرا"

              تعليق


              • #8
                رد: ام علي امي

                هل انت العم عيسى عرنوس ماغيرو ؟
                محمد الاحمد

                تعليق


                • #9
                  رد: ام علي امي

                  شكرا" على الرد عمو محمد .... نعم انا عيسى عرنوس نفسه واذا كرمت ارسل لي رقم موبايلك والهاتف للاتصال بك على الايميل التالي:
                  [email protected]

                  بانتظار ردك

                  تعليق


                  • #10
                    رد: ام علي امي

                    أمي يا ملاكي
                    أمي يا ملاكي يا حبي الباقي الى الأبد
                    و لا تزل يداك أرجوحتي و لا أزل ولد
                    يرنو إلى شهر و ينطوي ربيع
                    أمي و أنت زهر في عطره أضيع
                    و إذ أقول أمي أفتن بي أطير
                    يرف فوق همي جناح عندليب
                    أمي يا نبض قلبي نداي إن وجعت
                    و قبلتي و حبي أمي إن ولعت
                    عيناكِ ما عيناكِ أجمل ما كوكب في الجلد
                    أمي يا ملاكي يا حبي الباقي إلى الأبد
                    عبير
                    :p

                    تعليق

                    يعمل...
                    X