قصة ( هالة القمر ) - بقلم نبيه إسكندر الحسن
هالة القمر
ازدحمت سطوح القرميد في العصافير واليمام ، حيث الياسمين يستحم بندى الصباح ، فتحت النافذة وقفت مسغرقة في التأمل العميق ألفت هذا المشهد منذ طفولتها ، هرعت إلى المغسلة غسلت وجهها بالماء و الصّابون ، وقفت أمام المرآة ، تناولت فرشاة الأسنان ، نظّفت أسنانها جيّداً ,عادت إلى غرفة والدها الذي تركته جالسا خلف طاولته يكتب نصا منذ ليلة أمس ،أدركت أنه لم يستجيب لوصيتها التي أدلت بها حرصا على صحته ، فأحست ما يدور بخلده ، سرت لنفسها : " ربما أدرك أن الوقت يمر بسرعة ، وإلى الآن لم يستطع كتابة ما يجول في خلاياه دد من أفكار " .
كان له في نفسها منزلة أثرة ، رغم أنه لم يستجب إلى توسلها و يحافظ على صحته حيث ناهز الخريف ، وقفت وراءه دون أن يشعر بوجودها ، أطبقت عينيه يديها ، سألته مقلدة صوت الشباب :
ـ من أنا؟!.
بثت في قلبه فرحا نبعث من قسمات محياّه شاطرته المزاح ، لم ينطق باسمها قال :
ـ دعني يا " عمّار " .
ضحكت من أعماقها و قالت :
ـ لا ... أبداً.
ـ إذن " اسكندر " .
- لا ا...
طبعت قبلةً على جبينه وطوقته بذراعيها ،بدت كهالة تحيط بالقمر قائلة :
ـ أسعد اللّه صباحك يا " بابا " .
قفزت كأرنبة إلى شرفة تطلّ على " فيلا " من طّراز حديث ،تشمخ كغانية وسط حديقة تعجّ بالأزهار و الورد ، بدت كسوار في معصم، هزت رأسها عجبا وراحت تمسح الحديقة بنظرها ،استعرضت المكان فوقع بصرها على طاووس يختال تيهاً أمام بحيرة صغيرة ، ذات جدران من الرّخام ، في وسطها صنبور ماء يتقافز الرّذاذ منه بشكل دائريّ ، شكّل مع شعاع الشّمس نصف قوس قزح:
ـ يا إلهي ، ما أقربه لذيل الطّاووس !.
كان الطّاووس ينظر يميناً و شمالاً ،لا يجاريه طائر في الجمال ، و عيناه تحّدقان في قرص الشّمس الأرجوانيّ ، تتطاير الفراشات الملوّنة من حوله ، و ثمّة نحلاتٍ نشيطات تتضافر مع الفراشات الملونة لا تقل شأوا ، تتالى من زهرة إلى زهرة.صفقت بيديها دهشة,فاستحوذت عليها الأفكار فحدثت ذاتها ": " لا مناص من سؤال الجهبذ " .
عادت إلى والدها لتسأله عن سر النحل وسعيه الدّؤوب ,و دون أن يرفع رأسه ،أدرك ما يدور بمخيلتها ، فيما كانت عيناه تلاحق صرير اليراع على الورق الأبيض الملون بالمداد ، أجاب:
- ليجني العسل ..
- كيف؟..
- تمص إبرها الرحيق لتضعه في الخليّة .
- والطاووس .
ـ شتّان بين هذه وذاك .
شعرت بالإخفاق حين تذكّرت أنّها نسيت أن تعدّ قهوة الصّباح كعادتها ، قلبت طرفها وقع على والدتها التي كانت تحضّر الدّروس لأخوتها الصّغار ، أسرعت إلى المطبخ ، ما هي إلاّ لحظاتٍ حتّى عادت تحمل صينية ,و قدّمت الفنجان لوالدها,شعر بوجيب القلب فقبّل جبينها اللّجينيّ ، ووضع القلم على الطاّولة بهدوء ، سألته :
ـ أيّهما أحبّ إليك ؟
ـ ما قصدك يا صغيرتي ؟
ـ أسراب الطّاووس ، أمّ جماعات النّحل ؟
ـ هؤلاء يحبّون منظر الطّاووس .
- و نحن ؟..
- نحب النّحل .
مضت إلى والدتها يا للصدفة حيث كانت والدتها تشرح لأخيها الصّغير درساً في العلوم ، عن جماعات النّحل و فوائدها ،وحين تذكر طعم العسل لعق شفتيه:
ـ سأطلب من البابا أن يشتري لنا خليّة من النّحل .
ضحكت والدته:
- لماذا؟.
- لأنّني أحبّ العسل .
ردّت عليه :
ـ يا بنيّ ... النّحل بحاجة إلى حقول و بساتين واسعة ، و نحن لا نملك سوى بيت صغير متواضع لا يكفي سكنانا .
- انظري .
وأشار بإصبعه إلى بيت جارهم .
- لأنه لا يقيم وزناً للنحل يختال تيهاً كالطّاووس .
هالة القمر
ازدحمت سطوح القرميد في العصافير واليمام ، حيث الياسمين يستحم بندى الصباح ، فتحت النافذة وقفت مسغرقة في التأمل العميق ألفت هذا المشهد منذ طفولتها ، هرعت إلى المغسلة غسلت وجهها بالماء و الصّابون ، وقفت أمام المرآة ، تناولت فرشاة الأسنان ، نظّفت أسنانها جيّداً ,عادت إلى غرفة والدها الذي تركته جالسا خلف طاولته يكتب نصا منذ ليلة أمس ،أدركت أنه لم يستجيب لوصيتها التي أدلت بها حرصا على صحته ، فأحست ما يدور بخلده ، سرت لنفسها : " ربما أدرك أن الوقت يمر بسرعة ، وإلى الآن لم يستطع كتابة ما يجول في خلاياه دد من أفكار " .
كان له في نفسها منزلة أثرة ، رغم أنه لم يستجب إلى توسلها و يحافظ على صحته حيث ناهز الخريف ، وقفت وراءه دون أن يشعر بوجودها ، أطبقت عينيه يديها ، سألته مقلدة صوت الشباب :
ـ من أنا؟!.
بثت في قلبه فرحا نبعث من قسمات محياّه شاطرته المزاح ، لم ينطق باسمها قال :
ـ دعني يا " عمّار " .
ضحكت من أعماقها و قالت :
ـ لا ... أبداً.
ـ إذن " اسكندر " .
- لا ا...
طبعت قبلةً على جبينه وطوقته بذراعيها ،بدت كهالة تحيط بالقمر قائلة :
ـ أسعد اللّه صباحك يا " بابا " .
قفزت كأرنبة إلى شرفة تطلّ على " فيلا " من طّراز حديث ،تشمخ كغانية وسط حديقة تعجّ بالأزهار و الورد ، بدت كسوار في معصم، هزت رأسها عجبا وراحت تمسح الحديقة بنظرها ،استعرضت المكان فوقع بصرها على طاووس يختال تيهاً أمام بحيرة صغيرة ، ذات جدران من الرّخام ، في وسطها صنبور ماء يتقافز الرّذاذ منه بشكل دائريّ ، شكّل مع شعاع الشّمس نصف قوس قزح:
ـ يا إلهي ، ما أقربه لذيل الطّاووس !.
كان الطّاووس ينظر يميناً و شمالاً ،لا يجاريه طائر في الجمال ، و عيناه تحّدقان في قرص الشّمس الأرجوانيّ ، تتطاير الفراشات الملوّنة من حوله ، و ثمّة نحلاتٍ نشيطات تتضافر مع الفراشات الملونة لا تقل شأوا ، تتالى من زهرة إلى زهرة.صفقت بيديها دهشة,فاستحوذت عليها الأفكار فحدثت ذاتها ": " لا مناص من سؤال الجهبذ " .
عادت إلى والدها لتسأله عن سر النحل وسعيه الدّؤوب ,و دون أن يرفع رأسه ،أدرك ما يدور بمخيلتها ، فيما كانت عيناه تلاحق صرير اليراع على الورق الأبيض الملون بالمداد ، أجاب:
- ليجني العسل ..
- كيف؟..
- تمص إبرها الرحيق لتضعه في الخليّة .
- والطاووس .
ـ شتّان بين هذه وذاك .
شعرت بالإخفاق حين تذكّرت أنّها نسيت أن تعدّ قهوة الصّباح كعادتها ، قلبت طرفها وقع على والدتها التي كانت تحضّر الدّروس لأخوتها الصّغار ، أسرعت إلى المطبخ ، ما هي إلاّ لحظاتٍ حتّى عادت تحمل صينية ,و قدّمت الفنجان لوالدها,شعر بوجيب القلب فقبّل جبينها اللّجينيّ ، ووضع القلم على الطاّولة بهدوء ، سألته :
ـ أيّهما أحبّ إليك ؟
ـ ما قصدك يا صغيرتي ؟
ـ أسراب الطّاووس ، أمّ جماعات النّحل ؟
ـ هؤلاء يحبّون منظر الطّاووس .
- و نحن ؟..
- نحب النّحل .
مضت إلى والدتها يا للصدفة حيث كانت والدتها تشرح لأخيها الصّغير درساً في العلوم ، عن جماعات النّحل و فوائدها ،وحين تذكر طعم العسل لعق شفتيه:
ـ سأطلب من البابا أن يشتري لنا خليّة من النّحل .
ضحكت والدته:
- لماذا؟.
- لأنّني أحبّ العسل .
ردّت عليه :
ـ يا بنيّ ... النّحل بحاجة إلى حقول و بساتين واسعة ، و نحن لا نملك سوى بيت صغير متواضع لا يكفي سكنانا .
- انظري .
وأشار بإصبعه إلى بيت جارهم .
- لأنه لا يقيم وزناً للنحل يختال تيهاً كالطّاووس .