إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الرواية العربية و مستقبلها بعد رحليل عمالقتها - 3 - د.نضال الصالح

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الرواية العربية و مستقبلها بعد رحليل عمالقتها - 3 - د.نضال الصالح

    الرواية العربية و مستقبلها بعد رحليل عمالقتها - 3 - د.نضال الصالح
    مستقبل الرواية العربية:‏
    خسر المشهد الروائي العربي في العقد الأخير من الألفية الفائتة والسنوات الأولى من هذا العقد عدداً من أبرز الروائيين العرب (يوسف إدريس، وجبرا إبراهيم جبرا، وإميل حبيبي، وغالب هلسا، ومؤنس الرزاز، وعبد الرحمن منيف، وبهاء طاهر، وزيد مطيع دماج، ومحمد زفزاف، وغائب طعمة فرمان، ومحمد شكري، وأديب نحوي)، وتمخضت السنوات نفسها عن أصوات جديدة تمكّنت. بإبداعها وفي وقت قصير نسبياً، من اجتذاب أنظار جمهوري القراء والنقاد إليها، وعزّزت، بإبداعها أيضاً القول بخصوبة هذا المشهد، أمثال: عزّت القمحاوي من مصر، وربيع جابر من لبنان، وصلاح الدين بوجاه من تونس، ويوسف خليل وأمير تاج السر من السودان، وسالم حميش من المغرب، وقاسم توفيق وإلياس فركوح وسالم النحاس وهاشم غرايبة من الأردن، وممدوح عزام ومحمد أبو معتوق وغسان ونوس وسمير عامودي من سورية، وسواهم ممن أشرت إليهم في موقع سابق من هذا البحث، وممّن أكّدت نصوصهم ونصوص هؤلاء أن المشهد الروائي العربي متحرّك ولا يعرف الثبات عند أسماء بعينها أو تجارب بعينها أيضاً.‏
    (أ) ـ عوامل تجديد الرواية العربية:‏

    تنجز الرواية العربية مستقبلها كما أنجزت ماضيها وراهنها بمساءلتها الدائبة لأدواتها وتقنياتها، وقبل ذلك للواقع الذي تصدر عنه وتتحرّك في مجاله، ثمّ بحفرها، الدائب أيضاً، في التراث السردي ليس من أجل تأصيلها لكتابة تشير إلى نفسها ولا تشير إلى سواها فحسب، بل أيضاً من أجل تثبيتها في الوعي الجمعي العربي، بوصفها جزءاً من الهوية الثقافية العربية وليست صدى لإنجازات الآخر أو تابعة لـه. ولكي تحقّق الرواية العربية لنفسها ما يلي:‏
    1 ـ وعي الروائيين العرب بالمناهج والنظريات النقدية الحديثة:‏
    باستثناءات ليست كثيرة، فإن إجابات معظم الروائيين العرب في حواراتهم وشهاداتهم لا تتضمّن في داخلها أية إشارات إلى حمولة معرفية واضحة بالمناهج والنظريات النقدية، وأحياناً بالمنجَز النقدي العربي نفسه وإلى حدّ تبدو نصوص الكثير منهم معه بوصفها نتاجاً للمكّون الأوّل فحسب من المكوّنين الجدليين والمركزيين للإبداع: الموهبة، والثقافة، أي للموهبة وحدها التي عادة ما تعبّر عن نفسها في عمل إبداعي واحد ما يلبث أن يتناسل بهيئته الأولى في الأعمال اللاحقة.‏ وعلى الرغم من أنّ عدداً من روائيي العقود الثلاثة الأخيرة مارس نقد الرواية، وسواها من أجناس الأدب الأخرى، فإن النتاج (النقدي) لأولئك غالباً ما كان أصداء لوعيهم هم بمعنى الإبداع ووظائفه وليس نتاجاً للنقد بمعناه العلميّ، أي ما يصدر عن حصيلة معرفية بإنجازات النقد، وما تتجلى الممارسة النقدية معه فعالية دالةً على سعة المخزون المعرفيّ لمنتجها بتلك الإنجازات من جهة، وبسواها من حقول المعرفة من جهة ثانية.‏ ومهما يكن صحيحاً أنّ المبدع عامة، وليس الروائي وحده، معنيٌ بإنتاج الإبداع قبل أن يكون معنياً بنظرياته، فإنّ الأكثر صحة أنّ تجديد الأوّل لنفسه لا يتحقّق بغياب الثاني. فالمبدع الحقيقيّ هو ذاك الذي يدأب على تزويد نفسه بالمعرفة، والروائي المبدع خاصة هو ذاك الذي تكون إنجازات النقد بالنسبة إليه كالحكمة إلى المؤمن، أنّى وجدها التقطها. إنّ الموهبة التي تكتفي بنفسها لا تعيد إنتاجها لأدواتها ووسائل تعبيرها وتقنياتها فحسب، بل تحكم أيضاً على نفسها بالعطالة التي تبدو نصوص الروائي معها كما لو أنها نصّ واحد وقد تقنّع بعلامات لغوية مختلفة.‏ وبهذا المعنى، فإنه يمكن القول: كلّما اتسعت ثقافة الروائي العربيّ بإنجازات النقد أطلقت الرواية العربية نفسها في فضاءات الإبداع، وتعددت، بفعل تلك الثقافة، احتمالات المستقبل التي تنتظرها، والتي تجعل منها بآن ابنة شرعية للمرحلة التاريخية/ الجمالية التي تنتمي إليها. لقد انتهت، وربّما إلى غير رجعة، الأطروحة القائلة إنّ النقد فعالية قائمة بنفسها كما الإبداع فعالية قائمة بنفسها، فكلاهما شرط للآخر، وليس تابعاً لـه وكلاهما أيضاً جزيرتان في أرخبيل مترامي الأطراف هو الفنّ الذي يستهدف المعرفة كما يستهدف التربية الجمالية.‏
    2 ـ سعة المخزون المعرفيّ بإنجازات الرواية العالمية:‏
    كما لا تتضمنّ حوارات معظم الروائيين العرب وشهاداتهم أية إشارات إلى حمولة معرفية واضحة بالمناهج والنظريات النقدية تتجلّى السمة نفسها فيما يتصل بإنجازات الرواية العالمية، وأحياناً بإنجازات الرواية العربية أيضاً. ولئن كان مسوّغاًَ تعليل أولئك في هذا المجال بتحرير الإبداع العربيّ من كونه صدى لإنجازات الآخر إلى كونه إبداعاً عربيّ الوجه واليد واللسان، فإنّه مّما لا يبدو مسوّغاً أن يكون البيت الروائي العربي موصد النوافذ أمام تلك الإنجازات، أو أسير إنجازات سكّانه فحسب. فالرواية العربية التي أحدثت، في العقود الثلاثة الأخيرة خاصة، تعديلاً في الذائقة الجمعية العربية التي ظلّ الشعر يتربّع على عرشها طوال أربعة عشر قرناً تقريباًَ، فاستحقت بذلك، وبسواه، صفة "ديوان العرب في القرن العشرين"، لم يكن ممكناً لها أن تحقق ذلك لو لم تشرع نوافذها على إنجازات الرواية العالمية، ولو لم تستثمر تلك الإنجازات استثماراً دالاً على كفاءتها العالمية بل الكفاءة العالية لمبدعيها، في امتصاص مختلف مغامرات الجنس الروائي أياً كان مصدر ذلك الجنس من جهة، وأياً كانت المرجعيات الفكرية والجمالية لتلك المغامرات من جهة ثانية. وليس أدلّ على ذلك من الدور الذي نهضت به الواقعية السحرية، في أمريكا اللاتينية خاصة، في تحرير الكتابة الروائية العربية من جفاف الواقعية التي ارتهنت لها طويلاً، إما بالاستلهام أو الاستيحاء، أو الاقتباس، أو التأثر(3).‏ إنّ استثمار إنجازات الآخر لا تعني تبعية لـه، أو إلغاء للهوية، بل هو شكل من أشكال الوعي بضرورة بناء الذات مهما تكن مصادر ذلك البناء ووسائله، وهو، بآن، فعالية دالّة على الثقة بحصانة هذه الذات ضدّ محاولات الاستتباع أو الهيمنة، أو الإقصاء من التاريخ. لقد شيّدت الرواية العربية هويّتها حينما يتابع مبدعوها تحوّلات الرواية العالمية، ليس رغبة في تقليد هذه الأخيرة، أو النسج على منوالها،أو اقتفاء أثرها، بل في تشييد عمارة روائية عربية تضارع مثيلاتها في المشهد الروائي العالمي.‏
    3 ـ مناوئة المقدّس:‏
    مثّلت الرواية العربية، ولا سيما في العقود الثلاثة الأخيرة، فعالية تعرية وتفكيك ومقاومة للمقدّس بأشكاله كافة: السياسي، والديني والاجتماعي. وبسبب ذلك تعرّض الكثير منها إلى المصادرة، بفعل الرقيب السياسي أحياناً، والديني أحياناً ثانية، والاجتماعي أحياناً ثالثة، أو بفعل هؤلاء الرقباء الثلاثة أحياناً رابعة. ومن أمثلة ذلك رواية الجزائري الحبيب السائح: "زمن النمرود" (1985)، التي لوحقت من الرقيب السياسي الجزائري، فأمرت وزارة الثقافة بسحبها من المكتبات وإعدام نسخها، بسبب خرقها الصمت المحظور سياسياً خاصة وأخلاقياً ولغوياً عامة، بتعبير السائح نفسه الذي اضطر إلى إبقاء روايته الثانية: "الخيانة" طي المخطوط بعد "التحفظ على نشرها بسبب خطورة موضوعها الذي يمس الثوابت"(4). ومن أمثلته أيضاً ما تعرّض لـه الروائي اليمني وجدي الأهدل من أذى الرقيب الاجتماعي بسبب روايته: "قوارب جبلية"‏(2002) التي ما إن أفصحت عن حضورها في المكتبات، حتى اتخذت وزارة الثقافة قراراً بمصادرتها، بعد أن رفع عدد من القراء الشكاوى المطالبة بسحب الموافقة التي منحت لتداولها، ولم تكد تمضي أيام قليلة على قرار الوزارة حتى اضطر الأهدل إلى الفرار خارج وطنه(5).‏ لقد قضّ الكثير من النصوص الروائية العربية مضاجع المقدّس، فمكّن، بسبب ذلك، الجنس الروائي العربي من تبوأ مكانه لافتة للنظر وجديرة بالتقدير في الحركة الثقافية العربية. غير أنّه على الرغم من وفرة تلك النصوص،فإن النتيجة التي انتهى صنع الله إبراهيم إليها سنة 1992 ما تزال تمارس إلى الآن حضورها في المشهد الروائي العربي، أي قولـه: "لقد قامت الرواية العربية بمغامرات شتى، وقدّمت لنا عدداً غير قليل من الإبداعات المتميزة. لكن من الإنصاف أن نعترف بأنّ دروباً كثيرة لم تطرق بعد، وأنّ طائر الخيال ما زال عاجزاً عن التحليق عالياً في مواجهة الأسوار التي تحصنت خلفها السلطة الدينية والسياسية، وما زالت التجربة الجنسية أكثر التجارب حميمة وتفرداً وتعقيداً، بمنأى عن التناول"(6).‏ وتأسيساً على ذلك، فإنّ ثمة الكثير مّما ينتظر الرواية العربية في هذا المجال، أي مقارعة المقدّس، والتمرّد عليه، وتغليب إرادة التنوير على إرادة السلطات المستبدة. وليس غلواً القول إنّ ما يجعل هذه الرواية جديرة الانتماء إلى المرحلة التي ستنجز فيها، كما كانت جديرة بانتمائها إلى ا لمراحل التي أنجزت فيها، هو دأب مبدعيها على الحفر في طبقات الاستبداد: السياسي، والديني، والاجتماعي، وعدم انصياعها لمجمل أشكال التحريم المعوّقة للتقدّم الحضاري عادة، وابتكارها الهوامش المناسبة التي تمكّنها من قول ما تريد ولكن على نحو جمالي تتعاضد فعالية الحفر، معه ومن خلاله، مع فعالية البناء على المستوى الفني.‏ إنّ أطروحة إدوار الخراط القائلة إنّ "ازدهار الرواية.. يقترن باقتحام المناطق المحظورة" لا تكتسب أهميتها من صوابها فحسب، بل من صلاحيتها للمستقبل أيضاً، ولا سيّما في الواقع العربيّ الذي تتورّم فعاليات الاستبداد فيه بدلاً من أن تتقزّم أو تتلاشى، ثمّ من إضمارها في داخلها أبرز مهمّات الإبداع استجلاء المسكوت عنه في المدونات الرسمية، وتفكيك ذهنية التحريم التي تستبّد بالعقل المستقيل أو المكوّن خاصة، وتعرية الأعراف والتقاليد المضادة لتقدّم المجتمع وتطوّره، وسوى ذلك مّما على الإبداع عامة، وليس الفنّ الروائي وحده، إماطة اللثام عنه والجهر به.‏
    4 ـ التجريب:‏
    نهض التجريب بدور مهمّ في تجديد الرواية العربية لنفسها، وبفضله استطاعت هذه الرواية تحقيق قفزات نوعية في سيرورتها الجمالية، وعبّرت عن استجابات الجنس الروائي عامة، أكثر من سواه من أشكال الإبداع الأخرى، لمختلف مغامرات الإبداع على مستوى التخييل أحياناً، وعلى مستوى الشكل أو البناء أحياناً ثانية، وعليهما معاً أحياناً ثالثة، وإذا كانت هذه الرواية قد أنجزت ما أنجزت في حقل التجريب وفي مجاله خاصة، فإن هذا الحقل نفسه هو ما يتيح لها إضافة المزيد إلى ما أنجزت، وهو أيضاً ما يعدّد احتمالات المستقبل الذي ينتظرها، وما يمكنها من إبداع مدوّنتها الخاصة.‏ وما يعزّز أهمية التجريب ودوره في تجديد الرواية العربية أنّ العلامات الفارقة في تاريخها كانت روايات تجريبية، نأت بنفسها عن شرك التنميط الذي استسلم لـه سواها من الروايات، وعارضت الثابت بالمتحرك، والمكوّن بالمكوّن، والنقل بالعقل، وحقق مبدعوها بامتياز ما كان "ج. هيلز ميلر" انتهى إليه من أنّ الكتابة السردية الجديرة بانتمائها إلى تاريخ الأدب هي تلك التي "توقع الفوضى في كلّ القوانين والتقاليد التي قد تعطيها شكلاً ومعنى‏
    محدّدين(8).‏
    ومهما يكن صحيحاً أنّ مصادر تجريب هذه الرواية قد استُنفدت أو كادت، وأنّ ما ستحاوله في هذا المجال يكاد يكون محدوداً في مصادر بعينها، بمعنى أنّ هوامش التجريب لديها، بل لدى مبدعيها، لن تتجاوز تخوم ما انتهت إليه سابقاتها، فإنّ ثمة الكثير من الينابيع التي لمّا تنهل هذه الرواية منها بعد: مّما حاوله المنجَز الروائي من جهة، وممّا لم تمتد إليه يد التجريب من جهة ثانية. ففي التراث السردي العربيّ على سبيل المثال، وسواه من أشكال الإبداع الأخرى، خزّان هائل من مصادر التجريب التي يمكن للروائي العربي أن يغذي بها نصوصه، وأن يؤصّل من خلالها لإبداع روائي لـه هويته الخاصة به. ومن تلك المصادر، بالإضافة إلى مكونات الشكل (اللغة، والشخصيات، والفضاء، والمنظور السردي): أساطير المنطقة (الرافدية، والفينيقية، والكنعانية..)(9)، والمدوّنات السردية القديمة (الحكاية، والخبر، والمقامة، والترّسل، والشذرة...)، والموروث الشعبي (السير، والخرافة، والأغاني..)، وسوى ذلك مّما استثمرته هذه الرواية ولمّا تزل مناطق مهجورة منه، ومّما لم تستثمره بعد ليس على المستوى الحكائي فحسب، بل على المستوى الفنّي/ الجمالي أيضاً.‏ لقد أحسن محمد برادة حين شبّه الفنّ الروائي بشهرزاد التي لا تستطيع الاستمرار في الحياة إلا بقدر ما تبتكر من وسائل‏ الحكي(10)، فالفن الذي لا يسائل أدواته ووسائله وتقنياته دائماً لا ينتج قطيعة مع المرحلة التي صدر فيها فحسب، بل ينتج قطيعة مع المستقبل أيضاً.‏ إنّ أمام الرواية العربية مهمّات كثيرة، من أبرزها تعزيز مكانتها بوصفها أقدر الأجناس الأدبية العربية على التقاط توترات الواقع وحركته، وعلى الغوص على الجوهريّ فيه، وهي لن تحقق ذلك إذا اكتفت بما أنجزته، وإذا لم يجدّ مبدعوها في البحث عن أشكال وتقنيات جديدة لا تكتفي بتقويض عادات الكتابة فحسب، بل تتجاوز ذلك أيضاً إلى جعل هذه الكتابة فعالية مفتوحة تتعدّد احتمالاتها بتعدّد فعاليات البحث نفسها.‏
    5 ـ ازدهار الحركة النقدية:‏
    طالما شكا معظم الروائيين العرب ندرة النقد الجادّ(11)، وطالما ردّد كثرة منهم لا يتابعون الحركة النقدية العربية، معللينّ ذلك أحياناً قليلة، ومكتفين بالتعبير عن برمهم بتلك الحركة دون تعليل أحياناً أكثر، وإلى حد بدا أنّ ثمة قطيعة، أو ما يشبه القطيعة، بين الروائي العربيّ والنقد المعني بالرواية العربية. ولعلّ أكثر الإشارات الدالة على تلك القطيعة "ازدراء" بعضهم للنقد الأدبي عامة، وليس للنقد المعني بالجنس الروائي وحده، ولعلّ أكثر تلك الإشارات جهراً بذلك رصاصة الرحمة التي أطلقها حنّا مينة، ذات يوم في قناة أبو ظبي الفضائية، على مجمل النقد الروائي العربي، أي حينما قال: "ليس لدينا نقد ولا نقّاد"، معزّزاً بذلك ما كان علي الجندي وصف به نقد الشعر في سورية: أي أنه بلا طعم، ولا رائحة ولا لون.‏ والسمة المشار إليها آنفاً أي ازدراء النقد، ليست وقفاً على أعلام الرواية العربية، بل تمتد لتشمل الأغلب الأعمّ من كتّاب هذه الرواية في الأغلب الأعمّ من الجغرافية العربية أيضاً، مهما يكن من أمر صلتهم بالإبداع، ومن أمر المكانة التي حظي نتاجهم بها في المشهد الروائي العربي، ومن انتمائهم هم أنفسهم إلى حقل المعارف أو النكرات. ولئن كان لتلك السمة ما يسوّغها أحياناً، كغياب الحوار بين الرواية العربية ونقدها حسب محمد برادة، وضآلة النقد المؤسس على زاد معرفي كاف بمعنى الممارسة النقدية، وسواهما، فإنّه مّما لا يبدو مسوّغاً استمرار تلك القطيعة بين كليهما.لقد أكد كثير من الروائيين العرب أنّ نقد تجربتهم لم يقدّم لهم شيئاً، ولم يدفع بهم إلى التعديل في منظومة وعيهم للفنّ الروائي، وللإبداع عامة، على الرغم من وفرة الدراسات التي عنيت بنتاج بعضهم، وعلى الرغم أيضاً من أنّ بعض تلك الدراسات أنجزها أكاديميون مختصون في نقد الرواية. وغير خافٍ أن استقرار تأكيد كهذا في الحياة الثقافية العربية لا يعني عزلة الإبداع عن النقد فحسب، بل أيضاً، تعطيلاً لحركة الثقافة أولاً، وإمعاناً في القطيعة بين كليهما ثانياً، وتثبيتاً لثقافة الإقصاء والنفي ثالثاً. الأمر الذي كان طراد الكبيسي قد تنبّه إليه في وقت مبكّر نسبياً في بحثه المهم: "مشروع رؤية نقدية عربية للرواية العربية" الذي تلمّس فيه، بعمق، مرجعيّات تلك القطيعة وأسبابها(12).‏ إنّ الإبداع شرط لازدهار النقد، كما، أنّ النقد شرط لازدهار الإبداع. وبهذا المعنى، فإن مستقبل الرواية العربية وثيق الصلة بمستقبل نقدها، بل بمستقبل وعي الروائي والناقد العربيين بأنّ الإبداع والنقد فعاليتان متكاملتان. ويمكن
يعمل...
X