إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الخط الأول

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الخط الأول

    الخط الأول


    [justify]بدأت مساحة الليل تنكمش شيئا فشيئا، و مشى هامش الضوء يزحف في خيلاء وأنا لا أزال خلف المكتب وإلى جانبي المنفضة وعلبة السجائر وقنينتي نبيد..التخطيط لهذه الليلة راودتني منذ ليلة أمس عندما خاصم النوم عيني، تقلبت في فراشي ذات اليمين وذات الشمال، أشعلت الإنارة ثارة وأطفأتها ثارة أخرى، عانقت الوسادة ثم مللتها، فتحت النـافذة لبرهة ولما كان الهواء باردا أغلقتها، قرأت المعوذتين، لم أترك حلا إلا وفعلته دون أن أظفر بإغماضة عين وأخيرا استسلمت لقدري، أشعلت المذياع وأطلقت مسامعي دونما رغبة مني في الاستماع لكي أقضي ما تبقى من ليلي في جحيم الأرق أتقلب كمجذوب..لأول مرة أطلق مسامعي طواعية لسماع المذياع بعدما أقسمت ألا أطلق في غرفتي مذياعا وذلك مذ سقوط بغداد وإلقاء القبض على صدام..سرت أصغي مرة لأغنية وثارة لنقاش ساخن ومرة أخرى لدرس ديني..يبدأ خدر النوم يتسلل إلى جسدي ثم لا أفتأ أجد نفسي في غمرة الظلام وعيني تسبـحان في السواد، أتقلب عـلى ظهري واضعا يدي تحت رأسي والأفكار تأكل دواخلي إلى أن انبلج الصبح فنهضت متكاسلا لمواجهة فراغ اليوم..التفكير في ليلة أمس وأنا جالس خلف المكتب أحتسي بتلذذ كؤوس النبيذ وأدون بضعة أفكار راودتني تلك الليلة المشؤومة دون أن أتمكن من استذكارها في الصباح..أفكار عظيمة نزلت عليّ تلك الليلة لكنها انفلتت مني واستقرت في قاع اللاشعور..أفكار لا أريدها أن تضيع هباء منثورا..عليّ أن أفعل المستحيل لاستذكارها، ليس من أجلي، بل من أجل العالم برمته..عليّ أن أوقظ، أن ألملم هذا اللاشعور من سباته الأبدي وحسب ما أعرف لشدة وكثرة اطلاعي على كتب علم النفس فليس هناك من وسيلة أفضل للاستذكار من التداعي الحر، أي إطلاق العنان للإنسان ليبوح بما يخالجه دون حسيب أو رقيب..لا بد من اغتيال العقل..المجانين هم من يمتلكون الحقيقة والسكارى ليسوا أكثر من أناس يعشقون الحقيقة..ثم كتابة السورياليين أليست أكثر من ترجمة رمزية للحقيقة في أنصع صورها رغم أن بعض النقاد يعتبرونها مجرد أضغاث أحلام..الكأس اللعينة بدأت تفعل مفعولها برأسي، انتفضت في مكاني، مددت يدي إلى القلم ثم شرعت أكتب دون تفكير مسبق..أتوقف للحظات عن الكتابة ، أرفع قنينة النبيذ وأسكب كأسا لعينة، ألتقط نفسا عميقا ثم أرشف محتواها جرعة واحدة، أتلمظ شفاهي، أشبك أصابع يداي وراء رقبتي وأستند بظهري على الكرسي ثم أروح أقلب بصري في ما حولي وكأني أكتشف لأول مرة المكان..ستائر النافذة..صورة لطبيعة خلابة..سيف قديم أكله الصدأ..يومية بوعياد..أنتصب في جلستي، أمد يدي إلى الورقة وأشرع في قراءة ما كتبت ثم أجدني أرفع عقيرتي بالضحك، ترى هل أضحك على ما خطت يداي أم على عقلي الذي فقدته!..لكن كيف أفقد عقلي وأنا مدمن على الشراب حتى النخاع! ..كل السكارى يعترفون لي بالصمود في الشراب حتى آخر المطاف، ولكني هذه الليلة بالذات أريد أن أفقد عقلي بالمرة، لم تعد لي حاجة إلى العقل..لابد من استبعاد العقل ونفيه أو على الأقل نقده كما فعل كانط، هذا الفيلسوف العظيم الذي فتح عيناي وأراني من أكون!..ثم أن سر اهتمامي وتعلقي بفكر هذا الفيلسوف فحكاية لن يصدقها أحد ومن الأفضل أن أحتفظ بالسر لنفسي وألا أُطلع عليه أحد وهذا ليس غرورا إذ الشعور بالغرور كثيرا ما يدفع صاحبه إلى التفكير والتعالي وأنا بكل بساطة إنسان متواضع وعـلاقتي مع النـاس محدودة لا تكاد تتعدى بضعة أصدقاء، تجمعنا مائدة الشراب ثم أني لا أشرب حـبا في الشـراب، بل لأستعيد ذاتي..ذاتي التي أفقدها عندما أكون في كامل قواي العقلية وأستردها حين أفقد الشعور..هو اللاشعور بالنسبة لي إنتاج تاريخي للذات، بحث عن الكينونة دون لف أو دوران، بوح صريح من الأعماق دون طابوهات أو محرمات..ثم هل فعلا ما يصدر عن الإنسان في حالة فقدانه للشعور هو ترجمة حقيقية لنزوات مكبوتة ورغبات مقموعة تعتمل في داخل الإنسان!..جل التفسيرات تدور في رأسي بدءا من "سيجموند فرويد" إلى "جاك لاكان"..فلتات اللسان..زلات القلم.. أحلام اليقظة..الهلوسات..أعود إلى ما كتبت، هل ما كتبت يستحق تفسيرا !..ثم ما الفرق بين التفسير والتأويل!..و هل أنا من الراسخين في العلم حتى أكتشف ما وراء الخطوط التي كتبتها في هذياني..الخط الذي كتبت به بعيد كل البعد عن طلاسم المشعوذين والسحرة الذين يستعملون خطوطا غير مفهومة للعب بعقول الناس البسطاء والضحك عليهم..أعود إلى ما كتبت وكلي إصرار على اكتشاف أسرار ما كتبت وقد بدأ مفعول الشراب يتناقص شيئا فشيئا، شرعت أقرأ بتؤدة ..نفَس الكتابة يبدو شاعريا، اللغة تبدو مشحونة ، الرؤيا تحلق في عوالم لا متناهية، الإيقاع يدغدغ في النفوس كوامنها الخامدة وأما التيمات فيجمعها الهم الوجودي، الحرب، الهزيمة، الصمت، المرأة، الموت، الوحدة والثورة، لكن كيف نتجنب ويلات الحرب!..كيف نتلافى مؤامرة الصمت!..كيف نتوحد في قريتنا الصغيرة!..ماذا نفعل كي نعيش جنبا إلى جنب في أمن وسلام!..وإلى أي مدى سنقف جامدين في أماكننا كمساكين ننتظر الموت..هي الثورة سبيلنا الوحيد للانعتاق من أسر الوجود، من غربة المنفى، من قوقعة الذات..هي خطنا الأول للخروج إلى باحة الضوء..هي الخط المكتوب بالدم..[/justify]

    نورالدين بوصباع- تيفلت/المغرب

  • #2
    رد: الخط الأول

    الكاتب المبدع نورالدين بوصباع

    أولا : مرحبا بك مبدعا و قلما رائعا و معبر عن هواجسنا

    و تطلعاتنا و طموحنا , أرجو أن يطيب لك المقام في واحة

    الإبداع.

    ثانيا : أسجل إعجابي بهذه الأقصوصة الرائعة و لي عودة

    ثانية إلى هذا النص .

    تحياتي و ودّي
    إذا الشعب يوما أراد الحياة
    فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
    و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
    و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

    تعليق


    • #3
      رد: الخط الأول

      الاستاذ نور نص يترنح بين الواقعية والفلسفة
      تصوغ واقعية الذات بفلسفة عميقة وتساؤلات يسألها كل منا لنفسه
      في لحظات معينة
      تعود لذاتك مرة وتارة تصيغ منها فلسفة وجودية تدل على عمق الفكر
      وأرى بعض التناقضات وهي موجودة اصلا بذاتنا تقرأ المعوذات
      ثم تعود للخمر وتشرب من اجل فقدان العقل كأن فلسفتك هنا تقول ان العقل يتعب صاحبه في هذه اقرك أحيانا العقل يتعب صاحبه
      دام قلمك الرائع
      ودمت بخير

      تعليق

      يعمل...
      X