إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

عبد الرحمن الشهبندر - جنّد حياته في خدمة وطنه

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عبد الرحمن الشهبندر - جنّد حياته في خدمة وطنه

    وقف حياته كلها في خدمة وطنه...
    عبد الرحمن الشهبندر..
    الرجل الذي استحق أن يكون جار صلاح الدين
    محمد أمين


    لم يكن من قبيل المصادفة أن يدفن الدمشقيون عبد الرحمن الشهبندر في ساحة المسجد الأموي غير بعيد عن ضريح السلطان صلاح الدين الأيوبي وليس من قبيل المصادفة أيضاً أن يُطلق اسمه على واحدة من أهم ساحات دمشق التي تحول إلى معلم بارز من معالمها الأمر الذي أكسبه خلوداً في الذاكرة وهو الذي أمضى عمره في محاولات إعادة تشكيل الشخصية الوطنية السورية.
    في كتابه «حقائق وخفايا اغتيال الشهبندر» تجمع الدراسات التي تناولت الشهبندر أنه ولد في حي الميدان الدمشقي عام 1879 وهو من عائلة عربية معروفة في سورية والعراق وعاصر الحكم العثماني لمدة أربعين عاماً تقريباً وقد تلقى دراسته الابتدائية في مدارس دمشق ثم غادر إلى بيروت حيث أنهى دراسته الثانوية وانتسب إلى كلية الطب في الجامعة الأميركية فكان الأول بين الخريجين ثم واصل عمله كطبيب في بيروت وتولى التدريس في الكلية نفسها قبل أن يعود إلى وطن الأم بعد سنوات، ثم شارك بالحركة الوطنية ضد الحكم العثماني ولوحق وحُكم بالإعدام غيابياً فهرب إلى العراق ثم عاد بعد تحرير سورية عام 1918.
    من صفات شخصية الشهبندر أن انكبابه على الثقافة والعلم ووجوده في وسط جامعي متقدم وبيئة علمية صرفة في بيروت جعلت منه شاباً متميزاً على جميع أقرانه ورفاق جيله آنذاك لذلك بدا دائماً رجلاً عالماً يختزن ثقافة متنوعة في مختلف المجالات العلمية والسياسية والاجتماعية والأدبية والتربوية فضلاً عن استيعابه الكامل للمشاكل والتيارات الدولية كما جعلته ثقافته يحتل مرتبة القيادة والزعامة في بلده من بعد كفاحه ونضاله من أجل حرية واستقلال سورية بحدودها الطبيعية.
    وعن علاقة الشهبندر بالملك فيصل بن الحسين بعد تحرير سورية من الوجود العثماني تذكر الدراسات أنه بعد إعلان الدولة العربية الفتية كان الشهبندر في عداد بناتها القريبين من الملك بل كان أحد القلائل الذين تولوا مهمة وضع الأسس الإدارية والسياسية للدولة الوليدة، وقد تولى الشهبندر وزارة المعارف فقد كان الملك فيصل «يحيط نفسه بنخبة من الساسة والقادة العرب الذين تميزوا بالثقافة والدراية ولم يقرب منه أي دعي أو جاهل أو انتهازي».
    وقد غادر الشهبندر دمشق مع الملك فيصل عام 1920 مع بدء دخول الفرنسيين إلى سورية لكنه عاد بعد ذلك ليواصل نضاله وكفاحه ضد الانتداب الفرنسي حيث قاد التظاهرات الشعبية فقبض عليه ونفي إلى لبنان ثم إلى سجن جزيرة أرواد.
    وبعد أن أعيدت للشهبندر حريته – كما يذكر موصلي- شد الرحال إلى أميركا وأوروبا للدعاية لقضية وطنه سورية حيث أمضى عدة أشهر وكان محل تكريم المحافل العلمية والسياسية وبعد عودته أسس حزب (الشعب) الذي استوفى في صفوفه القوى والفعاليات الوطنية.
    يقول عنه فارس الخوري: لم تكن الأمة تعرف بالزعيم الشهبندر إلا مواقف التضحية والشرف ومفاخر الجهاد المخلص المجرد من كل شائبة.
    التحق عبد الرحمن الشهبندر بالثورة السورية عام 1925 في جبل العرب التي قامت لأجل تحرير سورية من النجاسة الفرنسية «فكان طبيبها وأحد أبرز قادتها» وقد حُكم عليه بالإعدام ولكنه استطاع الهرب إلى العراق وبقي هناك لمدة عامين ثم غادر إلى مصر حيث مارس مهنة الطب والكتابة ولم تنقطع صلاته بالمناضلين في سورية وفي عام 1937 عاد إثر صدور عفو عنه.
    ظل الشهبندر أميناً ووفياً لمبادئه ولم يجامل أحداً على حسابها لذلك حارب مشروع المعاهدة السورية الفرنسية وكان شجاعاً في مواجهة رجال الكتلة الوطنية الذين تبنوا تلك المعاهدة «ولعل تلك الخصومة مع الكتلة تعمقت واتسعت لتنقلب فيما بعد إلى عداء مستحكم فقد كاد الشهبندر يسحب البساط الشعبي كله من تحت أقدام الكتلة بل نجح في ذلك إلى حد بعيد لكن هذا الموقف المتصلب كلفه فيما بعد حياته».
    في 6 تموز عام 1940 جرى اغتيال الدكتور عبد الرحمن الشهبندر في عيادته بحي الشعلان بدمشق حيث دخل ثلاثة أشخاص مجهولي الهوية- كما يورد موصلي في كتابه- عيادة الزعيم حيث كان أحدهم يحمل سلة تفاح إليه على سبيل الهدية عندئذ أطلق أحدهم عياراً نارياً من مسدسه فأصيب في رأسه وفارق الحياة في المشفى وقد اتهمت الكتلة بقتله وما زال الغموض يكتنف حادثة الاغتيال حتى وقتنا الراهن وقد ظهرت اجتهادات متعددة حيال ذلك ولكنه كان حدثاً مزلزلاً ترك عميق الأثر في الوجدان الشعبي حيث أقيم للشهبندر مأتم وطني حافل قلّ أن تشهد دمشق مثيلاً له.
    يؤثر عن الشهبندر أنه لوحظت دمعات في عينيه خلال نقله إلى المشفى وربما بكى وهو في الطريق أسى وحزناً على نفر من بني دمه أبوا إلا أن يقتلوه ظلماً وعدواناً.
    وقد رثاه الشاعر عمر أبو ريشة في قصيدته البتراء يقول:
    فاعذريه إذا ترقرق في جفنيه
    ما يشبه الدموع الجواري
    فمن المبكيات أن تُقتل الأحرار في غير ملعب الأحرار
    فيوهناك الكثير من التفاصيل تتعلق باستشهاد عبد الرحمن الشهبندر الذي كان رجلاً موسوعي الثقافة متعدد المواهب ولعل الموهبة الأهم التي حباها الله سبحانه له أنه كان رجلاً حراً مؤمناً بسورية إلى درجة الإدمان ووفياً لفكرة العروبة «نحن عرب قبل أن نكون سوريين» و«ليس لسورية مجد أكيد وتاريخ حافل بالمفاخر إلا بعد الفتح العربي».

    من أقواله
    - إن الأمة التي لا تتحد وقت الخطر لا أدري كيف تستطيع الاتحاد وقت السلام.
    - خير لكم أن يُخاف منكم من أن يُشفَق عليكم.
    - خير لنا أن نغرق متحدين من أن نطفو متفرقين.
    - إن العراق من غير سورية قصر بلا باب.. وسورية من غير العراق باب بلا قصر.
    - لقد ذهبنا إلى المشانق مسلمين ونصارى في سبيل العروبة.
    - الأمة التي لا تسفك دمها في سبيل الحق لا تستحق شرف الحق.
    - من لا يحب وطنه فلا إيمان له.
    لقد كان عبد الرحمن الشهبندر مناضلاً وطنياً عروبياً ومتنوراً من أعلام النهضة.
    شخصية مفرطة في المثالية والوطنية فهو كما قال عنه محمد كرد علي: جمع الشهبندر في شخصه الأدب والعلم والسياسة على أكمل وجه.
    وقال عنه سلطان باشا الأطرش: كان زعيماً بوطنيته وجهاده وعلمه وفنه لم يدع ساعة من وقته لنفسه أو لعائلته بل وقف حياته كلها على خدمة وطنه بإيمان زاخر وتجرد لا حدّ له، وهبه الله مزايا عالية لا تجتمع في رجل واحد.
    إنه الرجل «الذين نكسنا أعلامه ورفعها التاريخ عالياً» كما قال حسن الحكيم وهو أحد رؤساء وزراء سورية السابقين.
    ليس من السهل الإحاطة بكل جوانب شخصية عبد الرحمن الشهبندر الرجل الذي استحق أن يكون جار صلاح الدين الأيوبي.
يعمل...
X