إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مروان ياسين الدليمي - في العرض المسرحي الجان والمجنون

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مروان ياسين الدليمي - في العرض المسرحي الجان والمجنون

    في العرض المسرحي الجان والمجنون

    مروان ياسين الدليمي






    مساحة ُ الدهشة ِ والانزياح ْ..

    تأليف واخراج : بيات محمد مرعي
    تقديم : تربية نينوى
    تاريخ العرض : 16/4/2012
    مكان العرض : قاعة فرقة مسرح قره قوش


    الخروج من ذاكرة المُتلقي
    مشهدية العرض المسرحي المعاصر في مدينة الموصل تكاد أن تنحسر بشكل واضح في تجارب معدودة يمكن الاشارة اليها بعيدا عن السقوط في الارتباك والغموض اللذين يمكن ان يصيبا الناقد فيما لو كان يتحرك بقلمه النقدي في مشهدٍ مزدحم ٍ بتجارب مسرحية عديدة تتحرك في اطار الخروج عن النمط المُتراخي والمُتأكسدِ في حدود بركة التحليل والتفسير للنص او للعرض المسرحي دون ان يسعى هذا المشهد الى تحقيق ازاحات فنية وفكرية يقف العرض المسرحي عليها من اجل ان يكون كتابة جديدة بصرية وسمعية .
    إن مدينة مثل الموصل يمكن الولوج الى المساحة المتوهجة فيها دون عناء وذلك لندرة العروض التي تنهل من مُنحنيات القراءات المُستنطِقة لِما وراء الدلالات المَبثوثة بين أسطر الجُمل والصُور المسرحية التي يحملها النص الادبي . وغالبا ما تصبُّ مُجملُ العروض في قوالب فنية مُدونةٍ في ذاكرة المُتلقي، وهي لاتخرج عن استغراقٍ ٍ احتفالي بالنص الادبي لاغير ! بما يَحملهُ من افكارٍ وصورٍ تستمدُّ حضورها من طاقة الوضوح دون ان ترحلَ نحو الاستغراق في تفتيت المؤطِراتِ المُتمظهِرةِ التي عادة مايتخَلجَنُ المؤلفُ فيها ويُضفي عليها هالة ًمن القداسة ، وهذا المُعطى لايقتصرُ أمرهُ على الموصل فقط بل يشمل العاصمة ايضا ولكن ليس بالصورة التي تندرج عليها العروض في المحافظات . وهذا لايعني أن النشاط المسرحي خارج العاصمة مستمرٌ في ركوده الفني على مستوى الاساليب ، ذلك لاننا بين فترة واخرى نجد انفسنا ننتقل عبر عرض مسرحي جديد هنا او هناك الى زمن مُتدفق ٍ يطرقُ جدار الركود والصمت ليزرع في زخم ماتكدّس من اسمال ٍ مسرحية غيمة ًماطرة تبعثُ الامل بومضةٍ أشرقت على وجه عشاق الفن المسرحي ومتذوقيه..

    تشفير الفضاء المسرحي
    من بين العروض الجديدة التي استوقفتني خلال الايام الماضية مسرحية الجان والمجنون للمؤلف والمخرج بيات محمد مرعي فهذا العرض قد كثف مساحة الامل بما يُمكن أن يحمله المشهد المسرحي الموصلي من طاقة شعرية مُبهرة تمتلكُ الكثير من عناصر الاختزال والايحاء والتأويل . ليصبح بالتالي هذا العرض صياغة فنية غير تقليدية ازاحت ومضاتها الخاطفة التي اثثها مَرعي بمُخيلة ٍمجنونة ٍ إستَقت ْ تشردها وانتمائها في آن واحد من روح الشِعرْ الذي يدرك اسراره بيات محمد مرعي وهو الكاتب القصصي والروائي الذي يكتب جُمَلهُ عادة وهي معبأة بخمرة الشعروليقتحم بها ذائقة المتلقي المسرحي التقليدية في رؤية الاشياء الواقعية على المسرح وهي تمضي في تشكيلات غير مأهولة ٍ ، حتى ان الدفوف التي كانت مُلازمة للمجموعة شكّلت عنصرا اساسيا في بناء العرض مع الشخصية الرئيسية ( المجنون ) باتت تحمل وظيفة درامية تنطوي على هاجس جمالي يذهب بها الى محمو وظيفتها التقليدية كما هو شائع في المناقب والموالد لتواكب بانزياحها الدلالي هذا التشكيلات البصرية التي تنوعت منها المدلولات التي حمّلها اياها المخرج في كل خطوة كان العرض يخطوها الى الامام وهو يجنح في رسم ذات المجنون واحلامه الانسانية البسيطة في العيش بوطن آمن يوفر له لقمة خبز وهو يصرخ : - انا جائع.
    بساطة ُ الحلم الذي كانت تكتنزهُ ذاكرةُ المجنون ( سعيد) وهو يواجهُ حياة ًشقية ًيتنقل فيها بين القبور والاموات بينما كانت اصوات خفية مُرعبة تأتيه وتلاحقه من أزمنة مُتداخلة تتأرجحُ مابين الوهم والواقع ، الماضي والحاضر، أوحت لمُخيلة المُخرج مَرعي ان تُبقي فضاء الخشبة خالياً من قطع الديكور باستثناء عدد من المكعبات الصغيرة التي أمعن في تشفيرها وهويستثمرها في خلق توليفاته ِالصورية مع مصابيح الليز والدفوف وليفجر في لحظات العرض المتتابعة مُناخات مُتخيلة مُتتالية تعكس الصراع الداخلي المتوتر الذي كان يعصف بذهن وذاكرة المجنون سعيد . من هنا فقد نأى التشكيل السينوغرافي للعرض عن حبكة المفردات الصورية الواقعية وعَلّق ثيماته ِفي ما يمكن أنْ تنتجَهُ المخيلة ُمن تخيلات موغلة ٍفي الدهشة والغرابة عبرأدوات ٍ بسيطة ومحددة وإلى أن تكون الخشبة مساحة رحبة تتحرك فيها المجموعة على هيئة اشباح وهي ترتدي زياً مسرحياً مُوحَداً يتراوح لونه مابين الاسود والابيض وهو يغطى جسد كل فرد من افراد المجموعة حتى وجوههم التي مُسِخَت واختفت وضاعت ملامحها لتبدو بشكل ٍ واحد وملامح واحدة . هذا الاختزال الذي كان سمة هذا العرض استثمر القيمة الدرامية للضوء في ازاحاته التعبيرية التي فكَكَ الضوءَ بتدرجاته ِاللونية ، العوالم الثُنائية المتضادةَ والمتصارعة مابين الذات والعالم والتي اختزلتها بؤرة الصراع القائم مابين سعيد والمجموعة فكان الضوء ملفوظة بصرية تتحرك داخل متن الحكاية الدرامية وليس على الهامش منها ، ولم يكن للعمل من دونها ان يوصِلَ جملتَهُ البصرية التي اطلق من خلالِها مِعمَارهُ الفني المعبأ بالدهشة .
    ان هذا العرض المسرحي الذي تحرك نسيجه الدرامي في لوحة بصرية أنيقة ٍ دون بذخ ولاإسراف إنتاجي ، استطاع أن يُزيح عنّا حالة التساؤل والشك التي باتت تُصاحبُنا نحن المسرحيون خلال الاعوام القليلة المنصرمة حول جدوى الفن المسرحي ؟ ومالذي يمكن ان يدفع المتفرج للذهاب الى صالة العرض المسرحي بعد ان امتلك الفن السينمائي امكانات تقنية هائلة وفرتها له التقنية الرقمية مكنته من تقديم كل ماكان يبدو مستحيلا قبل عدة اعوام ؟ .
    في هذا العرض تلمست الجوابَ عن هذه الاسئلة ، وانزاحت بقدر كبير تلك الشكوك بجدوى الذهاب الى العرض المسرحي ، فلقد كشف هذاالعرض عمّا يمكن أن يصل اليه المسرح من مساحات واسعة ورحبة في الرؤية الفنية واشكال التعبير عنها قد لاتستطيع السينما ان تنافسه فيها اذا ماأخذنا بنظر الاعتبار محدودية المكان الذي تُنسَجُ فيه عوالم فضفاضة تتفجر منها صور انسانية ..

    طواعية الجسد في الاداء المسرحي

    اما فيما يتعلق بالاداء المسرحي للممثل الرئيسي في هذا العمل، الفنان احمد الجميلي، فلقد تمكن الجميلي ان يمنح الشخصية بُعدها الانساني وهو يتحرك برشاقة وحيوية على الخشبة وكانت قدراته الجسدية ولياقته البدنية قد أسعفته بذلك ، وهذا يعني ان الجميلي يُدرك تماما ان الدخول الى التجربة الانسانية في العرض المسرحي بكل ابعادها تستدعي اقتفاء التفاصيل والافعال دون تعقيد ودون اللجوء الى الاسراف في التعبير والمشاعر وهذا ماسيؤدي بالتالي الى لحظات آسرة في آداء الممثل وهو يتحرك بكل حرية مابين الحلم والواقع ،ومابين المتخيل والملموس ، واذا لم يكن جسد الممثل رشيقاً وبدنه مَرِناً ومطواعاًُ فلن يتمكن من تفجير الحياة ونبضها في جسد الشخصية التي تتحرك على الخشبة .
    كما اختصرت الممثلة غادة التي ادت شخصية سعيدة شقيقة المجنون حسرَتنا على غياب العنصر النسوي من النشاط المسرحي الموصلي خلال الاعوام الماضية واكتملت بحضورها جوقة المبدعين الذين ايقظوا فينا مشاعر من الحب والعشق للفن المسرحي كانت قد خبت جذوتها بفعل كم من العروض التي لا تخرج عن سياق التكرار والاجترار لعروض مسرحية سابقة .



يعمل...
X