سواء كنا نتحدث عن أمواج الضوء التى تصطدم بالشبكية، أو أمواج الصوت التى تتذبذب في الأذن الداخلية، أو التأثيرات التى تتعرض لها الخلايا الموجودة في القناة الشمية بالأنف، فإن وابلاً من المعلومات يتساقط علينا باستمرار. وقد أدت عملية التطور مهمتها بحيث إنه عندما تعمل أعضاء الإحساس لدينا بصورة طبيعية، فستكون متكيفة بصورة متقنة لاستقبال هذه المعلومات. لكن الإحساس لا يتعلق بالمستقبلات الموجودة في العينين، والأذنين، والأنف، واللسان، والجلد، وباقى أعضاء الإحساس. فنحن لا نحس فعلياً بأى شيء قبل أن تصدر إشارات من هذه الأعضاء وتصل إلى الجزء المعنى من الدماغ.
ونحن كبشر لدينا الأعضاء أو الأجهزة التى تمكننا فقط من التقاط مجموعة منتقاة من المعلومات الخام التى تحيط بنا، وذلك لمساعدتنا في التعرف على العالم من حولنا.
وفى الواقع نحن لا نشم الروائح فعلياً بأنوفنا، ولا نسمع بآذاننا ولا نرى بأعيننا. وإن أردنا الدقة، فنحن نحس بالعالم فقط عندما يترجم كل عضو من أعضاء الجسم المنبهات الخاصة به إلى سيالات كهربائية عصبية ترسل إلى مواضع متخصصة لها في الدماغ. وبطبيعة الحال، إذا أصاب التلف واحداً من أعضائنا الحسية، أو تلف مركز أحد مواضع استقبال السيالات الكهربائية المرسلة من العضو الموجودة في الدماغ، فسيؤثر ذلك على قدرتنا على تجربة هذا الإحساس. ولكن إذا نحن دققنا أكثر نجد أن كل هذا غير كاف لحدوث الشعور والوعى بالأحاسيس، فواردات الحواس من الأعضاء الحسية إلى مركزها في الدماغ هى بالآلاف إن لم تكن بالملايين، والذى يتم اختياره وإدراكه والوعى به منها هو الذى يدخل أو يتم إدخاله إلى "ساحة الشعور" أو ما يسمى "بسبورة الوعي" وهو جزء صغير جداً من الذى يصل إلى مركز الحس المتعددة.
فالذي يصل من الأعضاء أو الأجهزة الحسية تجرى عليه معالجة واختيار وتنظيم، ويمكن أن يجزأ ويعالج في عدة مركز في الدماغ، فالسيالات العصبية الكهربائية الآتية من العينين تجزأ وتذهب إلى عدة مراكز في الدماغ ويعالج كل منها على حدة، ثم تنظم وترسل إلى سبورة الوعي ليتم الشعور والوعي بها.
ويجب أيضاً أن يسمح لها بدخول سبورة الوعي، وإلا لن يتم الشعور بها، فنحن في أحيان كثيرة لا نعى أو لا نشعر بما تم وصوله من سيالات عصبية من العينين إلى الدماغ، نتيجة أمور أهم تجعلنا مدفوعين لوعيها والشعور بها، فحتى أقصى الآلام يمكن أن لا نشعر بها إذا كان هناك ما يهدد حياتنا أو أمور هامة جداً بالنسبة لنا يجب الانتباه إليها وتركيز الشعور والوعى بها.
يقول ركس نايت ومرجريت نايت في كتابهما "المدخل إلى علم النفس الحديث": الفرق بين الإحساس الخام والإدراك الحسي، إن الإحساس هو ما يتكون لدينا من خبرة نتيجة تنبه الخلايا العصبية الكائنة في إحدى مناطق الدماغ الحسية، في حين أن الإدراك الحسى هو الإحساس مضافاً إليه شيء أكثر، أى تضاف إليه الخبرة الناجمة عن تنبيه الخلايا العصبية الموجودة في المناطق الأخرى في الدماغ. فالإدراك الحسي، بعبارة أخرى، هو الإحساس المعزز بالذاكرة وبالصور المستمدة من الخبرة الماضية والناشئة عن التداعي. والإدراك الحسى يتأثر كثيراً بما يكون عليه انتباهنا أو تأملنا ورغبتنا وأهدافنا".
فالأحاسيس هى أجهزة الإنذار والإعلام لكل ما يتعرض له الكائن الحى من مؤثرات داخلية وخارجية.
إن أية مؤثرات -داخلية أم خارجية- تتعرض لها البنية الحية وتكون بقوة معينة ترد عليها هذه البنية باستجابة، وهذه الاستجابة تكون إما على شكل فعل وحركة أو استجابة كيميائية أو فزيولوجية، أو حسية، أو الاثنتان معاً.
فالإحساس هو نوع من الاستجابة للمؤثرات التى يتعرض لها الكائن الحى وهى استجابة إنذارية أو إعلامية.
وبالنسبة لنا نحن البشر لدينا أجهزة إحساس متطورة جداً ومعقدة، وذلك نتيجة امتلاكنا لجهاز عصبي متطور جداً ودماغ متطور. فنحن لدينا أحاسيس أولية خام ولها أساس فزيولوجي موروث مجهزين بها عند ولادتنا وهي:
1ـ أحاسيس إعلامية -تكون في أول الأمر محايدة- مثل الأحاسيس البصرية والسمعية و الشمية و اللمسية.
2ـ أحاسيس الإنذار والتحذير-أحاسيس الألم- مثل الأحاسيس الناتجة عن التعرض للحروق والجروح والمواد المؤذية للجسم، والأحاسيس الدالة على حدوث اختلال في توازن من التوازنات الفزيولوجية للجسم، مثل أحاسيس الجوع والعطش، والبرد والحر.....، وهذه الأحاسيس دافعة وموجهة للفعل والعمل والاستجابة المناسبة.
3ـ أحاسيس اللذة والراحة والسعادة.. الناتجة عن إرواء أو تحقيق أحد الدوافع، مثل الأحاسيس الناتجة عن تناول الطعام بعد الجوع، أو شرب الماء بعد العطش.. وهذه الأحاسيس هى أيضاً دافعة للفعل والعمل والقيام بالاستجابة المناسبة.
4ـ أحساسات إعلامية وتحذيرية في نفس الوقت، وفى الواقع تتحول الأحاسيس الإعلامية المحايدة أثناء الحياة إلى أحاسيس تحذير أو ترغيب حسب الظروف المعاشة.
5ـ الأحاسيس المرافقة للانفعالات وهى كثيرة ومتنوعة، مثل أحاسيس الحب والغيرة والخوف والحقد والغضب والزهو والفخر... الخ.
وبالإضافة إلى ذلك نجد عند الإنسان بشكل خاص أحاسيس جديدة تكونت نتيجة الحياة الاجتماعية والثقافية.
وتتفاعل هذه الأحاسيس مع بعضها عند حدوثها معاً، فتولد مشاعر ووعى متطوراً ومعقداً، والأحاسيس الأخلاقية والدينية والروحية والفكرية والفنية وباقى الأحاسيس الاجتماعية المتطورة هى مثال على ذلك.
ما هى الطرق التى تدخل بها المؤثرات، أو التيارات العصبية، الى ساحة الشعور والوعي؟
هناك أولاً:
واردات الحواس وهى التيارات العصبية الآتية من المستقبلات الحسية الداخلية مثل الإحساس بالجوع أو العطش، والخوف وأحاسيس الانفعالات الكثيرة الأخرى...، والواردة من مستقبلات المؤثرات الخارجية، مثل النظر والسمع.... وباقى مستقبلات الحواس الأخرى للعالم الخارجي.
وثانياً :
واردات الذاكرة وهى التيارات العصبية الآتية من اللحاء وباقى أجزاء الدماغ وهي:
أ- التداعى نتيجة الإشراط والارتباط أو التتابع الزمني.
ب- التداعى نتيجة الارتباط للتشابه في التأثيرات أو المعنى -التشابه الذى يسمح بالتعميم-
ج- الاستدعاء المخطط الإرادى الواعي، أى التفكير والتذكر، نتيجة المعالجات الفكرية الإرادية الواعية.
وهناك فرق بين ما ترسله أعضاء الحس أو المستقبلات الحسية، وبين ما يتم ألإحساس والشعور والوعى به فعلياً، وذلك نتيجة تفاعل هذين المصدرين واردات الحواس من جهة والتيارات العصبية الأخرى الواردة من بنيات الدماغ، وأسباب أخرى.
يتــــــــبع
تعليق