إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أعز ما تملك

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أعز ما تملك

    كانت هذه الليلة الأولى التى يلتقيان فيها منفردين فى
    مكان .. وكانت تجلس فى استرخاء كأنها تنام .. وشفتاها
    تهمسان .. فى حلم .. وصوتها يرتجف ..

    - دعنى أحكى لك الأشياء التى لم أقلها لأحد , وأصارحك
    بالحقيقة التى لم أواجه بها مخلوقا حتى نفسى .. أنا إنسانة
    جبانة تماما ..

    لقد عشت ثلاثين سنة على تقليد الناس ومحاكاتهم .. حينما
    كنت فى مدرسة البنات كنت أعيش على خيالات زميلاتى
    وأحلامهن .. كنا نجتمع بالليل فى غرفة النوم , وتحكى كل واحدة
    مغامراتها , وتصف الولد الذى تحبه , وأجلس أنا أستمع إليهن
    وأهيم بكل هؤلاء الأولاد وأتغذى على هذه الخيالات وأستعير
    هذه الأحلام لأملأ بها وحدتى وفراشى .. فلم تكن لى مغامرة
    أحكيها مثل بقية البنات .. وكانت الناظرة تقول عنى إنى فتاة
    طاهرة الذيل ومستقيمة .. ولكنى كنت أعلم أنى لست طاهرة كما
    تتصور الناظرة .. ولكنى ملوثة .. فكرى ملوث .. وأحلامى ملوثة ..
    وجسمى ملوث بالرغبات .. التى لا أجرؤ على تحقيقها ..

    وحينما كنت أقف أمام المرآة وأسمع صوت أمى تقول لى .
    أنت مثل الولد .. لا ينقصك إلا الجاكتة والبنطلون لتكونى ولداً ..
    كنت أبعد عيني عن المرآة .. وأرتدي ثيابى بسرعة ..
    وأهرول إلى المدرسة .. وكنت طوال الطريق أهرول وأجرى
    وأسرع فى خطواتى كأن هناك شرطياً يجرى خلفى .. كان يخيل
    إلى أن الناس ينظرون إلى ظهرى وإلى كتفى العريضتين
    وشعرى القصير كشعر الولد .. وكنت أجرى هاربة من نظراتهم ..

    وكانت مشيتي السريعة الجافة تضفى على مظهراً آخر من
    مظاهر الجد والاستقامة ..
    وكنت أسمع جيرانى يقولون .. هذه البنت المؤدبة .. انظروا
    كيف تمشى كما يمشى الرجل .. لا أحد يجرؤ على معاكستها ..
    والحق أنى كنت أموت شوقاً إلى معاكسة.
    وحينما فكرت ناظرة المدرسة فى إنشاء فرق للنشاط المدرسى
    لم يخطر بذهنها أى فتاة لتكون رئيسة فريق الرياضة البدنية
    سوى .. فاطمة .. بالاسم .
    وهكذا أصبحت رئيسة فرقة الرياضة البدنية مع أنى كنت
    أذوب شوقاً لأكون فى فرقة الرقص أو الغناء أو الموسيقى .

    ولكن .. كيف أجرؤ على إعلان هذه الرغبة .. وأنا فاطمة ..
    البنت المؤدبة .. الجادة .. التى تسير كما يسير الرجل .. وهكذا
    أصبحت بطلة فى السباحة .. أسافر وأكسب بطولات .. وأفوز
    بكئوس برونزية وفضية .
    ولكن فى أعماقى .. فى أعمق أعماقى .. كانت هناك حقيقة أخرى ..
    كنت امرأة .. أنثى .. أذوب شوقاً إلى لمسة غزل وأتحرق إلى
    نظرة فيها رغبة ..
    كنت أتمنى أن أشعر بطمع رجل فى أنوثتى .
    ولكنى كنت أجرى وراء مستحيل ..

    كان الاحترام يحاصرنى أينما ذهبت والتقدير والإجلال
    والاعجاب ببطولتى يطالعنى فى كل عين .. وكان فى مظهرى شئ
    يقتل رغبة الرجال ويخرس ألسنتهم ويجبرهم على الوقوف
    أمامى فى تهيب وتحفظ ..
    وكان حضورى فى مكان ينشر حولى هالة من الجد , فيكف
    الرجال عن الكلام المبتذل ويصلح كل واحد من مظهره ويجلس
    مهذبا .. ويقدمنى المضيف إلى ضيوفه فى أدب .. مدام فاطمة
    المشرفة الرياضية فى النادى .. ورئيسة فريق السباحة .. والبطلة
    الحائزة على كذا وكذا .. والمفتشة فى قسم التربية البدنية فى
    الوزارة ..

    والحقيقة أننى لم أكن أشعر بأى سعادة أو فخر لهذا
    التقديم .. وإنما كنت أشعر بالغيظ .. وكنت أشعر بأنفاسى تضيق
    من الصمت الذى يخيم على الجماعة .. وبأنى أختنق فى هذه
    الهالة من الاحترام التى تحوطنى ..
    كنت أشعر أنى سجينة فى هذه الهالة .. وأن فى داخلى امرأة
    أخرى .. لم تكتب لها الحياة أبداً..
    وكنت أحياناً أقف أمام المرأة .. وأمشى مثل مارلين مونرو ..
    وأهز أردافى ..
    وأحياناً كنت أتأمل نفسى وأنا أغتسل فى الحمام وأتحسس
    صدرى وأنا أكاد أبكى لماذا لا يعاملنى الناس على أنى امرأة ..
    وحينما خطبنى زوجى وقال لى يوم الخطوبة لقد اخترتك ..
    لأنك مؤدبة .. وجادة ومحترمة .. ومهيبة .. أحسست أنه صفعنى ..
    لماذا لم يقل : إنه اختارنى لأنى جميلة وجذابة ومثيرة ..

    وانهار أملى الوحيد الباقى .. أن أجد بيتاً أتنفس فيه .. بيتاً
    غير بيت أبى وغير النادى .. وغير مجتمع الأصدقاء الذى أموت
    فيه وتموت حقيقتى منذ ثلاثين عاماً ..
    ودخلت بيت زوجى لأعيش كما أعيش فى النادى .. جادة ..
    مؤدبة .. محترمة ..

    وفى الفراش .. حينما كنت أختلى بزوجى فى المساء بعد أن
    يذهب كل الناس .. وينتهى النهار بصخبه وضجيجه .. كان زوجى
    يأخذنى بين ذراعيه فى احترام .. ويقبلنى فى هيبة ..
    وكدت أشعر أن على أن أقوم بدور المشرفة .. والمفتشة ..
    والأستاذة .. حتى فى الفراش .. وكانت .. وكانت أنفاسى تضيق ..
    وكان صدرى يضيق .

    وظلت علاقتنا باردة منتظمة لا طعم لها ..
    وظللت أشعر فى أعماقى أنى مازلت بكراً , لم أدخل دنيا ..
    وانتهى زواجى الفاشل بالطلاق ..
    ولم يدخل حياتى رجل ..
    ولم أشعر برجولة رجل حتى التقيت بك .. ووقفت تحدثنى
    وتختلس النظر إلى صدرى .. فى اشتهاء .

    وشعرت يومها بالخجل وغطيت كتفى بالشال .. وكانت هذه
    هى المرة الأولى فى حياتى التى أغطى فيها جسمى من نظرة
    رجل .. فقد تعودت ألا يثير جسمى العارى شيئاً فى عيون
    الرجال ..

    وفى المساء حينما كنت توصلنى إلى البيت وتقول لى : إن
    صدرى ليس صدر سباحة وإنما هو صدر امرأة .. وإن جسمى
    المتفجر هو جسم أنثى .. وإننى أثيرك .. كنت أرتجف تحت وقع
    هذه الكلمات .. كنت أرتجف من الفرح .

    هذه أنا .
    هذه حقيقتى تجد صداها فى عينى رجل ..
    أخيراً .. وجدتك ..
    وأحببتك ..
    وشعرت أنك رجلى ..
    إن أعز ما تملك المرأة ليس هو جسدها أبدا ..
    أعز ما تملك المرأة هى ذات نفسها وحقيقتها وروحها ..
    وقد ظلت ذات نفسى بكراً لم يدخلها أحد .. حتى دخلتها
    أنت .. ودخلت دنياى ..

    كنت أسير محجبة .. لم يحدث أن رفعت الحجاب طيلة ثلاثين
    عاماً .. حتى امام نفسى .. كنت أتغطى .. وأخفى وجهى .. وأخفى
    رغبتى .. وأكذب .. وأمثل حتى مزقت أنت هذه الكذبة بنظرة
    واحدة من عينيك الوقحتين .. وأيقظت حقيقتي من مرقدها ..
    وهذه أنا أتكلم كما لم أتكلم فى أى يوم من أيام حياتى .. من
    كان يظن أنى سوف أنطق بهذه الكلمات .. وأمام رجل .
    إنها لحقيقة مضحكة .. ولكنى أشعر ..

    أشعر .. أنى اليوم واليوم فقط .. فقدت أعز ما أملك ..
    اليوم فقط أدخلت رجلا فى دنياى ..

    كم أتمنى لو يعلم الأزواج .. أن اقتحام جسد امرأة فى ليلة
    زفاف .. ليس شيئاً .. ليس شيئاً بالمرة .. وأن المهم أن يدخلوا
    إلى نفسها .. أولاً .

    بقلم أحمد النحاس

  • #2
    رد: أعز ما تملك

    الأخت العزيزة ميسر

    شكرا لك على اختيار هذه القصة التي وردت على لسان امرأة لتفسر و تشرح

    و تعبر عن مشاعرها و أحاسيسها في علاقة بالرجل و لتؤسس لنظرة جديدة

    و مختلفة لعلاقة الرجل بالمرأة فهي ليست علاقة جسدية غايته تلبية الرغبات

    الجسمانية و تحقيق الشهوات و الغرائز بل هي إمتلاك للنفس و غزو لدهاليز

    الذات و سكن فيها .

    تحياتي و ودّي
    إذا الشعب يوما أراد الحياة
    فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
    و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
    و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

    تعليق


    • #3
      رد: أعز ما تملك



      كم أتمنى لو يعلم الأزواج .. أن اقتحام جسد امرأة فى ليلة
      زفاف .. ليس شيئاً .. ليس شيئاً بالمرة .. وأن المهم أن يدخلوا
      إلى نفسها .. أولاً .


      جميلة القصة في طرحها مفيدة في معانيها محاكة بشكل سلس ومفهوم وخالية من التعقيد ونموذجاً لمعالجة مسألة في عمقها

      نهاية القصة مفيدة ولها خاصية على مستوى العلاقة بين الرجل والمراة لأنه من الممكن أن يصل الرجل لجسد المرأة لكن الصعوبة في مكان الولوج لنفسها وذاتها

      أشكرك ميسر
      دام عطاؤك


      تعليق

      يعمل...
      X