إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تفاقم أزمة الديون الحكومية وتأثيرها على دول المنطقة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تفاقم أزمة الديون الحكومية وتأثيرها على دول المنطقة

    ان الإقتصاد العالمي الذي أخذ يعود تدريجياً إلى التعافي قبل تفاقم أزمة اليونان، أصبح الآن مهدداً بأزمة جديدة هي ازمة الديون الحكومية. فإجراءات التقشف التي فرضت على عدد من دول منطقة اليورو لن تسمح بعودة سريعة للنمو قبل سنوات عدة قادمة، مع ما لذلك من تأثير على أسعار الصرف الرئيسية واسعار الفائدة وأسعار النفط والمعادن والسلع وأداء أسواق الأسهم والسندات العالمية والإقليمية.
    فخطة الإنقاذ المقترحة من قبل الإتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي لا تتعدى كونها حلاً لسد الفجوة التمويلية الحالية ولاتتطرق لمعالجة المشكلات الجذرية التي تواجهها اليونان وبعض الدول الأوروبية الأخرى من ضعف في الإنتاجية وفي قدراتها التنافسية وفي ارتفاع معدلات البطالة والمديونية. فالخطة تركز في المرحلة الأولى على توفير مساعدة اليونان لخدمة ديونها للأعوام القليلة القادمة، في حين أن ما تحتاجه اليونان هو اسقاط لجزء من هذه الديون المستحقة أو إعادة هيكلتها على فترة زمنية أطول وهذا من شأنه أن يعزز استقرارمنطقة اليورو ويقلص من عوامل عدم اليقين. غير أن مثل هذه الحلول الهيكلية هي من الأمور المحظور تطبيقها في الوحدة النقدية الأوروبية.
    لا بد للدول العربية من أن تتأثر بأزمة ديون اليونان، فأسعار النفط وأسعار صرف عملات دول المنطقة المرتبطة معظمها بالدولار، والتجارة مع أوروبا والتي تشكل نحو ثلث واردات دول المنطقة، بالإضافة إلى أسواق الأسهم والسندات المحلية والتي كغيرها من الأسواق الناشئة، ستتأثر بدون شك بالتطورات الناتجة عن الأزمة اليونانية. وإذا ما انتشرت هذه الإزمة إلى دول أوروبية أخرى مثل أسبانيا والبرتغال وايرلنده وإيطاليا، عندها ستكون حجم المشكلة أكبر وسيكون تأثيرها أوضح على دول المنطقة.
    من أهم عوامل عدم اليقين الناتجة عن الأزمة في اليونان هو حدوث تراجع مضطرد في أسعار النفط مما سيكون له تأثير مباشر على إيرادات النفط والنفقات الحكومية وتأثير غير مباشر على أسواق الأسهم وثقة المستثمرين. ولقد تراوحت أسعار النفط بين 70 دولار و 85 دولار للبرميل خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، ونتوقع أن يكون المعدل السنوي في حدود 65 دولار للبرميل لعام 2010، مقارنة مع معدل 61 دولار للبرميل عام 2009 و 100 دولار للبرميل عام 2008. والمعدل المتوقع هو أعلى من السعر المفترض للبرميل في ميزانيات دول مجلس التعاون لهذا العام والتي تراوحت بين 45 دولارا للسعودية و 55 دولارا للإمارات.
    غير أنه إذا ما هبطت أسعار النفط إلى ما دون 60 دولارا للبرميل في المعدل، فإن الوضع الإقتصادي والمالي ككل سيتأثر. ويجدر بالذكر أن ميزانيات بعض دول المنطقة أظهرت عجزاً العام الماضي مع أن معدل سعر برميل النفط كان في حدود 61 دولارا، مقارنة مع تحقيق فائض في الميزانية عام 2003 عندما كان سعر برميل النفط عند 30 دولارا في المعدل. هذا دليل على أن دول المنطقة وضعت موضع التنفيذي سياسات مالية معاكسة للدورة الإقتصادية ((counter cyclical، أي سياسات محفزة عندما يتراجع النشاط الإقتصادي واخرى متشددة عندما تظهر الضغوط التضخمية، اضف إلى ذلك أن دول المنطقة أصبحت اليوم تعتمد أكثر على القطاع العام ليكون المحفز الرئيسي للنشاط الإقتصادي. هذه العودة الدراماتيكية للحكومات والتي أصبح مطلوبا منها أن تلعب دورا أكبر على الساحة الإقتصادية، تزيد من اعتماد دول المنطقة على الإيرادات النفطية وتجعلها أكثر تأثرا بالتغيرات المستجدة في أسعار النفط.
    العامل الآخر الناتج عن أزمة اليونان هو ارتفاع سعر صرف الدولار والعملات العربية المرتبطة به مقابل اليورو، إذ يتداول الدولار الآن عند حوالي 1.23 دولار لليورو والتوقعات بأن يتراجع اليورو إلى أقل من ذلك خلال الأسابيع أو الأشهر القادمة. فالاقتصاد الأمريكي يشهد بداية دورة نمو اقتصادي قوية ستؤدي إلى عودة اسعار الفائدة على الدولار للإرتفاع مع بداية العام القادم مقارنة مع نمو بطئ في أوروبة يتطلب الإبقاء على اسعار الفائدة على اليورو عند معدلاتها المالية المنخفضة. وقد يصل اليورو إلى مستوى دولار واحد إذا أنتقلت الأزمة لتشمل دولا أوربية أخرى. فمثل هذه التطورات إذا ما حدثت ستنعكس سلبيا على دول شمال افريقيا بما فيها مصر و إيجاباً على دول المنطقة الأخرى التي ترتبط عملاتها بالدولار، سواء من ناحية تقليص الضغوطات التضخمية المستودرة من الخارج، أو لكون مثل هذه التطورات تساعد على جذب المزيد من التدفقات الرأسمالية أما بشكل ودائع مصرفية أو استثمارات موجهه إلى أسواق الأسهم والسندات الإقليمية.
    يتوقع ان ينعكس التراجع في الأسواق المالية العالمية بسبب الأزمة في اليونان سلباً على أسواقنا المحلية ويقلص من التحسن المتوقع هذا العام. لقد لاحظنا مؤخراً كيف أن موجات الأرتفاع أو الهبوط في أسعار الأسهم تبدأ في الأسواق المتقدمة وتنتقل تباعاً بين أميركا وأوروبا وآسيا وصولاً إلى منطقتنا. فالتحركات في أسعار الأسهم المحلية أصبحت تعكس بشكل متزايد حركة الأسواق الخارجية إلى الحد الذي بات معه المساهمون يتابعون مؤشرات الأسهم العالمية وأسعار النفط لإتخاذ القرارات المحلية متجاهلين في كثير من الحالات المعطيات الخاصة بإداء الشركات المدرجة في أسواق دول المنطقة.
    لقد اصبح المستثمرون أكثر تنبهاً بعد ازمة اليونان للتنامي السريع في حجم الديون السيادية للدول وفي اسراف الحكومات في الإستدانة والإنفاق لتحقيق معدلات تفوق طاقتها. ومع ان نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي لمعظم الدول العربية (ما عدا لبنان و دبي) ما زالت عند مستويات معقولة، إلا ان الأسواق اخذت تراقب الطريقة التي تدار بها المالية العامة. فإذا كانت القروض لتمويل عجز الميزانية تصرف لأغراض استهلاكية ونفقات عسكرية وإدارية، فهذا يعتبر معلقا ومؤشرا على تفاقم المديونية مستقبلا، غير انه إذا كانت القروض تصرف على مشاريع ترفع من الإنتاجية ومن قدرة الإقتصاد على المنافسة، فإن الوضع سيكون مطمئنا من ناحية قدرة الدولة على خدمة ديونها واعادة تمويلها عند الإستحقاق.
    ويجب التنبه ايضا إلى نسبة التضخم في البلاد خاصة تلك الناتجة عن ضخ المزيد من السيولة لتمويل العجز في الميزانية. فالتضخم يزيد من قيمة الناتج المحلي ويكبر من حجم الإقتصاد بالأسعار الجارية، فتتراجع بذلك نسبة المديونية إلى هذا الناتج وهو المعيار الذي يراقبه المستثمرون لتحديد حجم الدين الملائم للدولة. ومثل هذا يعتبر تحسناً وهميا لأنه يؤدي إلى تفاقم المشكلة مستقبلا. كما ان الإعتماد على الدين الداخلي ليس بالضرورة افضل من الإعتماد على الدين الخارجي والذي عادة ما تكون تكلفته اقل ويؤدي إلى تدفقات نقدية جديدة من الخارج، كما يمكن اعادة جدولته عند الحاجة أو الطلب من المقرضين اسقاط جزءا منه، في حين ان الدين الداخلي يبقى ملزما على الأفراد والمؤسسات وعند اعادة جدولته يكون له تأثير سلبي كبير على الجهاز المصرفي المحلي.
    كما أن المشكلات التي تواجهها منطقة اليورو قد تؤثر على اطلاق العملة الخليجية الموحدة. فالإتحاد النقدي المدعوم بوجود بنك مركزي أوروبي وعملة موحدة هي اليورو شكلت الأساس لنموذج العملة الموحدة بين دول الخليج. كما أن القائمين على الوحدة النقدية استفادوا كثيراً من الدعم الفني الذي قدمه البنك المركزي الأوروبي ووضعوا موضع التنفيذ برنامج محدد للوصول إلى العملة الموحدة شبيه بالذي تم تطبيقه في دول المجموعة الأوروبية التي اختارت اليورو. والمشكلة التي تواجه اليونان اليوم تشير إلى ضرورة تحقيق تنسيق أكبر بين الإقتصادات قبل الإنضمام إلى الإتحاد النقدي عن طريق قيام مشاريع بنيه اساسية مشتركة، ونجاح الإتحاد الجمركي بين الأعضاء، والتأكد من ان ارقام الدين العام واجمالي الناتج المحلي هي ارقام موثوقة وتحسب بطريقة متطابقة بين الدول الأعضاء. وقد يكون إحد الدروس االمكتسبة من هذه الأزمة ضرورة وجود نوع من الإتحاد الإقتصادي اي تقارب أكبر في السياسات المالية والإقتصادية للدول الإعضاء في الإتحاد النقدي لتكون بذلك مكملةً للسياسات النقدية وليس على نقيض لها. وقد ينتهي المطاف بأن ُيسمح للدول الأعضاء في الوحدة النقدية بالتحقق كل بمفرده وبشكل دقيق ومقنع بأن الدول الإعضاء الأخرى تتبع سياسات مالية سليمة، على أن يكون هناك حوافز مالية واقتصادية للذين ينجحون في إبقاء عجز الميزانية والدين العام كنسبة من إجمالي الناتج المحلي ضمن الحدود المتفق عليها، وفرض عقوبات على الذين يفشلون في ذلك، بما فيها طردهم من الوحدة النقدية عند الضرورة.
    ان التغيرات التي تشهدها منطقة اليورو اليوم هي أحدى ظواهر الوضع الطبيعي الجديد للإقتصاد العالمي أو ما يسمى (New Normal). فالدول الغنية تحولت إلى دول مقترضة، والدول الصاعدة أصبحت هي الدول المُقرضة، والدول التي تأثرت أقل من غيرها بالازمة المالية العالمية، مثل الصين والهند والبرازيل وكورية وجنوب أفريقية وغيرها، يتوقع أن تشهد معدلات نمو مرتفعة تقدر بحوالي 6.5% في المعدل هذا العام، مقارنة مع نمو متوقع لمنطقة اليورو لا يزيد عن 1% و 3% لأمريكا. كذلك ارتفعت حصة الإنفاق الإستهلاكي لمجموعة الدول الصاعدة من 23% من إجمالي الإنفاق العالمي عام في 2002 إلى حوالي 35% في عام 2009، في حين تراجعت حصة الولايات المتحدة من 36% إلى 28% خلال هذه الفترة. ولقد برزت القوة السياسية للدول النامية كما حدث مؤخرا عندما قامت البرازيل و تركيا بمحاولة لإبعاد خطر العقوبات الإقتصادية عن ايران.
    وسيشجع الفرق في معدلات النمو والاستهلاك للدول الصاعدة مقارنة مع منطقة الإتحاد الأوروبي وأمريكا إلى جذب المزيد من رؤوس الأموال للإستثمار في أسواق هذه الدول. وهذا سيؤدي إلى تفاقم أسعار الأصول هناك من عقارات وأسهم ومواد خام، إضافة إلى ارتفاع أسعار صرف عملات هذه الدول( على سبيل المثال أرتفع الريال البرازيلي بنسبة 40% مقابل الدولار منذ بداية مارس 2009)، وهذا بدوره سيجذب المزيد من أموال المضاربة لتضيف إلى الضغوط التضخيمية في أسواق هذه الدول. فمن جهة اصبح الإقتصاد العالمي مهددا بأن يشهد معدلات نمو ضعيفة في الدول المتقدمة، ومن جهة اخرى ستشهد الدول الصاعدة ظهور فقاعات جديدة في اسعار الأصول لديها.
    هناك تفاقم إذا في مخاطر الدول المتقدمة وتحسن في مخاطر الدول النامية، غير ان الأسواق ما زالت تظع اسعار اقتراض ومعدلات تأمين على القروض (CDS) اعلى للدول النامية منها لبعض الدول الأوروبية والتي تواجه صعوبة في خدمة ديونها، لذلك سيجد الذين يتحولون لتركيز استثماراتهم على اسواق الدول الصاعدة أنهم أكثر المستفيدين خلال السنوات القليلة القادمة.
يعمل...
X