فن التخطيط وأثره في حياة الداعية
يحيى الخالدي
بسم الله الرحمن الرحيم
التمهيد
إن المتابع للأعمال الدعوية القائمة يلاحظ ضعف التخطيط في العمل الدعوي مما أسهم في إضاعة الكثير من جهود الدعاة وإضعاف ثمار أعمالهم الدعوية، وجعل كثيرًا من البرامج تنفذ لمجرد التنفيذ فقط، ولا ريب أن من أهم السمات المطلوبة في الداعية إلي الله هي البصيرة بمفهومها الواسع، والتي تشمل – غير العلم بموضوع الدعوة – معاني أخرى كثيرة من أهمها: وجود الفهم الشامل لدى الداعية بأهداف دعوته ومقاصدها وإدراكه للوسائل الشرعية التي ينبغي أن يسلكها لتحقيق هذه الأهداف والتنبؤ بما يعترضه من عوائق ومشكلات، وكثيرًا ما يصاب الناس بالإحباط عندما يجدون الطريق الذي يقودهم إلي مستقبل واعد ولا يعرفون كيفية الوصول إلي نهايته، والمشكلة أن هؤلاء مع وجود الرغبة لديهم إلا أنهم بكل بساطة لا يعرفون كيف ومن أين يبدؤون؟ لذلك فإن أغلبهم يشعر بالضياع وكلما بدأ في أمر توقف قبل إتمامه وذلك لأنه يفتقد ميزة التخطيط الفعال لتحقيق أهدافه وإيجاد التوازن في حياته ما بين الواجبات والرغبات والأهداف.
والاستفادة من الوقت في التخطيط هي التي تحدد الفارق بين الناجحين والفاشلين في هذه الحياة فالسمة المشتركة بين كل الناجحين هي قدرتهم على الموازنة بين الأهداف التي يرغبون في تحقيقها والواجبات اللازمة عليهم، وهذه الموازنة تأتي من خلال إدارتهم لذواتهم وهذه الإدارة للذات تحتاج قبل كل شيء إلي التخطيط الجيد.
فالمتبصر في منهج النبي r في دعوته إلي الله يجد أنه ينطلق من رؤية استراتيجية تدرك متطلبات كل مرحلة وتدرك طبيعة البيئة التي يتحرك فيها، مع عدم إغفال أهدافها الأساسية.
فكان لازمًا على كل داعية أن يتبصر في سيرته - r من أجل معرفة التخطيط الذي انتهجه فكان نموذجًا يحتذي فتخطيطه - r - للدعوة إلي الله على مرحلتين: مكية، ومدنية.
فالمرحلة المكية اتخذت عدة خطوات منها:
1- الدعوة السرية: وكان التركيز فيها على النوعية في بناء النواة الأولى وتفادي الصدام المبكر واستيعاب الفئات الاجتماعية المختلفة، وهو ما كفل لها انفتاحًا متوازنًا على الجميع ساعد على انتشار الإسلام.
2- الدعوة الجهرية: وفيها توطين الحركة على الانضباط النفسي ضمن خطة مراحل تشريع الجهاد وخطة الهجرة للحبشة والمرونة في التعامل مع الواقع.
3- طلب النصرة من القبائل والبحث عن سند اجتماعي ، والإحاطة بالخريطة النفسية الاجتماعية لبيئة الدعوة وخطة الهجرة إلي المدينة.
أما المرحلة المدنية فقد اتخذت عدة خطوات:
1- تشريع الجهاد.
2- إدارة الصراع في مواجهة المشركين.
3- البعد الاستراتيجي لمواجهة الروم.
4- مراعاة الظروف المتغيرة في رسم الخطط الأمنية والاقتصادية.
وبعد فإن هذا النموذج يوضح لنا مدى إتقان التخطيط الذي يهدف إلي تأسيس دولة إسلامية قائمة على نظم تساعدها على تحقيق هدفها الرئيس وهو نشر الإسلام والدعوة إلي عبادة الله وحده لا شريك له.
كما أنه يقودنا إلي تساؤل كبير في معناه وهو لماذا لا نخطط؟ وإذا أردنا التخطيط والاحتذاء فما هو التخطيط؟ الذي سيقودنا – بإذن الله سبحانه – إلي النجاح بما أن التخطيط من أهم أسباب نجاح الأعمال الدعوية – كغيرها من الأعمال – والدعوة إلي الله من أهم وأشرف الأعمال لذا لا بد من خطة تحقق من خلالها الأهداف الدعوية وهذا يدفعنا في البداية إلي تعريف التخطيط.
تعليق