إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ابو الغيط ومنابع النيل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ابو الغيط ومنابع النيل

    ابو الغيط ومنابع النيل

    رأي القدس


    تتزايد أهمية قضية تحويل مياه النيل، في دائرة الاهتمام المصري الرسمي والشعبي منذ توقيع خمس دول افريقية من دول المنبع اتفاقاً يعطيها حرية الاقدام على تنفيذ مشاريع مائية دون الرجوع الى دولتي الممر والمصب، اي مصر والسودان، مثلما تنص الاتفاقات السابقة.
    اثيوبيا الدولة الاهم التي تأتي من هضبتها وامطارها الاغلبية الساحقة من مياه النهر، اي ما يعادل 85 في المئة منها (النيل الازرق) هي التي تقود التحرك الحالي لدول المنبع في تمرد واضح على مصر والسودان، ونسف للاتفاقات السابقة المحددة لحصص المياه، وخاصة اتفاقية عام 1929 التي اعطت مصر 55 مليار متر مكعب والسودان 18.5 مليار متر مكعب سنوياً من مجموع 84 مليار متر مكعب.
    الحكومة المصرية التي افاقت لمثل هذا التحرك شبه متأخرة، فوجئت بحركة التمرد المائية الاخطر، مثلما فوجئت في الوقت نفسه بحجم الانتقادات التي تركز على تقصيرها تجاه هذه القضية الخطيرة من قبل الصحافة المصرية.
    فاللافت ان تراجع الدور المصري في القارة الافريقية، ودول منابع النيل على وجه الخصوص، يتحمل المسؤولية الاكبر في حدوث هذا التطور الخطير الذي يهدد مصر والثمانين مليوناً من مواطنيها لخطر الموت جوعاً، او عطشاً او الاثنين معاً، في حال اقدام الدول الافريقية على المضي قدماً في مشاريعها لاقامة سدود تخفض حصتها المائية المقررة وفق الاتفاقيات الدولية.
    جميع الحكومات المصرية المتعاقبة، ومنذ حكم محمد علي باشا كانت تولي دول المنبع اهمية خاصة، وتحرص على اقامة علاقات قوية معها، ووصل هذا الاهتمام الاستراتيجي ذروته في زمن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، حيث تبنى معظم حركات التحرر الافريقية، واوفد البعثات العلمية والتعليمية اليها، واستقبل آلاف الطلاب الافارقة في الجامعات المصرية، والازهر بالذات للدراسة مجاناً.
    النظام الحالي، وعلى مدى ثلاثين عاماً من حكمه، اهمل القارة الافريقية، بل ودخل في خصومات شرسة مع بعض دول المنبع، ووصلت علاقاته مع دولة الممر، اي السودان الى حد التوتر العسكري، عندما افتعل قضية مثلث حلايب الحدودي بين البلدين، ودعم حركة التمرد الانفصالية في جنوب السودان، نكاية بحكم ثورة الانقاذ الوطني السودانية.
    السيد احمد ابوالغيط وزير الخارجية المصري الذي اهمل قضية منابع النيل هذه والتسلل الاسرائيلي في الفناء المصري الجنوبي لمصلحة سياسات تشديد الحصار على قطاع غزة، ومنع تسلل المهاجرين الافارقة الى اسرائيل عبر الحدود المصرية طلباً للجوء، السيد ابوالغيط أنكر في تصريحات أدلى بها يوم امس اي قصور من جانب حكومته او وزارته، وأكد ان حجم التمثيل الدبلوماسي المصري هو الاعلى في افريقيا.
    وربما يكون كلام السيد ابوالغيط صحيحاً، ولكن ما غاب عن ذهنه ان المسألة ليست في حجم التمثيل الدبلوماسي، وانما في فاعليته، ومدى تأثيره في محيطه، وباتت هناك قناعة راسخة بأن النفوذ السياسي المصري في القارة الافريقية بات في حدوده الدنيا هذه الايام.
    الدبلوماسية حتى تكون ناجحة تحتاج الى استراتيجية مدروسة تحكم مسارها وتوجه دفتها، وخبرات متخصصة لتنفيذها، ومن المؤلم ان هذين المحورين غير موجودين حالياً، ولهذا يتراجع الدور المصري في افريقيا بشكل مضطرد، لحساب دورين احدهما اسرائيلي نشط، ينطلق من خطة مستقبلية تضع هدف خنق مصر، وتهديدها في مرتكزات اسباب بقائها، وآخر افريقي يبحث عن مصالحه في الاستفادة من ثروة مائية يرى انها تشكل 'نفطاً' لا يقل اهمية عن النفط العربي الحقيقي.
    التهديد المائي لمصر حقيقي، يجب مواجهته بخطط استراتيجية بعيدة المدى، وفي اطار دعم عربي جماعي، ومن المؤلم ان التعاطي معه يتم بارتجال، وسياسات رد الفعل، والتهوين من هذا الخطر لامتصاص نقمة شعبية متنامية.

    إذا الشعب يوما أراد الحياة
    فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
    و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
    و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر
يعمل...
X