إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

شرح ثلاثة الأصول

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    رد: شرح ثلاثة الأصول



    وبعدها أُمر بالهجرة إلى المدينة.
    والهجرة: الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام.
    والهجرة فريضة على هذه الأمَّة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، وهي باقية إلى أن تقوم الساعة.
    والدليل قوله تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا{
    [النساء: 97-99].
    وقوله تعالى: }يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ{ [العنكبوت: 56].
    قال البغوي رحمه الله تعالى: (سبب نـزول هذه الآية في المسلمين الذين بمكة لم يهاجروا ناداهم الله باسم الإيمان).
    والدليل على الهجرة من السنة قوله r: «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها».
    ـــــــــــــــــــــــــــ
    المعنى العام:

    أي أنَّ النبي r بعد الثلاث عشرة سنة من بعثته أُمر بمفارقة المشركين وأوطانهم لأنه لم يتمكَّن من إظهار دينه والدعوة إلى الله تعالى.. وإظهار الدين فرض واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
    والنبي r لا يستطيع أن يقوم بواجب الدعوة إلى الله وتوحيده والإنذار عن الشرك كما أمر الله في قوله }قُمْ فَأَنْذِرْ{ [المدثر: 2] إلا بالهجرة، وكذلك صحابته رضي الله عنهم أُمِروا بالهجرة ليتمكنوا من إظهار دينهم.
    «فأعلم الله نبيه r بما أراد المشركون حينما عزموا على قتله وأذن له بالهجرة وكان أبو بكر t قد تجهَّز للهجرة إلى المدينة فقال له النبي r: «على رِسلك، فإني أرجو أن يؤذن لي»، فتأخَّر أبو بكر t ليصحب النبي r، قالت عائشة رضي الله عنها فبينما نحن في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة في منتصف النهار إذا برسول الله r على الباب متقنعًا، فقال أبو بكر: فداء له أبي أمي والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر فدخل النبي r وقال لأبي بكر: «أخرج من عندك»، فقال: إنما هم أهلك، بأبي أنت وأمي. فقال النبي r: «قد أُذِن لي في الخروج»، فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله. قال: «نعم»، فقال: يا رسول الله، فخذ إحدى راحلتي هاتين. فقال النبي r: «بالثمن»، ثم خرج رسول الله r وأبو بكر فأقاما في غار جبل ثور ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر، وكان غلامًا شابًا ذكيًا واعيًا، فينطلق في آخر الليل إلى مكة، فيصبح من قريش فلا يسمع بخبر حول النبي r وصاحبه إلا وعاه، حتى يأتي به إليهما حين يختلط الظلام، فجعلت قريش تطلب النبي r من كلِّ وجه وتسعى بكل وسيلة ليدركوا النبي r، حتى جعلوا لمن يأتي بهما أو بأحدهما ديته مائة من الإبل، ولكن الله كان معهما يحفظهما بعنايته ويرعاهما برعايته، حتى أنَّ قريشًا ليقفون على باب الغار فلا يرونهما. قال، أبو بكر t: قلت للنبي r ونحن في الغار: لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا. فقال: «لا تحزن إن الله معنا، ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما»، حتى إذا سكن الطلب عنهما قليلاً خرجا من الغار بعد ثلاث ليال مُتجهين إلى المدينة على طريق الساحل.
    ولَمَّا سمع أهل المدينة من المهاجرين والأنصار بخروج رسول الله r إليهم، كانوا يخرجون صباح كلّ يوم إلى الحرة ينتظرون قدوم رسول الله r وصحبه حتى يطردهم حرَّ الشمس، فلمَّا كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله r وتعالى النهار واشتدَّ الحرُّ رجعوا إلى بيوتهم، وإذا رجل من اليهود على أطم من آطام المدينة ينظر لحاجة له، فأبصر رسول الله r وأصحابه مُقبلين يزول بهم السراب، فلم يملك أن نادى بأعلى صوته: «يا معشر العرب، هذا جَدُّكم - يعني هذا حظكم - وعزُّكم الذي تنتظرون»، فهبَّ المسلمون للقاء رسول الله r معهم السلاح تعظيمًا وإجلالاً لرسول الله r وإيذانًا باستعدادهم للجهاد والدفاع دونه رضي الله عنهم، فتلقوه r بظاهر الحرة، فعدل بهم ذات اليمين ونـزل في بني عمرو بن عوف في قباء، وأقام فيهم بضع ليال وأسَّس المسجد، ثم ارتحل إلى المدينة والناس معه وآخرون يتلقَّونه في الطرقات.. قال أبو بكر t: خرج الناس حين قدمنا المدينة في الطرق وعلى البيوت والغلمان والخدم يقولون «الله أكبر جاء رسول الله، الله أكبر جاء محمد»([1]).اهـ
    والدليل على أنَّ الهجرة فريضة على هذه الأمَّة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، وأنها باقية إلى أن تطلع الشمس من مغربها.. قوله تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا{ [النساء: 97-98]
    وقوله تعالى: }يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ{ [العنكبوت: 56].
    وقوله سبحانه: }إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ{..
    يعني ملك الموت وأعوانه، أو ملك الموت وحده، فإنَّ العرب قد تخاطب الواحد بلفظ الجمع([2]).
    و«التوفِّي»: قبضُ الرُّوح..
    }ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ{ بالشرك أو بالمقام في دار الشرك، أو بخروجهم مع المشركين يوم بدر وتكثير سوادهم حتى قتلوا معهم.
    }قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ{ سؤال توبيخ وتقريع.
    }قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ{ عاجزين عن الهجرة.
    }قَالُوا{ أي: قال لهم الملائكة.
    }أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا{ أرادوا أنكم كنتم قادرين على الخروج من بين أظهر المشركين في مكة إلى بعض البلاد التي لا تمنعون فيها من إظهار دينكم، فأكذبهم الله في قولهم: كنا مستضعفين، وأعلمنا بكذبهم.
    }فَأُولَئِكَ{ يعني: مَن هذه صفتهم.
    }مَأْوَاهُمْ{ منـزلهم.
    }جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا{ أي: بئس المصير مصيرهم إلى جهنم.
    وسبب نـزول هذه الآية:
    أنَّ قومًا من أهل مكة أسلموا، وتخلَّفوا عن الهجرة مع رسول الله r، وافتتن بعضهم وشَهِدوا مع المشركين حرب يوم بدر، فأبى الله قبول عذرهم، فجازاهم جهنم([3]).
    روى البخاري رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ ناسًا من المسلمين كانوا من المشركين، يكثرون سواد المشركين على عهد رسول الله r يأتي السهم فيرمي به، فيصيب أحدهم فيقتله، أو يضرب فيقتل، فأنـزل الله: }إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ{([4]) الآية.
    قال ابن كثير رحمه الله:
    «هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة وليس متمكنًا من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه، مرتكب حرامًا بالإجماع»([5]).اهـ
    ثم استثنى الله سبحانه أصحاب العذر الذين علم الله ضعفهم منهم فقال: }إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ{ استثناء منقطع..
    }مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً{ أي: لا يقدرون على حيلة ولا نفقة، ولا قوة لهم على الخروج؛ لفقرهم وعجزهم.
    }وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا{ أي: ولا يعرفون طريقًا يسلكونه يوصلهم إلى مكان هجرتهم.
    وتتمة الآيات: }فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا{ [النساء: 99]، أي: يتجاوز عنهم بفضله وإحسانه.
    و}عَسَى{ وإن كان للإطماع فهو من الله تعالى واجب؛ لأنَّ الكريم إذا أطمع أنجز.
    وفي الحديث «من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله»([6]).
    قال ابن عباس رحمه الله: كنت أنا وأمي من المستضعفين، وكان النبي r يدعو للمستضعفين.
    تنبيـه:
    نَقَلَ المؤلف كلام البغوي في تفسير قوله تعالى: }يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ{ [العنكبوت: 56] قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
    «الظاهر أنَّ الشيخ رحمه الله نقل عن البغوي بمعناه – هذا إن كان نقل من التفسير؛ إذ ليس المذكور في تفسير هذه الآية بهذا اللفظ»([7]).اهـ
    قلت: هذا هو الواجب تجاه نقل أهل العلم ألاَّ يُجزم بخطئهم أو وهمهم.
    ويتعلَّق بكلام المؤلف مسائل:
    المسألة الأولى:
    الهجرة لغة: الترك، قال الراغب في «المفردات»:
    «الهَجْرُ والهجْران: مفارقة الإنسان غيره، إما بالبدن أو باللسان أو بالقلب، والمهاجرة في الأصل: مُصَارَمةُ الغير ومُتَاركتُه، من قوله عز وجل: }وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا{ [الأنفال: 74]، }وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ{ [النساء: 100] فالظاهر منه: الخروج من دار الكفر إلى دار الإيمان، كمن هاجر من مكة إلى المدينة.. وقيل: مقتضى ذلك هُجران الشهوات والأخلاق الذميمة والخطايا وتركها ورفضها»([8])اهـ
    والهجرة شرعًا: ترك ما لا يحبه الله ويرضاه والانتقال منه إلى ما يحبه ويرضاه.
    ويدخل في هذا المعنى: ترك الكفر وترك البدعة وترك المعصية وترك بلد الكفر وترك كلّ ما لا يحبه الله ويرضاه.
    أمَّا في الاصطلاح فكما عرَّفها المؤلف رحمه الله حيث قال: الهجرة الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام.
    قال ابن القيم رحمه الله:
    «ولله على كلِّ قلب هجرتان، وهما فرض لازم له على الأنفاس: هجرةٌ إلى الله سبحانه بالتوحيد والإخلاص والإنابة والحب والخوف والرجاء والعبودية، وهجرة إلى رسوله r بالتحكيم له والتسليم والتفويض والانقياد لحكمه وتلقِّي أحكام الظاهر والباطن من مشكاته، فيكون تعبُّده به أعظم من تعبُّد الركب بالدليل الماهر في ظُلم الليل ومتاهات الطريق.
    فما لم يكن لقلبه هاتان الهجرتان فليحثْ على رأسه الرماد، وليراجع الإيمان من أصله، فيرجع وراءه ليقتبس نورًا قبل أن يُحال بينه وبينه، ويقال له ذلك على الصراط من وراء السور، والله المستعان([9]).اهـ
    وفي الحديث: «والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه»([10]) فالهجرة لا يحرز فضلها إلاَّ من أعرض بقلبه وجوارحه عن كلِّ ما نهى الله عنه من ظاهر الإثم وباطنه.
    وإنما سكت في هذا الحديث عن هجرة المكان لعلم السامعين بها، أو تنبيهًا على أنها أهون الهجرتين عملاً، على أنَّ تعريف الهجرة يشمل الهجرتين الحسِّية والمعنوية؛ لأنَّ كلمة: «ما نَهى الله عنه» تتناول الإقامة في دار الشرك أيضًا، والله أعلم.
    قال الحافظ ابن رجب رحمه الله:
    «فأصل الهجرة أن يهجر ما نهاه الله عنه من المعاصي، فيدخل في ذلك هُجران بلد الشرك رغبةً في دار الإسلام، وإلاّ فمجرَّد هجرة بلد الشرك مع الإصرار على المعاصي ليس بهجرة تامة كاملة، بل الهجرة التامة الكاملة هي هجران ما نهى الله عنه، ومن جملة ذلك: هجران بلد الشرك مع القدرة عليه»([11])اهـ
    المسألة الثانية:
    سبب مشروعية الهجرة: إنَّ المؤمن يجب عليه أن يُظهر دينه([12]) معتزًّا به، ففي هذا الإظهار والاعتزاز بيان للناس عن هذا الدين وإخبار لهم بشهادة الحق «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، فالإخبار بهذه الشهادة يكون بالقول ويكون بالعمل.
    يقول ابن القيم رحمه الله:
    «الإعلام والإخبار نوعان: إعلام بالقول وإعلام بالفعل، وهذا شأن كلِّ مُعلِم لغيره بأمر، تارة يُعلِمه بقوله وتارة يُعلِمه بفعله، فمن فعل الطاعات وتقرَّب بأنواع القربات فإنه مُخبِرٌ ومُعلِمٌ بشهادته لله أنه لا إله إلا هو»([13]).اهـ
    تنبيـه:
    بعضهم قال: الهجرة إلى المدينة هي الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، وهذه الهجرة أشدّ وجوبًا لأنَّ سببها أن يجتمع المسلمون في مكانٍ واحد.. وهذا القول لا دليل عليه، فسبب مشروعية الهجرة إظهار الدين لا أن يجتمع المسلمون.
    المسألة الثالثة: حكم الهجرة:
    إذا لم يستطع المسلم أن يُظهر دينه في بلد كفر وجب عليه مفارقة ذلك البلد والانتقال منه إلى غيره، وإذا كان يستطيع إظهار دينه في ذلك البلد استُحبَّ له أن يهاجر، وقد لا يُستحب له إذا كان في بقائه مصلحة دينية من دعوة إلى التوحيد والسنة وتحذير من الشرك والبدعة علاوة على إظهار دينه([14]).
    أما قوله تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ{ [النساء: 87]، يعني لم يستطيعوا إظهار دينهم، فهذا هو معنى الاستضعاف..
    }قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا{ [النساء: 97] فدلَّ على وجوب الهجرة لأنه توعَّدهم بالنار على تركها.
    فالقصد الأول من الهجرة أن يتمكَّن من إظهار دينه ويعبد الله تعالى على عزَّة كما قال في الآية الأخرى }يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ{[العنكبوت: 56]
    والاستفهام في قوله }أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا{ [النساء: 97] للإنكار، ومعلوم أنَّ ضابط الاستفهام الإنكاري أن يكون ما بعده غير صحيح، فإذا أزلتَ الهمزة وقرأتَ ما بعدها ووجدته باطلاً وغير صحيح فإنَّ الاستفهام للإنكار.
    واستثنى الله جلَّ وعلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يقدرون على الهجرة والانتقال من بلد الكفر إلى بلد الإسلام أو لا يمكنهم معرفة الطريق ولا يهتدون إلى السبيل أو ما عندهم ما يركبون ونفقة السفر فهؤلاء قال الله عنهم }فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا{ [النساء: 99].
    وهنا تنبيهان:
    الأول- الهجرة من حيث وجوبها أو استحبابها أو غير ذلك متعلِّقة بالمسلم من جهة استطاعته إظهار دينه أولاً، وهذا يغنينا عن البحث حول تعريف دار الكفر ودار الإسلام في هذا الموطن.
    الثاني- حُكم من ترك الهجرة مع القدرة ولا يستطيع إظهار دينه: ظالم لنفسه مرتكب لكبيرة وليس بكافر لقوله تعالى: }ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ{ ولقوله: }يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ{ [العنكبوت: 56].
    «فأفاد أنَّ تارك الهجرة بعد ما وجبت عليه ليس بكافر لكنه عاص بتركها، فهو مؤمن ناقص الإيمان عاص من عصاة الموحدين المؤمنين»([15]).
    المسألة الرابعة:
    الهجرة من جهة مكانها هجرتان: عامة وخاصة، أما العامة فهي التي عرَّفها الإمام محمد بن عبد الوهاب بقوله: «الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام».
    فهذه تبقى إلى قيام الساعة، ولكلِّ بلد يظهر فيه الشرك ويكون غالبًا، فإنَّ الانتقال منه يُسمى «هجرة».
    أمَّا الهجرة الخاصة فهي الهجرة من مكة إلى المدينة، فالانتقال من مكة إلى المدينة في زمنٍ معيَّن انتهى بانتهاء كون مكة دار شرك، ولَما صارت دار إسلام بفتحها فإنه كما قال r: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية»([16])، يعني لا هجرة خاصة من مكة إلى المدينة؛ لأنَّ الدار تحوَّلت إلى دار إسلام يستطيع المسلم أن يظهر دينه فيها([17]).
    المسألة الخامسة:
    ذكر الفقهاء من الحنابلة وغيرهم هجرة أخرى غير التي نتحدث عنها هنا وهي الهجرة من بلد يكثر فيها البدع والمعاصي إلى بلد تقلُّ فيها أو لا تظهر.
    وذكر أهل العلم أنَّ مثل هذه الهجرة مستحبَّة؛ لأن بقاء المسلم في دار أهلها متوعَّدون بنوعٍِ من العذاب بسبب ظلمهم يعُرضه لتلك العقوبة.
    قال الشيخ ابن قاسم رحمه الله:
    «وكذلك يجب على كلِّ من كان ببلد يُعمل فيها بالمعاصي لا يمكنه تغييرها أن يهاجر منها»([18]).اهـ
    وقد هاجر جمعٌ من أهل العلم من بغداد كالخرقي لَما علا فيها صوت أهل البدع وكثرت فيها المعاصي وظهرت، كالزنا وشرب الخمر([19]).. وبعض أهل العلم بقي هناك قائمًا بالدعوة إلى الله جلّ وعلا والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
    وأيضًا ترك بعض العلماء مصر لَما تولت عليها الدولة العبيدية فخرجوا منها إلى غيرها، وهجرة من كان في مصر قد تُحمل على أنها واجبة وقد تُحمل على أنها مستحبَّة على حسب من كان فيها هل يُظهر التوحيد والسنة ويتمكَّن من ذلك أم لا.
    المسألة السادسة:
    «الهجرة باقية إلى قيام الساعة» يعني إلى قرب قيامها وهو كما جاء في الحديث «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها»([20])، فما دامت التوبة باقية فإن الهجرة باقٍ حكمها وهو الوجوب، وهو المعنى بقوله تعالى: }يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا{
    [الأنعام: 158].

    وقول المؤلف: (إلى قيام الساعة): أي طلوع الشمس من مغربها، وهذا الحدث قريب من قيام الساعة.
    أمَّا ثبوت الهجرة من بلد الشرك إلى بلاد الإسلام وبقاؤها فمعلوم بالنصِّ والإجماع، جاء في الحديث «أنا بريءٌ من مسلم مات بين ظهراني المشركين»([21])، وقال r: «لا تراءى ناراهما»([22])، وقال: «الهجرة باقية ما قوتل العدو»([23]).
    المسألة السابعة:
    إظهار الدين لم يكن واجبًا أول دعوة محمد r، ثم أُمروا بإظهار الدين في قوله تعالى: }فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ{ [الحجر: 94] فابتُلي من ابتُلي من المؤمنين، ولم يستطيعوا إظهار دينهم، واستأذنوا النبي r بالهجرة إلى الحبشة فأَذِن لهم بالهجرة إليها الهجرة الأولى ثم الثانية، وقيل بأنَّ هناك هجرة ثالثة.
    ثم لَمّا تبيَّن أنه لم يعد بالإمكان إظهار الدين بمكة بدليل تآمر قريش على قتل محمد r تعيَّنت الهجرة إلى المدينة.
    فائـدة:
    ابتدأ التاريخ الهجري بعد هجرة النبي r، قال السيوطي رحمه الله:
    «روى ابن أبي خيثمة في تاريخه عن ابن سيرين أنّ رجلاً من المسلمين قدم من اليمن، فقال لعمر رأيت باليمن شيئًا يُسمُّونه التاريخ، يكتبون من عام كذا وشهر كذا، فقال عمر: إنَّ هذا لحسن فأرِّخوا.
    فلمَّا أجمع على أن يؤرِّخ شاوَر: فقال قوم بمولد النبي r، وقال قوم بالمبعث، وقال قوم حين خرج مهاجرًا من مكة، وقال قائل: بالوفاة حين توفي، فقال: أرِّخوا خروجه من مكة إلى المدينة.
    ثم قال: بأيِّ شهر نبدأ فنُصيِّره أول السنة، فقالوا رجب فإنَّ أهل الجاهلية كانوا يُعظمونه، وقال آخرون شهر رمضان، وقال آخرون ذو الحجة فيه الحج، وقال آخرون الشهر الذي خرج فيه من مكة، وقال آخرون الشهر الذي قدم فيه؛ فقال عثمان: أرِّخوا من المحرم أول السنة، وهو شهر حرام. وهو أول الشهور في العَدِّة، وهو مُنصرف الناس عن الحج؛ فصيَّروا أول السنة المحرم، وكان ذلك في سنة سبع عشرة.
    وقد روى سعيد بن منصور في سُننه بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: }وَالْفَجْرِ{ [الفجر: 1] قال: الفجر شهر المحرم وهو فجر السنة.
    قال شيخ الإسلام ابن حجر رحمه الله في أماليه:
    «بهذا يحصل الجواب عن الحكمة في تأخر التاريخ من ربيع الأول إلى المحرَّم بعد أن اتَّفقوا على جعل التاريخ من الهجرة، وإنما كانت في ربيع الأول»([24]).اهـ
    المسألة الثامنة: حكم السفر إلى بلاد الكفار([25]):
    «السفر إلى بلاد الكفار لا يجوز إلاَّ بثلاثة شروط:
    الشرط الأول: أن يكون عند الإنسان علم يدفع به الشبهات.
    الشرط الثاني: أن يكون عنده دين يمنعه من الشهوات.
    الشرط الثالث: أن يكون محتاجًا إلى ذلك.
    فإن لم تتم هذه الشروط فإنه لا يجوز السفر إلى بلاد الكفار لِما في ذلك من الفتنة أو خوف الفتنة وفيه إضاعة المال لأنَّ الإنسان يُنفق أموالاً كثيرة في هذه الأسفار.
    أمَّا إذا دعت الحاجة إلى ذلك لعلاج أو تلقي علم لا يوجد في بلده وكان عنده عِلم ودين على ما وصفنا فهذا لا بأس به».
    المسألة التاسعة:
    «الإقامة في بلاد الكفار خَطرها عظيم على دين المسلم وأخلاقه وسلوكه وآدابه، وقد شاهدنا نحن وغيرنا انحراف كثير ممن أقاموا هناك»، فرجعوا بغير ما ذهبوا به، رجعوا فُسَّاقًا، وبعضهم رجع مرتدًا عن دينه وكافرًا به وبسائر الأديان والعياذ بالله، حتى صاروا إلى الجحود المطلق والاستهزاء بالدين وأهله السابقين منهم واللاحقين، ولهذا كان ينبغي - بل يتعيَّن - التحفُّظ من ذلك ووضع الشروط التي تمنع من الهوى في تلك المهالك.. فالإقامة في بلاد الكفر لا بدّ فيها من شرطين أساسين:
    الشرط الأول:
    أمن المقيم على دينه بحيث يكون عنده من العمل والإيمان وقوة العزيمة ما يطمئنه على الثبات على دينه والحذر من الانحراف والزيغ، وأن يكون مُضمرًا لعداوة الكافرين وبُغضهم، مبتعدًا عن موالاتهم ومحبتهم، فإنَّ موالاتهم ومحبتهم مما ينافي الإيمان قال الله تعالى: }لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ{ [المجادلة: 22].
    وقال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ{
    [المائدة: 51-52]

    وثبت في الصحيح عن النبي r «أنَّ من أحبَّ قومًا فهو منهم»([26])، و«أنَّ المرء مع من أحب»([27]).
    ومحبَّة أعداء الله من أعظم ما يكون خطرًا على المسلم؛ لأنَّ محبتهم تستلزم موافقتهم واتباعهم، أو على الأقل عدم الإنكار عليهم، ولذلك قال النبي r: «من أحبَّ قومًا فهو منهم».
    الشرط الثاني:
    أن يتمكَّن من إظهار دينه بحيث يقوم بشعائر الإسلام بدون ممانع، فلا يُمنع من إقامة الصلاة والجمعة والجماعات إن كان معه من يُصلي جماعة ومن يقيم الجمعة، ولا يُمنع من الزكاة والصيام والحج وغيرها من شعائر الدين، فإن كان لا يتمكَّن من ذلك لم تجز الإقامة لوجوب الهجرة حينئذ.
    وبعد تمام هذين الشرطين الأساسين تنقسم الإقامة في دار الكفر إلى أقسام:
    القسم الأول: أن يقيم للدعوة إلى الإسلام والترغيب فيه، فهذا نوعٌ من الجهاد، فهي فرض كفاية على من قدر عليها، بشرط أن تتحقَّق الدعوة وألاَّ يُوجد من يمنع منها أو من الاستجابة إليها، لأنَّ الدعوة إلى الإسلام من واجبات الدين، وهي طريقة المرسلين، وقد أمر النبي r بالتبليغ عنه في كلِّ زمانٍ ومكانٍ فقال r: «بلِّغوا عنِّي ولو آية»([28]).
    القسم الثاني: أن يُقيم لدراسة أحوال الكافرين والتعرُّف على ما هم عليه من فساد العقيدة وبطلان التعبد وانحلال الأخلاق وفوضوية السلوك؛ ليحذر الناس من الاغترار بهم، ويُبيِّن للمعجبين بهم حقيقة حالهم، وهذه الإقامة نوعٌ من الجهاد أيضًا لِما يترتَّب عليها من التحذير من الكفر وأهله المتضمّن للترغيب في الإسلام وهديه، لأنَّ فساد الكفر دليل على صلاح الإسلام، كما قيل: «وبضدها تتبيَّن الأشياء»، لكن لا بدّ من شرط أن يتحقَّق مراده بدون مفسدة أعظم منه، فإن لم يتحقَّق مراده بأن مُنع من نشر ما هم عليه والتحذير منه فلا فائدة من إقامته، وإن تحقَّق مراده مع مفسدة أعظم مثل أن يقابلوا فعله بسبِّ الإسلام ورسول الإسلام وأئمَّة الإسلام وجب الكفِّ لقوله تعالى: }وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ [الأنعام: 108].
    ويشبه هذا أن يقيم في بلاد الكفر ليكون عَينًا للمسلمين ليعرف ما يُدبِّرونه للمسلمين من المكائد فيحذرهم المسلمون، كما أرسل النبي r حذيفة بن اليمان إلى المشركين في غزوة الخندق ليعرف خبرهم.
    القسم الثالث: أن يُقيم لحاجة الدولة المسلمة وتنظيم علاقاتها مع دولة الكفر كموظفي السفارات، فحُكمها حُكم ما أقام من أجله، فالملحق الثقافي مثلاً يقيم ليرعى شئون الطلبة ويراقبهم ويحملهم على التزام دين الإسلام وأخلاقه وآدابه، فيحصل بإقامته مصلحة كبيرة ويدرأ بها شرًّا كبير.
    القسم الرابع: أن يُقيم لحاجة خاصة مباحة كالتجارة والعلاج فتُباح الإقامة بقدر الحاجة، وقد نصَّ أهل العلم رحمهم الله على جواز دخول بلاد الكفار للتجارة وأثروا ذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم.
    القسم الخامس: أن يقيم للدراسة وهي من جنس ما قبلها وهي الإقامة لحاجة، لكنها أخطر منها وأشدُّ فتكًا بدين المقيم وأخلاقه، فإنَّ الطالب يشعر بدنوِّ مرتبته وعلوِّ مرتبة معلِّميه، فيحصل من ذلك تعظيمهم والاقتناع بآرائهم وأفكارهم وسلوكهم فيقلدهم إلا من شاء الله عصمته وهم قليل، ثم إنَّ الطالب يشعر بحاجته إلى معلِّمه فيؤدِّي ذلك إلى التودُّد إليه ومداهنته فيما هو عليه من الانحراف والضلال.
    والطالب في مقرِّ تعلمه له زملاء يتَّخذ منهم أصدقاء يُحبُّهم ويتولاهم ويكتسب منهم، ومن أجل خطر هذا القسم وجب التحفظ فيه أكثر مما قبله، فيشترط فيه بالإضافة إلى الشرطين الأساسين شروط:
    الشرط الأول:
    أن يكون الطالب على مستوى كبير من النضوج العقلي الذي يميِّز به بين النافع والضار وينظر به إلى المستقبل البعيد، فأما بعث الأحداث (صغار السِّن) وذوي العقول الصغيرة فهو خطرٌ عظيمٌ على دينهم وخُلقهم وسلوكهم، ثم هو خطر على أمتهم التي سيرجعون إليها وينفثون فيها من السموم التي نهلوها من أولئك الكفار كما شهد ويشهد به الواقع، فإنَّ كثيرًا من أولئكم المبعوثين رجعوا بغير ما ذهبوا به، رجعوا منحرفين في دياناتهم وأخلاقهم وسلوكهم، ودخل عليهم وعلى مجتمعهم من الضرر في هذه الأمور ما هو معلومٌ مشاهَد، وما مثل بعث هؤلاء إلا كمثل تقديم النعاج للكلاب الضارية.
    الشرط الثاني:
    أن يكون عند الطالب من علم الشريعة ما يتمكَّن به من التمييز بين الحقِّ والباطل، ومقارعة الباطل بالحقِّ لئلا ينخدع بما هم عليه من الباطل فيظنه حقًّا أو يلتبس عليه أو يعجز عن دفعه فيبقى حيران أو يتبع الباطل.
    وفي الدعاء المأثور «اللهم أرني الحقَّ حقًّا وارزقني اتباعه، وأرني الباطل باطلاً وارزقني اجتنابه، ولا تجعله ملتبسًا علي فأضل».
    الشرط الثالث:
    أن يكون عند الطالب دينٌ يحميه ويتحصَّن به من الكفر والفسوق، فضعيف الدين لا يسلم مع الإقامة هناك إلا أن يشاء الله، وذلك لقوة المهاجم وضعف المقاوم، فأسباب الكفر والفسوق هناك قوية وكثيرة متنوِّعة، فإذا صادفت محلاًّ ضعيف المقاومة عملت عملها.
    الشرط الرابع:
    أن تدعو الحاجة إلى العلم الذي أقام من أجله بأن يكون في تعلمه مصلحة للمسلمين ولا يوجد له نظير في المدارس في بلادهم، فإن كان من فضول العلم الذي لا مصلحة فيه للمسلمين أو كان في البلاد الإسلامية من المدارس نظيره لم يجز أن يقيم في بلاد الكفر من أجله لِما في الإقامة من الخطر على الدين والأخلاق وإضاعة الأموال الكثيرة بدون فائدة.
    القسم السادس: أن يُقيم للسكن، وهذا أخطر مما قبله وأعظم لِما يترتَّب عليه من المفاسد بالاختلاط التام بأهل الكفر وشعوره بأنه مواطن ملتزم بما تقتضيه الوطنية من مودَّة وموالاة وتكثير لسواد الكفار، ويتربَّى أهله بين أهل الكفر فيأخذون من أخلاقهم وعاداتهم، وربما قلَّدوهم في العقيدة والتعبُّد، ولذلك جاء في الحديث عن النبي r: «من جامع المشرك وسكن معه فهو مثله»([29])، وهذا الحديث وإن كان ضعيف السند لكن له وجهة من النظر؛ فإنَّ المساكنة تدعو إلى المشاكلة، وعن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله t أنَّ النبي r قال: «أنا بريءٌ من كلِّ مسلم يقيم بين أظهر المشركين»..
    قالوا يا رسول الله، ولِمَ؟ قال: «لا تراءى ناراهما»([30]). رواه أبو داود والترمذي وأكثر الرواة رووه مرسلاً عن قيس بن أبي حازم عن النبي r.. وقال الترمذي: سمعت محمدًا – يعني البخاري – يقول الصحيح حديث قيس عن النبي r مرسلا.اهـ
    وكيف تطيب نفس مؤمن أن يسكن في بلاد كفار تعلَن فيها شعائر الكفر ويكون الحكم فيها لغير الله ورسوله وهو يشاهد ذلك بعينه ويسمعه بأذنيه ويرضى به، بل ينتسب إلى تلك البلاد ويسكن فيها بأهله وأولاده، ويطمئن إليها كما يطمئن إلى بلاد المسلمين مع ما في ذلك من الخطر العظيم عليه وعلى أهله وأولاده في دِينهم وأخلاقهم.
    هذا ما توصَّلنا إليه في حُكم الإقامة في بلاد الكفر، نسأل الله أن يكون موافقًا للحقِّ والصواب.
    * * *

    ([1]) من كلام ابن عثيمين في شرحه على ثلاثة الأصول حيث سرد مختصرًا لحادثة الهجرة ص(128، 129).
    ([2]) ينظر حاشية ثلاثة الأصول لابن قاسم ص(84).
    ([3]) البخاري في صحيحه كتاب التفسير (4320).
    ([4]) صحيح البخاري كتاب التفسير باب: }إنَّ الَّذين توفَّاهُم الملائكَة ظَالمي أنفسهم قَالوا فِيم كُنتم قالوا كنا مُستضعَفين في اِلأرض{.
    ([5]) تفسير ابن كثير (2/389).
    ([6]) رواه أبو داود (3/93)، والحاكم (2/141، 142) بلفظ آخر وطريق أخرى، قال الحاكم: صحيح على شرط البخاري، قال العلامة الألباني: «فالحديث عندي حسن بمجموع الطريقين»اهـ السلسلة الصحيحة (5/436)، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الرابعة 1405هـ.
    ([7]) شرح ثلاثة الأصول لابن عثيمين ص(131).
    ([8]) ص(833).
    ([9]) مدارج السالكين (2/463).
    ([10]) رواه البخاري في صحيحه كتاب الإيمان باب: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.
    ([11]) فتح الباري (1/39).
    ([12]) حاشية ثلاثة الأصول لابن قاسم ص(83).
    ([13]) مدارج السالكين (3/452).
    ([14]) فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (1/91).
    ([15]) ينظر حاشية ثلاثة الأصول لابن قاسم ص(85).
    ([16]) رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب: فضل الجهاد والسير.
    ([17]) ينظر فتح الباري (4/484).
    ([18]) حاشية ثلاثة الأصول ص(85).
    ([19]) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (1/484).
    ([20]) رواه النسائي في الكبرى (5/217) وأبو دود (3/3).
    ([21]) رواه الطبراني في المعجم الكبير (2/303).
    ([22]) رواه الطبراني في المعجم الكبير (2/303).
    ([23]) رواه البيهقي في السنن الكبرى (9/17)، ت: محمد عبد القادر عطا، مكتبة الباز، مكة المكرمة 1414هـ, وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. مجمع الزوائد (5/251).
    ([24]) تدريب الراوي (2/508، 509).
    ([25]) هذه المسألة والتي تليها من كلام ابن عثيمين في شرحه على ثلاثة الأصول ص(131-139).
    ([26]) لم أجده في الصحيح ووجدته عند الطبراني في المعجم الكبير (3/19)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/281) عن رواية الطبراني: فيه من لم أعرفه اهـ
    ([27]) رواه مسلم (4/2034).
    ([28]) رواه البخاري في صحيحه: كتاب الأنبياء، باب: ذكر بني إسرائيل.
    ([29]) رواه أبو داود (3/93).
    ([30]) رواه الطبراني في المعجم الكبير (2/303).

    تعليق


    • #17
      رد: شرح ثلاثة الأصول



      فلمَّا استقر بالمدينة أمر ببقية شرائع الإسلام مثل الزكاة والصوم والحج والجهاد والأذان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من شرائع الإسلام.
      ـــــــــــــــــــــــــــ
      المعنى العام:

      أي لَمَّا هاجر من مكة إلى المدينة واستقرَّ بها وفشا التوحيد ودان به أولئك وأقاموا الصلاة أمر ببقية شرائع الإسلام التي تعبد الله خلقه بها؛ إذ عامة شرائع الإسلام لم تشرع إلا في المدينة.
      فالزكاة فُرضت في السنة الثانية من الهجرة بشروطها وأنصبائها وأوعيتها، أما جنس الزكاة فقد كان مفروضًا في مكة([1]) كما كان جنس الصلاة مفروضًا في مكة.. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله عن قول جعفر t للنجاشي «ويأمرنا بالصلاة والزكاة»، «الأولى أن يحمل على أنه كان يأمر بذلك في الجملة، ولا يلزم من ذلك أن يكون المراد هذه الزكاة المخصوصة ذات النصاب والحول»([2]).اهـ
      وجاء في سورة المزمل: }وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا{ [المزمل: 20]
      ومن الزكاة التي أوجبت في مكة بذل الماعون الذي جاء النهي عن منعه، حيث ذكر الله صفات من يستحقُّ العذاب ومنها }وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ{ [الماعون: 7].
      والصوم فرض بالمدينة أيضًا في السنة الثانية من الهجرة، وجاء أنَّ النبي r لَمَّا هاجر وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فقال: «لِمَ تصومون هذا اليوم؟ » قالوا: يوم نجَّى الله فيه موسى ومن معه فقال: «أنا أحقُّ بِموسى منكم» وأمر بصيامه([3]).
      فكان صوم عاشوراء فرضًا، ثم لَما فُرض صوم رمضان في السنة الثانية من الهجرة صار صيام يوم عاشوراء مستحبًّا، قال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ{ [البقرة: 183]
      وقال: }فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ{ [البقرة: 185].
      والحج فُرض في السنة التاسعة من الهجرة على الصحيح([4]) فترك الحج تلك السنة r وأمر أبا بكر t أن يحجَّ بالناس وبعث معه عليًا t.
      ثم حجَّ r في السنة العاشرة ولم يحجُج غير تلك السنة.
      وفَرضُ الجهاد جاء متدرِّجًا([5])، والأذان كانت مشروعيته في السنة الأولى من الهجرة.
      إذن وهو r في مكة اهتمَّ بالدعوة إلى إفراد الله بالعبادة ونبذ الشرك، فمكث على ذلك عشر سنين، ثم فُرضت الصلاة في السنة العاشرة، وبقية أركان الإسلام فُرضت عليه في المدينة، وهذا يدلُّ على عِظم شأن التوحيد، وأنَّ الدعوة إليه هي أصل الدعوة إلى الإسلام وأساسها وقاعدتها التي إن تخلَّفت عنها فلا بناء ولا دعوة على الحقيقة، وإن لبست لباس الدين وجعل الإسلام شعارها ومحمد رسولها والله جلَّ وعلا غايتها فالعبرة بالحقائق لا بالمسمَّيات.
      مكث النبي r بين قوم فيهم من الظلم والجاهلية وخصال الشر كشرب الخمور والزنا وغير ذلك ولم يتكلَّم إلا عن شيء واحد هو: «اعبدوا الله، ما لكم من إله غيره»، يدعو إلى التوحيد وينذر من الشرك.
      ولَمَّا استقام أمر الناس في المدينة على هذا الأصل العظيم بُنِي عليه غيره من فرض الفرائض وتحريم المحرمات كالرِّبا والزنا وشرب الخمر.
      * * *

      أخذ على هذا عشر سنين، وبعدها توفِّي صلوات الله وسلامه عليه ودينُه باقٍ.
      وهذا دينه لا خير إلا دلَّ الأمَّة عليه، ولا شرّ إلاَّ حذرها منه.
      والخير الذي دلَّ عليه التوحيد، وجميع ما يُحبه الله ويرضاه.
      والشر الذي حذَّر منه الشرك، وجميع ما يكرهه الله ويأباه.
      ـــــــــــــــــــــــــــ
      المعنى العام:

      يريد المؤلف رحمه الله بقوله: «أخذ على هذا عشر سنين» أنه استمرَّ عليه الصلاة والسلام يوحى إليه بشرائع الإسلام وأوامر الله عزَّ وجل ونواهيه عشر سنين، وبعد ما أكمل الله له الدين وبلغ البلاغ المبين توفى r مبلغًا رسالة ربّه أكمل بلاغ ومبينًا شريعة الإسلام الخاتمة أحسن بيان.
      قال تعالى: }لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ{ [التوبة: 128]
      وقال r: «إنه لم يكن نبي قبلي إلاَّ كان حقًّا عليه أن يدلَّ أمته على خير ما يعلمه لهم ويُحذِّرهم من شرٍّ ما يعلمه لهم»([6]).
      وقال r: «أحبُّ الدين إلى الله الحنيفية السمحة»([7])..
      وقال r: «إنِّي لم أُبعث باليهودية ولا بالنصرانية، ولكني بُعثت بالحنيفية السمحة»([8])، كان يقول: «إنَّ هذا الدين يُسر»([9])، ولم يُخيِّر r بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا([10]).
      يقول أبو ذر t: (تركنا رسول الله r وما من طائر يُقلِّب جناحيه في الهواء إلاّ وهو يذكر لنا منه علمًا)([11]).
      فعلَّم أمته كلّ ما تحتاجه حتى الخلاء فكان ينهي عن استقبال القبلة واستدبارها أثناء البول والغائط([12])، وكان إذا أراد الخلاء أبعد، وعلَّم أمته كيفية الاستنجاء والاستجمار حتى قال أحد اليهود للصحابي سلمان الفارسي t: «علمكم كلّ شيء حتى الخراءة»، يعني كيفية قضاء الحاجة، فقال سلمان الفارسي t: «أجل»([13]).
      ومن شدَّة صبره على البلاغ وتحمُّله في ذلك ما ضرب له مثلاً واضحًا حيث رَوى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة t قال:
      قال رسول الله r: «مثلي مثل رجل استوقَد نارًا فلمَّا أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي في النار يقعن فيها وجعل يحجزهنَّ ويغلبنه فيقتحمن فيها، قال: فذلك مثلي ومثلكم أنا آخذ بحجزكم عن النار هلم عن النار فتغلبونني وتقحمون فيها»([14]).
      وقد اجتهد في تحذير أمته أبلغ الاجتهاد حتى أنه أخبرهم ببعض ما سيقع لهم وأرشدهم للخلاص فقال: «إنه من يَعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنتي وسُنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ»([15])..
      وقال: «ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة»، قيل من هي يا رسول الله؟ قال: «هي من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي»([16]).
      وإذ علم أمته هذا التعليم وأرشدهم هذا الإرشاد وبين لهم هذا البيان فإنه سيأتي يوم القيامة شهيدًا عليهم }فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا{ [النساء: 41].
      قوله «ودينه باقٍ» لأنَّ رسالته r هي الرسالة الخاتمة العامة الباقية الخالدة، وليست لأقوام معينين، ولا لأزمنة خاصة، ولذلك تكفَّل الله سبحانه بحفظ القرآن الكريم، فقال عزَّ وجل: }إِنَّا نَحْنُ نـزلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ{ [الحجر: 9].
      وهذا الحفظ يستلزم حفظ بيان هذا القرآن الكريم وهو السنة المطهرة، قال تعالى: }إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ{ [القيامة: 17-19].
      وهذا الحفظ يستلزم أيضًا بقاء حملة الكتاب والسنة الذين يبلغون ذلك للأمة إلى يوم الدين.
      قوله «وهذا دينه» يرجع إلى ما سبق إيضاحه في هذه الرسالة من معرفة العبد ربه ونبيه ودين الإسلام بالأدلَّة.
      وهو عليه الصلاة والسلام ترك أمَّته على هذا الدين وتوارثه أهل العلم خلفًا عن سلف.
      قال السلف: هذا عهد رسول الله r إلينا، ونحن عهدناه إليكم، وهذه وصية ربنا وفرضه علينا، وهي وصيته وفرضه عليكم.
      فجرى الخلف على منهاج السلف، واقتفوا آثارهم، ولا يزالون إلى يوم القيامة كما قال r: «لا تزال طائفةٌ من أمتي على الحقِّ منصورة لا يضرُّهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك»([17]).
      قوله: «لا خير إلاَّ دلَّ الأمة عليه ولا شر إلا حذرها منه» يعني أنَّ الخير الذي دلَّ الأمة عليه أصله وأساسه التوحيد ويتفرَّع عنه جميع ما يُحبُّه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
      والشر الذي حذَّرها منه أصله وأساسه الشرك بالله، ثم ما هو أقلُّ، منه جميع الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
      * * *

      بعثه الله إلى الناس كافة، وافترض الله طاعته على جميع الثقلين الجن والإنس.
      والدليل قوله تعالى: }قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا{ [الأعراف: 158].
      وأكمل الله به الدين.
      والدليل قوله تعالى: }الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا{
      [المائدة: 3].
      ـــــــــــــــــــــــــــ
      المعنى العام:

      المؤلف رحمه الله ذكر في هذه الجمل مسائل متعلِّقة بمحمد r لا بدَّ منها لِمن شهد له بالرسالة.
      المسألة الأولى:
      إنَّ الله جلَّ وعلا بعثه إلى الناس كافة عربهم وعجمهم، ذَكرهم وأنثاهم، حُرهم وعبدهم، أحمرهم وأسودهم، ولا نـزاع في ذلك بين المسلمين.. قال تعالى: }وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ{ [سبأ: 28].
      وقال تعالى: }قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا{ [الأعراف: 158].
      وقال: }وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا{
      [سبأ: 28]

      وقال r: «كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود»([18]).
      بل ثبت التصريح بأنه r «أُرسل إلى الإنس والجن»([19])، وقال تعالى: }وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ{ [الأنبياء: 107].
      المسألة الثانية:
      إنَّ الله جلَّ وعلا افترض طاعته على جميع الثقلين الجن والإنس بإجماع المسلمين، وقرن طاعته بطاعته في غير موضع من كتابه، قال تعالى: }أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ{ [النساء: 59]
      وقال تعالى: }وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنـزلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ{ [الأحقاف: 29-31].
      المسألة الثالثة:
      الله جلَّ وعلا أكمل به r الدين كما قال r: «تركتكم على المحجَّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك»([20])..
      قال تعالى: }الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا{ [المائدة: 3].
      يقول العباس t عمُّ النبي r: «والله ما مات رسول الله r حتى ترك السبيل نهجًا واضحًا»([21])، ولقد أشهد الرسول r ربَّه على أمته بالبلاغ حيث قال لهم: «ألا هل بلغت؟.. اللهم فاشهد»([22]).
      والدين هو ما يدين به المرء فيكون عادة له في عبادته، وأصل الدين العادة، وسُمي ما يعتقده العبد ويتعبد به لربه «دينًا» لأنه لازمه وكرَّره حتى أصبح عادةً له، يعني من جهة اللغة([23]).
      * * *

      والدليل على موته r قوله تعالى: }إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ{
      [الزمر: 30-31].
      ـــــــــــــــــــــــــــ
      المعنى العام:

      إنَّ هذا الرسول الكريم قد مات بعد ما بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصح الأمَّة وجاهد في الله حقَّ الجهاد، والدليل على موته قول الله تعالى: }إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ{ [الزمر: 30-31]
      وقال تعالى: }أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا{ [آل عمران: 144].
      وقال تعالى: }وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ{ [الأنبياء: 34-35].
      فابتدأ به المرض صلوات الله وسلامه عليه في آخر شهر صفر وأول شهر ربيع الأول، فخرج إلى الناس عاصبًا رأسه، لأنَّ أول ما ابتُدئ به وجع الرأس، فصعد المنبر فتشهد وكان أول ما تكلم به بعد ذلك أن استغفر للشهداء الذين قُتِلوا في أحد ثم قال: «إنّ عبدًا من عباد الله خيّره الله بين أن يؤتيه من زهرة الحياة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختار ما عنده»، ففهمها أبو بكر t فبكى وقال: بأبي وأمي نفديك بآبائنا وأمهاتنا وأبنائنا وأنفسنا وأموالنا، فقال النبي r: «على رِسلك يا أبا بكر»، ثم قال: «إن أمن الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت مُتِّخذًا خليلاً غير ربِّي لاتخذت أبا بكر، ولكنّ خلَّة الإسلام ومودَّته»..
      وأمر أبا بكر أن يُصلِّي بالناس، وكانت مدَّة مرضه ثلاثة عشر يومًا في المشهورة، ولَما كان يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول من السنة الحادية عشرة من الهجرة اختاره الله لجواره، وفي ذلك اليوم كشفَ السِّتر والناس في صلاة الصبح خلف أبي بكر t، فهمَّ المسلمون أن يفتتنوا من فرحهم برؤيته r حين نظروا إلى وجهه كأنه ورقة مصحف، وظنوا أنه يخرج إلى الصلاة، فأشار إليهم: أن مكانكم، ثم أرخى السِّتر.
      ونـزل به الموت، فجعل يُدخل يده في ماء عنده ويمسح وجهه ويقول: «لا إله إلا الله إن للموت سكرات»، ثم شخص بصره نحو السماء وقال: «اللهم في الرَّفيق الأعلى»، فتوفِّي عند ارتفاع الضحى من ذلك اليوم، وهو نفس الوقت الذي دخل فيه المدينة حينما هاجر إليها.
      واضطرب المسلمون؛ فمنهم من دُهش فخولط، ومنهم من أقعد فلم يطق القيام، ومنهم من اعتقل لسانه فلم يطق الكلام، ومنهم أن أنكر موته بالكلية، وقال: إنما بعث إليه كما بعث إلى موسى. وكان من هؤلاء عمر t، وبلغ الخبر أبا بكر t، فأقبل مسرعًا حتى دخل بيت عائشة ورسول الله مُسجَى، فكشف عن وجهه الثوب، وأكبَّ عليه، وقبَّل وجهه مرارًا وهو يبكي، وهو يقول: وا نبياه! وا خليلاه! وا صفياه! وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، مات والله رسول الله r.
      ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أمَّا بعد، فإنَّ من كان يعبد محمدًا فإنَّ محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإنَّ الله حيٌّ لا يموت، ثم قرأ: }وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ{ [آل عمران: 144]
      }إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ{ [الزمر: 30] فاشتدَّ بكاء الناس، وعرفوا أنه قد مات فغسل صلوات الله وسلامه عليه في ثيابه تكريمًا له، ثم كُفن بثلاثة أثواب، أي لفائف بيض سحولية (بيضاء) ليس فيها قميص ولا عمامة، وصلَّى الناس عليه إرسالاً بدون إمام، ثم دُفن ليلة الأربعاء بعد أن تَمَّت مبايعة الخليفة من بعده.. فعليه من ربِّه أفضل الصلاة وأتمُّ التسليم.
      ويتعلَّق بموت النبي r مسألتان:
      المسألة الأولى:
      معنى موته r أن روحه فارقت جسده لانتهاء أجله عليه الصلاة والسلام، لكن روحه متصلة بجسده ولذا يردّ السلام على من سلّم عليه.
      المسألة الثانية:
      الناس إذا ماتوا ينتقلون إلى حياة برزخية، وهو r بعد موته في أكمل أنواع الحياة البرزخية بمعنى أنَّ حياته في البرزخ أكمل من حياة الشهداء وليس معنى ذلك أنه يسمع الدعاء ويُجيب النداء.
      «فالحياة الجسمانية لا ريب أنه مات وغُسل وكُفِّن وصُلي عليه ودفن في ضريحه صلوات الله وسلامه عليه»([24]).
      ولَما مات قام أبو بكر t يبكي ويقول: «بأبي أنت وأمي، أمَّا الموتة التي كتبت عليك فقد متَّها»([25]).
      وتكلَّم ابن القيم رحمه الله عن حياة الشهداء بعد موتهم وأنهم عند ربِّهم يُرزقون، وأنَّ حياتهم أكمل من حياتهم في هذه الدنيا وأتمّ وأطيب، وإن كانت أجسادهم متلاشية ولحومهم متمزقة وأوصالهم متفرقة.. ثم قال: «وإن كان الشهداء إنما نالوا هذه الحياة بمتابعة الرسل وعلى أيديهم فما الظنُّ بحياة الرُسل في البرزخ»([26]).اهـ
      وقال: «فللرسل والشهداء الصديقين من هذه الحياة التي هي يقظة من نوم الدنيا أكملها وأتمها، وعلى قدر حياة العبد في هذا العالم يكون شوقه إلى هذه الحياة وسعيه وحرصه على الظفر بها»([27]).اهـ
      * * *

      والناس إذا ماتوا يبعثون.
      والدليل قوله تعالى: }مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى{ [طه: 55].
      وقوله تعالى: }وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا{ [نوح: 17-18].
      وبعد البعث محاسبون ومجزيون بأعمالهم.
      والدليل قوله تعالى: }لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى{ [النجم: 31].
      ومن كذب بالبعث كفر.
      والدليل قوله تعالى: }زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ{ [التغابن: 7].
      ـــــــــــــــــــــــــــ
      المعنى العام:

      انتهى المؤلف رحمه الله من الكلام على الأصل الثالث، وختم هذه الرسالة العظيمة بذكر مسائل مهمة، بعضها متعلِّقٌ بالأصل الثالث، فختم بالكلام على البعث والإيمان بالرسل ومسألة الكفر بالطاغوت وتعريفه.
      أمَّا البعث فالمراد به عودة الأرواح إلى الأجساد بعد النفخة الثالثة نفخة القيام، وخروج الناس من قبورهم إلى حُكم يوم القيامة.
      ومناسبة تخصيص هذه المسألة بالذكر وزيادة الكلام عليها أنه كثر في وقت الشيخ إنكار البعث والتكذيب له، ولذلك نصَّ عليه ودلَّل وأعقب ذلك بذِكر حكم من كذَّب بالبعث.
      وقوله تعالى: }مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى{ [طه: 55].
      أي أنَّ مبدأكم في الأرض لأنَّ أباكم آدم u مخلوق من ترابٍ من أديم الأرض، و«في الأرض نعيدُكم» أي إذا متُّم تصيرون إليها فتُدفنون بها.
      ومن الأرض نخرجكم يوم البعث والحساب مرَّةً أخرى كما قال جلَّ وعلا: }فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ{ [الأعراف: 25].
      وجاء في الحديث أنه r أخذ قبضة من تراب فألقاها في القبر ثم تلا قول الله جل وعلا: }مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى{ [طه: 55].
      وقوله: }وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا{ [نوح: 17-18] معناه كما تقدَّم أنَّ مبدأ الخلق آدم من الأرض والناس ولده([28]).
      }ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا{ أي الأرض إذا متم..
      }وَيُخْرِجُكُمْ{ منها بعد البعث أحياءً فيُعيدكم يوم القيامة..
      }كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ{ [الأنبياء: 104].
      وبعد بعثهم سيُحاسبهم ويجزيهم بأعمالهم دقيقها وجليلها حسنها وسيئها، صغيرها وكبيرها كما قال جلَّ وعلا }لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى{ [النجم: 31] فمن أساء بالشرك وما دونه سيجزيه بإساءته وعمله، ومن أحسن بالتوحيد والإخلاص وأطاع ربَّه جلَّ وعلا فسيجزيه بالحسنى وهي الجنة.
      والنصوص في هذا المعنى كثيرة.. قال تعالى: }وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ{ [الأنبياء: 47].
      وحُكم من كذَّب بالبعث كافر، والدليل على ذلك أنَّ الله جلَّ وعلا كفَّر من أنكر البعث، وزعم أنه لن يُبعث كما قال: }زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا{ [التغابن: 7]
      فدلَّ على أنَّ إنكار البعث كفر، كما جاء في قوله تعالى: }وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ{
      [سبأ: 3].

      وقد أمر الله تعالى رسوله r أن يقسم بربِّه عزَّ وجلَّ على وقوع المعاد في ثلاثة مواضع:
      الأول- في سورة يونس في قوله تعالى: }وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ{ [يونس: 53].
      الثاني- في سورة سبأ في قوله تعالى: }وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ{ [سبأ: 3].
      الثالث- في سورة التغابن في قوله تعالى: }زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ{ [التغابن: 7].
      كما أقسم الله تعالى في موضع كثيرة على وقوع البعث، كقوله تعالى: }اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ{ [النساء: 87].
      قال القاضي عياض رحمه الله:
      «وكذلك نقطع على كفر من قال بتناسخ الأرواح وانتقالها أبد الآباد في الأشخاص، وتعذيبها أو تنعيمها فيها، بحسب زكائها وخبثها، وكذلك من أنكر البعث والحساب.. فهو كافر بإجماع؛ للنص عليه، وإجماع الأمة على نقله متواترًا»([29]).اهـ
      فمن أنكر البعث فقد كذَّب الله تعالى وكذَّب رسوله r وكذَّب إجماع المسلمين.
      تنبيهــان:
      الأول- أمر البعث والمعاد والحساب سهل وهيِّن على الله جلَّ وعلا، كما قال في آخر الآية: }وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ{
      [التغابن: 7].

      وقال جل وعلا: }وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ{ [الروم: 27].
      الثاني- البعث ليس مختصًّا بالإنس، بل يعمُّ الإنس والجنَّ وغيرهم، قال تعالى: }وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ{ [التكوير: 5].
      * * *

      ([1]) شرح ثلاثة الأصول لابن عثيمين ص(139).
      ([2]) فتح الباري (3/266) بتصرف.
      ([3]) رواه البخاري في صحيحه: كتاب الصيام، باب: صيام يوم عاشوراء.
      ([4]) رجع ذلك ابن القيم في زاد المعاد وقبله القرطبي والقاضي عياض، وينظر زاد المعاد (2/101) ت: شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة والعشرون 1409هـ.
      ([5]) كما سيأتي بيانه في آخر الرسالة – إن شاء الله تعالى -.
      ([6]) رواه مسلم (3/1472).
      ([7]) رواه البخاري في صحيحه تعليقًا كتاب الإيمان باب الدين يسر.
      ([8]) رواه الإمام أحمد (6/116).
      ([9]) رواه البخاري في صحيحه كتاب الإيمان باب الدين يسر.
      ([10]) رواه البخاري في صحيحه كتاب المناقب باب صفة النبي r.
      ([11]) رواه الإمام أحمد (5/53، 162)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/263، 264): رواه أحمد والطبراني ورجال الطبراني رجال الصحيح غير محمد بن عبد الله المقرئ وهو ثقة.اهـ
      ([12]) رواه مسلم (1/223).
      ([13]) الحديث في مسلم (1/223).
      ([14]) صحيح مسلم (4/1789).
      ([15]) رواه أبو داود (4/200)، والترمذي (5/44)، والإمام أحمد (4/126، 127)، والحاكم (6/95-97).
      ([16]) رواه الطبراني سليمان بن أحمد في المعجم الصغير (2/92)، ت: محمد شكور محمود، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1405هـ، والحاكم في المستدرك (1/218)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/189): «رواه الطبراني في الصغير وفيه عبد الله بن سفيان قال العقيلي لا يتابع على حديثه هذا وقد ذكره ابن حبان في الثقات» اهـ. قلت: وروى الحديث المروزي في السنة ص(23) من طريق آخر.
      ([17]) رواه البخاري في صحيحه: كتاب العلم باب من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، ومسلم (3/1523).
      ([18]) رواه مسلم في صحيحه (1/370).
      ([19]) ينظر فتح الباري لابن حجر (6/345) حيث قال: «وثبت التصريح بذلك في حديث» وكان النبي يُبعث إلى قومه وبُعثت إلى الإنس والجن فيما أخرجه البزار.اهـ
      ([20]) رواه الإمام أحمد (4/26) واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (79) من حديث العرباض بن سارية t.
      ([21]) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (2/267)، دار صادر، بيروت.
      ([22]) رواه مسلم (3/1307).
      ([23]) تقدم معنا الكلام على الدين عند شرح قول المؤلف: «اعلم أرشدك الله لطاعته» المسألة الثالثة.
      ([24]) ينظر حاشية ثلاثة الأصول لابن قاسم ص(90).
      ([25]) رواه البخاري في صحيحه كتاب المغازي باب مرض النبي r ووفاته.
      ([26]) مدارج السالكين (3/282، 283).
      ([27]) المرجع السابق (3/282).
      ([28]) «نباتًا» اسم وضع موضع المصدر أي إنباتًا.
      ([29]) الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/1067)، تأليف: القاضي عياض بن موسى اليحصبي، ت: علي محمد البجاوي، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة.

      تعليق


      • #18
        رد: شرح ثلاثة الأصول


        وأرسل الله جميع الرسل مبشرين ومنذرين.
        والدليل قوله تعالى: }رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ{ [النساء: 165].
        وأولهم نوح u، وآخرهم محمد r.
        والدليل على أنَّ أولهم نوح u قوله تعالى: }إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ{ [النساء: 163].
        ـــــــــــــــــــــــــــ
        المعنى العام:

        ذكر المؤلف رحمه الله مسألة الإيمان بجميع الرسل عليهم الصلاة والسلام لتعلُّقها بالأصل الثالث؛ إذ أنَّ التصديق والإيمان برسول من الرسل يقتضي الإيمان والتصديق بجميع الرسل.
        فلا بدَّ للعبد أن يؤمن بأنَّ الله جلَّ وعلا بعث رُسلاً، وهذا له جهات:
        الجهة الأولى:
        أنهم مبشِّرون من أجابهم إلى ما دعوا إليه من عبادة الله وحده وترك ما سواه برضوان الله وكرامته،
        ومُنذِرون ومُحذِّرون من عصاهم غضب الله وسخطه وعقابه.. قال تعالى: }وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ{ [الأنبياء: 25]، وقال عن نوح وهود وصالح وشعيب عليهم السلام أول شيء بدءوا به قومهم أن قالوا «اعبدوا الله ما لكم من إله غيره».
        وخاتمهم محمد r أول شيء دعا قومه إليه قوله لهم: «قولوا لا إله إلاَّ الله تفلحوا» أخذ على هذا عشر سنين، وكان جواب قومه «أجعل الآلهة إلهًا واحدًا؟ !.. إنَّ هذا لشيء عجاب».
        ولَمَّا بعث رسول الله r معاذًا إلى اليمن قال له: «فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أنَّ لا إله إلا الله»، وفي رواية «إلى أن يوحِّدوا الله»، وفي رواية «فادعهم إلى توحيد الله».
        الجهة الثانية:
        أن أولهم نوح u وآخرهم محمد r، ودليل ذلك قوله تعالى: }إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ{ [النساء: 163] أي الرسل.
        ونوح u كان بينه وبين آدم u عشرة قرون كلهم على الإسلام، فلمَّا حدث الشرك بسبب الغلوِّ في الصالحين أُرسل إليهم نوح u، وهو أول رسول إلى أهل الأرض بإجماع المسلمين.
        فلا رسول قبل نوح u، ومن ذَكر من المؤرِّخين من أنَّ إدريس u كان قبله فخطأ، والذي يظهر أنَّ إدريس u من أنبياء بني إسرائيل([1]).
        أما آدم u فلم يأت ما يدلُّ على أنه رسول، والذي ورد فيه ما روي عن النبي r «آدم نبي مكلّم»([2]).
        وآخر الرسل إلى أهل الأرض محمد r كما دلَّ على ذلك قول الله جلّ وعلا: }مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ{ [الأحزاب: 40].
        وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «لا نبي بعدي»، وأجمع المسلمون على ذلك.
        وعيسى u إذا نـزل آخر الزمان فإنه يحكم بشريعة محمد r، فهو من أمته بإجماع المسلمين.
        الجهة الثالثة:
        بعثهم الله جلَّ وعلا جميعًا لعبادته وحده دون ما سواه والكفر بالطاغوت، والدليل قوله تعالى: }وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ{ [النحل: 36].
        فمضمون البعث جاء بعد «أن» وهو الدعوة إلى
        التوحيد ونبذ الشرك والكفر به، كما قال جلَّ وعلا: }وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ{ [الأنبياء: 25].
        وكلا الآيتين فيهما العموم الواضح أنَّ أول شيء بدأت به الرسل قومهم هو التوحيد، وتقدّم معنا أول كلام نوح وهود وصالح وغيرهم من الرسل عليهم السلام لأقوامهم }اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ{ [الأعراف: 59]، فهذه دعوة الرسل وزبدة الرسالة، وبه تعرف عظمة شأن التوحيد.
        ومعرفتك عظمته تقتضي أن تصرف همَّتك إليه فتتعرَّف عليه وعلى ضدِّه وتعمل بما يقتضيه.
        وتذكر أنَّ كلَّ عملٍ بدونه لا ينفع من الصلاة أو الزكاة أو غير ذلك، كما أنَّ الصلاة لا تنفع مع الحدث.
        وتذكَّر أنه يوجد من دخل الجنة ولم يصلِّ ركعة واحدة، لأنه اعتقد التوحيد وعمل به ومات متمسكًا به، كأن يقتل قبل أن يصلِّي أو يموت.
        واعلم أنه ما هلك من هالك إلاَّ بترك العلم بالتوحيد والعمل به، مع أنَّ العلم به سهل وإدراكه متيسَّر في الأصل.
        واليوم مع كثرة الشبهات وتوارد المتشابهات تأكَّد على عموم الناس تعلُّمه خصوصًا أنَّ هناك من يقول بأنه من أهل التوحيد ويعمل بضدِّه.
        الجهة الرابعة:
        إنَّ الله جلَّ وعلا بعث في كلِّ أمَّةٍ رسولاً ليكون حجَّةً عليهم ولا يكون لناس حجَّة على الله بعد الرسل كما قال جلَّ وعلا: }رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ{ [النساء: 165].
        فلا يقولون يوم القيامة ما أرسلت إلينا رسولاً أو ما أنـزلت إلينا كتابًا، فبإرسال الرُسل تنقطع حُجة الخلق على الله جلَّ وعلا.
        وجاء في الحديث الصحيح: «ما من أحدٍ أحبُّ إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث المنذرين والمبشِّرين»([3])، وقال تعالى: }وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا{ [الإسراء: 15].
        ولا عُذر بعد إرسال الرسل وإنـزال الكتب.
        ولَمَّا ذكر الغاية من إرسال الرسل ناسب أن يتكلَّم عن شيء من هذه الغاية وهو الكفر بالطاغوت وهذه هي المسألة التالية.
        * * *

        وكلّ أمة بعث الله إليها رسولاً من نوح إلى محمد يأمرهم بعباده الله وحده وينهاهم عن عبادة الطاغوت.
        والدليل قوله تعالى: }وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ{ [النحل: 36].
        وافترض الله على جميع العباد الكفر بالطاغوت، والإيمان بالله.
        قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
        الطاغوت: ما تجاوز به العبد حدَّه من معبودٍ أو متبوعٍ أو مطاع.
        والطواغيت كثيرة، ورءوسهم خمسة: إبليس لعنة الله، ومن عُبد وهو راضٍ، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه، ومن ادَّعى شيئًا من علم الغيب، ومن حكم بغير ما أنـزل الله».
        ـــــــــــــــــــــــــــ
        المعنى العام:

        لَما ذكر إرسال الرسل عليهم السلام أردف ذلك بذِكر السبب من إرسالهم، وهو عبادة الله وحده والكفر بالطاغوت.
        أما الطاغوت لغة: فهو صيغة مبنيَّة للكثرة والسعة من «طغى يطغى طغيانًا»، ومعنى ذلك التجاوز.
        تقول: «طغى المال» إذا تجاوز الحد، و«طغى الرجل» إذا تجاوز حدَّه.
        والطاغوت من الطغيان، مثل ملكوت ورحموت ونحو ذلك.
        أمَّا في الشرع فقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري رحمه الله: اختلف أهل التأويل في معنى الطاغوت، فقال بعضهم هو الشيطان، جاء عن عمر t.
        وقال آخرون: بل الطاغوت الساحر، جاء عن محمد بن سيرين، وقال آخرون: بل الطاغوت هو الكاهن.. جاء عن جابر t([4]).اهـ
        ثم قال ابن القيم بعد أن ذكر من قال ذلك من السلف:
        والصواب من القول عندي في الطاغوت:
        أنه كلُّ ذي طغيان على الله، فعُبد من دونه، إمَّا بقهر لِمن عبده، وإما بطاعة مِمَّن عبده له، إنسانًا كان ذلك المعبود أو شيطانًا أو وثنًا أو صنمًا أو كائنًا ما كان من شيء.
        وأرى أن أصل «الطاغوت»: الطغووت، من قول القائل: «طغا فلان يطغو» إذا عدا قدره، فتجاوز حده، كـ: «الجبروت» من التجبُّر، و«الخلبوت» من «الخلب» (وهو المخادع الكذوب)، ونحو ذلك من الأسماء التي تأتي على تقدير «فعلوت» بزيادة الواو والتاء، ثم نُقلت لامه – أعني لام «الطغووت» - فجعلت له عينًا، وحولت عينه فجعلت مكان لامه، كما قيل: جذب وجبذ، وجاذب وجابذ، وصاعقة وصاقعة، وما أشبه ذلك من الأسماء التي على هذا المثال([5])اهـ
        وتلاحظ في تعريف ابن القيم رحمه الله أنه يشمل ما ذُكر، فقوله «معبود» يدخل فيه ما ذكره عمر t، وقوله «مطاع» يدخل فيه الساحر والكاهن.
        فهذه التفاسير من التفاسير بالأفراد.
        وفي تعريف ابن القيم رحمه الله للطاغوت يتبين لنا معناه في الشرع وهو الذي أراد الله منّا اجتنابه، وبعث الرسل من أجل ذلك.
        وقول المؤلف: «ما تجاوز به العبد حدَّه من معبود أو متبوع أو مطاع».
        فكلُّ شيءٍ يتعدَّى به العبد حدَّه الشرعي وقدره الذي ينبغي له شرعًا يصير به طاغوتًا، سواء تعدَّى حدَّه من معبود مع الله بأيِّ نوع من أنواع العبادة، أو متبوع في معاصي الله، أو مطاع من دون الله في التحليل والتحريم بأن كان يُحرِّم ما أحلَّ الله ويُحلُّ ما حرّم الله.
        وذكر ابن القيم رحمه الله لما عرَّف الطاغوت بما نقله عنه المؤلف: «أنك إذا تأمَّلت طواغيت العالم وجدت أنها لا تخرج عن هذه الثلاثة»([6]).اهـ
        ولأجل ذلك قال المؤلف رحمه الله تعالى: «والطواغيت كثيرون» أي لا حصر لها؛ لأنَّ كلَّ من تجاوز حدَّه في الشرع صار بخروجه منه وتجاوزه طاغوتًا.
        ما تجاوز به العبد حدَّه من متبوعٍ بحيث يُقلِّده ويهتدي بهديه حتى يتجاوز بذلك الحدَّ الشرعي فبذلك يكون المتبوع طاغوتًا للتابع إذا كان راضيًا بذلك، كذلك ما تجاوز به العبد حدَّه من مطاعٍ بحيث يطيعه حتى يتجاوز بذلك الحدَّ الشرعي فيكون المُطاع بذلك طاغوتًا للمطيع إذا كان راضيًا.
        قوله: «والطواغيت كثيرون ورءوسهم خمسة»: أي بالاستقراء والتأمُّل، وإلاَّ لم يأتِ نصٌّ بذلك، وهذه الخمسة ذكرها المؤلف بقوله: «إبليس لعنه الله»: هذا هو رأس رءوس الطواغيت، لأنه أُطيع وتُوبِع، وتجاوز المطيع والتابع بذلك الحدِّ الشرعي، قال تعالى: }وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي{ [إبراهيم: 22] والاستجابة هنا بمعنى المتابعة والطاعة.
        وقال تعالى: }أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ{ [يس: 60].
        قال الإمام محمد بن جرير الطبري رحمه الله: «إبليس (إفعيل)، من الإبلاس، وهو الإياس من الخير والندم والحزن، عن ابن عباس قال: إبليس أبلسه الله من الخير كله، وجعله شيطانًا رجيمًا عقوبةً لمعصيته، وكما قال الله جل ثناؤه: }فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ{ [الأنعام: 44]؛ أنهم آيسون من الخير، نادمون حزنًا»([7]).اهـ
        قال الراغب رحمه الله: «الشيطان: النون فيه أصلية وهو من شطن أي: تباعد، وقيل: بل النون فيه زائدة من شاط يشيط: احترق غضبًا»([8]).اهـ
        وقوله: «لعنه الله» اللعن في الأصل الطرد والإبعاد([9])، ونلعنه لأن الله تعالى لعنه حيث قال: (بل لعنه الله) وصحّ عن النبي r أنه قال: «ألعنك بلعنة الله»([10])، يعني: إبليس.
        واللعن من الله جلَّ وعلا طرد وإبعاد منه([11])، «ومن الخلق طلب طرد الملعون وإبعاده من الله بلفظ اللعن»([12])، ولذلك قال ابن الأثير: «أصل اللعن من الخلق السب والدعاء»([13]).اهـ
        قوله: (ومن عُبِدَ وهو راضٍ): أي بتلك العبادة غير معترض، وغير مُنكِر على العابد، فهذا من رؤساء الطواغيت وكبرائهم، فيخرج من هذا القيد عُزير وعيسى عليهما السلام، وكذلك الملائكة.
        تنبيـه مهـم:
        إذا عَبد أحدٌ غيرَ الله جلَّ وعلا أو اتبعه وأطاعه وتجاوز الحدَّ في ذلك؛ فإنَّ ذلك الغير يكون طاغوتًا بالنسبة للعابد أو المتبع والمطيع، ولا يكون طاغوتًا على وجه الإطلاق إلا إذا كان ذلك المعبود أو المتبوع أو المطاع راضيًا بذلك، لأنَّ من الناس من يعبد محمدًا r أو يعبد عيسى u أو يعبد رجلاً صالحًا وهؤلاء لا يرضون بذلك بل ينهون عنه.
        قوله: (ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه): وهذا أعظم من الأول كفرعون الذي قال لقومه: }أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى{ [النازعات: 24] وقال: }مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي{ [القصص: 38]، وكفعل بعض مشايخ الطرق الصوفية ورءوس الرافضة والإسماعيلية.
        فيقرُّون الغلو والتعظيم بغير حقّ، وغرضهم العلوّ في الأرض والفساد واتخاذهم أربابًا والإشراك بهم حتى حُكي عن بعض أئمَّة الضلال أنه قال: «من كان له حاجة بعد موتي فليأتِ إلى قبري وليستغث بي».
        قوله: (ومن ادّعى شيئًا من علم الغيب): كالساحر والمنجِّم والرمَّال والكاهن ونحوهم.
        قال تعالى: }قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ{ [النمل: 65].
        وقال تعالى: }وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ{
        [الأنعام: 59].

        والغيب ما غاب عن الإنسان وهو نوعان:
        1- نسبي.
        2- مطلق.
        فالنسبي كغيب الواقع والحاصل، فهو غيب بالنسبة لإنسان دون آخر؛ إذ أنَّ هناك من يعلمه. والمطلق هو غيب الحاضر والمستقبل، فهذا مختصٌّ به الله جلّ وعلا. وقد يُطلع الله تعالى من شاء من الرُسل على شيء من غيب المستقبل، قال تعالى: }عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا{{ [الجن: 26-27].
        قال ابن كثير رحمه الله في قوله: «من رسول»: يعم الرسول الملكي والبشري([14]).اهـ
        وقوله: «رصدا» قال ابن عباس رضي الله عنهما: مُعقِّبات من الملائكة يحفظون النبيَّ من الشيطان([15]).
        قوله: (ومن حكم بغير ما أنـزل الله): قال تعالى: }أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنـزلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنـزلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا{ [النساء: 60].
        وهذا فيه تفصيل؛ لأنَّ الله جلَّ وعلا سمّى الذي يحكمون بغير شرعه كفارًا وظالمين وفاسقين، فقال سبحانه: }وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنـزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ{ [المائدة: 44].
        وقال تعالى: }وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنـزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{ [المائدة: 45].
        وقال عز وجل: }وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنـزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{ [المائدة: 47].
        وهذه الآيات نـزلت في أهل التوراة والإنجيل، كما تدلُّ على ذلك أسباب النـزول والسياق نفسه، ولكنَّ خواتيم الآيات }وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ{ جاءت بصيغة العموم، فالعبرة بعموم اللفظ، ولا يجوز قصر أحكامها على غير المسلمين من أهل الكتاب.
        ومما يجدر التنبيه إليه ضرورة التفريق بين من لم يحكم بما أنـزل الله ومن ينحرف أو يجور في بعض الأحكام والأمور الجزئية بحكم الضعف أو اتباع الهوى، فلا يجوز المسارعة إلى تكفيره.
        قال القرطبي رحمه الله: «إن حكم به – أي بغير ما أنـزل الله – هوى ومعصية فهو ذنب تدركه المغفرة على أصل أهل السنة في الغفران للمذنبين»([16]).اهـ
        وهذا كما قال ابن عباس رحمه الله: «ليس بالكفر الذي تذهبون إليه، إنه ليس بكفر ينقل عن الملَّة، كفر دون كفر»([17]).
        وقال عطاء: «كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق»([18]).
        فإذا حُكم بغير ما أنـزل الله وهو يعلم أنه عاصٍ بحكمه ذلك، وأن حكم الله جلَّ وعلا أفضل وهو المتعين إلاَّ أنَّ نفسه غلبته وشهوته تمكَّنت منه كفعل بعض المفتونين من القضاة الذين يتأثَّرون بالرشوة؛ فهذا معصية، وهذه المعصية سماها الله جل وعلا «كفرًا»، ولا شكَّ أنَّ معصية سمَّاها الله «كفرًا» أعظم من معصية لم تُسمَّ بالكفر.
        أمَّا من يستبدل الشرع بقوانين وضعية فقد قال عنه الشيخ محمد بن إبراهيم في رسالته تحكيم القوانين:
        «إنَّ من الكفر الأكبر المستبين تنـزيل القانون اللعين منـزلة ما نـزل به الرُّوح الأمين على قلب محمد r ليكون من المنذرين بلسانٍ عربيٍّ مُبين في الحكم، بين العالمين والردّ إليه عند تنازع المتنازعين مناقضة ومعاندة لقول الله عز وجل: }فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا{ [النساء: 59]»([19]).اهـ
        «وإذا صار الحكم بذلك غالبًا صار كفرًا أكبر، وهذا القيد مهم جدًا»([20]).
        فائــدة:
        قال ابن عثيمين رحمه الله:
        في قوله تعالى }وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنـزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ{ [المائدة: 44]
        وقال تعالى: }وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنـزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{ [المائدة: 45]
        وقال عز وجل: }وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنـزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{ [المائدة: 47].
        «هل هذه الأوصاف الثلاثة تتنـزل على موصوف واحد؟ بمعنى أنَّ كلَّ من لم يحكم بما أنـزل الله فهو كافر ظالم فاسق، لأنَّ الله تعالى وصف الكافرين بالظلم والفسوق، فقال تعالى: }وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ{ [البقرة: 254]، وقال تعالى: }إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ{ [التوبة: 84].. فكلُّ ظالمٍ فاسق، أو هذه الأوصاف تتنـزَّل على موصوفين بحسب الحامل لهم على عدم الحكم بما أنـزل الله.. هذا هو الأقرب عندي والله أعلم».
        فنقول:
        من لم يحكم بما أنـزل الله استخفافًا به أو احتقارًا له، أو اعتقادًا أنَّ غيره أصلح منه، وأنفع للخلق أو مثله فهو كافر كُفرًا مُخرجًا من الملَّة، ومن هؤلاء من يضعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجًا يسير الناس عليه، فإنهم لم يضعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلاَّ وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق؛ إذ من المعلوم بالضرورة العقلية والجبلَّة الفطرية أنَّ الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه إلا وهو يعتقد فضل ما عدل إليه ونقص ما عدل عنه.
        ومن لم يحكم بما أنـزل الله لا استخفافًا بحكم الله، ولا احتقارًا، ولا اعتقادًا أنَّ غيره أصلح، وأنفع للخلق أو مثله، وإنما حكم بغيره محابة للمحكوم له، أو مراعاة لرشوة أو غيرها من عرض الدنيا فهذا فاسق، وليس بكافر، وتختلف مراتب فسقه بحسب المحكوم به ووسائل الحكم.
        قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيمن اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله:
        هم على وجهين:
        الأول: أن يعلموا أنهم بدَّلوا دين الله فيتبعونهم على التبديل ويعتقدون تحليل ما حرَّم وتحليل ما أحلَّ الله اتباعًا لرؤسائهم مع علمهم أنهم خالفوا دين الله فهذا كفر، وقد جعله الله ورسوله شركًا.
        الثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحليل الحلال وتحريم الحرام([21]) ثابتًا لكنهم أطاعوهم في معصية الله كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاص، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب.
        وهناك فرق بين المسائل التي تُعتبر تشريعًا عامًا، والمسألة المعينة التي يحكم فيها القاضي بغير ما أنـزل الله لأنَّ المسائل التي تُعتبر تشريعًا عاملاً لا يتأتّى فيها التقسيم السابق وإنما هي من القسم الأول فقط، لأنَّ هذا المشرع تشريعًا يخالف الإسلام إنما شرعه لاعتقاده أنه أصلح من الإسلام وأنفع للعباد([22]).اهـ
        تنبيـه مهـم للناشئـة:
        «هذه المسألة -أعني مسألة الحكم بغير ما أنـزل الله- من المسائل الكبرى التي ابتُلي بها حكام هذا الزمان، فعلى المرء ألاَّ يتسرَّع في الحكم عليهم بما لا يستحقونه حتى يتبيَّن له الحقّ، لأنَّ المسألة خطيرة.. نسأل الله تعالى أن يصلح للمسلمين ولاة أمورهم وبطانتهم، كما أنَّ على المرء الذي أتاه الله العلم أن يُبيِّنه لهؤلاء الحكام لتقوم الحجة عليهم وتتبين المحجَّة، فيهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيّ عن بينة، ولا يُحقرنَّ نفسه عن بيانه، ولا يهابنَّ أحدًا فيه؛ فإنَّ العزة لله ولرسوله وللمؤمنين»([23]).اهـ
        * * *

        والدليل قوله تعالى: }لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى{ [البقرة: 256].
        وهذا هو معنى «لا إله إلا الله».
        ـــــــــــــــــــــــــــ
        المعنى العام:

        لَما ذكر أنواع الطاغوت الذي يجب على المسلم أن يكفر به، والذي أُرسلت الرُسل لأجل التحذير منه ذكر دليلاً يُبيِّن أنَّ هذا هو لبُّ التوحيد وأساسه، وهو معنى «لا إله إلا الله»، فالكفر بالطاغوت هو المراد في قولك: «لا إله...» والإيمان بالله هو المراد من قولك: «...إلاَّ الله».
        وقوله: }لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ{ أي لا تُكرهوا أحدًا على الدخول في الإسلام؛ لأنه بّينٌ واضح جليٌّ بدلائله وبراهينه، فلا يحتاج إلى أن يُكره أحدٌ للدخول فيه.
        فمن هداه الله للإسلام وشرح صدره ونوَّر بصيرته دخل على بينة، ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مُكرهًا مقسورًا.
        }قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ{ أي ظهر الحقُّ وتميَّز عن الباطل كما تميَّز الإيمان من الكفر والهدى من الضلال.
        }فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى{ قال سعيد بن جبير: أي «لا إله إلا الله»([24]).اهـ
        والمعنى: من تمسَّك وتعلَّق واعتصم بالتوحيد ولا إله إلا الله فهذا هو العروة الوثقى، أي القوية الموصلة لرضوان الله جلَّ وعلا والجنة.
        والاستمساك فيه معنى التمسُّك وزيادة، فناسب أن يأتي بالاستمساك لأنه أقوى من التمسُّك، فقد يتمسَّك الإنسان ولا يستمسك.
        وقيل: سبب نـزول هذه الآية أنها نـزلت في عددٍ من أولاد الأنصار أرادوا استردادهم لما أُجليت بنو النضير، رُوي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما ([25]).
        قوله }لَا انْفِصَامَ لَهَا{ [البقرة: 256] أي لا انقطاع لها حتى تؤدِّيه إلى الجنة.
        وقوله: }فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ{ [البقرة: 256] تُلاحظ أنه بدأ بالكفر قبل الإيمان والنفي قبل الإثبات والتخلية قبل التحلية.
        * * *




        ([1]) ينظر شرح ثلاثة الأصول لابن عثيمين ص(151).
        ([2]) الحديث طويل، رواه الإمام أحمد (5/168)، والبيهقي في الشعب (1/148)، ت: محمد السعيد بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1410هـ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/160): «رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط بنحوه وعند النسائي طرف منه وفيه المسعود وهو ثقة ولكنه اختلط»اهـ
        ([3]) رواه البخاري في صحيحه: كتاب التوحيد باب: قول النبي r: لا شخص أغير من الله، ومسلم (4/2114).
        ([4]) جامع البيان في تأويل آي القرآن (5/416).
        ([5]) المرجع السابق.
        ([6]) ينظر إعلام الموقعين (1/50)، تأليف: ابن القيم الجوزية، ت: طه عبد الرءوف سعد، دار الجيل، بيروت، 1973م.
        ([7]) تفسير الطبري (1/509).
        ([8]) المفردات للراغب، ص(454).
        ([9]) ينظر النهاية لابن الأثير (5/54).
        ([10]) رواه مسلم (1/385).
        ([11]) ينظر النهاية لابن الأثير (5/54).
        ([12]) ينظر تيسير العزيز الحميد ص(256).
        ([13]) النهاية لابن الأثير (5/54).
        ([14]) تفسير ابن كثير (8/247).
        ([15]) المرجع السابق.
        ([16]) تفسير القرطبي (6/19).
        ([17]) أخرجه الحاكم (2/342)، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
        ([18]) ينظر تفسير الطبري (6/256).
        ([19]) رسالة تحكيم القوانين من الدرر السنية (16/206).
        ([20]) شرح شيخي صالح آل الشيخ [أشرطة شرح ثلاثة الأصول].
        ([21]) في الأصل من مجموع الفتاوى (7/70، 71): (بتحليل الحرام وتحريم الحلال) ولا يستقيم مع السياق فعلله خطأ من الناسخ.
        وقد نقلها ابن عثيمين «بتحليل الحرام وتحريم الحلال وقال: «كذا العبارة المنقولة عنه»، ونقلها الشيخ سليمان بن عبد الله في التيسير وابن قاسم في حاشية كتاب التوحيد والصواب ما أُثبت» والله أعلم.
        ([22]) شرح ابن عثيمين على ثلاثة الأصول ص160-162.
        ([23]) المرجع السابق.
        ([24]) تفسير الطبري (3/20).
        ([25]) تفسير القرطبي (3/280).

        تعليق


        • #19
          رد: شرح ثلاثة الأصول



          وفي الحديث: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله».
          ـــــــــــــــــــــــــــ
          المعنى العام:

          يريد المؤلف رحمه الله الاستدلال بهذا الحديث على أنَّ لكلِّ شيءٍ رأسًا، فرأس الأمر الذي جاء به محمد r الإسلام الخاص، وهو الهدى ودين الحقّ، أرسله الله بذلك ليُظهره على الدين كلِّه، وجعل الكتاب الذي أُنـزِل على محمد r مهيمنًا على ما بين يديه من الكتب ومصدقًا لها، وجعل له شرعة ومنهاجًا، وشرع لأمته سُنن الهدى، ولن يقوم هذا الدين وهذا الأمر إلا بالكتاب المهيمن وبالحديد، فالكتاب يهدي به والحديد ينصره كما قال جل وعلا }لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنـزلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنـزلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ{ [الحديد: 25].
          قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تفسير هذه الآية:
          «فذَكر تعالى أنه أنـزل الكتاب والميزان وأنه أنـزل الحديد لأجل القيام بالقسط وليعلم الله من ينصره ورُسله، ولهذا كان قوام الدين بكتاب يهدي وسيف ينصر وكفى بربك هاديًا ونصيرًا»([1]).اهـ
          وقال: «ودين الإسلام أن يكون السيف تابعًا للكتاب فإذا ظهر العلم بالكتاب والسنة وكان السيف تابعًا لذلك كان أمر الإسلام قائمًا»([2]).اهـ
          قال ابن رجب رحمه الله عن الحديث:
          «أخبر النبي r عن ثلاثة أشياء: فأمَّا رأس الأمر ويعني بالأمر: الدِّين الذي بُعث به وهو الإسلام، وقد جاء تفسيره في الرواية الأخرى بالشهادتين [يقصد رواية الإمام أحمد عن معاذ مرفوعًا: «إنَّ رأس هذا الأمر أن تشهد ألاَّ إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمدًا عبده ورسوله»([3])]، فمن لم يقر بهما ظاهرًا وباطنًا، فليس من الإسلام في شيء.
          وأمَّا قوام الدين الذي يقوم به الدين كما يقوم الفسطاط على عموده فهو الصلاة، وفي الرواية الأخرى: «وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة»([4]).اهـ
          وقال: «وأما ذروة سنامه – وهو أعلى ما فيه وأرفعه – فهو الجهاد، وهذا يدل على أنه أفضل الأعمال بعد الفرائض»([5]).اهـ
          في الصحيح عن أبي ذر t قال:
          قلت: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال: «إيمان بالله وجهاد في سبيله»([6]).
          وعن أبي هريرة t عن النبي r قال: «أفضل الأعمال: إيمان الله ورسوله ثم جهاد في سبيل الله»([7]).
          فائــدة:
          قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
          «والله تعالى يقول: }هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ{ [التوبة: 33] بالحجة والبيان وباليد واللسان، وهذا إلى يوم القيامة.
          لكن الجهاد المكي بالعلم والبيان والجهاد المدني مع المكي باليد والحديد، قال تعالى: }فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا{ [الفرقان: 52] وسورة الفرقان مكية، وإنما جاهدهم باللسان والبيان»([8]).اهـ
          ويتعلق بالجهاد مسألتان تناسبان هذا المقام:
          المسألة الأولى:
          قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «الجهاد شرع على مراتب، فأول ما أنـزل الله فيه الإذن بقوله: }أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا{ [الحج: 39].
          ثم نـزل جوبه بقوله: }كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ{ [البقرة: 216].
          ولم يؤمروا بقتال من طلب مسالمتهم بل قال: }فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا{ [النساء: 90].
          وكذلك من هادنهم لم يكونوا مأمورين بقتاله وإن كان الهدنة عقدًا جائزًا غير لازم، ثم أنـزل في براءة: الأمر ينبذ العهود وأمرهم بقتال المشركين كافة وبقتال أهل الكتاب إذا لم يسلموا حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ولم يبح ترك قتالهم وإن سالموهم وهادنوهم هدنةً مطلقةً مع إمكان جهادهم»([9]).اهـ
          وتنبِّه إلى آخر كلامه رحمه الله حيث علَّق الحكم بإمكان جهادهم.
          وقال ابن القيم رحمه الله:
          «كان محرَّمًا، ثم مأذونًا به، ثم مأمورًا به لمن بدأهم بالقتال، ثم مأمورًا به لجميع المشركين، إمَّا فرض عين على أحد الأقوال، أو فرض كفاية على المشهور، والتحقيق أنَّ جنس الجهاد فرض عين إمَّا بالقلب وإمَّا باللسان وإمَّا بالمال وإمَّا باليد، فعلى كلِّ مسلمٍ أن يجاهد بنوع من هذه الأنواع»([10])اهـ
          المسألة الثانية:
          قال ابن رجب رحمه الله في شرح حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «بُني الإسلام على خمس...».
          "ولم يذكر الجهاد في حديث ابن عمر، مع أنَّ الجهاد أفضل الأعمال، وفي حديث معاذ: «وذروة سنامه الجهاد»، وذروة سنامه: أعلى شيء فيه، ولكن ليس من دعائمه وأركانه التي بني عليها؛ وذلك لوجهين:
          الأول- أنَّ الجهاد فرض كفاية عند جمهور العلماء، ليس بفرض عين بخلاف هذه الأركان.
          والثاني- أنَّ الجهاد لا يستمر فعله إلى آخر الدهر، بل إذا نـزل عيسى u، ولم يبق حينئذ ملَّة غير ملَّة الإسلام، فحينئذ تضع الحرب أوزارها ويستغني عن الجهاد بخلاف هذه الأركان، فإنها واجبة على المؤمنين إلى أن يأتي أمر الله وهم على ذلك، والله أعلم"([11]).اهـ

          والله أعلم.
          وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
          ـــــــــــــــــــــــــــ
          المعنى العام:

          ختم المصنف رحمه الله هذه النبذة الجليلة بردِّ العلم إلى من هو بكلِّ شيء عليم، واحتذى المؤلف حذو أهل العلم المتقدِّمين، حيث يختمون كلامهم في الفتوى أو الدرس أو الكتاب بقولهم «والله أعلم» وهذا فيه اعتراف بقلَّة العلم واعتقاد بأن َّ الله بكلِّ شيء عليم.
          ثم صلَّى وسلَّم على النبيِّ الكريم r امتثالاً لقول النبي r: «من صلَّى عليّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا»([12]).
          والصلاة من الله جلَّ وعلا على نبيِّه وعلى المؤمنين ثناؤه في الملأ الأعلى.
          وقوله r: «من صلَّى عليّ صلاة واحدة صلَّى الله عليه بها عشرًا»، «معناه أنَّ من قال: اللهم صلِّ على محمد، فجزاؤه أن يُثني الله عليه في الملأ الأعلى عشر مرات، والملأ الأعلى هم الملائكة.
          اللهم صلَّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
          والله أعلم وصلِّ الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
          وكان الفراغ من إتمام هذا الشرح في مدينة الرياض العامرة – حرسها الله تعالى – عصر الإثنين الموافق لليوم التاسع من شهر ربيع الأول من عام أربع وعشرين وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية المباركة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم.
          * * *

          فهرس المراجع
          1- آداب المشي إلى الصلاة، تأليف: محمد بن عبد الوهاب، مجموعة مؤلفات الإمام محمد بن عبد الوهاب، طبعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
          2- إعلام الموقعين عن ربِّ العالمين، تأليف: ابن القيم الجوزية محمد بن بكر الزرعي، ت: طه عبد الرءوف سعد، دار الجيل، بيروت 1973هـ.
          3- اقتضاء الصراط المستقيم، تأليف: أحمد بن تيمية الحراني، ت: محمد حامد الفقي، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، الطبعة الثانية 1369هـ.
          4- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، تأليف: علي بن سليمان المرداوي، ت: د. عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، هجر للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 1414هـ.
          5- البحر المحيط في أصول الفقه، تأليف: بدر الدين محمد بن بهادر الزركشي، ت: عبد الستار أبو غدة، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت، الطبعة الثانية 1413هـ.
          6- بدائع الفوائد، تأليف: أبي عبد الله محمد بن أبي بكر الزرعي – ابن القيم الجوزية، ت: هشام عبد العزيز عطا وعادل العدوي، مكتبة نـزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، الطبعة الأولى 1416هـ.
          7- بصائر ذوي التمييز، تأليف: الفيروزآبادي، ت: محمد علي النجار، المكتبة العلمية، بيروت.
          8- التبيان في أقسام القرآن، تأليف: ابن القيم الجوزية محمد بن أبي بكر الزرعي، دار الفكر.
          9- تدريب الراوي: تأليف: جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، ت: د. أحمد عمر هاشم، دار الكتاب العربي، بيروت 1409هـ.
          10- الترغيب والترهيب، تأليف: عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، ت: إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1417هـ.
          11- التعريفات الاعتقادية، تأليف: سعد بن محمد آل عبد اللطيف، دار الوطن، الرياض، الطبعة الأولى 1422هـ.
          12- تفسير ابن كثير أبي الفداء إسماعيل بن عمر، ت: سامي السلامة، دار طيبة، الرياض، الطبعة الأولى 1418هـ.
          13- تلخيص الحبير، تأليف: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ت: السيد عبد الله هاشم اليماني، المدينة المنورة 1384هـ.
          14- تنوير المقالة، تأليف: محمد التتائي، ت: محمد بشير، الطبعة الأولى 1409هـ.
          15- تهذيب اللغة لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري، إشراف: محمد عوض مرعب، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى 1421هـ.
          16- تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد، تأليف: سليمان بن عبد الله بن محمد بن محمد بن عبد الوهاب، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة 1409هـ.
          17- جامع البيان في تأويل أي القرآن، لمحمد بن جرير الطبري، ت: محمود شاكر، دار الفكر 1405هـ.
          18- جامع الترمذي لمحمد بن عيسى الترمذي، ت: أحمد شاكر وآخرون، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
          19- جامع العلوم والحكم، تأليف: ابن رجب عبد الرحمن بن شهاب الدين، ت: شعيب الأرناؤوط وإبراهيم باجس، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية 1412هـ.
          20- جامع بيان العلم وفضله، تأليف: أبي عمر يوسف بن عبد البر النمري القرطبي، تقديم: عبد الكريم الخطيب، دار الكتب الإسلامية، القاهرة، الطبعة الثانية 1402هـ.
          21- جامع رسائل ابن تيمية، ت: محمد رشاد سالم، مصر.
          22- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي محمد بن أحمد، ت: أحمد عبد العليم البردوني، دار الشعب، القاهرة، الطبعة الثانية 1372هـ.
          23- جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام، تأليف: ابن القيم الجوزية محمد بن أبي بكر الزرعي، ت: مشهور حسن آل سلمان، دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الثانية 1419هـ.
          24- الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح، تأليف: أحمد بن تيمية الحراني، ت: د. علي حسن ناصر، د. عبد العزيز العسكر، د. حمدان محمد، دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى 1414هـ.
          25- حاشية ثلاثة الأصول: تأليف: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، الطبعة الخامسة، 1407هـ.
          26- حاشية ثلاثة الأصول، عبد الرحمن بن قاسم، الطبعة الخامسة 1407هـ.
          27- حاشية كتاب التوحيد، تأليف: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، الطبعة الثالثة 1408هـ.
          28- حلية الأولياء: تأليف: أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الرابعة 1405هـ.
          29- حواشي كتاب تسهيل الوصول إلى الثلاثة الأصول رتبها محمد الطيب الأنصاري، وضعها: مجد بن أحمد مكي، دار نوادر المكتبات بجدة ودار البشائر الإسلامية بيروت، الطبعة الأولى 1419هـ.
          30- الدُرر السنية في الأجوبة النجدية، جمع: عبد الرحمن بن قاسم، الطبعة السادسة 1417هـ.
          31- ردّ المحتار على الدرر المختار، المسماة بحاشية ابن عابدين، تأليف: محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين، ت: محمد صبحي خلاق وعامر حسين، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى 1419هـ.
          32- روضة الناظر وجنة المناظر، تأليف: موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة، مكتبة المعارف الرياض، الطبعة الثالثة 1410هـ.
          33- زاد المسير في علم التفسير، تأليف: ابن الجوزي عبد الرحمن بن علي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الرابعة 1407هـ.
          34- زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم الجوزية، ت: شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة والعشرون 1409هـ.
          35- سلسلة الأحاديث الصحيحة، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الرابعة 1405هـ.
          36- السنة لمحمد بن ناصر بن الحجاج المروزي، ت: سالم أحمد السلفي، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ.
          37- سنن أبي داود سليمان بن الأشعث، ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر.
          38- السنن الكبرى للبيهقي أحمد بن الحسين، ت: محمد عبد القادر عطا، مكتبة دار الباز، مكة المكرمة 1414هـ.
          39- السنن الكبرى للنسائي، ت: د. عبد الغفار البنداري وسيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1411هـ.
          40- سنن النسائي(المجتبي) ت: عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، الطبعة الثانية 1406هـ.
          41- شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، تأليف: أبي القاسم هبة الله بن الحسن اللالكائي، ت: د. أحمد سعد حمدان، دار طيبة، الرياض، الطبعة الثانية 1411هـ.
          42- شرح الطحاوية، محمد بن علاء الدين بن أبي العز الحنفي، ت: جماعة من العلماء، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثامنة 1404هـ.
          43- الشرح الكبير للمقنع، تأليف عبد الرحمن بن محمد بن قدامة، ت: د. عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، هجر للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1414هـ.
          44- شرح الكوكب المنير، تأليف ابن النجار، ت: الزحيلي، جامعة أم القرى، مكة المكرمة 1408هـ.
          45- شرح ثلاثة الأصول، تأليف: عبد العزيز بن باز، دار الفتح للنشر والتوزيع، المدينة، الطبعة الأولى 1416هـ.
          46- شرح ثلاثة الأصول، صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، أشرطة مسموعة.
          47- شرح ثلاثة الأصول، محمد بن عثيمين، إعداد: فهد بن ناصر السلمان، دار الثريا للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى 1414هـ.
          48- شرح مختصر الروضة، تأليف: سليمان بن عبد القوي الطوفي، ت: عبد الله التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1407هـ.
          49- شعب الإيمان لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، ت: محمد السعيد بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1410هـ.
          50- الشفاء بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض بن موسى اليحصبي، ت: علي محمد البجاوي، مطعبة عيسى البابي الحلبي، القاهرة.
          51- الصحاح، تأليف: أبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهري، عناية: مكتبة التحقيق بدار إحياء التراث العربي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى 1419هـ.
          52- صحيح ابن حبان محمد بن حبان بن أحمد البُستي، ت: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثنية 1414هـ.
          53- صحيح ابن خزيمة: ت: د. محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت 1390هـ.
          54- صحيح البخاري، تأليف: أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، ت: د. مصطفى البغا، دار ابن كثير، بيروت، الطبعة الثالثة 1407هـ.
          55- صحيح الترغيب والترهيب، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الثالثة 1409هـ.
          56- صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج القشيري، ت: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
          57- الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد بن منيع، دار صادر، بيروت.
          58- طريق الهجرتين وباب السعادتين لابن القيم الجوزية، ت: عمر بن محمود أبو عمر، دار ابن القيم، الدمام، الطبعة الأولى 1409هـ.
          59- عدة الصابرين، تأليف: ابن القيم الجوزية محمد بن أبي بكر الزرعي، ت: زكريا علي يوسف دار الكتب العلمية، بيروت.
          60- العلوّ، تأليف: محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، ت: أشرف عبد المقصود، مكتبة أضواء السلف، الرياض، الطبعة الأولى 1416هـ.
          61- الفتاوى السعدية، تأليف الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، منشورات المؤسسة السعيدية بالرياض.
          62- فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم، جمع وترتيب وتحقيق: محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، مطبعة الحكومة بمكة المكرمة، الطبعة الأولى 1399هـ.
          63- فتح الباري شرح صحيح البخاري، تأليف: أحمد بن حجر العسقلاني، ت: محب الدين الخطيب، دار الريان للتراث، الطبعة الثانية 1409هـ.
          64- فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، ت: الوليد الفريان، دار الصميعي، الرياض، الطبعة الأولى 1415هـ.
          65- الفروق اللغوية للعسكري، ت: حسام الدين القدسي، دار الكتب العلمية بيروت.
          66- قاعدة في المحبة، تأليف: أحمد بن تيمية، ت: محمد رشاد سالم، مكتبة التراث الإسلامي، القاهرة.
          67- القول السديد شرح كتاب التوحيد، تأليف: عبد الرحمن بن ناصر السعدي، دار الوطن، الرياض، الطبعة الأولى 1412هـ.
          68- القول المفيد على كتاب التوحيد، تأليف: محمد بن عثيمين، دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الرابعة 1421هـ.
          69- مجمع الزوائد، تأليف: نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثالثة 1402هـ.
          70- مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية، جمع وترتيب: عبد الرحمن بن قاسم وساعده ابنه محمد، وزارة الشؤون الإسلامية، المملكة العربية السعودية 1416هـ.
          71- مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، أشرف على طباعتها: محمد رشيد رضا، دار العاصمة الرياض، الطبعة الأولى بمصر 1349هـ.
          72- مجموعة مؤلفات الإمام محمد بن عبد الوهاب، جامعة الإمام محمد بن سعود.
          73- مدارج السالكين، لابن القيم الجوزية، ت: محمد حامد الفقي، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثانية 1393هـ.
          74- المستدرك على الصحيحين لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم، ت: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1411هـ.
          75- مسند الإمام أحمد، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية 1398هـ.
          76- مسند الروياني محمد بن هارون، ت: أيمن علي أبو يماني، مؤسسة قرطبة، القاهرة، الطبعة الأولى 1416هـ.
          77- المصباح المنير للفيومي، المكتبة العلمية، بيروت.
          78- المصقول في التعليق على مختصر ثلاثة الأصول، تأليف: عبد العزيز بن محمد الشتري، اعتني بها: سعد بن ناصر بن عبد العزيز الشتري.
          79- المصنف لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، ت: كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى 1409هـ.
          80- المعجم الأوسط لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، ت: طارق بن عوض الله وعبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، دار الحرمين، القاهرة 1415هـ.
          81- المعجم الصغير للطبراني سليمان بن أحمد، ت: محمد شكور محمود، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1405هـ.
          82- المعجم الكبير للطبراني سليمان بن أحمد، ت: حمدي بن عبد المجيد السلفي، مكتبة العلوم والحكم، الموصل، الطبعة الثانية 1404هـ.
          83- معجم مقاييس اللغة، تأليف: أبي الحسين أحمد بن فارس، ت: عبد السلام هارون دار الجيل، بيروت 1420هـ.
          84- المغني، تأليف: موفق الدين أبي محمد بن عبد الله بن أحمد بن قدامة، ت: د. عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، توزيع وزارة الشئون الإسلامية بالمملكة العربية السعودية، الطبعة الثالثة 1417هـ.
          85- مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، تأليف: عبد الله بن يوسف بن أحمد بن هشام، ت: حسن حَمَد، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1418هـ.
          86- مفتاح دار السعادة، لابن القيم الجوزية، دار الكتب العلمية، بيروت.
          87- المفردات، تأليف: الراغب الأصفهاني، ت: صفوان داؤدي، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى 1412هـ.
          88- المفهم لِما أُشكل من تلخيص مسلم، تأليف: محمد بن أحمد القرطبي، ت: محي الدين وآخرون، دار ابن كثير ودار الكلم الطيب، دمشق وبيروت، الطبعة الأولى 1417هـ.
          89- الموافقات، تأليف: الشاطبي، ت: الخضر حسين، دار الفكر، بيروت.
          90- نـزهة النظر شرح نخبة الفكر، تأليف: أحمد بن حجر، ت: إسحاق عزوز، مكتبة ابن تيمية القاهرة 1411هـ.
          91- نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض، تأليف: شهاب الدين أحمد بن محمد الخفاجي، ت: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1420هـ.
          92- النهاية لابن الأثير، ت: عبد السلام بن محمد بن عمر علوش، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى 1422هـ.
          * * *



          فهرس الموضوعات

          مقدمة5
          أهمية رسالة ثلاثة الأصول. 14
          بداية الشرح: (بسم الله الرحمن الرحيم)16
          سبب قول المؤلف: اعلم رحمك الله. 20
          معنى الوجوب. 21
          معنى العلم. 22
          حكم العمل بالعلم. 23
          حكم الدعوة. 23
          حول الصبر. 24
          قوله تعالى: (والعصر)28
          دليل العلم والعمل. 28
          دليل الدعوة والصبر. 29
          سورة العصر حجة على الخلق. 29
          الخطاب الموجه للنبي r يشمل الأمة30
          فائــدة: سبب بسملة المؤلف قبل ذكر سورة العصر31
          هذه الأصول مخاطب بها المسلم والكافر. 34
          معنى الطاعة والمعصية. 35
          حكم طاعة الرسول r. 35
          قوله تعالى: (فلا تدعوا مع الله أحدا). 37
          النكرة في سياق النهي تعم. 37
          صفات الله الفعلية. 38
          الله تعالى لا يرضى أي شرك. 38
          معنى العبادة ...............................................39
          الموالاة والمعاداة. 43
          أصل الموالاة. 43
          محبة المسلم لزوجته الكتابية. 45
          قوله: (اعلم أرشدك الله لطاعته). 49
          معنى الحنيفية. 50
          تنبيـه: حول معنى الحنيف، والتعريفات المشهورة للحنيفية50
          قوله: (مخلصا له الدين). 51
          تعريف التوحيد وأقسامه. 52
          أقسام التوحيد. 53
          ميل المؤلف لابن جرير الطبري في تفسيره. 53
          تعريف الشرك وأقسامه. 54
          دليل المؤلف على تسمية الأصول. 59
          هل يصح التقليد في هذه الأصول. 60
          من نسي أدلة هذه الأصول. 62
          المعرفة والعلم. 62
          أسباب وطرق معرفة الرب سبحانه وتعالى. 63
          الرب هو المعبود. 64
          الآيات الكونية والشرعية. 76
          هل الآيات تختلف عن المخلوقات. 76
          الأدلة على معرفة الرب تبارك وتعالى. 78
          لماذا خص السجود بالذكر. 79
          من أساليب القرآن: الاستدلال بالربوبية على الألوهية. 82
          أول الأوامر وأعظمها. 83
          العبادة لا تصح بدون توحيد. 84
          شرح تعريف العبادة. 86
          قوله: (ومنه الدعاء)، وبيان أن العبادة أعم من الدعاء. 88
          خطأ مطبعي في الرسالة. 88
          تنبيـه: الفرق بين المشرك والكافر96
          تنبيـه:98
          قوله: (الدعاء مخ العبادة). 98
          وجه استدلال المؤلف بالآية. 98
          خوف السر لا يكون إلا لله تعالى. 102
          تعريف الخوف.. 103
          أقسام الخوف. 103
          تعريف الرجاء105
          شرك الرجاء. 106
          الفرق بين الرجاء وغيره مما يقاربه107
          قوله تعالى: (فمن كان يرجو لقاء ربه). 108
          حقيقة التوكل. 111
          ترك الأسباب جنون. 112
          من صور التوكل الشركي. 112
          تنبيه: حول الاعتماد على الأسباب والارتياح عند فعلها113
          الفرق بين التوكل والتوكيل. 113
          قول توكلت على الله ثم عليك خطأ. 114
          تعريف الرغبة والرهبة والخشوع. 116
          فائدة متعلقة بتعريف الرغبة117
          من صور الشرك في الرغبة والرهبة والخشوع. 120
          تفاوت أهل الإيمان في مقام الرغبة والرهبة. 122
          الفرق بين هذه العبادات وما يقاربها122
          تعريف هذه العبادات.. 130
          أدلة عبادة الدعاء تصلح أدلة للاستعانة والاستغاثة. 131
          سؤال الله العون على مرضاته. 132
          علاقة الاستعاذة بالقلب واللسان. 132
          النذر. 137
          أحوال النذر. 138
          حكم الوفاء بالنذر. 139
          صور النذر. 139
          الشرك في النذر. 139
          تنبيهات حول العبادات القبلية141
          الأصل الثاني: الإسلام يأتي إطلاقه في النصوص على معان:145
          شرح تعريف الإسلام. 147
          مصطلح أركان الإسلام. 150
          تقسيم بعض العلماء أركان الإسلام إلى أركان أساس وأركان تمام. 151
          كل مؤمن مسلم لا العكس. 152
          الإسلام والإيمان من أقسام الإسلام العام. 152
          لا يصح الإسلام إلا بقدر من الإيمان. 153
          الإسلام والإيمان إذا افترقا اجتمعا، والعكس. 153
          الترابط بين الإسلام والإيمان. 157
          الشهادتان ركن واحد. 157
          الإخبار والإعلام نوعان: بالقول والفعل. 159
          الفرق بين (شهيدا) في حق الله تعالى، و(أشهد) في حق المخلوق. 159
          معنى (لا إله إلا الله) وإعرابها. 160
          تنبيـه:161
          خبر (لا) في (لا إله إلا الله). 163
          قوله: (لا شريك له في عبادته كما لا شريك له في ملكه). 164
          شروط (لا إله إلا الله). 165
          لا يكفي في الشهادة مجرد التلفظ بها. 169
          كل الأنبياء دعوا إلى (لا إله إلا الله). 169
          من الأدلة على رسالة محمد r. 173
          من اعتقد جواز مخالفة النبي r. 175
          شهادة أن محمدا رسول الله r. 175
          تنبيـه: لا بد مع شهادة أن محمدا رسول الله العمل بها176
          تعريف الركن وإشكال التطبيق. 179
          حكم ترك الصلاة. 180
          ترك الصلاة تهاونا وكسلا. 182
          حكم ترك الزكاة والصيام والحج. 182
          عدد شعب الإيمان. 185
          عبارات السلف في تعريف الإيمان. 185
          صلة الإيمان الشرعي بالإيمان اللغوي. 186
          الإيمان قول وعمل واعتقاد. 189
          زيادة الإيمان ونقصانه. 193
          أركان الإيمان. 195
          تنبيه مهم حول الإيمان بالأركان الستة. 196
          القدر المجزئ في الأركان الستة197
          صلة هذا الأصل (معرفة النبي وتصديقه) بالعمل. 214
          القدر المجزئ من هذا الأصل. 215
          معنى محمد. 216
          نسب النبي r في العرب، وأقسام العرب. 217
          الذبيحان، والرد على زعم اليهود. 219
          النبي محمد r خليل الله وكليمه. 220
          معنى إبراهيم. 220
          قوله تعالى: (وربك فكبر) وفائدة تقديم المعمول على عامله. 230
          أنواع التكبير في القرآن. 231
          معنى التكبير في قوله تعالى: (وربك فكبر). 231
          معنى تطهيرالثياب في قوله تعالى: (وثيابك فطهر). 231
          معنى الرجز. 232
          فرض الصلاة في أول الأمر. 236
          المعراج. 237
          تعريف الهجرة. 246
          سبب مشروعية الهجرة. 248
          حكم الهجرة249
          الهجرة العامة والخاصة. 251
          الهجرة من بلد البدعة والمعصية. 251
          الهجرة باقية إلى قيام الساعة. 252
          حول إظهار الدين. 253
          ابتداء التاريخ الهجري. 254
          حكم السفر إلى بلاد الكفار...............................255
          الإقامة في بلاد الكفار. 256
          عموم رسالة النبي r. 272
          وجوب طاعته r على الجن والإنس. 273
          إكمال الدين بالنبي r ، وأنه r تركنا على البيضاء. 274
          حادثة موت النبي r. 277
          معنى حياته r في البرزخ. 277
          الحكم بغير ما أنزل الله ...................................296
          تنبيـه مهـم للناشئـة حول قضية الحكم بغير ما أنزل الله301
          مراتب الجهاد. 306
          لماذا لم يذكر الجهاد في حديث بني الإسلام على خمس؟. 308
          فهرس المراجع. 311
          فهرس الموضوعات.. 324
          * * *






          ([1]) مجموع الفتاوى (10/13).
          ([2]) المرجع السابق (20/393).
          ([3]) مسند الإمام أحمد (5/230) وذكرها الحافظ ابن رجب قبلُ ثم أشار إليها في أثناء هذا الكلام.
          ([4]) جامع العلوم والحكم (2/145)، وقصده بالرواية الأخرى رواية الإمام أحمد المتقدمة.
          ([5]) المرجع السابق (2/146).
          ([6]) رواه البخاري في صحيحه كتاب العتق باب أي الرقاب أفضل.
          ([7]) رواه البخاري في صحيحه كتاب الحج باب فضل الحج المبرور.
          ([8]) مجموع الفتاوى (28/38).
          ([9]) الجواب الصحيح (1/233، 234)، تأليف: أحمد بن تيمية، ت: د. عبد العزيز العسكر وعلي حسن ناصر وحمدان محمد، دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى 1414هـ.
          ([10]) زاد المعاد (3/71).
          ([11]) جامع العلوم والحكم (1/152).
          ([12]) رواه مسلم في صحيحه (1/288).

          تعليق

          يعمل...
          X