سياحة عصافير الدوري !
د.محمد عبدالله الأحمد
كتب المهندس ياسين خولي في عدد الاقتصادية رقم (425) تاريخ 10 كانون الثاني بحثاً مطولاً يدافع فيه عن نظرية تحويل سوريا من بلد إنتاجي زراعي و صناعي إلى بلد خدمات و سياحة .
و إننا لأول مرة نقرأ لشخص بصراحة متناهية هذا الكلام في حين يقول كثيرون كلام يصب في النهاية في هذا المنطق و لكن بشكل موارب ربما لأنهم لم يمتلكوا جرأة ياسين خولي أو لأنهم يعرفون أن هذا الكلام يفتح عليهم عش الدبابير .
إن تحويل سوريا إلى اقتصاد خدمات كان ليكون مثالياً لو كانت المائة و الخمسة و ثمانون ألف كم2 موجودة في هنولولوا و مجاورةً لجزر الكناري و لكنّ هذا الكلام سيقودنا إلى مصائب كبرى عندنا إذا طبقناه !
عندما نعلم طلاب الاقتصاد نظريات القيمة نختم كل مدرسة اقتصادية بفكرة ( النُدرة) ونحدثهم عن كأس الماء في الصحراء و كأس الماء و أنت جالس في نبع عين الفيجة ! وبذلك يفهمون بسهولة ماذا نعني و القول موصول بأننا نعني أن إنتاجنا الزراعي لا يعني فقط ثمن المحصول الزراعي بالليرات و لكنه يعني أولاً أننا نأكل من عملنا و بالتالي فنحن لسنا عبيداً لأحد و لهذا الأمر تبعات سياسية لا تعني جزر الكناري بالتأكيد !
و ليتني أموت قبل أن أشاهد – زمن ندرة – ترقى فيه حبة البندورة السورية أو حبة البطاطا إلى ثمن أسوار النساء الذهبية !!
و القول بأن الإنتاج الزراعي لا يطعم أصحابه اليوم فهذا الأمر سببه تغيير فلسفة القيمة نفسها و ضرب حياة الفلاحين و المزارعين في مقتل برفع كلفة إنتاجهم و النتيجة المؤسفة هي أن يأتي من يحاول إقناعنا بتحويل الأراضي الزراعية إلى مطاعم و فنادق ! .
و قبل أن يفهم أننا نرد بعكس الفكرة بالمطلق نسرع للقول أننا لسنا ضد السياحة بل بالعكس فنحن مع دعم هذا القطاع بقوة و لكن ليس لكي نضعه في المرتبة الإنتاجية الأولى , فنحن مع فكرة السياحة الطبية مثلاً و أننا لم نقم كدولة بالضروري في هذا المجال , لأننا نرى في السياحة الطبية صناعة ترقى إلى كل صناعة و لا تقل بأهميتها عن تصنيع النسيج و باقي الصناعات ...
و إن التعويل على السياحة لكي تحل محل الزراعة و الصناعة أمامه و أمامنا المطبات الخطرة التالية :
1- " مطب عصافير الدوري " و نعني به أننا إذا ألقينا بكمشة قمح على طبق من المعدن " صدر " مثل الذي كانت أمهاتنا تقدم لنا به الطعام و هجمت عصافير الدوري للأكل منه فإن إلقاء بحصة واحدة في منتصف الطبق كفيلٌ بجعل كل عصافير الدوري تهرب مرة واحدة !!
أي أن أي قلق حربي في المنطقة حتى و لو كان إطلاق صاروخ تجريبي يخفض الدخل السياحي بنسب كبيرة ... أليس كذلك ؟ فكيف تريد الاعتماد على هكذا قطاع كرافعة للاقتصاد الوطني ؟!
2- مطب تحويلنا إلى مجتمع لا ينتج طعامه سيؤدي بنا لكي نصبح مجتمعاً لا ينتج سياساته .
يا سادتي نحن نفهم دوافع المتحدثين عن مشاكل السياحة و نحن نحلم معهم برؤية سورية جنة سياحية و لكننا لا نتجاهل الحالة الموضوعية مكاناً و زماناً التي تضع الاقتصاد السوري ضمن جملة من الحقائق و المعطيات " لا تسمح لأي محلل اقتصادي أن يغض الطرف عنها أو لا يراها .. و لكن .. ما البديل ؟
إن التأكيد على أن الزراعة و الصناعة هما العصب الرئيسي لاقتصادنا ليس حالة شعاراتية , بل هو قائم على رؤية إستراتيجية موضوعية لحالنا كبلد من كافة المناحي و هذا يعني دعمهما بشتى السبل و ضرورة تخفيض كلف الإنتاج في القطاعات الإنتاجية كافة و تقديم التسهيلات اللازمة و إننا نقترح إعفاءات ضريبية شاملة لهذين القطاعين لمدة عشر سنوات , و دعم المصدرين السوريين عند استلام فاتورة التصدير .
أما بالنسبة للسياحة فلا بد من دعمها و لكن دون التعويل عليها كحامل رئيسي في الاقتصاد الوطني و نشدد على موضوع السياحة الطبية مرة ثانية و ثالثة كموضوع شديد الأهمية و نميزه تمييزاً اقتصادياً و علمياً عن كامل الموضوع فهو كما قلنا سيكون سياحة شبه واجبة إذا حققنا فيه مجموعة من الشروط المتعلقة بالنوعية و الجانب السعري .
أخيراً :
أيها السادة الكرام إن من لا يستطيع إدراك أهمية الإنتاج الوطني بالحساب الرياضي الاستراتيجي عليه أن يعود لأحد شخصين عملاقين في التاريخ العربي هما جبران خليل جبران الشاعر و حافظ الأسد القائد .
فالأول قالها شعراً : ويل لأمة تأكل مما لا تزرع و تلبس مما لا تصنع , و الثاني فعلها وحولنا برغم الحصار و المجابهات إلى منتجين ... فلا تخطئوا يا رعاكم الله.
د.محمد عبدالله الأحمد
كتب المهندس ياسين خولي في عدد الاقتصادية رقم (425) تاريخ 10 كانون الثاني بحثاً مطولاً يدافع فيه عن نظرية تحويل سوريا من بلد إنتاجي زراعي و صناعي إلى بلد خدمات و سياحة .
و إننا لأول مرة نقرأ لشخص بصراحة متناهية هذا الكلام في حين يقول كثيرون كلام يصب في النهاية في هذا المنطق و لكن بشكل موارب ربما لأنهم لم يمتلكوا جرأة ياسين خولي أو لأنهم يعرفون أن هذا الكلام يفتح عليهم عش الدبابير .
إن تحويل سوريا إلى اقتصاد خدمات كان ليكون مثالياً لو كانت المائة و الخمسة و ثمانون ألف كم2 موجودة في هنولولوا و مجاورةً لجزر الكناري و لكنّ هذا الكلام سيقودنا إلى مصائب كبرى عندنا إذا طبقناه !
عندما نعلم طلاب الاقتصاد نظريات القيمة نختم كل مدرسة اقتصادية بفكرة ( النُدرة) ونحدثهم عن كأس الماء في الصحراء و كأس الماء و أنت جالس في نبع عين الفيجة ! وبذلك يفهمون بسهولة ماذا نعني و القول موصول بأننا نعني أن إنتاجنا الزراعي لا يعني فقط ثمن المحصول الزراعي بالليرات و لكنه يعني أولاً أننا نأكل من عملنا و بالتالي فنحن لسنا عبيداً لأحد و لهذا الأمر تبعات سياسية لا تعني جزر الكناري بالتأكيد !
و ليتني أموت قبل أن أشاهد – زمن ندرة – ترقى فيه حبة البندورة السورية أو حبة البطاطا إلى ثمن أسوار النساء الذهبية !!
و القول بأن الإنتاج الزراعي لا يطعم أصحابه اليوم فهذا الأمر سببه تغيير فلسفة القيمة نفسها و ضرب حياة الفلاحين و المزارعين في مقتل برفع كلفة إنتاجهم و النتيجة المؤسفة هي أن يأتي من يحاول إقناعنا بتحويل الأراضي الزراعية إلى مطاعم و فنادق ! .
و قبل أن يفهم أننا نرد بعكس الفكرة بالمطلق نسرع للقول أننا لسنا ضد السياحة بل بالعكس فنحن مع دعم هذا القطاع بقوة و لكن ليس لكي نضعه في المرتبة الإنتاجية الأولى , فنحن مع فكرة السياحة الطبية مثلاً و أننا لم نقم كدولة بالضروري في هذا المجال , لأننا نرى في السياحة الطبية صناعة ترقى إلى كل صناعة و لا تقل بأهميتها عن تصنيع النسيج و باقي الصناعات ...
و إن التعويل على السياحة لكي تحل محل الزراعة و الصناعة أمامه و أمامنا المطبات الخطرة التالية :
1- " مطب عصافير الدوري " و نعني به أننا إذا ألقينا بكمشة قمح على طبق من المعدن " صدر " مثل الذي كانت أمهاتنا تقدم لنا به الطعام و هجمت عصافير الدوري للأكل منه فإن إلقاء بحصة واحدة في منتصف الطبق كفيلٌ بجعل كل عصافير الدوري تهرب مرة واحدة !!
أي أن أي قلق حربي في المنطقة حتى و لو كان إطلاق صاروخ تجريبي يخفض الدخل السياحي بنسب كبيرة ... أليس كذلك ؟ فكيف تريد الاعتماد على هكذا قطاع كرافعة للاقتصاد الوطني ؟!
2- مطب تحويلنا إلى مجتمع لا ينتج طعامه سيؤدي بنا لكي نصبح مجتمعاً لا ينتج سياساته .
يا سادتي نحن نفهم دوافع المتحدثين عن مشاكل السياحة و نحن نحلم معهم برؤية سورية جنة سياحية و لكننا لا نتجاهل الحالة الموضوعية مكاناً و زماناً التي تضع الاقتصاد السوري ضمن جملة من الحقائق و المعطيات " لا تسمح لأي محلل اقتصادي أن يغض الطرف عنها أو لا يراها .. و لكن .. ما البديل ؟
إن التأكيد على أن الزراعة و الصناعة هما العصب الرئيسي لاقتصادنا ليس حالة شعاراتية , بل هو قائم على رؤية إستراتيجية موضوعية لحالنا كبلد من كافة المناحي و هذا يعني دعمهما بشتى السبل و ضرورة تخفيض كلف الإنتاج في القطاعات الإنتاجية كافة و تقديم التسهيلات اللازمة و إننا نقترح إعفاءات ضريبية شاملة لهذين القطاعين لمدة عشر سنوات , و دعم المصدرين السوريين عند استلام فاتورة التصدير .
أما بالنسبة للسياحة فلا بد من دعمها و لكن دون التعويل عليها كحامل رئيسي في الاقتصاد الوطني و نشدد على موضوع السياحة الطبية مرة ثانية و ثالثة كموضوع شديد الأهمية و نميزه تمييزاً اقتصادياً و علمياً عن كامل الموضوع فهو كما قلنا سيكون سياحة شبه واجبة إذا حققنا فيه مجموعة من الشروط المتعلقة بالنوعية و الجانب السعري .
أخيراً :
أيها السادة الكرام إن من لا يستطيع إدراك أهمية الإنتاج الوطني بالحساب الرياضي الاستراتيجي عليه أن يعود لأحد شخصين عملاقين في التاريخ العربي هما جبران خليل جبران الشاعر و حافظ الأسد القائد .
فالأول قالها شعراً : ويل لأمة تأكل مما لا تزرع و تلبس مما لا تصنع , و الثاني فعلها وحولنا برغم الحصار و المجابهات إلى منتجين ... فلا تخطئوا يا رعاكم الله.
Comment