إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الملفوظية - جان سيرفوني -

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الملفوظية - جان سيرفوني -

    الملفوظية

    - جان سيرفوني -

    ترجمة الدكتور قاسم المقداد

    - دراسـة - من منشورات اتحاد الكتاب العرب 1998
    تأليف
    تقديم المترجم
    تمهيد -لم هذا الكتاب الجديد ... (الملفوظية)؟
    الفصل الأول موضوع اللسانيات (غرضها):
    الفصل الثاني
    الفصل الثالث الموجهات modalites
    الفصل الرابع: أفعال اللغة actes de langage
    الفصل الخامس
    فهرس المصطلحات: ‏

    إذا الشعب يوما أراد الحياة
    فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
    و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
    و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

  • #2
    رد: الملفوظية - جان سيرفوني -

    تأليف
    jean cervoni‏
    العنوان الأصلي للكتاب‏
    l'enonciation‏
    منشورات‏
    puf‏
    linguistique nouvelle‏
    paris‏


    إذا الشعب يوما أراد الحياة
    فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
    و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
    و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

    تعليق


    • #3
      رد: الملفوظية - جان سيرفوني -

      تقديم المترجم
      الملفوظية ترجمة للمصطلح الفرنسي Enonciation الذي أشار إليه الألسني السويسري شارل بالي (1865-1947) في كتابه: (اللسانيات العامة واللسانيات الفرنسية).‏
      والملفوظية تقابل الملفوظ بالمعنى الأكثر شيوعاً لهذه العبارة، مثلما تقابل صناعة الشيء، الشيء المصنوع وهي فعل الاستخدام الفردي للسان، بينما الملفوظ يعني نتيجة هذا الفعل. الملفوظية تتكون من جملة العوامل والأفعال التي تتسبب في إنتاج الملفوظ، بما في ذلك التواصل الذي يشكل حالة خاصة من حالات الملفوظية، وقد أثارت ترسيمة جاكوبسون الشهيرة التي تتحدث عن وظائف اللغة اعتراضات لم تتوقف حدتها إلى الآن.‏
      ف(جاكوبسون) يرى، كما يرى (سوسير)، أن وظيفة اللغة تكمن في تقديم المعلومات بواسطة مدونة، بينما يرى المعترضون أن اللغة أكثر من ذلك بكثير. اللغة ليست مدونة، أي أداة أو وسيلة تواصل إنما هي تطرح قواعد لعب تختلط اختلاطاً كبيراً بالحياة اليومية. وتعددت الآراء في تعريف الملفوظية. فهذا (بينفينيست) يقول: "إن الملفوظية هي عملية تشغيل اللسان عن طريق فعل استخدام فردي"، أما ديكرو وأنكومبر فيريان فيها ذلك النشاط اللغوي الذي يمارسه المتكلم في لحظة كلامه، كما يمارسه المستمع في لحظة استماعه.‏
      لا أريد طبعاً أن تكون مقدمتي هذه بديلاً عن الكتاب. وأرى من واجي التنويه إلى أن هذا الكتاب، على الرغم من صغر حجمه، ليس بالكتاب السهل، وذلك لجملة منها: الأسباب‏
      1-أنه يفترضُ مسبقاً معرفة القارئ بالأطر العامة لما قيل حول (الملفوظية) لا سيما وأن الدراسات حولها بدأت منذ أكثر من عشرين سنة، وبالتالي فالمؤلف يحاول مقاطعة هذه الدراسات المختلفة بعضها ببعض للخروج برؤية قد تكون واحدة إزاء هذه الإشكالية.‏
      2-لأن الأمثلة الموجودة فيه مأخوذة كلها عن اللغة الفرنسية، وعلى الرغم من أنني قمتُ بترجمتها إلى العربية، لكنها ستظل صعبة المنال لسبب هام هو الاختلاف الكبير بين منطق اللغة الفرنسية ومنطق اللغة العربية -مع أن الفكر الإنساني يعمل بطريقة واحدة، كما يقول (جريماس) وغيره.‏
      3-لأن المصطلحات فيه جديدة -حتى على القارئ الفرنسي- فكيف ستكون، والحالة هذه بالنسبة للقارئ العربي؟ ومع أني حاولت التبسيط والاجتهاد والقياس في ترجمتي لهذه المصطلحات لكنها بقيت -في جزء كبير منها - صعبة وتحتاج إلى كثير من الشرح لكن لو سرت في هذه الطريق، لخرجت بكتاب آخر، قد يكون مفيداً لكنه حتماً لن يكون الكتاب المترجم.‏
      -هناك طريقة أخرى لتقديم مفاهيم هذا الكتاب إلى القارئ العربي من خلال إعادة صياغتها بأسلوب عربي ولكن هذا العمل يحتاج إلى تضافر جهود أخرى مع جهدي هذا وسانتظر حتماً من يقترح على القيام بمثل هذا العمل من المتخصصين باللغة العربية ومنطقها وأسرارها البلاغية وإلى أن يتم ذلك يظل السؤال مطروحاً:‏
      -لم هذا العناء إذاً؟‏
      الجواب عندي بسيط جداً: فإذا لم نبادر نحن المتخصصين إلى ترجمة هذا النوع من الكتب الصعبة فمن سيقوم بهذه المهمة؟ وإذا لم نتحاور في السهل كما في الصعب فما جدوى عملنا؟!‏
      وفي نهاية المطاف حسبي أن أنجو من التعامل غير الموضوعي لكني أشكر منتقدي الموضوعيين الجادين وأنتظر اقتراحاتهم‏
      والشكر كل الشكر للأخوين عصام نجم ، ومحمد سفر، وللأنسة نبوغ ياسين . لمشاركتهم في تحمل صعوبات التنفيذ الأولي لهذا الكتاب.‏
      قاسم المقداد.‏

      إذا الشعب يوما أراد الحياة
      فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
      و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
      و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

      تعليق


      • #4
        رد: الملفوظية - جان سيرفوني -

        تمهيد -لم هذا الكتاب الجديد ... (الملفوظية)؟
        منذ أن غدا المعنى قطباً تنجذب إليه اللسانيات، أصبح المكون الملفوظي للغة موضوعاً لعدد من الاستكشافات المتعددة، لقد تأكد عموماً أن الدراسة الدلالية للملفوظات تظل فقيرة وغير شافية إذا لم تولى مسألة الملفوظية ما تستحق من الاهتمام.‏
        وبما أننا إزاء ميدان رحب تصعب الإحاطة به، فإن المؤلفين الذين يتطرقون إليه ويدفعهم اهتمامهم إلى إضفاء نوع من الإنسجام على كتبهم عموماً فإنهم يختارون إما جمع الوقائع حول موضوع (ثيمة) Theme يعتبرونه مركزياً مثل الذاتية Subjectivite والإنجازية Performativite، أو براغماتية اللغة إذا شاءوا التوسع، وإما تفضيل الخوض في اتجاه محدد مثل دراسة الخطاب المنقول، وقضية الاستتار أو الإضمار والبرهان والعلاقة التحادثية المتبادلة.. الخ..‏
        الخيار الأول ينطوي على سلبيةٍ مفادها أن تلاقي الوقائع بعضها مع بعض من شأنه المخاطرة بالانتقال إلى الموقع الثاني للموضوعات التي لا ثانوي فيها. أما الخيار الثاني فيكمن بالمخاطرة في أن القارئ لا يعود يرى كيف يتمفصل المظهر الخاص الذي يعزله المؤلف، مع الإشكالية العامة للغة وسواء في هذه الحالة أم تلك، يمكن للخطر أن يستفحل، زد على هذا أن كثرة التفصيلات تحول القراءة إلى مهمة شاقة.‏
        هناك وسيلة جيدة تساعدك في تكوين فكرة عامة ومتوازنة عن الإشكالية الملفوظية وهي أن تقرأ عدداً كبيراً من الكتب الصعبة وغير الصعبة، والتي تنتمي إلى مشارب مختلفة لكنها تعالج المسألة نفسها، لكي تقاطعها مع بعضها، وهذا العمل لا يتاح إلا للمتخصصين فقط. لكن هناك جمهوراً متنوعاً يرغب -وهذا حقه- في الاقتراب من تلك النتيجة دون سلوك الطريقة الطويلة -على الأقل في بداية الأمر وهنا يخطر في بالي طلبة الآداب الذين ينبغي عليهم دراسة "اللسانيات الملفوظية" والأساتذة الذين يشدهم هذا الموضوع لكنهم غير متخصصين (وهم كثيرون)، وإنسان القرن العشرين الذي لم يعد قادراً على مجانبة ما يتصل مباشرة بظاهرة التواصل.‏
        تلكم هي الاعتبارات التي حدت بنا لوضع هذا الكتاب الذي يسعى إلى إرضاء عدة أنماط من القراء لكن مضمونها لا ينشد التسطيح ولا الإفراط في سهولة العرض.‏
        ولكي نصل إلى رؤية عامة ومتوازنة حول الإشكالية الملفوظية، يبدو لنا، في الواقع، إنه لا بد للجميع من معرفة القضايا التي تطرحها المرجعية الملفوظية Deixis والموجهات Modalite وكذلك أفعال اللغة، وينبغي على الواحد منا أن تكون له وسائل تفكيره الخاصة والمعمقة حول كل قضية من تلك القضايا الثلاث.‏
        الكتاب عموماً ينقسم إلى ثلاثة أجزاء مخصصة بالترتيب لمعالجة الإشاريات، والموجهات وأفعال اللغة.‏

        إذا الشعب يوما أراد الحياة
        فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
        و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
        و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

        تعليق


        • #5
          رد: الملفوظية - جان سيرفوني -

          الفصل الأول موضوع اللسانيات غرضها):
          تنوعت الدراسات المتعلقة بالملفوظية لدرجة صار يحق لنا معها التساؤل عما يتيح إمكانية جمعها تحت تسمية واحدة. فما هي تلك التسميات المشتركة، ذات الدلالة الكافية التي تقربها من بعضها بعضاً وتضمها في مجموعة واحدة متميزة؟‏
          أعمّ تلك السمات هي تلك التي تستند إلى موضوع اللسانيات الأشمل من تلك التي شكلت، خلال هذا القرن، أساساً للنظريات التي شاعت أكثر من غيرها.‏
          وأفضل وسيلة لتحديد لسانيات الملفوظية هي اللجوء إلى تذكير سريع بتلك اللسانيات غير الملفوظية.‏
          1-اللسانيات غير الملفوظية:‏
          اً- سوسير والبنيويون:‏
          كان موضوع اللسانيات، بالنسبة لسوسير، يطرح على النحو التالي: ما هي المحرمات التي ينبغي على هذا الفرع الخاص بدراسة اللغة أن يتحول عنها ويصبح علماً مستقلاً؟ نحن نذكر أن سوسير قد أجاب بأنه ينبغي على اللسانيات الاكتفاء بدراسة اللسان في ذاته ولذاته، على اعتبار أنه منظومة من العلامات والقواعد، وهو كنز جماعي موجود في الدماغ كما أنه مجموعة من الاصطلاحات الخاصة بمتكلمي اللغة نفسها ومدونة وحيدة متجانسة تتيح للمتكلمين إمكانية التواصل.‏
          إنّ المحرم أو المستبعد يعني كافة مكوّنات التواصل الأخرى التي لا تدخلُ في إطار هذه المدونة نفسها وهذا يعني أن أي استخدام لتلك المدونة على أنه سلسلة من العمليات:‏
          -التي لها مكان ضمن إطار زماني -مكاني محدد.‏
          -والمتعلقة بمرجعية الماهيات، والأحداث، وحالات أشياء العالم خارج- اللغوي) تتغير في كل مرة ليصبح لها شكل خاص.‏
          -التي تضم متحدثاً ومخاطباً بكل ما عندهما من ذاتية، بالمعنى الواسع للكلمة.‏
          -والتي تشكل مكاناً لتبادل فعلي مستمر بين هذا وذاك.‏
          إذاً، فاللسان بالنسبة لسوسير هو ذلك النمط الرائع للحادث المصطنع العارض)، ذلك الموضوع الذي يقوم العالم بإعادة بنائه عن طريق التجريد انطلاقاً من المادة التي تدركها ملاحظته.‏
          ضمن هذا المنظور، ستنطوي مهمة الألسني على جمع أوفر كمية ممكنة من الرسائل التي ينتجها مستخدموا اللسان، وبعد أن تجمع مادة البحث هذه، يقوم الألسني بالبحث- بدون أن تكون لديه فكرة مسبقة عن الوحدات التي تتكون منها مادة البحث، ثم تصنيف هذه الوحدات، واستخلاص قوانين تكونها.‏
          هذه المهمة، إجمالاً، هي التي أنجزتها اللسانيات المسماة: "البنيوية".‏
          وقبل أن نذكر السبب الذي اعتبر وجهة نظر سوسير هذه بشأن اللغة بأنها ضيقة جداً، واختزالية وتتصف أحياناً ببساطة تقترب من التبسيطية، قبل هذا لا بد من الإشارة إلى ثرائها أو خصوبتها.‏
          الحقيقة أن اللسانيات البنيوية برعت في وضع مناهج فعالة -بشكل أساسي المنهجية المتعلقة بالتواصل - تمكنت بعضها- وبدقة كبيرة- من تقطيع مادة البحث وعزل الوحدات الدالة والوحدات الصوتية الصغرة غير الدالة، في السلسلة المتصلة التي تشكل مادة البحث، كما تمكنت من التعرف على السيْمات Semes المميزة التي بواسطتها تقابل الوحدة كافة الوحدات الأخرى الواقعة في المستوى نفسه المورفيمي أو الفونيمي)، وضم العناصر التي لها بعض الخواص التوزيعية المشتركة في جذر Pardigme واحد.‏
          في ميدان علم وظائف الأصوات Phonologie حققت اللسانيات البنوية نجاحاً باهراً، وهي نقطة لا يختلف عليها أحد.‏
          أما في ميدان علم التراكيب Syntaxe فيسجل لها بالإضافة إلى إنشاء مراتب من الكلمات المحددة بشكل أفضل مما هي عليه أجزاء الخطاب في القواعد التقليدية أنها قامت بتحليل الجمل المسمى بالتحليل إلى المقومات المباشرة الذي له الفضل في إبراز الكيفية التي تنتظم فيها العلاقات بين الأركان Syntagmes في الجملة وبين العلاقات القائمة مع المورفيمات الصرفيمات) الموجودة في الأركان.‏
          حتى علم الدلالة نفسه استفاد من تطبيق المناهد البنيوية، فالبحث عن السمات المميزة في ترتيب الدلالة التي بواسطتها تتعارض المورفيمات إحداها مع الأخرى -وهي سمات خلعت عليها تسمة السيمات، Semes -.هذا البحث أفضى إلى التحليلات السيمية والمدلولية*) Componencielles. ومن جانب آخر، فقد قدم تفسير التركيب السيمي للمورفيمات الشكيلات) وسيلة لوصف أفضل لظاهرة الترادف، وتعدد المعاني والتشابه اللفظي، والاستعارة والكناية. وأخيراً أتاحت اللسانيات البنيوية) مجالاً أفضل لاستخلاص البنى التي بمقتضاها ينتظم معجم لسان معيّن.‏
          إذاً، فحصيلة اللسانيات البنيوية غنية. وهي تشكل مرحلة هامة من مراحل تطور اللسانيات.‏
          ب-شومسكي:‏
          يأخذ تشومسكي على اللسانيات البنيوية أنها لم تهتم بخاصية يعتبرها أساسية من خواص اللغة وهي الإبداعية، أي قدرة المتحدث -المستمع على إنتاج وتأويل كافة جمل اللسان، ولا شيء غير هذه الجمل التي لا حدود لها، وذلك انطلاقاً من عدد محدود من المقولات والقواعد التي تشكل كفاءة ذلك المتحدث- المستمع؛ ولإيضاحها فإن القواعد التوليدية تستبدل:‏
          -المفهوم السكوني للغة بمفهوم آخر ديناميكي.‏
          -إدراك الوقائع فقط على مستوى مقطوعات المورفيمات والفونيمات، بفرضية مجموعة من المستويات الواقعة تحت مجموعة من قاعدات التحويل للانتقال من البنية العميقة إلى البنية السطحية.‏
          -الوصف البنيوي لمادة بحث معينة، بسلسلة تصورية على شكل اشتقاقات ذات نمط رياضي وبالتالي افتراضي- استنتاجي) من العمليات المنظمة تكون نتيجتها جملة ما.‏
          إن مفهومي المستوى)، والعملية) اللذين يشكلان جزءاً من الجهاز المفهومي الأساسي للقواعد التوليدية، نجدهما في بعض نظريات الملفوظية، لكن هذا التماثل في المصطلح لا يعني أن شومسكي يعتمد منظوراً ملفوظياً.‏
          أ- ال "المتحدث- المستمع المثالي" لا نتصوره أبداً كموضوع للملفوظية ترتبط به توجيهات Modalisations مختلفة قادرة على التأثير الحاسم في معنى الملفوظ. إنه تجريد بحت، ونوع من الآلة التي تتحقق من قواعدية*) Grammaticalite الجمل - وهو غير قادر على الاندماج في سياق موقعي Situationnel أو اجتماعي أو نفسي أو تحليلي نفسي.‏
          ب-المنظور الملفوظي- وهنا تكمن النقطة الهامة - يتميز، قبل أي شيء، بموقف أقل تقييداً من موقف البنيوية في تحليل المعنى، أي أنه يتميز بفهم موسع لعلم الدلالة. عند هذا المستوى نرى أن اللسانيات الشومسكية لا تتجاوز اللسانيات البنيوية على الإطلاق. فأعمال كاتز وفودور التي عاد شومسكي إليها في الجزء الثاني من نظريته كما عرضها في كتابه: أوجه النظرية التركيبية) لا تمثل أبداً سوى الاندماج في النموذج التوليدي للتحليل المدلولي**) Componentielle والتحليل الدلالي. أبعد ما يكون عن أن يكفي لإيضاح معنى الإنتاج اللغوي الحقيقي، أي ذلك الإنتاج غير المنفصل سطحياً عن شروط الإنتاج.‏
          والحالة هذه، فإن اهتمام التوليديين في ربط المعجم /Lexique/ بعلم التراكيب Syntaxe وهو علم لم يكن قائماً عند البنيويين) قد يمكن اعتباره بمثابة تقدم. لكن، في الواقع، هذا الاهتمام يترجم بتكوين قواعد للاستبدال المعجمي*) Insertonlexicale غالباً ما تظهر القواعد) على أنها زائدة أو مصطنعة.‏
          ت-صحيح أن شومسكي في أحدث مراحل نظريته قد قام بتعديل وجهة نظره حول المكون الدلالي Composante Semantique ليقرر في نموذجه مكاناً لظواهر مثل: الافتراض المسبق، والتركيز، والإبراز**) Topicalisation وبالتالي ليقترب بذلك من الإشكالية التي تهمنا؛ لكن -بالنسبة إليه- فتلك إضافات لا تسيء إلى الفرضية التي صاغها منذ عام 1957 والقائلة: إنّه من المفضل وضع البنية التركيبية في أعمق مستوى، أي في نقطة انطلاق الاشتقاقات التي تفضي إلى الجملة.‏
          لهذا ترانا نعود إلى شومسكي بشكل خاص، حينما نقرأ في مقدمة كتاب برنار بوتييه: اللسانيات العامة ما يلي: ".. إن ندهش من المكانة التي آل إليها علم الدلالة. فمن غير المعقول أن استطاعت بعض المدارس اعتبار علم التراكيب أساساً لاهتماماتها. لكن الحسّ السليم هو الذي انتصر."‏
          ج-خلاصة:‏
          تتفق نظريات الملفوظية على اعتبار مفهوم اللسان Langue عند سوسير، والمدونة Code البنيوية ومفهوم الكفاءة عند شومسكي بمثابة تعريفات لموضوع اللسانيات الاختزالية لدرجة الافراط، لا سيما بسبب القصور الذي تبديه إزاء تحليل المعنى. بقي أن نشير إلى مواطن الاختلاف بين تلك التعريفات. وبغية الوصول إلى ذلك سنلجأ إلى إحصاء المسائل التي يمكن إلحاقها بالإشكالية الملفوظية.‏
          2- الإشكالية الملفوظية:‏
          مما قيل سابقاً، نستخلص الشكل الأولي لهذه الإشكالية. وقد أوضحنا، بالفعل أن على الدراسة المعمقة لمعنى منتوجات الفعالية اللغوية إيضاح شروط إنتاجها. وسنقوم الآن بشرح هذه الصيغة مستعينين بمثال.‏
          أ-الجملة خارج سياقها:‏
          1-شروط التشكيل الجديد- لتكن جملة:‏
          قطة عمتي [كائنة] فوق السجادة)- بالشكل الذي يستخدمها فيه النحوي. بهدف إيضاح إحدى البناءات الممكنة للرابطة Est كائنة). في كتاب القواعد تكون هذه الجملة معزولة عن أيّ سياق أيّ: السياق الكلامي Verbal والسياق المقامي Sltuationnel. فهل يسعنا القول إنّ الجملة تحمل معنى، ضمن هذه الشروط؟. قد يكون في هذا السؤال ما يوحي بالدهشة لكن إذا قمنا بمقارنة جملة:‏
          قطة عمتي [كائنة] فوق السجادة) بجملة شومسكي الشهيرة: أفكار خضراء لا لون لها تنام بشكل مخيف) لتبيّن أن الجملة الأولى واضحة، أما الثانية فعلى العكس، على الرغم من توفر قواعد التركيب فيها: إنها غير واضحة لأنها تربط الاسم فكرة) بالصفة أخضر)، وتربط الاسم نفسه بالفعل نام، الخ). كل كلمة من تلك الكلمات تنتمي إلى اللغة الفرنسية*) ولها دلالة في المعجم**.) ومع ذلك فإن مجموعها لا يشكل جملة فرنسية مبنية بشكل جيد.‏
          وحتى تكون الجملة مبنية بشكل جيد لا يكفي أن تضم كلمات تنتمي إلى اللغة وتشكل وفقاً لقواعد علم التراكيب، لكن ينبغي أيضاً أن تكون بينها درجة معينة من الدلالية. وهكذا فإن الجملة التي نبحث فيها هي جملة واضحة لأنها مشكلة بشكل جيد، على عكس جملة شومسكي.‏
          2-شروط الحقيقة الصحة):‏
          لكن الاكتفاء بهذه الحتميات للتأكيد على أن لتلك الجملة دلالة أو معنى يمكن أن يؤدي إلى قضية تعريف المعنى، وهي قضية واسعة، لا يسمح بشرحها شرحاً مفصلاً. لكن من الضروري أن نتحدث قليلاً عما نعنيه "بالوضوح" حتى يتسنى لنا فهم بقية الموضوع. إحدى الطرق الممكنة هي اعتبار الجملة واضحة حينما نتمكن من تحديد شروط الحقيقة فيها، وقول ما ينبغي لنصرح بأن الملفوظ الناتج عن استخدام فعلي للجملة في حالة ملفوظية محددة هو ملفوظ حقيقي أو خاطئ.‏
          بالنسبة لجملة شومسكي، ليس هناك شروط حقيقية قابلة للتحديد إلا إذا لجأنا إلى مغامرات الخيال لكي نجد لها تأويلاً معيناً في سجل الاستعارة) أما جملة: قطة عمتي [كائنة] فوق السجادة Le Chat de ma tante est sur le tapis)، فالشروط هي التالية: الملفوظ الذي تنتجه ملفوظية هذه الجملة، يكون حقيقياً صحيحاً) في لحظة توافق فيها هذا الملفوظ مع لحظة قد يستخدمه فيها متحدث، إذا كانت هناك قطة خاصة وسجادة خاصة تحتل القطة بالنسبة لها السجادة) موقعاً معيناً هو الموقع المدلول عليه بـ Etre sur= كائنة فوق).‏
          كما ينبغي أن يكون للمتحدث عمة، وأن يتوجه إلى متحدث مخاطب Allocutaire سواء كان حقيقياً أم خيالياً مزعوماً على أنه قادر على تمييز الحالة الموصوفة.‏
          3-المكون "الملفوظي":‏
          لاحظوا أنني حينما أحدد شروط حقيقة الجملة بهذه العبارات فإنني بذلك أسمي المستعملين متحدثين ومخاطبين) الذين تصبح الجملة ملفوظاً بوساطتهم، وألمح إلى الزمان والمكان اللذين أنتج الملفوظ فيهما، بالإضافة إلى أنني أقول شيئاً عما قد يفعله المتحدث حين يلفظ الجملة: فقد يزعم أن المتحدث إليه قادر على قبول وجود القطة وأنها وحيدة، وكذلك وجود العملة) والسجادة) وقد يتصرف كما لو كان هذا الوجود وتلك الوحدة لا يمكن اعتبارهما حاصلين، بمعنى آخر، فقد يفترض مسبقاً وجود واحدية القطة) وواحدية العمة) وواحدية السجادة). الافتراض المسبق- كما يقول بعض اللسانيين- يشكل جزءاً مما نسميه أفعال اللغة وهو فعل قد ينجز في حالة جملتنا هذه باستخدام المورفيمات الشُكيلات) LE, MA, LE [في الجملة الفرنسية: LE CHAT DE MA TANTE EST SUR LE TAPIS ].‏
          هناك جمل أخرى تتضمن أشكالاً كلامية verbales مثل PROMETS JPأعدُ، أو JE JURE أقسم، التي ينطوي تعريفها الشائع على الإيحاء بالفعل الذي نحققه حينما نقوم بلفظها، أي أن الدلالة تتكون أساساً من خلال توقع قيمتها كفعل -على اعتبار أن JE PROMETS أعد، تعني "إنجاز الوعد لحظة قول: أعد"؛ وأن أقسم "تنجز القسم لحظة قول: "أقسم".‏
          بشكل عام، تنطوي الجملة، إذا كانت على شكل موجّه MODALITE تقريري أو أمري أو استفهامي أو تعجبي، على تحديد من نمط الفعل ACTE، تستخدم ملفوظيته لإنجازه، وإن استخدام الجملة التقريرية بشكلها هذا، يعني أن تفرض نفسك باعتبارك مقتنعاً بما تلفظ، وأنك تضع متحدثك في موقع يستحيل عليه فيه الرفض أو الإنكار، إلا إذا كان سيئ النية، وأنه قد أعلم سلفاً بقناعتك تلك، واستخدام جملة أمرية يعني أنك تفرض نفسك في موقع المالك لسلطة إعطاء الأمر وزعمك بأنك تضع المتحدث بين خيارين هما: إما الطاعة أو الرفض، الخ.‏
          هذا الوصف الموجز يكفي لإيضاح أنه عند البحث عن تحديد شروط حقيقة صحة) جملة ما من الصعب فصل قيمتها الوصفية عن القيم الملفوظية التي تقرها.‏
          4-المعنى والدلالة:‏
          ما يسمح بتعزيز المسألة التي طرحناها سابقاً، بشكل أكثر دقة هو: هل يمكننا القول عن جملة تقع خارج سياقها بأنها تحمل معنى دون أن نتمكن من تحديد مكونيّها الشرطي الحقيقي VERICONDETIONNELLE أو الملفوظي؟‏
          الجواب يرتبط بقرار مصطلحي: فإما أن نستخدم مصطلح معنى SENS على مستوى الفهم المتعلق بالجملة، أو أننا نحتفظ به لمستوى التأويل INTERPRETATION المتعلق بالملفوظ.‏
          وفي الحالة الأخيرة، نحتاج إلى مصطلح آخر للإشارة إلى نتيجة فهم الجملة. إن ما يبدو غير قابل للنقاش، في الحقيقة، هو أن استخدام المصطلح في المستويين من شأنه إحداث تشوش قد يزعج التفكير كثيراً، إذ ينبغي فهم أن المكونين اللذين حددناهما لا يكفيان لتوضيح نتيجة تأويل الملفوظ.‏
          هناك عدد من اللسانيين منهم، أوزوالد ديكرو- بوجه خاص- يقترحون استعمال مصطلح الدلالة) فيما يخص الجملة، ومصطلح المعنى) إذا تعلق الأمر بالملفوظ وهو الحل الذي سنعتمده من الآن فصاعداً. وحينما نتحدث عن المعنى، فسيكون ذلك للدلالة على المعنى الشامل لانتاج لغوي معين.‏
          ب-معنى الملفوظات:‏
          لكي نبين أن هناك عناصر تدخل في معنى الملفوظ لم نتحدث عنها بعد، سنعود إلى مثالنا السابق. لكن هذه المرة علينا أن نبذل جهداً لكي نعدّ ذلك المثال ملفوظاً، أي علينا أن نتصور سياقاً محدداً. وبالقياس إلى هذا السياق ينبغي أن يكون لهذا الملفوظ حداً أدنى من المقبوليّة*) ACCEPTABILTE وهذا يعني أن السياق يساهم في تشكيل معنى الملفوظ.‏
          1-الترابط النصي:‏
          نشير في البداية إلى نوع من التوازي القائم بين تشكل الجملة وبين استخدامها كملفوظ. بالنسبة للجملة هناك شرط استخدام يشبه قيود الاختيار التي نراها في مجموعة اللكسيمات الوحدات المعجمية LEXEMES): فمثلما أن اللكسيم الوحدة المعجمية) خضراء، لا يمكن إلصاقه باللكسيم الوحدة المعجمية) فكرة، فكذلك لا يمكن استخدام جملة قطة عمتي [كائنة] فوق السجادة) بعد أي ملفوظ كان.‏
          لنتصور أن ملفوظاً مثل: "الوضع الدولي مقلق" قد قيل على منصة الأمم المتحدة، فإذا استمر الخطيب قائلاً: "قطة عمتي [كائنة] فوق السجادة "فلا بد من افتراض أن هذا يشيع جواً من الحرج، كما يقال.‏
          أما في السياق التالي فيبدو ملفوظنا في مكانه المناسب: عزيزي جاك أحيطك علماً بأني أتحسس من القطط آمل أنك لا تملك إحداها في بيتك، وجواب جاك: أنا آسف، فقطة عمتي [كائنة] فوق السجادة.‏
          أنت ترى أنه لكي نتمكن من استخدام الجملة، لا بدّ وأن تكون مميزة**) أي متلائمة مع...) لما قيل سابقاً وهذا التمييز هو الذي سيؤمن ما يسميه مارتان في كتابه: من أجل منطق للمعنى(1) ، بالترابط النصي.‏
          2-الانسجام LA COHERENCE :‏
          حينما لا يكون هناك سياق كلامي، فلا بد للجملة من أن تكون منسجمة مع الحالة.‏
          لنتصور الآن المشهد التالي:(2) رجل يصعد إلى تاكسي، يجلس ويبدأ الحديث مع السائق عن قطة عمته [الكائنة] فوق السجادة، أو إذا شئتم عن جده الذي شارك في الحرب العالمية الأولى. في هذا الحديث هناك قاعدة تم اختراقها، وهناك مخالفة أحد الطقوس التي تفرض في مثل هذه الحالة على المعنيين تمثل سلوك "الزبون- الذي يُعْلِمُ- سائق التاكسي- عن- المكان- الذي- يريد- الذهاب إليه "وسلوك" السائق- الراغب- في قبوله- والقادر- على نقل- الـ- زبون- إلى- المكان- الذي - يرغب الذهاب إليه".‏
          هذا الطقس الاجتماعي- اللغوي أو عقد الكلام، تبعاً للمصطلح الذي اقترحه باتريك شارودو في كتابه اللغة والخطاب) يختزل مساحة الممكن قوله DICIBLE بشكل كبير، فما يعتبره المعنيون بسبب الاتفاقات التي تتحكم بالعلاقات البشرية في المجتمع الذي ينتمون إليه - منسجماً مع الحالة لا يشكل إلا جزءاً يسيراً مما تسمح لهم معرفتهم باللسان قوله إنهم محكومون SURDETERMINES بعقد الكلام.‏
          بين التلاؤم مع السياق الكلامي أو الترابط النصي، وبين التلاؤم مع حالة الانسجام كما يسميها مارتان، لا يوجد فرق طبيعي فهذان المطلبان يذكران بقيود الاختيار التي تحد من إمكانيات جمع اللكسيمات الوحدات المعجمية) مع الملفوظات التي يمكننا إختيارها، سواء على شكل سلسلة أم على شكل مدخل، هي فقط تلك التي تنتمي إلى قائمة الملفوظات الملائمة.‏
          ومع ذلك فإن دراسة هذين النمطين من الملائمة، لا يمكن أن تخضع إلى المناهج نفسها، أي إلى نفس الفرع المعرفي.‏
          بالنسبة لمارتان: "يقوم الترابط النصي على معايير مثل التناظر المكاني isotopie وتكرار الكلمة نفسها في بداية الجمل المتتالية ANAPHORES والمجموعة الافتراضية المسبقة التي تمارس وظيفتها في داخل النص نفسه، بمعزل عن أي تنوع مقامي. وهذا الترابط هو حتماً من شأن اللسانيات.‏
          أما الإنسجام COHERENCE الذي يستخدم حالات ومقاصد ومعارف كونية ومدونات غير لغوية، فهو من شأن البراغماتية الحقيقية، التي يعتبرها مارتان مستقلة لا تدخل، في اللسانيات إلا جزئياً)، وسنرى لاحقاً كيف تتحدد وجهة النظر هذه قياساً إلى وجهات نظر أخرى الفصل الخامس).‏
          3-أنماط الأفعال والأفعال المشتقة المولدة):‏
          رأينا أن الجملة تنطوي، في مكونها الملفوظي، على مُوَجّهٍ MODALITE يشكل توقعاً لنمط الفعل الذي تميل إلى إنجازه.‏
          وينبغي أن نضيف أن هذا الميل هو ميل نوعي GENERIQUE وأنه يمكن للجملة تغييره بسهولة وهكذا حين تتحول الجملة التصريحية إلى ملفوظ، فإنها تصبح شيئاً آخر غير التصريح.‏
          فقد تكون عبارة عن شكوى، أو توبيخ أو تهديد أو تحذير، الخ. ويمكننا بسهولة تصور السياق الكلامي، /أو المقامي الذي يحوّلُ قيم الأفعال المختلفة هذه إلى ملفوظيات لجملة: قطة عمتي [كائنة] فوق السجادة.‏
          وكذلك الجملة الاستفهامية التي يمكن أن تستخدم لشيء آخر غير طلب المعلومة. ليكن المثال المعروف: أيمكنك مناولتي الملح؟ من ناحية حرفية هذا المثال هو عبارة عن استفهام حول قدرة المتلقي على إنجاز الحركة التي يصفها الركن أي مناولة الملح. لكن طارح السؤال لا يشك أبداً بأنّ المتحدث إليه له الإمكانية والقدرة على استخدام الجملة بشكل يسمح له بالإعراب عن رغبته في أن يقوم المخاطب بمناولته الملح.‏
          والفعل الذي تنجزه الملفوظية، بالنسبة للفعل الذي تشير إليه الجملة هو فعل مشتق مولد) والاشتقاق المعني يمكن أن توجهه منظومات الاتفاقات الخاصة بمجتمع معين ومن هنا يرتبط المعنى الأمري لـ أيمكنك مناولتي الملح؟ باتفاقات قواعد) التهذيب كما نتصورها.‏
          لكن الاشتقاق التوليد) يرتبط في أغلب الأحيان بما هو أكثر خصوصية بالمقام وبالعلاقة الذاتية المتبادلة بين المعنيين بفعل اللغة، وفي فعل اللغة هذا فإن عدم توقع قيمة الفعل الذي يمكن أن يرتبط بهذه الجملة أو تلك لا يمكن تخفيفه إلا من خلال القوانين العامة للاتصالات: كالمأثورات التحادثية أو قوانين الخطاب.‏
          ج-خلاصة:‏
          هذا الإحصاء السريع لمكونات الدلالة والمعنى، يُبيّن ضرورة الاهتمام بإنتاج الملفوظات اللازمة لدراسة دلالات الجمل أو لدراسة معنى الملفوظات.‏
          1-فيما يتعلق بالجملة: يمكن تفسير هذه الضرورة بأن بعض العلامات التي تكون اللازمة لأية ملفوظية كانت مثل: الاستدلال العاملي(3) والزماني- المكاني، وتحديد المرجع ونسبة قيمة براغماتية معينة إلى الملفوظات.‏
          الاستدلال يستأثر بالإشاريات*) DEICTIQUES والتحديد يستأثير بمحددات**) DETERMINANTS الاسم والأفعال الإنجازية أعدُ، أقسم، الخ) تهيئ الجملة مسبقاً لإنجاز فعل محدد. أخيراً كل جملة معدة لأن تكون تقريرية أو أمرية أو استفهامية أو تعجبيه، أي أنها جاهزة لإنجاز نمط معين من أفعال اللغة.‏
          ويضيف بعض اللسانيين إلى مختلف العلامات الفارقة MARQUES للفعل الافتراضي كلمات اللسان التي تنقل افتراضات مسبقة وكلمات تنزع إلى خدمة البراغماتية الإفعالية) مثل: بالتأكيد، على اعتبار أن، حتى، هكذا، الخ.‏
          2-إذا نظرنا إلى الجملة ليس بإعتبارها معزولة، بل من خلال سياقها أي بعد أن صارت ملفوظاً) فإن مورفيمات شكيلات، صرفيمات)، وصياغات وطرائق أخرى تسترعي الانتباه: كتلك التي تؤمن الاستمرارية الموضوعاتية THEMATIQUES.‏
          أخيراً إذا أولينا اهتمامنا لذلك الجزء من معنى الملفوظ المحدد أساساً بالسياق المقامي، فإن ما ينبغي دراسته هو -كما رأينا- عقود الكلام وقوانين الخطاب.‏
          وفي كل الأحوال فنحن إزاء تواصل شفهي، ولا بد عندها من مراعاة نبرات الكلام، والإيماءات والحركات وأشكال التعبير المرتبطة تماماً بالتعبير الكلامي بمعناه الحقيقي.‏
          وبالتالي فأوجه الدلالة والمعنى هي أوجه متعددة وتلك التي أشرنا إليها تشكل ما يمكننا تسميته "الإشكالية الملفوظية".‏
          3-لسانيات الملفوظية:‏
          أ-أسباب تنوعها:‏
          ما من لسانيات همها عدم اجتزاء تحليل المعنى -وتضم هذا الوجه أو ذاك من أوجهها ولا تضع في البداية مجمل الإشكالية الملفوظية على هامش موضوعها -تستحق أن نطلق عليها اسم لسانيات الملفوظية.‏
          لكن يبدو أن إدخال هذه الإشكالية في اللسانيات لا يمكن أن يكون إلا جزئياً. فالحقيقة أن بعض أوجهها يتعلق كثيراً أو قليلاً بمعارف أخرى مثل علم الاجتماع أو العلامية SEMIOTIQUE السيميائية) أو علم النفس أو اللسانيات.‏
          أما البراغماتية باعتبارها دراسة للغة بما هي فعل، والتي تطورت بشكل أوسع منذ عشرين عاماً، يمكن تصورها على أنها دامجة بشكل واسع إذا ما قيست على شكل علاقات بين اللسانيات والبراغماتية. وسنكرس الفصل الأخير من هذه الدراسة لتلك المسألة.‏
          إن تنوع لسانيات الملفوظية يمكن تفسيره بتعدد وجهات النظر الممكنة حول درجة انتماء مختلف الموضوعات الملفوظية إلى اللسانيات.‏
          ب-موضوع هذا الكتاب:‏
          الاتجاه السائد الآن هو توسيع مجال اللسانيات.(4) وهذا التحول الخارجي، وذلك "التوجه الجابذ" هذه المصطلحات لبرنار بوتييه) تمثلها السيميائية الألسنية التي طرحها باتريك شارودو في كتابه اللغة والخطاب) وهو يقدم لنا أفضل مثال على انفتاح اللسانيات الفعال على معارف أخرى لا سيما على علم الاجتماع وعلم النفس.‏
          كما نرى أيضاً توسيعاً أو على الأقل، تغيراً جذرياً في المنظور في نظرية فرانسيس جاك الحوارية DIALOGISME. والاتجاه الحواري يعني دراسة الملفوظية باعتبارها انخراطاً في المجتمع ودلالة ونشاطاً ذاتياً متبادلاً. لقد كان تأثير المخاطب على المضمون البراغماتي للملفوظات وعلى قيمته معترف به ومشار إليه سابقاً في الأعمال الأولى المعاصرة حول الملفوظية، لكن أحداً لم يذهب إلى حد أن يجعل منه معطى أساسياً يوضع على نفس صعيد قصدية المتحدث أو يجعل منه بشكل عام وظيفة للفاعل -الناطق وقد كان للتفضيل الممنوح لهذا الفاعل الناطق أثر في تشويه العلاقة الخطابية المتبادلة INTERLOCUTIVE. وما يقترحه فرانسيس جاك هو تركيز دراسة الملفوظية على العلاقة، واعتبار العلاقة التي تقيمها الملفوظية علاقة أساسية لا يمكن اختزالها.‏
          هناك طريق آخر ينبغي استكشافه وسيكون هذا آخر أمثلتنا حول الاختزالية المضادة): هو إعادة الاهتمام بزمن الملفوظية بالشكل الذي تدعونا إليه نظرية غيوم بكل ما تنطوي عليه من صرامة التأويل المتعلق بـ الزمن التقويمي) TEMP APRECIATIF. من هذا المنظور ينبغي أن يفهم زمن الملفوظية باعتباره زمناً تقتضيه كافة العمليات العقلية وربما الفيزيائية المنجزة حينما نمارس فعالية تعبيرية معينة ACTIVITE DEXPRESSION .‏
          يشير م. توسان TOUSSAINT في دراسته الموسومة "حول الزمن والملفوظية(5) " إلى أن هذه العمليات تتضمن بناء المدلولات: فبالنسبة لواحد من أتباع النظرية الفيوميّة [ نسبة إلى غيّوم] فإن هذه المدلولات لا توجد في حالة بنى ثابتة إنما تنتج عن الاعتراضات التي يمارسها العقل على حركة بانية كلما وجد الفرد نفسه في فعالية اللغة. عندئذ لا بد من إعادة تأويل التفريعة DICHOTOMIE التي تقابل التمثيل بالتعبير حتى تفريعة اللسان/ الخطاب، حسب رأي توسان) لأنه لم يعد هناك تمثيل بدون "اندفاع خطابي"، وبدون رغبة في التعبير أو تعبير بدون تمثيل.‏
          السيميائية الألسنية والحوار المتعدد DIALOGISME وإعادة تعريف زمن الملفوظية هي عبارة عن مساعٍ لا مجال لمناقشة خصوبتها.‏
          مع ذلك في إطار هذا الكتاب الصغير، سنكتفي بالعودة إلى أوجه اللسانيات الملفوظية وهي -وإن لم تكن جديدة- تشكل مصادرها دراسة مرجعيات الملفوظ DEIXIS والموجّهات MODALITES بالإضافة إلى دراسة أفعال اللغة.‏
          حول هذه المسائل التي طالما تحدثنا عنها نقبل أحياناً وجهات نظر، على أنها مقدمات لتفكير، تستدعي في الحقيقة إما المناقشة أو التفسير المنهجي.‏
          في محاولة لمعالجة هذه النزعة السلفية، لجأنا إلى إعادة النظر في قضايا أساسية مثل قضية الشخص وقضية الزمن الكلامي. النظرية الفيّوميّة [نظرية غيوم] وبعض الاعتراضات التي أثارتها، تضيء هذه النقاط التي تستحق بأن تُبرز، أكثر مما هو عليه حالها الآن.‏
          إن أحكام الكلام تضايق اللسانيين كثيراً، إذ كيف يتم تصنيفها بالنسبة للموضوعات الملفوظية الأخرى؟ وما هو المعيار الواجب استخدامه لنخصص لها حدوداً مقبولة؟.‏
          سنحاول الإجابة عن هذه الأسئلة من خلال مشروع تركيبي لما كتب حول أحكام الكلام خلال السنوات الأخيرة.‏
          أخيراً وفيما يخص مسألة أفعال اللغة يبدو لي أننا قادرون على اختصارها عبر عرض نظرية أوستين)، فهي المرجع المفضل لأي شكل من أشكال البراغماتية اللغوية، وسنقوم بتحليل كتاب أوستين) القول هو الفعل "QUAND DIRE , C,EST FAIER الذي يؤدي إلى تطور حديث في النقاشات ذات الصلة بالإنجازية، ويهيء لقراءة الفصل الأخير المخصص لبحث العلاقات القائمة بين اللسانيات والبراغماتية.‏
          * )-استخراج المدلولات في لفظة ما. [المترجم]‏
          *) القواعدية: أي صحة الجملة من الناحية القواعدية [المترجم].‏
          **) طريقة في التحليل تهدف إلى إبراز شكل الوحدات الدنيا للدلالة المكونات الدلالية، السمات الدلالية أو السيمات) في داخل الوحدة المعجمية الصرفيم أو الشكيل أو الكلمة). ويقول قاموس مارتينيه للسانيات: أنه تحليل المدلولات Signifiés إلى وحدات مميزة. ويضيف قاموس اللسانيات لديبوا وآخرين: أن التحليل قد ولد من ملاحظة الانثروبولوجيين الأمريكيين حول عدم كفاية المفاهيم التي تكونت في الحضارات الهندو - أوربية وبهدف وصف الثقافات الأمريكية - الهندية مما أدى إلى تكون طرائق تهتم بالمجال الفكري أكثر من اهتمامها بالمجال اللغوي.‏
          * ) -الاستبدال المعجمي: في القواعد التوليدية يعني استبدال الرموز المصطنعة بعناصر Ltems معجمية تبعاً لسماتها [المترجم].‏
          ** ) عملية لسانية تنطوي على تحويل مكون الجملة إلى موضوع بارز مبتدأ) بحيث تصبح بقية الجملة تعليقاً عليه خبر) في عملية الإدماج أو الإدخال يقوم الإبراز بتحويل الركن الاسمي الفاعل إلى مبتدأ للجملة. لكن قد يكون هناك إبراز مكون آخر، كالركن الاسمي المفعول Objet أو الركن الجاري فتحوله إلى ركن فعلي كما هو الحال في الجملة التفخيمية: خالد، رأيته البارحة؛ في دمشق كان الاحتفال.. [المترجم].‏
          *) يمكن قول الشيء نفسه عن اللغة العربية.‏
          **) مما يزيد غموض الجملة الثانية عدم منطقيتها للتضاد الحاصل بين مفردتين تصفان الشيء نفسه وهي هنا كلمة "أفكار" إن المفردة الأولى وصفتها بأنها خضراء) والمفردة الثانية وصفتها بأنها لا لون لها).‏
          *) المقبولية: نقول عن ملفوط بأنه مقبول إذا كان قواعدياً أي تولد عن قاعدات النحو) ويسهل فهمه أو أن الفاعل الناطق يبثه بشكل طبيعي. وهو مفهوم يرتبط بنموذج الأداء ولا يتميز فقط بالتزامه بقواعد النحو الجملة اللاقواعدية غير مقبولة) إنما أيضاً بتلك القاعدات التي يحققها المقام السياق) أو الخصائص النفسية للناطقين. وهناك درجات من المقبولية. فإذا تجاوز طول الجملة حداً معيناً فلا تعود مقبولة. لكن عدم المقبولية هذا يتغير تبعاً لكون الجملة مكتوبة أو منطوقة وتبعاً لارتباطها بالمرسل أو بالمتلقي [المترجم].‏
          **) التمييز هو الخاصية التي تسمح للصويت فونيم) بأداة وظيفة تمييزية في لسان معين وذلك بمقابلتها مع صُوَتْياتٍ أخر تنتمي إلى المستوى نفسه وحينما تفقد الوحدة المعتبرة هذه الخاصية لا يعود هناك ملاءمة المترجم)..‏
          (1) منشورات PUF، 1983.‏
          (2) هذا المثال أخذناه مع التعليق عليه عن كتاب ب- شارودو-: اللغة والخطاب، هاشيت، 1983، ص54.‏
          (3) أي عاملي الملفوظية: المتحدث والمتحدث إليه.‏
          *) الإشاريات العنصر الإشاري: هو العنصر الذي يُكوّن في الملفوظ ويحيله إلى المقام الذي أنتج فيه وإلى الفاعل الناطق التوجيه) مثل أسماء الإشارة والظروف المكانية والزمانية، والضمائر الشخصية ... [المترجم].‏
          ** )المقصود بها أدوات التعريف والتنكير والصفات، والأسماء المضافة، أي العناصر التي تحقق الفعل القواعدي [المترجم].‏
          (4) ينبغي مع ذلك، الإشارة إلى أن العودة إلى نظرية لا تتناسب مع هذا الاتجاه، وهي النظرية المسماة "التمثيلية" حيث تعتبر اللسان "منظومة من العلامات التي تضطلع بوظيفة تمثيلية"، وأنه "مجموعة من الأسماء القادرة على الإشارة إلى حالات الأشياء أو الأحداث". وهذه النظرية لا تتضمن أي قيمة براغماتية أرادت النظريات الملفوظية إدخالها فيها. فلكي تبقى اللسانيات دقيقة تماماً لا بد من تخليص اللسان من هذه الإضافات، وعلى هذا ينكب بيريندونيه الذي أخذنا عنه التعريفين السابقين) في كتابه مبادئ البراغماتية الألسنية، منشورات مينوي، 1981. المهمة ليست سهلة حينما يتعلق الأمر بالإنجازات، وليست بأقل سهولة عندما ينبغي علينا البرهنة على أن الموجهات MODALITES الاستفهامية أو الأمرية JUSSIFS ليست بدائية. لهذا تبدو البَرَهَنَة أحياناً وكأنها متناقضة.‏
          لكن لا نقاش في أهمية هذا المشروع، لأنه يتعلق بوجهة نظر هامة. وبما أن المؤلف يستخرج مقتضيات الاختيار النظري الذي يحفز هذا المشروع، فهو يقدم لنا إمكانية مقارنة كلفة هذه النظرية النهائية بكلفة النظريات الملفوظية مهما كان نوعها. ومفهوم كلفة النظرية هذا، أساسي في اللسانيات لهذا سنعود للحديث عن النظرية التمثيلية بما في ذلك نتائجها.‏
          (5) مجلة لانفاج، عدد 70، حزيران 1983، ص ص1070-126.‏

          إذا الشعب يوما أراد الحياة
          فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
          و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
          و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

          تعليق


          • #6
            رد: الملفوظية - جان سيرفوني -

            الفصل الثاني
            مرجعيات الملفوظ DEIXIS‏

            يمكن تعريف مرجعيات الملفوظ على أنها علامات تحيل إلى ملفوظيتها. ويقال أحياناً أنها تعكسها الملفوظية).‏
            سنعدد أولاً ما تنطوي عليه انعكاسيتها. الملفوظية تفترض وجود متحدث LOCUTEUR ومخاطب ALLOCUTAIER، وهي تتموضع في الزمن عند لحظة محددة، أما عاملاً *) قوة ملفوظية فاعلة) ACTANTS الملفوظية المتحدث والمخاطب) فيقعان في الفضاء ESPACE أي في مكان معين لحظة حصول الملفوظية(1) .‏
            إن مرجعيات الملفوظية، ومجموعتها الأكثر تمثيلية: أنا، أنت، هنا، الآن، عبارة عن كلمات تشير، من داخل الملفوظ، إلى تلك العناصر الأساسية المكونة للملفوظية. وهذه العناصر هي: المتحدث، والمخاطب، ومكان وزمان الملفوظية. لكن المرجعيات تدل على تلك العناصر وفقاً لطريقتها أي أنها تقوم بعكس حدوثها). وهذا يعني أنه في كل مرة يتحدّثُ فيها أنا، فإن هذه الكلمة لا يسعها إلا التدليل الإشارة) على الفرد الذي قال أنا بهدف الحديث عن نفسه. أنت، لا يمكنه الإشارة إلا إلى الفرد الذي خاطبه المتحدث بهدف الحديث عنه باعتباره مخاطباً هنا، والآن، لا يمكنها الإشارة إلا إلى مكان وزمان وقوع حدوث) الملفوظ الذي يشكلان جزءاً منه. ينتج عن ذلك، أنه من المستحيل عزو مرجع محدد لتلك الكلمات إذا كنا نجهل باعتبارنا مخاطباً أو شاهداً، أو عن طريق معلومات منعزلة عن عملية التبادل الخطابي نفسها) عوامل قوى ملفوظية فاعلة ACTANTS) الملفوظية وإطارها الزماني -المكاني.‏
            لكي يتسنى لنا تحديد خصوصية المرجعيات DEIXIS بشكل جيد بالنسبة للعلامات الأخرى، يمكننا الاستعانة، كما فعل رومان جاكوبسون(2) ، بمصطلحات بيرس: لا شك أن للمرجعيات دلالة اصطلاحية، شأنها في هذا شأن علامات اللسان الأخرى، ومن هذا المنظار نرى أنها عبارة عن رموز، كما يقول بيرس، إذ نجدها في القواميس ولا حاجة بك إلى مراعاة استعمالها حتى تقول كيف تترجم في ألسنة أخرى. وعلى هذا فـ أنا) له دلالة عامة وحيدة وثابتة تكمن في أنها تدل على موجه الرسالة، ومتلقيها أنت) هنا نتعرف على مصطلحية جاكوبسون). لذا من الخطا اعتبارهما بمثابة أشكال فارغة تستقبل دلالة مختلفة لدى استخدام إحداها.‏
            لكن المرجعيات DEIXIS تتمتع في الوقت نفسه بمظهرٍ آخر: فهي لا تستطيع استقبال معنى محدد إلا إذا كانت على علاقة وجودية مع الموضوع الذي تمثله. ومن هنا فإنها تساهم في طبيعة ما يسميه بيرس بـ المؤشر INDEX والمؤشر هو الحركة التي تدل بواسطتها على شيء موضوع) ما: وفي غياب الشيء، فإن المؤشر لا يشرك معه شيئاً أبداً، أي أنه لا يدل على أي شيء، والحركة لا تصبح تحديداً إلا إذا كانت على علاقة حقيقية بالموضوع الشيء).‏
            الإشاريات DEICTIQUES تشكل جزءاً من المرجعيات DEIXIS لأنها لا تشير إلا بوجود مرجع ما. فبين أنا) وبين فرد ما يتحدث عن نفسه في لحظة معينة، تكون العلاقة علاقة حقيقية RELATION DE FAIT : هي العلاقة الناتجة عن لفظ هذا الفرد لكلمة: أنا.‏
            وبهذا فالمرجعيات DEIXIS تشكل جزءاً مما يسميه جاكوبسون بـ البنى المزدوجة): وتقوم بوظيفتين وبالتالي فهي، رموز -مؤشرة(3) SYMBOLES.‏
            في دراسة المرجعيات DEIXIS تحتل قضية الشخص PERSONNE والزمن مكانه هامة.‏
            ولسوف نهتم بدراسة هاتين النقطتين(4) . وهي دراسة تفضي، بشكل طبيعي، إلى إحدى القضايا الرئيسية في اللسانيات الملفوظية، وهي قضية الذاتية في اللغة، والتي سنتطرق إليها في الجزء الثالث من هذا الفصل.‏
            1-قضية الشخص:‏
            إذا نوينا بمقدار ما تسعفنا به طاقتنا، أن ننسب تحديداً واضحاً إلى فئة المرجعيات DEIXIS لا بد من التساؤل عما إذا كانت علامات MARQUES الشخص الثالث ضمير الغائب) تدخل في إطاره. هناك ثلاثة أجوبة ممكنة يتحزب لكل منها نفر من اللسانيين والنحويين.‏
            -لا تشكل جزءاً منه في أي حال من الأحوال.‏
            -تشكل جزءاً منه في بعض استخداماتها.‏
            -إنها إشاريات مثلها مثل شكلي الشخصين الأول والثاني ضمير المتكلم وضمير المخاطب).‏
            في البداية سنستبعد وجهة النظر الثانية لأنها تبدو لنا كنتيجة لقصور عام بالمفهوم الذي لدينا حول دور الشُكيل المورفيم): هو IL وسنبين أن ضمير الغائب هو) يتعارض مع يقابل) كلاً من أنا) وأنت) أي مع شخصي الخطاب المتبادل. لكن التعارض ليس جذرياً كما يرى إميل بينغينست إذا يعتقد أن ضمير الغائب عبارة عن لا شخص): وأنّ هو) يقع تحت كل من أنا) وأنت)، كما يقع تحت كل ما من شأنه أن يصبح موضوعاً للكلام.‏
            وقد وقفنا عند حالة هو) ضمير الغائب) المسمى الضمير غير الشخصي) زمناً طويلاً فهي تكشف عن القيمة الأساسية لهذا المورفيم الشكيل).‏
            بعد الكشف عن هذه القيمة، نشير إلى أن سبب ارتباط هو) بالمرجعيات DEIXIS يبدو لنا محملاً بالسلبيات أكثر من الإيجابيات.‏
            أ-ضمير الغائب في علامة IL : هو)‏
            1-هو ضمير الغائب في مواجهة أنا ضمير المتكلم) وأنت ضمير المخاطب):‏
            -لنستمرّ في التشديد على هذه النقطة: إن القول بأن أنا) يدل على المتحدث، وأنت) على المخاطب، ما هو إلا وصف ناقص. ما تجدر الإشارة إليه هو أن: "أنا" أو أي شكل آخر من أشكال ضمير المتكلم) هو اسم يتخذه المتحدث حينما يعدّ نفسه موضوعاً للخطابات، أي حينما يتحدث عن نفسه، وأن أنت) أو أي شكل آخر من أشكال ضمير المخاطب) يظهر حينما يتحدث أحدهم عن الشخص نفسه الذي يتوجه بالحديث إليه.‏
            وهكذا فإن أنا) هو الشخص الذي يتكلم وله دور إيجابي) والشخص المتحدث عنه في نفس الوقت دور إيجابي) والشخص المتحدث عنه دور سلبي).‏
            نرى الآن ما ينجم عن ذلك: الشخصان الضميران) الأولان أي شخصا التبادل الخطابي يقابلان تماماً -وإلى حد ما- الشخص الثالث ضمير المخاطب) أي الشخص المعني بالحديث DELOCUTE وهو الشخص المتحدث عنه، والذي يقوم بدور سلبي فقط في فعل اللغة لكن الأشخاص الثلاثة يشتركون في نقطة واحدة: فهم جميعاً يستخدمون لطرح موضوع الكلام.‏
            2-الشخص الثالث ضمير الغائب) هو الشخص الأساسي:‏
            لنذهب أبعد من ذلك ونقول: إن القول بأن الشخص الثالث ضمير الغائب) هو لا- شخص) مبني للمجهول) بحجة أنه يفتقر إلى علامة خاصة به في هذا اللسان أو ذاك، يعني أننا نتجاهل حقيقة أساسية: فالشخص، على الأقل في الألسن التي تنتمي من الناحية التصنيفية إلى المجموعة نفسها التي ينتمي إليها اللسان الفرنسي، هذا الشخص يشكل الدعامة اللازمة للإسناد PREDICATION سواء أكان هذا الشخص صريحاً مرسوماً كما في الحالة التي يظهر فيها على شكل ضمير شخصي اسم مضمر) -أو مستتر كما في حالة الاسم).‏
            ينبغي ألا يغيب عن البال أن الأسماء كلها مزودة بفئة الشخص في اللسان، وهذه نقطة يعزو علم النفس الآلي للغة*) PS/CHOMECANIQUE إليها قيمة خاصة، والشخص، تبعاً لهذا النظرية، هو أساس البناء الشكلي للاسم(5) .‏
            شخص الأسماء لا يختلف من حيث الأساس، عن الشخص المنسوب إلى الكائنات المُنْخَرِطة في فعل اللغة أي الكائنات المتحدث عنها باعتباره معني بالحديث DELOCUTE ويمكننا في الواقع ملاحظة أن العلامة التي تبرز شخص الاسم حينما يحل الضمير محله، هي نفسها التي تدل على الشخص المتحدث عنه، وهكذا نقول: إنها صفراء IL EST JAUNE للدلالة على الورقة في السياق التالي: ما لون الورقة؟ -إنها صفراء، مثلما نقول: لم يأت في معرض حديثنا عن بيير الذي انتظرناه بلا طائل أو أنه حردان، للإشارة إلى فرد حاضر لكنه يسكت حينما تقع الملفوظية، المترافقة ربما بحركة للدلالة على من نتحدث عنه، كما نجد الشكل هو في الأفعال القواعدية VERBES المسماة خطأ بالأفعال غير الشخصية) بينما هي في الحقيقة أفعال وحيدة الشخص.‏
            ب-ضمير الغائب هو) في الأفعال) وحيدة الشخص:‏
            الـ : هو وحيد الشخص لا يمثل أي كائن ملموس أو مجرد، كما لا يمثل أي معطى من معطيات التجربة، إنه مجرد علامة على الإمساك بالشخص بعيداً عن حالة معينة أو عن أي اشتراك مع مادة مفهومية مهما كان نوعها وبالتالي لا تقبل الارتباط بالأشخاص الذين يشير إليهم الـ أنا) والـ أنت) الخاصين بالمعني بالحديث، أو بالشخص الثالث الذي يتضمنه الاسم. والأفعال التي تصف الظواهر الجوية الجو ماطر، الجو عاصف، الجو مثلج) خير مثال على ذلك.‏
            1-شخص العالم) LA PERSONNE D,UNIVERS:‏
            إحدى أطروحات النفسالية علم النفس الآلي) تقول إن ذكر اللغة لظاهرة مسجلة في الزمن، يتطلب وجود نقطة ثابتة، ذات طبيعة مكانية، يمكن تصور تطور تلك الظاهرة انطلاقاً منها. هذا، الـ هو، السند الأدنى، والمجرد جداً، لعمومية لا يمكن تجاوزها، هو الذي يشكل دعامة الأفعال وحيدة الشخص.‏
            ما يرمز إليه الـ هو في هذه الحالة، يعني بكل بساطة ربط الحديث بعالم موجود قبله ويشكل حتماً جزءاً منه، وهو العالم الذي سماه جورج موانيه شخص العالم) وبيّن أن شخص العالم هو شخص أساسي وأن أي نوع آخر من الأشخاص لا يتدخل إلا بالنيابة عن ذلك الشخص.(6)
            2-شبح الحقيقة:‏
            من المفيد الإشارة إلى أنه يمكننا، بلوغ النتائج نفسها بطرق أخرى غير تلك التي سلكتها النفسالية.‏
            آلان بيريندونيه A.BERRENDONNER في فصل من كتابة مبادئ البراغماتية الألسنية، بحث عن مصادر قيمة الحقيقة المعزوة إلى الملفوظات التقريرية، وعن الماهيات التي يكون الملفوظ صحيحاً أو خاطئاً بالقياس إليها، بيريندونيه هذا، سيعثر على شخص العالم وذلك بعد أن ميز ثلاثة مصادر ممكنة لحكم الحقيقة الصحيح):‏
            1-المتحدث 2-الرأي العام= ON، 3-عامل محقق يسميه شبح الحقيقة) لأن اللسان، كما يقول، لا يسمح له بالظهور إلا عن طريق العدم) وبخصوص هذا المصدر يصرح المؤلف قائلاً: "قد لا يكون شبح الحقيقة هذا تناسخاً تحولا) AVATAR- أو ربما، شكّلاً قانونياً CANONIQUE -لشخص العالم) هذا- أو لذلك لـ هو الذي بين كل من غيوم GUILLAUME وموانييه MOIGNET أنه ليس مجهولاً لا شخصياً) على الإطلاق، وأنه يمكننا اعتباره بمثابة إشاري DEICTIQUE من رتبة الأشياء المرجع المذكور، ص59-60).‏
            ولكي يبين ضرورة تمييز 1-الحقيقة بالنسبة للمتحدث 2-الحقيقة بالنسبة لنوع من الرأي العام الذي يمثله الرمز أحد ما)، فإن المؤلف يستند إلى تحليل المؤكد POSE والمفروض مسبقاً PRESUPPOSE بالنسبة لأفعال قواعدية مثل: فعل، زعم، فبالنسبة له، في : أزعم أن ج على اعتبار أن ج تمثل أية جملة كانت) كما في بيير يزعم أن ج، يكون المفروض مسبقاً ج هو مجهول -خاطئ ON- FAUX أي أنه خاطئ بالنسبة للرأي العام. وحينما يقول المتحدث أزعم أن ج فإنه بذلك يعارض بشدة ذلك الرأي العام، وحينما يقول: بيير يزعم أن ج، فيبدو وكأن يعتمد هذه المقولة أو ذلك الرأي العام، لكن هذا لا يعني أن الافتراض المسبق لـ زعم ليس الافتراض المسبق نفسه الذي لضمير المتكلم أو لضمير الغائب. ببساطة، حينما يكون الفعل مصرفاً بالشخص الثالث يبدو وكأنه المتحدث يوافق المجهول= ON رأيه الذي يعتبر أن ج خاطئة)، ولا يتفق مع رأي بيير الذي يعتبر ج صحيحة) لأنه بدلاً من أن يقوم نفسه بضمانة صحة ج فهو ينقل قول شخص ثالث بيير) حول ج. وبالتالي فإن ج تبدو أقل صدقاً مما لو قام المتحدث بتأكيدها مباشرة، لكن، علينا ملاحظة أن هذا الانطباع قد يلغى: دون أن يكون ملفوظه متناقضاً، فالمتحدث يمكن أن يقول: بيير يزعم أن جول مريض، وهذا أمر صحيح.‏
            لكي يبين بيريندونيه، من جانب آخر، ضرورة الاستعانة بمصدر ثالث ممكن لقيمة الحقيقة، وهي عنده تلك الحقيقة ولا شيء غيرها، والحاصلة سلفاً، والناتجة عن ارتباط تم التحقق منه سلفاً، بالعالم المرجعي، لكي يبين هذا يقترح بيريندونيه هذه الحجة: إذا كانت هناك تعابير مثل برأيي، حسبما أرى، أظن أن، لتحديد أن قيمة حقيقة ملفوظ ما تقوم على المتحدث باعتباره هو نفسه مصدراً، فذلك لأن الملفوظات نفسها، الخالية من هذه الصيغ، تأخذ قيمة حقيقتها من مصدر آخر، أي من شبح الحقيقة وهو تناسخ) شخص العالم أو شكله القانوني. إذا كان لا بد من قول: برأيي، القطة كائنة) فوق الحصيرة، لنشير إلى أن الحقيقة المنسوبة إلى الملفوظ لا مصدر لها سوى اعتقاد المتحدث، ذلك أن الملفوظ: القطة فوق الحصيرة) الذي يتضمن هذا التحديد، يقدم نفسه كملفوظ حقيقي لمجرد أنه لفظ، باعتباره مرتبطاً بنظام الأشياء، أي بالواقع.‏
            3-الفاعل المنطقي :‏
            يمكننا تقريب هذه الاعتبارات من الدراسة التي كرسها د. مارتان للفاعل المنطقي، في كتابة: من أجل منطق للمعنى، ص215-217.‏
            الفاعل المنطقي هو البرهان الذي نحتاج إليه لنقرر شيئاً آخر غير اللغة في مقابل اللغة لأن أي لغة كانت يجب أن تقوم على شيء آخر غير ذاتها -مع أنها تستطيع أيضاً أن تقدم شيئاً في هذا المجال، كما يبينه الاستخدام الماوراء -لغوي METALINGUISTIQUE للألسن الطبيعية. كتب مارتان يقول: البرهان هو مرجع العالم لا أكثر، مهما كان هذا المرجع مجرداً).‏
            في الألسن الطبيعية، فإن العملية الأساسية التي تنطوي على الإحالة إلى العالم تكمن في التعيين*) DESIGNATION) الذي يركب المدلولات على أشياء العالم) وليس له أي علامة فارقة MARQUE في كل الألسن لكن له واحدة في اللسان الفرنسي: وهي الـ IL المشتركة كما يشير إلى هذاج. موانييه في كتابه: انتظامية اللسان الفرنسي- بين الضمير IL هو، وأدوات التعريف: LE, LA, LES تعريف مذكر، تعريف مؤنث، تعريف جمع).‏
            وهكذا، فإن أداة التعريف LE في LE FACTUER VIENT DE PASSER مر موزع البريد منذ قليل) وضمير الغائب هو: IL في IL PLEUT إنها) تمطر، أو في IL EST ARRIVE UNACCIDENT وقع حادث، فهي أداة التعريف) أثر للعملية التعيينية، وترسيخ لما قيل عن العالم، أو بعبارة أخرى، هي برهان على الإسنادات PREDICATIONS التي تنقلها تلك الملفوظات دون أن ننسى الاسنادات المتضمنة في الاسم موزع البريد FACTEUR) أو هي الفاعل المنطقي).‏
            4-خلاصة:‏
            هذه التحليلات الثلاثة التي تلتقي مع بعضها بعضاً ونقصد بها: تحليل موانيه، وتحليل بيريندونيه وتحليل مارتان، تساهم في البرهنة علىأن الشخص المسمى لا- شخص مجهول) إنما هو الشخص الأساسي وهو أساس مجمل الهيكل البنيوي للغة الفرنسية) كما يقول ج. موانيه.‏
            ج-هل: IL = ضمير الغائب يعد من الإشاريّات DEICTIQUES‏
            1/ حجج براهين) مع اعتبار ضمير الغائب من الإشاريات) :‏
            إذا كان ضمير الغائب هو = IL من الإشاريات فلا بد من أن يتمتع بالخاصية التي تحدد هذه الفئة: على اعتبار أن الانعكاسية**) REFLEXIVITE تنطوي على الإحالة إلى أحد عناصر الإطار الملفوظي لكن ضمير الغائب /هو/ لايحيل إلى أي عنصر من تلك التي أشرنا إليها، ولكي يصنف في قائمة الإشاريات، لا بد إذاً من توسيع الإطار الملفوظي: فبالإضافة إلى المتحدث، والمخاطب، وزمان ومكان الملفوظية، لا بد أن يتضمن هذا الإطار موضوع الكلام مهما كان نوعه، باعتباره عنصراً ضرورياً يشكل، في نهاية المطاف وبأكثر أشكاله تجديداً كما رأينا حجة) اللسانيين المناطقة.‏
            وهذا تماماً هو المسعى الذي اعتمده آلان بيرنيدونيه مرجع مذكور): فـ شبح الحقيقة) الذي يتحدث عنه، يشكل حجة إشارية تحيل إلى مشترك [مساهم] في عملية الاتصال) مثله في ذلك مثل تلك الكائنات المشار إليها بـ أنا) ضمير المتكلم، وبـ أنت) ضمير المخاطب). والمؤلف يضيف ص، 61): أكثر ما يثير الاهتمام يبدو لي هنا أن الكون أي السياق) كافة ترسيمات الاتصال المعتبرة بمثابة ماهية مرجعية شاملة يجب أن يعتبر أن العالم أو السياق كأحد المشاركين الفاعلين في عملية التبادل الخطابي وليس فقط كظرف جامد) ويضيف في موضع آخر في فعل الاتصال- السياق يتكلم ليعطي رأيه في حقيقة الجمل وهذه النتيجة قد تكون كافية لتثير إعادة النظر في الترسيمات التقليدية للاتصال لأنها تدعو إلى أن نرى في عملية الاتصال ليس مجرد علاقة هاتفية) بين مرسل ومتلق إنما مجموعة من ثلاثة حدود: المخاطبون، والرأي العام، والعالم المرجعي. يدرك القارئ أن الترسيمة الهاتفية المعنية هي ترسيمة جاكوبسون(7) .‏
            2-حجج ضد اعتبار ضمير الغائب من الإشاريات):‏
            -لكي يتسنى لنا تقويم الحل الذي اعتمده آلان بيريندونيه، ينبغي علينا شرح نتائجه مكتفين بالنتيجة العامة وهي أن ميدان الإشاريات سيكون مجالاً لا حدود له وسيتضمن بشكل خاص كافة الأسماء الموجودة في رسالة ما لأننا قادرون على تحويلها جميعاً إلى ضمائر بواسطة هم) S) أو هن) S) ELLE أو أن نجعلها مسبوقة بأدوات التعريف LE,LA,LES) وهي عملية لا تزيد عن كونها طريقة لإخراج الشخص الداخلي الذي بنيت تلك الأدوات عليه.‏
            لن نذهب بعيداً جداً وسنقف مع وجهة النظر القائلة باستبعاد ضمير المخاطب من مجال الإشاريات وبهذا نلتزم بالتعارض بين دور فاعل وسلبي في الوقت نفسه، في عملية التبادل الخطابي ضمير المتكلم وضمير المخاطب) ودور سلبي فحسب ضمير المخاطب). لأنه ليس هناك من طريق غير طريق الاستعارة يمكننا من دمج الفاعلية التي تقدمها النظرية المعنية إلى السياق) الجاكوبسوني*)، بفعالية كل من المتحدث والمخاطب وأن تكون هناك مصادر عدة ممكنة للتأكيد، أي أن يتمكن الملفوظ نفسه من إدخال تعددية أصواتية POLYPGONIE، فهذه وجهة نظر تبدو وكأنها تفرض نفسها على مستوى معين من مستويات التحليل(8) لكن عامل الملفوظية الثالث هذا الذي قد يكون السياق) لا يملك الكلام كما يملكه الآخران: فإذا كان بمعنى ما مشاركاً فهو غير قادر على أن يكون متحدثاً.‏

            3-زمن الملفوظية:‏
            تولي دراسة المرجعيات مكانة هامة لمسألة زمن الملفوظية، وكما فعلنا بالقسم المخصص للشخص، سنوجه دراستنا نحو إشكالية خاصة هي إشكالية قيمة أشكال كلامية ثلاثة واستخداماتها، أي إلى زمن الحاضر PRESENT والماضي البسيط PASSE SIMPLE والماضي المركب PASSE COMPOSE.‏
            فهل زمن الحاضر) هو شكل من أشكال الفعل يحيل إلى الحاضر المعاش بسبب القيمة الأساسية التي يتمتع بها هذا الشكل، أم هو شكل لا زمني كما توحي بذلك السهولة التي نستخدمه بها للتعبير عن فترة زمنية ماضية أو مستقبلية كما نستخدمه للتعبير عن وقت الحاضر من جهة ولأنه لا يتضمن أي علامة زمنية على عكس الأشكال الأخرى لصيغة الإدلال INDICATIF من جهة أخرى؟ ولا شك أننا نتفق على أن الأمر يتعلق بمسألة رئيسة في دراسة تتعلق بالملفوظية.‏
            سنتوقف عند الماضي البسيط SIMPLE والماضي المركب P.COMPOSE وذلك للدور الذي أولتهما أياه نظرية بينفينيست الشهيرة في مقالته: [نمطان للملفوظية) القصة) في مقابل الخطاب)] وبعد أن نشير إلى ماهية هذين الشكلين الكلاميين في انتظامية الفعل عند ج غيوم سنلجأ إلى تبيان ضعف الحجة التي قدمها بينفينيست(9) في مقالته الموسومة علاقات الزمن في الفعل الفرنسي) والمنشورة في كتابه: قضايا في اللسانيات العامة، ج1، ص237-250).‏
            أ-المرجعيات الزمنية والمنظومة الكلامية:‏
            زمن الملفوظية أي الزمن الذي يتحدد فيه الحدث الذي هو إنتاج الملفوظ، ويمكن الإشارة إليه داخل الملفوظ نفسه، ومن بين الكلمات التي تؤدي هذه الوظيفة نذكر أولاً الآن أو اليوم. طبعاً هذه العلامات هي إشاريات مثلها مثل أنا وأنت. لكن المرجع الزمني DEIXIS TEMPORELLE لا يتحدد بالأشكال التي تحيل إلى حاضر الملفوظية لأنها تتضمن أيضاً الأشكال التي تسم الماضي والمستقبل ولا يتحدد مرجعها إلا بالنسبة لذلك الحاضر. من فئة الظرف نذكر: أمس، قبل الأمس بخصوص الماضي، وغدا وبعد غد، بخصوص المستقبل. فكل مرة نلفظ فيها أمس) فإن هذه الكلمة تدل على اليوم الذي سبق اليوم الذي أنتجت فيه الملفوظية وغدا) تدل على اليوم اللاحق وهلم جرا.‏
            وفي فئة الفعل القواعدي VERBE ينبغي ذكر كافة الأشكال الشخصية للماضي وللمستقبل. وكل زمانية يعبر الفعل عنها والتي تشكل في بعض الألسن، كاللسان الفرنسي دعامة هامة للزمانية المعهود بها إلى الملفوظ، هذه الزمانية لها قدرة استدلال هي لحظة الملفوظية، وأن أكثر الأشكال قدرة على التعبير عن هذه اللحظة بشكل مباشر هو زمن الحاضر اللغوي فمن أين جاءته هذه القدرة؟ وبتعبير آخر ما الزمن الحاضر)؟‏
            1-الحاضر بصيغة الإدلال INDICATIF:‏
            ألمحنا سابقاً إلى النظرية القائلة بأن الحاضر)، على الرغم من الاسم الذي يحمله، هو شكل يخلو من المدلول الزمني- وهي نظرية أول من نادى بها جورج سيربا(10) G.SERBAT . هذا اللساني يعتبر أن فكرة التلاقي بين الشكل المسمى بـ الحاضر) والواقع الزمني الذي هو الحاضر وهو واقع نفسي يرافق فيه الوعي أي ممارسة للفكر والكلام -هذه الفكرة تستند إلى خلط يعود تاريخه إلى القديم) بين البنية اللغوية والبنية الواقعة خارج اللغة وهي بالنسبة لجورج سيربا لا تقف أمام دراسة الواقع المجرد عن كل فكرة مسبقة.‏
            أ-الوقائع FAITS أولاً- دراسة الاستخدام تسمح بملاحظة أن الحاضر) على عكس أشكال الإدلال INDICATIF يمكن أن يترافق مع أي تحديد زمني نرحل غداً، خلال ستة أشهر، خلال سنة، السنة القادمة، عام 1789 استولى الفرنسيون على سجن الباستيل، إلى آخره) أو يمكن أن يكون مدى محدد في الزمن الثروة تبتسم للجريئين: هنا تقوم الأركان الإسمية بإعطاء قيمة للمتحدث: فإذا قلت: IL PLEUT=أنها تمطر= السماء تمطر.. وأن لا شيء في السياق الكلامي والمقامي) يوجه مخاطبي نحو تطبيق هذا الملفوظ على سقوط) مطر مضى أو قادم فسيفهم أنني أحدثه عن ظاهرة في طور التحقق في اللحظة التي أتحدث فيها عنها.‏
            ب-التفسير التقليدي: انطلاقاً من مبدأ أن الحاضر)= حاضر، فإن التقليد القواعدي يرى في الملفوظات التي يرتبط فيها الحاضر) بلحظة الملفوظية، استخدامات للشكل مع قيمته النوعية، على العكس فإن استخدامات الحاضر) بهدف الإحالة إلى فترة ماضية أو مستقبلّية تعد استثنائية واستعارية تتعلق بالأسلوبية: هذه الاستخدامات تماهي الأحداث المعنية بتلك التي تتوضع في حاضر التبادل الخطابي وربما في حاضر الكتابةو/أو القراءة) تماهيها إذا بتلك التي يعيشها المرسل و/أو المتلقي ويشعران بها بشدة خاصة. صيغة "الحاضر التاريخي"*) "بشكل خاص تترك أثراً لـ [الدرمنة] DRAMATISATION التي بفضلها نبرز أهم الأحداث. أما الحاضر ذو القيمة العامة) فيمكن تفسيره على أنه امتداد غير محدود على فترات ماضية أو مستقبلية لما هو صحيح في لحظة الملفوظية.‏
            ج/انتقاد ج. سيربا -هذا التفسير التقليدي لا يقبل به ج. سيربا بل ويدحضه بشكل كلي:‏
            لأن هذا التفسير ينطلق من حكم مسبق ويقلل من تواتر الاستخدامات التي يزعم بأنها ليست نوعية. والواقع أن هذه الاستخدامات لا تتصف بأي شيء استثنائي حتى لو صح أن الاستخدامات التي يكون فيها الحاضر= حاضر هي الأكثر عدداً). إن دراسة الماضي التاريخي) القائمة على نصوص واسعة يساهم في إثباته: بهذا استطاع س. ميليه MELLET إبراز(11) أن لهذا الحاضر، في بعض المؤلفات، تواتراً كبيراً بحيث يصبح من الصعب معه اعتباره بمثابة انحراف ذي أثر أسلوبي) للقيمة الأساسية للشكل= الصيغة. زد على ذلك فإن أثر الدرمنة) الذي ننسبه إليه ها) أبعد ما يكون استخدامه عن أن يسمح بالحصول عليه، ثم أنه لا ينتمي إليه بعد بشكل خاص: الدرمنة والمفاجأة يسببهما الظهور المفاجئ للماضي البسيط P.SIMPLE في سلسلة من الحواضر التاريخية مثلما يسببها قطع الحاضر لسلسلة من الأزمنة الماضية. التنوع والتغيير هما اللذان يثيران الانتباه وليس هذه الصيغة أو تلك من صيغ الفعل(12) .‏
            وهذا التفسير يهمل حقيقة صرفية ينبغي ربطها بسعة الاستخدام الكبيرة التي أشرنا إليها آنفاً، أي بغياب الشكيل المورفيم) الزماني عن الصيغة المسماة بصيغة الحاضر) هذه الصيغة تختزل، في الواقع، إلى مجرد موضوع ثيمة) كلامي VERBAL أو إلى علامة إعرابية DESINENCE بينما تتضمن صيغ الماضي والمستقبل التي تثبت استخداماتها بأنها تملك القيمة الزمنية التي يدل عليها اسمها) لاحقة" هي دالّ تلك القيمة.‏
            -أخيراً، هذا التفسير يتجاهل قانوناً عاماً للكلام ينطبق بمقتضاه الملفوظ آلياً على الظواهر التي تشكل الإحداثيات الزمنية -المكانية للملفوظات إطاراً لها، هذا إذا لم تتعارض مع أي شيء في أي وقت إذا ما وجد في ملفوظ وأن لا شيء يحدده من الناحية الزمنية فإنه يأخذ معنى الحاضر ليس لأنه يدل على اللحظة الحاضرة بل لأنه، ملفوظ وعلى هذا يمكن تفسير عبارة: السماء تمطر IL PLEUT بأن السماء تمطر هنا والآن) لكن الصيغة الكلامية VERBALE ليست هي التي تنقل هذه التفاصيل. والملفوظات الخالية من الفعل تقدم لنا دليلاً على ذلك: وحينما يتلفظ أحد المتحدثين بعبارة: صمتاً؟ فلا يمكن أن يتعلق الأمر إلا بصمت مطلوب أو ملاحظ) في هنا) والآن) الخاصتين بالمتحدث المذكور. من الواضح إذاً لسيربا أن للحاضر دلالة لازمنية لا يمكن دحضها). وهو بصيغة الإدلال INDIXATIF أي الصيغة اللازمنية للفعل(13) .‏
            د/وجهة نظر غيوم GUILLAUME: تبدو لنا الوقائع التي تستند الحجة إليها غير قابلة للنقاش ومع هذا نود أن نبين أن أخذها بعين الاعتبار لا ينقص من شأن انتظامية الفعل القواعدي SYSTEMATIQUE DU VERBE عند غيوم(14) وهي الانتظامية القائلة: إن الصيغة الشخصية المعلومة) للادلال INDIXATIF لا يمكن أن تكون لا زمنية في جوهرها، والصيغ الفعلية الوحيدة التي تستحق هذه التسمية هي الصيغ المصدرية وصيغة اسم الفاعل أو المفعول.‏
            لكن ما هي الصيغة الإدلالية INDIXATIF في الحقيقة؟ إنها بالنسبة لغيوم، تلك التي ترتبط بالدرجة القصوى لتحقيق القضية، بمعنى أنها تحدد القضية بالنسبة لشخص المتحدث وفي لحظة فعل اللغة. والحاضر يشكل جزءاً منها وليس هناك أي اعتراض ممكن على هذه النقطة). من الضروري إذاً وفي إطار هذه النظرية، اعتبار "الحاضر" بمثابة شكل زمني. لكن هذا لا يعني أن المؤلف يخلط الحاضر المعاش بالحاضر اللغوي إذ ليس هناك لغوي شدد أكثر من غيوم، على التمييز الذي ينبغي إجراؤه بين العالم الماوراء لغوي(15) وبين التمثل العقلي الخاص لهذا العالم الذي هو اللغة القائمة، وهذا التمييز نجده في ملاحظة يمكننا قراءتها في كتاب غيوم: الزمن والفعل) ص59 وهي: إن "الفترة الحاضرة لا تلتقي أبداً بالضرورة مع الحاضر الحقيقي"(16)
            فما هو "الحاضر" إذاً بالنسبة لغيوم؟ إنه واقع هندسي معماري) وحركي في الوقت نفسه.‏
            إنه هندسي معماري لأن العقل إذا أراد تمثل الزمن فإنه يستخدم القدرة التي يملكها لكي يتمثل الفضاء المكان). لهذا فإن المنظومة الكلامية SYSTEM VERBAL التي هي تمثل خاص باللسان لإدراك أن الإنسان يملك الوقت، هذه المنظومة تجد شكلاً طبيعياً لها في الترسيمات المكونة من خطوط مستقيمة ذات اتجاهات متشابهة أو متقابلة) متتابعة أو على العكس، منضدة فوق بعضها. وفي اللغة الفرنسية يشكل التناضد إحدى ميزات الحاضر) والقطع المتناضدة ذات التوجهات المتعاكسة تمثل جزأين من الزمن اللغوي أحدهما جزء من المستقبل والثاني جزء من الماضي.‏
            وهو حركي CINETIQUE لأن المدلول اللساني لصيغة نحوية ما، لا ينبغي أن يفهم على أنه نقطة ثابتة، إنما حركة يمكن للفكر التقاطها في مختلف مراحل تطوره. والإدراك يكون مبكراً أو متأخراً نوعاً ما، تبعاً لأثر المعنى المقصود حين القيام بفعل تعبيري. في حالة الـ "الحاضر" تكون الحركية مزدوجة: 1-فمن جهة فإن الـ الحاضر) يسعى إلى حد أقصى من الاختزال لأن دوره في تمثيل الزمن الذي هو المنظومة الكلامية الفرنسية هو دور تفريقي إذ يفرق يفصل) بين الاتجاهين المتعاكسين، أي الماضي والمستقبل، وحتى لو تم اختزال جزأي الزمن المتناضدين إلى كمية متناهية في الصغر، واللذين يشكلان الـ "الحاضر" فإنهما يبقيان فاصلين(17) 2-ومن جانب آخر فإن الحاضر المكون بهذا الشكل، يحمل معه حركة CINETISME نرى بمقتضاها لحظة إثر لحظة في الحاضر نفسه جزءاً من المستقبل وهو يعمل على تحويل نفسه إلى جزء من الماضي ليكن السهم العمودي الدال على الحركية المذكورة18‏
            أما من جهة الإدراكات التي يمكن للعقل أن يقوم بها من خلال مقطع عرضي فلا يشير غيوم إلا إلى اثنين منها:‏
            -الإدراك المبكر الذي يقدم صورة عن حاضر) يتضمن فقط والتي ترتبط بها استخدامات مثل: بيير يسافر بعد الظهر.‏
            -الإدراك المتأخر الذي يظهر فيه الحاضر) بجزيئه المتناضدين ...، ....، ومثال الاستخدام المناسب الذي يقترحه غيوم هو: بيير يعمل: أي: في طور العمل).‏
            لكن لا شيء في النظرية يبدو مانعاً، لأن نقدم فرضية أن هناك ثالث أكثر تأخراً. ولهذا استطاع ج. موانيه أن يقول بخصوص: يخرج من هنا خرج للتو)/ أنها جملة مكونة وفقاً للنمط الزمني CHRONOTYPE(19) .... هناك باحثة لسانية ذات اتجاه غيّومي، هي أ. فاسان A. VASSANT تعتمد في مقالتها المكرسة لزمن الحاضر(20) وجهة نظر مختلفة قليلاً حول الإدراكات SAISIES الثلاثة وتقدم دراسة مفصلة حول آثار المعنى المرتبطة بها فتقوم بإدراج النزعة الإدلالية SEMANTISME الفعلية أو السياقية في التعريف اللغوي لشكل الحاضر) وإحدى الخلاصات المقترحة تقول: إن "الأمثلة التي جرى تحليلها تبرهن على أن القاسم المشترك بين كافة استخدامات الحاضر تكمن في بنائه الحركي العمودي، وهو بناء يسهل علينا إدراك الحدث وهو في طور الإنجاز الشامل أو المنجز جزئياً من الناحية النظرية، على اعتبار أن المنجز أو الإنجاز يمكنهُ تقريباً بلوغ الشمولية مرجع مذكور ص306) وبتعبير آخر، فإن ما هو أساسي في قيمة "الحاضر" هو واقعه الحركي، والصورة التي يقدمها عن الحدث هي أساسا صورة توجه استشرافي أو استعادي. هذه النبذات عن نظرية غيوم، تبين أنها لا تخلط الحاضر اللغوي بالحاضر المعاش. وأنها تقبل التناقض الذي قد يتصف به هذا الأخير(21) فلا يبدو لنا ذلك عيبا: فتمثلنا للزمن، مهما كان مجرداً، ومهما كان مفصولاً عن تجربتنا له، لا يمكنه [التمثل] أن يكون مستقلاً تماماً عنها، وإذا انطوت هذه التجربة بشكل إجباري على الحدس المتناقض لامتداد يكون في الوقت نفسه نقطة، فسيكون من الجدي أن تقوم النظرية بإبراز(22) ذلك وإذا كان هذا الحدس مظهراً أساسياً لتجربتها حول الزمن فالاحتمال قليل بأن لا يوجد تمثل للغة يعكسها بشكل من الأشكال.‏
            لكن لنشدد على هذه النقطة: إن رد التجربة إلى مستوى مجرد جداً لا يعني أن يخلط [التمثل] بها: لذا فإن الوقائع التي وضحها سرباً(23) لا تبدو لنا مناقضة لهذه النظرية.‏
            -القانون العام الذي تطرقنا إليها سابقاً ينطبق بلا صعوبة على "الحاضر" الغيومي: في بعض ظروف الملفوظية يقوم الشكل بالدلالة(24) على لحظة الملفوظية، ولأن هذا الاستخدام الأكثر شيوعاً هو الذي نريد خطأ، أن نعترف فيه بالقيمة النوعية للشكل، بينما في الحقيقة، بفضل هذا الشكل، يمكن [للاستخدام] أن يرتبط أولاً بهذه اللحظة.‏
            -إن مورفولوجيا الحاضر) تعكس، على صعيد الدال، ذلك اللاتخصيص: فغياب اللاحقة SUFFIXE الزمنية يعني أنه ليس ماضياً ولا مستقبلاً، وفي الوقت نفسه فإن هذا الغياب يجعل الحاضر جاهزاً في أي فترة من تلك الفترات الثلاث.‏
            -عندئذ يمكن لاستخدام الحاضر) في سياقٍ ماض) أو مستقبلي، أن يفسر على أنه ليس شيئاً آخر غير واحد من الاستعمالات التي يجعلها الشكل ممكنة: ذلك الاستعمال الذي ينطوي على ترك السياق يلعب دوراً حاسماً في تعيين تاريخ الملفوظ(25) ومع هذا ينبغي أن نضيف أن هناك نقطة لا تلتقي حولها نظريتا غيوم وسيربا: فزمن الحاضر -بالنسبة لسيربا- هو صيغة شكل) غير محددة NON MARQUEE، أما بالنسبة لغيوم فلا يمكن تطبيق هذه الصفة على صيغة معلومة PERSONNELLE للفعل، على اعتبار أن التطابق الشخصي يخلو من الدلالة الزمنية. والشخص، في الحقيقة، معلمٌ مندمجٌ في الزمن، أي أنه عامل يدخلُ مبدأً توجيهياً في تصور الزمن الذي يشترك الشخص فيه. وبالنسبة لهذا المَعْلَم نقطة العلام) هناك إمكانيات لترئية VISUALISATION الزمن: إمكانية الترئية النازلة ) التي يستقبل الزمن من خلالها كما لو أنه قادم من المستقبل مروراً بالحاضر، هروباً من الماضي والترئية الصاعدة ) والتي بمقتضاها يظهر الزمن على شكل فضاء مفتوح موجود أمامنا لكي يتقدم فيه ويسجل فعاليته(26) . ويتجلى هذا التمييز في صيغة النصب الفعل المنصوب) SUBJONCTIF بوجود شكلين للحركات (27) CINETISMES العكسية: "الحاضر "حركة صاعدة) والماضي الناقص IMPARFAITحركة نازلة) لكنها حركيات لا تتضمن الحد منذ ولا أحد ولا حتى، لذا، وحتى عرضت صيغة النصب بالنسبة للمصدر INFINITIF في تصور الزمن، فإن أشكالها لا تعطي على الرغم من ذلك تصوراً، وتظل عاجزة عن وضع الحدث في فترة محددة. والافتراضية التي تمنحها صيغة النصب للحدث لا يمكن اختزالها مهما كان السياق.‏
            أما الصيغة الإدلالية INDICATIF فنجد فيها -بالإضافة إلى هاتين الحركتين اللتين يتضمنها زمن "الحاضر" الحركة الصاعدة تنتمي إلى جزء المستقبل، والحركة النازلة إلى جزء الماضي)- منظومة تقابلات تضادات) واضحة تماماً، هي منظومة زمنيّ المستقبل اللذين يفصلهما الحاضر عن بعضهما بعضاً.‏
            إذا يمكننا القول إن ارتباط هذه الصيغة الأخيرة بحاضر الملفوظية لا يشكل قيمتها الأساسية التي تتحدد بشكل أفضل عن طريق التوجه المتحرك. لكن ينبغي أن نضيف بأن الأمر يتعلق بتوجه حتى و/أو انطلاقاً من، وهو أحد الحدود التي ينطوي عليها الحاضر بإعتباره من الناحية الأفقية يشكل العتبة التي تفصل زمن المستقبل عن زمن الماضي.‏
            من وجهة نظر غيوّم، نرى أنه لتعريف الحاضر) لا بد من اعتبار انتمائه إلى صيغة 1-شخصية =معلومة كالـ SUBJONCTIF.‏
            2-تتضمن على عكس الـ SUBJONCTIF)‏
            أزماناً مستقبلية وماضية تتعارض مع تلك الصيغة.‏
            2-الماضي البسيط والماضي المركب:‏
            1-الماضي البسيط P.SIMPLE: -الماضي البسيط يمسك بالحدث الماضي عند انبثاقه في الزمن وينظر إليه انطلاقاً من هذا الانبثاق، وباعتباره موجهاً بكليته نحو معنى صيرورته(28) .‏
            هذه القيمة الأساسية تجعله قادراً، خصوصاً، على ذكر تعاقب الأحداث كما يقدمه المؤرخون بشكل عام: إذ ينطلقون من أكثر أجزاء الماضي بعداً عن ذلك الماضي الذي يهتمون بتدرجه المتجه نحو صيرورة الأحداث ويحترمونه، أي نحو حاضر من يسرد تلك الأحداث.‏
            ونحن في هذا الصدد ينبغي أن نلاحظ أنه من الخطأ تحديد مدلول لسان هذا الزمن بقيمة دقيقة، وهذا المثال الذي أخذناه عن ج. موانييه يثبت ما قلناه: لويس الرابع عشر حكم مدة اثنين وسبعين عاماً. إذ أن الماضي البسيط ليس غير منسجم مع تحديد المدة الطويلة وأثر معنى الفعل الدقيق في جملة: كانت تغني حينما دخل، يكمن سببه أساساً في دلالة الفعل دخل الذي يسمى بالمكتمل PERFECTIF أي أنه يتضمن فكرة الحد في نفسه، فـ دخل يعني أنه انتقل من خارج مكان معين إلى داخله ويمكننا الحديث عن فعل الدخول دون التعرض لتجاوز هذا الحد أي أنه يمكننا الحديث عن إنجاز الفعل ومن هنا جاءت التسمية PERFECTIF منجز =مكتمل).‏
            ب-الماضي المركب P.COMPOSE:‏
            بالإضافة إلى الحاضر التاريخي) الذي سبق وتحدثنا عنه، هناك الماضي البسيط الذي ينافسه كلّ من الماضي الناقص IMPARFAIT المنظوري(29) EN PERSPECTIVE والماضي المركب P.COMPOSE من وجهة نظر تطورية، يمكن اعتبار منافسة الماضي المركب بمثابة منافسة منتصرة لأن الماضي البسيط في اللغة المحكية، في اللغة الفرنسية المعاصرة، لم يعد يظهر من الناحية العملية. ولتفسير هذا الانتصار لا بد من دراسة ما جعله ممكناً من حيث طبيعة الماضي المركب نفسها.‏
            من خلال مساعدته لـ الحاضر) فإن الماضي المركب، كما هو الحال بالنسبة للحاضر(30) ، قادر على وضع ذكر الحدث في الفترة الحاضرة، ومن جانب آخر فإن عنصره الثاني، أي الماضي البسيط، يصف الحدث المنجز كلياً، والمتميز بتمامية سيره، ويقدم صورة عن التمدد الشامل.‏
            تلك الخصائص تجعله قادراً على التعبير عن حاضر لحدث تجاوزه الزمن، فإذا سألني أحدهم: هل تريد أن تأكل معي؟ وأجبته: أكلت، فإني بذلك أشير إلى أن الحدث أكل في حاضر فعل اللغة، هو بالنسبة لي حدث انتهى أمره وصار من الماضي، وبالتالي فإنني لست جائعاً من حيث المبدأ فقد تناولت وجبتي قبل زمن طويل من حديثي عنها أو قبل حديثي عنها بقليل.‏
            ومهما يكن من أمر فإن ما تعنيه: أكلت هو أني أضع نفسي خارج الحد النهائي للحدث. وما يهمنا هو صورة أثر هذا الحدث في حاضر الملفوظية صورة اندماجه في الزمن المتدرج؟‏
            والآن إذا ما تم الإمساك بكليّة الحدث الذي يعبر عنه اسم الفاعل والمفعول PARTICIPE خارج حده النهائي، بل في ما وراءٍ يقترب ما أمكن من هذا الحد هنا أيضاً يمكننا الحديث عن كمية مؤهلة للأقتراب من العدم) عندها فإن القيمة الحاصلة عمداً تتلاشى. والتجاوز من منظور الحاضر يفسر على أنه ماض، ونصل إلى تكافؤ تقريبي مع الماضي البسيط مع فارق بسيط هو أنه، إذا استطاع الماضي البسيط تقديم صورة عن كلية العملية حينما نقول على سبيل المثال: لويس الرابع عشر حكم مدة سبعين عاماً) فالأمر يتعلق بإمساكالداخل بعيداً عن حدّه النهائي مهما كان هذا الحد صغيراً. وللتمييز بين هذين الماضيين فقد أطلق غيوّم على أحدهما "الماضي المظهري" وعلى الثاني "ماضي الفترة". واختيار أحدهما ليكون زمناً للسرد ليس سوى اختيار أسلوبي. رأينا أن الماضي البسيط يلائم سرد الأحداث الماضية في تعاقبها أما السرد بزمن الماضي المركب) فيهدف الاستعاضة عن تتابع الوقائع هذا بوضع الحدث مستقلاً في الزمن(31) .‏
            وقد سيطر هذا النمط من عرض الأحداث الماضية اعتباراً من نهاية القرن الثامن عشر، حينما يتحدث الواحد منا، فهو لا يهتم كثيراً بإعادة تسلسل الوقائع، إنما بإقامة مدى ووزن كل واقعة معتبرة في حد ذاتها. فضلاً عن أن الماضي المركب، باعتباره يسمح بالحديث عن أحداث لا تلزم الفكر بمتابعة صيرورتها بدءاً من نقطة اندلاعها، ففي استخدامها كما يقول غيوّم، إنما نقوم بإقتصاد توفير) تغيير مرحلي، ولا شك أن هذا الاقتصاد قد سمح بانتصار الماضي المركب على الماضي البسيط في اللغة المحكية.‏
            بـ نظرية إميل بينفينيست:‏
            1-نمط الملفوظية:‏
            هذه النقاط من نظرية غيوّم حول الفعل، والتي بدا لنا ذكرها ضرورياً، في شرحٍ مخصصٍ في جزء كبيرٍ منه للزمن القواعدي T.VERBAL ترينا [هذه النقاط] ما ترمي إليه تلك النظرية: إنها ترمي إلى إدراك الوقائع اللغوية على صعيد المنظومة التي تنتمي إليها.‏
            فهل نحن إزاء الشيء نفسه في نظرية بينفينيست؟ بلا شك. ففي مقالته الموسومة "علاقات الزمن في الفعل الفرنسي" يفصح عن مشروعه على النحو التالي: "إن الأمر يتعلق بالبحث عن العلاقات التي تنظم مختلف الصيغ الزمنية من وجهة نظر تزامنية في المنظومة الفعلية في اللغة الفرنسية الحديثة".‏
            لكن المنظومة الفعلية الفرنسية بالنسبة لإميل بينفينيست لا تتميز بالتناظرات وبالتقابلات التي أتينا على ذكرها، لأن حقيقتها الأساسية تكمن في أنها تنقسم إلى منظومتين فرعيتين من الأزمان والأشخاص.‏
            -الزمن والشخص اللذان تكمن وظيفتهما في اللغة، بالسماح بنمط من الملفوظية يسمى بالتاريخ ضمير الغائب من صيغة الماضي البسيط، والماضي الناقص، والماضي الأكثر من تام وأحياناً زمن مستقبل تلميحي ويسمى "بالمستقبل الاستشرافي" ونادراً ما نجد فيه حاضراً زمنياً).‏
            -الأزمان والأشخاص الذين تكمن وظيفتهم في اللغة، بالسماح بنمط من الملفوظية يسمى بالخطاب DISCOURS أي الأشخاص الثلاثة الذين ينتمون إلى كافة الأزمان باستثناء الماضي البسيط.‏
            من هذا التوزيع ينتج أن بعض الأزمان تنتمي إلى المنظومتين الفرعيتين: الماضي الناقص) والماضي الأكثر من كامل). وضمير الغائب أيضاً يكون مشتركاً بين هذين النمطين، لكنه، كما يقول بينفينيست، لا يتمتع بالقيمة نفسها التي له في التاريخ HSTOIRE والخطاب DISCOURS ونظراً لأن السارد لا يتدخل في ضمير الغائب، فإنهه لا يتعارض مع أي شخص آخر: بل إن الأمر يتعلق. بالآخر أي بغياب الشخص، أما في الخطاب فإنه لا شخص مجهول) يقابل أنا/ أنت.‏
            2-ترقية الجنس التاريخي:‏
            قبل أن نذهب بعيداً يمكننا ملاحظة الترقية التي يتمتع بها التاريخ في هذه النظرية: فهو لم يعد مجرد جنس يهيمن فيه استخدام بعض الأشكال. مثلما يهيمن في بعض الأجناس استخدام أشكال أخرى. وهذه النظرية أصبحت أحد نمطي ملفوظية يقع تقديرها في منظومة اللسان. وهذا ما يقوله بينفيتيست حرفياً في الصفحة 239: "يشكل المقصد التاريخي إحدى وظائف اللسان الكبرى: وهو يترك فيه زمانيته الخاصة". أن يقوم اللسان بعزل السرد التاريخي على هذا النحو وهي حالة خاصة من حالات استعمال اللغة - وهي تقريباً الحالة المكتوبة الوحيدة) عن كافة الأشكال الأخرى للاستعمال المكتوبة أو المشفوهة وهي أشكال متعددة، كما أنها فكرة لم تدهش كل من علق على أفكار بينفينيست ولم يقولوا مبدئياً بدرجة صعوبتها.‏
            3-الشروط الدنيا للمعقولية:‏
            لا شك أن توقع الملفوظية، كما رأينا، يشكل جزءاً لا يتجزأ من تحديد بعض العلاقات مثل الإشاريات DEICTIQUES وموجهات MODALITE الجملة). وبالتالي، فلا شيء يمنع من حيث المبدأ، أن نتوقع هذه الأنماط من الملفوظية على صعيد المنظومات وتقسيماتها. لكن لكي نعتبر أن السرد التاريخي يشكل أحد نمطي الملفوظية في الوقت الذي تشكل فيه استخدامات اللسان الأخرى النمط الآخر، لا بد من أسباب قاهرة كتلك التي تجعلنا نعتقد بوجود أنماط مختلفة من أفعال اللغة التي يتوقعها اللسان، وبتعبير آخر ينبغي أن تكون هناك حدود واضحة جداً بين التاريخ وبين ما هو ليس بتاريخ، حدود صارت غير قابلة للنقاش، بفضل الحضور شبه الدائم لبعض العلامات الشكلية في بعض الأعمال التاريخية وكذلك بسبب غياب شبه(32) مستمر لأشكال خاصة بالخطاب ضمن الأعمال نفسها.‏
            وبالمقابل فإن ما لا ينبغي أن يكون، هو الظهور المنتظم والكبير أحياناً لبعض الأشكال الخاصة بالخطاب في سياق القصة، RECIT.‏
            شروط المعقولية هذه هي التي يبدو أن بينفينيست يعتبرها دنيا، إذ عدنا إلى المظهر القطعي لبعض الصيغ التي يحدد من خلالها ما هو خاص وما هو مرفوض بالنسبة لكل نمط.(33) القضية برمتها تكمن في معرفة ما إذا كانت نسبة حالة خاصة إلى هذا الشكل أو ذاك، واستبعاد شكل آخر، لها ما يبررها من المبادئ التي لا نقاش فيها. ومن واقع الاستخدام سنرى أن الأمر ليس كذلك.‏
            4-دحض:‏
            أ-عدم خصوصية الشخص الثالث تحدد السرد التاريخي قبل أي شيء على أنه يستبعد أي شكل لغوي له علاقة بالسيرة الذاتية. ويضيف بينفينيست أن المؤرخ لا يقول أبداً أنا ولا أنت ولا هنا ولا الآن، لأنه لا يقترض أبداً الجهاز الشكلي للخطاب المتضمن في علاقة الشخص.أنا: أنت".‏
            وهناك ملاحظة بسيطة تتعلق بالإشاريات DEICTIQUES وهي أن غيابها ليس وقفاً على التاريخ(34) ، ففي الخطاب العلمي الذي يشير بينفينيست إليه ليس هناك أي مبرر لظهورها [أي المؤشرات].‏
            وحول الشخص الثالث نذكر بأنه مشترك بين التاريخ والخطاب، لكن بينفينيست يحاول جَعْلَ الشخص الثالث في التاريخ مختلفاً عنه في الخطاب، من خلال اعتباره للأول بمثابة "غياب للشخص" والثاني بمثابة "لا-شخص". لا طائل من القول كم يعتبر هذا الفريق سطحياً فاللسان كما رأينا لا يعرف سوى هو IL واحد يتواجد في سياقات متنوعة جداً.‏
            وعلى هذا لا يمكننا رؤية السمات الخاصة بالسرد التاريخي لا من خلال استبعاد الإشاريات ولا عبر استخدام الشخص الثالث ضمير الغائب).‏
            ب-لا خصوصية الأزمنة الفعلية:‏
            هل نعثر على خصوصية أكثر في واحد من "نمطي الملفوظية" أم نجد "الفئتين الفعليتين للزمن وللشخص مع بعضهما بعضاً" كما يقول المؤلف ص239)؟‏
            النقطة الوحيدة التي قد لا يعتريها الشك هي، أن الماضي البسيط ويسميه بينفينيست بـ AORISTE) لم يعد يستخدم مطلقاً إلا في السرد المكتوب لأحداث مضت، وأن الشخص الثالث هو أكثر استعمالاً(35) فيه السرد) من الشخص الأول بينما يندر استخدام الشخص الثاني.‏
            من الواضح أن تحديد استخدام أحد أشكال المنظومة الفعلية لا يكفي لتأسيس نظرية نمطي الملفوظية الكبيرين اللذين يتوقعهما اللسان ويفرضان على المنظومة الفعلية ترتيباً تبنيه جذور القواعد بكل وضوح .‏
            ولكي يدعم بينفينيست نظريته حول الملفوظية التاريخية فهو يضيف: "إن للاستثناءات الأهمية نفسها التي للأزمنة المقبولة. والمؤرخ يستبعد كلاً من الحاضر والمكتمل والمستقبل ص245).‏
            لكي نبين أن هذه التأكيدات وهي حتماً قطعية) لا ترتبط بالأفعال الوقائع) فسنكتفي هنا بالتذكير بدراسة . ميليه MELLET حول الحاضر التاريخي(36) ، وبأن ننقل عن أ. فاسان A.VASSANT)(37) ، مقطعاً من كتابٍ تاريخي نقابله بالمقاطع الثلاثة التي عرضها بنفينيست في الصفحات 240-241).‏
            في أوقات أخرى، حينما واجهت الجمهورية الرابعة في فرنسا قبل ديغول- م) عدداً أقل من المشاكل والصعوبات، فإن هذه الجمهورية حتى لو كانت تفتقر إلى جهاز تنفيذي قوي أو على الرغم من تشتت القوى السياسية فيها، فقد كانت لا شك قادرة على تجاوز الصعوبات الطبيعية المرتبطة بالسلطة. وكانت الجهورية الثالثة قد وصلت إلى أزمات كانت تبدو وكأنها تنتصر عليها "وقد خدمت هذه الجمهورية المصالح الوطنية بشكل كبير. لكن الذي حدث هو أن هذه السلطة الضعيفة التي حاربتها الأحزاب السياسية أكثر مما قدمت لها من الدعم، وجب عليها مواجهة جملة من المشكلات التي تطلبت كل واحدة منها فعلاً واضحاً ومنسجماً ومستمراً. ونادراً ما جابهت الحكومات مثل تلك المهام الملحة مثل النهوض بالاقتصاد، والنضال في الداخل ضد أشكال المعارضة المتشددة والحرب الباردة، ومواجهة الصعوبات الاقتصادية التي لم تكف عن الانبعاث بشكل دوري. في عام 1957 وجدت الحكومة نفسها مضطرة، للإبقاء على المبادلات الخارجية، وإلى إجراء تحقيق حقيقي أدى إلى إنقاص قيمة الفرنك بنسبة 20% وحينما سقطت حكومة غايار GAILLARD في 15 نيسان 1958، كانت الخزينة فارغة أو الاحتياطي من العملات الصعبة ناضباً، واحتياطي الذهب مهدداً.‏
            "مهما بلغت خطورة تلك المشكلات، فإنها لا تعادل خطر الحروب الاستعمارية لا سيما حرب الجزائر: إذ كان لا بد من تحديد الشر الذي أطاح بالجمهورية الرابعة والذي اسمه الجزائر التي كانت الصاعق الذي فجر الأزمة التي شكلت مشكلة السلطة.‏
            المسألة، التي تعود جذورها إلى الماضي، وجدت نفسها مطروحة فجأة بشكل لم تعد تنفع معه المواقف التسويفية من خلال الانفجارات التي شقّت فجأة صمت الجزائر في الأول من تشرين الثاني 1954. صحيح أن الأحداث "كانت خفيفة مثل إلقاء بعض القنابل وحدوث بضعة اغتيالات فردية، لكنها شكلت إيذاناً بحرب سوف تسري سريان النار في الهشيم أو ستستمر سبع سنوات ونصف" رونيه ريمون، عودة دوغول، منشورات كومبلكس، ص37-38).‏
            من المقطع السابق يمكننا استخلاص سبعة وعشرين شكلاً شخصياً للفعل منها أربعة بصيغة الماضي. الحقيقة أنه ليس كل ما ينطوي عليه هذا المقطع هو "سرد لأحداث ماضية"(38) . لكن حتى في هذا النوع من السرد نلاحظ أن الماضي البسيط لم يكن مهيمناً. لذلك فإن هذا النص يبرهن على أن اختيار المؤرخ للأشكال الفعلية VERBALE، لم يكن خياراً تحكمه الاختزالات التي وردت في مقالة بينفينيست.‏
            3-الموضوعية والذاتية:‏
            1-تفريعة أخرى:‏
            إذا توقفنا عند دراسة توزيع العلامات الفارقة MARQUES الشكلية بين ما هو تاريخ وبين ما هو ليس كذلك، فإن التفريعة تاريخ /خطاب تبدو بلا أساس. ومع ذلك، فقبل أن نتركها نهائياً، من الملائم أن نتساءل عما إذا كان إنقاذ شيء منها ممكناً، زاعمين أن ما يؤسسها، أي فكرة أن اللسان يقدم إلى الكاتب، وسائل تستبعد الذاتية من كتاباته، وقد يكون تحديدنا للتفريعة.‏
            ملفوظية موضوعية/ ملفوظية ذاتية) أكثر دقة. وهو الأمر الذي يسمح لنا بالقول إن هذه الرؤى تحيط بمقالة بينفينيست وما يوحي بتلك الرؤى، مكانة هذه المقالة في كتابه قضايا في اللسانيات العامة) من جهة(39) وبعض تعاريف التاريخ والخطاب أو الماضي البسيط والماضي الكامل من جهة أخرى. الواقع أن التاريخ يُعرّفُ على أنه عرض لأحداث حصلت في لحظة معينة من الزمن، بدون أي تدخل من قبل المتحدث في الخطاب) ص 239) أو أنها سرد بلا سارد: الحقيقة: أنه لم يعد هناك حتى سارد.. إذ لا أحد يتحدث هنا، وتبدو الأحداث وكأنها تسرد نفسها(40) - الماضي البسيط، "وهو زمن أساسي "وشكل نموذجي للتاريخ" وهو زمن الحدث البعيد عن شخص السارد" ص 241).‏
            أمّا الخطاب، فهو العبارة التي تدل على "كل ملفوظيةٍ تفرضُ متحدثاً ومستمعاً، ينوي الأول التأثير على الثاني بطريقة ما". ينبغي إذا فهم الخطاب على أنه "تنوع الخطابات الشفهية المختلفة من حيث الطبيعة والمستوى" وفي مجال الكتابة، هو أيضاً "كافة الأجناس التي يخاطب فيها أحدهم الآخر، ويعلن عن نفسه باعتباره متحدثاً ينظم) ما يقوله في مقولة الشخص"ص 242). والزمن الماضي الذي يهيمن عليه، هو الماضي التام" غير القادر تماماً على مواكبة العلاقة الموضوعية للأحداث"، "زمن الذي يروي الوقائع كشاهد، وكمشارك"، ص 244)، عند نهاية المقالة لا يتردد بينفينيست في تسميته ب "الماضي الذاتي" ص 248 و 248-249). ولاحقاً، يلخص التعارض بين الماضي البسيط والتام على النحو التالي: "ILFIT عَمِلَ) تجعل الحد\ث موضوعياً لأنها تفصله عن الزمن الحاضر، أما ILFAIT فتضع الحدث الماضي في علاقة بحاضرنا".‏
            في هذه الأسطر، نرى بشكل واضح ارتسام تفريعة أخرى: هي تفريعة: موضوعي/ ذاتي. لكن من الواضح أنها، بالنسبة لبينفينيست تلتقي بالتفريعة: تاريخ/ خطاب. والمسألة المطروحة هي معرفةً ما إذا كانت النظرة التفريعية لهذا النوع، إذا ما تخلصت [النظرة] من الاعتبارات العشوائية التي ترافقها بخصوص التاريخ والنتائج الناجمة عنها بخصوص "التنظيم الزمني" للمنظومة الفعليّة SYSTEM VERBAL، تظهر [النظرة] كمرتبطة بواقع يمكن ملاحظته.‏
            2- قصور هذه التفريعة:‏
            سنبيّن أنه لا يمكن التحقق من هذا الارتباط، وأن التفريعة لا تتميز بأنها فاعلة من منظور تصنيف الإنتاجات اللغوية.‏
            أ- استراتيجية الموضوعية: الواقع، وقد نقول الحتمية، هي أن أيُّ إنتاج لغوي يصدر عن شخص ما، ويتوجه إلى آخر ويتحدث عن شيءٍ ما، لاشك أن هناك حيلٌ من شأنها تغطية هذه الحتمية، فمؤلفُ نصٍ مايمكنه الاختباء وراء صياغات أكثر حيادية من صياغات أخرى وأيضاً - مع أن ذلك أكثر صعوبة- يمكنه محاولة جعلنا نغفل أن نصه مصوغ تبعاً للمتلقي. والصورة التي يكونها عنه والفكرة التي لديه عن الصورة التي يكونها المتلقي عنه.‏
            لكن هذه الاستراتيجية تستدعي ملاحظتين: فمن جهة، ليس من السهل، كما يستشف من قراءة بينفينيست، الإحاطة بالموضوعية وبالذاتية، لأن النوعيات QUALITE ليست مربوطةً بشكل وغير منفصلة عن شكل ما من أشكال الضمير الشخصي أو بشُكَيْل مورفيم) فعلي، هذا من جانب، ومن جانب آخر، فلا طائل من الحديث عنها بغض النظر عن الموجِّهات MODALITS والدلالات الإيحائيّة CONNOTAIONS، والافتراضات المسبقة التي تلعب دوراً أساسياً في تجلي الذاتية.‏
            ب- الضمائر الشخصية والأشكال الكلامية: لنعاين النقطة الأولى. في دراسة موسومة جدلية السرد/ الخطاب في استراتيجية الإقناع(41) يشير أ. غرانج إلى أن JE = أنا الذي نعتبره عموماً علامة على الذاتية، يكف عن أن يكون كذلك جزئياً في بعض الحالات: لهذا السبب يكون JE = أنا الشاعر الغنائي غامضاً: "فقد يشير إلى كائن بشري مُعَرّى نزعت عنه كافة صفاته الاجتماعية، ويفصح عن أعزَّ أسراره.. لكن التقاليد الأدبية جعلت منه في الوقت نفسه علامة فارقة MARQUE من علامات المدونة CODE الشعرية الغنائية، ومن هنا فهو يحيل إلى المكانة الاجتماعية التي للشاعر، وبالتالي إلى منظومة متميزة" ص 250).‏
            والأمر نفسه بالنسبة للـ أنا JE) الذي يستخدمه الصحفي المعروف في الصحافة الرائجة وفي نقد الفن، هذا الـ أنا، ليس له دور في إضفاء الطابع الشخصي البارز والذاتي على الأحكام المطروحة، بل على العكس فإنه يهدف إلى إعطائها وزناً فعلياً من حيث أنه يمثل الموقف الاجتماعي للمؤلف. لتوضيح الفكرة نفسها، لابد من الاستشهاد بمقطع من كتاب كاترين كيربرا أو ريكيوني الموسوم:الملفوظية: حول الذاتية في اللغة(42) ، حيث تقول إن "الذاتية يمكنها افتراض سبل الـ" هو" =IL وموضوعية الـ "أنا"= JE، وأن الملفوظ: "أجد هذا جميلاً" يمكن عَدّهُ أكثرَ موضوعية من الملفوظ "إنه جميل".‏
            فإذا استطعنا قلب قيمة أنا = JE وهو=IL أفلا ينبغي بالأحرى، أن نُدهْشَ لاستعمال أشكال كلامية نشرك فيها، بشكل عشوائي، الموضوعي والذاتي مع أنه استعمال يترافق مع قيم تتناقض مع تلك التي نريد نسبتها إليها؟...‏

            ج- الدلالات الإيحائية والافتراضات المسبقة:(43) تشكل الدلالات الإيحائية CONNOTATIONS جزءاً من أوجه اللغة التي يصعب الإحاطة بها والتي تختلف فيها بالتالي، آراء الألسنيين بشكل ملموس. ولكي نقدم لمحة سريعة(44) عن تلك الاختلافات، نقول مثلاً: هل ينبغي أن نعد كلمة CRIN- CRIN متضمنة لدلالة إيحائية بالقياس إلى VIOLON= كمان، وهي دلالة إيحائية يمكننا تعيينها بعبارة: "شعبية"؟. أندريه مارتينيه(45) لا يعتقد ذلك، لأن CRIN- CRIN تعني، لكافة المتحدثين= كمان سيء.‏
            ووفقاً لهذا الألسني، ماهو مشترك في دلالةِ كلمةٍ مابين المستخدمين ينتمي إلى الدلالة المباشرة الذاتية DENOTATION وليس إلى الدلالة الإيحائية CONNOTATIONS. وبالتالي فهو يقترح إطلاق اسم دلالات إيحائية على العبارة التي "من شأنها ذكر شيء ما أو الإيحاء به أو استثارته أو اقتضائه سواء بشكل واضح أم غامض، لدى أي واحد من المستخدمين بشكل فردي".‏
            وتقترب وجهة نظر جوزيت راي- دوبوف حول CRIN- CRIN من وجهة نظر مارتينيه حيث تقول:‏
            "إنهما يختلفان من حيث المعنى الدلالي الذاتي: لأن الدلالة الإيحائية يمكن أن تكون تحقيرية أو تحسينية في الوقت نفسه".‏
            أما ر.مارتان فيخلع عن الدلالة الإيحائية، كل مامن شأنه الإخبار عن الموقف الشخصي للمستخدم إزاء العلامات SIGNES نفسها، وكل مايختلف عن ذاتيتها، فتعبير شعبي مثل CRIN- CRIN أو عاطفي مثل "وطن" بالنسبة إلى دولة، ينتمي بالتالي إلى اللغة الإيحائية. وبشكل أكثر عمومية، ترتبط بهذه اللغة كافةُ التعابير والصياغات والتلوينات الصوتية التي من خلالها، يقوم المتحدث بوصف نفسه، بقصد أو بدون قصد، ومجموعها ينتظم ضمن منظومة ثانية للدلالة ر.مارتان يلتقي مع يلمسلف حول هذه النقطة) التي تأتي لتتداخل مع منظومة الدلالة الذاتية وهذه المنظومة الثانية هي "منظومة يمكن تحديدها بطرائق موروثة عن اللسانيات" كالتحويل السلبي الذي يسمح بملاحظة أن الدلالة الإيحائية ليست خاضعة لآثار النفي. مثال: بيير ليس شرطياً بالمقارنة مع بيير [هو] شرطي(46) . من خلال هذه المقارنة السريعة بين وجهتي نظر نلاحظ- وهذا مايهم هنا - نلاحظ أن الدلالات الإيحائية، بصرف النظر عن التعريف المعتمد، تعد بمثابة مُظْهِرةٍ لذاتيةِ المتحدث.‏
            لكن الأمر يختلف بالنسبة للافتراضات المسبقة PRESUPPOSITIONS أو، حتى نكون أكثر دقة، فإن العلاقات القائمة بين الافتراض المسبق وبين الذاتيّة تشكل وجهاً للظاهرة التي طالما أهملناها. مما يدفعنا إلى أن نفرد لها مكاناً في هذه الفقرة(47) هو تلك الأهمية التي ينطوي عليها مفهوم أوزوالدديكرو، الذي يشير إلى دور الافتراض المسبق في العلاقات البيذاتية INTERSUBJECTIVES ويعرف ديكرو الافتراض المسبق بأنه "الفعل ACTE الذي يفرض المتحدث من خلاله على المتلقي عالماً مامن الخطاب"، ويلاحظ أن الافتراض المسبق "يتجلى تقريباً في كل مكان من المعجم وفي التركيب(48) " وأنه، على نقيض أفعال اللغة الأخرى التي قام فلاسفة مدرسة أكسفورد بتحليلها، يفتقر إلى علاماتٍ تُسَهّلُ تحديده، ويختم قوله(49) : "طالما أنه يستحيل عزل هذا الفعل بخلاف الأفعال الأخرى، عن الملفوظ، لأنه يدخل في بنيته الداخلية، وطالما أن غالبية الملفوظات تجعل إنجازه أمراً لا محيد عنه، فإنه من المستحيل قبول وجود تاريخ بالمعنى الذي رمى إليه بينفينيست، إن لم يكن بمثابة أفق أسطوري لبعض الخطابات".‏

            د- الحضور الكلي للذاتية: مايقوله ديكرو عن التاريخ يصح على الموضوعية "إنها أفق أسطوري". الموضوعية ليست إلا هماً، لأن الذاتيّة كلية الحضور في اللغة، وحتى لو صارت الفكرة مبتذلة، فيحسن التذكير بها في بداية أي دراسة تعتمد هذين المفهومي.‏
            والواقع يقدم نفسه كمجموعة اتصالية CONTINUM(50) بين أكثر الإنتاجات وأقلها ذاتية.‏
            5- مثال على تصنيف الملفوظات: ما أن يتم طرح هذه الحقيقة حتى يصبح من الهام، دراسة تغيرات الذاتية في داخل النص الواحد، أو البحث عما إذا كان هناك معايير من شأنها أن تسمح بإقامة نوع من تصنيف الإنتاجات اللغوية المستندة إلى تقويم درجة ذاتيتها. فإذا وجدت هذه المعايير، فلن تكون بسيطة، إذ عليها أن تتراكب بشكل خاص وبطريقة ما مع المعايير التي نستخدمها لتصنيف الإنتاجات اللغوية وفقاً لماتقدمه من صريحٍ ومضمرٍ.‏
            المقالة التي استشهدنا بها سابقاً عن استراتيجية الإقناع، تتضمن اقتراحاً حول تصنيف يأخذ بعين الاعتبار مايسميه المؤلف "التنظيم الذاتي لعملية الاتصال Feed - back de la communication(51) والذي يتضمن: "الكلمات، والحركات والإيماءات. بل والموقع في الحيز والمكان والمظهر المادي واللباس) الخ".‏
            ويتكون الجدول المرفق من سبعة أعمدة تبدأ بالسرد العلمي لتصل إلى الاتصال الشفوي مع تنظيم ذاتي متعدد. حيث يمكن لنصيب المضمر أن يكون في حدوده القصوى بسبب تعدد القنوات التي تمر المعلومات من خلالها. والأنماط الوسيطة هي التالية:‏
            - تاريخ أحداث معزولة عن المؤلف).‏
            - رواية ملفوظية موضوعية لكن الدلالات الإيحائية متعددة).‏
            - نص غنائي "أنا"= 1/ فرد، 2/ شاعر.‏
            - نص خطابي مكتوب غياب التغذية الذاتية FEED- BACK ).‏
            - خطاب رسمي تغذية مقننة جداً).‏
            هذا الجدول لا يمكن استخدامه كما هو لاسيما بسبب عدم تناسب العبارات الموجودة بين القوسين" ملفوظية موضوعية لكن الدلالات الإيحائية متعددة"(52) لكن يمكن الاستلهام منه لإقامة تصنيف مؤقت -بالضرورة مؤقت، كما يلاحظ ذلك أ. غرانج نفسه، لأن التصنيف الحقيقي" لا يمكن أن ينشأ إلا عن لسانيات نفسية سوسيولوجية، لم تولد بعد "مهما كان الأمر، يبدو لنا واضحاً أن محاولات من هذا النوع هي أكثر فاعلية من تفريعة.بينفينيست‏
            *)-ACTANT عامل، ويمكن ترجمة هذا المصطلح بالقوة الفاعلة [المترجم].‏
            (1) زمن الإنتاج وزمن التلقي، مكان المتحدث ومكان المخاطب لا تلتقي دائماً، انظر، على سبيل المثال، حالة الاتصال بالرسائل.‏
            (2) انظر دراسات في اللسانيات العامة، منشورات مينوي، 1963، ص178-180.‏
            (3) انظر دراسات في اللسانيات العامة، منشورات مينوي، 1963، ص178-180‏
            (4) ليس لأن مسائل أخرى، كمسألة المؤشرات المكانية، ذات أهمية أقل الصفحات التي تخصصها لها كاترين كيربرا -أو ريكيوني تدل على أهميتها، انظر كتابها: الملفوظية. حول الذاتية في اللغة، منشورات آرمان كولان ، 1980-ص49-54). لكن طالما أنه توجب علينا إجراء اختبار، فقد أبقينا على ما نعتقده أكثر فائدة، بسبب الأهداف المبنية أعلاه.‏
            *) سبق لنا ودمجنا مفردات هذا المصطلح على النحو التالي: النفسالية اللغوية المترجم) ونشير إلى أن هذا العلم ويقال عنه أيضاً علم اللغة الانتظامي SYSTEMATIQUE يصف أعمال الألسني الفرنسي جوستاف غيوم الذي يقول إن اللسان يتكون من مجموعة مورفيمات شكيلات)، ووحدات تمييزية، حيث تنزلق، لدى أي فعل كلامي، فكرة مستمرة. وعلى الألسني أن يحدد يعرف) كل مورفيم بمعنى واحد، بشكل يستطيع معه إيضاح كافة احتمالات استخدام أو آثار المعنى) هذا الشكل القواعدي في الخطاب فكل قيمة لسانية إذا تفهم على أنها حركة فكرية واعية تنتج آثاراً مختلفة للمعنى، وذلك وفقاً لتأويله بشكل واع. وبالتالي فإن لسانيات غيوم هي لسانيات موقع POSITION إذ هناك خط مستمر تتوضع فيها لحظات من الفكر بينما لسانيات ف. دوسوسبر هي لسانيات تقابل حيث تتحدد الوحدات التمييزية تبعاً لعلاقاتها) [المترجم].‏
            (5) المقصود بـ "البناء الشكلي للاسم" مجموعة المقولات القواعدية المشتركة بين كافة أسماء اللسان: الشخص، النوع، العدد، حالة الاستعمال، الاتساعية، والتي تضاف إليها في النهاية نمط التأثير الخاص بالأسماء التأثير الداخلي) هذا البناء هو نتيجة عملية عقلية للتكوين المسمى بالتكوين الأصلي MORPHOGENE المكمل للتكوين الفكري IDEOGNESE الذي بواسطته يستطيع العقل فرز مفهوم خاص مما يمكن التفكير فيه. وأي اسم يدين بدلالته للتكوين الفكري والتكوين الأصلي يجهزه بالخصائص الشكلية المشتركة بين كافة الأسماء. العنصر GENESE يدل على أن هذه النظرية تهدف إلى إيضاح ليس فقط ما هو مبني في اللسان، إنما إلى البناء نفسه.‏
            (6) اقتطفنا هذا الاستشهاد عن كتابه: انتظامية اللسان الفرنسي منشورات كلينكسبيك، عام 1981، ص93. وللتعمق في تفاصيل منظومة الشخص يمكنكم الرجوع للفصول الثلاثة المخصصة لهذه المسألة في كتاب: دراسات نفسالية فرنسية، منشورات كلينكسبيك، 1974-ص79 إلى 97.‏
            *) التعيين DESIGNATION هو أن تحيل العلامة إلى شيء أو قضية أو نوعية الخ وهذا الذي تحيله العلامة هو الواقع الماوراء لغوي [أي الواقع الذي لم يدخل بعد في إطار اللغة] كما بنته التشكيلات الإيدلوجية ثقافة، تجربة) لجماعة بشرية معينة. وما تحيل إليه العلامة نسميه DESIGNATION -المعني في مقابل الموحى به DENOTATUM. ويبدو المعني من خلال التفكير السيميائي السطحي، وكأنه يتماهى مع الشيء. وعلى هذا فإن المعني بالنسبة للعلامة شجرة، سيكون شجرة محددة في الواقع الماوراء لغوي، ومع ذلك، فإن الكلمات تحيل أيضاً إلى قضايا مثل الفعل يركض، الاسم: الركض) وإلى نوعيات كالصفات: حسن، والظروف) ونشير أيضاً إلى أن وجود علاقة تعيين لا يقتضي أبداً وجود الشيء أو المرجع، فمثلاً العلامة غول هي في علاقة تعيين مع كائن لا وجود له [المترجم].‏
            **)الانعكاسية: هي خاصية المساواة لمجموعة تعتبرها مساوية لذاتها، وتكتب على الشكل التالي أ =أ كما تكتب المساواة بين مجموعتين: أ=ب مثال الجملة: لن يغفر خالد أبداً ما فعله خالد، تنعكس فتصبح: لن يغفر خالد لنفسه أبداً. [المترجم].‏
            (7) انظر، دراسات في اللسانيات العامة، ص214.‏
            *) نسبة إلى الألسني المعروف جاكوبسون [المترجم].‏
            (8) تعددية الأصوات بالمعنى الذي يقصده أوزوالد ديكرو في كتابه: كلمات الخطاب، منشورات مينوي، 1980، الصفحات: 38-42.‏
            (9) لسنا في معرض الهجوم على هذا الرائد الكبير الذي احتفل حديثاً بتكريمه انظر، بينفينيست اليوم، وقائع الندوة الدولية المنعقدة في مدينة تور الفرنسية في الفترة ما بين 28-30 أيلول 1983). لكن هناك نقطتان لهما علاقة وطيدة بموضوعنا، وهما الشخص والزمن الكلامي الفعلي) ونظرياته المدروسة بدون مجاملة تبدو مدعومة بشكل سيء. ومع أنها توجد في مكان جيد بين الأوليات التي ألمحنا إليها سابقاً.... كان من المفيد أن نخضعها لنقد دقيق.‏
            (10) قدم ج. سيربا نظريته في بداية الأمر في مقالتين خصصها للفعل القواعدي اللاتيني. ثم عاد إليها ليوضح أبعادها أكثر، في مقالة عنوانها: مكان الحاضر الإدلالي في منظومة الأزمنة مجلة LINFORMATION GRAMMATICALE ، ع7، تشرين 1 1980، ص36-39 ومن هذا النص الأخير أخذنا المقبوسات هنا.‏
            *) أي الحديث عن الماضي، التاريخ بصيغة الحاضر [المترجم].‏
            (11) في مقالة نشرتها مجلة، الإعلام النحوي، ع، 4 كانون الثاني، 1980، وعنوانها: زمن الحاضر "التاريخي" أو "زمن السرد".‏
            (12) ج. سيربا، المقالة المشار إليها، ص37.‏
            (13) المرجع السابق، ص38.‏
            (14) ويلمح سيربا إليها عدة مرات، ويقومها ميللية بشكل صريح لكن متسرع) بأنها تمثل للسانيات التي تخلط الزمن الكلامي الفعلي) بالزمن المعيش والتي "لا تزال" سجينة التناقض الذي يصادفه حتماً حينما نريد تعريف الماضي المعيش: "فهل هو نقطة رياضية...، ومجرد حد بين الماضي والمستقبل.. أم هو الواقع الحالي الذي يمكننا أن نسجل فيه قضية ما. وبالتالي يقدم لنا.. امتداداً معيناً؟" س.ميلليه، مرجع مذكور، ص7، العمود الثاني.‏
            (15) سواء تعلق بواقع خارجي عن الكائن البشري، أم بواقع نفسي.‏
            (16) أي الحاضر اللغوي بالحاضر المعاش.‏
            (17) ليس واضحاً كيف تكون هاتان الفترتان الماضي والمستقبل) ملائمتان إذا خلا تصورنا العقلي للزمن من فترة ثالثة، لا هي ماضية ولا مستقبلية، فإذا لم نقم بإدخال الحاضر) في أبدية الزمن، فلن تتضمن المنظومة أي تقسيم إلى مراحل فترات): لولا انقطاع الحاضر لظل الزمن بلا شكل الزمن والفعل ص31).‏
            (18) 0حول الفعل التفريقي المزدوج للحاضر في التمثيل الفرنسي للزمن في كتاب: اللغة وعلم اللغة، ص211، دراسة الحاضر) هذه جاءت بعد 1951) الزمن والفعل 1929 بين هذين التاريخين تطورت نظرية غيوم حول الفعل تطوراً ملحوظاً. ولزيادة معلوماتك عنها لا بد من قراءة ثلاث مقالات أخرى أعيد نشرها في: اللغة وعلم اللغة: تمثل الزمن في اللغة الفرنسية 1و2، ص184-207، والفترات الزمنية ومستوياتها في منظومة التصريف الفرنسية. ص25-271.‏
            (19) انتظامية اللغة الفرنسية، ص67.‏
            (20) التأخر والسقوط في تحليل الزمن الحاضر الفرنسي، في علم النفس الآلي للغة، مهداة إلى روش فالان، ص284-309.‏
            (21) انظر أعلاه، ص42، ع2.‏
            (22) وهي لا تستطيع ذلك إلا إذا كانت نظرية حركية للغة، مثلها مثل علم النفس الميكانيكي.‏
            (23) انظر المرجع السابق ص40.‏
            (24) التلاقي الطارئ بين "حاضر" ليس سوى أحد أثار المعنى الذي تسمح به القيمة الأساسية لل حاضر).‏
            (25) بالنسبة بـ أ. فاسان مرجع مذكور، ص303-304)، في هذه الحالة، نحن لسنا بإزاء حاضر متدرج زمنياً، إنما إزاء "حاضر عقلي": الحاضر اللغوي مع الخصائص الحركية التي يتمتع بها، هو حاضر نقل إلى الماضي أو المستقبل، "الشكل الفعلي موجود لترجمة عملية التمثيل العقلي لواقع خارج لغوي لا وجود له إلا في الذهن". في هذه الاستخدامات، كما يرى المؤلف يمكن إدراك الطابع العالي التجريدي للتمثل العقلي، الذي هو الحاضر.‏
            وكما هو الحال في الملفوظات ذات القيمة العامة سواء كانت محدودة أم لا، يمكن استخدام "الحاضر" بسبب طابعه المجرد: "إن العلاقة الاسنادية القائمة بين الفعل والفاعل.. هي علاقة "زمانية- سابقة" طالما أنها، بغياب المرجع الخارج لغوي الملوس، وهو أيضاً معطى سياقيّ الملفوظية [طالما أنها] مفهومة على أنها علاقة مجرد بحتة وأفتراضية "مرجع سابق ص302).‏
            (26) انظر: دروس في لسانيات غوستاف غيوم، 1948-1949، SERIE A ص98-99.‏
            (27) الأشكال المركبة في صيغة النصب SUJONCTIF والأكثر من مكتمل PLUS QUEPARFAIT تحدد تضاداً غير زمني إنما مظهري قياساً بالأشكال البسيطة.‏
            3-الاعتراض الذي يمكن استخراجه من استخدامات تفهم فيها صيغة النصب، بفضل السياق، على أنها ترتبط بحدث حدث فعلا، هو اعتراض لا يصمد أمام البحث، ليكن الملفوظ: أنا آسف لأن بيير جاء الذي يفترض مسبقاً، المجيء الحقيقي الذي لا جدال فيه ليعبّر، في لحظة سابقة عن لحظة التعبير عن الأسف، فهل تفقد صيغة النصب فيه احتماليتها؟ وهل يقوم بالتحديد زمانياً؟ أبداً لقد بين غيوم أن فكرة التقويم النقدي كفكرة الأسف) لا يمكن أن يكون لها أثر كامل إلا إذا كان الحدث المعني بها افتراضياً. إن قولنا أنا آسف لأن بيير جاء لا يعني أننا نتكلم من الناحية الزمنية عن مجيء بيير. إنما ينطوي على وضع الشيء ضمن منظور يمكننا من اعتبار هذا المجيء مجيئاً سلبياً والحدث الذي حصل فعلاً، هو حدث تراجعي نوعاً ما، حتى يصبح موضوعاً للتقييم، أو مرحلة لم يكن فيها سوى مجيء ينتمي إلى عالم.‏
            (28) هذا مثال عن غيوم: "في الرابع من أيلول 1768 وفي سان مالو في شارع اليهود المعتم، كان يولد الفارس رونيه دو شاتو بريان. "نلاحظ أن الماضي الناقص كان يولد NAISSAIT يقوم بدور أكبر من دور الماضي البسيط NAQUIT ولد لأن الماضي الناقص يوجه الفكر نحو الأحداث التي تبعت تلك الولادة، إذا أردت شرحاً مفصلاً لهذا الفرق الدقيق، انظر: الزمن والفعل، ص66-69.‏
            (29) أي وبتحفظ، أن السياق يسمح بفهم أن "حاضر" المساعد ينطبق على حاضر الملفوظية، لأن لا شيء يدل عليه باعتباره ينطبق على حدث ماض أو مستقبلي.‏
            (30) دروس لسانيات غوستاف غيوم، 1948-1949 SERIE A باريس، كلينكيسييك، ص1972.‏
            (31) دروس لسانيات غوستاف غيوم 1948-1949 SERIE، باريس، كلينكسييك، ص172.‏
            (32) "شبه دائم" يعني هنا أن الحضور الاستثنائي، في النص التاريخي، للأشكال المحددة على أنها تنتمي إلى الخطاب، لا تأثير له [الحضور] بالنسبة لعملية البرهنة، من جانب آخر، لم يتوزع بينفينيست عن الإشارة إلى إمكانية الانتقال الآني من نمط ملفوظي إلى آخر، ويضرب على ذلك مثلين: إعادة إنتاج كلام شخصية ما من قبل المؤرخ، وتخليه المؤقت عن دوره كسارد حينما يصدر حكماً على الأحداث المروية. هذه الانتقالات لا تقلل من شأن الفرضية أبداً، لأنها، أي الانتقالات، تبقى متميزة عن السرد التاريخي المعروف.‏
            (33) يميل المدافعون عن نظرية بينفينيست إلى نسيان هذا المظهر القطعي والضرورة النظرية التي تنسجم معه، الأمر الذي يقودهم إلى إضفاء المرونة على تلك النظرية وهي خالية منها، بل ولن تتمتع بها: إذا قبلنا بوجود منظومات فرعية مختلفة وسيطة بين التاريخ في حالته الأولية، وبين الخطاب في حالته الأولية، فإننا بهذا نبرهن على عدم لزوم تفريعة بينفينيست، ونحن بهذا نكون قد أولينا الاستخدامات اهتماماً أكبر من ذلك الذي أولاه لها بينفينيست نفسه من أجل تصنيف آخر للانتاجات اللغوية، انظر ما سيرد لاحقاً‏
            (34) وتضم، باعتبارها نمطاً من أنماط الملفوظية، أدب التخيل انظر ص240ـ رقم 1 من المرجع المذكور).‏
            (35) في إحدى الملاحظات ص244.. رقم 3) يعترف بينفينيست نفسه أن الشخص الثالث ليس وحده الممكن، فيقول: "الروائي يستخدم أيضاً الماضي البسيط AORISTE بلا عناء في الشخصين الأولين من صيغتي المفرد والجمع."‏
            ومع ذلك فإن المؤلف ليس واضحاً حول هذه النقطة: فكيف يمكن مطابقة مضمون هذه الملاحظة مع تأكيده القائل أن الخطاب يستبعد الماضي البسيط لكن السرد التاريخي الذي يستخدمه باستمرار لا يبقي منه سوى أشكال الشخص الثالث ص244)؟ فهل نقول هناك اعترافاً بوجود ضمني لنمط ثالث من الملفوظية: وهو السرد الروائي بضمير المتكلم يكون وسطاً بين التاريخ والخطاب؟ إن مثل هذا التأويل بلغيه مقطع آخر من النص ص42) يدل على أن السرد التاريخي بالماضي البسيط ينتمي كالتاريخ إلى نمط "السرد التاريخي" : "كل من يعرف الكتابة ويشرع في سرد أحداث ماضية يستخدم بشكل عفوي الماضي البسيط باعتباره زمناً أساسياً، سواء ذكر تلك الأحداث باعتباره مؤرخاً أم أبدعها باعتباره روائياً. ولاهتمامه بالحقيقة، يمكنه تغيير لهجته ويضاعف من النظر ويستخدم أزمنة أخرى، لكنه في هذه الحالة يبتعد عن صيغة السرد التاريخي.‏
            (36) انظر المرجع السابق، ص41-، رقم 1.‏
            (37) مقطع استشهد به أ. فاسان وعلق عليه في مداخله عنوانها "الماضي البسيط المركب عند بينفينيست وغيوم، الندوة الدولية حول علم النفس الآلي للغة، سيريزي لا سال: 6-7-8- حزيران 1983.‏
            (38) ومع ذلك فهو نص كتبه مؤرخ يبدو من الصعب أن نزعم العكس: وهذا يعني أن المؤرخ ليس فعلاً مؤرخاً إلا إذا حدد اختياره بأشكال تعتبرها نظرية الألسني أشكالاً تحدد مكانته.‏
            (39) إنها جزء من المجموعة المسماة: الإنسان في اللسان ص225-285). وهي واحدة من ستة مقالات تكون هذا الفصل، تحمل عنوان "الذاتية في اللغة".‏
            (40) لاشك أن الطابع المثير للصيغ قد ساهم كثيراً في نجاح هذا النص.‏
            (41) استراتيجيات خطابية: مطبوعات ليون الجامعية، 1978- ص 245- 255.‏
            (42) ص 151-157.‏
            (43) انظر الفصل الخاص بالمعدلات في هذا الكتاب.‏
            (44) تجد عرضاً تاريخياً للمسألة وفحصاً نقدياً لعدة مفهومات معاصرة في كتاب ر.مارتان: الاستدلالات والتضاد والحشو، منشورات كلينكسيك 1976 ص 88-101....‏
            (45) استشهد بها ر.مارتان. م.م. ص 94.‏
            (46) سنرى لاحقاً الأهمية التي يكتسبها تميز منظومة الدلالة الذاتية ومنظومة الثانية الايحائية) حينما يتعلق الأمر بالتفريق بين الدلات الإيحائية وبين الموجهات MODALITES.‏
            (47) كما يمكن دراستها أيضاً باعتبارها فعل لغة انظر الصفحة 16 و 22) وسنجدها أيضاً في الفصل الخامس.‏
            (48) القول واللاقول، منشورات هيرمان 1972 ص 97.‏
            (49) المرجع السابق ص 99.‏
            (50) حول أهمية إدخال مفهوم المجموعة الانضالية في الوصف اللساني، انظر: ج. سيرفوني" "حروفالجر والمجموعة الاتصالية في نماذج لسانية، ج6، 2، 1984، وفي : حروف الجر منشورات ديكيلو متفرقة.‏
            (51) FEED- BACK يعني التحكم بمنظومة ما بواسطة إعادة إدخال نتائج عملها فيها. فإذا كانت المعلومة المعادة قادرة على تعديل عمل المنظومة أو نموذجه يكون لدينا عندها FEED- BACK. إنه مبدأ الفعل الارتجاعي الذي يبدو اللسان بفضله وكأنه حاسوب محسن، قادر على إلغاء الخلل من تلقاء نفسه وعلى هذا فاللسان يبدو وكأنه منظومة تنظم نفسها ذاتياً، مثل إلغاء الأصوات المزعجة التي أنتجها التطور الصوتي.. وبدون FEED- BACK يفتقر اللسان إلى الاستقرار اللازم للتفاهم المتبادل وبناء على ذلك، نرى ترجمة هذا المصطلح إلى العربية بـ التنظيم الذاتي أو التغذية الراجعة [المترجم].‏
            (52) ملفوظية موضوعية، ودلالات إيحائية، ماهي إلا مقاربة غير دقيقة انظر ماقلناه سابقاً حول الدلالات الإيحائية) حتى لو افترضنا أن المؤلف يفكر بروايات مثل روايات فلوبير.‏

            إذا الشعب يوما أراد الحياة
            فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
            و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
            و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

            تعليق


            • #7
              رد: الملفوظية - جان سيرفوني -

              الفصل الثالث الموجهات MODALITES
              مقاربة أولى‏
              1- تعريف مؤقت:‏
              مفهوم الموجه MODALITE يقتضي فكرة أن التحليل الدلالي يسمح بتمييز "المقول DIT" ويسمى أيضاً: المضمون الجملي(1) ) والموجه- أي وجهة نظر الفاعل الناطق حول هذا المضمون- في ملفوظ ما. هذا هو من حيث الجوهر، العرض العام الذي نلجأ إليه كلما شرعنا في معالجة الموجه.‏
              لكن ليس هذا سوى تعريف ظاهري يستوجب كل أنواع التفسيرات والإضافات والتصحيحات. وسنضيف إليه استكمالاً أولياً وذلك بتحديد أن الموجه لا يختلط بالدلالة الإيحائية CONNOTATION، التي هي عبارة عن تجل آخر للذاتية اللغوية(2) . وعلى عكس الدلالة الإيحائية، فإن الموجه يكوّن الدلالة المباشرة بشكل جوهري، والموجه لا يحتمل أي إضافة SURAJOUTA .‏
              فالجملة الأقل توجيهاً تنطوي على موجه في حدودها الدنيا. وهكذا في جملة مثل : الأرض تدور حول الشمس، يظهر الموجه بفضل صيغة MODE الفعل، أي صيغة الإدلال INDICATEF انظر لاحقاً )‏
              [كما تتضمن الجملة ما اتفق على تسميته بـ "الموجه التصريحي" أي أنه ليس استفهامياً ولا أمرياً. لكننا سنرى انظر لاحقاً ص 99)، أن "موجهات الجمل هذه "تشكل ظاهرة مختلفة بشكل واضح عن تلك الظواهر التي نصنفها عادة في فئة الموجهات، الأمر الذي سيقودنا إلى إعادة النظر في تسمية "الموجه" التصريحي، أو الاستفهامي، الخ].‏
              2- لمحة تاريخية:‏
              إن تحليل الملفوظات ينقسم إلى قسمين رئيسيين: الموجه والمضمون الجملي ليس بالأمر الجديد؛ إذ ورثه نحويّو القرون الوسطى عن اليونايين عن طريق اللاتينيين، وكانوا يمارسونه بشكل عادي. وينعكس هذا التحليل في الفترة الكلاسيكية، من خلال تمييز الشكل عن مادة الملفوظات انظر المنطق أو فن التفكير، لواضعيه ارنولد ونيكول ARDAULD ET NICOLE ) وجعل شارل بالي منه أساساً لنظريته في الملفوظية في كتابه: "اللسانيات العامة واللسانيات الفرنسية(3) حيث يعود إلى التعابير نفسها التي كانت تستخدم في القرون الوسطى أي : MODUS و DICTUM الموضوع والتعليق). في اللسانيات المعاصرة، وبعد نهاية فترة ازدهار البنيوية ونحو تشومسكي، عادت إشكالية الموجهات لتشغل مكانة هامة، وسهل هذه العودة مايلي:‏
              آ- تطور الأبحاث المنصبة على منطق اللغة "علم الدلالة التوليدي"، النماذج القائمة على "فرض مفهومية" "CONCEPTUELLE ب. بوتييه POTTIER) تتضمن مكوناً أساسياً دلالياً -منطقياً ر.مارتان R. MARTIN) ينبغي التنبيه إلى أن مفهوم الموجه MODALETE ينتمي إلى ميداني اللسانيين والمناطقة، لكن المناطقة علماء المنطق) هم أول من أبدع هذا المفهوم الذي يظل واحداً من مفاهيمنا الأساسية، من جانب آخر، فإن المفهوم هو مصدر فرع كامل من فروع المنطق، أي المنطق الموَّجَّه MODALE. ومهما ذهب بنا الظن حول العلاقة بين المنطق وبين اللغة، ففي اللسانيات يبدو من الصعب والعقيم) إنكار أن عبارة "موجّه" لا تزال تحتفظ بشيء من دلالتها الأصلية، أما اللسانيون وعلماء المنطق فهم أبعد الناس عن رفض فكرة وجود علاقة بين المنطق واللغة، فتراهم يبحثون في اللغة بشكل دائم، عما ينشأ عن علم المنطق، وماهي مفاهيم وتعليلات وصيغ المنطق التي يمكن تطبيقها على وصف الألسن LANGUES وإلى أي مدى يمكن أن يصل هذا التطبيق). إذاً فهم مضطرون بالتالي، إلى إفراد مكان هام لدراسة الموجهات في أبحاثهم.‏
              ب- اهتمام اللسانيين المتنامي بتحليل مانقوم به حينما نتكلم، وهو التحليل الذي يعتبر الفيلسوف الإنجليزي ج.ل أوستين مؤسسه الحقيقي: دراسة "الانجازية PREFORMATIVETE نكتفي حتماً بدراسة الموجهات(4) .‏
              ج- تطور العلامية السيميائية) التي هي دراسة الخطاب السردي: إذ لابد للعلاّمي من اللجوء إلى مفاهيم الـ /إرادة/ والـ /واجب/ والقدرة/ والمعرفة/ لكي يتمكن من وصف أنماط المواقف، بالقياس إلى الكينونة etre وإلى الفعل fair.‏
              وهي مفاهيم تفسر كيفية عمل القصة recit(5) .سنرى لاحقاً أن أفضل الأفعال الفرنسية تعبيراً عن تلك المفاهيم افعال: أراد، وجب، استطاع، عرف) تسمى الأفعال "الموجِهة" لأنها تعتبر أكثر الخطوط الموجهة vecteurs التي يتصف بها موجه الملفوظات.‏
              3- أوجه جديدة:‏
              هذه اللمحة الموجزة تقودنا إلى توقع أن قضية الموجهات، في اللسانيات المعاصرة، لا تطرح بالطريقة التي طرحت بها سابقاً، فاللسانيات تطورت، ووصف العمليات التي توجه الملفوظ قد تنوع واغتنى بشكل كبير(6) وصعوبة إبلاء مكانة محدودة للموجهات، في مجال اللسانيات قد ازدادت تعاظماً. إذ أضيفت إلى المشكلات التقليدية(7) مكانتها بين تلك العمليات التي أشرنا إليها أو بالنسبة إليها).‏
              كما أن هناك مشكلة جديدة، هي مشكلة علاقة الموجهات بأفعال اللغة actes de langages بمعنى آخر، تنطوي إشكالية الموجهات، أكثر من أي وقت مضى، على قضية تحديدها باعتبارها مظهراً وجهاً) أساسياً.‏
              2- محاولات للتحديد:‏
              إن غالبية اللسانيين الذين يدرسون الموجه، يشيرون إلى أن الأمر يتعلق بميدان تصعب الإحاطة به ويقدمون وجهة نظر يعتبرونها مؤقتة وتجريبية وكشفية. وفي هذا العرض سنتعرف إلى مبرر ذلك من خلال الفصل التالي.‏
              إن تفحص المفهوم التعميمي الموسع)(8) EXTENCIVE بأيجابياته وسلبياته، يسمح لنا بطرح مسألة المعايير ومدى ملاءمتها، ويقودنا إلى تقديم بعض الحجج لمصلحة المفهوم الاختزالي.‏
              آ- أمثلة لمفهوم موسع جداً:‏
              1- التعبيرية بحسب رأي غ. غيوم:‏
              إن فكرة كل من جولي JOLY ورولان ROULAND تعكس رؤى غ. غيوم التي لا نعثر عليها مجموعةً في نص متكامل، إنما متفرقة في عدد من الكتب. وعلى الرغم من هذا التناثر، فإن وجهة نظر غيوم تظلّ ناصعة الوضوح بحيث يمكننا تلخيصها في أنها: أي فعل تعبيري يهدف إلى "التأثير على المخاطب"، ولهذا فإن المتحدث يملك "ألف شكل من أشكال القول". ومجموع أشكال القول هذه يشكل التعبيرية EPRESSIVITE. ولايمكننا تصور فعل لغة لا وجود للتعبيرية فيه تماماً وهذا ماتعنيه صيغة غيوم: [تعبير + تعبيرية=1].‏
              حيث (1) يمثل فعل لغة كامل، وهو فعل مكوناته عبارة عن متغيرات تتراوح بين الحد الأدنى و الحد الأقصى(9) .‏
              جولي ورولان يماهيان بين التعبيرية والموجه، وهو الأمر الذي يفسر أن مفهوم الموجه عندهما هو مفهوم شامل. ولكي يظل هذا المفهوم فاعلاً OPERATOIRE، فمن البديهي إذاً أن نقوم بتحري هذا الميدان الواسع، وسنورد هنا التصنيف الذي اعتمده هذان المؤلفان، بصفة مؤقتة كما يقولان.‏
              2- تصنيف الموجهات:‏
              - الموجهات الأساسية للجملة التوكيدية، الاستفهامية، التعجبية، الأمرية)، التي تفترض فكرة ضمنية ناظرة REGARDANTE.‏
              - الموجهات التي تطرح فكرة ناظرة صريحة مثل فكرة: الممكن، وفكرة المحتمل، وبعض الأفكار الأخرى التي تخضع لها الجمل المرتبطة المضافة)، والتعابير المصدرية، والجملة الفاعلية أو المفعولية PARTICPALES والحالية GERONDIVES وبعض الظروف كما في جملة Paut est certainement parti a cinq heure = بول سافر حتماً عند الساعة الخامسة.‏
              - الموجهات التقويمية: التي تتركز بشكل أساسي على المعجم LEXIQUE ......) ويعبر عنها، على سبيل المثال، بواسطة ظروف الجملة Paul , intelligemment est parti cinq heure = بول، سافر عند الساعة الخامسة، بشكل ذكي، كما تتركز بشكل خاص على العروض PROSODIE كالتنغيم INTONATION.‏
              - الموجهات التعبيرية(10) والتي تضم كافة الظواهر التي تصيب نظام الكلمات القائم، والإبراز، و المَوْضَعة الثيمنة THEMATISATION) الخ والتي تنشأ عما يسميه غيوم: تركيب التعبيرية= SYNTAXE , D, EXPRESSIVITE التي تشكل جزءاً منه.‏
              3- دلالة الفروق الشكلية:‏
              مر بنا المبدأ الذي يقوم عليه هذا التصنيف: وهو أن نأخذ بعين الاعتبار وضمن حدود الممكن، الفروق الشكلية الواضحة مثل غياب /حضور العبارة التقديمية نمط 1،/ نمط 2)، أو أيضاً صياغة تركيبية في أساسها/ معجمية في أساسها نمط 2، / نمط 3). لكن التمييزات الشكلية لا أهمية لها إلا إذا قلنا ماهي اختلافات الدلالة التي تتعلق بها، في الحالة التي تشغلنا، قد تتعلق هذه الفروق أو الاختلافات، تبعاً لكل من جولي ورولان بتغير درجة التعبيرية: "من النمط 1 إلى النمط 4، نمر من حد إدنى للتعبيرية- وهنا نكون قريبين من التعبير) أي مما هو متكون INSTITUE - إلى حد أقصى من التعبيرية، أي نكون أقرب إلى المرتجل IMPROVISE.(11)
              4- نقد هذا المفهوم:‏
              - إن لمفهوم التعبيرية فائدته: فغموضه الكبير يبلغ حداً لا يجعله قابلاً للتطبيق على ظواهر مختلفة مثل "موجه الجملة" والوصل SUBORDINATION واستخدام التقديرات التخمينات) APPERCIATIFS والموضعة الثيمنة) THEMATISATION....، هذا الاتساع بشكل ميزة طالما أن تلك الظواهر -على الرغم من عدم تجانسها- تنطوي على قرابة ما في ما بينها: إذ أنها تشكل اختيار للمتحدث، سواء أكان هذا الاختيار واعياً أم لا، إذاً، فمن المشروع بل من الضروري، جمعها تحت عنوان واحد ذي عمومية كبيرة، ولا يمكننا أبداً أن نجد أياً منها يقوم بدور أفضل مما يقوم به عنوان "التعبيرية".‏
              - لكن فائدتها تقف عند هذا الحد، وهي لا تقدم أي عون يذكر لميدان علم دلالة الموجهات. وعدم دقة مفهوم التعبيرية لا يوضح أبداً مفهوم الموجه. وإن جعلنا الثاني معادلاً للأولى التعبيرية) فذلك يعني التنازل عن تحديده على الصعيد التطبيقي، كما أن عدم دقته يجعل تمييز "درجة العضوية" أمراً في غاية الصعوبة. بينما يستند تصنيف الموجهات، عند جولي ورولان، على هذه الفكرة البدهية). هكذا، ولكي نقف عند مثال واحد، فنحن لا نرى بوضوح لماذا الملفوظ: بول يشك بأن بيير سيأتي، الذي يوضح، بالنسبة لجولي ورولان، النمط الثالث لأن وجهة نظر الفاعل الناطق حول مجيء بيير تشكل الافتراض المسبق الذي يحمله الليكسيم الوحدة المعجمية) يشك(12) لماذا هذا الملفوظ من شأنه أن يكون أكثر تعبيرية من :بيير سيأتي النمط 1) أو أكثر من: أعرف أن بيير سيأتي النمط 2)؟‏
              ماهو واضح، في المقابل، هو أن المخاطب، في الحالات الثلاث، يعرض لنا مجيء بيير المستقبلي، على أنه حقيقة، والملفوظات الثلاثة، بأشكالها المختلفة تقول الشيء نفسه حول رأي المتكلم، فما هي طبيعة هذا التماثل؟ وعلى أي مستوى من مستويات التحليل يقع؟ وهل هو ثانوي لدرجة يسعنا معها تجاوزه في تصنيف الموجهات؟ تلك أسئلة لا يطرحها أي من جولي ورولان.‏
              ب- مقترحات لمصلحة مفهوم الاختزال:‏
              لكي يكون لمفهوم الموجه بعض الملاءمة في اللسانيات ينبغي علينا محاولة تكثيفة جمعه) على الرغم من الأسباب التي يمكننا تقديمها من أجلها توسيعه، ولكي ندمج فيه، شيئاً فشيئاً، كل مايستحق -تقريباً- أن نعده مظهراً لخيار الفاعل الناطق سواء أكان واعياً أم لا. وللوصول إلى هذا التكثيف الجمع)، ليس هناك من سبيل سوى اللجوء إلى استبعادين EXCLUSIONS : أي تحديد مجال أضيق نخصه باسم الموجه وذلك ضمن مجال التعبيرية الواسع:‏
              1- اللجوء إلى علم المنطق:‏
              بما أن المناطقة يهتمون أيضاً ومنذ زمن طويل(13) بالموجهات، فقد يكون من المهم، ولن يكون من غير الجائز(14) أن نتفحص فيما إذا كان المفهوم المنطقي للموجه لا يقدم للساني مبدأ للتحديد: عندئذ يتم استبعاد، الظواهر التي ليس لها علاقة بالمفهوم المذكور آنفاً من مجال الموجهات اللغوية، وبوسعه أن يجد مكاناً أفضل بين ظواهر لغوية أخرى ليس من الضروري المطالبة بصفة " توجيهي" من أجله.‏
              إن مثل هذا المسعى المباشر لا يفضي بالتأكيد إلى حل فوري ما، لأن في علم المنطق، هنا وجهات نظر حول الموجه تمنح المفهوم notion امتداداً كبيراً جداً. وللوصول إلى النتيجة المرجوة ينبغي أيضاً اللجوء إلى خيار أولي في ميدان الموجه المنطقي، عندئذ، يمكن أن تبدو فائدة اللجوء إلى المنطق مشكوكاً فيها.‏
              لكن في الحقيقة لهذا اللجوء مايبرره طالما أن المنطق ينطوي على ما هو مسموح اعتباره بمثابة "النواة الصلبة" للموجه(15) . ومن هذه النواة الصلبة يمكن للألسني أن يستوحي لكي يصل، إلى مفهوم الاختزال يتعلق بالميدان الخاص به.‏
              2- المنطق واللغة:‏
              منطق الألسن الذي ندل عليه بعبارة "المنطق الطبيعي" ليس هو المنطق الذي تدرسه كتب المنطق. حينما يقوم هؤلاء المناطقة بدراسة الموجهات فإنما يقدمونها عن طريق رموز منطقية operateurs logiques مثل وهو ضروري).‏
              أوهو ممكن) يزعمون أنهم أي المناطقة) يعطونها أي الرموز) أحادية معنوية univocite تامة. ومن هنا يكون للحساب التوجيهي calcul modal دقة مساوية لتلك التي تتصف بها الاستنتاجات deductions الرياضية، ومن هنا أيضاً يمكن أن تمتلك أطروحات المناطقة طابعاً لا يمكن دحضه، وفي مقابل أحادية المعنى هذه، هناك تعدد المعاني(16) polysemie الذي تتصف به الألسن الطبيعية، والذي يجعل الكلمات التي نستخدمها باعتبارها مكافئة للرموز operateurs، عاجزة عن أن تكون أكثر من مكافئات تقريبية، ومع ذلك ينبغي ألا ننسى أن علم المنطق يقوم أصلاً على مسعى ينطوي على الانطلاق من لسان معين للوصول إلى مقولات فكرية نفترض أنها شمولية، لقد بين(17) بينفينيست مايدين به منطق أرسطو الذي تغذى منه الفكر الغربي كله وكذلك بنى اللسان اليوناني والقيم التي يضمها فعله "أي فعل. الكينونة" ، ومن ناحية أخرى فإن امتدادات المنطق التوجيهي، التي هي علوم المنطق الوجوبي DEONTIQUES والمعرفي(18) EPISEMIQUES تبدو وكأنها ناتجة عن جهد المناطقة من أجل اعتبار القياسات الظاهرة التي يبينها تعبير الواجب و المعرفة والحقيقي بمافيه من درجات مختلفة) في عدد كبير من الألسن. وبسبب هذه الروابط بين المنطق وبين اللغة، يكون من الطبيعي ألا يهمل الألسني وجهة نظر عالم المنطق لاسيما فيما يتعلق بالموجهات.‏
              3- الموجهات من وجهة نظر علماء المنطق:‏
              الموجهات الأساسية بالنسبة لعلماء المنطق هي تلك التي تتعلق بمضمون الجمل PROPOSITIONS وتسمى بالموجهات الأخلاقية ALETHIQUES. والصفتات الرئيسيتان(19) ، في سجل الحقيقة، القادرتان على التأثير في جملة ما ب) هما: الضروري . ...) والممكن . ...). وانطلاقاً من هاتين الصفتين يمكن نعريف المستحيل ... .) المقابل الضروري . ...) والمحتمل CONTINGENT ) أي الكائن والذي يمكن أن لا يكون ... .) أي أنه ليس بالضرورة ....). العلاقة بين هذه الصيغ الأربع يمثلها المربع المنطقي التالي:‏







              يسمى المحور a) بمحور المتقابلات CONTRAIRES ويسمى المحور b) بمحور المتقابلات التحتية SUBCNTRAIRES، ويسمى المحور C) و d) بمحور المتضادات CONTRADICTOIRES.‏
              ملاحظة: الجمل التي لا تتأثر بأي من هذه الصيغ الأربع P P) أي ببساطة المحمولات الحقيقية أوالخاطئة تسمى الجمل التصريحية ASSERTORIQUES. الاتجاه السائد لدى المناطقة، هو اعتبار أن التصريحية ASSORTERICITE ليست من ضمن الموجهات.‏
              في الألسن الطبيعية عموماً مايرتبط التعبير عن الإمكانية ارتباطاً وثيقاً بالمعارف التي يملكها المتحدث، ويشعر بها المخاطبون المتحدث إليهم) على أنها كذلك. وهكذا فإن التأويل الأكثر مباشرة للملفوظ: من الممكن أن يأتي بيير ، هو التالي: "لا يملك المتحدث معلومات كافية لكي يقول إن بيير سيأتي أو أنه لن يأتي".‏
              أما فيما يخص التعبير عن الضرورة، فغالباً مايختلط إلى حد ما، بالإشارة إلى ماينبغي القيام به أو ماينبغي أن نكونه للوصول إلى نتيجة معينة أو الالتزام بمعيار ما، تلك هي القيم التي نشعر بها في الملفوظ: من الضروري أن يأتي بيير(20) .‏
              هذه التواطؤات التفاهمات) COLLUSIONS قادت علماء المنطق إلى توسيع مفهوم الموجه من أجل تطبيقه أيضاً على التحديدات التي تنتمي إلى سجل المعرفة وإلى سجل الواجب، أي إضافة الموجهات الأخلاقية ALETHIQUES إلى الموجهات المعرفية والموجهات الوجودية DEONTIQUE. وفي هذين الميدانين الجديدين هناك شبكة من المفاهيم المتقابلة والتحتية المتقابلة، والمتضادة ترتبط بشبكة الصيغ الثلاث للمنطق الأخلاقي، والتي يمكنها الظهور على مربعات مماثلة:‏

              موجهات معرفية موجهات وجوبية‏
              مؤكد مُستَبعَد اجباري ممنوع‏



              محتمل مشكوك مسموح اختياري‏
              إن التماثلات الناشئة عن مواجهة سلاسل اللكسيمات(21) LECEMES الوحدات المعجمية) التالية ببعضها بعضاً لهي جديرة بالاعتبار:‏
              ضروري كل دائماً في كل مكان‏
              مستحيل لا أحد أبداً ولا في أي مكان‏
              ممكن بعض أحياناً أحياناً في مكان ما(22)
              إن بعض المكممات quantificateurs من ظروف زمنية ومكانية تميل إلى تعديل الجملة كلها(23) . و قيمة حقيقة هذه الجملة تتأثر بوجود المكممات: وبهذافنحن نعدل حقيقة: بيير بشع، من خلال قولنا: بيير بشع دائماً، أو بيير بشع أحياناً، وكذلك حقيقة: بيير ليس بشعاً، بقولنا بيير ليس بشعاً أبداً، إذ يمكننا من خلال المفهوم التوسيعي للموجه إيجاد موجهات "كمية" و "زمانية" و" مكانية". أخيراً تقدم لنا الموجهات المعرفية نموذجاً يحتذى في أي عملية توسيع إذا ما توقفنا عند سمة أساسية من تعريفها الموجهات) وهي أنها تقتضي الإحالة إلى معايير، وإذا اعتبرنا أن توازيها الوثيق مع الموجهات الأخلاقية، غير قادر على تحديد طابعها التوجيهي؛ في هذه الافتراضات لا مجال هناك لوقف تسمية "الموجه" على المفاهيم الأربعة الموضحة على المربع المعرفي إجباري مسموح، اختياري، ممنوع). فكل تعبير يقتضي الإحالة إلى معيار معين أو إلى قاعدة اجتماعية CRITERE SOCIALE أو فردية أو جمالية، يمكنه المطالبة بالدمج مع الموجهات، وليسَ فقط ظروف الهيئة DE MANIERE كما هو الحال في المثال الكلاسيكي سقراط يعدو سريعاً، إنما أيضا، عدد كبير من الصفات هام،' لذيذ، محبب، الخ...) والأفعال ثمّن، لامَ، الخ)، والأسماء منها تلك التي تتعلق بالظروف وبالصفات وبالأفعال المذكورة أعلاه.(24) تلك الموجهات، بالمعنى الواسع سنطلق عليها اسم: الموجهات التقويمية EVALUATIVE؛ والموجهات التثمينية APPRECIATIVES أو الخلافية AXIOLOGIQUEW تشكل رتبة فرعية من هذا المجموع الواسع.‏
              4- مبادئ التحديد:‏
              كما نرى، يمكن لوجهة نظر عالم المنطق حول الموجهات، أن تصبح نفسها توسيعية جداً إذا أخذت بعين الاعتبار كل التماثلات ANALOGIES الهامة نوعاً ما والتي فرغنا للتو من ذكرها، ومع ذلك فالألسني الذي يهدف إلى تضييق مجال الموجهات اللغوية يمكنه الاستلهام من علم المنطق لأنه يتضمن مفاهيم توجيهية نموذجية لا جدال فيها: وهي موجهات علم المنطق الأخلاقي. الموجه أساساً، عبارة عن تحديد يتعلق بحقيقة الجملة التي تؤثر به. والاستلهام من هذا التعريف المنطقي من شأنه أن ينطوي بدوره، بالنسبة للألسني، على تحديد "نواة صلبة" للموجه(25) والالتحاق بوجهة النظر المنطقية الأكثر تضييقاً والمتعلقة بهذا المنطق. لكن من البدهي أنه على الألسني في هذين المسعيين أن يتنبه إلى الصرف وإلى التركيب والمعجم، في الوقت الذي يمكن فيه لعالم المنطق أن يتحلل من هذا القيد، لذا فإن مجال الموجه اللغوي سيكون مختلفاً بالضرورة -على الرغم من الروابط- عن مجال الموجه المنطقي: "فالاستلهام من" لا يمكنه أن يعني" جعله يتلاقى مع". وسنأهذ مثالين على ذلك.‏
              - في المنطق، يبدو مؤكداً أن الموجهات الأساسية هي الموجهات الأخلاقية أما في اللسانيات فإن رؤية نواة صلبة) للموجهات في مفاهيم الضرورة والإمكانية والاحتمال والاستحالة يعني معاكسة الحقائق الأكثر مباشرة: فمن جانب لا تبدو هذه المفاهيم إلا نادراً في حالتها الصافية عبر الاستخدام الشائع للسان(26) ؛ ومن جانب آخر، سيكون من الاعتباطي تماماً اعتبار أننا إزاء موجه أكثر أصالة نتيجة لقياس SYLLOGISME من هذا النوع ينتج ذلك بالضرورة أن سقراط سيكون فانياً) في التعبير عن الوجوب الأخلاقي من الضروري أن يحترم الواحد منها حرية الآخر) أو من اعتقاد جازم للمتحدث: من المؤكد أن السماء أمطرت). مانقترحه، هو اعتبار أن النواة الصلبة) للموجه اللغوي تتكون من كل مايعبر بشكل نوعي(27) عن المفاهيم الموجودة على كل من المربعات الأخلاقية والمعرفية والوجوبية DENTIQUES.‏
              - وفقاً للتعريف التقليدي، لن نعتبر بمثابة موجهات سوى التحديدات المتعلقة بجملة ما(28) . لكن لا يمكن للألسني أن يرى الجمل الصغرى إلا في الجمل الكبرى التي تتمتع بشكل قانوني CANONIQUE سقراط يركض، يربي الشباب، هو رجل)، لقد برهنت النظريات الألسنية المعاصرة على الفائدة التي نجنيها من افتراض وجود بنى تقع تحت الأشكال السطحية وإفراد مكان للمضمر IMPLICITE في تحليل الجمل.‏
              من المفيد على سبيل المثال اشتقاق ركن اسمي SYNTAGME NOMINAL يضم اسم فعل N D ACTION ومتممه مثل : عودة بيير) وجملة تحتية SOUS- JACECT يكون اسم الفعل فيها فعلاً قواعدياًVERBE بين الركن الاسمي والجملة، والتي تبرز هذا النوع من الاشتقاق، هي من تلك العلاقات التي تكون على الأغلب الاعم مقبولة، عندها في جملة: عودة بيير [هي] ضرورية يكون من المسوح أن نجد نرى) موجهاً بالمعنى الضيق(29) كما نرى في جملة: أن يعود بيير فذلك ضروري أو: من الضروري أن يعود بيير.‏
              عندئذ تطرح قضية ما إذا كان لا ينبغي على فرضية الجمل التحتية أن تكون مطبقة إلا على الأركان الاسمية التي تتضمن اسم فعل. لا يبدو أن تحديداً ضيقاً كهذا من شأنه أن يكون مبرراً، ولدعم هذا الرأي، سنكتفي هنا بالإشارة إلى أهمية نظريات(30) تسمح برؤية تعبير موجه ما في جملة مثل الفاكهة الممنوعة أغرتهم، على الرغم من أن الخبر ممنوع DEFENDU وهو الذي يقود هذا الموجه لا يحتمل في "بنيته السطحية" سوى صفة للاسم فاكهة -وهو الذي يتصف بأي سمة من سمات اسم الفعل. تبعاً لهذه النظريات فإن الركن SYNTAGME فاكهة ممنوعة، مشتق من جملة موجهة ممنوع [على أحدهم أن يأكل الفاكهة]). لنشر إلى أن تحليلاً كهذا يتمتع بمزية توضيح الدور العاملي) أي دور القوة الفاعلة) ROLE ACTANTIEL الـ "حالة عميقة") للاسم فاكهة: في "السطح" في هذه الجملة، يضطلع هذا الدور بوظيفة فاعل قواعدي؛ و "في العمق" فهو ACCUSATIF= مفعول، متعلق ليس بالموجه ممنوع، إنما بالمسند PREDICAT أكل. و فهم التعبير الفاكهة الممنوعة، يعني إدراك العلاقة الدلالية المحددة بهذا الشكل حدسياً.‏

              3- الموجهات اللسانية:‏
              إذا أخذنا المبادئ المقترحة أعلاه، بعين الاعتبار فإننا نميز ما من شأنه أن يوصف، في اللسانيات، بأنه موجه نموذجي، بشكل جزئي، ومايبدو ممكناً ومفيداً استنثاؤه من مجال الموجهات.‏
              ومع ذلك نذكر أن تصنيف الموجهات لا يمكنه أن يكتسي طابعاً متيناً: لأن طبيعة الموضوع المدروس تتعارض مع ذلك. لذا فإن التصنيف سيفتح الباب أمام بروز إشكالية ما.‏
              آ- النواة الصلبة:‏
              وتتكون من موجهات جمالية مثال: من الضروري أن يأتي بيير) ومن مساعدين AUXILIAERES للصيغة MODE مثل : علي بيير أن يعود). ويمكننا وضعها كلها على نفس المستوى لأنها تتمتع أساساً بدلالة توجيهية(31) صريحة تماماً.‏
              1- الموجهات الجملية وشكلها القانوني هو التالي:‏
              Il uni personnel ) + est+ Adjectif + que P) ou intinitif)‏
              هو شخص وحيد) + يكون + صفة + أن ب، أو حرف الجر + مصدر الصفة هي إحدى تلك التي نراها على المربعات الثلاثة(32) : ضروري...، مؤكد....، إجباري...، أو إحدى مرادفاتها، بهذا الشكل تتميز الموجهات بخارجيتها إزاء الجملة التي تقوم تلك الموجهات ب "توجيهها" أو إزاء المصدر الذي يقوم مقامها.‏
              هذه الصفة الخارجية exteriorite تتلاشى في ملفوظات نحو: عودة بيير [هي] ضرورية أو لقد تمَّ إغْراؤهم بالفاكهة الممنوعة. Ils ont ete tente par le fruit defendu لكن كيف يمكننا ربطها بالملفوظات ذات الشكل القانوني.‏
              2- الفعلان المساعدان للصيغة:‏
              أ- والتي لا شك فيهما هما: استطاع، ووجب، وتعددية معناهما معروفة. فالاستطاعة تعبر عن:‏
              1- القدرة "المادية والفكرية والأخلاقية"، مثل : شُفي بيير بما أن بيير قد شفي) Pierre est retabli.‏
              فبإمكانه أن يلعب يوم الأحد.‏
              2- الإذن ، مثال: يمكنك الدخول.‏
              3- الاحتمالية أو عدم الاستبعاد. مثال: يمكنه المجيء مثلما يمكنه عدم المجيء(33) إلى هذه المعاني التي يؤديها عادة الفعل المساعد استطاع Pouvoir نضيف معنى آخر قام بدراسته مفصلاً. ج. كليبر G. KLEVER ونقصد به "المعنى المشتت غير المنتظم)(34) SPORADIQUE . ويبين ج. كليبر أن الدور الدلالي للفعل المساعد: استطاع، في هذا الاستعمال، أن يقترب كثيراً من دور المكمم الوجودي(35) Qantificateur existentiel مثل: أحياناً PARFOIS ، وبعض المرات QUELQUEFOIS . إن جملة: يمكن أن يكون الألزاسيون بدينين، تفسرها جملة أخرى ممكنة: أحياناً يكون الألزاسيون بدينين. لكن الفعل المساعد : يستطيع، يظل مساعداً توجيهياً يعبر عن الإمكانية ، وبالتالي عن أن: "الألزاسيون الذين نلتقي بهم مصادفة، يمكن أن يكونوا بدينين أو لا يكونوا". وجب DEVOIR يعبر عن:‏
              1- الوجوب "الذاتي الداخلي": علىَّ أن أواجه التحدي لأن إحساسي بالكرامة يفرض على ذلك).‏
              2- الوجوب "الخارجي": المفروض إما من قبل س الحي، مثل : على بيير أن يعمل أي أنه يتلقى الأمر للقيام بالعمل)؛ أو من قبل س الجامد، مثل: يجب علي أن أذهب الظرف، الحالة، تجبرني على ذلك؛‏
              3- الاحتمالية، مثال: لابد أنه وصل يحتمل أنه وصل).‏
              ب- لزم FALLOIR، عرف ، أراد، كلها تشترك بنقطة واحدة ذات طبيعة تركيبية، تميزها عن استطاع، وعن وجب DEVOIR: فقد تكون أفعال مساعدة(36) أصلية أو متبوعة ب أن كذا أن + جملة). هناك تعادل تقريبي من حيث المعنى بين: ينبغي الرحيل و بين ينبغي أن ترحل، أن ترحل، الخ.. وتكون القيمة التوجيهية مرتبطة بالسياق، سياق الضرورة أو سياق الوجوب. أما بالنسبة لـ : عرف SAVOIR ،إذا كان اليقين هو القيمة التوجيهية فإن التركيب أن كذا QUE P يكون دائماً ممكنا: أعرف أن.... تعرف أنها جميلة، الخ، بينما يخضع استخدام المصدر INFINITIF لبعض القيود؛ لاسيما أنه يبنغي أن يكون الفاعل التوجيهي مشابهاً لفاعل الجملة المندمجة PROPOSITION INTEGREE: تعرف كيف تجعل نفسها جميلة، ELLE SAIT ETRE BELLE تعرف كيف تكون جميلة). إذا كانت القيمة التوجيهية هي "الامكانية الداخلية". القدرة)، فلا يمكننا إلا استخدام المصدر: ELLE SAIT NAGER = تعرف السباحة مع نفس القيد المتعلق بتشابه الفواعل). إن جملة مثل: تعرف كيف تجعل نفسها جميلة، هي جملة غامضة: فهل تعني اليقين أم القدرة‍!...‏
              أما بالنسبة لـ VOULOIR = أراد، فالتوزيع يكون أسهل: المصدر إذا كان فاعل الجملة الموجهة هو نفسه فاعل الفعل التوجيهي: يريد التكلم؛ و P نفسه، إذا كان مختلفاً، يريد أن أتكلم. القيمة التوجيهية لا تتغير إلا إذا تغيرت القدرة المقيدة سواء أكانت قدرة الفاعل نفسه أم قدرة فاعل آخر.‏
              ج- أراد VOULOIR وهو فعل "Puissanciel = ينطوي على القوة"، لكن بقي أن نحدد ماهية هذه "القيمة التوجيهية". لأنها أقل وضوحاً من الأفعال المساعدة الأخرى Auxiliaires لاشك أن العلاقة مع مفهوم الوجوب Obligation يمكن ملاحظتها من خلال: أريد أن تتكلم، وهي جملة قريبة من: عليك يجب عليك) أن تتكلم، لكن في استخداماتأخرى، تتلاشى هذه العلاقة، وتعبر الإرادة فيهاعن الرغبة، أي عن مجرد حلم للفاعل، لاسيما في الصيغة المنتهية بـ RAIS - ترغب= تود أن تكون جميلة).‏
              على ضوء هذه النقطة الأولى من تعريف الموجهات المقترح أعلاه ص79)، هل ينبغي استبعاد أراد= رغب VOULOIR من الأفعال التوجيهية، أو، وهذا هو الحل الثاني، أم إدخال وجهة نظر السيميائي(37) للاحتفاظ له بمكانة في هذه الفئة؟‏
              هناك طريق ثالث يمكن سلوكه، وهو مثال على توافق التعريف المقترح مع الوقائع التي ينبغي على الألسني أخذها بعين الاعتبار. فالواقعة اللسانية البحتة في يهذه الحالة، تعني رفض الأمر أراد، استطاع)(38) أو على الأقل رفض الشكل العادي للأمر المأخوذ عن صيغة الإدلال(39) Indicatif: Veuille الأمر من أراد = تفضل، = Veuillons = لنتفضل و Veuillez= تفضلوا ب و Sache = اعرف، Sachons لنعرف، Sachez= لتعرفوا، وهي صيغ مأخوذة من جذر الـ Subjonctif وهذا ما يقر بها من الفعلين المساعدين الأساسيين أي فعل الملكية AVOIR وفعل الكينونة ETRE .وغيّوم الذي وضح هذه القرابة، أطلق على تلك الأفعال : أستطاع، وجب، أراد، عرف اسم أفعال القوة VERBES PUISSANCIELS.(40)
              العبارة تفسر على الشكل التالي: تملك المفاهيم التي تعبر عنها أفعال القوة ما يملكه المفهوم الأساسي للوجود - لكن بدرجة أقل- ولها أسبقية منطقية(41) بالقياس إلى المفاهيم التي تعبر عنها الأفعال الأخرى. أسبقية من نفس نوع أسبقية الشرط بالقياس إلى النتيجة أو القوة بالنسبة للأثر EFFET ". لكي نتمكن من الفعل أو التأثر، ينبغي أولاً، مع وجود الفارق NUANCE المطلوب تبعاً للحالة المعتبرة، أن نتمكن، أو أن نريد أو أن نعرف أو أن ينبغي علينا، الخ"(42) . هذه الشروط المسبقة من شأنها أن تصبح، بصعوبة، جوهر الأمر، أي أن تكون خاضعة، فيما يخص تحقيقها، لإرادة Volonte قد تكون سابقة عليها، ومن هنا قد تفقدها موقعها من ناحية دون ناحية ثانية، إن قبولها الأمر في الحالات التي تلاحظ فيها، غير ممكنة إلا بعودة توجيهية من الإدلال INDICATIF إلى النصب SUBJONCTIF(43) .وهذه العودة تعوض بوسيلة مورفولوجية صرفية) تقدم اللاحقية POSTERIORISATION التي يستطيع الإدلال INDICATIF تحميلها لها، على محور التدرج الزمني المفهومي، ينبغي أن نضيف أن التراجع الصرفي بالنسبة لكل من VOULOIR = أراد و عرف = SAVOIR يترافق مع شكل معين من أشكال التراجع الدلالي فـ: veuillez أي تفضل بـ...) تعكس ترتيب الدعوة إذا كانت خفية أم على شكل طلب مهذب. و إعرف= sache‏
              تعني ليس بالضبط "إعرف" بل "إعلم أو ليكن في علمك"، وبالتالي فإن "علم" هي، من حيث التدرج العقلي chronologie de raison سابقة على "إعرف"(44) savoir.‏
              هاتان الصفتان الشكليتان المترابطتان اللتان هما إمكانية البناء المباشر للمصدر اللاحق: رفض الأمر أو قبوله الملطف)، تميزت بوضوح مجموعة من الأفعال منها حتماً فعل أراد= vouloir. إذا اعتبرنا بحق أن أفعال القوة verbes puissanciels والأفعال التوجيهية تشكل فئة واحدة، وينبغي أن نصحح ولو قليلاً، الملاحظة التي سبق واستشهدنابها ص 78، رقم 1) حول غياب الصفات الشكلية للتوجيه: على الرغم من وجود بعضها بالنسبة لفئة الأفعال الموجهة.‏
              ج- شبه الأفعال الموجهة المساعدة: حينما نملك حجة قوية لاعتبار الفعل أراد vouloir فعلاً توجيهياً على الرغم من ضعف رابطته الدلالية بالموجّهات المنطقية، فلابد من النظر في ما إذا كانت الحجة نفسها لا تنطبق أيضاً على أفعال أخرى من أفعال اللسان LANGUE. هناك ملاحظة أولى تفرض نفسها وهي أن غياب حرف الجر بين الفعل وبين المصدر الذي يتعلق به هو خاصية تركيبية مشتركة بين ستين فعلاً فرنسياً من أفعال الرأي VERBES D, OPINION: ظننت أني أحببتك)، والشعور تحب أن تغني)، والرغبة: ترغب في الذهاب)، والحركة: هيا لنشرب قدحاً)، وحب الكلام CAUSATION إنها تجعل الأطفال يلعبون). ليس من المستحيل استخلاص قيمة دلالية لهذه الأفعال كافة هي أنها شكل من أشكال الوجود المفهومي السابق يربطها بالموجهات المعرفية على أنها "أفعال قوة". وهذا هو الطريق الذي سلكه غ.غيوم(45) ، لكن دون أن يجعل منها أفعالاً توجيهية، وبالفعل، يبدو من الصعب تقديم حجة مقنعة لصالح هذا الدمج.‏
              مع هذا، مايمكننا القيام به، هو الملاحظة -وستكون تلك ملاحظتنا الثانية- أنه بين تلك الأفعال يوجد ما من شأنه إظهار مثل: وجب، استطاع، عرف، أراد) شيئاً من عدم القدرة على استخدام الأمر، وهذا واضح، لاسيما فيما يخص: اعتقد، بدا، ظهر، فهذه الأفعال ليست خالية من الأوامر ذات الشكل الإدلالي INDICATIF، لكن استخدامها يبقى محدوداً، إذ أن السامع يشك في مقبولية أوامر كالتالية: ابدُ، إظهر، ظُنَّ، ظنوا+ مصدر. إن مفهوم الظهور الذي يعنيه كل من. ظهر = PARATITRE وبدا SEMBLER. ومفهوم الانتساب الروحي الخاص الذي يدل عليه فعل آمن= اعتقد، يساهم في هذا.‏
              إذا أضفنا أن الأفعال الثلاثة تحمل معرفياً الاحتمالية)، فسيكون عندنا مايكفي من الأسباب لاعتبارها أفعالاً موجهة. مع ذلك، وكما هو واضح، فإنها لاتعتبر كذلك إلا في بعض استخداماتها، لذا سنطلق عليها اسم شبه الأفعال التوجيهية المساعدة(46) . يمكننا أيضاً وضع فعل يجب، في هذه الفئة التي تشكل تلك الأفعال نوعاً ما حدها الغامض، وبشكل جزئي ينطبق على الفعل يحب ماقلناه عن فعل يؤمن= يعتقد وعلى أفعال اربعة تعبر عن التنوعات في الدرجة بخصوص مفهوم الإرادة volition مثل تمنى، رغب، تنازل، تجرأ، يبنى الفعلان الأخيران تقريباً دائماً بصيغة المصدر المباشر).‏
              3- المكافئات:‏
              يمكن أن نلحق بعض الظروف المشتقة من الصفات التوجيهية مثل: بالضرورة، إجبارياً، بالتأكيد، احتمالاً، اختيارياً، بفئة الموجهات الجملية. الظروف التي هي أشكال من أسماء المفعولات participe passes : مسموح، ممنوع، مستثنى، لا تقدم ظروفاً وذلك طبقاً لقاعدة عامة تقريباً، وأكثر مايثير الانتباه هو رفض ظرفنة adverbialisation الصفتين ممكن = possible و مستحيل = impossible ونحيل القارئ إلى التفسير الذي اقترحه جورج موانييه G. Moignet حول هذه الظاهرة في دراسة عنوانها: "تلاقي الظرف مع ظرفنة الصفات"(47) .‏
              من بين الصفات التي تنتهي بالكاسعة able - و ible - و uble لن نقف إلا على تلك العناصر التي نعتبرها مكافئة نلحظ فيها بوضوح بنية منطقية(48) modalite الأمر الذي يلغي صفات مثل: terribe, raisonnable, penible, minable, confortable, agreable, Abominable) و ليس على مستوى الوحدة المعجمية lexeme. المهم أنه في الملفوظات المستخدمة فيها تلك الصفات يمكننا تماماً تحديد مكوّن السلبية الركنية syntagmatique المتوضعة فيها. زد على ذلك أن دلالة هذا العنصر هي دلالة توجيهية أساساً.‏
              ب- الموجه المختلط IMPURE:‏
              في مقابل كافة الأشكال التعبيرية للموجه، والتي عايناها حتى الآن، يمكننا بشكل عام، وضع الحالات التي يكون فيها الموجه مضمراً IMPLICITE في الوحدة المعجمية LEXEME أو ممتزجاً بها أو بشكل مورفيم) أو بتعبير أو بعناصر دلالية أخرى. هذه المجموعة الجديدة هي مجموعة غير متجانسة، يمكننا أن نضع فيها أيضاً وحدات معجمية lexeme يمكن ترجمة بنيتها الدلالية -المنطقية إلى أشباه جمل paraphrases تتضمن فعلاً توجيهياً V. MODAL كما يمكن ترجمة تعارضات تقابلات) الصيغة MODE indicatIf / subjinctif، و الاستخدامات التوجيهية لبعض أزمنة الإدلال INDICATIF. إن الإنجازيات، وهي كثيرة بين الوحدات المعجمية والتي سننظر فيها لاحقاً، وكذلك العلامات الفارقة Marques مانسميه تارة بـ "موجهات الجملة" و"طوراً" بأنماط أفعال اللغة" هذه الإنجازيات PERFORMATEFS تطرح مشكلة العلاقة بين الموجه وبين القول الفاعل ILLOCUTOIRE.‏
              لكن النقطة المشتركة بين كافة الحالات المجتمعة تحت عنوان "الموجه المختلط" هي نقطة سلبية. إذ لا يمكننا القول عنها بأنها "توجيهية نموذجية" بالمعنى الذي تكون فيه الصفات والأفعال المساعدة AUXILIAIRES و اللاحقات التي درسناها في الفقرة أ.‏
              1- وحدات معجمية كلامية VERBAUX وتعابير وحيدة الشخص:‏
              أ- الوحدات المعجمية: دراسة برنار بوتييه الموسومة "حول الموجهات" مكرسة في جزء منها لتحليل الوحدات المعجمية التي يكون أحد مكوناتها السيمية(49) *) SEMIQUES عبارة عن موجه وهذا الموجه من شأنه أن يدخل ضمن تركيبة combinaison في المحصلة اللكسيمية(50) محصلة الوحدات المعجمية) synthese lexemique إما أن تدخل مع فعل سببي causatif عمل FAIRE) أو مع فعل ملفوظي قال)، وبهذا يمكننا تحليل : عمل [بحيث] س يستطيع، يضطر إلى....، عمل بحيث أن س يجب.. وكمثال على التركيب الخلاصة) اللكسيمي ملفوظي + موجه) نجد يؤكد يدعم قولاً SOUTENIR، يؤكد تأكيداً cocnferner، ASSURER، يشهد، يشير إلى، يصرح، يحتج على، يرفض، فحينما نقول: أؤكد القول بأن جان هو [شخص] محبب فهذا يعني أننا نقول " أكثر من" حينما نقول: أقول بأن جان محبب أو أجيب بأن وأفسر أن....) ففعل soutenir يعادل: قال + موجه مفهوم اليقين). ماينبغي الإشارة إليه هو أن: القول إن، الإجابة بأن، أشرح أن... لا تعتبر أبداً أفعالاً توجيهية. إذ لا دور لها إلا ذلك الذي ينطوي على إيضاح ظروف التحادث المتبادل INTERLOCUTION.‏
              ب- التعابير وحيدة الشخص unipersonnelles : بعض الصفات التقويمية القادرة على تقديم نواة للتعبير وحيد الشخص unipersonnelles مفيد، محبب، مثير، خطير... الخ)، ليس لها سوى رابط غامض جداً مع الموجهات المكونة لما أطلقنا عليها اسم "النواة الصلبة" ومع هذا لايبدو من الممكن استبعاد تلك التعابير الوحيدة الشخص من مجال الموجه لعدم وجود أي معيار من شأنه تبرير مثل تلك الاستبعادات EXCLUSIONS. لكن مايمكننا ملاحظته هو أن هذه العبارات لا تتميز بشيء، من الناحية التركيبية SYNTAXIQUE ، عن الموجهات الجملية modalites propositionnelles التي يمكن أن تشترك معها بسهولة مثل: قد يكون مفيداً بل وحتى ضرورياً العثور على هذه الصيغة، لكن ذلك مع الأسف ضرب من المستحيل).‏
              ج- قضية المقوّمات EVALUATIFS : إن دمجنا التعابير التقويمية التي علاقتها الدلالية المنطقية قليلة، بل غير موجودة، فإننا بذلك نخاطر بتوسيع ميدان الموجه اللغوي بحيث يصبح بلا حدود، وفعلاً، إذ رأينا موجهاً في جملةِ: من الخطر أن يكون مريضاً، فهل يمكننا رفض أن يكون منها واحداً موجه) في جملة: مرض خطير صعقه، بعد أن قبلنا أن الموجه واضح في :الفاكهة الممنوعة أغرتهم، كما في: ممنوع أن تأكل من هذه الفاكهة؟‏
              في حالة كهذه سيلعب الجزء الثاني من التعريف الذي اعتمدناه مايحدد الموجه، هو جملة PROPOSITION - سواء كانت صريحة أم مضمرة-) دوراً أساسياً في تحديد مجال الموجه: فلايسعنا أن نستبعد منه: من الخطر أن.. بسبب المدى البعيد) الجملي Propositionnelle للتقويم، بينما لا يوجد أي سبب حاسم لأن ندخل فيها: مرض خطير، وهو تعبير فيه الصفة مباشرة يوصف الموصوف وليس جملة مضمرة مستترة) كما في: الفاكهة الممنوعة(51) . مايصح على الصفة: خطير في الملفوظ: مرض خطير، ينطبق أيضاً على: بشكل خطير gravement في : بيير مريض بشكل خطير: فهذه الجملة تكافئ جملة: بيير يعاني مرضاً خطيراً وليس جملة: إنه من الخطير أن يكون مريضاً.‏
              د- الصفات التوجيهية وغير التوجيهية: هذه الملاحظات تقترح التمييز بين الصفات القادرة على تحديد الجملة تبعاً لقدرتها على القيام بهذا التمييز أو لعجزها عن ذلك:‏
              - الصفات التوجيهية النموذجية تتمتع بهذه القدرة العالية جداً، وهي عاجزة عن وصف أي شيء آخر، في الحالة التي تستند فيها [الصفات] إلى اسم، فإما أنها تُنَشَّط جملة مستترة إلى حد ما انظر الفاكهة الممنوعة) أوأنها تفقد قيمتها التوجيهية بشكل استثنائي: فالطفل الصعب impossible هو ببساطة طفل مشاكس جداً.‏
              - الصفات التقويمية القادرة على تقديم عبارة وحيدة الشخص، تحدد إما جملة ربما تكون "منشطة" مثال: سقوطه خطير= من الخطير أن يكون قد سقط)، ترتبط بالموجهِّات؛ أو باسم غير قابل للتنشيط مثال: جرحٌ خطير)؛ وفي هذه الحالة لا يمكن اعتبار تلك الصفات حاملة للموجِّهات.‏
              - الصفات الأخرى، وتبدو للوهلة الأولى أكثر عدداً، بينها كثير من الصفات التقويمية التي لا تدخل في الفئة السابقة، وهي صفات عاجزة تماماً عن تحديد الجملة، وبالتالي نقول إنها تفتقر إلى أي شكل من أشكال التوجيه. لتكن لدينا الصفة: سريع وظرفها: سريعاً= بشكل سريع).‏
              فيكون لدينا: رَكْضُ سقراط سريع) أو سقراط يركض بشكلٍ سريع)، لكننا لا نقول من السريع أن يركض سقراط.‏
              إذا أخذنا اختلافات السلوك الدلالي - التركيبي هذه بعين الاعتبار يبدو عندها ممكنا وضع حد لتوسيع "الموجّهات التقويمية".‏
              2- الصيغ والأزمنة:‏
              المقابلة بين صيغتي الإدلال subjonctif/ indicatif النصب): قد تتحدد الصيغة الفعلية vebal بتضمن الملفوظ وحدة معجمية lexime نموذجية ربما تُعَدِّلها السَلْبَنَة(52) NAGTIVATION) كما يمكنها الارتباط بفكرة موجِّهةٍ أقل وضوحاً تتضمنها إلى حد ما و بشكل خفي، كلمة أو عبارة أو سياق مثال: آسف أن بيير قد أتى(53) ) أو قد يكون مُضمراً بشكل تام كقولك: "يجيء- يحلّ الليل/ ليحلّ الليل". في هذه الحالة يمكن القول أن الصيغة MODE عبارة عن تجلٍ غير مباشر للموجِّه MODALITE.‏
              وتبعاً لجوستاف غيّوم، فإن الأفكار الموجِّهة التي تحدد صيغة الفعل سواء أكانت صريحة أم لا أوأفكار مقتضبة REGARDANTES) فإنها تنقسم إلى مجالين مفهوميين عامين جداً هما: مجال الممكن، ومجال المحتمل PROBABLE . والتعاريف المعتمدة في كتاب الزمن والفعل ص 32 -33) هي التالية: "في مجال الممكن تتساوى حظوظ الكينونة واللا كينونة، أما المحتمل، فهو ممكِّن له حظٌ أن يكون، أكثر من حظِّه في ألا يكون.‏
              "إن عبارة حظوظ الكينونة، المستخدمة في هذا التعريف المزدوج يمكن استبدالها بتعريف مكافئ و أكثر قدرة على التحيين(54) capacite d, actualite . لأن الكينونة تعني امتلاك الواقع، بينما الواقع يفترض الحالية التحيين) التي هي نقطة محددة ينتقل فيها المُفترض إلى الواقعي.‏
              "بتعبير آخر: ممكن= قدرة التحيين التحقيق) صفر، بينما المحتمل = قدرة التحيين المختلفة عن الصفر ، لكنها قدرة يمكننا تصغيرها كما نشاء. "وحسبما تكون الأفكار المقتضبة الناظرة) مُفرضنِة virtualisantes أو محينة actualisants فإن العملية المنظورة regarde تكون بصيغة النصب subjonctif أو الإدلال indicatif وهذه الأفكار حينما لا تكون مُضمرة فهي تقع:‏
              - بالنسبة لفعل الجملة المرتبطة subordonnee من نمط b...que p ، فإّنها تقع في العنصر المحرك: فعل، عبارة وحيدة الشخص، صفة، اسم.‏
              - بالنسبة لفعل الجملة الموصولة relative ، فهي تقع في سياق ضمير الوصل أي على الاسم الموصول).‏
              - بالنسبة لفعل جملة مترابطة ظرفية، فهي تقع في الرابط المُمَهِّد(55) conjonction introductrice أو بشكل أدق حينما يتعلق الأمر بتعبير ينتهي بـ que = أي في العنصر أوالعناصر) الذي يسبق que.‏
              إن دراسة استخدام الصيغ في الجمل المترابطة coordonnees تنطوي عندئذٍ على تحليلات دلالية تهدف إلى استخلاص مفهوم الممكن أو المحتمل(56) الذي ينطوي عليه، من العنصر أو مجموعة العناصر التي تقع فيها الفكرة الناظرة المقتضبة) regardante.‏
              في الجمل التي لا ترتبط بغيرها فإن صيغة subjonctif التي تعبر عن الأمر والتمني والحض و الرجاء أو الافتراض تتحكم بها فكرة ناظرة regardante مستترة لها علاقة بميدان الممكن؛ أما صيغة الإدلال indicatif، سواء كانت الجملة تقريرية أم استفهامية أم أمرية، فتعني أن العملية تُرى من خلال فكرة مستترة لها علاقة بميدان المحتمل.‏
              واستخلاص أحد هذين المفهومين من المضمون الدلالي للعناصر التي ترتبط بها الصيغة، ليس دائماً بالأمر السهل، لاسيما وأن "الممكن" و"المحتمل"، بحسب غيّوم، لا يلتقيان مع معنى الممكن والمحتمل(57) ولا مع المفاهيم المنطقية للاسم نفسه(58) إذ أنهما عبارتان تنتميان إلى ماوراء لغة خاصة بجوستاف غيّوم، وتصبح المشكلة عندها مشكلة معرفة ما إذا كانت التعاريف التي يعطيها غيّوم لها دقيقة بما فيه الكفاية لكي تسمح لنا بالتحقق من القيمة التفسيرية لنظريته.‏
              وهذه نقطة تفاوتت حولها آراء الألسنيين وقد تظل كذلك زمناً طويلاً(59) . يمكننا القول إذاً، إذا كانت نظرية غيّوم تشكل مقاربة أصيلة لقضية العلاقات بين الصيغ MODES وبين الموجِّهات modalites فهي لا تحمل سوى بعض عناصر الحل.‏
              ب- هناك عدة أزمات من صيغة الإدلال indicatif: لها استخدامات توجيهية نذكر منها:‏
              - زمن المستقبل المنتهي -RAI في استخدامه كمستقبل تخميني conjectural وشكله المركب أكثر شيوعاً من شكله البسيط)، ومثال: إنه ليس هناك: سيتأخر عن قطاره، فتفسير الغياب هنا ليس مؤكداً؛ إذ أن المستقبل وحده كفيل بتأكيد صحة ذلك الغياب.‏
              - زمن المستقبل المنتهي بـ RAIS والذي يستخدم لتقديم معلومة من قبل متحدث لا يتحمل مسؤوليتها ربما اندلعت الحرب في....) أو في منظومات افتراضية لها علاقة بأداة الشرط "إذا" و تنطوي على قيمة احتمالية potentiel أو غير حقيقية.‏
              إن المسؤولية والمسؤلولية الزائدة التي ينطوي عليها الافتراض hypothese وهاتان المسؤوليتان اللتان يتميز بهما كل من المستقبل المنتهي بـ RAI والمستقبل المنتهي بـ RAIS(60) يفسير قابليتهما لهذه الاستخدامات الصيغية modaux.‏
              - الماضي الناقص imparfait يمكنه أيضاً اكتساب قيمة اللاحقيقي بالنسبة للماضي: لولاك، لكان غرق= il serait noye).‏
              إن العبارات المستخدمة للدلالة على فروق القيمة تلك أي "التخمين" و "الاحتمال" و "اللاحقيقي" تشير في حد ذاتها إلى أن الأشكال الفعلية في هذه الاستخدامات عن قابلية معرفية Epistemique خاصة بالمتحدث.‏
              3- الموجِّهات والقول الفاعل illocutoire‏
              القول الفاعل هو مقولة من ثلاث مقولات كبرى لفعل اللغة act de langage وهي المقولات التي استخلصها الفيلسوف الانكليزي ج.ل. أوستين(61) . ويمكن إنجاز الفعل القولي باستخدام فعل إنجازي performatif، أي عن طريق شكل فعل عموماً هو ضمير المتكلم، والمفرد في زمن الحاضر من صيغة الإدلال indicatif ) تقوم ملفوظيته بإنجاز العمل action الذي يشير إليه الفعل القواعدي: فقولك أقسم أن...، هو إنجاز لقسَم؛ و قولك أعِدُ أن، هو إنجاز لوعد.‏
              أ- أمثلة على المصادفات: الوحدات المعجمية اللكسيمات) الكلامية المتضمنة توجيهاً ما) هي في غالبيتها إنجازية، وتلاقي الموجِّه بالقول الفاعل illocutoire يثير عدة أسئلة: هل يقف التلاقي عند هذه الحالة؟ وكيف تتمفصل هاتان الفئتان؟ وهل بينهما تدّرج ما أو ما هو نمط هذا التدرج؟...‏
              على السؤال الأول يمكننا الإجابة بأن القيمة التوجيهية والفاعلية illocutionnaire في آن معاً، يمكن ملاحظتهما في مجال النواة الصلبة للموجِّه، ويمكن إنجاز الفعل نفسه تقريباً، لدى لفظ: يمكنك الدخول، كما نجدها في الصياغة الإنجازية التالية: أعدك بالدخول، والقيمة الفاعلة illocutionnaire للأفعال التوجيهية المساعدة تراها واضحة بشكل خاص في تأويلها الوجوبي(62) deontique: حينما يعبّرُ المتحدثُ عن وجوب، أو سماح، أو منع صادر عنه.... ويضطلع بمسؤوليته، فإنّ هذا المتحدث يؤثر agit، بل ويؤثر على ، على المتحدث إليه) لكن يمكننا اعتبار إنه يوجد أيضاً إنجاز لفعلِ اللغة في الاستخدامات المعرفية مثل: لابدَّ وأنه اشترى سيارة من المحتمل أنه.. افترِضُ أنّه...) المتحدث يلتزم حينما يعبّر عن اعتقاد شخصي(63) ، كما أنه يلتزم، ويؤثر، إذا قام بصياغةِ حكمٍ ذي طابع أخلاقي، أو ضروري، أو ممكن أو مستحيل(64) . وإلى هذه الأمثلة حول تلاقي الموجهات بالقول الفاعل، يمكن أن نضيف أيضاً "موجهات" الجملة - على الأقل إذا كانت فعلاَ موجهِّات(65) .‏
              ب- بيان خلاصة) يمكننا بيان أن كافة الحلول الممكنة حول هذه النقطة قد نظر فيها وبالتالي فلن نذكر منها سوى اثنين.‏
              ديكرو o. Ducrot يَعدّ المظهر الإفعالي البراغماتي) للغة كونه يتيح إمكانية الفعل المتبادل بين الأفراد). بمثابة صفته الأساسية، المسجلة في اللسان نفسه. بالنسبة لأفعال الكلام يحتل الموجِّه نوعاً ما- مكانة ثانوية ويمكن دراستها شأنها شأن الافتراض المسبق انظر الفصل الخامس) في إطار أوسع تشكله تلك الأفعال(66) الحل المقابل الذي ينطوي على دمج القول الفاعل illocutoire بالموجِّهات، له من يتحزب له أيضاً فيميز هـ. باريت(67) من بين أنماط الموجهات، الموجهات التأثيرية illocutionnaire ويعد التعبير الإنجازي بمثابة عامل موجِّه operateur modal.‏
              وجهتا النظر هاتان تقيمان علاقة ارتباط، بمعنى أو بآخر، بين الموجِّه وبين القول الفاعل، مع ذلك لا يبدو أن تدرجاً كهذا أو حجة من هذا النوع وغيرمقنعة تماماً يمكن أن تكون ضرورية، وعلى الرغم من العلاقات الوثيقة بين الموجه والقول الفاعل، فيمكن اعتبارهما بمثابة ظاهرتين مستقلتين و كلاهما موجود في اللسان نظراً لوجود ملفوظات إنجازية لا فائدة من إلحاقها بالموجهات مثل: je m, excuee= أعذر نفسي، بمعنى أعتذر....) وملفوظات لا يؤثر فيها الموجِّه على القوة التأثيرية.‏
              إن التحديد الاختزالي للموجِّه يسهّلُ هذا النوع من التمييز ، الذي لا يُلغي حقيقة أن القيمتين التأثيرية والتوجيهية من شأنهما التعايش في الوحدة المعجمية نفسها je soutiens que = أؤكد أن....) مثلما أن مراكمة عدة فئات: صيغة، زمن، شخص، عدد في الشُكَيْل morpheme الفعلي نفسه، لا تلغي ذلك التمييز الذي اعتدنا على إقامته بين هذه الفئات.‏
              ج- استبعادات EXCLUSIONS:*)‏
              1- موجز :‏
              سبق وألمحنا إلى عدد من الاستبعادات: كاستبعادات الصفات المنتهية بـ able - و ible - و uble والتي لا يوجد فيها شبه جملة مقبولة نحو "يمكن انتخابه" أو "جدير بالإعجاب"(68) واستبعاد المقومات EVALUATIFS وهي أعم وتضم الفئة السابقة) ولا تتضمن بُعداً جُملياً propositionnelle سواء على مستوى إحدى منافساتها(69) مرض خطير، منظرٌ لطيف) أو بسبب دلالتها سريع، مريح) وأخيراً استبعاد الأفعال الملفوظية التي لا تكون سوى ملفوظية بحتة على عكس تلك التي يمكن تحليلها إلى ملفوظية + موجِّه(70) .‏
              2- موجِّهات الجمل:‏
              على الرغم من اسمها فنحن نقترح دمجها مع الموجهات. ولكي نحدد ماهيتها، يمكننا الإنطلاق من التفكير بظاهرة القول dire رأينا أنه من المسموح به عدم اعتبار الفعل dere= يقول، فعلاً توجيهياً حينما يرد في ملفوظ على شكل فعل له قيمة لفظية بحتة: عندها يقتصر دوره على إيضاح الملفوظية، والدلالة عليها، وشد الانتباه إليها. فقولك: أقول إنَّ... قول غير شائع... ولا يستخدم إلا في الحالات التي تتضمن سبباً خاصاً يدعو للإلحاح على حقيقة أنك بصدد التلفظ بشيء ما. ويظل عادة مستتراً إنه "تحت طائلة التحقق صفر، ويتعلق بقول شمولي، يرتبط فقط بظروف التبادل الخطابي(71) " ولكن هذا لا يعني أن التحليل الألسني قادر على الاستغناء عنه)(72) . إذا استبعدنا عبارة je dis que = أقول أنَّ ، التي تشدّدعلى الملفوظية، من الموجِّه ، فلا بد أن نستبعد منها "تحققها الصفر" الذي هو شكل وجودها المعتاد، وإذا استبعدنا هذا الأخير التحقق الصفر) فلا بدَّ أيضاً من استبعاد مختلف أشكال هذا القول المقدَّر sous- jacent والذي يضيفه القول عليها، أي على الأشكال التأكيدية أو الاستفهامية أو الأمرية التي سنكفُّ عن تسميتها عندئذ بـ "الموجِّهات" modalites.‏
              إن الأسباب التي من أجلها اعُتمدت تلك التسمية يَسهُلُ إدراكها، فأشكال القول dire تلك، تفصحُ عن تشابهاتٍ analogies لا يسعنا إنكارها، مع الموجِّهات التي أتينا على إحصائها. وفضلاً عن علاقات التأكيد مع الحقيقة، والاستفهام مع المعرفة، والأمر مع الإدارة، يمكن الإشارة إلى أنَّ هذه الأشكال المذكورة تتمتع بصفة خارجية exteriorite إزاء الملفوظ الذي يذكِّرُ بخارجية الموجِّهات الجُملية بالنسبة للجملة.‏
              لكن خارجيتها، في الواقع، هي خارجية من نوع آخر، إذ أنها دائماً في حدها الأقصى بالنسبة للملفوظ؛ وهذا كافٍ لتمييزها عن الموجِّهات، ويبقى السؤال: إذا لم تكن موجِّهات، فماذا تكون إذاً؟ ينبغي قبول فكرة أن كل قول dire هوبمثابة فعل = عمل faire انظر الفصل الرابع)، لنتمكن من إيلائها مكانة ملائمة في التحليل الألسني: إنها جزء من القول الفاعل illocutoire وهي نمط من أنماط أفعال اللغة.‏
              3- الكمية والزمان والمكان:‏
              سبق وأشرنا إلى تلك التشابهات بين عناصر الدلالة وبين الموجِّهات وغالباً مايحدث -وهذا صحيح لاسيما بالنسبة للزمن- أن تتمتع أي التشابهات) ببعدٍ جُملي مثلها مثل الموجهات، ولا يتوانى بعض الألسنيين عن دمجها مع هذه الأخيرة(73) .‏
              لنكتفِ بملاحظة أن هذا الدمج نفسه على الإطلاق، فالزمان والمكان يمكن دراستهما بشكل مفيد بعلاقتهما مع المرجعية Deixis المكانية. والتكميم ظاهرة يسهل تحديدها نسبياً، وبالتالي يمكن النظر فيها بمعزل عن الظواهر الأخرى، والتصنيف الذي يقترحه ب بوتييه في كتابه: "اللسانيات العامة"، للظواهر المذكورة هنا يتجنب تحميل رتبة "الموجِّه" فوق ماتحتمله. وهو يميز أربعة أنماط من الصياغات التوجيهية MODALE والحديثية LOCUTIVES والنوعية والكمية.‏
              أما الموجهات حصراً، فلا تشكل سوى مجموعةٍ فرعية من الصياغات FORMULATIONS التوجيهية.‏
              ث- خاتمة:‏
              إنَّ الألسني الذي يسعى إلى تعريف مفاهيم فعّالة operatoires لا يمكنه الاستفادة من مفهوم الموجِّه إلا إذا قلل من عموميته، وإحدى الطرق الممكنة لذلك هي، قبل كل شيء، استلهام المفهوم المنطقي، والاهتمام الشديد بأقل الأدلة indice الشكلية لخاصيةٍ وتوجيهيةٍ معينة، وأيضاً وضع حدٍ، - مهما كان واهياً- بين الموجِّه من جهة والإنجازية performativite من جهة أخرى، وإذا ما اتبعنا هذه الطريقة فسنصل إلى تمييز الموجِّه عن الظاهرة العامة التي ينتمي إليها و التي يمكن تسميتها بالتوجيه modalisation وتعريفها على أنها انعكاس في اللغة لحقيقةِ أنّ مايمكن للإنسان أن يكونه أو يشعر به أو يفكر به أو يقوله أو يفعله يندرج في إطار منظور خاص.‏
              (1) إن "جملة" المقول المدرك من ناحية منطقية بحتة) تعتبر عموماً جملة مؤلفة من عنصرين هما: المحمول، وماينطبق عليه، أي سنده.‏
              (2) انظر لاحقاً ص 60-62.‏
              (3) الذي ظهرت طبعته الاولى عام 1932.‏
              (4) انظر لاحقاً ص 86-89.‏
              (5) انظر: أ. ج.غريماس نحو نظرية للموجهات، مجلة LANGAGESع 43 أيلول 1976 ص 90-107.‏
              (6) وهكذا يقوم بـ بوتييه في مقالة له عنوانها أصوات اللغة الفرنسية، بتميز خمس عمليات ملفوظية هي:‏
              الاسناد PREDICTION والموضعة THEMTISTION والتبئير أو التركيز FOCALISATION واختزال القوة الفعلية PEDUCTIOND, ACTANCE وهي عمليات تسمح تركيباتها الممكنة بالحصول على عدد كبير من الملفوظات لها فيما بينها علاقات مماثلة PARAPHRASE انطلاقاً من نفس الترسيمة الذهنية الإدراكية ت إ د) مثلاً: عدد أكثر من أربعين انطلاقاً من ت.إ د). دركي أوقف سارقاً [الفعل بالفرنسية جاء بالمصدر arrerer م] كما ينبغي تحديد أنه من بين الملفوظات التي قام المؤلف بإحصائها ليبين أن تعدد العمليات الملفوظية وتنوع تركيباتها لا يتداخلان إلا ضمن النطاق الأدنى: "التصييغات" و "التوجيهات" و"الخطابيات" LOCUTIVES و"الكميات" و "النوعيات"؛ انظر حول هذا الموضوع كتاب ب. بوتييه: اللسانيات العامة، ص 157 وما بعدها.‏
              (7) طالما اعتبرت الموجهات من أدق مسائل التفكير حول اللغة.‏
              (8) هو المفهوم الذي تقترحه كل من أ. جولي و د. رولان في مقالة: من أجل مقاربة نفسالية نفسية + آلية) psychomecaniqye للملفوظية. مطبوعات ليل الجامعية 1980، ص 105- 142.‏
              (9) جولي ورولان مرجع سابق، ص 113.‏
              (10) حول "الموجهات التعبيرية" يشير المؤلفان إلى أنهما أخذا هذه التسمية عن غ. غيوم لكنها لا تبدو لهما مقنعة، إذ تجعلنا نعتقد بأن الموجهات الأخرى ليست تعبيرية، في الوقت الذي هي كذلك كلها تقريباً.‏
              (11) مرجع مذكور، ص 118.‏
              (12) انظر مرجع سابق، ص 115، رقم 1.‏
              (13) انظر سابقاً ص 66-67.‏
              (14) إن استخدام هذا التعبير، يعني على أية حال، أننا عاجزن عن الزعم برسم حد واضح لا نقاش فيه بين ماهو موجه وبين ماهو غير ذلك. ويبدو مفهوم المجموعة الاتصالية CONTINUUUM ضرورياً أكثر من أي وقت مضى بالنسبة للألسني حينما يدرس الموجه. أما الاستثناءات أو الاستبعادات التي يمكن أن يقترحها، إذا أراد تضييق المجال، سيكون لها طابعاً منهجياً حتى لو حاول تبريرها باعتبارات نظرية.‏
              (15) هذه العبارة أخذناها عن H. PARRET انظر: براغماتية الموجهات: عدد 43، ص 54، 55)، مؤلفون آخرون من علماء المنطق واللسانيين يقابلون "الموجهات الأصلية" أو STRICTOSENSU) بـ "الموجهات المجازية IMPROPRES" LATOSENSU).‏
              (16) اللسانيون من أتباع غيوم يضعون تعدد المعاني POLYSEMIE في مستوى الخطاب، ويجهدون أنفسهم في العثور على القيمة الموحدة، على مستوى اللسان، وهي القيمة التي تسمح بتنوع آثار معنى التشكيل مورفيم) الواحد، انظر: سيرفوني: تعدد معاني حرف الجر الإيطالي da، أبحاث في اللسانيات والأدب ستراسبورغ).XVIII.، 1، 1980، ص 277- 237.‏
              نشير إلى محاولة مماثلة مع أنها لا ترجع إلى نظرية غيوم) تتعلق بالفعلين الموجهين: استطاع، وجب: انظر: ج.ب. سيور: هل الأفعال التوجيهية غامضة؟ في : المفهوم الدلالي- المنطقي للموجه- منشورات كلينكسيك 1983 ص 165- 172.‏
              (17) في مقالة: مقولات الفكر ومقولات اللسان: في كتاب قضايا اللسانيات العامة، ج1، الفصل السادس.‏
              (18) انظر لاحقاً.‏
              (19) MODE صيغة، بمعنى تحديد الجملة المشابهة، من حيث طبيعتها، للجملة التي تحملها الصفة إلى الاسم أو الظرف إلى الفعل، وهذا التعريف مستوحى من التعريفات التي نجدها في كتاب القديس توما PROPOSITIONBUS MODALIBUS انظر مقتطفات من هذا الكتاب استشهد بها ف. نيف NEF في DICTO, DE RE DE عبارة باركان ودلالية العوالم الممكنة، لانفاج عدد 43.‏
              (20) التعبير عن الضرورة الخالية من أية مشاركة لمكونات مثل تلك الهادفة إلى بلوغ نتيجة معينة و/أو إلى توافق مع معيار معين لا نجدها مطلقاً على الأقل حينما لا تحملها صفة الضروري أو كلمات تنتمي إلى نفس العائلة) إلا في مجال المنطق الأخلاقي ALETHIQUE ومجال تطبيقاته. وقد يتخذ هذا التعبير نمطين من الأشكال: "هذه الخاصية تنتمي بالضرورة إلى س "أو" ينجم عن ذلك، بالضرورة أن... "في مثل هذه التعابير لا يكون الظرف ADVERBE بالضرورة سوى مكافئ - في اللغة الطبيعية مثل الفرنسية- لرمز OpRERATEUR الضرورة....، في اللغة العادية عموماً ما نلجأ إلى الفعل المساعد وجب FALLOIRE ، مثل : ينبغي أن يكون الباب إما مفتوحاً أو مغلقاً.‏
              (21) انظر ص 53 حاشية رقم 3.‏
              (22) يذكرنا عالم المنطق كالينوفسكي أن ليبنز كان أول من أوضح تلك التماثلات، إلا أن توما الاكويني كان قد استشفها قبله انظر كالينوفسكي لمحة موجزة عن الموجهات الوجوبية DE CONTIQUES، مجلة لانفاج عدد 43، ص 12-13.‏
              (23) معالجة المكممات التي يقترحها علم الدلالة التوليدي تهتم ببعدها وذلك باللجوء إلى إقامة مستندات، وعلى هذا يمكن تحليل جملة : بيير قرأ عدة صحف إلى الصحف[ التي قرأها بيير]) [أهي عديدة].‏
              (24) لا يجوز استبعاد الرتب الأخرى لكلمات: انظر، القيمة التقويمية للتعبير الجملي بفضل كذا في مقابل: بسبب كذا) . لكن قد لا يكون مجدياً وضع قائمة بالكلمات التي تقتضي التقويم في الخطاب. من شأن التكرار الملح، والتنغيم الخاص، وأثر الصوت والحركة المرافقة، أن يحول عبارات إلى تقويمية لم تكن كذلك مسبقاً. وقد بينت كاترين كيربرا - اوريكيوني ينظر النص الأول كيف تظهر في الخير والشر) انظر نزهة في أراضي الوجوب وفي كتاب : استراتيجيات خطابية ص 80-82 وفي كتاب: الملفوظية: حول الذاتية في اللغة، لاسيما الصفحات 82-83- و 125-127.‏
              (25) وذلك بأن نضع أنفسنا في مرحلة أولى، على المستوى المفهومي، وأن نعتمد مسعى دراسة الأعلام، وهو مسعى له مايبرره، في حال الموجه، وذلك في غياب الخصائص الشكلية المميزة تماماً، وهو مايضطر الألسني للانطلاق من فكرة الموجه لاستخلاص تجلياته في الخطاب.‏
              (26) انظر سابقاً ص 75، وص 75 الحاشية رقم 1، حيث مفهوم اللزوم غائب عنه تماماً.‏
              (27) سنعتبر أن الموجه يكتسي تعبيراً متميزاً في الحالة التي تكون فيها الوحدات المعجمية أو الشكيلات التي تحمله الموجه) ممكن، مؤكد، ممنوع، استطاع، عرف،وجب - قابل لـ: able, ible, uble) معبرة فقط أو بشكل أساسي عن مفهوم توجيهي وجوبي، معرفي، أو أخلاقي) يمكن أن نقابل هذه الحالة مثلاً بحالة يكشف فيها عن الموجه بواسطة صيغة فعلية سواء أكانت دلالية أم نصبيّة، والأفكار الناظرة idees regardantes لنظرتي الاحتمال والإمكان، تبعاً لنظرية غيوم التي تفسر استخدام الـindicatif والـ subjonctif، تلك الأفكار تكون عندها إما مستترة أو مندمجة في وحدات معجمية وشكيلات وتعابير أو سياقات لا تكون دلالتها بالضرورة توجيهية، لذا يسعنا القول بأننا إزاء تعبير خاص بالموجه، لكن هذا لا يستتبع أبداً أننا قادرون على استبعاد تلك الأفكار المقتضبة من دراسة الموجهات.‏
              (28) انظر أعلاه، ص 65، حاشية رقم 1، وص 74 حاشية رقم 3.‏
              (29) -أي، أ- هي جزء من المفاهيم التي اقترحناها سابقاً، وهي أن نعتبر في اللسانيات، بمثابة موجهات نواتية، NUCLEARES، ب- وتحدد في البنية المنطقية للجمل، جملة تامة.‏
              (30) يتميز علم الدلالة الذي جاء بعد سوسير بالبحث المنتظم عن البنية المنطقية خارج العلاقات والتدرجات التي يظهرها مجرد التحليل إلى مقومات مباشرة. ويمكن اعتبار مسعى شومسكي كمرحلة تقود إلى ذلك البحث. لكن هذا البحث لايغدو فاعلاً إلا بعد اللحظة التي لا تقف فيها عند حدود العلاقات القائمة بين الوحدات المعجمية للملفوظ، وحيث تهتم بالبنية المنطقية الداخلية للكلمات. وهذا مايضطلع به علماء الدلالة التوليديون، حينما يحللون، على سبيل المثال الوحدة المعجمية TYER يقتل، إلى مسندات PREDICATS ذرية متدرجة: تحمل FAIRE أصبح DEVENIR ) [ غير حي]).ومثل هذا المسعى نجده لدى ب. بوتييه الذي يعتبر الاسم SUBSTANTIF "جملة مندمجة" انظر تفكرات حول علم الدلالة في كتابه: علم الدلالة والمنطق، منشورات MAME 1976 ، ص 6؛ وكذلك في كتابه: اللسانيات العامة، الفصل المخصص "للاندماجات" ص 143-156).‏
              (31) قيمتها الانجازية الأقل ثباتاً من قيمتها التوجيهية، ستصبح ثانوية بالقياس إلى هذه الأخيرة انظر لاحقاً ص 97 رقم 3.‏
              (32) باستثناء لازم CONTINGENT.‏
              (33) في مقالة عنوانها: حول صياغة الموجهات في اللسانيات مجلة لانفاج، ع 43، ص 39-46) يعتمد برنار بوتييه التسميات التالية: 1) الإمكانية الداخلية؛ 2) الإمكانية الخارجية؛ "الإمكانية المحايدة" ويرى ج.ب. سييور مرجع مذكور) معنى رابعاً لـ : استطاع في الحالات التي يكون فيها س "غير محدد" أي لا يهم سواء كان حياً أم جامداً كما في: س يسمح لـ ع بـ : ص التي تحاكي جملة مثل: س يستطيع ع.‏
              (34) ج. كليبر : الاستخدام "المشتت" لفعل استطاع POUVOIR في اللغة الفرنسية، في كتاب: المفهوم الدلالي- المنطق للموجه، منشورات كلينكسييك، 1983.‏
              (35) - المكمم الوجودي هو الذي يحول الجملة إلى محمول، وهذا بحث طويل في علم المنطق متر).‏
              (36) الفعل المساعد AUXILALRE وفي أدق معانيه، هو عبارة عن شكل فعلي يكمن دوره في تزويد فعل آخر مصرف في صيغة اسم المفعول أو الفاعل أو بصفة المصدر، بفئات شكلية تنقصه: الزمن، الصيغة MODE الشخص، المظهر، وفي حالة الأفعال المساعدة للصيغة نضيف فئة الموجَّه وهي فئة دلالية أكثر منها شكلية). ومساعدة هذه الفئات لا تنقص من شأن النقطة الثانية من التعريف المقترح سابقاً ص 79) من وجهة نظر منطقية فإن: يمكنه المجيء يتضمن جملة مندمجة تماماً كما يتضمنها الملفوظ: من الممكن أن يأتي.‏
              (37) انظر .....) حيث يستخدم غريماس في مقالته المذكورة "مربعاً" هومربع الموجّهات الإرادية BOULESTIQUES يبين تشابهه مع المربع المعرفي:‏
              (38) PUISSE- T- IL , PUISSES- TU- لواستطعت، لو استطاع) + مصدر: تركيب نجده في استخدام صيغة النصب" بالزمن الحاضر، ويتضمن قيمة التمني OPTATIF في DUSSE- JEEN MOURIR = بمعنى حتى لو كلفني الموت في سبيله) فإن صيغة الـ SUBJONCTIF IMPARFAIT يدل على "افتراض" أقصى غيوم) = MEME SI= حتى لو). أما بالنسبة لـ FALLOIR = وجب فالرفض فيه بديهي، لأن هذا الفعل هو فعل وحيد الشخص.‏
              (39) فعل VOULOIR = أراد، يمكنه مع ذلك أن يأخذ ماضيه الناقص IMPARFAIT من صيغة الإدلال INDICATIF في حال تحريضنا لأحدهم لكي يحرك إرادته مثال IL SUFFIT DE VOULOIR POUR POUVOIR = يكفي المرء أن يريد لكي يستطيع أو : إذا كانت عندك الإرادة للقيام بشيء فستقدر عليه. و ! EN BIEN VOULEZ = حسناً، لتكن لديك الإرادة، وهذا استخدام خاص حيث يعامل فعل "أراد" على أنه فعل للفعل.‏
              (40) انظر بشكل خاص، كتاب : "الزمن والفعل"، ص 46-48 و "اللغة وعلوم اللغة" نظرية الأفعال المساعدة وتفحس الوقائع الملحقة)، ص 73-74 و درس 1984-1949 مجموعة A: ولاسيما " درس 1949-1950" مجموعة A ص 123-129.‏
              (41) - أسبقية منطقية أو بتعبير خاص بغيوم "وجود مفهوم مسبق" موقع سابق في تتابع فكري وبخصوص العلاقة بين التدرج الزمني والمنطق هناك ملاحظة لغيوم تفتح التفكير نحو مجال واسع جداً: "التسلسل الفكري للكلمات المرتبط بالمنطق يميل إلى البروز في العقل كنوع من التدرج الزمني المجرد والشاهد على ذلك الاستخدام المعتدل لـ: أولاً وبعد ذلك. نظرية الأفعال المساعدة.. ص 74 رقم 4".‏
              (42) نظرية الأفعال المساعدة... ص 73.‏
              (43) في الـ CHRONOGENSE عملية يمنح العقل لنفسه من خلالها تمثيلاً للزمن ينطلق من الأكثر افتراضاً إلى الأكثر حالية أو تحقيقاً) يكون الـ SUBJONCTIF سابقاً على الـ INDICATIF.‏
              (44) دروس 1949 - 1950 مجموعة A ص 126.‏
              (45) انظر في علم النفس الميكانيكي ونظريات الملفوظية، ص 59-60، ذلك المقطع من كتاب لم ينشر لغيوم، ذكره ج، كولاردو في دراسة عنوانها، "بعض المعالم الغيومية وبعض التفكرات".‏
              (46) من منظور مختلف عن ذلك الذي اعتمدناه، فإن الموجه "اعتقد" و الموجه "عرف" يمكن أن يقدما على أنهما أكثر أساسية من الموجهات الأخرى التي تفترض كلها، وبشكل مسبق، هاتين الحالتين المعرفيتين انظر الكسندريو: حول الموجهين: اعتقد وعرف، مجلة لانغاج، عدد 43 ص 19-27.‏
              (47) دراسات في الانتظامية- النفسية الفرنسية، ص 119 إلى 136.‏
              (48) مثل admiradle علينا أن نعجب، eligibe يمكن انتخابه.‏
              (49) انظر: النفسالية ونظريات الملفوظية، ص 67-68.‏
              *)SEME سيم) وبترجمة د. محمد مفتاح بالمقوم انظر تحليل الخطاب الشعري): هي الوحدة الدلالية الدنيا غير القابلة للتحقيق بشكل مستقل، فمثلاً كرسي يتكون من س1 س2 س3 س4: ذو مسند+ على أرجل+ لشخص واحد+ للجلوس. ويرادفه بالمعنى المكون الدلالي أو السمة الدلالية.. [متر].‏
              (50) الظاهرة المشار إليها بهذا الشكل يمكن تقريبها من "الأدماجات" الإدماجات INREGRATIONS‏
              (51) أشرنا سابقاً أن الاسم بالنسبة لبعض الألسنيين، هو عبارة عن "قضية أو جملة مندمجة" نضيف أن هذه النظرية لا تقتضي أنه ينبغي اعتبار الصفة بمثابة الواصف للجملة المستترة التي قد تكون للاسم في أي ركن اسمي يتضمن صفة وصفية. فمثل هذا التأويل من شأنه الإفضاء إلى نتائج عبثية ليس فقط في الحالة التي يدل فيها الاسم على كائن حي أو غير حي مثال: الحيوان الشرس، الطاولة البيضاوية) إنما أيضاً حينما يتعلق الأمر باسم الحال مرض الشرس) أو اسم الفعل مجيئه المتأخر). لابد إذ من القبول بأن الصفة تصف بشكل عام الاسم نفسه وليس الجملة المستترة فيه.‏
              (52) - صفات المربعين الوجوبي ALeTHIQUE والأخلاقي DEONTIQUES تستدعي النصب SUBIENCTIF ، أما صفات المربع الصرفي EPISTEMIQUE فبعضها يستدعي الـ INDECATIF أو الـ SUDJONCTIF وبعضها الآخر الـ CERTAIN: SUDJONCTIF متبوعة بالـ INDICATIF وكذلك PROBABLE في أغلب استخداماتها حينما لا تتغير دلاتها، فإذا تغيرت بسبب حد أو عبارة ذات قيمة سلبية نفي، ظرف دال على الكمية، عبارة دالة على الاستفهام، أو الافتراض)، يمكن أن يكون لدينا هذه الصيغة أو تلك، وكما بين، مارتان انظر كتابه من أجل منطق للمعنى ص 120-126) في سياق معرفي EPISTEMIQUE حيث يتدخل نفي ما فإن تأثيره قد يكون مبكراً ويصيب الموجه نفسه، عندئذ يكون لدينا الـ SUBJONCTIF أو يكون متأخراً فيصيب الجملة الموجهة سلفاً. في هذه الحالة استخدم صيغة الـ INDICATIF لذلك يمكننا أن نقول أيضاً بيير غير متأكد من أن صوفي عائدة REVIENNE و بيير غير متأكد من أن صوفي ستعود REVIENSRA إن الأثر المبكر من خلال استخدام صيغة SUDJONCTIF ) أوالمتأخر INDECATIF) للسَلْبَنَة يعبر عما كان يسميه غيووم بـ "الهدف الآني للخطاب" بكل مافيه من "دقة". EXCLU, CONTESTABLE يستدعيان عموماً الـ SUBJONCTIF لأن هاتين الصفتين نحس بهما على أنهما سلبنة لتناقضاتهما. نشير أيضاً إلى الصفة POSSIBLE ممكن حتى لو استخدمت بقيمة معرفية فإنها تستدعي عموماً الـ SUBJONCTOF، وهذا مايبدو أنه يشير إلى أن هذه الصفة على العكسر PROBABLE نحسب بها وكأن لها قرابة مع فكرة اللاكينونة) اللا وجود NON E- TRE أكثر من قرابتها مع فكرة الكينونة. السلبنة: هي التحويل إلى موقف سلبي مجرد اقتراح [المترجم]).‏
              (53) - انظر سابقاً ص 47، رقم 3.‏
              (54) أي تجعله افتراضياً و محيّنة محققة): تحقيق الفكرة أو جعلها آنية المترجم).‏
              (55) تجدر الإشارة إلى أن الرابط si= إذا، له خاصية منح الفعل الذي تحكمه، قيمة افتراضية ، لكن هذا الفعل لا يمكن أن يكون بصيغة الـ subjonctif وهي صيغة لها قرابة مع الافتراض ولا حتى مع أشكال الإدلال الـ INDICATIF صيغتا المستقبل) التي تتضمن نوعاً من الافتراض، بمعنى آخر حينما يضطلع الرابط SI= إذاً بالتعبير عن الافتراض HYPOTHESE فإن شكل الفعل نفسه لا يعود يتحمل مسؤوليته البتة.‏
              (56) نشير إلى أن المؤكد CERTAIN والواقعي REEL يشكلان درجتين من درجات المحتمل PROBABLE.‏
              (57) بسبب عدم التلاقي هذا، يمكننا اعتبار أن الاستخدامات التي كشف عنها بعض النحويين انظر : من أجل منطقٍ للمعنى ص 105-106 مثل استخدام الـ SUBJONCTIF بعد IL EST PROBABLE QUE = من المحتمل أن...، والـ INDICATIF بعد IL EST PROBABLE QUE = من الممكن أن، لا تشكل الاستخدامات) "أمثلة مضادة" تنال من صحة نظرية غيّوم.‏
              (58) إذا تلاقى "الممكن" تبعاً لغيوم من "الممكن" تبعاً للمربع الأخلاقي ALETHIQUE ...) يبقى علينا شرح سبب أن الضروري وكذلك مفاهيم المربع الوجوبي DEONTIQUE من شأنها استتباع صيغة SUBJONCTIF . والواقع أن "ممكن" غيّوم يتضمنها جميعاً لكن بالنسبة لمارتان فإن مفهوماً دامجاً كهذا يظل غامضاً وبالتالي لا يكون فاعلاً OPERATOIRE وبالتالي فهو يقترح الاستعاضة عنه بمفهوم الصيغ الممكنة MODES POSSIBLES الذي يسمح بشكل خاص بإقامة علاقة واضحة بين الممكن والضروري كما يتبين من التعاريف التالية مرجع مذكور): "ب ممكن على الأقل إذا وجد عالم يكونن فيه ب صحيحاً . ب ضروري إذا وجد ب في كافة العوالم الممكنة".‏
              (59) إذا أخذنا بعين الاعتبار المناقشة التي تلت مداخلة ر. مارتين حول "صيغة SUBJONCTIF والحقيقة "في ندوة متز المنعقدة في 5-6-7 ت2 عام 1981 انظر: المفهوم الدلالي المنطقي للموجه، وثائق الندوة، كلينكسيك ، ص 123-127.‏
              (60) يلاحظ القارئ أن الأمثلة كلها تتعلق باللغة الفرنسية مما يجعل أمر فهمها صعباً، لكن المهم كما قلت في التقديم- هو منهج البحث [المترجم].‏
              (61) سيجد القارئ عرضاً لنظرية أوستين في الفصل الرابع من الكتاب.‏
              (62) لا يقل وضوحاً عن هذا قيمة فعل الموجه الجملي الوجوبي مثل: يمنع أن.. أو كذا) مثال: يمنع تجاوز الخطوط الحديدية .‏
              (63) سبق وأشرنا، بخصوص "الموجه التقريري ASSERTIVE كيف يكون التعبير عن الاعتقاد بمثابة فعل ACTE.‏
              (64) مع ذلك فإن القيمة الفاعلة ILLOCUTIONNALRE للأفعال المساعدة AUXILIAIRES التوجيهية أقل تكراراً من قيمتها التوجيهية MODALES ويمكن للمتحدث أن ينقل عن شخص ثالث، واجباً أو سماحاً، أو منعاً لا يكون هو نفسه مسؤولاً عنه: مثال بعد الفضيحة، لابد وأن بيير قد نفى نفسه... توجب عليه أن ... أجُبر على....) في هذه الحالة، فإن الفعل المساعد لا يعني أبداً فعلاً قام به أنا إزاء أنت.‏
              (65) مسألة انتمائها إلى الموجهات تجدها لاحقاً في المقطع المخصص لإمكانيات الاستبعاد.‏
              (66) على الأقل هكذا تؤول الأسطر الأخيرة ص 397) من المقالة الموسومة الزمن الموجه في اللسان)" في الوقت الذي تقدم فيه الموجهات بوضوح الطابع الإسنادي الخارجي EXTRA - PREDICATIF فهي تسعى للالتقاء بفئة أعلى من أفعال الكلام، ربما في هذا الإطار قد تعالج يوماً ما بشكل منهجي.‏
              (67) انظر مقالة : براغماتية الموجهات، في مجلة لانفاج عدد 43، ص 47-63.‏
              *) نقول عن مجموعة مميزة أنها مُستبعدة حينا لا تنتمي باعتبارها مجموعة فرعية) إلى مجموعة أخرى محددة. [متر]...‏
              (68) انظر ص.‏
              (69) ينتج عن تطبيق معيار الاستبعاد هذا إناطة دور مايكون توجيهياً تارة، وطوراً غير توجيهي، ببعض الصفات، وذلك حسبما تحدد هذه الصفات جملة صريحة أو مستترة) مثل: من المفيد أن أجاب بيير بهذا الشكل، أو اسماً غير قابل للتحليل إلى جملة مثل: هذا الكتاب مفيد. في هذين الاستخدامين تبقى القيمة الدلالية للصفة: مفيد = INTERESSANT نفسها بشكل ملموس، إذ أنها تترجم فيهما تقويماً إيجابياً صادراً عن المتحدث. وكما يفعل بعض اللسانيين، يمكننا الاستناد إلى الهوية الدلالية التقريبية لمقومات هذا النوع في مختلف الأحوال التركيبية حيث نعثر عليها كي نقول أنها توجيهية في كافة استخداماتها، وبهذا نتجنب تقسيم التقويمات إلى توجيهية وغير توجيهية وعندها لاشيء يتعارض مع اعتبارنا لها كلها على أنها توجيهية، الفائدة هي أن تجانس وبساطة تعريف الموجهات يبقيان على حالهما لأننا لا نخلط علم التركيب مع علم الدلالة. السببان اللذان يجعلاننا نستبعد وجهة النظر هذه يمكن تلخيصهما كما يلي:‏
              1- لأن وجهة النظر هذه تؤدي إلى توسيع للموجه لا حدود له، ولأنها تفترض نفس التحليل للعلاقة القائمة بين الصفة، والاسم في "الفاكهة الممنوعة" و"الفاكهة المرة". أن عدم تمييز هاتين الحالتين يبدو لنا بمثابة إفقار ليست اللسانيات محكومة به.‏
              (70) انظر سابقاً ص 90.‏
              (71) ب. بوتييه : "حول الموجهات" ص 73.‏
              (72) لأن ضرورة أخذه بعين الاعتبار فرضت نفسها لوجود عناصر، في بعض الملفوظات، لا تعود على عنصر آخر من عناصر الملفوظ. ولا على المجموعة من العناصر، ولا على جملة صريحة كانت أم غير واقعة تحت عنصر من عناصر الملفوظ) إنما تعود على القول DIRE نفسه: نذكر: - "ظروف الملفوظية"، صراحة، صدقاً، حقاً، في استخدامات مثل: بصراحة، من الممكن أن يكون، مريضاً، أو: صدقاً: هل يمكن أن يكون مريضاً؟... -"سببات القول" مثل: إنه مريض، بما أنك سألت، أو قلها بما أن الحسد يقتلك...- العبارات التي تحدد مشروعية القول: إذا سمعت، إذا جاز لي القول، إذا لم أكن مخطئاً.. انظر، ر.مارتين: من أجل منطق المعنى ص 240) من غير الممكن أن تغزو وظيفة ما لهذه الظروف والعبارات دون ربطها بالقول المستتر المقدر). بعض النحويين التوليدين الذين شغلتهم هذه القضية، طرحوا في البنية العميقة للجملة مايسمى بـHYPER-SENTANCE تتضمن فعلاً : يقول، يأمر أو يطلب، بالنسبة لـ ج. لاكوف، انظر اللسانيات والمنطق الطبيعي، كلينكسييك 1976، ص 19-32) الأمر يتعلق بفعل إنجازي وبمسندٍ تقوم حججه على : أنا، أنت ، وعلى مجموع الملفوظ. مايغير ظروف الملفوظية وعناصر أخرى مشابهة، هو هذا المسند PREDICAT المقدَّر.‏
              (73) بعضهم يضيف إلى المظهر والصوت VOIX‏

              إذا الشعب يوما أراد الحياة
              فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
              و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
              و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

              تعليق


              • #8
                رد: الملفوظية - جان سيرفوني -

                الفصل الرابع: أفعال اللغة ACTES DE LANGAGE
                لاحظنا في الفصل الأول أنَّ للملفوظ قيمة الفعل ACTE الذي هو جزء مكّون لمعنى ذلك الملفوظ. ومن أكثر المؤلفين الذين ساهموا في فرض هذه الفكرة، الفيلسوف الإنجليزي أوستين J. L. AUSTIN وتشكل هذه الفكرة خلاصة دراسة الإنجازيات PERFORMATIFS.‏
                وهي الدراسة التي خصها الفيلسوف المذكور بكتاب عنوانه HOW TO DO things With words ، وهو عبارة عن مجموعة من اثنتي عشرة محاضرة نُشرت عام 1960، أما عنوان الترجمة للكتاب والتي ظهرت عام 1970، فهو quand dire c, est faire.(1)
                سنعرض مايلي خلاصة أفكار أوستين). ثم نسوق مثالاً على مناقشات الألسينين حول الإنجازية من خلال التحليلات الحديثة التي ندين بها لـ: ف. ريكاناتي -F.RECANATI.‏
                1- القول هو الفعل:‏
                أ- الملفوظات التقريرية والملفوظات الإنجازية(2) :‏
                1- الإنجازيات ملفوظات لا صحيحة ولا خاطئة:‏
                تعريف الإنجازيات: هناك عدد كبير من الملفوظات التي لا تستخدم لوصف الحالة الراهنة للأشياء، وبالتالي لا يمكن أن نعزو إليها قيمة الحقيقة الصح)، كما هو حال الملفوظ التالي:‏
                أُطْلِقُ على هذه المركب اسم الملكة اليزابيث.‏
                أو أُعَمّدُ هذا المركب باسم الملكة اليزابيث.).‏
                إن ملفوظات من هذا النوع لاتصفُ ولا تقصُّ ولا تلاحظ شيئاً على الإطلاق، وهي ليست صحيحة أو خاطئة. وملفوظيتها عبارة عن تنفيذ لعمل ما. فقولك: "أُعَمِّدُ= اسميّ". ليس وصفاً لما أنت بصدد فعله حينما تقول ماتقول، ولا هو تأكيد على القيام به، إنما هوالفعلُ نفسه، من هنا جاءت عبارة الإنجازي PERFORMATIF التي اعتمدها أوستين للدلالة على تلك الملفوظات ولمقابلتها بتلك التي يسميها بالملفوظات الوصفّية constatif على اعتبار أن الفعل الانكليزي Toperform يعني = أنجزَ).‏
                ب- الظروف المتلازمة: مع ذلك يمكننا ملاحظة أن ملفوظية تلك العبارات لا تُنْجَزُ العملَ الذي تذكره إلا إذا كانت الظروف التي نتجَت فيها، ظروفاً مواتية، فملفوظية ENONCIATION".‏
                أُعَمِّدُ = أُسَمّي... "لا تُنَفّذُ عملَ التعميدِ أو التسميةِ إذا لم أكن ذلك الشخص المفّوض لإنجاز ذلك التعميد، وإذا لم أُرِفق قولي ببعض الأفعال= الأعمال الأخرى مثل فِعْل تحطيم زجاجة على هيكل المركب المراد تعميده.‏
                بالنسبة للإنجازّيات الأخرى مثل أَعِدُ...)، أُقسمُ...) فإن العناصر الملازمة التي يكون وجودها ضرورياً لحسن تنفيذ إنجاز) العمل الذي يشير إليه الفعل القواعدي VERBE، فهي أفكارٌ، ومشاعرٌ، ونوايا، بفضلها لا يظلُّ الوعدُ أو القسمُ "أجوفين" أي "مجرد كلام".‏
                غير أن الاختلاف لا أهمية له، وفي كل الأحوال، فإن العبارة الملائمة لوصف ملفوظيّة إنجازيّة ناتجة بمعزلٍ عن توفر العناصر الملازمة والضرورية لحسن تنفيذها، هذه العبارة هي أنها "ملفوظية تعيسة وليست عبارة "خاطئة".‏
                2- الملفوظية الفاشلة LES INFELICITES *) :‏
                في المحاضرات الثانية، والثالثة، والرابعة يقيم أوستين تمييزات متنوعة بين الفشل INFELICITES أو الخيبات أو بين التي من شأنها التأثير على الإنجازيّات.‏
                وبعد أن حاول أوستين تصنيف الفشل INFELICITES، راح يتساءل عمّا إذا كان للتعارض بين الملفوظيات الوصفية CONSTATIVES والملفوظيات الإنجازية، علاقة وثيقة بذلك التعارض القائم بين الملفوظيات الصحيحة أو الخاطئة من جهة والملفوظيات الناجحة أو الفاشلة من جهة أخرى.‏
                لكن معاينة الوقائع أجبرته على التخلي عن فكرة معيار كهذا. فمن جانب، يقتضي نجاح الملفوظّية الإنجازّية أو التقريرية، بالمعنى الأعم للعبارة، حقيقة عدد معين من التأكيدات، فمثلاً، ملفوظية الإنجازي" "أعتذر" إذا كانت ناجحة، تقتضي حقيقة التأكيدات التالية:‏
                "هو في صدد الاعتذار، أو يأسف لأنه تصرف بهذا الشكل" أو "ليس في نيته إعادة الكرّة".‏
                ومن جانب آخر، فإن الفشل أو الإخفاقات المشابهة لتلك التي وصفناها بخصوص الإنجازيات، من شأنها التأثير على الملفوظات التقريرية، مثل:‏
                عدم الصدق، إذ من شأنه أن يتعلق بالتأكيد كما يتعلق بالوعد، وقولك: "هوكذلك = IL EN EST AINSI" دون أن تؤمن بذلك، يوازي قولك "أعد" دون أن تكون لديك النية في اتباع القول بالفعل. عندها يكون التمييز الأولي بين التقريريات والإنجازيات مجدّداً. فهل يسعنا إنقاذه عن طريق استخلاص معيار قواعدي من الإنجازيّة؟‏
                3- البحث عن معيار قواعدي للإنجازية:‏
                أ- الشكل الفعلي= الكلامي والإنجازّية.‏
                غالباً مايكون للملفوظات الإنجازّية فعل قواعدي مصرف مع الشخص الأول المفرد ضمير المتكلم)؟ زمن الحاضر بصيغة الإدلال INDICATIF وبال المظهر المعلوم - VOLX ACTIVE، ولكن ليس بالضرورة أن يكون الملفوظ: "مسموح لك بالخروج، على سبيل المثال معادلاً الملفوظ "اسمح لك بالخروج" لأنهما ملفوظان إنجازيان" زد على ذلك، أن هذا الشكل نفسه، نجده في الملفوظات التقريرية مثل: "..." أركض").‏
                ب- الشخص الأول بزمن الحاضر: ومع ذلك من المفيد أن نتنّبه إلى مايفرق الفعل الإنجازي عن الفعل غير الإنجازي المصرّف مع الشخص الأول من الزمن الحاضر- لنأخذ كمثال "أراهن" و "أركض": فعلاقتهما مع الأشكال الأخرى للتصريف ليست واحدة.‏
                إذ أن الفعل القواعدي: يرحل PARTIR هو فعل إنجازي حينما يكون مصرفاً مع الشخص الأول ضمير المتكلم) من زمن الحاضر، وتقريرياً في كافة الأشكال الأخرى، ويكون أمرياً إذا تمّ تحييده، أما الفعل يركض) فهو تقريري في كافة أشكاله بالإضافة إلى الأمر. وقولك: "أركض" لا يمكنه التأثير أبداًفي عمل أو فعل الركض. وقولي : "أركض"، يعني وصف أنني بصدد الفعل= العمل، أو بوصف ما أقوم به عادةً.‏
                4- الإنجازيات الأولية والإنجازيات الصريحة:‏
                أ- حالة الأمر: من الهام أيضاً تفحص حالة الأمر، فمهما كان الفعل القواعدي، فإن الملفوظ الذي يتضمن الأمر يستخدم لإنجاز عمل ما، لكن هل نملك نمطين من الإنجازية في ملفوظين مثل : "اذهب" و"آمرك بالذهاب"؟... نلاحظ أن من تتجه إليه أيُّ من هاتين الملفوظيتين، يكون قادراً على وصفهما، سواء تعلق الأمر بهذه أم بتلك، حينما نقول إننا نأمره بالذهاب. ومع ذلك فهناك فرق: ف: "آمرك بالذهاب" ملفوظ يتضمن إشارةً محددةً حول الفعل الذي تنجزه ملفوظيتهُ: إنه أمر ولا شيء غير ذلك، أما "إذهب" فهو ملفوظٌ غامضٌ أو فيه لبس: فقد يكون أمراً، أو نصيحةً، أو رجاء، الخ.... ولتمييز هذين النمطين من الإنجازّية فإن أوستين يسمي الألفاظ التي يمثلها الملفوظ "آمرك بالذهاب" بالإنجازيات الصريحة، وتلك التي يمثلها الملفوظ "إذهب" فيطلق عليها اسم: الإنجازيات.‏
                ب- الإبانة بما هي معيار:‏
                انطلاقاً من هذا التمييز، نكون قد اجتزنا مرحلة جديدة من مراحل التفكير: فأوستين يلاحظ أن تسمية الإنجازيات الأولية القابلة للتطبيق على الملفوظات الواردة بصيغة الأمر، تنطبق أيضاً، في بعض الحالات، على ملفوظات تبدو في ظاهر الأمر تقريرية، وعلى هذا، فإن الملفوظ "الثور سيهجم" هو ملفوظ إنجازي أولي حينما يكون تحذيرّياً، وهي حالة يمكننا إيضاحها على النحو التالي: "احذرك من أن الثور سيهجم".‏
                هذه الإبانة القائمة على أساس شكل الفعل المتصرّف: بالشخص الأول ضمير المتكلم) من الزمن الحاضر قد تكون متبوعة ب que= أن ، أو ب DE= حرف جر وبملفوظات لها قيمة الفعل ACTE، هذه الإبانة إذاً ليست ممكنة دائماً(3) ، لكنها تكون كذلك في أغلب الحالات، لذا يبدو أن هناك وسيلة جيدة لتحديد مجال الإنجازية وهي وضع قائمة كاملة بالأفعال التي تكون على هذا الشكل أفعالاً إنجازية لا ريب فيها.. وهذا ماقام به أوستين في محاضرتيه السادسة والسابعة.‏
                ج- صعوبات جديدة- أو فئة مختلطة:‏
                لكن هناك عدداً لا بأس به من الملفوظات التي يصعب تصنيفها: وعلى الرغم من قربها من الإنجليزية، فهي تستخدم في وصف المواقف أوالمشاعر مثل: "أنا سعيد باستقبالك" القريب من "أهلاً وسهلاً بك" مثل هذه الملفوظات تقود المؤلف إلى الاعتراف بوجود فئة مختلطة، لا هي بالإنجازية الصرفة، ولا هي بالوضعية البحتة، الأمر الذي يؤدي بالإنجازية إلى إضاعة حدودها.‏
                5- التأكيدات جزء من الإنجازيات:‏
                لكن هناك ماهو أكثر ارتباطاً، وهي حالة الملفوظات التي تنتمي إلى نمط: "أؤكد‏
                أنْ..." إذ أنها جميعاً تتميز بالإنجازية ومع هذا يمكننا القول بأنها صحيحة أو خاطئة، فإذا قيل لي: "أؤكد أن الأرض مسطحة"، يمكنني أن أجيب ب "هذا خطأ" وجوابي لا يعني حتماً أنني أرفض أنه أكدَّ لي ذلك: بل ماأرفضه هو كون الأرض مسطحة، مع ذلك، و بسبب إمكانية الإجابة ب "هذا خطأ" يمكننا رفض تصنيف "أؤكد أنّ الأرض مسطحة" في قائمة الإنجازيات. لكن قد يكون هذا قرار لايمكن الدفاع عنه، ونجد في كتاب أوستين حجة يراها المؤلف صلبة، وهي اعتبار "أؤكد أن.. " بمثابة ملفوظ إنجازي صريح، والحجة التي يقدمها الملفوظ التالي: "حينما أقول أن السماء كانت تمطر، فإني لم أكن أراهن، ولا أبرهن ولا أحذّر: بل أؤكد‏
                واقعة"... التأكيد هنا، كما يكتب أوستين، "يقع بالفعل على نفس المستوى: بَرهَنَ، حذّر" إذا فللتأكيدات نفسها مكانة بين الإنجازيات.‏
                ب- القول، القول الفاعل، أثر القول:‏
                1- الأنواع الثلاثة لأفعال اللغة:‏
                أ- تعاريف: لكي يعود إلى القضية من جديد، قام أوستين بطرح السؤال التالي: بأي معنى يمكن أن يكون قول الشيء إنجازاً له تماماً؟ هنا يدخل تمييز الأنواع الثلاثة للأفعال ACTES:‏
                - القول في حد ذاتهِ ACTE LOCUTOIRE: فعل إنتاج الأصوات، وتركيب الكلمات في بناءٍ يلتزم بقواعد اللغة ويحمل دلالة معيّنة.‏
                - القول الفاعل ACTE ILLOCUTOIRE: الفعل الذي نُنْجِزُه أثناء القول.‏
                - الفعل التأثري غير المباشر): ACTE PERLOCUTOIRE: الأثر غير المباشر الذي نحققه بالقول .طبعاً هذان التعريفان ناقصان وعبارتا: إن قولنا و أن نقول، هما عباراتان غامضتان كما أشار أوستين إلى ذلك في محاضرته الثانية.‏
                ولكي يتمكن أوستين من تقديم تعريفٍ أفضل للفعل التأثيري للقول ACTE PERLOCUTOIRE ، فقد استعان بمفهوم القيمة أو القوة، فحينما ننجز قولاً في حد ذاته ACTE LOCUTOIRE، فإننا بذلك وفي الوقت نفسه، ننجز من خلاله قولاً ثانياً، ذا طبيعة أخرى من شأنه أن يقوم بالإخبار أو الاستفهام أو التحذير أو التهديد الخ...‏
                إذاً فالفعل المنجز حين القول EN DISANT يشكّل القيمة الفاعلة للملفوظّية.‏
                أما الفعل التأثيري للقول، فيعرّف من خلال مفهوم الأثر أو التأثير، "فقولُ الشيء غالباً - أو أغلب الأحيان- يسببُ بعض التأثير على المشاعر والأفكار وتصرفات المستمعين، أو على تصرف المتكلم نفسه، أو على شخص آخر أيضاً". وكأمثلة على الأفعال التأثيرية هناك: أقنَعَ، باغتَ، أغضبَ، أقلقَ، أراحَ أوعزّى، أغوى أو خدع.‏
                ب- الأثر والتعرّف(4) UPTAKE. سرعان ما يستحضر الذهن انتقاداً، إذ لا يزال مفهوم الأثر غامضاً، وهو ينطبق من جانب آخر على بعض أوجه الفعل التأثيري كانطباقه -مثلاً-على التعرّف من قبل المستمع ويسمى بالإنجليزية UPTAKE) على القيمة التي يُزمع المتحدث إعطاءها لملفوظيته وهذا التعرف UPTAKE لازم للفعل التأثيري لكي نعتبره منجزاً. فإذا أردتُ التحذير، ولا يسمعُ تحذيري أحدُ ولا يأخذ قولي على أنه تحذير، عندها أكون كمن لم يحذّر.‏
                ولكي نميّز هذا النوع من التأثير عن ذلك الذي يُنتجهُ الفعل التأثيري، يمكننا الإشارة إلى أنّ الثاني هو نتيجة غير مباشرة، متغيّرة وغير متوقعة لفعل الكلام ACTE DE PAROLE. وهكذا يمكن لنتيجة الفعل ACTE الذي هو عبارة عن وَعد،أن تكون مُطْمَئنة أو مُقلِقةَ أو هدفها بيان النية الحسنة للمتحدث، الخ...‏
                ج- الفعل الاتفاقي والفعل غير الاتفاقي: لكن، في نهاية المطاف، فإن الفرق الذي يبدو أن أوستين يعتبره أساساً بين نمطي الأفعال ACTES يكمن في أن القول الفاعل ACTE PERLOCUTOIRE هو فعل، بينما الفعل التأثيري ليس كذلك، وهكذا، وبفضل الاتفاقات CONVETIONS فإن القول: أُحَذِّركَ).... يعني التحذير مثلما أن أُعَمِّدُ) يعني التعميد في بعض الظروف المواتية، نظراً لعدم وجود اتفاقات تتعلق باستخدام الأفعال القواعدية، عزّى أوسلّى، أقلقَ، أغضبَ الخ، فلا يمكن إنجاز الأفعال المعنية عن طريق هذه الأفعال القواعدية حين نقول أُعزيك) أو غيرها...‏
                2- مُحصلة أو مقارنة:‏
                أ- التعارض بين قالَ وفَعَلَ: بعد أن فكر أوستين بالطابع النسبي لمفهومي الحقيقي والخاطئ المطبقين على الملفوظيات، توصَّل إلى النتيجة التالية: إن معارضة التقريرات بالإنجازّيات كانت تستند إلى التعارض بين القول DIER والفعل FAIRE وبمقدار ما نقول: فإننا ننفّذُ بذلك فعلاً قولياً أي مجرد القول)، وقولاً فاعلاً في الوقت ذاته وفي الأغلب، قولاً تأثيرياً، ولكلِّ ملفوظيّة بُعدها المرتبط بالوقائع(5) وبالتالي فلا يمكن التمسك بالتعارض بين القول والفعل، وفي الوقت ذاته فإن التعارض بين التقريريات والإنجازيات، ولا يمكن أن يبدو تعارضاً جذّرياً إلاّ في مقابل تجريدٍ عن طريقه نُهمل هذا المظهر أو ذاك من المظاهر المكوِّنة لأي ملفوظّية.‏
                ب-آفاق جديدة:‏
                إذا شئنا القيام بدراسةً تأخذ تعقد اللغة بعين الاعتبار. فمن المفيد لنا التخلي عن هذا النوع من التجريد، وقد يكون مفيداً جداً استثمار ذلك المجال الذي لم ندرسه بشكل كاف وهو مجال الفعل التأثيري.‏
                في المحاضرة الثانية عشرة، يساهم أوستين في هذه المهمة التي ستفرد لها البراغماتية الافعالية) من بعده مكانة واسعة.‏
                2- تعليقات وانتقادات وتتمات:‏
                أ- الملفوظية الانجازية(6) :‏
                1- علامات فارقة MARQUES صريحة أم علامات اسمية؟‏
                إذا قُبلت فكرة أن للملفوظ قوة تأثيرية، يبقى علينا بيان الاختلاف الوارد بين اذهب) وآمرك بالذهاب). الملفوظ اذهب) يمكن أن يعبّر عن أمر، أو رجاء، أو نصيحة.. الخ.. إنه ملفوظٌ غامضٌ من ناحية قوّته التأثيرية. أما آمرك بالذهاب) فهو من وجهة النظر هذه، ملفوظ صريح: إذ لا يمكنه أن يكون إلاّ أمراً. والتعرف OPTAKE هنا يوّفرهُ الملفوظ نفسه.‏
                هذه الفئة الثانية من الملفوظات، التي تتضمن تفسيراً لقوتها التأثيرية على شكل فعل قواعدي(7) هي التي خصّها ريكاناتي F. RECANATI باسم الملفوظات الإنجازية. والتحديد: على شكل فعل قواعدي) له أهميتُه هنا. فالمؤلف -في الحقيقة- يُذكِّر بوجود ملفوظات ليس فيها فعل قواعدي. وهي ملفوظات صريحة مثلها مثل الملفوظات التي تتضمن الإنجازات كالشتائم، وهي ليست إنجازية، لأننا لا نستطيع الشتم ونحن نُسَمّي فعل الشتم بداخل الملفوظات، في الوقت الذي نستطيع فيه الأمر حينما نُسمي فعل الأمر. عن هذه الملاحظة تنتج فكرة أن الأفعال القواعدية الإنجازية يمكن أن تتحد كعلامات فارقة MARQUES تسمياتّيه NOMINATIVIES، وليس كعلامات صريحة EXPLICITES للقّوة التأثيرية، والتسمية الجديدة من شأنها توضيح نوعيتها بشكل أفضل.‏
                2- التسمية لا تعني التدليل أو الدلالة INDIQUER:‏
                تقود الملاحظة إلى التساؤل عمّا إذا كانت هذه الإنجازيات، التي تُعَدُّ غالباً مجرد مؤشرات على القوة التأثيرية، تدلُّ حقاً على الفعل الذي ننجزه حينما نقوم بلفظه كما يدل شكل الاستفهام على أننا ننجز طَرحِ السؤال) فهل يمكن للكلمة أن تسمي الفعل وتدل عليه في الوقت نفسه؟‏
                3- التصدير الإنجازي LE RPEFEXE PERFORMATIF:‏
                أ- نذكر بوجهة نظر أوستين: الفعل القواعدي الإنجازي، بالنسبة لأوستين، لا يمثل شيئاً ولا يشكّل جزءاً من مضمون الملفوظ، فالقول أؤكد أنّ الأرض كروية) لا يعني وصف الذات وهي بصدد التأكيد، ولا يعني إجراء تحقيق صحفي مباشر حول مانفعله، إنه إجراء تأكيد. ومضمون الملفوظ هو الأرض كروية) و أؤكدُ) ماهو إلا مجرد تشديد على القيمة الفاعلة التي أمنحها لملفوظي، إنها تدليل هامشيّ وثانوي.‏
                ب- وجهة نظر جماعة بور- رويال: وجهة نظر أوستين هذه تتفق تماماً مع التحليل الذي كان قد اقترحه كل من أرنولد ARNAULD ونيكول NICOLE في كتابهما: منطق بور- رويال، فبالنسبة إليهما" أؤكد= أدْعَمُ" في "أؤكد أن الأرض كروية" يبدو كأنه الجملة الرئيسية كما هو حال "أنا سعيد" في "أنا سعيد لأنك جئت"). لكن لاشيء من هذا. فالجملة الرئيسية هي "الأرض كروية".و: أؤكد" ليست سوى جملة عارضة INCIDENTE. وهي لا تغيّر شيئاً لا من جهة المُسند ولا المُسند إليه، وهي لا تضيف شيئاً إلى الملفوظ، اللهمَّ إلا تحديداً إضافياً "للموجِّه التقريري" الذي تمّت الدلالة عليه عن طريق شكل الرابطة هي) est إذا قلنا فقط " الأرض [هي] كروية".‏
                تبعاً لوجهة النظر هذه، ووجهة نظر أوستين وتلك الخاصة بجماعة بور -رويال، فإن الفعل القواعدي الإنجازي VERBE RBPERFORMATIF عبارة عن تعلق اعتراضي PARENTHETIQUE، يُضاف إلى سلسلة الملفوظ لبيان قوته، مثلاً: "الأرض [هي] كروية؛ هذا تأكيد. "ليس هناك فرق هام بين هذا الملفوظ وبين "أؤكد أن الأرض كروية". في الحالة الأولى يكون التعليق لاحقاً بالملفوظ، أما الثانية فيسبقه ويرتبط به ب que= أن. وهو يشكل مادعوناه بالتصدير الإنجازي، لكن النتيجة تظل نفسها، ومن جانب آخر فإن الرابط CONJONCTION بالنسبة لأوستين ليس رابط الخطاب المباشر؛ وهو ليس رابطاً فعلياً بل كلمة تفسيرية.‏
                ج- عيب هذا التحليل: يكمن في افتقاره للعمومية:‏
                هذا التحليل دَحَضَهُ - ريكاناتي جُملةً وتفصيلاً، لأنه لا ينطبق تماماً على الحالات التي يكون فيها الفعل الذي يأتي بعد الإنجازي غير مرتبط بواسطة QUE= أن، إنما بواسطة حرف الجر DE = مثال: "آمرك بالذهاب". يبدو في الحقيقة من الصعب اعتبار "آمرك" مجرد أداة تصدير أو جملة عارضة). إذا حركنا هذه الكلمات لنجعل منها تعليقاً اعتراضياً يمكننا الاحتفاظ بالجزء الثاني من الملفوظ على حاله: ولابدَّ من استبدال الذهاب) بـ"اذهب".‏
                إحدى فرضيّات القواعد التوليدّية التحويلية(8) يسمح ظاهرياً بتجاوز الصعوبة. لكن ف. ريكاناتي يبيّن حدود هذه الفرضية: فهي -أي الفرضيّة- لاتوضّح معنى ملفوظات مثل: اعتذر لأني دلقتُ عليك قهوتي). والملفوظ دلقتُ عليكَ قهوتي). لا ينطوي. في أي حال من الأحوال، على قيمة اعتذارية.‏
                الأمر الذي يبرهن على أنه من غير الممكن أعتبار أعتذرُ) مجرد عملية تصدير. من جانب آخر، لا ينطبق التحليل التوليدي على الإنجازّيات الوحيدة الجملة مثل أُسَرِّحك، أو أُعفيك من عملكَ). أشكرك)، وأحييك).‏
                تُفضي المجاججة ARGUMENATION إلى التخلي عن الفرضية القائلة بأن الفعل القواعدي الإنجازي يدل على القوة القوليّة الفاعلة للملفوظ. وهي قوة تندرج فيه لكنه لا يقوم بوصفها، وتسمية الملفوظ لهذه القوّة يعني أن يَصِفُها ويساهم بذلك في المضمون الوصفي للملفوظ، الذي لا يشكل مجرد تصدير أو هامش أوتعليق، إنما يشكل جزءاً منه.‏
                4- وصفٌ وتحديد:‏
                التحديد الوحيد الذي يتضمنه الملفوظ، ومايبيّنه من ذاته، هو القوة القولية الفاعلة التي يظهر معها. لكن الملفوظات الإنجازية تظهر مع القوة القولية الفاعلة للتصريح، وبالتالي فإن السؤال المطروح بخصوصها هو: كيف تتلبس تلك الملفوظات الإنجازية القوة القولّية الفاعلة التي يصفها فعلُها القواعدي المُصّرف بالشخص الأول ضمير المتكلم)، في الوقت نفسه الذي تظهر فيه تلك الملفوظات إلى جانب القوة القولية لتصريح معين؟.. وكيف؟ حينما أصرّح آمرك بالذهاب) يمكنني إنجاز فعل الأمر؟ ...‏
                ب- أفعال الكلام غير المباشر والمأثورات التحادثّية:‏
                أحد الأجوبة المقترحة ينطوي على القول بأننا إزاء العملية نفسها الموجودة في الحالة التي حتماً نريد من خلالها رجاءَ أحدهم بمناولتك الملح، عوضاً عن استخدام الأمر، فإنك تطرح السؤال: أيمكنك مناولتي الملح؟). لكن يفهم متلقي القول القوة الفاعلة الحقيقية للملفوظ الثاني، عليه أن يستنتجها عن طريق المحاكمة العقلية(9) .‏
                وقاعدات التواصل التي تتدخل في هذا النوع من المحاكمة ليست سوى تلك المأثورات التحادّثية الشهيرة التي أطلقها الألسني بول غريس P, GRICE. إن حسن سير التواصل، كما يرى غريس، يتطلب التقيد احترام) بمبدأ التعاون: وهكذا فإن المشاركين في عملية التبادل الكلامي، بشكل عام، يجمعون على هدف مشتركٍ أو مجموعة من الأهداف) أو يتفقون على الأقل، على إنجازٍ مقبولٍ من الجميع.‏
                من هذا المبدأ تنبثق قاعدات، وقاعدات فرعيّة يجمعها المؤلف في أربع فئات هي: الكميّة، والنوعية، والعلاقة، والموجِّه وهنا نرى ماأخذه غريس عن الفيلسوف كانط). (10)
                في الحالة التي تهمنا هنا، أي حالة القيمة التقادميّة التي يكتسبها الملفوظ التصريحي: آمرك بالذهاب، إذا كان هناك استثمار للمأثور التحادثي. فأيُّ مأثور نقصد؟ وفي أيّ محاكمة عقلية يدخل هذا المأثور)؟‏
                وتبعاً للألسني الأمريكي K, BACH، الذي يستشهد ريكاناتي به(11) ، يمكن تبيان محاكمة المستمع العقلية على الشكل التالي:‏
                أ) - ل يقول آمركَ بالذهاب).‏
                ب)- يؤكد بأنه يأمرني بالذهاب.‏
                جـ)- إذا كان تأكيده صحيحاً، فهو يأمرني بالذهاب.‏
                د)- إذا كان) يأمرني بالذهاب، فلا بدَّ وأن ملفوظيته الحاضرة هي التي تشكل هذا الأمر ماذا يمكن أن يكون غير هذا؟).‏
                هـ)- زُعِمَ أنه يقول الحقيقة.‏
                و)- إذاً، قوله "آمرك بالذهاب" يعني أنه يأمرني بالذهاب.‏
                بتعبير آخر إذا لم يكن عندَ المتحدث نيّةَ إنجاز فعل الأمر بشكل غير مباشر لدى قوله إنه يأمر، فإن جزمَهُ آمركَ بالذهاب قد يكون خاطئاً، وبالتالي فهو ينتهك مأثور النوعية القائل: "لا تؤكد ما تعتقده خطأ"(12) وبما أننا نزعمُ أنه يحترم المأثورات التحادثيّة، فإن الاستدلال الذي يفرضُ نفسه هو أنه ينجزُ، في الوقت نفسه فعلاً مباشراً هو فعل التأكيد أو الجزم، وفعلاً غير مباشر هو الأمر، وبالتالي فإن انتهاك المأثور ليس إلا ظاهرياً.‏
                ج- مقترحات جديدة:‏
                1- نقد التحليل التحادثي :‏
                بالنسبة لريكاناتي: يكمن عيب هذا التحليل في أنه يعالج الملفوظات الإنجازّية على أنها تأكيدات وصفيّة CONSTAIVES أي باعتبارها ملفوظات لا تكون صحيحة إلا إذا كان هناك، في الواقع، حالة مستقلة عن ملفوظيتها، ترتبط بها مضامين تلك الملفوظات.‏
                ولا يسعنا القول، بالانتهاك الظاهري لمأثور النوعيّة فيما يخص /آمركَ بالذهاب/ إلاّ إذا كان هذا الملفوظ صحيحاً أو خاطئاً، تماماً كالملفوظ الوصفي CONSTATIF: القطة فوق الحصيرة.‏
                2- اتجاه المعنى:‏
                إذا كان ممكناً جعلُ الإنجازيات حقيقية فلن يكون ذلك بالتوافق مع الوقائع المستقلة عن ملفوظيتها، إنما عن طريق ملفوظيّتها نفسها: إن نية قول شيء حقيقي التي تميّز كافة أنواع التأكيدات سواء أكانت إنجازّية أووصفية، هي في حالة الإنجازّيات، نية أن يكون الواقع مطابقاً للملفوظ، وليس أن يكون الملفوظ مطابقاً للواقع.‏
                الحالة التي يمثلها الملفوظ: آمركَ بالذهاب، باعتبارها إنجازاً قام به المتحدث، لفعلِ كلامِ سمّاه الفعل القواعدي الإنجازي، فإن المتحدث الذي ينتج هذا التأكيد يعبّر عن نيّته في إنجاز هذا الفعل ACTE عن طريق ملفوظيته.‏
                ولاستكمال هذا الشرح، هناك مبدأ قال به غريس أيضاً لابدَّ من التذكير به يقول: "إنه لإنجاز فعل كلامي يكفي أن تصرّح بأنك تُنْجِزُ، أي أنْ تُعبِّرَ عن النية في أن يكون مُنجَزاً وفقاً للملفوظية التي تعبّر عن تلك النية.‏
                د- الخاتمة:‏
                هذا العرض الموجز لقضية الإنجازية يكفي لبيان درجة الدقة التي يمكن لآليات التأويل بلوغها والتي تشارك في أبسط أنواع التواصل، وهي تعطي أيضاً فكرة عما يمكن أن تكون عليه مساهمة فلسفة اللغة في مجال اللسانيات.‏
                (1) -وبدورنا نترجمها إلى العربية بـ: القول هو الفعل. [المترجم].‏
                (2) ونختصر ذلك بقولنا: الإنجازيات والتقريريات [المترجم].‏
                *) في المحاضرة الثانية يقول أوستين بوجرد ملفوظية خاصة لا تنجزُ ما وعدت بإنجازه، ويسميها بالملفوظية التعيسة أو الفاشلة. وسبب هذه التعاسة أو ذلك الفشل، في أغلب الأحيان، إلى أن الظروف ‎، التي يمكن أن تكون غائبة أو غير تامة ، تجعل الفعل تعيساً أو فاشلاً: مثل احتقار الآتفاق، وغياب النية المطلوبة، وخطأ التحديد الرسمي، إلخ ...المترجم).‏
                (3) خذ هذا المثال: حين التلفظ بشتيمة ما فإننا بذلك ننجز فعلاً فعل الشتم) لكن لا يسعنا القول "اشتمك أن..."‏
                (4) UPTAKE هو تعرّف المستمع على القيمة التي ينوي المتحدث تقديمها إلى أو تضمينها لـ ملفوظيته).‏
                (5) وهو بعدٌ، يكشف عنه، على سبيل المثال، في حالات التأكيد والحكم، أو العتاب، كوننا نستطيع وصفها بالترتيب: ذكي تأكيد ذكي) أو معقول عتاب معقول)، أو مُبَّرر عتاب مبرر).‏
                (6) عنوان كتاب ف. ريكاناتي، منشورات مينوي، 1981، ومنه استقينا التعليقات اللاحقة.‏
                (7) الفعل القواعدي، هو ترجمة لـ VERBE وذلك لتمييزه عن فعل اللغة ACTE DE LANGAGE وعن ACTION = فعل مادي [المترجم]).‏
                (8) وفقاً لهذه الفرضية، قد يكون للبنية العميقة للملفوظ الإنجازي، شكل جملتين متراتبتين، جملة ثانوية و"ملفوظ إنجازي أولى". وهناك عدة تحولات من شأنها تفسير إما امحاء الجملة المحددة للقيمة الإنجازية أو مختلف أشكال ربط بنى السطح.‏
                (9) أو على الأقل يمكنه استنتاجها لو كان تقديم الالتماس أو الرجاء) على شكل سؤال لم يتحول إلى اتفاق يشكل جزءاً من مدونة الفضول عندنا، في هذه الحالة، قد تكتسي المحاكمة العقلية الشكل التالي:"من يتحدث إلي يسألتي عما إذا كانت لدي إمكانية مناولته الملح. لكنه يرى جيداً أن الملح يقع في متناول يدي كما يعرف بأني لا أشكو من عاهة تمنعني من القيام بذلك وأنه لا أخلاقي، ولا أي شيء آخر يمنعني من القيام بهذا الفعل وبالتالي فإن السؤال في الوقت الذي نعرف فيه الجواب، يعني الكلام من أجل لاشيء، وهذا أمر مغاير لقواعد الاتصال. ولأن لا شيء يسمح لي بالظن بأنه لا يحترم تلك القواعد، عليَّ أن أفترض أنه، بسؤاله لي مع علمه، فهو يريد، في الواقع، ليس سؤالي بل أن أقوم بإنجاز فعل آخر وتظهر الحالة كما لوكانت حالة رجاء بوجهه إلي لكي أناوله الملح".‏
                (10) هذه القاعدات عرضها غريس وعلق عليها في مقالة "المنطق والمحادثة" التي يمكننا قراءة ترجمتها في العدد 30 من مجلة COMMUNICATIONS منشورات سوّي 1979 ص 72-56 و "مأثورات" غريس تقترب إلى حد ما من "قوانين الخطاب"، عند أوزوالد ديكرو التي سنقدم لاحقاً عينة عنها. نشير أن بعضهم شكك بصلاحية هذه القواعد انظر مقالة بـ. غرونيغ: مطبات وأوهام البراغماتية الألسنية في مجلة MODELES LINGUISTIQUES، ج1 ملزمة 2، 1979 ص 7-68). ودون أن يصل الأمر بنا إلى هذا الحد يمكننا اعتبار أن طابعها الجاف يستدعي التخفيف ومن ثم استكمالها. مرجع مذكور سابقاً، ص 257.‏
                (11) مرجع مذكور سابقاً، ص 257.‏
                (12) غريس: مرجع مذكور، ص 61. أي تصف الحالة -بعكس الإنجازيات- أو تؤكد دون وصف) دون أن يكون لها أي فعل أو أثر [المترجم].

                إذا الشعب يوما أراد الحياة
                فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                تعليق


                • #9
                  رد: الملفوظية - جان سيرفوني -

                  الفصل الخامس
                  اللسانيات والبراغماتية *) الإفعاليّة)‏
                  1- أوستين والبراغماتية:‏
                  يمكننا الانطلاق من التحليلات الواردة في الفصل الرابع لنطرح القضية العامة للعلاقات القائمة بين علم الدلالة الألسني من جهة، والبراغماتية من جهة أخرى، والنقطة الأساسية تبدو وكأنها تدور حول المكانة التي نوليها للقول الفاعل ILLOCUTOIRE.‏
                  بالنسبة لأوستين، يقع القول الفاعل في اللسان LANGUE وهو جزء من الاتفاقات التي يتكون منها هذا اللسان، إذ عن طريق الاتفاقات ترتبط قيمة القول الفاعل بشُكيل مورفيم) ما، أو بتعبير ما أو بوحدة معجمّية LEXEME مُعيّنة، حينما لا تكون قيمة القول الفاعل محددة MARQUEE في الملفوظ، فالأمر يتعلق باستخدامٍ اتفاقي بحيث يمكننا إيضاحه عن طريق فعل قواعدي إنجازي). وبالتالي يمكننا تطبيق الصفتين: اتفاقي، وصريح، على القول الفاعل ILLOCUTOIRE.‏
                  أما القيم القَوْلِية التأثيّرية PERLOCUTOIRES، وهي متغيرة جداً، فلا تنتج عن اتفاقيات لغوية تماماً، إنما ترتبط بمجال المستتر IMPLICITE.‏
                  مفهوم أوستن هذا، يفضي إلى انقسام البراغماتيّة، فدراسة القول الفاعل، في أحد أوجهه، يمكن إدراجها ضمن علم الدلالة الألسني، هذا من جانب، ومن جانب آخر، باعتبارها دراسة للفعل التأثيري، فلا يمكن أن تكون جزءاً من علم الدلالة الألسني. والنتيجة ستؤدي إلى مايسمى بـ "البراغماتية المتفجّرة".‏
                  هذا "التفجر" الذي يجعل من البراغماتية فرعاً مستقلاً جزئياً، ومندمجاً في فرع آخر في جزء منه) ينطوي على شيء غير مريح وغير مُرضٍ يفّسر سبب إعراض اللسانيين والبراغماتيين عن قبوله، أو على الأقل إعراضهم عن قبوله بحالته هذه.‏
                  2- ثلاث وجهات نظر برزت بعد أوستين:‏
                  سنعرض فيما يلي ثلاث وجهات نظر حول وضع البراغماتية، ووجهات النظر هذه تُعدّل من الأنقسام الحاصل عن نطرية أوستين أو تتجنبه.‏
                  أ- وجهة نظر أوزوالد ديكرو:‏
                  1- اللسان والعلاقات البْيذاتّية INTERSUBJECTIFS :‏
                  كتاب أ. ديكرو الموسوم القول واللا قول DIRE ET NE PAS DIRE يبدأ برفض المفهوم القائل: إن اللسان LANGUE يُستخدم للتواصل بالمعنى الضيق للعبارة، أي لنقل المعلومة.‏
                  حينما أطرَحُ سؤالاً، فإنني أقوم بشيء آخر غير إعلام المتلقي عن رغبتي بالمعرفة: وهو أنني أدشِّنُ أمامَهُ وجوبَ الإجابة، وأعطيه دوراً في الوقت الذي أختار لنفسي فيه واحداً، وحينما أطلقُ أمراً، أو وعداً أو إذناً/ الخ/ فإن اللسان، كما يرى ديكرو، ينطوي بذاته على قائمة CATALOGUE) من العلاقات البَيْبَشَرَيّة، وعلى مجموعة من الأدوار)، أي على جهازٍ كاملٍ من الاتفاقيات والقوانين) التي تنظّم نقاش الأفراد)، والأدوار الاتفاقيّ‍ة المعينة ليست سوى القول الفاعل عند أوستين.‏
                  2- القول الفاعل والافتراض المسبق‏
                  -لكن القول الفاعل، بالنسبة لديكرو، لا يقف عند حدود الأفعال التي يصفها الفيلسوف الانكليزي أوستين). فهو يتضمن أيضاً الافتراض المسبق الذي هو إحدى الوسائل التي تقدمها اللغة من أجل الاستجابة للحاجة المستترة التي يشعر بها المتحدثون في عدد كبير من المواقف، وهو وسيلة "للقِول وعدم القول". فمثلاً إحدى الوسائل التي امتلكها لكي أقول -بشكل ضمني، باعتباري متحدثاً -أن جملة "جاك سيأتي" هي جملة حقيقية يعني أنني أقول "بيير يشك بأن جاك سيأتي"، وبشكل صريح فقد تحدثتُ عن شعور بيير إزاء ذلك المجيء: الذي يؤمن به أو يصدقه في هذه الملفوظية، هذا هو الذي يشكل المؤكد المفروض)(1) POSE..‏
                  أما من الناحية الضمنية، فقد أعربتُ عن إيماني الخاص المتعلق بذلك المجيء، وهذا مايشكل الافتراض المسبق. وضع الافتراض المسبق من بين شروط استخدام الإنجازّيات التي ينبغي تحقيقها لكي لا يكون هناك "تعاسات"(2) ، وهذا الافتراض المسبق بالنسبة لأوزوالد ديكرو يشكل فعل لغة نوعي. إنه -فعل كما التأكيد والاستفهام أو الأمر لأنه يعدل يغيّر) العلاقات البيذاتيّة للمتخاطبين، ويخلق واجبات، ويؤسس حقوقاً وواجبات، ويّوزع أدواراً، وخصوصيتهُ تكمن في الشكل الذي يفرض فيه على المخاطب إطاراً لاستمرار الحوار: لا يقبل الشك: إنه يجبرهُ على التصرف كما لوكان مضمون الموضوع المفروض مسبقاً PRESUPPOSE حقيقةً مكتسبةً لا تقبل الشك. فإذا كان هناك ثمة استمرار فإنه، من حيث المبدأ، لا يمكن أن يكون إلاّ على أساس المفروض المؤكد) POSE وليس على أساس الافتراض المسبق.‏
                  وإذا استمر المخاطب(3) - المجيب ALLOCUTAIRE في استخدام الافتراض المسبق مثال: ما الذي يحملك على الاعتقاد بأن جاك سيأتي؟...) فإنَّ جوابه ينطوي على شيء من الفظاظة، أي أنه مُغيظ الاحتجاج) ومجرد الانخراط في مناقشة الافتراضات المسبقة يُسَهّلُ الإحساس به على أنه عدواني، وبالفعل فهو رافضٌ لعالم الخطاب الذي كان المتحدث يزعم فرضَةٌ. وعوضاً عن تقويم مايقول، فإننا نشك في قوله.‏
                  لذلك فإن دراسة الافتراض المسبق، تحتلُّ مكاناً أساسياً في التفكير حول العلاقات القائمة بين السلطة والقول، بالخطابات الإرهابية", وحول التواصل المؤقت) وحول اللسان الخشن(4) LANGE DE BOIS.‏
                  حينما يضع ديكرو الافتراض المسبق في فئة القول الفاعل، فإنه بذلك يتخلى عن التعريف الذي يربط القول الفاعل بالقول الصريح. حتى أنَّ هذا التعريف غير واضح بالمعنى الذي أراده أوستين، أي أنه "قابل للإظهار بواسطة فعل قواعدي إنجازي" لأنه لا يسعنا قول: أفترضُ مسبقاً أن جاك سيأتي) كما نقول أحذّركَ بأن الثور سيهجم)، لنلاحظ مع ذلك أنّ عبارة مستتر ضمني) IMPLICETE المطبقة على الافتراض المسبق، لا تعني أنه لا يملك سنداً في الملفوظ). وعلى هذا، فإن المفروض المسبق في "بيير يشك..." محمول من قبل يشك SE DOUTE).‏
                  3- المضمرات: SOUS - ENNTENDUS:‏
                  من هنا يتعارضِ الافتراض المسبق مع شكل آخر من أشكال المستتر الضمني) IMPLICITE، أي المُضمر، الذي يُسْتنتجُ من المعنى الحرفي) LITTERAL ، ومن السياق عن طريق إجراء خطابي ما DEMARCHE DISCURSIVE أي عن طريق المحاكمة العقلية)(5) مُدخلاً بذلك قوانين الخطاب. والقانونان الأساسيان هما: قانون الإخبارية وقانون الشمولية(6) .‏
                  وهنا أحد الأمثلة التي استخدمها ديكرو(7) لتوضيح عملها: لتكن لافتة مكتوب عليها مفتوح يوم الثلاثاء/ موضوعة على باب أحد المخازن، معناها الحرفي لا يكون مقنعاً إذا كان المخزن واقعاً في منطقه تكون فيها المخازن مفتوحة عادة في ذلك اليوم، في هذه الحالة لا يكون للكتابة أيُّ قيمة إخبارية. والتخمين الموجود لإعطاء المعلومة قانون الإخباريّة)، وتقديم ماباستطاعتنا تمنيه حول أيام الفتح قانون الشمولية) من شأنه توجيه القراء المحتملين نحو التأويل التالي: نفتح فقط يوم الثلاثاء).‏
                  السلوك الخطابي الذي عن طريقه نؤولُ ملفوظاً يتضمن مُضمرات SOUS - ENTENDUS ينطوي أولاً على ملاحظة أن الملفوظ، المُدّرك في مستوى معناه الحرفي، ينتهك أحد معايير التواصل، وبفضل مبدأ التعاون، نخمّن أنّ المتحدث يرتكب هذه المخالفة للإيحاء بالتقيد بالمعيار المطلوب على مستوى المعنى، أو أنه لا ينتهكها إلا للتقيد بمعيار أهم. وفي كل الأحوال، مايثير التأويل ليس السؤال: "ماذا يقول المتحدث؟ إنما السؤال: لماذا يقول المتحدث مايقوله في السياق الحالي؟). إن التأويل ينبثق عن تساؤل لا يركز علىالملفوظ إنما على الملفوظيّة.‏
                  والتعارض بين شكليّ المستتر IMPLICITE وهما الافتراضات المسبقة والمضمرات SOUS - ENTENDUS: فعل الافتراض المسبق هو فعل فوري "أولي" وغير قابل للاشتقاق بينما الفعل المُنجزَ عن طريق المُضْمرَ هو فعل مشتق(8) .‏
                  4- اامُحاججّة البرهنة) ARGUMENTATION:‏
                  إن توسيع ديكرو لمجال القول الفاعل ILLOCUTOIRE الذي يشكل انتماؤه إلى علم الدلالة الألسني أمراً بدهياً يقوده في الآن نفسه إلى توسيع مجال البراغماتية المُنْدمجة).‏
                  لنشر إلى أن هذه البراغماتية المندمجة ستتنامى بالتدريج في كتب ديكرو التي نشرت بعد كتاب القول واللاقول DIRE ETNE PAS DIRE ودراسة المحاججّة) في اللسان، والمجموعة الموسومة: كلمات الخطاب، مُكرِّسة لدراسة كلمات أوتعابير مثل: أجد أنَّ، أرى أنَّ JE TROUVE QUE، لكن = MAIS ، حتماً= DECIDENET، حسناً = EHBIEN؛ من جانب آخر= DAILLEURS. والتي وظيفتها الأولى، بحسب ديكرو، خدمة التوجيه الاحتجاجي للملفوظات.‏
                  لكن استخدام هذه الكلمات أو التعابير ليس لازماً حتى نتمكن من الحديث عن البرهان، وفي مقالة يعود تاريخ نشرها إلى على 1979 نقرأ مايلي: أطروحتنا تقول إن التوجيه الاحتجاجي لازم لغالبية على الأقل) الجُمل: ودلالتها تتضمن توجيهاً مثل : حينما نلفظ هذه الجملة، فإننا نقدم أنفسنا كمبرهنين لصالح مثل هذا النمط من الخلاصات(9) .‏
                  هذه الأطروحة تعني الأطروحة العامة التي طالما دافع عنها أوزوالد ديكرو وهي أن اللسان، على عكس الصورة التي أعطاها سوسير عنه، هوعبارة عن مجموعة اتفاقات اصطلاحات) تسمح بالفعل المتبادل بين الأفراد يتيح لهم فرض أنفسهم، ولعب أدوار متبادلة في عملية الكلام).‏
                  ب- وجهة نظر آلان بيريندونيه: A. BERRE NDONNER‏
                  1- حينما نقول فنحن لا نفعل شيئاً: كما مرَّ معنا. وهذه أطروحة معارضة يبسطها بيريندوينه. فهو يعتبر أنه ليست هناك أيُّ قيمة براغماتية مسجلة في مدلول الكلمات أو في بنية الجمل. ودلالتها الأولى أي دلالة القيمة البراغماتية) هي مجرد دلالة تمثيلية وبالتالي فإن قيمة أي فعل هي قيمة اشتقاقية وتنتج عن الملاقاة التي تحققها الملفوظية، بين القيمة الوصفية CONSTATIVE وبين بعض شروط السياق النوعية. عندها يمكن التخلي عن مفهوم القول الفاعل، لأنه مفهوم عالي الكلفة. مثلُ هذا التخلي يتطلب منا، بشكل خاص، نشر الإنجازات التي لم يعد تعريف أوستين لها صالحاً.‏
                  الأفعال القواعدية الإنجازية، بالنسبة لبيريندنيه، ليست مهمتها إنجاز الفعل الذي تدل عليه مباشرة، بل عدم إنجازه. إنها تُستخدم لإحلال الكلام محل الفعل المادي ACTION؛ فحينما أقول: أتنازل عن نسختي من الإلياذة لفلان، فإنّي أستبدل حركة الإعطاء بصيغة كلاميّة تعادل تلك الحركة. وعنوان الفعل الرئيسي في كتاب: مبادئ في البراغماتية الألسنية هو عنوان صريح لموقف الكاتب من أو ستين. والعنوان هو: حينما نقول، فنحن لا نفعلُ شيئاً.‏
                  2-تعريف مفهوم الفعل ACTE : مفهوم الفعل بالنسبة ليبريندنيه، لا ينفصل عن مفهوم الحركة، GESTE. إذ يمكننا التصرف AGIR دون تحريك اليدين أو القدمين أو أي عنصر آخر من أعضاء الجسد. إذاً فالكلام نقيض العمل أو الفعل وبهذا يعاد الاعتبار للحدس الذي يتجلّس في التعابير الشائعة مثل "هذه ليست سوى كلمات" أو"يكفي كلاماً، يجب أن نفعل". الفعل الوحيد الذي ننجزه حينما نتكلم، هو "القيام بمجموعة حركات صوتية وإيقاعية تفصح عن نشاط التركيبة الركنيّة(10) بمعنى آخر هو فعل كلامي أو ملفوظية بأشد معاني العبارة حرفية.‏
                  3-شروط التأويل الإنجازي:‏
                  على السؤال: مَن؟ لا نتلقى عموماً، أي جواب شاف حول الشروط اللازمة للتأويل "الانجازي" للملفوظ. أما بيريندونيه فيقترح إجابة فريدة من نوعها فيقول: "إن أحد تلك الشروط هو غياب المرجع. وهو غيابٌ يفسرهُ انزعاج ما".‏
                  فبيريندنيه يقصد بـ "الأفعال المزعجة":‏
                  -الأفعال التي يستحيل تنفذها، كالضحك حينما نكون بصدد الغناء "آه؛ إنني أضحك لدى رؤيتي ذاتي، شخصي، صورتي) جميلة...".‏
                  -الأفعال التي تتطلب زمناً طويلاً لتنفيذها مثل معاقبة المجرم: إذ أن القاضي يستعيض عن تنفيذ العقوبة بعبارة: "أحكم عليك بالسجن المؤبد".‏
                  - الأفعال المُلتَبسة مثل المصافحة. إذا استُعيضَ عنها، بشكل أكثر فائدة، بعبارات غير غامضة مثل: أُحييك) أو أهنئك) أو أهلاً وسهلاً). الخ.. وإذا صافحنا الآخر مع تلفظنا بتلك التعابير، عندها يكتسب الملفوظ قيمة مضاعفة: قيمة وصفيةٌ وأخرى إنجازية.‏
                  فضلاً عن ذلك. ينبغي أن تكون صلاحية الاستعاضة مضمونة من قبل مؤسسة ما، لكنها مؤسسة غير لغوية قواعد اللعب، المنظومة القانونية، قواعد التهذيب الخ)..‏
                  4- المثولية الكاملة:‏
                  ختاماً، يمكننا القول، إن المعالجة التي تقترحها تلك النظرية، هي معالجة مثيرة. لكن هناك نقاطاً أخرى يبدو أنها أخفقت فيها، إذ كيف ننتزع القيمة القوّلية الفاعلة الأولية عن الجمل الاستفهامية والأمرّية؟.... الحل الوحيد يكمن في النظر إلى الأولى على أنها تعبُّر عن فضول المتحدث. والثانية تعبّر عن حاجةٍ يعاني منها، وانطلاقاً من ذلك، وبفضل قوانين الخطاب- المجيب ALLOCUTAIRE أننا نطرح عليه سؤالاً أونوجّه إليه التماساً. لكن الحجج التي يمكننا سوقها لمصلحة هذه الأطروحة، تظلُّ حُججاً واهية لأن البرهان لا ينتصر على الانتساب ADHESION.‏
                  مع ذلك، ولكي يبرر محاولته، فإن بيريندونيه يشير إلى أهمية هذا الرهان، فالهدف الذي يسعى إلى تحقيقه في محاولته لطرد القول الفاعل ILLOCTOIRE من اللسان طرداً تاماً، هو مايتضح من العبارة التالية: "دمج المفهوم الاختزالي لِلّسان كمنظومة علامات ذات وظيفة تمثيلية) في نظرية واسعة للملفوظّية باعتبارها عملية شاملة للاتصال). وهو مبدأ وحيد يمكن للنّحوي القبول به وهو نحويٌ يظل محافظاً على نظاميّة SYSTEMATICITE موضوعهِ النوعي وعلى الضعف أمام التمسك بالطرائق المُشَكّلنة التي يبقى الدال أساساً لضمانتها.‏
                  ج- وجهة نظر ر.مارتان:‏
                  البقاء في مثولية الظواهر اللغوية) وعدم الإفراط في تسهيل عبارة سوسير الشهيرة: "... اللسانُ بنفسه ولنفسه..." هذا مايلخص الهمَّ الذي يعبّر عنه كثير من الألسنيين لاسيما حينما يشعرون أنهم مُنجّرون إلى دراسة المعنى فوق أرضً تتقلص فيها إمكانيات الشكلنة الصارمة.‏
                  وهذا الهم هو مايعبر عنه بشكل خاص ر.مارتان في كتابه الموسوم: من أجل منطق للمعنى ص 18). لكن هذه المثوليّة بالنسبة له، لا تنتقل عبر تمثيليّة RERESENTATIONNALISME جذرية ومن خلال التخلي عن القول الفاعل ILLOCVTOIRE.اللسان يتضمنُ علاماتٍ ليست سوى توقعٍ للملفوظ باعتباره فعلاً ACTE: إنها تشكل مجال القول الفاعل، فيعتقدُ أنها جزءٌ من علم الدلالة SEMANTIQUE : إنه بفضل القاعدات الدلالية يمكننا تحديد شروط حقيقية الجملة المتضمنة إنجازات وإشارات DEICTIQUES ومحدّدات DETRERMINANTS، والبرغماتّية لا تتدخل على مستوى الجملة التي هي مجرد كائن افتراضي، وهي لا تتدخل إلاّ على مستوى الملفوظ، أي على مستوى تكرار الجملة في وضع خاص، هذا المفهوم يفترض معالجة البرهنة بشكل يختلف عن معالجتها لدى ديكرو، والقيمة البرهانيّة لبعض الكلمات تنشأ عن براغماتية الملفوظ كما يرى ر. مارتان، وهذه القيمة ليست سوى نتيجة للآلية الدلالية -المنطقية التي تشكل هذه الكلمة علامة لها، مثل كلمتي: تقريباً= PRESQUE وبالكاد= A. PEINE، القيمة البرهانية لهاتين الكلمتين بالنسبة لديكرو وهي قيمة بدائية PRIMITIVE. أما ر.مارتان فيرى أن لهاتين الكلمتين دلالة أو "معنى" وفقاً للمصطلح الذي يعتمده هذا الألسني). هو ناتج عن حركة الفكر CINESE الذي يخلقه: نقرأ في الصفحة 232: "بالكاد، في الحالة الإيجابية، تتجه بشكل سلبي من هنا الخلاصات السلبيّة التي تميل إلى استخلاصها من الملفوظ الذي يتضمنها).‏
                  بالكاد، حصل على متوسط النجاح؛ إنه لأمر سيء؛)‏
                  تقريباً، في الحالة السلبية تتجه بشكل إيجابي ومن هنا+ على عكس ماسبق+ قرابتها مع الخلاصات.‏
                  حصّل تقريباً على متوسط النجاح؛ وهذا أمر جيد").‏
                  وكذلك تختلف معالجة الافتراض المسبق: فهو أساساً، آلية تنتهي إلى علم الدلالة، والمضمون وحده الذي نعزوه إلى الفرضيات المسبقة في حالة ما خاصة، هو الذي يدخل في إطار البراغماتية.‏
                  ينتهي إلى هذا الفرع أيضاً، كل مايدخل في فئة الأفعال المشتقة ACTES DERIVES التي يخصها ر.مارتان باسم PERLOCUTOIRE أي الأفعال التأثيرية، وعلى هذا المستوى من دراسة المعنى تُطرح قضية التوقعيّة PREVISIBILITE وبينّت الصفحات من 235 إلى 243) أن هذه القضية قد حُلت جزئياً باللجوء إلى لسانيات النص، والسيميائيات ذات السمات العروضية SUPRA SEGMENTALES واللسانيات خارج اللغوية EXTRA - LINGVISTIQVES التي تهتم بدراسة الملفوظية وبالإيماء) والمأثورات التحادّثية وأخيراً "الاستثمار البراغماتي" لبعض عبارات المُعجم مثل حسناً DEJA , EB, BIEN الآن، لكن).‏
                  هذه المقارنة السريعة التي لجأنا إليها تلمّح إلى أنّ الألسنّيين الثلاثة الذين ذكرناهم في هذا الفصل، مهما تباعدت وجهات نظرهم حول العلاقات القائمة بين اللسانيات والبراغماتية، ومهما اختلفت مفاهيمهم العامة حول اللسان، تلمّح أن وجهات النظر تلك تكتسب نفس الأهمية إزاء البراغماتية.‏
                  وعلى هذا، فهي تمثل الاتجاه اللساني السائد في الثمانينات، تمثيلاً جيداً.‏
                  *) أزعمُ أن مضمون هذا الكتاب يؤكد اختلاف الذرائعية PRAGMATISME عن البراغماتية أو الإفعَالية LAPRAGMATIQUE المترجم).‏
                  (1) نطلق عبارة مؤكد أو مفروض على التأكيد الصريح للملفوظ وذلك بالمقابلة مع الافتراض المسبق الذي يقتضي وجود ملفوظ ضمني معروف أو بديهي، ففي جملة مثل: شفي فلان: يكون "فلان كان مريضاً" هي الافتراض المسبق، و "فلان لم يعد مريضاً" هو المؤكد أو المفروض المترجم).‏
                  (2) وفقاً لوجة نظر أوستين، قد يكون أحد شروط نجاح تأكيد ما مثل "ملك فرنسا أصلع" هو أنه لفرنسا ملك أصلع، بمعنى أن المفروض المسبق الوجودي الذي تحمله أداة التعريف LE [قولنا LE ROE DE FRANCE يعني أن يكون لفرنسا حالياً ملك ...] كان صحيحاً، وبما أن فرنسا لا يحكمها حالياً) ملك فالتأكيد لاغٍ وباطل.‏
                  (3) المخاطب هنا ترجمة لعبارة ALLOCUTAIRE . لكنه هنا بهذا المعنى ليس المخاطب السلبي، بل ذلك الذي يسمعُ الأسئلة ويجيب عليها، وبالتالي يمكن أن نقول: المخاطب- المجيب [المترجم].‏
                  (4) وهناك موضوعات عدة عالجتها ندوة ALIBI 5-10 تموز 1982)، فيهما موضوع السلطة والقول نُشِرَت أبحاث الندوة عام 1983 تحت إشراف ج. موران في جامعة تولوز.‏
                  (5) هي نمط المحاكمة العقلية التي تسمح بتأويل "أيمكنك مناولتي الملح؟" على أنه رجاء.‏
                  (6) يمكن صياغتهما على النحو التالي: 1- إذا كانت الملفوظية تهدف الإعلام" لا يمكننا بلوغ هذه النتيجة إذا لم يكن المستمع عارفاً بالواقعة التي نشير له إليها، يمكننا إعلام المعلِّم مسبقاً قانون الإخبارية)؛ 2- ينبغي على المعلومة المعطاة أن تكون في حدها الأقصى أي أنه من بين المعلومات التي نملكها ينبغي إعطاء تلك التي نعتبرها أهم معلومة بالنسبة للمستمع قانون الشمولية).‏
                  (7) القول واللا قول ‎، ص 136-137.‏
                  (8) حول هذه النقطة نشير إلى أن فكر المؤلف قد تطور كثيراً، ففي دراسته الموسومة "المفروضات المسبقة والمضمرات" إعادة نظر) في كتاب استراتيجيات خطابية "وهومرجع مذكور سابقاً، انطلاقاً من الملاحظة القائلة بأن القول الفاعل، كالالتماس، من شأنه أن يتحقق إما مباشرة مثل: أغلق الباب). أو بشكل غير مباشر عن طريق الإضمار مثل: أيمكنك إغلاق الباب؟) انطلاقاً من هذه الملاحظة إذاً يتساءل المؤلف عما إذا كان الأمر ينطبق على كافة الأقوال الفاعلة، فإذا كان الأمر كذلك، فإنّه يصُّح على الافتراض المسبق الذي يشكل جزءاً منها، عندها يبين أنه من الممكن فعلاً، العثور على أمثلة من الافتراضات المسبقة المضمرة، والمثال على ذلك: "لقد أقلع بيير عن التدخين، عليك أن تخجل"، فالمضمر هنا: "بيير أكثر طاقة أو قدرة منك". لكن هذا المضمر يفترض مسبقاً أن الإقلاع عن التدخين هو برهان على القدرة".‏
                  (9) أوزوالد ديكرو: قوانين الخطاب، مجلة اللسان الفرنسي، ع 42، ص 27.‏
                  (10) -مبادئ في البراغماتية الألسنية مذكور، ص81.‏

                  إذا الشعب يوما أراد الحياة
                  فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                  و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                  و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                  تعليق


                  • #10
                    رد: الملفوظية - جان سيرفوني -


                    فهرس المصطلحات:
                    فرنسي - عربي
                    ملاحظة:
                    1- أغلب المصطلحات الواردة في هذا الثبت مشروحة في الهوامش الداخلية.
                    2- المصطلحات تخضع لسياق النص، ولا أظن أنه بالإمكان تعميمها جميعاً على نصوص أخرى.

                    a
                    b
                    c
                    - appreciatif
                    - bouletique
                    - deiis
                    تثميني، تخميني
                    إرادي
                    مرجعيّة
                    - alethique:
                    -deictquues:
                    أخلاقي
                    إشاريات (مرجعيات).
                    -assertorique:
                    -derive verbe
                    تصريحي
                    فعل قواعدي
                    -assertericite:
                    -determinant:
                    تصريحية
                    مشتق مُحَدَّد
                    -dialogisme:
                    c
                    حوار متعدد الأصوات(حواريّة)
                    -analoieg
                    قياس، مشابهة، ممُاثلة
                    -delocute:
                    -code:
                    المعني بالحديث
                    -auxiliaire
                    مدونّة
                    مُقوّم
                    تعيين:
                    -adverbialisation
                    -componentielle (analyse)
                    -dramatisation:
                    ظَرْفَنَة
                    تحليل مدلولي
                    دَرْمَنَة (تحويل إلى دراما)
                    -creativite:
                    -desinence:
                    (تحويل إلى ظرف)
                    إبداعية
                    علامة إعرابيّة
                    -actualisation: تحيين
                    تحقيق ، تحيين (جعله حالياً، آنياً، أو محققاً)
                    -composante sdmantiqve
                    مُكّوّن دالي
                    -discours:
                    خطاب
                    -contexte setuationnel
                    ساقي مقامي
                    - dictum
                    تعليق
                    _assertif :
                    تأكيدي
                    -deontiqve
                    وجوبي.
                    _
                    -acte:
                    فعل
                    -delangage:
                    فعل اللغة
                    -cohesion
                    textuelle
                    ترابط نصّي
                    _-locutoire:
                    القول في حد ذاته.
                    -coherence
                    انسجام
                    e
                    -illocutoire
                    القول الفاعل
                    -extra predicatif
                    أستاذ خارجي
                    -perlocutoire:
                    الفعل التأثيري غير المباشر
                    -canoniqve
                    قانوني
                    -enonciation:
                    ملفوظية
                    _argumentation :
                    برهان، مُحاججة
                    -cinetiqve:
                    حركي ، حركّية
                    -enonce:
                    ملفوظ
                    _argument:
                    حجة ، ذريعة
                    -connotation:
                    دلالة إيحائية
                    -en disant
                    حين القول
                    -illocutaire :
                    مخاطب مُتحدث
                    _conjectural:
                    تخميني
                    -explicite:
                    صريح ظاهر
                    _-acceptabilite :
                    مقبوليّة
                    -constatif:
                    وصفي ، تقريري
                    -exteriorite
                    خارجية
                    -anaphore :
                    تكرار الكلمة نفسها في البداية عدة جمل متتابعة.
                    -causation:
                    حب الكلام
                    -expressivite:
                    تعبيريّة.
                    _-actibite di expression
                    نشاط (فعالية) تعبيري.
                    -combinaison:
                    تركيبة
                    -extensif
                    تعميمي ، توسيعي
                    - actant:
                    عامل (قوّة فاعلة)
                    -causatif:
                    سبّي
                    -excluxion:
                    استبعاد
                    -avatr:
                    تناسخ ، تحوّل، تغيّر.
                    -conceptuel:
                    مفهومّي
                    -epistemiqve:
                    معرفي.
                    -aoriste:
                    الماضي البسيط (بالفرنسية).
                    -calcul modal :
                    حساب توجيهي
                    - evaluatif:
                    تقويمي
                    --contraire:
                    عكس، مقابل.
                    - collusion:
                    تواطؤ ، تفاهمي ضمني.
                    - critere social:
                    معيار ، قاعدة اجتماعية
                    - continum :
                    مجموعة اتصاليّة.
                    إذا الشعب يوما أراد الحياة
                    فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                    و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                    و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                    تعليق

                    يعمل...
                    X