إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المدخل إلى نظرية النقد النفسي سيكولوجية الصورة الشعرية في نقد العقاد (نموذجاً)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المدخل إلى نظرية النقد النفسي سيكولوجية الصورة الشعرية في نقد العقاد (نموذجاً)

    المدخل إلى نظرية النقد النفسي سيكولوجية

    الصورة الشعرية في نقد العقاد (نموذجاً)

    زين الدين المختاري

    - دراسة - من منشورات اتحاد الكتاب العرب - 1998


    بسم الله الرحمن الرحيم
    الفصل الأوّل : مدرسة التّحليل النّفسيّ
    الفصل الثاني: دراسة شخصية الشاعر
    الفصل الثالث : دراسة عملية الإبداع (تجربة سويف نموذجاً)
    الفصل الرابع : دراسة العمل الأدبي
    الفصل الخامس: سيكولوجيّة الصّورة الشعرية
    الخاتمة
    المراجع

    إذا الشعب يوما أراد الحياة
    فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
    و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
    و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

  • #2
    رد: المدخل إلى نظرية النقد النفسي سيكولوجية الصورة الشعرية في نقد العقاد (نموذجاً)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    وَفِي الأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ، وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ)‏
    سورة الذّاريات، الآية /21‏

    وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَ الْجَنّةَ هِيَ المأوَى)‏
    النّازعات، الآية/40.‏
    صدق الله العظيم‏
    المقدّمة‏
    بسم الله الرحمن الرحيم‏
    إنّ صلة علم النفس بالأدب والنّقد صلةٌ ممتدة الجذور في التّراث الإنساني، وخصوصاً تلك التي تربط الأدب بصاحبه. وهذا التراث واسع، لا يُمكن حصره في صفحات قليلة، لأنّ القائمة طويلةٌ، تضمّ عدداً غير قليلٍ من أسماء الفلاسفة وعلماء النفس، فضلاً عن النّقاد والأدباء والفنّانين.‏
    ويُمكن استشفاف تلك الصّلة -إن تلميحاً أو تصريحاً- عند أفلاطون في موقفه من الفنّ والأدب، وعند أرسطو في نظريّة "التّطهير" وعند من سار على سَمْتِهما مثل: أفلوطين، وهو راس، وبوالو، وهيجل، وكانط، وشوبنهور وبرجسون، وكروتشه.. وعند علماء النفس، مثل: فرويد، ويونغ، وأدلر، وشارل بودوان، وشارل مورون..‏
    وغير هؤلاء كثيرٌ، يُضاف إليه عددٌ لا حصر له من النّقاد والفنّانين الذين تأثّروا بالمنهج النفسي في دراسة الأدب وشخصيات الأدباء، غير أن البداية الحقيقية لنضج علم النفس وتطوّر علاقته بالأدب والنّقد، كانت في النّصف الأوّل من هذا القرن، سواءٌ عند الغربيين أم عند العرب.‏
    ولا نعدم بعض ملامح النّقد النّفسيّ عند النّقاد العرب القدامى، نذكر منهم على الخصوص: ابن قتيبة ت 276هـ) في كتابه "الشعر والشعراء"، والقاضي الجرجاني ت 393هـ) في كتابه "الوساطة..." وربما كانت الملامح النفسية(1) أوضح عند عبد القاهر الجرجاني ت471هـ) في كتابيه "دلائل الاعجاز" و"أسرار البلاغة".‏
    بيد أن الانطلاقة الحقيقيّة للنّقد النّفسيّ، كانت في العصر الحديث على يد جماعة الدّيوان 1921م، ومن حذا حذوها من أساتذةٍ جامعيّين وأكادميّين، ولعلّ الطّابع المميّز لهذه الجماعة ومن جاء بعدها، هو الانكباب على دراسة شعراء متميزين تجلّت في سلوكهم وفي شعرهم النّزعة الفرديّة(2) .‏
    ومن هنا، كانت السّمة الغالبة على النّقد النّفسيّ في العقود الأولى من هذا القرن، هي دراسة شخصيّة الشّاعر أو الأديب إذا استثنينا بعض من حاول الاتجاه بالدّراسة السيكولوجيّة إلى تفسير العمل الأدبي نفسه أو معالجة عمليّة الإبداع الفني ذاتها، كعز الدين إسماعيل -على سبيل المثال- في كتابه "التّفسير النّفسيّ للأدب" ومصطفى سويف في كتابه" الأسس النّفسيّة للإبداع الفنّيّ في الشّعر خاصّةً!!.‏
    وإلى هؤلاء جميعاً -قدماء ومحدثين- وعلى اختلاف نزعاتهم وتوجّهاتهم- يعود الفضل في إرساء قواعد نظرية النّقد النّفسيّ. وهذا المدخل الذي نضعه بين يدي القاريء، يحاول إبراز بعض معالمها، في عرضٍ مبسّطٍ لمنهجٍ استقرائيّ يُحاول أن يوائم طبيعة الموضوع، ولمنهجيّةٍ تقوم على الانتقائية لأبرز العلماء والنّقّاد الذين أسهموا في ترسيخ قواعد هذه النظرية، مع متابعة تصف طوراً وتنقد طوراً آخر.‏
    غير أن هذه الانتقائية لم تحل دون استيفاء المُنتقى واستقرائه، بتكثيف الصياغة والتّركيز على أهم المقبوسات. ومن هنا، جاءت مرجعيّة هذا المدخل متنوعةً بين كتبٍ في علم النفس وأخرى في النقد الأدبيّ الحديث والمعاصر.‏
    وحسبنا في هذا المدخل إلى نظريّة النّقد النّفسيّ أن نعرّج في الفصل الأوّل، على أقطاب مدرسة التّحليل النّفسيّ، وعلى رأسها "فرويد" وتلامذته، كـ "يونع" و"أدلر" وكذا بعض من أفاد من آراء هذه المدرسة دون غلوٍّ، كـ "شارل بودوان" و"شارل مورون". وسلكنا "سانت بيف" في عداد الفرويديّين لا لانتمائه إلى مدرستهم، بل لقيام معظم أعماله في رسم صور الشخصيّات على بعض حقائق منهج التّحليل النّفسيّ.‏
    وإذا أُتيح لنا ذلك، مضينا نتعقّب ملامح هذه النّظريّة في النّقد العربيّ الحديث، من خلال ثلاثة محاور، يقوم كلّ محور منها مقام الفصل، وهي:‏
    1-دراسة شخصيّة الشّاعر: وقد اهتمّ بهذا المحور نقّاد كثرٌ، اخترنا منهم: العقّاد عباس، محمد النويهي، محمد كامل حسين، حامد عبد القادر.‏
    2-دراسة عمليّة الإبداع: وقد اخترنا لهذه الدّراسة تجربة "سويف" نموذجاً، فتناولنا "نصّ الاستخبار" كاملاً، وكذا بعض إجابات الشعراء، ونتائج الاستخبار. واخترنا أيضاً للباحث نفسه تحليل مسودةٍ للشاعر "عبد الرحمن الشرقاوي" مع نسخةٍ مصوّرةٍ لها، حتى يسهل فهم بعض المواقف الإبداعية الغامضة.‏
    3-دراسة العمل الأدبيّ: وهو المحور الذي شغف به عددٌ غير قليلٍ من النّقّاد والأساتذة والأكاديميّين، تناولناه عند: محمد خلف الله، أمين الخولي، حامد عبد القادر، عز الدين إسماعيل.‏
    وإذا جمعنا هذه الفصول الثلاثة بعناصرها وأفكارها، فإنّها تُشكّل في نقدنا العربيّ الحديث نظريةً مكتملةً في النّقد النفسيّ، بَدَت ملامحها واضحةً أوائل هذا القرن، لجنوح معظم الأدباء والنّقّاد، في هذه الفترة، إلى الدراسات السيكولوجيّة، فكانت التجربة غنيّةً بالبحوث النفسيّة في دراسة شخصيّات الشعراء والأعمال الأدبية وكذا عمليّة الإبداع نفسها. ولهذا السّبب انصبّ الاهتمام -كما سيلاحظ القاريء -على النّقد العربيّ الحديث قياساً إلى الفصل الأوّل.‏
    ونرى، أنّه لا سبيل إلى إدراك هذه النظرية إدراكاً حقيقيّاً إلاّ بعملٍ إجرائيّ يكمّلها ويُعمّق وعينا بها. ولهذا الغرض آثرنا أن يكون الفصل الخامس والأخير للدّراسة التطبيقية، تناولنا فيه سيكولوجيّة الصورة الشعرية في نقد العقاد مع نماذج في شعر ابن الرومي.‏
    ونشير في النهاية، إلى أن الفضل في إنجاز هذا العمل، يعود إلى طلاب السنة الثالثة، في معهد اللغة والأدب العربي بجامعة تلمسان، الذين تعاقبوا دفعات، مدة سبع سنوات، على مقياس النقد الأدبي الحديث واتجاهاته. وكانت تتضاف كل سنة، معلومات جديدة إلى محاضرة.. الاتجاه النفسي في النقد الأدبي الحديث حتى بات من الضروري معالجتها بالتّشذيب والتّعذيب، وبالتحليل لتخرج إلى النور في هذا "المدخل إلى نظريّة النّقد النّفسيّ".‏
    واللّه وليّ التّوفيق‏
    زين الدين مختاري‏
    تلمسان في 20 أكتوبر 1996‏
    (1) تحتاج هذه الملامح، في تصوّرنا، إلى بحثٍ مستقلٍ، قائم برأسه، ليس فحسب عند عبد القادر الجرجاني، بل عند سائر النقاد العرب القدامى، حتى يكون البحث شاملاً.‏
    (2) فقد درس العقّاد على سبيل المثال: ابن الرومي وأبا نواس.. ودرس المازني ابن الرّومي أيضاً، ودرس النّويهي الشّاعران نفسيهما، كما درس طه حسين وحامد عبد القادر أبا العلاء المعري..‏

    إذا الشعب يوما أراد الحياة
    فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
    و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
    و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

    تعليق


    • #3
      رد: المدخل إلى نظرية النقد النفسي سيكولوجية الصورة الشعرية في نقد العقاد (نموذجاً)

      الفصل الأوّل
      1-فرويد 1856م-1939م):‏
      كان هذا العالم، في نظرنا، على حقٍّ حين اعترف بأنّ الذين ألهموه نظريته في التّحليل النّفسيّ هم الفلاسفة والشعراء والفنّانون، (1) لأن الإبداع على اختلاف أنواعه وأشكاله، هو الرحم الذي يحتضن النّفس الإنسانية بحالاتها ومتناقضاتها. فغالباً ما تكون الظاهرة غُفلاً في الحياة أو الطبيعة إلى أن يُقيّض لها رجلٌ عبقريٌّ، يخرجها للناس في صورة مشروع أو قانونٍ أو نظريةٍ أو تجربةٍ..‏
      وهذا ما قام به "فرويد" مستفيداً من تجارب سابقية، فكان زعيم مدرسة التّحليل النّفسيّ والرّائد في هذا المجال -وإن كانت الرّيادة لا تخلو أحياناً من مزالق ونقائص- إذا استطاع أن يرسم للجهاز النفسي الباطني خريطةً أشبه ما تكون بالخرائط "الطوبوغرافية"(2) ؛ فقسّمه إلى ثلاثة مستويات، تمثّل الثّالوث الدّينامي للحياة الباطنية الإنسانية:‏
      -المستوى الشّعوري "conscient".‏
      -ما قبل الشّعور "preconscient".‏

      -اللاّشعور "i,inconscience"(3) .‏
      وهذا المستوى الأخير، هو الفرضيّة الأساسية التي تقوم عليها نظريّة التّحليل النّفسيّ، وينقسم بدوره إلى ثلاث قوى متصارعة، هي:‏
      -الهُو "le ca": ويمثّله الجانب البيولوجي.‏
      -الأنا "le moi": ويمثّله الجانب السيكولوجي أو الشعوري.‏
      -الأنا الأعلى: "le sur moi": ويمثّله الجانب الاجتماعي أو الأخلاقي...‏
      وقد توصّل "فرويد" إلى غريزتين أساسيتين توجّهان هذا الجهاز النفسي أو السلوك الإنساني عموماً، هما:‏
      -غريزة الحبّ أو الحياة "الإيروس" eros: وتمثّل الحاجات النّفسيّة البيولوجيّة التي تُتيح للفرد الاستمرار في حياته والمحافظة على بقاء نوعه(4) .‏
      -غريزة الموت أو الفناء "التّناتوس" tanatos:‏
      وتمثّل مختلف الرّغبات التي تدفع الفرد إلى العدوان والتّدمير(5) .‏
      وقد انتهى "فرويد" إلى هاتين الفرضيّتين بعد أن عدّل من نظرّيته، إذ كان يعتقد أنّ الغرائر الجنسية "libido" هي الطّاقة التي توجّه سلوك الإنسان. ولكنّه اكتشف أن "اللّبيبدو" قد لا يتّجه دوماً نحو الآخرين بل قد يرتدّ إلى الذّات فيغرق الفرد في حبّ نفسه، وهذا ما يُسمّى "بالنّرجسيّة narcissisme" أو يُوقع الأذى والألم بنفسه للحصول على الإشباع الجنسي، وهذا ما يُسمّى بالمازوخيّة masochisme" وقد يحصل على هذا الإشباع بإيذاء النّاس وإيلامهم، وهذا ما يسمى "بالسّادية sadisme"(6) .‏
      وليس لنا أن نسهب في تحليل هذا الجهاز بمستوياته وقواه وآلياته، وما يتّصل به من عُقدٍ وغرائز ومكبوتات، إذ يكفي أن نرسمه في هذا الشّكل لعلّه يغني عن التّفصيل.‏
      صورة‏






      وفي ضوء نظرية التحليل النفسي، وما يتصل بها من لا شعورٍ وغرائز جنسية وأحلام ومكبوتات، وَلجَ "فرويد" عالم الفنّ والفنّانين ليعرض عليه بضاعته السيكولوجية فكان من الأوائل الذين رسّخوا بالنظرية والتّطبيق علاقة علم النفس بالأدب والفنّ والنّقد، إذ تناول بالتّحليل النّفسيّ شخصيّات الفنّانين وأعمالهم الفنّية وعمليّة الخلق الفنّي والمتلقّي.‏
      ولا يتّسع، بطبيعة الحال، صدر هذا المدخل لعرض كل آرائه في هذا المجال، ويكفي أن نشير إلى بعضها، فالفنّان عنده إنسانٌ عُصَابِيٌ*) أقرب إلى الجنون لحظة العملية الإبداعية. وبعد الفروغ منها، فهو إنسانٌ عاديٌّ سويّ في كامل وعيه.‏
      ومن هنا، اختلف الفنان عن العصابي الحقيقي فهو يستطيع تَخطّي عتبة اللاّشعور، والإفلات من رقابه الأنا الأعلى مُحقّقاً رغباته ومكبوتاته بوسائله الفنّية الخاصة وهو بعد ذلك، إنسانٌ عاديٌّ سويّ"، وهذا ما لا يستطيعه الإنسان العصابيّ غير الفنّان.‏

      غير أن فرويد(7) يرى أن الأحلام وسيلة من وسائل إشباع الرغبات التي قد تكون عَصِيّة التّحقيق في الواقع، ولكنه عدّل من هذه الفكرة حين اكتشف ما يسمّى بحالات "عُصاب الصّدمة:"، وهي الحالات المؤلمة التي تعتور المريض فيعود في أحلامه إلى تذكّر الموقف المؤلم الذي حدث له في الواقع، ومن ثمّ يصبح هذا الحلم صعب التّفسير، لأنه ينافي "مبدا اللذة"(8) .‏
      ولعلّ الغُلوّ البادي في نظرية "فرويد"، هو اعتباره الغريزة الجنسية الباعث الأول على الفنّ وليس المحاكاة كما كان يرى فلاسفة الإغريق ومن تبعهم من فلاسفة ونقاد القرن 17و 18م. وعلى أساس هذه الغريزة وغيرها، ذهب يُحلّل شخصيتي "ليوناردو دافنتشي" و"دوستويفسكي" وأعمالهما الفنية، فبحث الإبداع الفنيّ عند الأول وحلّل حُلمه في طفولته، أي ذلك النّسر الذي حطّ عليه وهو في المهد، وفتح له منقاريه وأخذ يضربه على شفتيه مرات عدّة. فسّر "فرويد" هذا الحلم بالبطء الذي عُرف به هذا الرسام الإيطالي في إنجاز أعماله العظيمة، كما حلّل انحرافه الجنسي على مستوى اللاّشعور وعدم إكماله الكثير من أعماله الفنيّة والأعمال المكتملة كالموناليزا، ورؤوس النساء الضاحكات والقديسة آن(9) .‏
      وتناول أيضاً بالتحليل النفسي شخصية الثاني -دستويفسكي- وروايته المعروفة" الإخوة كرامازوف" فوجد في هذه الشخصية الروائية كل المتناقضات، فهي تحمل، في تصوره، الفنان المبدع الخالق الجدير بالخلود. وتحمل، في الوقت نفسه، الأخلاقي والعُصابي، والآثم المجرم المتعاطف مع الآثمين المجرمين. والمهووس بالمقامرة، والمولع بتعذيب نفسه وتعذيب الآخرين. وهذا كلّه مجسّدٌ في روايته المذكورة إذ رآها "فرويد" صدىً لحياة هذا الروائي الشخصية وانفعالاته الباطنية أو اللاشعورية. وهي تحمل، فوق هذا جريمة قتل الأب والانحراف الجنسي...(10) .‏
      ولم يقف "فرويد" عند حدود تحليل شخصية الفنان وعمله الفنيّ، وبيان الصلة النفسية بينهما وحسب، وإنما اهتمّ أيضاً بتحليل شخصيات وأبطال الأعمال الروائية والمسرحية كشخصية "هملت" وبطلة القصة "غراديفا" للكاتب الألماني‏
      "ينسن" كما اهتمّ بتحليل عملية الخلق الفني، أو عملية الإبداع نفسها، فهي عنده شبيهة بثلاثة نشاطات بشرية هي: اللعب، والتخيل، والحلم، والمبدع لديه كالطفل أو المراهق، كلاهما يلعب ويتخيّل ويحلّم ليصنع لنفسه عالماً خياليّاً يتمتّع به، ويُصلِح فيه من شأن الواقع ويَسْتَعِيض به عن رغبته الحقيقية.(11)
      ولم يغفل "فرويد" في تحليله النفسي القاريء، أو البحث عن حقيقة المتعة التي يجنبها المتلقي من قراءته الروائع الأدبية والفنية، فالمبدع، في تصوره، حين يصنع عالمه الخيالي، ويقدّمه في قالب فنّي، فكأنه يقدّم إلى القاريء إغراءً محفّزاً على الاستزادة من قراءة أعماله والاستمرار فيها. ولن يحصل المبدع على هذه الضّمانة إلاّ إذا استطاع أن يتجاوز تجربته الذّاتية إلى تقديم تجربةٍ عامّةٍ يشترك فيها جميع الناس، ويجد فيها القاريء، على الخصوص، ما يحقّق له متعته دون شعور بالحياء أو الذّنب، أي أن يجد رغباته وخيالاته مجسدة في تلك التجربة. ولن تتمّ متعة المتلقّي على أكمل وجه إلا إذا كان هناك تجاوبٌ بينه وبين المبدع في كثيرٍ من المواطن المشتركة. وهذه المواطن، تُكوّنها في نظر "فرويد" العُقد والحصارات، والمكبوتات، وكل ما اختزن في اللاّشعور من ذكريات الطفولة.(12) .‏
      وقبل أن نعرض لبعض تلامذته، يجدر بنا أن نقول إنّه على الرّغم من الجهود الكبيرة التي بذلها هذا العالم في تحليل طبيعة الإبداع الفنّي، فإنّه لم يصل إلى حلّ حاسمٍ لها. وصرّح أن وسائل التحليل النفسي عاجزة عن فكّ مغالق العملية الإبداعية، بل على هذا المنهج أن يُلقِي عدّته أمام الفنّان المبدع، لأنه لم يصل إلى حقيقة عمله الفنيّ الإبداعي، وكل ما توصّل إليه لا يتعدّى بعض المظاهر والحدود. ومن هنا، أشار "فرويد" في أكثر من مناسبةٍ إلى أن الأدباء والفنّانين والشعراء، هم وحدهم أدرى بأسرار النفس الإنسانية، وإليهم يرجع الفضل في اكتشاف اللاّوعي. وعلى علماء النفس والطّب النفسي الإفادة من مكنونات الأعمال الأدبيّة والفنيّة.(13) .‏
      2-أدلر 1870م-1937م):‏
      من الطّبيعي أن يخالف التلميذ أستاذه أحياناً، أو ينشقّ عنه، أو يضيف إلى أفكاره شيئاً من اجتهاداته واكتشافاته. فهذا "ألفرد أدلر" صاحب مدرسة "علم النّفس الفرديّ" يخالف أستاذه "فرويد" في أن تكون الغريزة الجنسية السّبب الوحيد لظهور الأمراض العصابية، والباعث الأول على الفنّ. ويرى أن الشعور بالنّقض هو السّبب الرّئيسيّ في نشأة العُصاب، وأنّ الباعث الأساسي على الفنّ هو "غريزة حبّ الظّهور أو حبّ السّيطرة والتّملّك"(14) ولعلّ الشيء الذي يميّز نظريّة "أدلر" إلى جانب هذا الباحث هو اهتمامه بالجانب الاجتماعي. فالدوافع اللاّشعورية، في تصوّره، لا يمكن أن تقدّم بمفردها فهماً مكتملاً للطّبيعة البشرية؛ إذ لا بدّ من تفاعل عالم الشخصية الباطني بالعلاقات الشّيئيّة الموضوعيّة، وبخاصّةٍ العلاقات الاجتماعية؛ لأن الفرد، في نظره، ليس كائناً معزولاً عن وسطه الاجتماعي، يتصرّف بما يُمليه عليه نزوعه الفردي ودوافعه اللاشعورية. على أن "آدلر" مع هذا، لم يتعمّق السّياق الاجتماعي بتناقضاته، وبقي عنده محصوراً في غريزة حبّ السّيطرة والظهور، والتعويض والرّغبات اللاّشعورية والطّابع البيولوجي الوراثي. ومن هنا، لم يُحدِث اهتمامه بالجانب الاجتماعي انقلاباً في حركة التّحليل النّفسي(15) .‏
      3-يونغ 1875م-1961م):‏
      وهذا "كارل غوستاف يونغ" يرى أيضاً أن أستاذه "فرويد" غالى كثيراً في إعطاء هذه الأهميّة الكبيرة للغريزة الجنسية، حين عدّها سبب نشأة العُصاب عند الفنّانين، والباعث الأول على الفنّ. والحقّ، أن "فرويد" يوافق أستاذه على مبدأ "اللاّشعور" بوصفه مظهراً من مظاهر الفنّ، ويسمّيه "اللاّشعور الفردي أو الشخصي" أو "الخافية الخاصّة"، ولكنّه يُضيف إليه نوعاً آخر يسمّيه "اللاّشعور الجمعيّ" أو "الخافية العامّة". ويعدّه المنبع الأساسي للأعمال الأدبية والفنيّة، والبَوْتقة التي تنصهر فيها كلّ النماذج البدائية والرّواسب القديمة، والتّراكمات الموروثة والأفكار الأولى.(16) .‏
      فاللاشعور الجمعيّ، بهذا المعنى، يمثّل خبرات الماضي وتجارب الأسلاف. وهو منطلق "يونغ" في تحليل عمليّة الإبداع بصورة عامة؛ فهذه العملية، تتمّ في تصوره، باستشارة النماذج الرئيسية المتراكمة في اللاّشعور الجمعي بوساطة "اللّيبيدو" المنسحب من العالم الخارجي، والمرتدّ إلى داخل الذات، وبوساطة الأزمات الخارجية أو الاجتماعية. وهذا ما يسبّب اضطراباً نفسيّاً لدى الفنّان، فيحاول إيجاد اتزّانٍ جديدٍ لنفسه.(17)
      ومعنى هذا، أن كل المؤثرات يجب أن تمرّ عَبْر الخافية العامّة، في حين أن العملية الإبداعية عند "فرويد" تتم مباشرةً بالتّسامي، وعِلّتها الرئيسية تكمن تحت ضغط مركّب "أوديب" أو الرّغبات الشّقيّة المكبوتة في اللاّشعور العائد إلى سلوك الفرد ذاته، لا إلى الأفكار البدائية الموروثة. وقد انتهى "يونغ" إلى ما انتهى إليه أستاذه سابقاً، وهو أن عملية الإبداع الأدبي أو الفني عمليّة معقدةٌ غامضةٌ، لا يمكن لفرضيات التحليل النفسي أن تحل لغزها بسهولةٍ، وإن كان يقترح إيجاد منهجٍ فنيّ جماليّ لتعمّقها أو العودة إلى حالة "المشاركة الصوفية" لاستكناه بعض أسرارها.(18)
      ***‏
      ومّما لا شك فيه، أن مدرسة التحليل النفسي قدّمت للأدب والفن خدماتٍ جليلةً، وحقّقت للنّقد مكسباً منهجيّاً جديداً؛ إذ فتحت أمامه آفاقاً واسعةً في تعمّق الصُّور الفنّية، وزوّدته بمفاتيح سيكولوجيّة لتحليل شخصيات الأدباء والفنّانين. فهي من هذه الناحية ذات فضلٍ كبيرٍ لا ينكر، في إرساء قواعد نظرية النّقد النفسي.‏
      غير أن لهذا المنهج في دراسة الأدب ونقده آثاراً سلبيّةً واجهت انتقاداتٍ كثيرةً، وهي انتقادات لا تُبطل منهج التحليل النفسي من أساسه بقدر ما تسعى إلى مناقشته وإثرائه، ذلك أن دراسة عمليّةٍ معقّدةٍ غامضةٍ كعمليّة الإبداع الفني بوسائل تجريدية وفرضيات تخمينية، يكون مآلها التّعقيد والغموض أيضاً. ثمّ إن هذا المنهج سلب أهمّ حقٍّ للأعمال الأدبية والفنية، وهو الحقّ الجمالي والاجتماعي، حين حصر اهتمامه في دراسة شخصيات الفنانين على حساب الأثر الفني؛ فكانت المعالجة في النهاية معالجةً "كلينيكيّة" أو "عياديّة"؛ لأنّ الأساس الذي انطلق منه أساسٌ طبّيٌ(19) .‏
      4-شارل بودوان:‏
      حاول هذا الباحث الإفادة من أخطاء الفرويديين في دراساته، فذهب مذهباً يختلف قليلاً عن منهجهم في المعالجة. فالفرويديون يرون العمل الأدبي أو الفّنيّ وثيقةً نفسيّةً صالحةً لِسَبْر أغوار الأديب النفسية وتحليل أمراضه العُصابية، أي أن هدفهم من هذا العمل إثبات صدق النظرية السيكولوجية، وليس التحليل الأدبي أو النقدي. وعلى العكس من ذلك، فإنّ التّحليل النفسي عند "بودوان" تحليلٌ نفسيٌّ أدبيٌّ، وشرحٌ وتقويمٌ من خلال الحقائق النفسية، والمتابعة الدّقيقة لمُكوّنات العمل الأدبي والمعطيات البيوغرافية للأديب أو الفنّان. وهو بهذه الطريقة يريد أن يُعيد بناء التّراكيب الأساسية الكامنة وراء النص الأدبي.(20) .‏
      5-شارل مورون 1899م- 1966م):‏
      استبعد هذا الباحث- وهو منُشئ النّقد النّفساني- أن يكون التحليل النفسي للأدب والفنّ مجرّد تحليلٍ "كلينيكيّ"، تَحْكمه قواعد التّشخيص الطّبيّ، كما استبعد أن يكون الأديب أو الفنّان -في كلّ الحالات- إنساناً عصابيّاً، أو أن يكون أدبه كشفاً عن أمراضه، علماً أنه لم يهمل بعض فرضيات التحليل النفسي في تناوله شخصية الأديب وعمله الأدبي.(21) .‏
      وهذا ما قام به في دراسته لشخصية "راسين" ومسرحيّاته، إذ اهتمّ باللاشعور، ومركّب "أوديب" ومبدأ اللّذّة، والسّادية والمازوخيّة، والكَبْت الشّديد، ورقابة الأنا الأعلى..، ولم يهمل أيضاً تحليل الصّراعات الكامنة وراء المآسي، واستخلاص بنيتها المتجانسة بالاعتماد على العناصر البيوغرافية.(22) .‏

      على أن "مورون" لم يقف عند فرضيات التحليل النفسي ذاتها، وإنما تجاوزها إلى تنوير الآثار الأدبيّة وخلق قراءةٍ جديدة لها. وفنّ القراءة هو الدّعامة الأساسية التي يقوم عليها منهج النقد النفسي عنده. فهو ينطلق من عوامل ثلاثة تكوّن الإبداع الأدبي، هي: الوسط الاجتماعي وتاريخه، وشخصية الأديب وتاريخها، واللّغة وتاريخها والعامل الثاني- أي شخصية الأديب وتاريخها - وهو موضوع النقد النّفسي في المقام الأول(23) .‏
      ولكن هذا الموضوع يتّضح من خلال العناصر المكونّة للأثر الأدبي، أو من خلال تداعي الصور المجازية بعضها على بعض لتركيب شبكةٍ من الدّلالات المستقلّة عن التّراكيب الواعية المتمثّلة فيما اختاره الأديب من عباراتٍ وأفكارٍ. فهذه الشبكة الدّلالية تمثّل الجانب اللاّوعي من حياة الأديب الخفيّة، وهي التي تقودنا إلى الصّور الأسطورية، والحالات المأساوية والباطنية التي انطلق منها الأثر الأدبي.(24) ولم تكن شخصية الأديب أو الفنان وقفاً على أقطاب مدرسة التحليل النفسي، فهناك فريقٌ من النقاد عنى أيضاً بهذا الجانب، بعيداً بطبيعة الحال، عن الإغراق في سبحات التحليل النفسي. نذكر من هذا الفريق على سبيل المثال:‏
      * سانت بيف 1804م-1868م):‏
      المعروف" بصانع الصّور ونحّات العظماء"(25) . ويقوم منهج هذا الناقد الشاعر على تصوير الشخصية من الخارج والدّاخل، وذكر كل ما هبّ ودبّ عن حياتها الخاصة والعامّة: مولدها ونشأتها، وتربيتها، ومعيشتها، وأسرتها، وأقاربها وأصدقاؤها ووضعها الاجتماعي والمادّي، وأعمالها، ومؤلفاتها، وعاداتها وكل ما يتّصل بحالاتها النفسيّة وعلاماتها الجسدية.‏
      وفي الحقيقة، لا يمكن للعمل الأدبي وحده أن يفي بهذه المطالب والمواصفات كلّها، إذ لا بدّ من الاستعانة ببعض الأخبار من الوثائق والسّجلاّت. وقد يكون هذا ميسور بالنسبة إلى شخصيّةٍ حديثة العهد، أمّا الشخصية القديمة التي لم يحتفظ لنا التاريخ بأخبارٍ كافيةٍ عن حياتها. فليس أمام النّاقد سوى أعمالها ومؤلفاتها، وهذا غير كاف إذ لا بد والحالة هذه، من الركون إلى الاجتهاد بالاعتماد على الحدس، والتأويل، والترجيح.‏
      معنى هذا، أن صنيع "بيف" يختلف كل الاختلاف عن صنيع الفرويديّين، فهو بدراسة حياة الأديب لا يقف عند الحدود النفسية، وإنّما يتجاوزها إلى خلق عملٍ أدبيّ ثانٍ يسمّيه "السّيرة الأديبّة" أو "التاريخ الطبيعي" -وهو بهذا، يريد أيضاً أن يكون النّقد خلقاً وابتكاراً مستمرّين.‏
      ولانغدو الحقيقة إذا قلنا، إن هذا النّوع من الدّراسات؛ أي -دراسة- شخصية الأديب أو الفنّان - هو الذي طغى على النصف الأول من هذا القرن سواء عند الأوروبيّين أم عند العرب، ولا أدلّ على ذلك كثرة المؤلفات والسِيّر التي تناولت حياة الأدباء والفنّانين، فضلاً عن حياة رجال الدّين والفكر والسياسة والاجتماع...‏
      ومما لا شك فيه، أن لهذا الإغراق في استقصاء حياة العباقرة والعظماء أثراً سلبيّاً في النّقد الأدبي، لأنه ينحرف به عن وجهته الصّحيحة التي هي دراسة العمل الأدبي وتقويمه. ومن الأحسن أن يُدْرس هذا النّوع في مجاله الخاص به، وهو مجال "السّيرة" أو "البيوغرافيا".‏
      ***‏
      أشرنا سابقاً إلى أن الأدب بأنواعه وأجناسه وأشكاله، هو الرّحم الذي يحتضن النفس الإنسانية بنوازعها وحالاتها. وبَدَ هِيٍّ إذن، أن تكون في النقد العربي القديم بُذور نفسية، ولكنها لا تعدو أن تكون إشارات عابرةً متفرقةً، ولا يمكن عدّها تقريراً كافياً لاتجاهٍ مكتملٍ أو منهجٍ صريحٍ.‏
      وقد ذهب بعض النقاد(26) يمتح هذه البُذور النفسية من كتب النقد العربي القديم لبيان بعض ملامح النقد النفسي عند النقاد العرب القدامى. وكانت هذه الملامح واضحةً عند ابن قتيبة في "الشعر والشعراء"، والقاضي الجرجاني في "الوساطة" وعبد القاهر الجرجاني في "أسرار البلاغة" و"دلائل الإعجاز". وليس لنا، في هذا المدخل أن نتصدّى لهذه الملامح، لأننا نخالها في حاجة إلى بحثٍ قائمٍ برأسه.‏
      وإذا كانت في النقد العربيّ القديم بذورٌ نفسيةٌ بسيطةٌ، فإنّها في النقد العربي الحديث، ظهرت مكتملةً ناضجةً، وخصوصاً في النصف الأوّل من القرن العشرين. وهذا خلاف الاتجاهات الأخرى التي مرّت بمراحل تطوّرٍ.‏
      وقد نضجت هذه البذور النفسية في نقد جماعة الدّيوان ومن تبعها من الأدباء والنقاد والأساتذة الأكاديميين. ويّعدّ عبد الرحمن شكري 1866-1958)، على الخصوص، من الرّعيل الأوّل الذي استفاد من معطيات علم النفس في دراسة الشعر. وتبعه عبد القادر المازني 1890م-1949م) بمقالٍ سنة 1914م درس فيه شخصية "ابن الرومي" دراسةً نفسيةً ثم عبّاس محمود العقاد 1889م-1964م) في دراسةٍ مماثلةٍ للشاعر نفسه، ولأبي نواس وغيرهما، كما تناول محمد النّويهي بالدّراسة النفسية الشاعرين أيضاً. ولم تخل دراسات طه حسين للمتنبّي وأبي العلاء المعرّي من هذا النزوع النفسي، وإن انتقد بشدّةٍ الإسراف فيه(27) .‏
      وهكذا، توالت في زمن هؤلاء الرّواد وبعدهم الدراسات النفسية لشعراء تجلّت فيهم وفي شعرهم -كما أشرنا- النزعة الفردية.‏
      ونستطيع، على كل حال، أن نتعقّب ملامح نظرية النّقد النفسي في النقد العربي الحديث من خلال ثلاثة محاور، يقوم كل محورٍ منها مقام الفصل:‏
      1-دراسة شخصية الشاعر.‏
      2-دراسة عملية الإبداع.‏
      3-دراسة العمل الأدبي.‏
      وستكون هذه المحاور أو الفصول متبوعةً بدراسة تطبيقيّةٍ عنوانها: سيكولوجية الصورة الشعرية في نقد العقاد مع نماذج في شعر ابن الرومي.‏
      (1) ينظر فرويد سيغموند، تفسير الأحلام، ص: 11. وينظر 12 Bellemin -n.j, psychanalyse et litterature, p11,‏
      (2) ينظر، فرويد، علم ما وراء النفس، ص: 58.‏
      (3) ينظر فرويد، الموجز في التّحليل النّفسيّ، ص71 وما بعدها. وينظر فرويد، مسائل في مزاولة التّحليل النّفسيّ، ص:31 وما بعدها. وينظر فرويد، الأنا والهذا، ص: 9-16و 27.‏
      (4) ينظر عبّاس، فيصل، الشّخصيّة في ضوء التّحليل النّفسيّ، ص76-77-‏
      (5) ينظر عبّاس، فيصل، الشّخصيّة في ضوء التّحليل النّفسيّ، ص76-77-78.‏
      (6) ينظر عبّاس، فيصل، الشّخصيّة في ضوء التّحليل النّفسي، ص:76-77.‏
      ينظر عباس، فيصل، الشخصية في ضوء التحليل ص72.‏
      *) العصاب neurose اضطرابات وظيفية غير مصحوبة باختلال جوهري في إدراك الفرد للواقع، كما هو في الأمراض الذّهانية ويُميّز التّحليل النّفسيّ بين نوعين من الأعصبة الواقعية actual - neuroses مثل: النيروستانيا وعُصاب القلق، والأعصبة النفسية psycho- neuros وأهمّها الهستيريا والعصاب الوسواسي.."(1) .‏
      (7) فرويد، الموجز في التحليل النفسيي ص 98-99.‏
      (8) ينظر، فرويد، تفسير الأحلام، ص: 149-185. وينظر فرويد، الموجز في التحليل النفسي، ص:107-108.‏
      (9) ينظر، فرويد التحليل النفسي والفن، دافنتشي ودستويفسكي، ص:32. وينظر، الواد، حسين، قراءات في مناهج الدراسات الأدبية، ص:5و6.‏
      (10) ينظر، فرويد، التّحليل النّفسيّ والفنّ، ص: 96 وما بعدها وينظر، محمد علي عبد المعطي، الإبداع الفنّي وتذوّق الفنون الجميلة، ص: 142.‏
      (11) ينظر، الواد، حسين، قراءات في مناهج الدّراسات الأدبيّة، ص: 7-8-9.‏
      (12) ينظر فرويد، الهذيان والأحلام في الفن ص:9 وما بعدها. وينظر الواد، حسين، قراءات في مناهج الدّراسات الأدبيّة، ص:7-8-9-.‏
      (13) ينظر، فرويد، التّحليل النّفسيّ والفنّ، ص:91-94 وينظر، العقاد، يوميات، ج2، ص:170.‏
      (14) ينظر: ليبين، فاليري، التحّليل النّفسيّ والفرويديّة الجديدة، ص: 113 وما بعدها.‏
      (15) ينظر، ليبين فاليري، التّحليل النّفسيّ والفرويديّة الجديدة، ص: 113 وما بعدها.‏
      (16) ينظر، يونغ، كارل غوستاف، علم النفس التّحليلي، : 29-30-191-194.‏
      وينظر، محمد، علي عبد المعطي، الإبداع الفنيّ وتذوّق الفنون الجميلة، ص: 154-155-158-159-160.‏
      (17) ينظر، يونغ، كارل غوستاف، علم النفس التّحليلي، : 29-30-191-194.‏
      وينظر، محمد، علي عبد المعطي، الإبداع الفنيّ وتذوّق الفنون الجميلة، ص: 154-155-158-159-160.‏
      (18) ينظر، يونغ، كارل غوستاف، علم النفس التّحليلي، : 29-30-191-194.‏
      وينظر، محمد، علي عبد المعطي، الإبداع الفنيّ وتذوّق الفنون الجميلة، ص: 154-155-158-159-160.‏
      (19) Doubrouvsky, serge, pourguoi la nouvelle critigue, p, 122-123‏
      (20) ينظر، كارلولي وفيللو، تطور النقد الأدبي في العصر الحديث ص: 186.‏
      (21) ينظر جماعة من النقاد:‏
      les chemirs actuels de la critigue, p: 379-380-381.‏
      (22) ينظر جماعة من النقاد:‏
      les chemirs actuels de la critigue , p:379-380-381.‏
      (23) ينظر جماعة من النقاد:‏
      les chemirs actuels de la critigue , p:379-380-381.‏
      (24) ينظر جماعة من النقاد:‏
      les chemirs actuels de la critigue , p:379-380-381‏
      (25) ينظر كارلوين وفيللو، النقد الأدبي، ص: 37-38‏
      وينظر: 174-170-165: Le chimins actuels de la critigue p‏
      (26) من هؤلاء النقاد، ينظر:‏
      -خلف الله، محمد، من الوجهة النفسية في دراسة الأدب ونقده، ص:48-49و72-73.‏
      -البستاني محمود عبد الحسين، المناهج النقدية في نقد المعاصرين، ص: 7‏
      -أبو الرضا، سعد أبو الرضا محمد، الاتجاه النفسي في نقد الشعر، ص: 100و150.‏
      (27) ينظر طه حسين، خصام ونقد، ص221 وما بعدها، وص: 228 وما بعدها وص:257.‏

      إذا الشعب يوما أراد الحياة
      فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
      و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
      و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

      تعليق


      • #4
        رد: المدخل إلى نظرية النقد النفسي سيكولوجية الصورة الشعرية في نقد العقاد (نموذجاً)

        الفصل الثاني
        وهو المحور الذي يدرس شخصية الشاعر من شعره وسيرة حياته، متّكئاً، في الوقت نفسه، على السّياق النفسي وما يتّصل به من علم إحياءٍ، ووراثةٍ، ووظائف بيولوجية وفيزيولوجية، وجنسية..‏
        وقد أشرنا إلى أن ملامح هذا المنحى النّفسي، بدأت تظهر في مطلع هذا القرن، حين حاول المازني تصوير شخصية ابن الرومي تصويراً نفسيّاً. وتبعه في ذلك العقاد بكتاب كامل عن الشاعر نفسه "ابن الرومي حياته من شعره" فضلاً عن دراسات طه حسين، والنّويهي..‏
        ولم يقتصر هؤلاء الأدباء والنقاد على دراسة شخصيات غيرهم، وإنّما كتبوا عن أنفسهم ما يُشْبِه السّيرة الذّاتية. كتب المازني "إبراهيم الكاتب" و"إبراهيم الثاني"، وكتب العقاد" وأنا و"عالم السدود والقيود" و"سارة"، وكتب طه حسين "الأيام"، وكتب أحمد أمين قصّة حياتي...‏
        ونخال هذا الجانب الوافر من أدبنا العربي الحديث بحاجةٍ إلى تغطيةٍ شاملةٍ ببحث علميّ مستقلٍّ، يتناول بالمقاومة مع السّير الغربية الذّاتية الخصائص النفسية، والاجتماعية، والفنية، والجمالية..‏
        1-ويُعدّ "العقّاد"‏
        أحد من تبنّوا بالدراسة النفسية شخصية الشاعر أو الأديب؛ إذ تناول ما يربو على الثلاثين شخصية من القديم والحديث، وفي مختلف الحقول المعرفيّة: شعريّة، وأدبية، وفكرية، وسياسية، واجتماعية.. فضلاً عن سيرته الذاتية.‏
        وتقوم الدراسة البيوغرافية للشعراء والعباقرة، عند العقاد، على المقومات الآتية:‏
        1-رسم الصورة النفسية والجسدية.‏
        2-استنباط مفتاح الشخصية.‏
        3-أما الدراسة نفسها، فتعتمد على منحيين اثنين أولهما: المنحى "النّفسيّ الفنّيّ" أو "السّيكوفنّيّ"، ثانيهما: المنحى "النّفسيّ الجسميّ" أو "السّيكوسوماتي".‏
        -واعتمد العقاد في رسم الصورة النفسية على ظروف العصر والبيئة، والنشأة، والسياسة، والثقافة، وكل ما يتّصل بهذه الظروف من عوامل الاستعداد الموروث من جانب الأبوين، وعوامل الاستعداد الفطري من جانب تكوين الشخصية ذاتها، كالتكوين النفسي والخلقي والمزاجي. وينبغي أن نعرف أن هذه الظروف والعوامل لم تكن مقصودةً لذاتها بوصفها أدواتٍ معرفيّة، وإنما توسّل بها الناقد الوصول إلى ملامح الصورة النفسة.(1)
        أما الصورة الجسدية، فقد اعتمد في تشكيل ملامحها على الوصف الخارجي للبنية الجسدية، وكل ما يتصل بهذه البنية من علامات مميّزة. وهذه العناية يوصف الملامح النفسية الجسدية تجسّد ما يُسمّى في علم النفس بـ "التّشخيص النفسي" psychodiagnos" القائم على دراسة الشخصية بوساطة الظواهر الخارجية(2) .‏
        وإذا أخذنا هذه الصورة النفسية الجسدية بظروفها التاريخية والبيئية، وبعواملها الوراثية والفطرية، فإنّها تدخل في إطار ما يُسمى بـ"فلسفة التّاريخ" إلى جانب الدراسة الأدبية والفهم "السّيكوبيوغرافي" والناقد بهذا الصّنيع، لا يختلف كثيراً عن هؤلاء "الكتاب المولعين برسم صور الشخصيات كـ "سانت بيف" و"لبيتون ستراتشي" و"إميل لودفيج" وغيرهم من كتاب السّيرة.(3) .‏
        أما المُقوّم الثاني الذي قامت عليه الدراسة البيوغرافية، فهو "مفتاح الشخصية". وأقرب مفتاح -على سبيل المثال- إلى شخصية أبي بكر الصّديق، هو "الإعجاب بالبطولة"(4) أما مفتاح شخصية عمر بن الخطاب، فهو "طبيعة الجندي"(5) .‏
        ويحمل هذا المفتاح، عند العقاد، أكثر من رسم فهو "محور الحياة" و"مسبار الطبيعة"، وهو تلك "الأداة الصغيرة التي تتيح لنا فكّ مغالق الشخصية والنّفاذ إلى سريرتها، دون أن تزيد على هذا، لأنها لا يمكن أن تحيط بكل صفاتها وخلائقها، ولا يمكن أن تمثّل كل خصائصها ومراياها، تماماً كما هو مفتاح البيت قد ينفذ بنا إلى حصنه المغلق وراء الأسوار والجدران، ولكنه لا يصف شكله وصفاً تامّاً، ولا يمثّل اتساعه تمثيلاً كاملا.(6)
        فمفتاح الشخصية، بهذا المعنى، شبيه بمفتاح البيت، كلاهما صادقٌ قد يسهل أو يصعب إيجاده بحسب طبيعة الشخصيات والبيوت، وليست السهولة والصعوبة- ههنا في نظر العقاد - مرتبطين بالكبر والصغر، أو بالحسن والدّمامة، أو بالفضيلة والنقيضة. فقد نلج الشخصية العظيمة بمفتاح بسيط وعلى العكس من ذلك، قد يتعذّر علينا إيجاد مفتاح الشخصية الهزيلة الناقصة. تماماً كما هو البيت أيضاً، فقد يكون كبيراً حصيناً، ومع هذا، فهو غير عسير الفتح، نلجه بمفتاح صغيرٍ، في حين يصعب فتح البيت الصغير المتواضع.(7) .‏
        وقد لا تكون هذه المقارنة ذات قيمة إذا أدركنا أن مفتاح الشخصية، على الخصوص، يحمل دلالةً سيكولوجيةً أعمق منها. فالمقصود بهذا المفتاح من مجمل دراسات العقاد البيوغرافية، تلك "السّمة الغالبة"(8) على سلوك الشخصية وخلائقها وصفاتها وعاداتها، وهي التي تميّز الشخصية عن غيرها من الشخصيات.‏
        ونلاحظ أن مصطلح "السّمة الغالبة" الذي استخدمه الكاتب في تعريف المفتاح هو المصطلح نفسه في علم النفس ويدعى "le trait dominant"(9) . ومن هنا، فإننا إذا عرضنا هذه السّمة على نظريات التحليل النفسي للشخصية، فإننا نرى أن مفهومها قريب -إلى حدٍّ ما- ممّا يسمى" -بنظرية السّمات theorie de traits"(10) .‏
        -أما المقوّم الثالث والأخير الذي قامت عليه الدّراسة البيوغرافية، فيتعلق بطريقة الدراسة ذاتها أو المعالجة نفسها، وتتّكئ هذه الطريقة على منحيين اثنين: أوّلهما، "المنحى النفسي الفنّي"، اصطلحنا على تسميته المنحى "السيكوفنّي psycho- artistique"، ويسعى إلى ربط فنّ الشاعر بمزاجه وسلوكه وحياته النفسية الباطنية، لاستخلاص صورة "سيكوفنّية". وقد مسّ هذا المنحى كل الشعراء وخصوصاً "عمر وجميل" وإن كانت الغلبة للتّقويم النفسي على التقويم الفنّي.‏
        ثانيهما، "المنحى النفسي الجسمي "أو السيكوسوماتي" "psycho - somatique" وهو في الطبّ النفسي دراسة العلاقة بين الحالات النفسية السّوية أو غير السوية أو المرضية والظواهر الجسمية أو البدنية(11) وتكون هذه الحالات والظواهر مصحوبةً في الغالب باضطرابات في الوظائف البيولوجية والفيزيولوجية والعصبية والجنسية، وبعوامل انفعالية من ناحية الشعور أو الإحساس والإدراك وتغيّر السلوك، وترافقها أيضاً علامات جسدية، تظهر في تعابير الوجه والوضعية والحركة، وغالباً ما يخضع المريض في هذه الحالات المرضية الشديدة إلى فحصٍ سريريٍّ لتشخيص آفاته النفسية والجسمية.(12) .‏
        فالمنحى "السيّكوسوماتي"، بهذا المعنى، يعتمد على حقائق الطب النفسي في تحليل الشخصية تحليلاً نفسيّاً وجسميّاً. ولكنه -عند العقاد- لا يتعدّى، في الغالب، وصف البنية النفسية الجسدية، وتحليل بعض اضطراباتها واختلالاتها بالاعتماد على شعر الشاعر، وعلى شيءٍ من أخباره الخاصة والعامّة.‏
        ولهذا، فكلمة منحى، في نظرنا، أنسب من كلمة "منهج"، لأن المنهج يتطلّب متابعةً صريحةً ودقيقةً لخطواته، وإن كان يصحّ إطلاقه على دراسة العقاد النفسية لأبي نواس: ففي هذه الدراسة بدا الاسراف واضحاً في تطبيق المنحى السيكوسوماتي بحقائقه الطبية النفسية(13) . وهو المنحى نفسه الذي مسّ عدداً غير قليلٍ من شخصيات العباقرة والعظماء(14) .‏
        ***‏
        ومهما يكن من أمرٍ، فإن العقاد يفضّل مدرسة النقد السيكولوجي" على سائر المدارس الأخرى، لأنها أقرب إلى رأيه وذوقه معاً: فهي تتيح له تلمّس الفوارق النفسية بين شعراء عدّة يعيشون في مجتمع واحدٍ وحقبةٍ زمنيةٍ واحدةٍ(15) .‏
        وهذا ما لا تستطيعه، في تصوره، المدرسة الاجتماعية والمدرسة الفنية أو البلاغية. فالأولى تكتفي بتفسير عوامل العصر في المجتمع الواحد، ولا تفسّر تلك الفوارق السيكولوجية، في حين تقتصر الثانية على تفسير أسباب شيوع الذوق المختار تفضيلاً لأسلوب من الأساليب في التّعبير، ولا تنفذ بنا إلى أسرار الإنسان المبدع والمتذوق، كما لا يعرّفنا به وبقدرته على الإبداع.(16)
        ويخلص العقاد من هذا إلى أن النقد النفسي أكثر سعة وحيوية من المدرستين، لأنه يحيط بهما، بل يغنينا عنهما حين يعطينا البواعث النفسية المؤثرة في شعر الشاعر وكتابة الكاتب. ولا بد، في نظره، أن تحيط هذه البواعث جملةً وتفصيلاً بالمؤثرات المعيشية التي تأتي الشاعر والكاتب من مجتمعيهما وزمانيهما(17) .‏
        ومن هنا، تتجلى قدرة النقد النفسي أو الناقد السيكولوجي، وآية هذه القدرة "أن يشمل العصر كله بمقاييسه النفسانية حيث يهتدي إلى وجوه المشابهة في الأعماق، فيرجع بها إلى سببٍ واحدٍ شاملٍ لجميع المناهج والأساليب والدوافع السيكولوجية، وإن بدا عليها أنها تفترق أبعد افتراقٍ(18) .‏
        ولم يكن العقاد يعنى كثيراً بحوادث العصر وواقعه وتواريخه إلا بالقدر الذي يتيح له الوصول إلى غرضه النفسي، وهو رسم الصورة النفسية الجسدية للشخصية. والناقد، في الحقّ، لم يحدّد جنس مدرسته السيكولوجية، لأن لعلم النفس -كما هو معروف- مدارس كثيرةً وطرائق مختلفةً. واكتفى بالقول إنّه لم يكن يوماً من أشياع مدرسة "فرويد" وتلاميذه في الدراسات النفسية.(19)
        ولم تكن غايته من دراسة نفوس الشعراء التحليل النفسي الفرويدي، وإنما هو يرجع إلى نفس الشاعر حين يلتمس -كما أشرنا- الفوارق السيكولوجية التي لا تفسّرها البيئة الاجتماعية، وهي واحدة، في نظره، حيث يختلف العشرات بل المئات من الشعراء. ويصرّح إلى جانب هذا، أنه ما كتب عن شاعر واحدٍ دون أن يحيط الكلام عليه بالبحوث المطولة عن أحوال عصره ومعنى ظاهرته من الوجهة الاجتماعية(20) .‏
        ***‏
        واهتم العقاد أيضاً، بالفكرة الجمالية -وما يتصل بها من حريّةٍ وتناسبٍ، وإحساس،ٍ وجميلٍ، وجليلٍ، وقبيحٍ وإدراكٍ، وذوقٍ.. معتمداً على فهمه النفسي والفلسفي.‏
        ونستطيع أن نلخّص هذه العلائق الجمالية في النقاط الآتية:‏
        -إن الجمال عنده، هو انعتاق النفس والجسم من العوائق النفسية والبيولوجية. ومن هنا، كان منافياً للقيود والأوزان مرتبطاً بالحرّية والخفّة أو الرّشاقة والحركة في وظائف الأعضاء، على أن هذه الحرية عموماً، ليست مطلقة، لأنها تخضع أحياناً إلى بعض القيود والأوزان والقوانين لاجتناب الفوضى؛ فالعمل بين هذه الحواجز لا يُعطّل الشعور بالحرية، بل هو مسار ما في النفوس من جوهرها..(21)
        -وإذا كان التّناسب شرطاً ضرورياً للجمال، فإن هذا الجمال يوجد في غير التناسب إذا زالت العوائق النفسية التي تناقض الشعور به مثال ذلك "الزرافة"(22) .‏
        -إن الإحساس بالجمال يخضع لعامل سيكولوجي يتمثّل في الصلة النفسية الروحية بين مدرك الجمال والموضوع الجمالي، فالحكم الجمالي يتوقّف على طبيعة الاستعداد النفسي لمُدِرك الجمال وعلى ما يشعّ في الموضوع الجمالي من حركةٍ وحياةٍ، فقد يكون الوجه قسيماً وسيماً ولكن عائقاً في تكوينه أو في نفس المُدِرك يُحُول دون الاعجاب به(23) .‏
        -ومن هنا، كان للجميل والجليل علاقة "سيكوجمالية" بالدّاخل والخارج، أو بالنفس والموضوع الجمالي، وهذه العلاقة تحكمها طبيعة الحالات النفسية لحظة الهدوء والتوتّر. فالجميل، عند العقاد، مظهر القدرة تقابله النفس بالإعجاب، والجليل مظهر القوة تقابله النفس بالخشوع.(24) وقد ينعكس المظهران، في تصوّرنا، في النفس بحسب الحالة الشعورية.‏
        -إن الجليل بأطرافه المتناقضة من: هلعٍ وإعجابٍ وخوفٍ وإقبالٍ، وموتٍ وحياةٍ.. واقعةٌ جماليةٌ وعنصرٌ أساسيٌ في الحياة، لا يمكن الشعور به إلا ممتزجاً بالجميل(25) .‏
        ومدار هذا التمازج على علاقة النفس بالطبيعة، أو الذات بالموضوع، أو الداخل بالخارج، وقد استمدّ العقاد هذه العلاقة "السيكوجمالية" من الموقف الرومانسي(26) ، كما أدرك جدليّتها بين الدّاخل والخارج.(27) . لأن الجمال خارج خواطر الإنسان وحالاته النفسية والذهنية شيءٌ جامدٌ لا قيمة له، وإن كان يحمل هذه القيمة في ذاته.(28)
        - وللقبيح أيضاً قيمة "سيكوجمالية" في التعبير الفنّي إذا كان الغرض من تصويره بيان حالةٍ نفسيةٍ أو حقيقةٍ جماليّةٍ.(29)
        -إن العلاقة بين الإدراك الجمالي والظاهرة الجمالية علاقة تجريد عقلي، عند العقاد، تتجاوز الرؤية الحسّية إلى التأمّل الدّقيق في حيثيات تلك الظاهرة، للوقوف على مظاهر القبح والجمال فيها، وإدراك شكلها الكلي. وهذه النظرة الكلية الشاملة، هي الوسيلة التي ندرك بها الكون في كليته وشموليته. ولن يتم هذا إلا برؤية باطنية تدعى "عين الباطن" أو "الوعي الباطن" الذي يستخدمه المتصوّف في إدراك حقائق الكون(30) .‏
        -إن الإدراك الجمالي، عند العقاد، لا ينحصر في جزءٍ من حياة الإنسان، وإنّما يشمل كل قدراته النفسية وطاقاته الذهنية والغريزية، ولهذا فهو مطابق لعملية "الفهم" التي ترادف الحسّ، والغريزة، والعطف، والبديهة والخيال، والتفكير، والمعرفة الكونية والنفسية والشيئية(31) .‏
        وهذه العناصر التي تُكوّن الفهم الكامل أو الإدراك التام، هي العناصر نفسها التي تُكوّن لذي الرومانسيّين عالم الفنان الداخلي أو بصيرته الشعرية(32) .‏
        -إن للذوق في الفن قيمة سيكوجمالية، عند العقاد، تتجلى في قدرته على الخلق والإبداع. ويمتاز بالدقة والطبع والحسّ الجمالي والخبرة العلمية، والدّربة الفنية. وهو بهذه المواصفات، لا يختلف كثيراً عن الإدراك الجمالي. ولكنه خلاف الذوق المتملّي أو المستمتع القائم على الرتابة والتكرار(33) ويرجع تفاوت الأذواق وتباينها إلى طبيعة الأطوار النفسية، لذلك كان على صنفين: صنف واقعي محافظ، وصنف خيالي مجدّد.(34) .‏
        والنّتيجة العامة التي يمكن استنباطها، هي أن النقد النفسي للفكرة الجمالية، عند العقاد، كان يرفده في أغلب الأحيان، تعليلٌ فلسفيٌّ، ولا غرو في ذلك، فالواقعة الجمالية، كما هو معروف، واقعةٌ فلسفيةٌ ذات صلةٍ وشيجةٍ بنفس الإنسان وشعوره.(35) .‏
        كما تبدّى النقد النفسي واضحاً في معالجة العقاد للشعر بالنظرية والتطبيق؛ إذ تناول بالاستقصاء النفسي طبيعة التجربة الشعرية ووظيفتها(36) ، والوحدة العضوية(37) ، والتعبير الشعري وما يتّصل به من صورٍ شعريةٍ(38) وخيالٍ(39) وتشبيهٍ(40) ، ولغة شعريّةٍ(41) .‏
        وبطبيعة الحال، لا تتّسع جعبة هذا المدخل لاستيعاب كل هذه المفهومات بالتّفصيل. ويكفي أن نُشير إلى أن مجال تطبيقها كان في الغالب شعر "أحمد شوقي"، ثم إنها لم تكن موجّهةً إلى تنوير العمل الشعري نفسه، وإنما استغلّها صاحبها للوصول إلى شخصية الشاعر إخلاصاً للمبدأ النقدي الذي نادى به طوال حياته، وهو أن "الشاعر الذي لا نعرفه من شعره لا يستحقّ أن يُعرف"(42) ولعله يؤمن ههنا برأي ستيفن سبندر"، وهو أننا نعرف الرجل عن طريق شعره أكثر ممّا نعرفه عن طريق دقائق حياته(43) .‏
        نفهم من هذا كلّه أن السّمة الغالبة على دراسات العقاد النقدية والأدبية، هي سمة الفردية أو التفرد لإيمانه بالوعي الفردي، وهي إحدى خصائص النقد النفسي عنده والأساس الذي ترتكز عليه النظرية الرومانسية عموماً، وهي النظرية التي ألهمت الناقد ضرورة تفرّد الأديب بشخصيته، بل جعلته يعتقد أن التاريخ الإنساني ييأخذ مساره من الاجتماعية إلى الفردية(44) ولعل إيمانه، أيضاً بضرورة تجسيد العمل الأدبي لشخصية الأديب، جعله لا يحفل كثيراً بالصّلة التي تربط هذا الأديب بواقعه الاجتماعي، بل إن هذا الإيمان دفعه إلى الإمعان في موقفه المتعنّت من دعاة الواقعية الاشتراكية في مصر(45) .‏
        ب-واهتم "محمد النّويهي"‏
        على غرار العقاد بتحليل شخصيات الشعراء تحليلاً نفسيّاً، وإن اختلفت النتائج في الظاهر لاختلاف الفرضيات السيكولوجية، ولكن المنحى النفسي العام في المعالجة يبقى هو هو، ويقوم عند هذا الناقد، أيضاً، على شيءٍ من المنحى "السيكوفنّي" وعلى الإسراف في استخدام المنحى "السيكوسوماتسي" أو "الطبّي النفسي"؛ إذ تناول هو الآخر بالتحليل النفسي شخصيتي ابن الرومي والحسن بن هانيء.‏
        ويجدر بنا في البداية، أن نفهم نظرية النّقد النفسي عند هذا الناقد، لنصل بعد ذلك إلى النتائج التي انتهى إليها في دراسة شخصيات الشعراء. ويمكن تلخيص نظريته في مفهومين أساسين هما:‏
        -تنفيس الفنان عن عاطفته وتوصيلها إلى الناس.‏
        -الأدب صورة نفسية لشخصية الشاعر أوالأديب فالتّنفيس والتّوصل، عنده، دافعان متلازمان وشرطان ضروريان لبروز الفنّ" ولا يغني أولهما عن ثانيهما، هما: رغبة الفنّان في أن ينفّس عن عاطفته، ورغبته في أن يضع هذا التنفيس في صورةٍ تثير في كل من يتلقّاها نظير عاطفته"(46) .‏
        والتنّفيس والتّوصيل مسألتان واردتان في النقد النفسي والأدبي؛ فأيّ عمل يبدعه أديبٌ صادقٌ أصيلٌ، إنما يريد منه التنفيس عن همومه ورغباته وعواطفه، وهو لا يكتفي بهذا، بل يريد أن يوصل عمله إلى غيره ليعيش معه تجربته "فقد قيل"، مثلاً إن "غوته" حرّر نفسه من آلام العالم بتأليف "آلام فرتر"، وأنّ الشاعر دي موسيه كان يلجأ إلى الشعر لإنقاذ نفسه من الانتحار"(47) وقد حلّل "ريتشاردز" عملية التوصيل، فرآها ضرباً من الموهبة، أو هي القدرة على استرجاع تجارب الماضي، وهذه القدرة هي التي تميّز الرجل الماهر في التوصيل، شاعراً كان أو مصوّراً.(48) .‏
        على أن نظرية "النّويهي"، لا تقف عند حدود التنفيس عن العواطف وتوصيلها فحسب، بل تتعدّاها إلى ضرورة تَمثُّل المتلقي التجربة كما عاشها الأديب بالمرارة نفسا، أو على نحو مشابه لها، ذلك أن هذا المتلقّي لا بدّ أنه يملك مُعادِلاً موضوعيّاً لها في نفسه من تجاربه الذاتية. وتجربة الشاعر أو الأديب هي التي توقظ مخزون ذاكرته من السّكون فتدفعه إلى المعايشة الوجدانية.(49)
        ولهذا يدعو "النهويهي" القاريء إلى ضرورة تمثّل تجربة الأديب للحصول على المتعة والفهم، وذلك بتذكّر المواقف التي حدثت له في مراحل عمره، أو حدثت لأصدقائه وأقاربه، سواء أكانت هذه المواقف مفرحةً أو محزنةً، لأن فيها، بلا شك، ما يشبه مواقف المبدع في عمله الفني.(50) .‏
        وهذه الدعوة شبيهةٌ بما طالب به "العقاد" الشاعر من ضرورة الصدق في التجربة الشعرية لنقلها إلى القاريء حيّةً صادقةً.‏
        غير أن "النويهي" تجاوز هذا الطرح النظري السيكولوجي لعمليتي التنفيس والتوصيل، وما يتصل بهما من استجابة المتلقي إلى تحليل شخصيات الشعراء تحليلاً نفسيّاً بدا فيه الإسراف واضحاً، شأنه في ذلك شأن العقاد في دراسته لأبي نواس، إذ تناول هو الآخر شخصية ابن الرومي وبشّار وأبي نواس في ضوء المنحى النفسي الجسمي أو "السّيكوسوماتي" القائم على فرضيات التحليل النفسي وحقائق الطب النفسي، وتخلّلت دراساته، أيضاً، بعض الجوانب "السّيكوفنّية".‏
        فقد حصر دراسته لابن رومي في تشخيص بعض الأمراض الجسمية والآفات النفسية التي استقرأها من شعره. وتوصّل إلى أن أشدّ ما كان يؤلم هذا الشاعر، هو إحساسه بالعجز الجنسي وبطيرته، واضطراب هضمه لضعف مَعدّته(51) .‏
        وهذا هو الاتجاه نفسه الذي سلكه، أيضاً، في دراسة "الشخصية النواسية"؛ إذ حلّل الظواهر النفسية لهذا الشاعر، معتمداً على حقائق علم النفس وعلم الأحياء. فانتهى مثلاً، إلى أن أبا نواس كان يعاني الشذوذ الجنسي، وسبب هذا الشذوذ في تصوره، يكمن في عقدته النفسية التي تشكّلت في عقله الباطن أو اللاشعور، بسبب ما رآه في صباه من تعهّر أمه وتبرّجها؛ إذ تزوّجت بعد وفاة أبيه، وفتحت بيتها لطلاّب الهوى والمجون.(52)
        ولم يكن هناك، في نظرنا، اختلافٌ جوهريٌ بين دراسة العقاد ودراسة النويهي لنفسية أبي نواس، اللّهم إلا في بعض المصطلحات والفرضيات التي انطلق منها كلّ ناقدٍ. فالأول، أقام دراسته على "النّرجسيّة" وما يتصل بها من لوازم، وشذوذٍ جنسيٍّ، وعُقدٍ نفسيةٍ، كعقدتي الإدمان والنّسب.‏
        والثاني أقامها أيضاً على الشذوذ الجنسي وما يرتبط به من عوامل وأسباب*) كالشعور الجنسي بالخمرة. فالدراسات إذن، تجمعهما الغريزة التي هي أساس النظرية الفرويدية وإن تفرّع التحليل إلى حالات أخرى.‏
        ويعلّل النويهي شغف أبي نواس بالخمرة تعليلاً لا يخلو من الإسراف والاعتساف. فهو يرى أن إحساس الشاعر بالخمرة، كان إحساساً جنسيّاً، أي أن الخمرة هي التي كانت تهيج فيه الشبق الجنسي، وتثير فيه لذة المواقعة لا مواقعة النساء والغلمان، وإنما مواقعة "الخمرة" فكأنه كان يحصل على أشباعه الجنسي من الإدمان على شربها.(53)
        وهذا النّهم المفرط في طلبها، كان يرضيه إرضاءً جنسيّاً، ويعوّضه لذّة المواقعة الحقيقية. وقد اتّكأ النويهي في إثبات هذه الصلة بين شرب الخمرة والغريزة الجنسية على بعض اللوازم اللفظية التي تكرّرت في شعر الشاعر وأكّدت تلك الصّلة، منها: بكر، عذراء، فتاة، وجل، المئزر، افتضاض البكارة، العذرة، افتراع..‏
        وهنا، دلالةٌ واضحةٌ على اعتماد الناقد منهج التحليل النفسي الفرويدي، فالموضوع الجنسي بهذا المعنى، لا يقتصر على العلاقة الجنسية بين الذكر والأنثى، أو بين الذّكرين أو الانثنين، وإنما قد يتعدّاها إلى التّعويض عنها بوساطة الأشياء كمعاقرة الخمرة، وتعاطي المخدّرات.‏
        وكان النويهي مخلصاً لمنهجه النفسي حتى في بعض اللّمحات الفنية على غرار العقاد. فقد توصّل إلى أن للشذوذ الجنسي أثراً واضحاً في فنّ الشاعر ونفسيته، وأن ثمة صلة وثيقة بين حاسّته الجنسية وحاسته الفنية.(54) في حين حصر العقاد فنّ الشاعر في "لازمة العرض النرجسي"(55) وهذا ما أصطلحنا على تسميته "المنحى السيكوفني".‏
        وهذه الأمثلة المختارة، من دراسة النويهي لنفسية أبي نواس، كافية للاقتناع بأن اعتماد الناقد على شعر الشاعر، لم يكن سوى وسيلة للوصول إلى تحليل شخصية الشاعر ونفسيته وعقده، وشذوذه، وبيان أثر هذه الحالات النفسية في فنّه.‏
        ***‏
        ولم تكن الدراسة النفسية لشخصيات الشعراء حكراً على العقاد والنويهي بل استهوت أيضاً عدداً غير قليلٍ من الأدباء والنقاد، نذكر منهم على سبيل المثال: محمد كامل -حسين في دراسته للمتنبّي وأبي العلاء المعري، وحامد -عبد القادر في دراسته للمعري أيضاً.‏
        جـ-فقد انتهى الأول "محمد كامل حسين".‏
        إلى قناعةٍ بأن ظاهرة "التّعقيد" في شعر المتنبّي، لم تأت اعتباطاً، وإنما هي، في تصوّره، دلالةٌ على حالةٍ نفسيةٍ معيّنةٍ؛ فهي تدل على عقليّته في شبابه، وعلى شيءٍ من الصغار في النفس، والقصور في الهمّة والكفاية، والتّباعد ما بين غناء الفتى وآماله. ولم يكن انتقال الناقد من الشعر إلى الشاعر، ومن الشاعر إلى الشعر موجّهاً إلى غرضٍ فنّيٍّ جماليٍّ يرمي إلى تحليل ظاهرة التعقيد في شعر المتنبّي، وإنما كانت وسيلة للدلالة على حالاته النفسية.(56)
        وقد سلك الدارس الاتجاه نفس في دراسته لأبي العلاء المعريّ، فلزوميات هذا الشاعر على الخصوص، تحمل طابعه الشخصي، وكل ما فيها من تكلّفٍ ونَظْمٍ عجيبٍ دلالةٌ أيضاً على شخصيته ونفسيته، يقول "على أن أروع ما في أدب أبي العلاء وأعظمه دلالة على أعماق نفسه.. هو من غير شكّ اللزوميات، هذا التأليف العجيب يدلّنا على نفسيّة أبي العلاء بما لا يدل أي عمل آخر على نفسية مؤلفه".‏
        ***‏
        د- أما "حامد عبد القادر":‏
        فقد ذهب مذاهب مختلفة في تحليل شخصية "المعرّي" في ضوء علم النفس. فهو يعزو بعض سلوكه كالعزلة، والزهد، والطموح الأدبي إلى إصابته ببعض العقد النفسية منها: ظاهرة الدفاع عن النفس، وظاهرة التعويض.. وأقام تعليله على أساس العقل الظاهر والعقل الباطن؛ لعلّه يقصد بالأول الشعور "والثاني اللاشعور"(57) .‏
        وفي تصوره، أنه إذا كان العقل الظاهر قد رضي عند المعرّي بالهزيمة واطمأن إلى الشعور بالعجز، فإنّ العقل الباطن على النقيض من ذلك، لا يرضى بالهزيمة والعجز بل يريد أن يحوّلهما إلى الانتصار والقوة عن طريق التعويض.(58) .‏
        وإذا كان الشاعر أخفق في حياته الاجتماعية، ولم ينل ما كان يطمح إليه من مجدٍ وجاهٍ، فإنّ له مجالاً آخر لا يجاريه فيه أحدٌ، يكمّل له ذينك المطمحين، هو مجال الأدب، أو الشعر، ففيه اتّسعت له العبقرية الفنية، ونالها غير مدافع عن طريق عزلته، ووحدته، وتفرّده(59) .‏
        ويعزو الباحث سرّ تكلّف الشاعر وتصنّعه في شعره بعدما آل إلى الزّهد والعزلة إلى غريزةٍ فطريّةٍ في كل إنسانٍ، هي "حبّ الظهور والاستعلاء"(60) . وهي الغريزة التي أقام عليها "أدلر" نظريته في التحليل النفسي، وعلى أساسها فسّر الإبداع الفنّي.‏
        وهكذا كان حامد عبد القادر، شأنه شأن العقاد والنويهي، ومحمد كامل حسين، يعني في المقام الأوّل بشخصية الشاعر، ولم يكن العمل الشعري، عنده، سوى وسيلة لشرح بعض الحالات والعقدة، والغرائز. وقلّما لاقى هذا العمل نفسه عنايةً كبيرةً بخصائصه الفنيّة والجمالية، علماً أن لهذا الدارس، كما سنرى، كتاباً آخر تناول فيه بالدراسة النظرية علاقة علم النفس، بالأدب سماه "دراسات في علم النفس الأدبي"، كان به من الأوائل الذين أدخلوا هذه المادة ضمن مناهج الدراسة في الجامعات المصريّة.‏
        (1) ينظر على سبيل المثال:‏
        -العقاد، جميل بُثينة، ص: 243 وما بعدها وص:263-265-295.‏
        -العقاد، شاعر الغزل عمر بن أبي ربيعة، ص:172-173-176-223.‏
        -العقاد، أبو نواس، ص:25 -27-77-128.‏
        -العقاد، ابن الرومي حياته من شعره، ص:3و10و46و69.‏
        -العقاد، أبو العلاء المعري، ص:311و318.‏
        -العقاد، عبقرية الصديق، ص:168.‏
        -العقاد، المجلّد الأول، عبقرية عمر، ص:379-390-391. وينظر، سيّد قطب، النقد الأدبي، أصوله ومناهجه، ص:99.‏
        (2) ينظر، عاقل، فاخر، معجم علم النفس، ص:90.‏
        (3) ينظر، دياب، عبد الحي، عباس العقاد ناقداً، ص: 293.‏
        وينظر عباس، إحسان، فن السيرة، ص: 48-49-50-51.‏
        (4) العقاد، عبقرية الصديق، ص:227.‏
        (5) العقاد، عبقرية عمر بن الخطاب، ص:434.‏
        (6) العقاد، عبقرية عمر بن الخطاب، ص:433.‏
        (7) ينظر، العقاد، عبقرية عمر بن الخطاب، ص: 433-434.‏
        (8) ينظر، العقاد، عبقرية عمر بن الخطاب، ص: 433-434‏
        (9) ينظر: مرسي، مغاوري مهام، مقالة: المنهج النفسي في أدب العقاد ص:30.‏
        (10) ينظر، عباس، فيصل، الشخصية في ضوء التحليل النفسي، ص: 26.‏
        (11) ينظر، أبو النّيل، محمود السيد، الأمراض السيكوسوماتية، الأمراض الجسمية النفسية المنشأ، ص:43.‏
        (12) ينظر، شيغو، محمد معلا، الطب النفسي، ص:75،76.‏
        (13) ينظر، العقاد، أبو نواس، ص:36 وما بعدها‏
        وينظر، حسين طه، خصام ونقد، ص: 234،237،257.‏
        (14) ينظر على سبيل المثال:‏
        العقاد، عبقرية عمر، ص:390،391،392.‏
        العقاد، العبقريات الإسلامية، عبقرية خالد بن الوليد، ص:892-893-899.‏
        (15) ينظر، العقاد، يوميات، ج 2ص: 10-425.‏
        (16) ينظر، العقاد، يوميات، ج 2ص: 10-425‏
        (17) المرجع السابق.‏
        (18) العقاد يوميات، ج2، ص:10.‏
        (19) ينظر العقاد، يوميات ج2، ص425.‏
        (20) ينظر العقاد، يوميات، ج: 2- ص425.‏
        (21) ينظر، العقاد، مراجعات في الآداب والفنون، ص: 48-49-52 . وينظر العقاد، مطالعات في الكتب والحياة، ص:209-252.‏
        وينظز العقاد، هذه الشجرة، ص:25و27و33و39و47و49.‏
        (22) ينظر، العقاد، هذه الشجرة، ص:28.‏
        (23) ينظر، العقاد، مراجعات في الآداب والفنون، ص:49-53.‏
        وينظر العقاد، مطالعات في الكتب والحياة، ص: 56-290.‏
        (24) ينظر العقاد، خلاصة اليومية والشذور، ص:24-25.‏
        (25) ينظر العقاد، خلاصة اليومية والشذور، ص:24-25.‏
        (26) ينظر، اليافي، نعيم، الشعر العربي الحديث، ص:43-47-48.‏
        (27) ينظر، نوفل، يوسف، رؤية النص الإبداعي بين الداخل والخارج، ص:61.‏
        (28) ينظر العقاد، مطالعات، ص:291.‏
        (29) ينظر العقاد، ساعات بين الكتب، ص: 231-322.‏
        (30) ينظر، العقاد، هذه الشجرة، ص40.‏
        وينظر، العقاد، الله، ص50.‏
        (31) ينظر، العقاد، ساعات، ص:241.‏
        (32) ينظر الربيعي، محمود، في نقد الشعر، ص:134.‏
        ينظر العقاد، خلاصة اليومية، ص:98.‏
        (33) ينظر، العقاد، شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي ص168 وما بعدها.‏
        (34) ينظر، العقاد، حياة قلم، ص:614-615.‏
        (35) ينظر لالو، شارل، مبادئ علم الجمال، ص:41.‏
        (36) العقاد، مطالعات، ص: 290، وساعات، ص126.‏
        (37) العقاد، الديوان في النقد والأدب، ص:585.‏
        (38) العقاد، مراجعات، ص:150-153.‏
        وينظر العقاد، ابن الرومي حياته من شعره، ص:260و262.‏
        وينظر العقاد، ساعات، ص309و411.‏
        (39) ينظر، العقاد، ساعات، ص200و224و241.‏
        ويسألونك، ص25،26، ومطالعات، ص5.‏
        (40) ينظر، العقاد، اللغة الشاعرة، ص37 وابن الرومي، ص264،265 وينظر العقاد، شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي، ص71-72.‏
        (41) ينظر العقاد، خلاصة اليومية، ص16.‏
        وينظر العقاد الفصول، ص225،226،223.‏
        وينظر، العقاد، يسألونك، ص169،294،295.‏
        (42) العقاد، ساعات، ص510.‏
        (43) ينظر سبندر، ستيفن، الحياة والشاعر، ص64.‏
        وينظر، شايف، عكاشة، اتجاهات النقد المعاصر في مصر ص:124.‏
        (44) ينظر شايف، عكاشة، اتجاهات النقد المعاصر في مصر، ص124.‏
        (45) ينظر العقاد، شعراء مصر...، ص195-196.‏
        (46) النّويهي، وظيفة الأدب بين الالتزام الفنيّ والانفصام الجمالي، ص27.‏
        (47) ينظر، شايف عكاشة، اتجاهات النقد الأدبي المعاصر في مصر، ص127.‏
        (48) ينظر، ريتشاردز، أ، أ، مباديء النقد الأدبي، ص:238-239.‏
        (49) ينظر، النويهي، ثقافة الناقد الأدبي، ص: 337.‏
        (50) النويهي، ثقافة الناقد الأدبي، ص: 337-152.‏
        (51) النويهي، ثقافة الناقد الأدبي، ص: 337،152.‏
        (52) النويهي، نفسية أبي النواس، ص85.‏
        *) وتتصل هذه العوامل والأسباب بنوع علاقته مع النساء، وتكوينه الجسمي وتربيته النفسية، وظروفه الاجتماعية، وخصوصاً ما يسميه بـ "رابطة الأم" التي كانت سبباً في آفاته النفسية وشذوذه الجنسي واشمئزازه من النساء-1-.‏
        -1-ينظر النويهي، نفسية أبي نواس، ص54، وما بعدها.‏
        (53) ينظر النويهي، نفسية أبي نواس، ص:46-47.‏
        (54) ينظر، النويهي نفسية أبي نواس، ص:91 وما بعدها.‏
        (55) ينظر العقاد، أبو نواس، ص: 128.‏
        (56) ينظر، حسين محمد كامل، متنوعات، ج1- ص39-42.‏
        (57) عبد القادر حامد، فلسفة أبي العلاء مستقاة من شعره، ص68-70.‏
        (58) عبد القادر حامد، فلسفة أبي العلاء مستقاة من شعره، ص68-70.‏
        (59) عبد القادر حامد، فلسفة أبي العلاء مستقاة من شعره، ص68-70‏
        (60) المرجع نفسه، ص74-86.‏

        إذا الشعب يوما أراد الحياة
        فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
        و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
        و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

        تعليق


        • #5
          رد: المدخل إلى نظرية النقد النفسي سيكولوجية الصورة الشعرية في نقد العقاد (نموذجاً)

          الفصل الثالث
          وهو المحور الذي يدرس عملية الإبداع الفني ذاتها متتبّعاً خطواتها، وآلياتها عند الأديب إلى أن يتمخض عنها تشكّل العمل الفنيّ. وقد ينطلق هذا المحور من الأثر الأدبي لتحليل تلك العملية، ولكن وظيفته تبقى محصورةً في فهم آليتها ودينا ميتها.‏
          ولهذا، فدراسة هذه الإشكالية أقرب إلى العلم منها إلى الفن، لأنها تتطلّب معالجةً علميّةً سيكولوجيّةً لفهمها وتعمّقها. وقد لا تفلح هذه المعالجة في فكّ مغالقها، لأنها على قدرٍ كبيرٍ من التّعقيد والغموض، فهي تتّصل بما يجري في باطن الشاعر من حالاتٍ نفسيّةٍ معقّدةٍ، وصراعاتٍ حادّةٍ في أثناء الإبداع، فضلاً عمّا له من سلوكٍ وعاداتٍ يمارسها وقت الكتابة. ولكلّ هذا أثرٌ في صياغة مسوداته إذ غالباً ما يطرأ عليها الشّطب والحذف والزيادة.. فعملية الإبداع من هذا الجانب إذن، لا تحتاج إلى اثباتٍ صلتها بالنقد النفسي الأدبي.‏
          وقد تكون دراسة "مصطفى سويف" في كتابه "الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصّة" أحسن ما كُتب في هذا المجال؛ إذ قام هذا الباحث بتجربةٍ ميدانيةٍ، استخدم فيها طريقة "الاستبيان" أو "الاستخبار" للوصول إلى استقصاءٍ نفسيٍّ شاملٍ لكلّ ما يحيط بالعملية الإبداعية والمبدع معاً.‏
          وتقوم هذه الطريقة على استجواب بعض الشعراء بأسئلةٍ يجيبون عنها كتابةً. وقد قام الباحث، فعلاً، بتدوين أسئلته ثم قابلها بأجوبة الشعراء وبعض مسوّداتهم لمعرفة خطوات العملية الإبداعية.‏
          ولا يُمكن، بطبيعة الحال في مدخلٍ كهذا، عرض التجربة بتفاصيلها ودقائقها، ويكفي أن نذكر نص "الاستخبار" كاملاً ونختار من أجوبة الشعراء بعض الاعترافات التي تدل على عاداتهم وحالاتهم النفسية لحظة المخاص الشعري، لنعرض بعد ذلك، بإيجازٍ بعض النتائج التي توّصل إليها الباحث بعد استقرائه الأجوبة.‏
          ***‏

          1-"نص الاستخبار:Questionnaire‏
          1-إذا استطعت أن تتذكّر عملية الإبداع كما جرت في آخر قصيدة لك، فالمرجوّ أن تتبّع حياتها في نفسك، هل عاشت في نفسك صورها وأحداثها كاملة قبل النظم؟ أم هل بزغت وقت النّظْم فحسب؟ وإذا كانت قد عاشت قبل النّظْم فهل عاشت حياةً جامدةً، أي أنها ظهرت فجاءة كاملةً، وظلّت كما هي حتى انتهيت من كتابتها أم تطوّرت في حياتها قبل الكتابة أو أثناءها، وجعلت تمتليء وتتّضح في بعض نواحيها، وتتضاءل وتتلاشى في نواح أخرى؟‏
          2-وإذا صحّ أنها تطوّرت وتغيرّت، فهل تمارس أنت عملية تغييرها؟ أم تشعر بأن الأمور تجري بعيدةً عن متناول قدرتك، وكل ما هناك أنّك تشهد آثار التّغيّر؟‏
          3-ألك عادات تمارسها ساعة النّظْم أم لا _جوٌّ خاصٌّ، حُجرةٌ خاصّةٌ، قَلمٌ خاصٌّ، حِبْر خاصٌّ... الخ).‏
          4- أَتشّعر بوجود صلةٍ بين أحداث حياتك الواقعيّة وبين ما تردٍ في قصائدك من أحداثٍ وصورٍ،وإذا كانت هناك صلةٌ يحسّها الشاعر، فليحدّثنا إذاً عمّا يشعر به إزاء ما يَرِد عليه من صورٍ وأحداث يضمّنها أعماله، أيشعر من أين تأتي وكيف؟‏
          5-أترى نهاية القصيدة قبل أن تبلغ هذه النهاية؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل تراها واضحةً أم لا؟ وإذا لم تكن تراها، فما الذي يحدّد لك أن ها هنا، قد بلغت النّهاية؟ وإذا كنت تراها فهل تنتهي القصيدة حيث كنت ترى؟(1) .‏
          وقد أجاب على هذا الاستخبار عددٌ غير قليلٍ من الشعراء. فمن سوريا) ذكر الباحث: خليل مردم بك، ورضا صافي، ومحمد مجدوب، ومن العراق) محمد بهجة الأثري ومن مصر): محمد الأسمر، وعادل الغضبان، وأحمد رامي(2)
          ***‏

          2-الإجابات:‏
          ونستطيع بعد هذا، أن نختار من إجابات الشعراء بعض الاعترافات. فهذا الشاعر المصري "محمد الأسمر" يقول: "الذي أراه أن الشعر لا يستقيم أمره للشاعر إلا إذا كملت أدواته لديه، ومن أهمّ هذه الأدوات الشعور الصادق والقدرة على صياغة هذا الشعور في الألفاظ المتخيّرة. وحال الشاعر في معاناته للشعر أشبه الأشياء بحال التي تلد، فمعاني الشاعر وصياغته اللفظية التي تتمخّض عنها انعفالاته النفسية أبياتاً من الشعر، ليست في الحقيقة إلا ميلاد لبنات أفكار الشاعر"(3) .‏
          ويرى هذا المُجيب، أن هذا هو السّبب الأكبر الذي يدفع الشاعر إلى حبّ شعره والتعصّب إليه، ثم يسرد بعد ذلك الحالات التي تعتريه في النوّم واليقظة خلال عملية الإبداع، يقول: "... وإني في أوّل نَظْمي للقصيدة أجدني مسوقاً إلى نَظْمها بشعورٍ خفيٍّ ليس فيه ما يرهق أعصابي ثم يأخذني التيار الجارف فيربد وجهي، وأظل ذابل البصر، غائباً بعض الغياب عمّا حولي، وأحياناً أذرع الغرفة التي أنا بها، أو المكان الذي أنا فيه ذهاباً وإيّاباً، مهمهماً ومشيراً بيدي، مُحرقاً من السجائر ما شاء الله أن أحرق. وفي هذه الحالة، أعني حالة الانفعال الشعري، إذا جاء اللّيل ونِمْتُ كان نومي متقطّعاً أغفو الاغفاءة ثم أقوم ناهضاً إلى القلم والقرطاس، لأن معنىً من المعاني تمّت صياغته بيتاً من الأبيات"(4) .‏
          وهذا الشاعر السّوري "رضا صافي"، يصرّح في جوابه أن الوقت المفضّل لديه، هو الهزيع الأخير من الليل. ويفضّل كتابة أشعاره على المسودّة والمبيضة بقلم الرّصاص. وهو إذا أراد شطب ما لا يعجبه من الكلام، فإنّه يؤثر امْرار القلم بدل الممحاة.(5)
          ويبدو أن هذا السلوك، له راحته النفسية والذهنية، في نظرنا، لأنّ عملية المحو تعطّل لديه توارد الأفكار وتساوق الخواطر، وربّما تنسيه ما قد يطرق ذهنه من صورٍ يريد تقييدها لتوّها حتى لا تغيب.‏

          ولهذا، فعملية الشطب بالقلم لا تستغرق من صاحبها وقتاً طويلاً، إلا إذا أرادها هو للتلهّي، وهذا التلهّي لا يعطّل نشاط الوعي الباطني عن العمل، بل هو استعدادٌ أو وقفةٌ قصيرةٌ -لا شعورية- للراحة يتهيّأ فيها المبدع لاستقبال مولودٍ جديدٍ، قد يكون عبارةً، أو فكرةً، أو صورةً.. ومن عادات هذا الشاعر، أنه إذا فرغ من نَظْم مقطع المطلع، فإنه ينسخه لحينه على ورقةٍ مبيّضةٍ مستقلّةٍ بالقلم نفسه قلم الرصاص)، ثم يُضيف إليه المقاطع الأخرى واحداً تلو الآخر إلى أن تنتهي القصيدة كلّها. وهكذا يجد الشاعر نفسه أمام كومةٍ من المسودات، وواحدة مبيضة أثبت فيها ما تمّ نَظْمه(6) .‏
          وهذا شاعر آخر من "سوريا محمد مجدوب" يصرّح أنّ لأداة الكتابة صلةً بعملية الإبداع، وإن كانت صلة محدودة بالنسبة إليه، وهو خلاف "رضا صافي"، يفضّل قلم حبرٍ مَرنٍ لا يحرن، لأنّ من أشق الأمور على نفسه أن يحرن قلمه، أو يجفّ حبره في أثناء الكتابة. فهذا الانقطاع، يقطع عليه هو الآخر حبل أفكاره وخواطره، وهو يفضّل -إلى جانب هذا- الخلوة، والمكان الهاديء النظيف المُطلّ على المناظر الجميلة، وخصوصاً منظر البحر(7) .‏


          3-النتائج:‏
          وتوصّل الباحث بعد استقراء أجوبة الشعراء وتحليلها إلى نتائج عدّة، أتاحت له معرفة بعض الخطوات التي تمر بها العمليّة الإبداعية قبل أن تسوي عملاً شعريّاً أو فنيّاً. وكانت معظم هذه الأجوبة متفقة الشهادات.‏
          ونستطيع أن نحصر تلك النتائج -كما أوردها صاحبها، مع اختصار بعض منها- في النقاط الآتية:(8)
          1-تتّفق خمس إجابات على الشهادة بأن معظم القصائد لا تبزع دفعةً واحدةً دون أن يكون لها مقدّمات. والإجابتان الخاصّتان بالشاعرين رضا صافي، ومحمد الأسمر لا تشذّان عن هذا الرأي ولكنهما توضحانه.‏
          2-تتفق كل الإجابات على الشهادة بأن الأنا لا تسيطر على عملية الإبداع حتى في النّوع الذي يبدو فيه مظهر "الإرادية"، بل يشعر الشاعر في معظم اللحظات أن المعاني حينما تجول برأسه هي التي تبحث عن ألفاظها اللائقة بها، أو أن قدرةً خفيّةً هي التي تملي عليه، أو أن الخواطر لها قدرةٌ على جلب بعضها بعضاً بينما يقف الأنا بلا حول ولا قوة..‏
          3-تتّفق الإجابات على انتحاء المكان الخالي في أثناء ممارسة الإبداع، ودلالة المكان الخالي تتمثّل في أنه يساعد استمرار بروز مجال الإبداع وسلبيّة الأنا..‏
          4-جاء في إجابة "مردم بك" و"رضا صافي" وصفٌ دقيقٌ للتغيّر الذي يطرأ على مجال الشاعر في لحظات الإبداع.. وربّما كانت هذه اللحظة، أعني لحظة ظهور الدلالات، هي أحقّ لحظات العملية كلّها باسم الالهام، ويبدو أنها أشد اللحظات غموضاً.‏
          5-للأحداث الواقعيّة والمشاهدات والاطّلاعات التي تحدث في حياة الشاعر صلةٌ بما يبدعه، لم ينكرها أحدٌ من المجيبين، لكنّهم جميعاً يرون أنها صلةٌ غامضةٌ، فهُم يلمسون في قصائدهم آثار واقعهم، لكنهم لا يستطيعون أن يقرّروا من قبل أي أجزاء الواقع سوف يطفوا في لحظات الإبداع ويتسرّب إلى القصيدة، وهي من حيث هذا الغموض تشبه الصّلة بين أحداث حياتنا اليومية وما يتراءى لنا في الأحلام، فكثير ممّا نشهده في الحُلم يتعلّق بأحداثٍ مَرَرْنا بها عابرين في اليقظة، وكثيراً ما نحسب أن هذا الحادث الهام ستبدو آثاره في حُلمنا ومع ذلك فلا نشهد ما يمسّه..‏
          6-من خلال إجابة الشعراء عن السؤال الخاص بالنهاية، وكيف يتعرّفون عليها، نكشف عن عاملٍ هامٍّ في عملّية الإبداع، هو التّوتّر الذي يقوم كأساسٍ ديناميّ لوحدة القصيدة، بحيث يمكن أن نقول إن الشاعر يتحرّك في حدوده، وفي اللحظة التي ينتهي فيها هذا التّوتّر تكون نهاية القصيدة، ومع اختلاف الإجابات اختلافاً يكاد يَشِفّ عن التّعارض، فإنّها جميعاً متّفقة في الحقيقة الدينامية التي تعبّر عنها"(9) .‏

          ***‏
          4-تحليل المسودّات:‏
          ولم يكتف الباحث بتحليل أجوبة الشعراء، والتعليق عليها، واستخلاص النتائج منها، بل حلّل أيضاً بعض المسودّات، فلاحظ تشابهاً كبيراً بينها، إذ كتب معظمها بأقلامٍ مختلفةٍ، وظهرت في مواضع كثيرة من القصيدة أمكنةٌ شاغرةٌ دلالة على أبياتٍ شاردةٍ، كما ظهر فيها شطب بخطوطٍ مستقيمةٍ وملتويةٍ دلالة على الحذف. ظهرت أيضاً أسهمٌ باتجاهاتٍ مختلفةٍ دلالة على الزيادة.. إلى ما هنالك من نقلات وقفزات، تدلّ كلها على ما يعتمل في نفس الشاعر من توتّرٍ وانفعالٍ لحظة المخاض الشّعري.(10)
          ويعترف الباحث أن هذه المسودات التي نقلها مصورة إلى كتابه عصيّة الفهم، تنطوي على غوامض كثيرة وجب توضيحها، ومن ثمّ، فإن تحليلها لم يكن أمراً هينّاً دون الاستعانة ببعض الأسئلة التي طُرحت على الشعراء عَقِب الفروغ من العمل الإبداعي. وكانت إجاباتهم معواناً له على استجلاء بعض الحقائق الإبداعية الغامضة، خصوصاً، وأنها أبدت تذكّراً طيبّاً لكثيرٍ من التّفاصيل الدّقيقة المتعلّقة بالمواقف الإبداعية.(11)
          وحتى تكون التجربة واضحةً، آثرنا نقل صورة المسودة رقم: 01*، وهي قصيدة "أرأيت ها أنذا..." للشاعر عبد الرحمن الشّرقاوي، مع تعليل الباحث عليها كاملاً بالتحليل، والتّصرّف فيه، أحياناً، بحذف بعض الاستطرادات غير الضّرورية.‏

          وكان لهذا الاختيار مسوّغاته الموضوعية:‏
          1-أن يسير في التجربة التّعليق والصّورة جنباً إلى جنبٍ.‏
          2-تيسير سبيل المقارنة والمعارضة.‏
          3-صغر مساحة المسودة رقم 01، فقد استهلكت صفحةً واحدةً، وكان تحليلها قصيراً قياساً إلى المسودتين الثانية والثالثة.‏
          ومن النتائج التي انتهى إليها هذا الباحث في تحليله، ما يأتي:(12)
          1-... أن هذه المسودة التي بين أيدينا، وهي أول صورة تظهر فيما القصيدة التي نحن بصددها، ليست صورةً دقيقةً لعملية الإبداع كما جرت فعلاً لدى الشاعر، فالشاعر يقرّر في إجابته أن أوّل عبارةٍ وردت على ذهنه هي "أنا لا أخون مشاعري" بينما تبدأ المسودة "أرأيت ها أنذا.." والفرق بينهما واضحٌ من حيث الدّلالة على موقف الأنا، ففي الأولى يقف موقفاً تقريريّاً، ويعبّر عن موقفه تعبيراً مباشراً، بينما يقف في الأخيرة موقف "الآخر" الذي يشهد الأنا ويصفه..‏
          2-إذا قرأنا القصيدة من البداية حتى النهاية، لاحظنا مجموعةً من القِمَم ومجموعةً من المنخفضات. ولكن ماذا نعني بهذا التّعبير في تحليل سيكولوجي؟ يظهر أننا أصبحنا شعراء. الواقع أنّ المنخفضات نجدها عندما يعود الشاعر إلى تكرار بيت أو بيتين أو مقطع بأكمله بعد عدة أبيات منوعة، ومما هو جدير بالملاحظة أن هذه المنخفضات يسبقها نوعٌ من الغموض في الصور والمعاني، وهي نفسها تمثّل لحظات يكاد يكون الغموض فيها تامّاً.‏
          يقول الشاعر في إجابته فيما يتعلّق بالفقرة التالية لـ "أنا لا أخون مشاعري"، معاني لها شكل حلو.. ثم إذا بي في غيبوبة فجعلت أكتب البقيّة.. ثم اتّضح الموقف من جديدٍ، شاع فيه الوضوح فكتبت: "الرقة الهوجاء تمرح في صباك الزاهر.."‏
          واتخذت الضحكات شكلاً مجسماً كأنّما أرى تمثال بوذا الساخر، عندئذ كتبت: "ومواكب الأوهام تخفق في ذهول ساخر.. "إلى "فكلّ أيامي جنون..." ثم أتتني تلك الحالة كالغيبوبة.‏
          وأول ما نستنتجه هنا: أن الشاعر يدفع إلى هذا التّرجيع دفعاً.‏
          ثانياً: يظهر أن لهذا الترجيع وظيفةً معيّنةً بالنسبة لعملية الإبداع، فقد رأينا أن الشاعر يصل إليه بعد وضوح ويخرج منه إلى وضوح، والظاهر أنه يمكّن الشاعر من مواصلة فعل الإبداع..‏
          ومن الواضح في حالة المسودة التي بين أيدينا أن الترجيع ليس سوى هذه العودة، وهي واضحة في هذه القصيدة، لكنها قد لا تبدو بهذا الوضوح في قصائد أخرى. فالدّلالة الدّينامية للتّرجيع أنه نهاية وثبةٍ.‏
          3-مما يزيد إثبات هذا الرأي، ما يُلاحظ قبيل المشهد الأخير الذي يبدأ بقول الشاعر:‏
          "ولقد مضيت أثير من تحت التراب معذبين"‏
          فالفقرة السّابقة على هذا البيت والتي تبدأ بقوله: "أرأيت هأنا لا أبين"، هذه الفقرة كلّها ترديدٌ لأبياتٍ قيلت من قبل، وعلى حساب رأينا تكون الدلالة الدينامية لهذا الترجيع أنه نهاية "وثبة" واضحة، وأنه استغلال المجال الذّهني أمام الشاعر. وقد سألنا الشاعر عما يذكره عن هذه اللّحظات التي تمّ فيها وضع هذا الجزء، فقال إنه كاد أن يتوقّف في هذا الموضع واستغلق المجال أمامه، وقد بدأ هذا الغموض قبل هذا الموضع بقليلٍ، عند قوله:‏
          "وأكاد من فرط الحنين‏
          أقول مالا أستبين"‏
          وانقشع قليلاً، لكنّه لم يلبث أن عاد إلى غموض آخر. وقد سألنا الشاعر عِدّة أسئلة حول لحظات الإبداع، وحاول هو أن يتذكّر كل شيء عنها، ومن أهمّ ما قاله في هذا الصدد:‏
          4-فيما يتعلّق بالمشهد الأخير، وهو يلفت النظر لشدّة وضوحه، وكأنه الرقعة الأرجوانية في القصيدة: قال: رأيتني في شبه حلم، رؤى تمر في هدوء.. ثم رأيتني في حلم فعلاً، أشهد رؤيا.. عندئذٍ كتبت:‏
          "لقد مضيت أثير من تحت التراب معذبين" واستمرّ هذا الحلم إلى أن انتهى بانتهاء هذه الفقرة وفي نفس الحالة كتبت.. "ورأيته كالله"....‏
          5-كذلك جاء في حديث الشاعر:‏
          كنت أحسّ أشياء أريد التّعبير عنها، لكنّي لا أعرف كيف أعبّر، اضطربت جدّاً، كتبت:‏
          "أرأيت ها أنذا لا أبين"‏
          كنت فعلاً لا أكاد أتبيّن ما أريد أن أصوّره.. كذلك عندما كتبت:‏
          "فكلّ أيامي جنون"‏
          كنت فعلاً في حالة تشبه الجنون في هذه اللحظة وعندما كتبت:‏

          "أنا لا أخون مشاعري"‏
          كنت فعلاً في هذه الحالة، أقول هذا، لا أوجه هذه الأحاسيس إلى أحدٍ، كنت أقولها أنا.. هذه العبارة لا تختلف عن سابقتها من حيث الدلالة الدينامية لكل منهما فكلاهما توضّح ظاهرة التّعبير عن "الحاضر المباشر" لدى الشاعر ونحن نقول "الحاضر المباشر" الدّلالة على أنه يجب أن يكون ذا صلة بالأنا، وليس مجرّد حضوره في مجال الإدراك البصري أو السّمعي أو حتى الذهني، بكاف لأن يجعله قابلاً لأن يصير جزءاً من بناء القصيدة".(13)
          رأينا أن نكتب نصّ التّحليل كاملاً- مع حذف بعض الاستطرادات القليلة- للأسباب الآتية:‏
          أ-لأنه يُوقِفنا على بعض المواقف الدّقيقة والغامضة التي تنطوي عليها العملية الإبداعية في المسودة رقم: 01.‏
          ب-لأنه يحوي بعض تصريحات الشاعر واعترافاته، وقد وجب الحفاظ عليها كما وردت في النصّ، لأنّها تعبّر عن حالاته النفسية، وعن التحوّلات التي طرأت عليه وعلى بعض أبيات القصيدة في أثناء تسويدها.‏
          جـ- لأنه يضمّ زمرةً من المصطلحات، وجب الحفاظ عليها - أيضاً- كما وردت في النصّ مثل: القمم، المنخفضات الترجيح، الوثبة، الحاضر المباشر..، ناهيك عن الحفاظ على السياق العام لنص التحليل نفسه.‏
          ويصرّح مصطفى سويف أن المنهج الذي سار على هدية في هذه الدراسة الميدانية، هو المنهج النفسي التّجريبي وليس التّحليل النفسي(14) ، لأن التجربة تُتيح له الكشف عن دينامية العملية الإبداعية والوقوف على آلياتها وخطواتها، وهذا ما لا يستطيعه البحث النظري، لأنه يفلسف العملية بعيداً عن التّطبيق الفعلي أو التّجربة.‏
          ويبدو أن هذا المنهج النفسي التجريبي الذي اختاره الباحث، وجد ضالّته في العملية الإبداعية، وخصوصاً في تفسير بعض مواقفها الغامضة. فقد أتاح له نصّ الاستخبار وإجابات الشعراء، والمسودات الوصول إلى نتائج عدّة، والكشف عن بعض الحالات النفسية التي تَعْتَوِر الشاعر في أثناء العمل الإبداعي.‏
          وقد أشار "رينيه وبليك وأوستن وارين"، في كتابهما نظرية الأدب، إلى هذه الفائدة التي يسديها علم النفس إلى عمليّة الإبداع على الخصوص، فهو يستطيع أن ينير جوانبها، ولكنه لا يعدو أن يكون معبراً إليها، أما حينما يتوجّه هذا العِلْم إلى العمل الفني ذاته، فإن حقيقته النفسية لا يمكن أن تكن حقيقةً فنّيةً إلا إذا متّنت التّلاحم والتّركيب.(15)
          بيد أن دراسة عملية الإبداع بأدوات: كالاستجوابات، والمسودات، والتشطيبات، والمقاطع.. قد تفيد في معرفة نشوء الأعمال الأدبية، وفي إدراك مختلف التّحولات التي تطرأ على العمل الفنّي إدراكاً نقديّاً، كما قد تساعد على استجلاء النص النّهائي. ولكنها قد لا تكون ضروريّةً لفهم الأعمال الأدبيّة المنتهية أو لتقييمها؛ وعليه، فإن أهمّيتها تكمن في حقولٍ معرفيّةٍ أخرى غير المعرفة النظرية بعلم النّفس.(16)
          وعلى الرغم من هذه الأدوات المستخدمة والمشفوعة باعترافات الشعراء، وتحليل الباحث نفسه، فإن هذا كلّه سيظل، في تصوّرنا، دون العملية الإبداعية، بوصفها عمليّةً معقدةً، لأن كثيراً من تفاصيلها الدّقيقة، يجري في لا وعي الشاعر، ثم إن النّفس الإنسانية، عموماً، لغزٌ عجيبٌ، فهي من العُمق والغموض والتّعقّد ما يجعل الفكر الإنساني قاصراً أمامها.‏
          (1) سويف مصطفى، الأسس النفسية للإبداع الفنّي في الشعر خاصّةً، ص210-211.‏
          (2) سويف مصطفى، الأسس النفسية للإبداع الفنّي في الشعر خاصّةً، ص:210-211.‏
          (3) سويف مصطفى، الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصّةً ص228-229.‏
          (4) المرجع نفسه، ص:228-229.‏
          (5) سويف مصطفى، الأسس النفسية، ص223-224.‏
          (6) ينظر، سويف مصطفى، الأسس النفسية.. ص: 223-224.‏
          (7) المنظر السابق نفسه، ص227.‏
          (8) ينظر هذه النقاط، سويف مصطفى، الأسس النفسية، ص240 وما بعدها.‏
          (9) سويف مصطفى، الأسس النفسية، ص:243-244.‏
          (10) -سويف مصطفى، الأسس النفسية، ص:243-244.‏
          (11) -سويف مصطفى، الاسس النفسية، ص:244.‏
          * -ينظر هذه المسودة رقم 01 في الصفحة الموالية‏
          (12) -ينظر نص التحليل كاملاً:‏
          سويف مصطفى، الأسس النفسية، ص:244-249.‏
          (13) -نهاية نص التحليل، ص: 249.‏
          (14) -سويف مصطفى، الأسس النفسية، ص: 238-240.‏
          (15) -ويليك، رينيه ووارين، أوستن، نظرية الأدب، ص93-96.‏
          (16) -ويليك ريفيه ووارين أوستن، نظرية الأدب، ص93-94.‏

          إذا الشعب يوما أراد الحياة
          فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
          و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
          و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

          تعليق


          • #6
            رد: المدخل إلى نظرية النقد النفسي سيكولوجية الصورة الشعرية في نقد العقاد (نموذجاً)

            الفصل الرابع
            يُعنى هذا المحور بتحليل الأعمال الأدبية تحليلاً نفسيّاً، ولعلّ بداية الدّعوة النظرية إلى هذا الاتجاه كانت على يد جماعةٍ من الأساتذة والأكادميّين، نذكر منهم: محمّد خلف الله أحمد، وأمين الخولي، وحامد عبد القادر، إذ يعود الفضل إليهم في توجيه الدّراسة النفسية نحو الأعمال الأدبيّة والأدباء وتوثيق الصّلة بين علم النفس والأدب العربي.(1)
            ***‏
            1-محمد خلف الله:‏
            ألّف هذا النّاقد كتاباً سمّاه "من الوجهة النّفسية في دراسة الأدب ونقده "دعا فيه إلى ضرورة الإفادة من نظريات علم النّفس في تفسير الأدب. واستطاع بمساعدة "أحمد أمين" أن يدخل مادة" علم النفس الأدبي" ضمن موادّ التّعليم وطلاّب الدّراسات العليا في جامعة القاهرة(2) فضلاً عن تأثيره، بوصفه أستاذاً في الجامعة إذ بدأ يروج لدعوته بدراساتٍ نظريةٍ وتطبيقيّةٍ‏
            شرح فيها بعض خصائص العلاقة التي تربط الأدب بعلم النفس، وتتلخّص دعوته في المعالم الآتية:‏
            - إن دراسة الأدب في ضوء علم النّفس لا تحتاج، في نظره تَسْوِيغ مادام العمل الأدبي من إنتاج الإنسان. وهذا العمل هو المَعْبَر الذي يُوصلنا إلى نفس هذا الإنسان وماتنطوي عليه من إحساسات ومشاعر.(3)
            - إن المنهج النفسي في دراسة الأدب ونقده، تتطلّبه المرحلة الرّاهنة من تطوّر العلوم الإنسانية، وميل الفكر المعاصر إلى الفهم والمعرفة أكثر من ميله إلى مجرّد الذوق والاستحسان(4) .‏
            - إن وظيفة النّقد الجوهري لا تقوم إلى على أساس من فلسفةٍ ذوقيةٍ نفسيّةٍ شاملةٍ، تُنِير السبيل أمام الناقد وتفتح له منافذ التأثير الأدبي في النفوس(5) .‏
            ولم يقتصر الدّارس على التّنظيم لدعوته، وإنّما طبّقها على النقد العربي القديم ليمتح منه بعض الارهاصات السيكولوجيّة. فقد انتهى في مبحثه "عبد القاهر الجرجاني وسيكولوجية التأثير الأدبي إلى أن كتاب "أسرار البلاغة" "رسالة" نفسيّةٌ ذوقيّةٌ في نواحي التأثير الأدبي، فكرتها الرئيسية، هي: أن مقياس الجودة الأدبية تأثير الصور البيانية في نفس متذوقها"(6)
            وعلى الرغم من دعوة الباحث إلى ضرورة دراسة الأدب ونقده من الوجهة النفسية، فإنّه في دراساته التطبيقيّة على بعض الشعراء. كحسّان بن ثابت، وأبي العتاهية، لم يخرج عن المنحى الذي سلكه من قبل النقاد التأثريون، وظلّ يدور في فلك الشاعر لإبراز ملامح شخصيته؛ مثال ذلك، تتبّعه لأخبار حسّان بن ثابت عند الرواة، واستقصاء شعره لمعرفة صورة شخصيته؛ أي أن غايته الأولى، هي التعرّف على شخصية هذا الشاعر ونفسيّته، وليس الاهتمام بالشعر ذاته، وهذا ماتؤكده، تساؤلاته المتكررة ومحاولة الإجابة عنها: كيف كان حسان في هيئته؟ وكيف كانت مقوّمات شخصيته؟...(7)
            نفهم من هذا، أن "محمد خلف الله" لم يتجاوز المنحى النفسي الذي يعنى بشخصية الشاعر أو الأديب إلى تفهّم العمل الأدبي نفسه وتذوقه. ولعل هذا ماحمل "محمد مندور" على نقد مذهبه، يقول: "إن مذهب خلف الله ومن يرى رأيه سينتهي بنا إلى قتل الأدب. الأدب لا يمكن أن نجدّده ونوجّهه ونحييه إلاّ بعناصره الأدبية البحتة، وهذا مايجب علينا جميعاً أن نجاهد في سبيله، إنّه لَوَهْمٌ بعيدٌ أن نظنّ في علم النفس، أو في علم الجمال، أو في غيرهما من العلوم كبير فائدة للأدب، يجب علينا أن نعرف كل تلك الأبحاث، ولكن على أن تحتفظ بتلك المعرفة لأنفسنا ولا نزجّ بها في الأدب ، وإلا كنا مفلسين نوهم الغير ببريقٍ كاذبٍ"(8)
            وقد يكون في نقد "مندور" شيءٌ من الصّواب، لأنّ حصر الدراسة النقدية الأدبية في شخصية الأديب على حساب العمل الأدبي، وباسم علم النفس، سيؤدّي إلى تغريب الأدب عن مجاله، ولكن ليس شرطاً أن يحتفظ الناقد بالمعرفة لنفسه، خصوصاً إذا كانت الظاهرة الأدبيّة تتطلّب توظيف مختلف ضروب المعرفة بطريقةٍ لبقةٍ بعيدةٍ، بطبيعة الحال، عن الشّطط والغلّو.‏
            ومهما يكن من أمرٍ، فإنّ المُعوّل عليه عند "مندور"، هو فنّ دراسة النّصوص الأدبيّة، والتّمييز بين الأساليب المختلفة، والاعتماد على الذّوق الأدبي.(9) وهذا مافات "خلف الله" في رأي أحد الباحثين، يقول في مقال له:‏
            "ولقد فات الأستاذ خلف الله، وهذا في رأيي، وهو يدعو إلى مذهبه، أن يضمّ إلى دراسته النفسية في نقد الأدب، حتّى يكتب لها البقاء، مادعا إليه الدكتور مندور، أولاً، لتكتمل قواعد النّقد، فلا تكون هناك ثغرةٌ في هذه الدراسة بل يكون التوّفيق بين هذه الآثار جميعاً، فيستكمل القانون بنوده، ولا يكون ثمّةِ، رأيٌ ورأيٌ، وخلافٌ قاصدٌ، وآخر ذو مصلحةٍ في الدّفاع.."(10)
            وليست المسألة، في نظرنا، مسألة توفيقٍ بين المناهج النّقدية أو الآثار الأدبية، لأن قواعد النقد لا تُفرض على النصّ الأدبيّ من الخارج، بل يجب أن تراعي طبيعته ووظيفته لتضمن، على الأقل، انسجامها معه، وحتى لا يغدو التطبيق، فوق ذلك مسرفاً معتسفاً.‏
            وممّا لا شكّ فيه، أن دعوة خلف الله، دعوةٌ مشروعةٌ من حيث المبدأ، في دراسة الأدب ونقده، وقد أسهمت في توثيق الصلة بين علم النفس والأدب، أو خلق مايسمّى بـ "علم النفس الأدبي".‏
            غير أن النظرة الأحادية إلى الأعمال الأدبية والنقدية، ومن جانبٍ واحدٍ هو الجانب السيكولوجي، يحجب عنّا كثيراً من الظواهر الأخرى.‏
            ونرى أن "محمد مندور" نفسه لم يسلم، في نقده هو الآخر، من هذه النظرة الأحادية، وإن كانت أكثر مواءمة للنصوص الأدبية، إذ ظلّ متشبّثاً بمنهج "لانسون" التأثّري والقائم على شرح النصّ الأدبي "Lexplication, de texteL " وتذوقه، فضلاً عن الاهتمام بجوانبه الفقهية اللغوية والفنية الجمالية، فحد الأدب عنده ، الحياة، وصداه "الهمس"(11) .‏
            ب- أمين الخولي:‏
            وهو من الباحثين الذين أسهموا في توثيق الصّلة بين علم النفس والأدب وإرساء قواعد النقد النفسي، وأن تعدّدت مجالات بحثه؛ إذ كان من الأوائل الذين دعوا إلى ربط الأدب بالحياة الاجتماعية، وإلى دراسة التطوّر اللغوي للعربية.(12) وكان شعاره في كتابه "فنّ القول" أوّل التّجديد قتل القديم فهماً"(13)
            غير أن المجال الذي انفرد به هذا الباحث، هو دراسة العلاقة بين علم النفس والبلاغة، واعتمد على هذه العلاقة في معالجة مسألة "إعجاز القرآن" التي تحتاج، في تصوّره، إلى أن تُدرس في ضوء السيّاق النفسي أو المعرفة النفسية؛ فالفهم الصحيح للقرآن الكريم، لا يقوم في نظره إلا على إدراك مااستخدمه من ظواهر فنية بلاغية بوساطة القواعد النفسية؛ فكلّ ما فيه من إيجازٍ وإطنابٍ وتوكيدٍ، وإشارةٍ، وإجمالٍ، وتفصيلٍ، وتكرارٍ، وإطالةٍ، وترتيبٍ، ومناسبةٍ... لا يعلّل إلا بالفهم النفسي وحده(14) .‏
            وإذا كان "أمين الخولي" يلحّ على ضرورة الانطلاق من النص القرآني لفهمه فهماً نفسيّاً؛ فإنّه في العمل الأدبي يرى ضرورة الاعتماد على حياة الأديب، وهذا أمر طبيعيّ ومنطقي: فحياة الأديب ميسورة الدراسة، ليس بيننا وبينها حجابٌ على خلاف النصّ القرآني الذي لا يمكن دراسة صاحبه.‏
            وليس أمامنا، إذن، سوى أن "نتبين جوّه النفسي لما حوله من ملابساتٍ وأسباب نزولٍ، ووقائع وأحوال للناس والبيئة دون أن نعد وذلك إلى شيء من فهم نفسي لمصدر النص...‏
            ومن هنا يكون فهمنا للنص القرآني هو كل مانبغيه ولا نتجاوزه إلى شيءٍ من تاريخ الأدب وبيانه، لصاحب الكتاب وواضعه، لأنه أفق لا نرنو إليه.. على حين أن في فهم النص الأدبي في غير القرآن، إنما نفهم بذلك الأديب نفسه شاعراً أو ناشراً"(15)
            معنى هذا، أننا استثنينا مَنْحَاه النفسي في دراسة النص القرآني- وهذا أمرٌ مفروضٌ عليه أمام صعوبة دراسة صاحبه- فإنه في معالجته النص الأدبي، لم يخرج، هو الآخر، عن الإطار الذي يعنى بشخصية الشاعر أو الأديب، بل إنه يرى في نقده النفسي ضرورة المزاوجة بين الأثر الأدبي وصاحبه لفهمهما معاً، فهماً نفسيّاً؛ فالعلاقة بينهما علاقة "جدليةٌ" كلاهما مكمّل للآخر، ولن يكون هذا الفهم النفسي كاملاً إلا بالنظر إلى أدب الأديب جملةً وتفصيلاً، أو كلاًّ متكاملاً ووحدةً متماسكةً.(16)
            فالمنهج، إذن، كما شرحه صاحبه ينطوي على فكرتين:‏
            الأولى: وَصْل الأدب بالاديب لفهمهما فهماً نفسيّاً.‏
            والثانية: النّظر إلى العمل الأدبي كوحدةٍ متكاملةً متماسكةٍ ليسهل فهمُه وفهم صاحبه.‏
            وفي ضوء هذا المنهج، تناول "أمين الخولي" بالدراسة النفسية أبا العلاء المعري، محاولاً فهم شخصيته فهماً نفسيّاً، ومن النتائج التي توصّل إليها في هذه الدراسة، أن "ظاهرة التّناقض"، هي السّمة البارزة في سلوك هذا الشاعر الفيلسوف، ليس في المسائل الدّينيّة فحسب، وإنما في كل آرائه، وأفكاره، ومواقفه..."(17)
            ويعود سرّ هذا التناقض إلى ظاهرتين في نفسه، أولاهما: الرغبة المتوثّبة في الاستعلاء على ضعفه والقهر لواقعه، وهذه ظاهرةٌ مستوحاةٌ من نظرية "أدلر" القائمة على الظهور والتّعويض عن "مُركّب النّقص" ثانيتهما: دقّةٌ نفسيةٌ في إدراك عوالم النّفس وخوالجها المتغايرة، وتتصّل هذه الظاهرة بالوظائف الفيزيولوجية والبيولوجية، وخصوصاً، عاهة "العَمَى" التي كان لها أثرٌ في دقة حسّه، وعمق إدراكه وتأمّله، ورهافة شعوره، وصدق تعبيره(18) .‏
            جـ- حامد عبد القادر:‏
            يُعدّ هذا الناقد من هؤلاء الأوائل الذين أدخلوا مادّة "علم النفس الأدبي" في الجامعات المصرية، وأرسوا، بالتّنظير والتّطبيق، قواعد نظرية النقد النفسي، وهذا بكتابه "دراسات في علم النفس الأدبي...‏
            وهذا الكتاب عبارةٌ عن محاضراتٍ ألقاها على طلاّب قسم اللغة العربية استجابةً لرغبة القائمين بشؤون معهد الدّراسات العليا، ولرغبة هؤلاء الطلاب النّابهين. وقد أعطاه ذلك العنوان لأنّه لا يَعْدو أن يكون، في نظره دراساتٍ تمهيديّةً في هذا الموضوع الطّريف الذي يعدّ من أحدث المباحث النفسية، وتمنّى أن تُتاح له الفرصة لاستكمال البحث حتى يصحّ أن يُسمى الكتاب "علم النفس الأدبي" أو "علم النفس والأدب"(19) .‏
            وحرص "حامد عبد القادر" في هذه الدراسات على بيان العلاقة التي تربط الأدب بعلم النفس، وإن أسهب في سرد الحقائق النفسية وتعريف علم النفس، قد تناول من خلال هذه العلاقة تعريف الأدب، والاختلاف في تحديد معنى الجمال، كجمال اللفظ وجمال المعنى.....(20)
            وبيّن أيضاً، حاجة الأديب إلى علم النفس، كما تناول بإيجاز الحياة العقلية، أو الجهاز النفسي كما صوّره "فرويد" كالشعور، وشبه الشعور، واللاّشعور، وبين آراءه وآراء تلميذه "أدلر" في العقل(21) . وعرض أيضاً، لأهمّ العمليّات العقلية في الإنتاج والتّقدير الأدبيّين، كالإدراك الحسّي، والتّصور، والتّخيّل وتداعي المعاني، والحكم وأثره في التّقدير، ومايلحق به من تعليلٍ، كالتعليل العلمي الأدبي، وحياةٍ وجدانيّةٍ كالانفعالات والعواطف(22) .‏
            وتناول إلى جانب هذا كلّه، جماليات الفنون، فبيّن قيمة الفنّ في الحياة ومعناه، وأنواعه، وأغراض الأشغال به، وفرق بينه وبين العلم، كما عرض لبواعث الاشتغال به عند الفلاسفة وعلماء النفس، ولأثر الشعور النفسي في إدراك الجمال، وأسباب الاختلاف في التقدير الفنّي، وأثر العقل الباطن والصراع النفسي فيه، وفي الإنتاج الفنّي وعالج أيضاً الذّوق، فبّين معناه، ومظاهره، وعوامله الفطرية، وآراء أفلاطون وأرسطو وعبد القاهر الجرجاني فيه، والمؤثرات المختلفة في تنميته(23) .‏
            وكان آخر مبحثٍ هو رسم منهجٍ تفصيليٍّ للنقد الأدبي، تناول هذا المنهج مؤهلات الناقد والأديب، والفعاليات العقليّة التي تُحدث تقدير الأدب، والإحساس البصري والصّور الذهنية والأفكار، والمعاني، والتأثّر الوجداني...(24)
            وواضحٌ من هذه الموضوعات كلّها، أن معالجة مسائل العلاقة التي تربط الأدب بعلم النفس، كانت معالجة نظريّةً علميّةً، لم يتجاوزها الباحث إلى دراسةً إجرائيّةٍ على العمل الأدبي نفسه. وهذا. في تصوّرنا، صنيعٌ علميٌّ أكثر مما هو صنيعٌ نقديٌّ أدبيٌّ، ومع ذلك لانعدم فيه فائدةً، وخصوصاً في إرساء الأسس الأولى لنظرية النقد النفسي.‏
            ***‏
            د- عز الدين اسماعيل:‏
            لا نعدو الحقيقة إذا قلنا إن هذا الناقد، هو أحسن من طبّق علم النفس على الأعمال الأدبية لتفسيرها تفسيراً نفسّياً، وإن كان هذا التّطبيق لا يخلو من المبالغة والإسراف، في أحايين كثيرة.‏
            ويجب أن نعرف أن الناقد لم يَثْبُت في مسيرته النقديّة على منهجٍ واحدٍ أو اتجاهٍ واحدٍ، إذ تداخلت في نقده المناهج والاتّجاهات، فقد تبنّى الاتّجاه الاجتماعي في بعض دراساته، وخصوصاً في كتابه "الشعر في إطار العصر الثوري" والاتّجاه الجمالي في كتابه، "الأسس الجمالية في النقد العربي".‏
            وليس لنا، بطبيعة الحال، أن نخوض في هذين الاتجاهين حتى لا نبتعد عن موضوع هذا المدخل، أما الاتجاه النفسي، فقد تجّلت معالمه بصورةٍ خاصّةٍ في كتابيه: "الأدب وفنونه" والتّفسير النّفسي للأدب" وفي هذين المؤلفين أيضاً تبلورت بعض أسس نظرية النقد النفسي.‏
            ونستطيع ، على كل حال، حصر هذه المعالم أو الأسس في النقاط الآتية:‏
            1- تفسير العمل الأدبي نفسه، وهو الأساس الذي انطلق منه الناقد في ذينك الكتابين، فاهتم بتفسير الأعمال الأدبية ذاتها، في ضوء حقائق علم النفس دون أن يحفل كثيراً بدراسة شخصية الأديب أو عمليّة الإبداع. فهو يرى أن معرفة تفاصيل الطرق التي يكتب بها الأديب، لا تفيد كثيراً في فهم العمل الأدبي ذاته وفي تفسيره.(25) ومن أجل هذا، لم يقصر عنايته على دراسة شخصية الأديب، بل وجّهها إلى العمل الأدبي على اختلاف أجناسه وأنواعه.(26)
            2- العمل الأدبي وليد اللاّشعور: يرى الناقد أن العمل الأدبي نشاطٌ باطنيٌّ أو لا شعوريٌّ، أو هو رمزٌ للرغبات المكبوتة في لا شعور الأديب، ومن هنا، تأتي ضرورة تفسيره، في ضوء المنهج النّفسيّ التّحليليّ، لأنه المنهج الوحيد الذي يختصّ بتحليل اللاّشعور(27) .‏
            3- معرفة حياة الأديب وتفسير أدبه، يرى الناقد أن معرفة حياة الأديب قد تُفيد في فهم عمل الأديب وتفسيره، ولكنه لا يعتمد كثيراً على هذه القاعدة(28) ؛لأن حياة الأديب قد تفيد في استكناه رموز عمله الأدبي، ولكنّها قد لا تفيد في تفسير أعمالٍ أخرى، على حين نجد لعلم النفس وحقائقه قرائن كثيرة في معظم الأعمال الأدبية.‏

            4- علم النفس بين الناقد والأديب، يؤمن عز الدين اسماعيل بأن التجلّيات النفسية في العمل الأدبي وظيفةٌ ينهض بها الناقد، وليس الأديب بتضمين أثره الفنّي حقائق سيكولوجية، إذ يكفي هذا الأثر مايحمله في ثناياه من ذخيرة نفسيّةٍ دون أن نقحم فيه نتائج التّحليل النّفسي.(29)
            فهذه المهمّة يحقّقها الناقد الأدبي بما يفيده من هذه النّتائج، لاستنباط أبعاد العمل الأدبي وتفسير مايختبئ، وراءه من دلالاتٍ دون مبالغةٍ أو شططٍ.‏
            على أن هذا لا يمنع الفنان الإفادة من حقائق علم النفس. وليس بالضرورة أن يكون عالِم التّحليل النفسي ناقداً للأدب لمجرّد أنه يستطيع تفسير الإشارات والرّموز الواردة في العمل الفنّي، ثم إن إشراك علم النفس في الأدب وفي كثيرٍ من المجالات، لا يعني بالضّرورة أيضاً أنّه يستطيع إنشاء الأدب(30) .‏
            ويتّفق على هذا الرأي الأخير كثيرٌ من النقاد، فمحمد مندور، يرى أن إقحام علم النفس بمصطلحاته على الأدب والنقد، يُضّلل الأديب والناقد معاً، ولكنه لاينكر الاستفادة منه، شريطة أن تكون هناك حدودٌ يراعيها الأديب عند استخدامه علم النفس، وعالم النفس عند استخدامه الأدب.(31)
            ولم يكن "سامي الدروبي" بعيداً عن هذه الفكرة حين رأى أن الأثر الأدبي لا يضيره أن يكون منطوياً على حقائق علم النفس التي عرفها الأديب وبطّن بها عمله الأدبي أو جعلها قاعاً له، ولكن يجب أن تكون هذه الحقائق، في نظره، ممازجةً لهذا العمل ذائبة فيه، لا مضافة إليه، أو مقدمة فيه، فكثيرٌ من المؤلفات الأدبية تحوّلت في رأسه إلى كتبٍ في علم النفس، ودروسٍ فيه نتيجة الإقحام المعتسف للحقائق النفسية(32) .‏
            5- تقوم طريقة "عز الدين إسماعيل" في المعالجة النقدية على التّفسير، والتّحليل، والتّقويم أو الحكم، والاعتماد على المعرفة العلمية السيكولوجية، بعيداً عن هيمنة الأحكام الذّوقيّة المتميّعة، وهذه العناصر مجتمعةً تشكّل، في الوقت نفسه، مسلكيّته في النقد النفسي.‏
            ويشرح الناقد هذه الطريقة بقوله: "لأننا في الوقت الذي استطعنا فيه أن نفسّر عناصر العمل الشعري ونحلّله، كنّا قد مهدّنا السبيل للحكم على القيمة الفنية لهذا الشعر حكماً دقيقاً تسنده المعرفة، لا مجرد حكم ذوقي متميّع، وربّما لاحظ القارئ أننا في كثيرٍ من الحالات التي كنّا نفسّر فيها الصّورة أو الرّمز....‏
            كنّا نضمّن عملية التّفسير ذاتها حكماً، والواقع أن الشوط بين مرحلة التّفسير ومرحلة الحكم ليس بعيداً ، إن هي إلا أن يفرع الإنسان من عمليّة التّفسير حتى يطفو الحكم على السّطّح".(33)
            وقد لا يقصد الناقد، ههنا، الفصل بين هذه المراحل، فالتّفسير، والتّحليل والتّقويم أو الحكم - فيما يرى رونيه وليك- مراحل متداخلة تجري في سياقٍ واحدٍ، والتّقويم الصحيح ينشأ عن الفهم الصّحيح.(34)
            6- كلّ عملٍ أدبيٍّ قابل للتّحليل النّفسي، يرى "عز الدين إسماعيل" أيّ عملٍ أدبيٍّ كائناً ماكان نوعه أو عصره إنّما يمكن تناوله بالدّراسة التحليلية على أسسٍ نفسيّةٍ".(35)
            وهذا رأيٌ فيه شيءٌ من الرّيبة لولا استخدام الناقد كلمة "يُمكن" لأن الأعمال الأدبية التي طبّق عليها منهجه في التّحليل النّفسيّ أعمالٌ منتقاةٌ، ولا يمكن أن تكون حكماً عامّاً ينسحب على كلّ ماينتجه الأديب.‏
            صحيحٌ أن بعض الآثارالأدبيّة ينطوي على بعض التجارب النفسية الخاصّة أو العامّة، ويمكن أن يكون مجالاً تطبيقيّاً صالحاً للدّراسة السّيكلولوجيّة. ولكنّنا قد نفهمه دون حاجةٍ إلى إقحام نظريات علم النفس والمصطلحات دون حاجةٍ إلى إقحام نظريات علم النفس، والمصطلحات النفسية.‏
            ولهذا، فمقولة، إن أي عملٍ يمكن تناوله بالدراسة التحليلية على أسسٍ نفسية، مقولةٌ، صحيحةٌ إذا التزم صاحبها حدود التطّبيق، أما أن يغرق في تهويماتٍ فرضّيةٍ سيكولوجيةٍ للوصول إلى الأمراض، والعُقد النفسية والغرائز.. فهذا مجالٌ آخر غير مجال النقد والأدب، لأن للعمل الأدبي قِيماً أخرى، ولا يمكن أن يكون همّاً نفسيّاً وحسب.‏
            ومهما يكن من أمرٍ، فإنّ الناقد لم يقف عند حدود نظرية النقد النفسي في شرح العلاقة التي تربط علم النفس بالأدب والنقد، وإنما تعدّاها إلى مجال التطبيق، فتناول بالدراسة التفسيرية النفسية أعمالاً أدبيّةً مختلفةً كالشعر، والمسرحية، والقصة....‏
            ولا يمكن -بطبيعة الحال- أن نتعقّب هذه الأعمال كلّها، فهذا المدخل لا يتّسع لهذا، ثم إن الفصل الخامس والأخير مُخصّصٌ للدراسة التطبيقية، ويكفي أن نشير إلى أن معظم النماذج المختارة، كانت خالصة مخلصةً لعلم النفس بعامّةٍ، ولحقائق التّحليل النفسي بخاصّةٍ.‏
            ونستطيع، مع هذا، أن نختار من تلك الأعمال التطبيقية نموذجاً شعريّاً واحداً، أو أمثلةً من قصيدة "ثنائيةً ريفية" للشاعر "عبده بدوي" نبيّن من خلالها شطط الناقد وغلوّه في تطبيق التّحليل النفسي، إذ يستهلّ القصيدة بشرحٍ أدبيٍّ لموضوعها ومعانيها الظاهرة، فيراها، صورة حوارية بين زوجٍ ريفيٍّ وزوجةٍ، وهو حوارٌ يتناول في ظاهره الفرحة بحلول موسم الحصاد. والتغني بالثمار اليانعة الغنية التي انبتتها أرض حقلهما بعد عام من الشّقاء والعرق والجزع من أجل أن تنبت هذه الأرض....(36)
            وهذه الفرحة التي يلتقي عندها الزوج والزوجة، تعيد إليهما ذكريات حبّهما القديم والموّال الذي كان يغنّيه ذلك المحبّ الرومنتيكي لمحبوبته الشّابة النّضرة، وكيف أن كلّ ذلك انتهى يوم ذهب إلى بيت أبيها ودفع المهر -وإن لم يكن كثيراً- وتزوجها، فمنذئذٍ أصبح للحبّ معنى آخر، وتحوّر شكله في ذلك العناء المشترك في فلح الأرض وبذر البذور وريّها، والجوع طوال العام ريثما تؤتي أكلها".(37)
            ويشرع بعد هذا، في تفسير القصيدة تفسيراً نفسيّاً كَشَفَ له عن تجربةٍ واحدة هي "التّجربة الجنسية" بين الرجل والمرأة، فمعنى قول الزوجة: "قد وافى الحصاد" أنها حامل، وأنها أوشكت أن تضع حملها، ومعنى قولها لزوجها:‏


            أنا لا أراك فبيننا سدّ من الثّمر المثير.‏


            بيني وبينك من أغاني حقلنا الملتّف سور‏

            دلالة في تصوّر الناقد، على انقطاع الاتصال الجنسي فترة من الزمن، بعد أن أصبحت الزوجة ممتلئة البطن بالجنين أو "بالثمر المثير"(38) بل إن الناقد ليذهب إلى أبعد من ذلك مشتطاً مسرفاً، حين يرى في قول الزوج:‏
            "جعنا بها لتسير للحقل، المعرّى بالبذور، إشارات إلى مواضع وعمليات جنسية، فالحقل المعرى هنا رمز لعضو المرأة الجنسي، ووصفه بأنه معرّى يشير إمّا إلى أنه قد عرّي مما يكتنفه من شعر أو إلى معنى التّعرية الصريح، أو إليهما معاً، أما البذور فهي مايستمرّ هناك نتيجة لعملية الجماع من نطفة"(39)
            وغير هذا الإسراف كثيرٌ في تفسير القصيدة، إذْ ردَّ النّاقد كلّ صورها إلى تجربةٍ واحدةٍ هي "التجربة الجنسية" بل هي الفرضيّة، التي انطلق منها وإليها انتهى في آخر المطاف معتبراً إياها الحقيقة النفسية الخطيرة التي تختفي وراء الصورة الخارجية. يقول "وإذن فهذه القصيدة تتضمّن تجربةً مستخفيةً وراء صورتها الخارجية، إنها في الظاهر تقول شيئاً جميلاً ومقبولاً، لكنها تنطوي على حقيقةٍ نفسيّةٍ خطيرةٍ، هي أن الجنس في حياة الإنسان هو مصدر سعادته ومصدر شقائه في الوقت نفسه..."(40)
            فهذا النموذج التطبيقي، إذن، يغنينا عند ذكر سلبيات المنهج النفسي الذي سلكه عز الدين اسماعيل وغيره في دراسة العمل الأدبي، وهو منهج التحليل النّفسي الفرويدي القائم على كشف مكبوتات اللاّشعور من أمراضٍ،وعُقدٍ نفسيّةٍ، وغرائز جنسية....‏
            غير أن المزيّة التي انفرد بها هذا الناقد هي العناية بالعمل الأدبي نفسه وتحليل نفسيات شخوصه. على حين عنى السّواد الأعظم، من النقاد والأدباء بدراسة شخصية الأديب من خلال أثره، وإن كنّا لا نجد فرقاً كبيراً بين الدّارسين، بما أن العمل النقدي سينتهي، في الأخير إلى وثيقةٍ نفسيّةٍ شبيهةٍ بوثائق علماء النفس في دراساتهم للأعمال الفنية.‏
            ومما لا شكّ فيه، أن عز الدين اسماعيل استطاع بكتابه "التفسير النفسي للأدب" أن يفتح آفاقاً واسعةً أمام الدراسات النقدية الأدبية من الوجهة السيكولوجية، أو مايسمى "بالنقد النفسي" وأن يوثّق العلاقة بين المنهج النفسي والأدب، تنظيراً واجراءً. ومادراساته التطبيقية في الشعر، والمسرح، والقصة، إلا نماذج أو أمثلة، رام بها بيان كيفية إمكان استغلال علم النفس في تفسير العمل الأدبي، ودفع الزّعم القائل بصعوبة التّطبيق، ولعلّ هذا الذي جعله حبيس إطارٍ فرويديٍّ في التّحليل النّفسيّ.‏
            (1) -البستاني، محمد عبد الحسين، المناهج النقدية في نقد المعاصرين ص:13‏
            وينظر أبو الرضا، سعد أبو الرضا محمد، الاتجاه النفسي في الشعر، ص: 160.‏
            (2) -محمد ،خلف الله، من الوجهة النفسية في دراسات الأدب ونقده، ص:د.‏
            (3) خلف الله محمد، من الوجهة النفسية في دراسة الأدب ونقده، ص :10.‏
            (4) المرجع نفسه، ص:19.‏
            (5) المرجع نفسه، ص:تمهيد).‏
            (6) خلف الله محمد، دراسات في الأدب الإسلامي، ص: 154.‏
            (7) المرجع نفسه، ص:35 ومابعدها.‏
            (8) مندور، محمد، في الميزان الجديد، ص 170-171.‏
            (9) مندور، محمد، في الميزان الجديد، ص 162.‏
            (10) زيادة، أبو طالب، مجلة الثقافة العربية، تموز 1975، 1975م العدد السابع، ليبيا عن مقالٍ بعنوان: "الأستاذ محمد خلف الله، في من الوجهة النفسية في دراسة الأدب ونقده، ص 57.‏
            (11) برادة محمد، محمد مندور وتنظير النقد الأدبي، ص 241-242.‏
            (12) شايف، عكاشة، اتجاهات النقد المعاصر في مصر، ص: 145.‏
            (13) الخولي، أمين، فنّ القول، ص: 142.‏
            (14) الخولي، أمين، مناهج تجديد في النحو والبلاغة والتفسير والأدب، ص: 203- و 230.‏
            (15) الخولي، أمين، مناهج تجديد في النحو والبلاغة والتفسير والأدب، ص: 203- و 230.‏
            (16) الخولي، أمين، مناهج تجديد في النحو والبلاغة والتفسير والأدب، ص: 334- و 336.‏
            (17) شايف، عكاشة، اتجاهات النقد المعاصر في مصر، ص : 147-148.‏
            (18) شايف، عكاشة، اتجاهات النقد المعاصر في مصر، ص : 147-148.‏
            (19) عبد القادر، حامد، دراسات في علم النفس الأدبي، ص 4-5.‏
            (20) عبد القادر، حامد، دراسات في علم النفس الأدبي، ص 19-و 31 ومابعدها.‏
            (21) عبد القادر، حامد، دراسات في علم النفس الأدبي، ص 19- و 31 ومابعدها.‏
            (22) عبد القادر، حامد، دراسات في علم النفس الأدبي، ص 19- و 31 ومابعدها.‏
            (23) المرجع نفسه ، ص 67 وما بعدها.‏
            (24) المرجع نفسه ، ص 156 وما بعدها.‏
            (25) اسماعيل، عز الدين، التّفسير النفسي للأدب، ص 54 و 273.‏
            (26) اسماعيل، عز الدين، التّفسير النفسي للأدب، ص:53و 54 و 273.‏
            (27) اسماعيل، عز الدين، الأدب وفنونه، ص 101-102.‏
            (28) اسماعيل، عز الدين، التّفسير النفسي للأدب، ص 53 -54 و 273.‏
            (29) المرجع السابق، ص 25- 26 و 251.‏
            (30) اسماعيل، عز الدين، التّفسير النفسي للأدب، ص 25- 26 و 251.‏
            (31) مندور ، محمد، في الأدب والنقد، ص 48،49، 50.‏
            (32) الدروبي، سامي، علم النفس والأدب، ص 128-129.‏
            (33) اسماعيل، عز الدين، التّفسير النفسي للأدب، ص :125.‏
            (34) اسبورن، د. حاضر النقد الأدبي، ص : 54.‏
            (35) اسماعيل، عز الدين، التّفسير النفسي للأدب، ص 250.‏
            (36) اسماعيل، عز الدين، التّفسير النفسي للأدب، ص 121، 122.‏
            (37) تتمّة النص، التّفسير النفسي للأدب، ص 121-122.‏
            (38) اسماعيل، عز الدين، التّفسير النفسي للأدب، ص 123.‏
            (39) اسماعيل، عز الدين، التّفسير النفسي للأدب، 124.‏

            إذا الشعب يوما أراد الحياة
            فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
            و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
            و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

            تعليق


            • #7
              رد: المدخل إلى نظرية النقد النفسي سيكولوجية الصورة الشعرية في نقد العقاد (نموذجاً)

              الفصل الخامس
              في نقد العقادنموذجاً)‏
              - توطئة-‏
              إن العلاقة بين الدرس النقدي للصورة الشعرية والدّرس السيكولوجي لها، علاقةٌ لا تحتاج، في نظرنا، إلى إثبات فَلِمُصطلح "الصورة" - كماهو معروف- دلالةٌ نفسيّةٌ ذهنيّةٌ فوق دلالته اللغوية، والرمزية، والبلاغية أو الفنيّة.(1)
              إي إنّ للصورة الشعرية حسب دلالة المصطلح منهجاً نفسيّاً تدرس بوساطته إلى جانب المنهج الرمزي والبلاغي أو الفني(2) .‏
              ونستشفّ هذه الدلالة النفسية للصورةالشعرية من خلال قيامها على اليقظة الحسيّة من جهةٍ، واليقظة الباطنية من جهةٍ أخرى، لأنّ الإدراك الحسّي للصورة في معزلٍ عن طبيعة الأشياء الداخلية والتّيقّظ الشّعوري، يحولّها إلى "صورةٍ نقليّةٍ" تدلّ على أسلوب الإنسان البدائي في التفكير، الأسلوب الذي لا يعير كبير اهتمامٍ لطبيعة الأشياء الداخلية، بل يرى أن الجوهر فيها لما ترصده العين وتتمكّن من التقاطه.. أي إن - الصورة النقلية تعكس الظواهر الخارجية بحدّ ذاتها من حيث هي موجودات ثابتة..."(3)
              والحقّ، أن الإقرار بأن العقّاد أَؤلَى سيكولوجية الصورة الشعرية عنايةً خاصّةً، أو أفرد لها دراسةً قائمةً برأسها، أمرٌ فيه شيءٌ من المبالغة والغلوّ، ولكن آراءه النقدية في الشعر، المتفرّقة في تضاعيف كتبه ومقالاته تَشِي -من طرفٍ خفّيٍ- باقترابٍ واضحٍ من بعض سمات الصورة الشعرية من الناحية النفسية، كالإدراك الحسّي والباطني، والتصوير الشعوري المشخّص.‏
              والذي يهمّنا ههنا، من هذه الدراسة التطبيقية في هذا الفصل الخامس والأخير، هو محاولة تلمّس الجانب النفسي في هذه السمات كدليلٍ -عند العقاد- على نشاط الملكة الشاعرية بخاصّةٍ والفنية بعامةٍ(4) ، أو الملكة الخالقة التي تستمدّ قوّتها من تفاعل النشاط الحسّي والنفسي والذهني(5) .‏
              وهناك موضوعٌ آخر تناوله الناقد بالدراسة النقدية النفسية، نخاله متّصلاً بسيكولوجية الصورة الشعرية، وهو "الدلالة النفسية للكلمة المكرورة والمصغّرة داخل صور المتنبّي الشعرية"، ولكن هذا الموضوع لا يتّسع له صدر هذا المدخل، لذلك نكتفي بإبراز محورين نفسيين من خلال شعر ابن الرومي هما: سيكولوجية الصورة الشعرية بين اليقظة الحسيّة واليقظة الباطنية، والصورة الشعرية المشخّصة.‏
              ***‏

              1- سيكولوجية الصورة الشعرية بين اليقظة الحسية واليقظة الباطنية:‏
              صحيحٌ أن الإدراك الحسي للظواهر الخارجية عنصرٌ مطلوبٌ في تكوين الصّورة وتشكيلها، إذ لا غنى عن الحواس في إدراك المرئيات، والمسموعات، والمذوقات والمشمومات والملموسات...‏

              ولكنّ جودة العمل الفني، ودقة وصفه، مَنُوطتان بقوة هذا الإدراك ووضوح الصّور والجزئيات في الذهن.‏
              وهذا مادلّت عليه التجارب النفسية حين وجدت تفاوتاً كبيراً بين الإفراد في الإدراك الحسي؛ "فمنهم البصريون الذين يكون إدراكهم للمرئيات واضحاً دقيقاً مستوعباً.‏
              ومنهم السّمعيون الذين يقوى فيهم إدراك الأصوات والنّغمات، ومنهم اللّمسيون الذين تقوى فيهم حاسّة اللّمس، فتدرك الملموسات إدراكاً تفصيليّاً واضحاً، ولا ريب أن قوة الإدراك الحسّي في ناحيةٍ من النواحي تساعد على دقّة الوصف في الناحية نفسها"(6) .‏
              وعلى الرغم من أهمية العنصر الحسيّ في نسج خيوط الصور الشعرية، فإنه من الغلوّ، في نظر ناقدٍ، الاتكاء عليه "وتعليه على حساب بقيّة العناصر الأخرى المشكّلة للتجربة الشعرية وللصّور الفنية على السّواء...‏
              إن الشعر كأي خَلْقٍ آخر نسج خيوطه الإحساس والعاطفة والفكرة.. وأن أيّ تحليلٍ للفنّ يجب أن يقوم في ضوء العلاقات والارتباطات المتداخلة الملتحمة بين الخيوط المشكّلة للنسيج، والتي لا يُمكن لها أن توجد منفصلةً بعضها عن بعضها الآخر"(7) .‏
              ومن هذا المنطلق، دعا العقاد إلى تخليص الشعر العربي من وطأة الحسّية التي رانت عليه قروناً طويلة كما نَعَى، في الوقت نفسه، على الشعراء المقلّدين إفراطهم في الوصف الحسّي وتوهمّهم إنهم ببراعة التشبيه بالمحسوسات يصلون إلى قمة الشعر؛ فهم بهذا الوصف في غفلةٍ شديدةٍ في الحقيقة النفسية والشعورية للتصوير الذي "هو من عمل النّفس المركّبة، من خيالٍ وتصوّرٍ، وشعورٍ".(8)
              وعليه، فالنفس هي مقياس الوقت في الإحساس أو في التّصوير الشعري الذي هو جزءٌ من هذا الإحساس وهي لِغِناها الشعوري، والتصوّري، والخيالي، فوق هذا المقياس، تملك حرية التّصرّف الفنيّ فيه، فتُطيل الزمن وتختزله بما يناسب رغبتها، دون أن يحدّ من طلاقتها الحسّ والاسترجاع، فالنفس، إذن، في تصوّر العقاد بخلاف الساعة المركّبة من حديدٍ أو نحاسٍ"، قد تنظر إلى اللمّحة، فإذا هي دهرٌ سرمدٌ لازدحامها بالمنظر بعد المنظر والخيال بعد الخيال إلى غير نهايةٍ يحدّها الحسّ ويقف عندها الاستحضار"(9) .‏
              ونرى أن هذه المقارنة بين السّاعة الاصطناعية بوصفها المقياس العلمي للزمن المضبوط، وبين النفس الطبيعية بوصفها المقياس الفنّي للزمن المفتوح، أو الحرّ في الإحساس والتصوّر الشعري، تعكس إلى جانب بعدها السّيكولوجي تحدّياً فنيّاً جماليّاً، لا يستطيع العلم، في الواقع أن يحدّ من سَيْرِه، أو من تقدّم الفنّ عموماً؛ إذ ما استطاعت الأبحاث العلميّة في الصّوت أن تجعلنا لا نطرب لألحان "بتهوفن"(10)
              ومن هذه الملامسة النفسية لحقيقة التصوير، يرى العقاد أن مهمّة الشعر، هي العناية "بالحركات النفسية"(11) ، لا بوصف الصور المحسوسة وحسب، مُفرّقاً في ذلك بين التصوير الشعري والتصوير الحسّي أو "التماثيلي" في أثناء حديثه عن "الكلاّوكون"(12) أو فنّ التّماثيل.‏
              ويظهر هذا الفرق عنده في الأثر النفسي المباشر الذي تحدثه الصورة الشعرية من خلالها حركاتها وزمنها النفسيّين اللذين لا يحدّ من امتدادهما حاجز حسّي، وهذا بخلاف التصوير الحسيّ "التّماثيلي" الذي يعنى "بكل مايرى بالعين ولا يخامر النفس إلا من طريق الرؤية والملامسة. فالشاعر إذ وصف جمال المرأة وصف أثرها في النفس، ولم يشغل فنّه بتصوير المحسوسات إلا من حيث هي دلالةٌ على الخوالج والعواطف، أما المصوّر فله عملٌ آخر، وهو نقل الصور من حيث هي مظهرٌ ومكانٌ لا من حيث هي حركةٌ وزمانٌ، وهذه هي الخطوط البارزة في التّفريق بين الفنّين، ولكنها لا تمنع التداخل بينها والالتقاء فيما يتشابهان فيه ويتوافيان".(13)

              ويسوق العقاد -نقلاً عن أمثلة "لسنغ" - مثالاً عن صورة "هيلينا" في شعر "هومر" وصورتها في تماثيل المثالين، يوضّح به مدى الأثر "السّيكولوجي" "Psycho - esthetique" الذي تحدثه الصورة الشعرية في النفس.(14)
              وينتهي الناقد إلى أن هذا الامتداد في الحركة والزمن النفسيّين الذي عاشته "هيلينا" في وجدان المتلقّين من خلال التصوير الشعري، لم تعشه في صورتها الحسيّة المجسّدة بالتماثيل، والتي تعتمد على المظهر والمكان(15) .‏
              ولعل هذه المعايشة الوجدانية التي حظيت بها صورة "هيلينا" في شعر "هومر" جاءت عن طريق الوصف الخيالي، وهو وصف الأشياء المحسوسة لا من حيث هي واقعةٌ في المكان بل من حيث هي واقعة في النّفس".(16)
              ومن هذا الفهم النفسي لطبيعة التصوير الشعري، يحدّد العقاد منبع الصورة الشعرية مركّزاً في الوقت نفسه، على الجانب الحسّي والشّعور فيها؛ إذ يرى أن الملكة الشاعرية بخاصّة والفنّية بعامّةٍ، هي آلة التصوير التي فيها تتجمّع الصور ومنها تتوزّع بعد إعادة تركيبها وتشكيلها من جديد، ولكن يجب أن تعطيها النفس من سعة الإحساس وقوّته مايمكّنها من التقاط كل صور العالم في صورةٍ كاملةٍ، وتقديمها إلى المتلّقي نابضةً بالحياة(17) .‏
              معنى هذا، ينبغي أن يكون الشاعر على حظٍ وافرٍ من الإحساس مايجعل ملكته الشاعرية، في تصور العقاد، أشبه بالعدسة المصوّرة ذات الإحساس الواسع الدّقيق، لا يفوتها التقاط جزئيات الصورة في رسمٍ كاملٍ ودقيقٍ للعالم(18) .‏
              بيد أن الإحساس ههنا، ليس تلك القدرة الآلية وإنّما هو نشاط الحواس مُمتزجاً بالقدرة النفسية، أو بالنشاط الباطني الذي يتجلى في تصوير الإحساس وتخيّله باللفظ؛ لأنَّ "المسافة عظيمةٌ" بين شاعرٍ يصف لك مارآه، كما قد تراه المِرْآة أو المصوّرة الشمسية، وبين شاعرٍ يصف مارآه وشعر به وأجاله في روعه، وجعله جزءاً من حياته"(19) .‏
              أما إذا كانت ملكة الشاعر على حظٍ يسيرٍ من النشاط الحسّي والباطني، فإنّها ترسم لنا جزءاً صغيراً من العالم، وصورةً ضيَّقة منه، وحتى لو أفرغت هذه الملكة كل طاقاتها الشعورية في رسم هذه الصورة الجزئية وأغنتها بالظلال والألوان، فهي لا ترقى إلى مستوى تلك الصورة الكاملة، وعليه، لا يمكن أن نبادلها بالصورة العالمية، ومن هنا، يفرّق العقاد بين شاعرٍ ملك قطعةً من العالم وشاعرٍ تربّع على عرش العالم كلّه بإحساسه القوي وشعوره الفيّاض وشاعريّته المتوثّبة"(20) .‏
              نفهم من هذا، أن الجانب الحسّي، ماهو إلا مرحلة تمرّ بها الصورة الشعرية لتمتزج بعد ذلك بالجانب النفسي المتمثّل في المشاعر التي تتلقّاها النفس، وهنا يتوجّب على الشاعر أن يقوم بمهمّتين، مهمّة حسيّة نفسية ومهمة، جمالية مؤثرة؛ أي "وصف مايقع تحت الحسّ فيبرز في حلّةٍ قشيبةٍ تحرّك فينا أوتار الطرب..."(21) .‏
              فالصورة الشعرية عند العقّاد، يجب أن تنتهي إلى الداخل بعد إدراكها من الخارج، لإعادة صياغتها وإخراجها في إهاب حيٍّ، يمتزج فيه الجانب الحسّي التعبيري، بالجانب النفسي الباطني، وفي هذا السياق، يقول "عبد الحي دياب":‏
              "إن الصورة، في تصوّر العقاد، تمرّ بمرحلتين، الأولى: إدراك من الخارج إلى الدّاخل، وهو الإدراك الحسّي، في صورةٍ كاملةٍ وتقديمها إلى المتلقّي نابضةً بالحياة(22) .‏
              معنى هذا، ينبغي أن يكون الشاعر على حظٍّ وافرٍ من الإحساس مايجعل ملكته الشاعرية، في تصور العقاد، أشبه بالعدسة المصوّرة ذات الإحساس الواسع الدّقيق، لا يفوتها التقاط جزئيات الصورة في رسمٍ كاملٍ ودقيقٍ للعالم(23) .‏
              بيد أن الإحساس ههنا، ليس تلك القدرة الآلية وإنّما هو نشاط الحواس مُمتزجاً بالقدرة النفسية، أو بالنشاط الباطني الذي يتجلى في تصوير الإحساس وتخيّله باللفظ، لأنّ "المسافة عظيمةٌ بين شاعرٍ يصف لك مارآه، كما قد تراه المِرْآة أو المصوّرة الشمسية، وبين شاعرٍ يصف مارآه وشعر به وأجاله في روعه، وجعله جزءاً من حياته"(24) .‏
              أما إذا كانت ملكة الشاعر على حظٍّ يسيرٍ من النشاط الحسّي والباطني، فإنّها ترسم لنا جزءاً صغيراً من العالم، وصورةً ضيّقةً منه، وحتى لو أفرغت هذه الملكة كل طاقاتها الشعورية في رسم هذه الصورة الجزئية وأغنتها بالظلال والألوان، فهي لا ترقى إلى مستوى تلك والأخرى إخراجٌ من الداخل إلى الخارج، وهو التعبير ممتزجاً بالخواطر التي تتلّقاها النفس(25) "‏
              ونرى أنّ هذا الفهم النفسي للصورة الشعرية التّامة التي تحمل في ثناياها عالماً كاملاً، عند العقاد، قريبٌ إلى حدٍّ من "الصورة الرؤيوية"، التي تعتمد في تشكيل أساسها على الشعور الوجداني الغامض والخيال المؤلف، ذلك أن هذا النّوع من الصور ذو تجربةٍ إنسانيةٍ يتخطّى حدود الرؤية البصرية المباشرة لينفذ إلى الرؤية الشعرية عن طريق الاستكشاف والشعور والباطن "INTROSPECTION"(26) ، أو ما يسمّيه العقاد "يقظة الشعور الباطني"(27) في تحليله لحوّاس ابن الرومي، فنفس هذا الشاعر "تامّة الأداء تشعر شعوراً شديداً بالحياة من حيثما واجهتها وتداخل الطبيعة في كل جزءٍ من أجزائها، فقد عاش صاحبها يوماً يوماً من عمره وناحيةً ناحيةً من وجدانه ولابس الحياة ولابسته.‏

              كأنها الجارية النّاهد"(28) .‏

              ودامت الدنيا له غضّة.‏

              فابن الرومي، في تصور العقاد، ملك جهازاً حسّياً ونفسّياً شديد الدّقة والحساسية، لا يقنع بنقل مايقع على الحواس من مرئيات، ومسموعات، ومشمومات، وملموسات والمقابلة بينها دون إشراكها بنشاط الوعي الباطني، "..... كلاّ! فإن هذه اليقظة الحسيّة لتصاحبها يقظة في الشعور الباطني، تسري به في كل مسرى وتنفذ به إلى كلّ منفذٍ وتترجم العواطف والأخلاق كما تترجم المناظر والألحان".‏
              نفهم من هذا، أن الصّور الشعرية، تحتاج -فضلاً عن الحسّ الظاهر- إلى نشاطٍ داخليٍّ يساعد الشاعر على إدراك ظواهر الأشياء وبواطنها، لتحويلها إلى صورةٍ واعيةٍ تدسّ في ثنايا حسّيتها أفكاراً وخواطر، وتعكس، في الوقت نفسه، حالةً نفسيّةً وجدانيّةً، وإدراكاً ذهنيّاً؛ لأن التصوير في الشعر هو عملية ضبطٍ للوجود الظاهر والوجود الباطن وجعل هذه العوالم تدرك بالحسّ، بالحدس، بالعقل، بالرؤيا..."(29) .‏
              وسنرى وشيكاً أن هذه العملية الباطنية تتطلّب ملكةً خالقةً، قادرةً على التشّخيص الشعوري، وهذه القدرة مستمدّةٌ، من باعثين نفسيين هما: "سعة الشعور ودقّته".‏
              على أن العقاد -في نظرنا- بهذه المزاوجة بين اليقظة الحسيّة واليقظة الباطنية طمس ظاهر الحقيقة وإلغاء "الوعي الظّاهر" باسم "الوعي الباطن" كما يزعم بعض الغلاة من المصورين، ولَئِنْ كان الناقد يقصد ههنا فنّ التصوير أو الرّسم، فإنه يرى أن عَدْوَى هذا الوعي قد أصابت فنوناً أخرى، ولا نستبعد أن يكون من ضمنها فن القول بعامّةِ والصور الشعرية بخاصةٍ؛ "والخطأ هنا أن "الوعي الباطن" لم يلق ليلغي الوعي الظاهر أو يمنعنا أن نرى الدّنيا، ولكنه خلق ليظل وعياً باطناً حيث هو في قرارة الضّمير، نستدلّ عليه بعلاماته التي تتّفق عليها الأنظار، ومامن أحدٍ يبني بيته أو يطبخ طعامه، أو يخيط ملابسه، أو يحضّر دواءه، على مايتصوره هذا وذاك وأولئك في وعيهم الباطن الزعوم.... فلماذا يتغيّر وجه الإنسان لأن له وعياً باطناً، أو لأنّ المصوّر له وعيٌ باطنٌ، أو ما يزعم من هذا الهُراء"(30) .‏
              ومهما يكن من أمرٍ، فإن العقاد لا يرمي "بالوعي الباطن"، كلّه، سيّما إذا كانت له علامةٌ تتّفق عليها الأنظار، ودلالةٌ قلّما يختلف فيها اثنان؛ ذلك أن "علم النفس المعاصر يقرّ بأن في ذهن الإنسان تكمن الصور والمشاعر في منطقةٍ لا واعيةٍ، لكنها تومض لصاحبها بطريقةٍ عفويّةٍ، تحت ضغط الإنفعال أو في ظروفٍ أخرى مواتيةٍ، فيفيد منها الخطيب والمفكّر وسائر أصحاب الأعمال العقلية"(31) .‏
              بيد أن الإفراط في استخدام هذا الوعي يحوّله، في نظر العقاد، إلى بدعةٍ مرضيّةٍ، وعلّةٍ في بواطن المُولَعين به." الواقع أن الوعي الباطن له مكانٌ واحدٌ من شؤون هذه البدعة المرضية، ومكانه هو إظهار العلّة المرضيّة التي تكمن في بواطن المصوّورين المشغوفين بكلّ بدعةٍ من هذا القبيل... فهم بين مشوّهٍ أو ضئيلٍ، أو مهزوم النفس أو عجز عن لفت النظر إليه، فحيلتهم هي حيلة هذا الضّرب من الناس في اتخاذ المشاكسة والتحدّي والإغراب وسيلة للتّنبيه إليه، وهذه هي الحقيقة الواحدة التي لها شأن... الوعي الباطن... في مذهب هؤلاء الغلاة، فهم مصابون في وعيهم الباطن، يترجمونه كارهين، ويعرضون على الناس من ثمّ أعراض مَرضٍ معارض فنونٍ"(32) .‏
              ولا نعدو الحقيقة إذ قلنا إن العقاد يقصد ههنا غلاة الرمزّيين بعامّةٍ، والسوريالييّن بخاصّةٍ، وعلى رأسهم "أندريه بروتون A. Breton" زعيم المدرسة السوريالية الذي أعلن في بيانه عام 1924م، القطيعة لكل رقابةٍ عقليّةٍ مفسحاً المجال لكل تداع تعبيري حرّ في تشكيل الصورة. أيّاً، كان نوع هذا التداعي؛ فالسّوريالية في ظّنه "آلية" نفسيةٌ ذاتيةٌ خالصةٌ، يستهدف بواساطتها التعبير إن قولاً وإن كتابةً، وإن بأيّ طريقةٍ أخرى عن السّير الحقيقي للفكر، هي إملاء من الذّهن في غياب كلّ رقابةٍ من العقل، وخارج كلّ اهتمامٍ جماليٍّ أو أخلاقيٍّ"(33) .‏
              والعقاد حين ينعي على غلاة الرمزيّين نكرانهم الجانب الحسي في التعبير عن الحالات النفسية، والمشاعر المكبوتة لا ينفي -كما أسلفنا- وجود الوعي الباطن، ولكن ساءه أن يغدو هذا الوعي الوسيلة الوحيدة التي يستعين بها الإنسان على التصوير وتحليل الصور، ويصبح بعد ذلك كلّ فردٍ "فناً" قائماً برأسه بحجّة أنه يملك وعياً باطناً لا يشاركه فيه أحدٌ".(34)
              وبناء على هذا، يقرّر الناقد أن الوعي الباطن حقيقةٌ متأصّلةٌ في طبائع النّاس منذ مئات السّنين، ولها جذورها الممتدّة في التاريخ الغابر، نستشفّها من التراث العربي والعجمي على حدٍّ سواءٍ عند قدماء المثّالين والمصوّرين والشعراء، وعليه، يجب أن تمضي هذه الحقيقة في عملها سواء أظهر "فرويد" أم لم يظهر، فهذا الوعي ترك أثره في شعر المتنبّي، والشريف وبيرون، ولامرتين دون أن يتنكّر لعمل الحواس أو يّطرح جانباً نشاط الأذواق والأذهان.‏
              ونرى أنّ أثر الوعي الباطن في التراث الإنساني حقيقةٌ لم ينكرها "فرويد" بل صرّح بها معترفاً أنّ الذين ألهموه نظريته في التّحليل النفسي، وخصوصاً مستويات الشعور واللاشعور، هم الفلاسفة والشعراء، والفنانون الرومانسيّون على الخصوص(35) .‏
              ***‏

              2- الصورة الشعرية المشخّصة ونماذجها في شعر ابن الرّومي:‏
              وبناء على هذا الفهم النفسي للصورة الشعرية بين الإدراك الحسّي والباطني، يرى العقاد أن ابن الرومي كان بارعاً في استخدام حواسّه معتمداً على رؤيته في يقظة حسّه وشعوره الباطني، بعيداً عمّا يمكن أن يُفهم من سُبحات الوعي الباطن.‏
              وقد تعود هذه البراعة إلى قدرته على "التشخيص" بوصفه عنصراً رئيساً في عمليّة التصوير الشعري؛ إذ عليه تتوقّف جودة الصورة الشعرية أو رداءتها، وهو دليل الملكة الخالقة التي تستمدّ قدرتها من باعثين نفسيين هما: "سعة الشعور، ودقّته"؛ فالشعور الواسع هو الذي يستوعب مافي الأرضين والسموات من الأجسام والمعاني، فإذا هي حيّة كلّها، لأنّها جزءٌ من تلك الحياة المستوعبة الشاملة. والشّعور الدّقيق هو الذي يتأثر بكلّ مؤثر ويهتزّ بكل هامسةٍ ولا مسةٍ، فيُستبعد جدّ الاستبعاد أن تؤثر فيه الأشياء ذلك التأثير وتوقظه تلك اليقظة وهي هامدةٌ صفرٌ من العاطفة خلوٌ من الإرادة".(36)
              معنى هذا، أن الشعور مرتبطٌ بملكة الشاعر الخالقة وموهبته المبدعة، وهو مشروط في عملية التصوير الشعري، يساعد الشاعر على تجسيد مايعتمل في نفسه من الأجسام والمعاني. ووظيفته، في نظرنا، ليست احتواءً كمّياً لأشياء الطبيعية، يُحكم سعته فحسب، وإنّما انتقاءٌ نوعيٌّ لها،تتطلّبه تلك الدّقّة.‏
              وهذه الأشياء، في الواقع، لا تملك لنفسها حراكاً مالم يكن لها من الدّاخل تيّقظٌ نفسيٌّ، يخرجها من حالة الجمود والهمود، إلى حالة النشاط والحيوية، في صورةٍ متحرّكةٍ نابضةٍ بالحياة، وهي في تصوّر العقّاد، لا تسرّ لذاتها أو تحزن لذاتها، وإنّما تسرّ الأشياء أو تحزن بما تكسوها الخواطر من الهيئات، وتعيرها الأذهان من الصّور"(37) .‏
              على أن هذا النشاط الباطني -في تصوّرنا- ليس شعوراً عابراً أوتأثّراً عارضاً فحسب، وإنّما استجابةٌ ذهنيّةٌ، وإدراكٌ واعٍ لكلّ مؤُثرٍ من مؤثرات الطبيعة؛ فالشعور ههنا يعني أيضاً" هذا الوعي الذي يجعل الشاعر قادراً على التّمييز بين الصّور والأفكار.. وإذا كان من الحق أن هذا الشاعر لا يهتمّ بمظاهر الطبيعة إلا لمِا تُثيره في نفسه من صورٍ وأفكارٍ، فإنّ مما لا شكّ فيه أيضاً أن هذه المظاهر توقظ مشاعره وتدفعه إلى التّفكير المنظم، ونعينه بالتالي على خلق صورٍ مجرّدة، تعبّر عن نفسه وعن الحياة في آنٍ واحدٍ"(38) .‏
              ومن هنا يرى العقاد أن التّشخيص يأتي بعد نشاط الوعي الداخلي؛ إذ "لابدّ... من شعورٍ يسبق التّشخيص ويلقي عليه ظلّه ويبثّ فيه من حياته"(39) ، ليغدو تشخيصاً شعوريّاً متميّزاً عن قدرة التّشخيص اللّفظي". التي هي حيلةٌ لفظيةٌ تُلجئنا إليها لوازم التّعبير، ويوحيها إلينا تداعي الفكر وتسلسل الخوطر"(40) .‏
              وماهذا التداعي أو التسلسل -في علم النفس- إلا ضربٌ من العمليات العقلية، "وقد حصر أرسطو عوامل التّداعي في ثلاثة هي: التّشابه، التّضاد، الاقتران الزماني أو المكاني، وأرجعها المحدثون من علماءا لنفس إلى عاملٍ واحدٍ هو الاقتران الذهني.. فأنت إذ رأيت رجلاً طويلاً تتذكّر صديقاً لك يشبهه في طول القامة، والتجارب السّارة أو المؤلمة تُذكرّنا بأمثالها من تجاربنا الماضية، والطويل قد يُذكرنا بالقصير، والسّارّ قد يُذكّرنا بالمؤلم، والحوادث التي حدثت لك في زمانٍ أو مكانٍ واحدٍ يستدعي بعضها بعضاً وهذا كله راجعٌ لقوانين تداعي المعاني الأساسية..."(41) .‏
              وتأسيساً على هذا الفهم النفسيّ للتّداعي، يرى العقادْ أنّ الصورة الشعرية المشخّصة نتاج موهبةٍ خالقةٍ "مقصودةٍ تكون عند أناسٍ ولا تكون عند آخرين"، وهي صورةٌ عميقة الشعور، لا تخضع لمنطق التّسلسل الفكريّ ولا تستجيب للحيل اللفظية والقوالب التشبيهية الجاهزة، بل يمتزج كل عنصرٍ فيها بتجربة الشاعر الشعورية لتعكس فوق جمالها الفنّي وجمال الطبيعة حالة هذا الشاعر النفسية(42) ...‏
              فاختيار "ابن الرومي" مشهد الشمس ساعة الغروب كان اختياراً موّفقاً ينمّ على نفسيةٍ كليلةٍ كسيرةٍ، ارتمت في أحضان الأصيل، واندست في أضبانه تناجيه ويناجيها، كأنهما صاحبان يتهامسان اللوعة والأسى، والشوق في مشهدٍ رهيبٍ، شاركت رهبته الألوان والحركات، وكل عناصر الطبيعة ممتزجةً بشعورٍ وافر دقيقٍ، فالشاعر في وصفه يشّف "عن شغف الحيّ بالحيّ وشوق الصّاحب إلى الصاحب، وتسمع من تشبيهه بهارنّة طربٍ أو شجوٍ، لا تخرج إلا من نفسٍ مفعمةٍ بأصداء الطبيعة قد نفذت إلى طويتها وشاركتها فيما تتخيّله لها من حزنٍ وسرورٍ، فهو يحيا مع الشمس الغاربة حتى تضع على الأرض خدّا أضرع من وحشة الفراق، وهو يحيا مع النّور حين تخضلّ بالدّمع عيونه وتهبط الليل شجونه، وهو يحيا مع الذئاب والطّير الساجع في ساعة الغروب التي يمتزج فيها الحنان الذائب بالشوق الخفيض، وهوينظم ذلك كله في أنشودةٍ واحدةٍ لم تدع مزيداً لفن اللّون والحركة ولا مزيداً لِوَحيْ الخيال والسّليقة.‏

              على الأفق الغربي ورساً مزعزعا‏

              إذا رنّقت شمسُ الأصيل ونفّضت‏

              وشوّل باقي عمرها فتشعشعا‏

              وودّعت الدنيا لتقضي نحبها‏


              وقد وضعت خدّا إلى الأرض أضرعا‏

              ولاحظت النوار وهي مريضةٌ‏

              توجّع من أوصابه ماتوجّعا‏

              كما لاحظت عواده عين مدنف‏

              كما اغرورقت عين الشجي لتدمعا‏

              وظلّت عيون النور تخضلّ بالنّدى‏

              كأنهما خلاّ صفاء تودّعا‏

              وبين إغضاء الفراق عليهما‏

              من الشمس فاخضرَّ اخضراراً مشعشعا‏

              وقد ضربت في خضرة الرّوض صفرة‏

              وغنّى مغني الطير فيه فسجّعا‏

              وأذكى نسيم الرّوض ريعان ظله‏

              كما حثحت النشوان صنجاً مشرعا(43)

              وغردّ ربعيّ الذباب خلاله‏

              فهذه الصور الشعرية -إذن- نفثة كئيبٍ كريبٍ، وأنشودة نفسٍ وَصِبةٍ وجعةٍ، عانقت مغيب الشمس نبتّة شكواها ودّنَفها في "شعور عميقٍ بوحشة الغروب وماينعكس من ذلك الشعور العميق على الشمس من ترنيقٍ، وضراعةٍ، وانكسارٍ ونظرٍ يائسٍ كنظر المريض إلى العواد ووجومٍ شائعٍ بينها وبين عيون النوار التي تغرورق على الأغصان لتدمع وتلحظ ألحاظاً خشّعاً من الشّجو والإغضاء".‏
              وهذا النموذج الشعري، ضربٌ من التِّشخيص الشعوري الذي مثّله ابن الرّومي أحسن تمثيلٍ، وهو بخلافٍ التّشخيص اللّفظي الذي هو لعبٌ بالألفاظ وتسلسلٌ مفتعلٌ للأفكار والخواطر.‏
              وعلى الرغم ممّا لهذا التّداعي من أهميةٍ في تشكيل صورٍ شعوريةٍ مشخّصةٍ متناسقةٍ، فإنّه ههنا في التِّشخيص اللّفظي يعتمد على آلية تتابع المناظر في شعورٍ مُبْهمٍ، ينمّ على ملكةٍ عقيمةٍ دأبها محاكاة قوالب جاهزة، وتشبيهات محفوظة من شعر الأقدمين، وقد ساق العقاد، المثال السّابق حجّةً على بعض الشعراء المقلّدين ممّن "ينظر إلى الشمس في هذاالمشهد -مشهد غروب الشمس- فيجعلها حسناء مفارقة، ومادامت حسناء مفارقة فهي معشوقة أو عاشقة، ومادامت معشوقة أو عاشقة، فهناك قصّة غرام تدور على هذا المعنى إلى حيث ينتهي بها المطاف، وكلّ هذا، لأنّ الشمس مؤنثة في اللغة العربية وحسناء في تشبيهات الشعراء، فهي قصة مولّدة من لفظ عرضي قد يكون لها نصيبٌ من الشعور، وقد لا يكون لها أقل نصيبٍ".(44)
              معنى هذا، أن الصورة الشعرية المشخصة، لا تخضع لرتابة التسلسل المنطقي، كما لا يمكن للألفاظ بعلاقاتها البسيطة أن تولّد قصّةً بأكملها، وتفي في الوقت نفسه بمطلبيها الشعوري والحياتي.‏
              ويرى العقاد، أن قدرة الشاعر على التصوير المطبوع موقوفةٌ على نقل صور الوجود كما هي واقعةٌ في حسّه ومشاعره، ثم يتوّلاها الخيال بعد ذلك بخلقٍ جديدٍ، بهذا يُتاح للشاعر إيجاد الأجسام الحيّة المناسبة للمعاني المجردّة، وابتكار الرموز اللائقة بالصور المحسوسة.‏
              ومن هنا، يُنصّب الناقد ابن الرومي أوّل شاعر سبق بتشخيصه الشعوري المطبوع وفطرته المهيأة للتصوير عدداً غير قليل من شعراء الأمم، لأنه مصوّر بالفطرة المهيأة لهذه الصناعة، فلا ينظر ولا يلتفت إلا تنبّهت فيه الملكة الحاضرة أبداً وأخذت في العمل موفّقة مجيدة، سواء ظهر عليها أوسَهَا عنها كما قد يسهو المّصور وهو عاملٌ في بعض الأحايين".(45)
              وتبرز هذه القدرة الحسيّة، والشعورية، والخيالية في شعر ابن الرومي عندما تغدو صورة مشاعر متتالية، ترمقها العين كأنها شخوصٌ ماثلةٌ أمامها، وخواطر متتابعة تتلقّفها النفس تلقّف الجائع، وحركات متواصلة تعبر حقّ التعبير عن براعة المزاوجة بين المرئيات والمشاعر.‏
              ونرى أن هذه النفس في إحساسها بالأشكال لا تقوم بعملية الاستقبال Reception فحسب، وإنّما ينجم عن تلك الأشكال المستقبلة، والتي تفاعلت معها النفس والحواس برهة مامن الزمن عملية إرسالٍ Emission أو خلقٍ جديدٍ لتلك الأشكال، وهاتان العمليّتان تُتيحان لنفس الشاعر وحواسّه استكناه مغازي الصّور وملامحها، وتخريج أبعادها وحركاتها ومواقفها، وإغنائها بالتّشذيب والتّهذيب، لتأخذ شكلها النّهائي، وتنال، في الوقت نفسه، نصيبها من نفوس المتلقّين وأذواقهم.‏
              ومن هنا، تصبح مهمّة الشاعر -في نظر العقاد- شبيهةً بمهمّة "الرسام" الذي بسط أمامه لوحته، وأقبل على الوجوه والأشكال يتفرّسها، ويطيل النظر إلى ملامحها وإشاراتها وماتشفّ عنه من المعاني، وتشير إليه من الدّلائل، ويراقبها في التفاتاتها ومواقفها وحركاتها لينثني بعد ذلك إلى لوحته فيثبت عليها ماتوارد على بصره وقريحته من الألوان والمعارف والهيئات من حيث هي تحفةٌ فنيّةٌ، تستوي الحواس والأذواق".(46)
              فالصورة الشعرية إذن، ولادةٌ عسيرةٌ يشترك في تشكيلها النظر، والفن، والجمال، والخيال، والوعي، والشعور والنفس، والقريحة، ناهيك عن اللّون، والحركة، والزمان والمكان، وكلّ مظاهر الحياة والطبيعة(47) .‏
              وامتلاك هذه العناصر، يعني امتلاك نفسٍ دقيقةٍ التصوير، صحيحة الإحساس، قادرةٍ على استخلاص أسرار الحياة والطبيعة، وتجريدها في صور مشخّصة، على ألا يكون هذا التّجريد مقصوداً لذاته، بل تقريباً للمعاني البعيدة.‏
              فهذه النفس -إذن- أشبه عند العقاد بـ "بالمصوّرة الفلكية التي يرصدها الفلكيون لالتقاط أشعة النّور من أبعد السموات وأظلم الآفاق: نفس صحيحة الإحساس قويته، لا يغيب عنها قريبٌ ولا بعيد، ولا ظاهرٌ، ولا باطنٌ ممّا يحيط بها من مشاهد الحسّ والخيال، وليس يفوتها علم شيء دقّ أو جلّ ممّا توحي به الطبيعة والحياة من الحقائق والأسرار"(48) أي يجب أن يعرض الشاعر الأسرار في صورةٍ كاملةٍ لا أن يجرّد الصّور احتفالاً بالأسرار ذاتها.‏
              ولعل تلك العناصر، هي الملكات التي تقوم على أساسها الصورة الشعرية، ليس عند العقاد فحسب، بل عند الجماعة كلها، فالصورة الشعرية إنّما تقوم أساساً، في نظر جماعة الديوان، على هذه الملكات والعواطف الإنسانية"(49) .‏
              ومهما يكن من أمرٍ، فإنّ ابن الرومي، في تصورّ العقاد، استطاع أن يحقّق في شعره جلّ عناصر الصورة الشعرية المشخّصة، لأنه يملك مايسميه الناقد "النّفس الفنّية" الدالّة على تمازج ملكتي الشعر والتصوير فيه، وتفاعل مشاعره بصورة. ويشترك في هذه النفس معظم الفنّانين من شعراء ومصوّرين وموسيقّيين، لأنهم يملكون جميعاً وسائلها.‏
              ولكنها تختلف من ناحية فعالية هذه الوسائل، وخصوصاً نشاط "الحاسّة" إزاء الجمال، وفي هذا السياق، يقول العقاد، في مقال له بعنوان "مثل من التصوير في شعر ابن الرومي:" فإن النّفس الفنّية جِبِلّةٌ واحدةٌ تختلف ماتختلف، ولكنها تتفّق في المعدن الأصيل الذي يجمع بينها عند دقّة الإحساس وحبّ الجمال، هي إنّما تختلف من ناحية "الحاسّة" التي تبلّغها رسائل الجمال، والوسيلة التي تعبّر بها عمّا يخامرها من الهاماته وخواطره، فالشاعر لا يخلو من ملكة الألوان والأشكال والفطنة إلى الحركات والأنغام.‏
              والمصور لا يخلومن معاني الشعر وأصداء النّغم التي تراها العين معكوسةً على صور الأشياء. والموسيقي لا يخلو من السّرور بمحاسن المناظر والمعاني التي يترجم عنها في أصواته وألحانه، وكلّهم -لو أمكننا أن نتخيّل قرائحهم بمعزلٍ عن الأبصار، والأسماع، والأيدي والألسنة - أسرة من التوائم لا تعرف الواحد منها إلاّ حين يرتدي علامته من اللباس، أمّا ابن الرومي فقد كانت الملكتان فيه - الشعر والتصوير- متقاربتين أيّما تقاربٍ، ممزوجة أيّما تمازج وكان لا يعجب بشيءٍ إلا ولملكة المصورّ نصيبٌ من ذلك الإعجاب، ولا يشتهي شيء إلاّ وللنظر حظٌّ منه...(50) "‏
              آثرنا التطويل في ذكر هذا النّصّ لنبيّن من جانبٍ إعجاب العقاد بابن الرومي، ومن جانبٍ آخر، قدرة هذا الشاعر المتميّزة على الجمع بين الشعر والتّصوير في صورٍ شعرّيّةٍ مشخّصةٍ، تحمل جلّ عناصر الجمال، من شعورٍ دقيقٍ، ونفسٍ فنّيةٍ وحاسّةٍ جماليّةٍ، ولونٍ ، وشكلٍ، وفطنةٍ، وحركةٍ، وموسيقى وبصرٍ، وسمعٍ، وشمٍّ، ولمسٍ، وذوقٍ، وخيالٍ...‏
              وأوّل مايروع العقاد، براعة هذا الشاعر في تمثيل الحركة على الرّغم ممّا في تصويرها من صعوبةٍ، ولكنها عندما تمثل أمامه تسهل وتلين، لأنه يجريها على ماتريده حالاته النفسية من جدٍ أو هزلٍ، وحزنٍ أو سرورٍ(51) .‏
              والأمثلة على ذلك كثيرةٌ، منها تلك الصّورة "الكاريكاتورية" الجميلة التي تصف أحدب في ثلاث حركات "زمكانية" نحسها دفعةً واحدةً دون تقطّعٍ في الزمان والمكان، حركة الأحدب وهو يتوجّس خيفة الضّرب كأنه متهيءٌ أن يُصفع وحركته كأنما صفعت قفاه مرّةً، وأخيراً حركته وهو يتجمّع عندما أحسّ ثانيةً لها:‏

              فكأنّه مترّبص أن يُصفعا‏

              قصرت أخادعه وطول قذاله‏

              وأحسّ ثانيةً لها فتجمّعا‏

              وكأنما صفعت قفاه مرة‏

              فهذه الصورة جمعت إلى جانب الحركة كلّ العناصر والملكات من شكلٍ، وحسٍّ، وخيالٍ، وتأمّلٍ... في هيئة سخرٍ "عمل فيها الشاعر عمله المركّب ليتمّ فيها نصيب العين والضحك والخيال، فصورة الرّجل وهو يتهيّأ لأن يُصفع، ثمّ يتجمّع ليتّقي الصّفعة الثانية، هي صورة الأحدب بنصّها وفصّها، لا يُعوزها الاتقان الحسّي، ولا الحركة المَهِينة الزّرية، ولا التأمّل الطويل في ضمّ أجزاء الصورة بعضها إلى بعض حتّى يتّفق التشبيه هذا الاتّفاق"(52) .‏
              ثلاث حركات -إذن- استطاعت الصورة الشعرية، في نظرنا، أن تمثّلها في هيئة واحدةٍ دون انفصالٍ في الزمان، والمكان، وهذا مالا نستطيعه أحياناّ حتّى "السّينما" بوسائلها التقنية المتطوّرة؛ إذ لابدّ أن تصوّر كل لقطةٍ أو حركةٍ على حدةٍ في صورةٍ منفصلةٍ مستقلّةٍ، ليتمّ عرضها بعد ذلك في صورٍ متتاليةٍ كأنّها صورةٌ واحدةٌ، والرسام أيضاً لا يستطيع رسم الحركات الثلاث في لوحةٍ واحدةٍ؛ إذ لابدّ من ثلاث لوحات لاستيفاء الصورة الشعرية، وهذه ميزة جماليّةٌ ينفرد بها الشعر عن سائر الفنون الأخرى.‏
              ففي البيتين مشهدٌ لأحدب معقوف الظّهر، يتحرّك كأنه ماثلٌ أمامنا، وقد ارتسمت على غاربه حدبةٌ، وهو مشهدٌ جميلٌ -بلاشك- من حيث التصوير الفنّي، كما أنه يبعث على السخرية والضحك، ولكنه، في الوقت نفسه، مشهدٌ مؤثّرٌ يبعث على الإشفاق، إذ نحن أخذناه من الجانب الإنساني.‏
              وابن الرومي، في الحقّ، أراد من خلال هذه الصورة الشعرية أن يعكس حالته النّفسية لحظة الهزل، ليعرب في وقتٍ واحدٍ عن تطيّره وتشاؤمه من هذا الرجل الذي كان يضايقه ويترصّد له أمام داره(53) .‏
              ويمكن أن نقيس على هذه الصورة "وصفه لحركة الكتّان في حقله:‏

              توسنه داني الرباب مطير‏

              وجلس من الكتان أخضر ناعم‏

              ذوائبه حتى يُقال غدير‏

              إذا درجت فيه الشمال تتابعت‏

              ووصفه - أيضاً- لحركة الرُّقاق في يد الصانع:‏

              وبين رؤيتها قوراء كالقمر‏

              مابين رؤيتها فيكفّه كرة‏

              في صفحة الماء يُرمى فيه بالحجر"(54)

              إلا بمقدار ماتنداح دائرة‏

              ففي البيتين الأولين، صورةٌ جميلةٌ "لجلس الكتان" وقد فضّل ابن الرومي كلمة "جلس" على "حقل" أو"مزرعة" لتمثيل المنظر كلّه واستيفاء كلّ جزء من أجزائه الحسّية، ناهيك عن تمثيل عناصر الصورة كلّها.‏
              "فالحركة" يجّسدها تتابع الذّوائب واطّرادها بفعل الرّيح، فكأنها غدير اطّردت صفحة مائه، "والمكان" يمثّله حقل الكتّان بحواشيه البليلة، وكان ذلك في الليل وقت الوسن، وهذا هو "الزمن" أما خضرة هذا النّبات فتمثّل "اللّون" كما أن نعومته تمثّل "الملمس"(55) ؛ "فالصورة كاملة لا تنقص منها سمةٌ من سمات المكان والزمان والحركة، ولاحظ من حظوظ العين واللمس والخيال، ومثلها صورة الرّقاق وهي تكبر في لمح البصر، كما "تنداح الدّوائر في صفحة الماء"(56) .وكلّ هذا لأنّ الشاعر كان قوي الملاحظة، ذا جهازٍ حسّيٍّ دقيقٍ، فكأنه في تصوّر العقاد "زجاجةٌ حسّاسةٌ شاملةٌ لاتخطئ، شيئاً ممّا يقابلها، وتصيبه لأنها حيّةٌ بالغةٌ في الحياة...."(57)
              فهذه الصور، وإن بدت فيها الحركة جليّةٌ، فقد عملت فيها حواسّ الشاعر ماوسعها العمل، ونُضيف إليها حاسّة السّمع في حركة الرّجل الأحنى وهو يتأهب للصّفع ويتجمع، أو في تخيّلنا صوت الصّفع ذاته، وصوت حفيف ذوائب الكتان، وهي تطّرد مع الرّيح، وصوت كرة الرّقاق وهي تتكوّر بين كفّي الصّانع لتصبح قوراء كالقمر.‏
              وهذه الصورة كلّها إنعاشٌ لحالة من حالات ابن الرومي النفسية لحظة الهدوء ولحظة التّوتّر، يستشفّها العقاد من خلال رافدين من روافد طيرته، كانا فيه "على أدقّ وأيقظ مايكونان في إنسانٍ"(58) ، هما : "الذوق الجمالي" و"تداعي الخواطر" أو مايسمّيه الناقد في موضعٍ آخر "ملكة تداعي الفكر"(59) .‏
              فالشاعر حين يكون هادئ الشعور، متّزن المزاج، تشي صوره بيقظةٍ حسيّةٍ وشعوريةٍ وذوقٍ جماليٍّ رفيعٍ، مثال ذلك، وصفه لذوائب الكتّان وهي تتماوج مع الرّيح، كأنها غدير ماءٍ؛ فهذه صورةٌ شعريّةٌ جميلةٌ لمنظرٍ طبيعيّ جميلٍ، يدلّ على "نفسٍ مطبوعةٍ على ذوق الجمال، تفرح وتتهلّل للمناظر الجميلة..‏
              ويصاحب الفرح الإقبال والاستبشار والرّغبة..."(60) .‏
              وهو على العكس من ذلك، حين ينقلب مزاجه وتشتدّ عليه طيرته، ترى المسافة قريبة من حالته المرضية الطّيرة) وحالته النفسية؛ فصورة الأحدب وهو مستوفزٌ تارةً لأن يُصفع ومتجمّعٌ تارةً أخرى، صورةٌ جميلةٌ لرجلٍ مهين الخلقة زريّ المنظر". تعكس أيضاً ذوقاً جماليّاً رفيعاً، وهي على جمالها الفنّي تترجم حالةً نفسيّةً متوترةً مناقضةً للأولى، هي حالة الانقباض والنّفور من المناظر الدّميمة الشائعة "ويصاحب النفور الحزن والإنكار والتشاؤم والكراهة، وليس أقرب من المسافة بين النّفور والطيرة، إذا دقّ الحسّ وغلب عليه الحذر وأصبح الانقباض عنده نذيراً يثنيه ويقتضب عليه طريق أمله".(61)
              أمّا الرّافد الثاني لطيرته، فهو "تداعي الخواطر" الذي يلاحظ في جميع صوره الشعرية، وهو لا يخرج أيضاً عن هذه الطبيعة المتّسمة بالحذر، والمزاج المركّب، والتشاؤم(62) . وهذا التّداعي في صور ابن الرومي على ضربين: ضرب معنوي، وأخر لفظي.‏
              فالتّداعي المعنوي، يلاحظه العقاد، في تداني خواطر الشاعر وتنائيها، وفي تسلسل معانيه وتشعّبها حتّى تدقّ وتستنفد، فقد يبلغ منه توتّره الشعوري واضطرابه النفسي، أن تراه يجمع بين الخواطر المشتّتة، والمعاني المتباعدة بسانحةٍ تهيّئها له قريحته المتوفّزة الغنية، فتعدو عنده كلّ كلمة لغزاً، ولكنه لغز "ليس بعسيرٍ عليه استكناهه بفضل حركة ذهنه السريعة، فهو "ينتقل كومضة البرق بين المعاني ومشابهاتها ومناقضاتها، وبين الكلمات ومايجانسها ويشاكل حروفها وأوزانها، فلا يشقّ عليه أن يعثر بطلبته الموافقة لنزعة طبعه ومتوجّه ذهنه عند معنى من تلك المعاني ومشاكله من تلك المشاكلات.‏
              ومثال ذلك هذه الصورة التي هجا بها "ابن طالب الكاتب، يقول(63) :‏

              لأصحابه، نحس على القوم ثاقب‏

              أُزيرق مشؤوم أُحيمر قاشر‏

              لفعل نذير السّوءِ شبه مقارب‏

              وهل أشبه المرّيخ إلا وفعله‏

              وهي صورٌ تعكس -في تصور العقاد- مداخل الطيرة إلى نفس هذا الشاعر كما تعكس في الوقت نفسه "ذوق الجمال"، و "تداعي الخواطر"؛ "فانظر إلى لون الوجه الأحمر القاشر إلى نذير السّوء والبلاء، أين هما وماذا يجمع بينهما من الصّلة والمناسبة؟ ولا مناسبة. ولكن ضع بينهما المرّيخ ولونه الأحمر، ثم ضع مع المريّخ ما اقترن به في الأساطير من خصائصه الحرب والفتنة، تنتظم العلاقة وتنعقد المناسبة من جميع أطرافها... وفرّق هذا كلّه، فإذا هو أبعد المتفرّقات.. وأجمعه كما جمعه ابن الرومي فإذا هو أقرب المناسبات وألزم العلاقات".(64)
              وللتداعي اللفظي أيضاً دلالةً سيكولوجية على حالة الشاعر المَرَضيّة "الطيرة"، على حركة ذهنه السّريعة، فهو يُعمل ذهنه في سرعةٍ خاطئةٍ لإيجاد تصحيفٍ في الكلمة أو علّةٍ في اللّفظة تطابق علّة صاحبها، وهو قادرٌ على توظيف هذا الضّرب من التّداعي الذي انصبّ في الغالب على الأسماء مدحاً وذمّاً تراه "يغوص في تصحيف حروفها مثل هذا الغوص ويستخرج البعيد والقريب من رموزها وقراءتها، ويستنبط منها مايشاء من ملامح اليمن والشؤم ودفائن المدح والذّم"(65) ..‏
              وإنّ كنّا نرى أن الأمثلة على هذا الضّرب من التّداعي لا تمّس جوهر الصورة الشعرية لقيامها على الافتعال والتّلاعب اللفظي، وإن كانت تمسّ حالة الشاعر النفسية.‏
              وليس شرطاً -في نظرنا- أن يكون تداعي الخواطر بنوعيه المعنوي واللّفظي دليلاً على تطّير ابن الرومي وتشاؤمه في كل الحالات؛ فقد يجيء هذا التداعي من باب إشباع الرغبة الفنيّة، أو من باب التفكّه والرياضة الذهنية ليس غير، ولهذا فربط صوره الشعرية بهذا الجانب النفسي المرضي، قد يصدق وقد لايصدق.‏
              على أن هذا، لا يمنع النّاقد من تلمّس حالة الشاعر النفسية من خلال توارد خواطره، خصوصاً إذا كان ثمّة في سلوكه وطباعه، وصوره الشّعرية مايسوّغ ذلك، يقول العقاد: " وإنّ عقلاً كهذا العقل المطبوع على سرعة التنقّل بين المعاني والألفاظ، ومايتفرّع عليها ويتسلسل منها، ليس بالغريب أن يهتدي إلى مكامن الطيّرة والشؤم في كل معنى وكل كلمة ولاسيّما إذ رانت على نفسه الخيبة وقدر الفشل في كل خطوة، واقترن ذلك بالإحساس المتوفّز المتربّص الذي لا تضبطه عزيمةٌ ولا تحكمه صرامةٌ في الفطرة".(66)
              وإذا كان هذا هو شأن توارد الخواطر -وخصوصاً التّوارد اللّفظي المتمثّل في اللّفظة المصّحفة - في الدلالة على نفسية ابن الرّومي المتطيّرة المتشائمة، فإن للكلمة، أحياناً دلالة ، سيكولوجية داخل الصورة الشعرية، في نظر العقاد، كالضّرورة الشعرية أو مايسمّيه "الضّرورة السّعيدة"(67) وكالكلمة والمصغّرة في شعر المتنبيّ خصوصاً(68) وهذا موضوع آخر لا يتسع له صدر هذا الفصل في هذا المدخل.‏
              ومهما يكن من أمرٍ، فإنّ العقاد أدرك في النصف الأول من هذا القرن أن للتعبير بالصورة بعداً نفسيّاً يتجاوز رتابة التطبيق الآلي للشّكل البلاغي القديم إلى الكشف عن شخصية الشاعر ونفسيته،وذلك من خلال صورٍ شعريّةٍ تمتزج فيها اليقظة الحسيّة باليقظة الباطنة، وتضمّ فيضاً هائلاً من العناصر النفسيّة والجماليّة، كالشعور والتأمّل، والخيال، وتداعي، الخواطر، واللّون،' والشكل، والحركة... الخ، وقد رأينا أن ابن الرومي كان نموذجاً بصُوَره الشعورية المشخّصة.‏
              ولا غرابة في هذا النّزوع النفسي، فالناقد يفضّل "مدرسة النقد السيكولوجي" على سائر المدارس الأخرى، لأنها الأقرب إلى رأيه، تتيح له تلمّس الأسرار النفسية في التجربة الشعرية، وتمكّنه، في الوقت نفسه، من إدراك الفوارق السيكولوجية بين شعراء عدّة يعيشون في مجتمع واحدٍ وزمنٍ واحدٍ، وهو مع تفضيله هذه المدرسة، يصرّح بأنه لم يكن "يوماً من أشياع مدرسة فرويد وتلاميذه في الدراسات النفسية"(69) .‏
              وقد ظهر هذا بوضوحٍ في انتقاده دعاة "الوعي الباطن". من المصوّرين والرّمزيين والسورياليّين.‏
              غير أننا أنّ حصر الصورة الشعرية في هذا الجانب النفسي، يحجب عنها كثيراً من أدواتها المعرفية الأخرى، كقيمتها الجمالية والفنية واللغوية.. وهذا مالاحظه عليه "محمد مندور" و"يوسف حسين بكار" حين أخذا على العقاد طغيان النزعة النفسية في دراسته صور التصغير في شعر المتنبي"(70) .‏
              (1) اليافي، نعيم، مقدمة لدراسة الصورة الفنية، ص : 41-42-43، ومابعدها.‏
              (2) اليافي ، نعيم، تطور الصورة الفنية في الشعر العربي الحديث، ص: 54، و 170، وينظر مقدمة لدراسة الصورة الفنية، ص: 69، ومابعدها.‏
              (3) عسّاف، ساسين، الصورة الشعرية ونماذجها في إبداع أبي نواس، ص : 24.‏
              (4) العقاد، عباس، يسألونك، ص 59.‏
              (5) العقاد، عباس، مراجعات في الآداب والفنون، ص : 144، وينظر، ابن الرومي... حياته من شعره، ص : 255.‏
              (6) عبد القادر، حامد، دراسات في علم النفس الأدبي، ص: 31.‏
              (7) اليافي، نعيم، مقدّمة لدراسة الصورة الفنية، ص: 75.‏
              (8) العقاد عباس، ساعات بين الكتب 309‏
              (9) المرجع نفسه، ص 309‏
              (10) الدروبي ، سامي علم النفس والأدب، ص: 8.‏
              (11) العقاد ، عباس، ساعات بين الكتب، ص : 411.‏
              (12) ساعات، ص : 409، "اللاوّكون" اسم كاهن إله البحر "نبتون" في مدينة طروادة، كتب عنه "لسنغ" ليبيّن الفروق بين الشعر والتصوير، ولهذا أطلق اسم "اللاّوكون" على كتابه الذي طرق فيه حدود الفنون وطرائقها في التعبير.‏
              (13) العقاد ، عباس، ساعات بين الكتب، ص : 411.‏
              (14) المرجع نفسه، ص : 411.‏
              (15) العقاد، عباس، ساعات بين الكتب، ص 411.‏
              (16) عسّاف ساسين، الصورة الشعرية ونماذجها في إبداع أبي نواس، ص:24.‏
              (17) العقاد، عباس، ابن الرومي، حياته من شعره، ص: 264.‏
              (18) العقاد، عباس، ابن الرومي، حياته من شعره، ص: 264.‏
              (19) العقاد، عباس، ابن الرومي، حياته من شعره، ص: 264.‏
              (20) العقاد، عباس، يسألونك، ص: 59-60.‏
              (21) المقدسي أنيس، أمراء الشعر العربي في العصر العباسي، ص 251.‏
              (22) العقاد، عباس، ابن الرومي، حياته من شعره، ص: 264.‏
              (23) العقاد، عباس، ابن الرومي، حياته من شعره، ص: 264.‏
              (24) العقاد، عباس، ابن الرومي، حياته من شعره، ص: 264.‏
              (25) دياب، عبد الحي،' عبّاس العقاد ناقداً، ص: 435.‏
              (26) عسّاق، ساسين، الصورة الشعرية، ونماذجها في إبداع أبي أنواس، ص: 24، 25، 26.‏
              (27) العقاد، عباس، ابن الرومي، حياته من شعره، ص:244.-243‏
              (28) المرجع نفسه، ص: 244.‏
              (29) عساف، ساسين، الصورة الشعرية ونماذجها في إبداع أبي نواس، ص: 27.‏
              (30) العقاد، عباس، يسألونك، ص: 63.‏
              (31) عساف، ساسين، الصورة الشعرية ونماذجها في إبداع أبي نواس، ص: 26.‏
              (32) العقاد، عباس، يسألونك، ص: 63.‏
              (33) أندريه بروتون، بيانات السوريالية، ص: 41.‏
              (34) العقاد، عباس، يسألونك، ص:118.‏
              (35) سيجموند فرويد، تفسير الأحلام، ص: 11-12.‏
              (36) العقاد ،عباس، ابن الرومي حياته من شعره، ص: 255.‏
              (37) العقاد، عباس، مطالعات في الكتب والحياة، ص :291.‏
              (38) مصايف، محمد، جماعة الديوان في النقد، ص: 248،249.‏
              (39) العقاد ،عباس، ابن الرومي حياته من شعره، ص: 256.‏
              (40) العقاد ،عباس، ابن الرومي حياته من شعره، ص: 255.‏
              (41) عبد القادر، حامد، دراسات في علم النفس الأدبي، ص:39.‏
              (42) العقاد عباس، ابن الرومي حياته من شعره - ص 255.‏
              (43) العقاد ، عباس ابن الرومي حياته من شعره، ص: 250-251.‏
              هكذا وردت الأبيات في كتاب العقاد، ويلاحظ فيها غياب جواب الشرط "إذا" وبعد مراجعة الديوان تبيّن أنها مجتزأة من قصيدة طويلة في الطّرد.‏
              (44) العقاد ، عباس ابن الرومي حياته من شعره، ص: 255-256.‏
              (45) العقاد ، عباس ابن الرومي حياته من شعره، ص: 258.‏
              (46) العقاد ، عباس ابن الرومي حياته من شعره، ص: 262.‏
              (47) العقاد ، عباس مطالعات في الكتب والحياة، ص : 139.‏
              (48) العقاد، عباس، مطالعات في الكتب والحياة، ص: 139.‏
              (49) مصايف محمد، جماعة الديوان في النقد، ص: 250-251.‏
              (50) العقاد عباس، مراجعات في الآداب والفنون، ص: 144-145.‏
              (51) العقاد، عباس، ابن الرومي حياته من شعره، ص : 258.‏
              (52) العقاد، عباس، ابن الرومي حياته من شعره، ص : 116.‏
              (53) العقاد، عباس، ابن الرومي حياته من شعره، ص :116.‏
              (54) العقاد، عباس، ابن الرومي حياته من شعره، ص : 258.‏
              (55) العقاد، عباس، يسألونك، ص: 61-62.‏
              (56) العقاد، عباس، ابن الرومي حياته من شعره، ص : 259.‏
              (57) العقاد، عباس، يسألونك، ص 62.‏
              (58) العقاد، عباس، ابن الرومي حياته من شعره، ص : 173.‏
              (59) العقاد، عباس مراجعات في الآداب والفنون، ص: 151.‏
              (60) العقاد، عباس، ابن الرومي حياته من شعره، ص :172- 173.‏
              (61) العقاد، عباس، ابن الرومي حياته من شعره، ص :172- 173.‏
              (62) العقاد، عباس، ابن الرومي حياته من شعره، ص : - 173.‏
              (63) العقاد، عباس، ابن الرومي حياته من شعره، ص : 176.‏
              (64) العقاد، عباس، ابن الرومي حياته من شعره، ص : 176-177.‏
              (65) العقاد، عباس، ابن الرومي حياته من شعره، ص : 174.‏
              (66) العقاد، عباس، ابن الرومي حياته من شعره، ص : 175.‏
              (67) العقاد، عباس، ساعات بين الكتب، ص: 172.‏
              مثال هذه الضّرورة السّعيدة، عبارة "تمدّ منه اليدان" في قصيدة "زلزال مسينا" لحافظ ابراهيم،وهي عبارةٌ مبنيةٌ للمجهول قد يستهجنها العروضيون، ولكن العقاد يراها تُصوّر حالةً نفسيةً.‏
              (68) العقاد، عباس، ساعات بين الكتب، ص: 513-515.‏
              مثال الكلمة المكرورة، كلمة "مودّة" التي تردّدت في شعر المتنبي باشتقاقاتٍ مختلفةٍ، وتدلّ، في نظر العقاد، على افتقار الشاعر إلى الودّ والأدواء طوال حياته حت قنع بالتزيين والطلاء، ينظر، العقاد، مطالعات، ص 128-129. ومثال الكلمة المصغّرة في صور المتنبي الشعرية: "كويفير، خويدم، أحيمق، شويعر، شويهات..." ويرجع العقاد ولع الشاعر بالتصغير إلى إساسٍ نفسيةٍ هو "الشعور بالعظمة"، ينظر العقاد مطالعات، ص: 120-126-127.‏
              (69) العقاد، عباس، يوميات، ج2، ص : 425.‏
              (70) ينظر مندور، محمد، النقد المنهجي عند العرب، ص: 301.‏
              وينظر، مندور، محمد في الميزان الجديد، ص : 183.‏
              وينظر، يكاد، يوسف حسين، قضايا في النقد والشعر، ص: 124-125.‏

              إذا الشعب يوما أراد الحياة
              فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
              و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
              و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

              تعليق


              • #8
                رد: المدخل إلى نظرية النقد النفسي سيكولوجية الصورة الشعرية في نقد العقاد (نموذجاً)

                الخاتمة
                كان ماتقدّم في تضاعيف هذا المدخل، محاولة لاستجلاء أهم الأسس التي قامت عليها نظرية النقد النفسي في النّصف الأول من هذا القرن، سواء على يد أقطاب مدرسة التحليل النفسي أو على يد بعض النقاد العرب المحدثين.‏
                ولم تكن هذه المحاولة هيّنةً، لأنه كان علينا أن نحقّق الصّفة العلمية للمدخل بحصر ماتفرق في المراجع من ملامح هذه النظرية، وهذه العمليّة تتطلّب التّركيز في القراءة والكتابة، وحسن انتقاء المقبوس، ودقّة توثيقه بالعودة إلى مظّانّه الصّحيحة، فضلاً عن الإيجاز الذي تتطلّبه طبيعة المدخل.‏
                وليس من السّهل أن يوجز المرء حشداً هائلاً من المقبوسات، توزّعت على كتبٍ في علم النفس وأخرى في النقد الأدبي الحديث والمعاصر، ولأمرٍ ماقالت العرب: "إن البلاغة في الإيجاز".‏
                والمتتبّع لمحاور هذا المدخل، سيلحظ أن الاهتمام انصبّ على المحاور الثلاثة الأخيرة، وخصوصاً الفصل الأخير المتعلّق بالدراسة التّطبيقيّة، وهذا قياساً إلى مدرسة التحليل النفسي. وكان الغرض من هذا الاهتمام هو بيان الأثر الذي تركه علم النفس في النقد العربي الحديث إلى حدّ تشكيل نظريةً واضحةً المعالم في النقد النفسي.‏
                ومهما يكن من أمرٍ، فإنّ هذا المدخل أتاح لنا الوقوف على محطات عدّة داخل كل محور من المحاور المدروسة. بيد أننا نرى أنه كان بوسع النقاد أن يشركوا سياقاتٍ علميةً أخرى، لا غنى عنها في دراسة العملية الإبداعية أو الإبداع الفنّي بشكلٍ عامٍّ، فإذا سلّمنا مبدئيّاً أن المحاور السّابقة تخضع للسياق النفسي، فإن المبدع لا يعيش في معزلٍ عن محيطه الخاص والعام.‏
                ومن هنا، تكون معطيات الواقع بأشكاله المختلفة جزءاً منها، إن لم تكن مادّتها الأولى ومحرّكها الأساسي، ذلك أن العملية ليست نشاطاً نفسيّاً وحسب، فقد تكون وراءهما دوافع معرفية أخرى. وهي حين تنتهي عملاً فنيّاً، فهذا العمل ليس ملكاً للمبدع وحده - وإن كان له الحق في ادّعائه- يخرجه ليحجبه عن الناس، وإنما ليذيعه في أفراد المجتمع حتّى يُسهم في تعميق وعيهم، ويشاركوه تجربته.‏
                ولهذا، كان من الأحسن أن ينظر النقاد إلى العملية الإبداعية من خلال حقولٍ معرفيّةٍ أخرى، فضلاً عن السياق النفسي، للوقوف على بعض قوانينها الموضوعية بوصفها شكلاً من أشكال الوعي الفردي، والجماعي، والاجتماعي...‏
                وهذه ليست دعوة إلى منهجٍ بعينه، يُفرض على العمل الأدبي من الخارج، أو إلى منهجٍ تكامليٍّ شاملٍ، يسعى إلى تمييع الحدود بين المناهج النقدية والمواقف الفكرية، فالمنهج النقدي، في تصوّرنا، ليس ملكاً لناقدٍ دون آخر حتى ينافح هذا النّاقد عن حقٍّ ذاتيٍّ مشروعٍ، ويشيح بوجههه عن المناهج الأخرى، وإنّما هوملكٌ للظاهرة الأدبيّة، تأخذ مايوافقها وتطرح مايخالفها.‏
                ولا نجانب الصواب، إذا قلنا إن الاهتمام بالمنهج النفسي في دراسة الأدب ونقده، شرع في الانحسار بعد النّصف الأوّل من هذا القرن، حتى بات من العسير العثور على دراسةٍ علميّةٍ تطبّق النقد النفسي في تحليل الأعمال الأدبية تطبيقاً سليماً على غرار دراسة "عز الدين اسماعيل" -على سبيل المثال- وإن اعتورها شططٌ كبيرٌ- وقد يعود هذا الانحسار إلى رواج الاتجاهين الجمالي والاجتماعي في الدراسات النقدية، والأدبية المعاصرة.‏
                والحق، إن المحاور السابقة طرحت أمام النقاد صعوباتٍ جمّةً من حيث علاقتها بالنقد الأدبي؛ فالمحورالأّول المتعلّق بدراسة شخصية الشاعر أو الأديب، يتّكئ في الغالب على الوثائق التاريخية والثقافية النفسية في تصوير شخصيات الشعراء أو الأدباء؛ أي أن هذا المحور أقرب إلى السيرة الأدبية منه إلى النقد الأدبي.‏
                أمّا المحور الثاني المتعلّق بالعمليّة الإبداعية، فيتطلّب بطبيعته المعقّدة سياقاً علمياً متطوّراً لمعالجته، لأنّه أقرب إلى العلم منه إلى الفن، أمّا المحور الثالث المتعلّق بدراسة العمل الأدبي ذاته، فقد حرص أصحابه على البقاء داخل النص للبقاء في إطار النقد الأدبي، وتتطلّب دراسة هذا المحور وعياً نقديّاً عميقاً، وثقافةً علميّةً واسعةً، وإلماماً كبيراً بالأدوات الفنيّة والآليات الجمالية.‏
                وإذا كان هذا هو شِأن المحاور السابقة، فإنّ الفصل الأخير أردناه دراسةً تطبيقيّةً لسيكولوجيّة الصورة الشعرية في نقد العقاد ونماذجها في شعر ابن الرومي.‏
                فالصورة الشعرية، عند العقاد، ليست همّاً لغويّاً أو صناعةً لفظّيةً، ديدن الشاعر فيها أو الناقد تطبيق الأشكال البلاغية القديمة تطبيقاً آليّاً في حسّيةٍ مفرطةٍ وحسب، وإنّما هي مظهرٌ من مظاهر الشعور النفسي، تماماً كما هي البلاغة؛ إذ لم تعد اليوم -في تصوّره- مَزيّةً لغويّةً، تنظر إلى اللغة كمجموعةٍ من الألفاظ والكلمات المنسوقة، وإنّما هي مزيّةٌ نفسيّةٌ مرتبطةٌ بكلّ نشاط المبدع الحسّي والنفسي والذهني.‏
                ومن هنا، كانت الصّورة الشعرية - عند النّاقد- ذات دلالةٍ سيكولوجيّةٍ- وتظهر هذه الدّلالة من خلال تمازج اليقظة الحسيّة والباطنية، لتشكيل صورةٍ شعوريّةٍ مشخّصةٍ نموذجها شعر ابن الرومي خصوصاً، وما الإدراك الحسّي إلا مرحلة أوّلية تمرّ بها عمليّة التصوير الشعري لتمتزج بعد ذلك بنشاط الوعي الباطني، أو مايسميه النّاقد في تحليله لحواس ابن الرومي "يقظة الشعور الباطني" بعيداً -بطبيعة الحال- عمّا يمكن أن يُفهم من سُبحات هذا الوعي الباطن في التحليل النفسي عند غلاة المصّورين والرّمزيّين.‏

                وأخيراً، إن هذا المدخل الذي نضعه بين يدي القارئ، لا ندّعي قصب السّبق في دراسة موضوعه، ولا نزعم أننا أوصدنا باب الحديث فيه، بيد أننا نرى أن أهميته تكمن في بعض تخريجاته، وفي تيسير سبيل تناول المادّة العلميّة، من مرجعيّةٍ غنّيةٍ ومتنوّعةٍ يمكن أن ينطلق منها القارئ إلى فضاءاتٍ أرحب للاستزادة من المعرفة في هذا الموضوع "المدخل إلى نظرية النقد النفسي".‏

                - والحمد لله رب العالمين-‏

                إذا الشعب يوما أراد الحياة
                فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                تعليق


                • #9
                  رد: المدخل إلى نظرية النقد النفسي سيكولوجية الصورة الشعرية في نقد العقاد (نموذجاً)

                  المراجع
                  1- المراجع العربية:‏
                  أسبورن، د:‏
                  - حاضر النقد الأدبي، ترجمة محمود الربيعي، دار المعارف بمصر، 1975م.‏
                  - دار المعارف بمصر، 1975م.‏

                  اسماعيل، عز الدين:‏
                  - الأدب وفنونه، ط5، دارالفكر العربي، بيروت، 1973م.‏
                  - التفسير النفسي للأدب، دار المعارف، القاهرة، 1963م.‏

                  برادة، محمد:‏
                  - محمد مندور وتنظير النقد الأدبي، ط1، دار الآداب، بيروت، 1979م.‏

                  البستاني، محمد عبد الحسين:‏
                  - المناهج النقدية في نقد المعاصرين، كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، 1973م.‏
                  بروتون ، أندريه:‏
                  - بيانات السوريانية، ترجمة : صلاح برمدا، منشورات، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق 1978م.‏

                  بكار، يوسف حسين:‏
                  - قضايا في النقد والشعر، ط1، دار الأندلس، بيروت، سنة 1984م.‏

                  جمعة، حسين:‏
                  - قضايا الإبداع الفنّي، ط1، دار الآداب، بيروت، 1983م.‏

                  حسين، طه:‏
                  - خصام ونقد،ط1، دار العلوم للملايين، بيروت، 1982م.‏

                  حسين، محمد كامل:‏
                  - متنوعات، ج1، ط2، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، (د.ت).‏

                  خلف الله، محمد:‏
                  - من الوجهة النفسية في دراسة الأدب، ونقده، مطبعتة لجنة التأليف والنشر، القاهرة، 1947م.‏

                  الخولي،أمين:‏
                  - فن القول، دار الفكر العربي، بيروت 1947م.‏
                  - مناهج تجديد في النحو والبلاغة والتفسير والأدب، ط1، دار المعرفة، بيروت، 1961م.‏
                  الدروبي، سامي:‏
                  - علم النفس والأدب، دار المعارف، مصر، 1971م.‏

                  الدسوقي، عبد العزيز:‏
                  - تطوّر النقد العربي الحديث في مصر، الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة، 1977م.‏

                  دياب ، عبد الحي:‏
                  - عبّاس العقاد ناقداً، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، 1965م.‏

                  الربيعي، محمود:‏
                  - في نقد الشعر، ط4، دا رالمعارف، مصر 1977م.‏

                  ريتشاردز ، أ-أ:‏
                  - مبادئ النقد الأدبي، ترجمة: مصطفى بدوي، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1975م.‏

                  أبو الرضا، سعد أبو الرضا:‏
                  - الاتجاه النفسي في نقد الشعر، كلية دار العلوم، القاهرة، 1975م.‏

                  ابن الرومي:‏
                  - ديوان ابن الرومي، ج4، تحقيق: حسين نصار، دار الكتب، مصر، 1977م.‏

                  سبندر، ستيفن:‏
                  - الحياة والشاعر، ترجمة: مصطفى بدوي، سلسلة الألف كتاب، عدد 257، مكتبة الأنجلو المصرية (د.ت).‏

                  سويف، مصطفى:‏
                  - الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة، ط2، دار المعارف، مصر 1959م.‏

                  شايف عكاشة:‏
                  - اتجاهات النقد المعاصر في مصر، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1985م.‏

                  شيخو، معلا:‏
                  - الطب النفسي، مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية، جامعة حلب، 1981م.‏

                  عاقل فاخر:‏
                  - معجم علم النفس، ط2، دار العلم للملايين، بيروت، عام 1977م.‏

                  عبّاس، إحسان:‏
                  -فنّ السّيرة، دار الثقافة، بيروت، 1956م.‏

                  عباس، فيصل:‏
                  - الشخصية في ضوء التحليل النفسي، ط1، دار المسيرة، بيروت، 1982م.‏

                  حامد، عبد القادر:‏
                  - دراسات في علم النّفس الأدبي، لجنة البيان العربي المطبعة النموذجية، القاهرة، 1949م.‏
                  - فلسفة أبي العلاء مستقاة من شعره، لجنة البيان العربي، المطبعة النموذجية، القاهرة، 1950م.‏

                  عساف، ساسين:‏
                  - الصورة الشعرية ونماذجها في إبداع أبي نواس، ط1، المؤسسة الجامعية، بيروت، 1982م.‏
                  - العقاد، عباس محمود:‏
                  - جميل بثينة، المجموعة الكاملة، المجلد: 16، ط1، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1980م.‏
                  - حياة قلم، المجموعة الكاملة، المجلد 22، ط1، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1982م.‏
                  - خلاصة اليومية والشذور، دار الكتاب العربي، بيروت، 1970م.‏
                  - الديوان في النقد والأدب، المجموعة الكاملة، المجلد 24، ط1 دار الكتاب اللبناني، بيروت.‏
                  - ابن الرومي، حياته من شعره، المكتبة العصرية، بيروت، 1982م.‏
                  - ساعات بين الكتب، ط4، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1986م.‏
                  - شاعر الغزل عمر بن أبي ربيعة، المجموعة الكاملة، المجلد، 16، ط1، دار الكتاب اللبناني، بيروت 1980.‏

                  - شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي، ط3، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1965م.‏
                  - العبقريات الإسلامية، ط1، دار الآداب، بيروت، 1966م.‏
                  - عبقرية الصديق، المجموعة الكاملة، المجلد 1، دار الكتاب اللبناني، بيروت 1984م.‏
                  - عبقرية عمر، المجموعة الكاملة، المجلد 1، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1984م.‏
                  - أبو العلاء المعري، المجموعة الكاملة، المجلد 15، ط1، دار الكتاب اللبناني، بيروت.‏
                  - الفصول، مطبعة السعادة، مصر 1922م.‏
                  - اللغة الشاعرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1960م.‏
                  - الله، المجموعة الكاملة، المجلد: 9، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1978م.‏
                  - مراجعات في الآداب والفنون، ط1، دار الكتاب العربي، بيروت، 1966م.‏
                  - مطالعات في الكتب والحياة، المطبعة التجارية الكبرى، مصر، 1924م.‏
                  - أبو نواس، المجموعة الكاملة، المجلد، 16، ط1، دار الكتاب اللبناني، بيروت 1980م.‏
                  - هذه الشجرة والإنسان الثاني، مكتبة غريب، الفجالة، مصر. (د.ت).‏
                  - يسألونك، ط3، دار الكتاب العربي، بيروت، 1986م.‏
                  - يوميات، ج2، دار المعارف، مصر 1963م.‏

                  فرويد ، سيغموند:‏
                  - الأنا والهذا، ط1، ترجمة، جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت، 1982م.‏
                  - التحليل النفسي والفن، دافنتشي ودستويفسكي، ترجمة: سمير كرم، دار الطليعة، بيروت، 1985م.‏
                  - تفسير الأحلام، ط2، ترجمة: مصطفى حلوان ، دار المعارف مصر 1969م.‏
                  - علم ماوراء النفس، ط2، ترجمة: جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت، 1982م.‏
                  - مسائل في مزاولة التحليل النفسي، ط1، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت، 1981م.‏
                  - الموجز في التحليل النفسي، ط2، ترجمة: سامي محمود علي وعبد السلام القفاش، دارالمعارف، مصر، 1970م.‏
                  - الهذيان والأحلام، ط2، ترجمة: جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت، 1981م.‏

                  قطب، سيد:‏
                  - النقد الأدبي، أصوله، ومناهجه، (د.ت).‏

                  كارلوني وفيللو:‏
                  - تطوّر النقد الأدبي في العصر الحديث، ترجمة: جورج سعد يونس، مكتبة الحياة، بيروت، 1963م.‏
                  - النقد الأدبي، ط2، ترجمة : كيستي سالم، منشورات عويدات، بيروت، 1984م.‏

                  لالو، شارل:‏
                  - مبادئ علم الجمال، ترجمة: خليل شطا، دار دمشق، عام 1982م.‏

                  ليبين، فاليري:‏
                  - التحليل النفسي والفرويدية الجديدة، ترجمة، نزار عيون السود، دار الوثبة، دمشق، (د.ت).‏
                  محمد، علي عبد المعطي:‏
                  - الإبداع الفنّي، وتذوق الفنون الجميلة، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية، 1985م.‏

                  مصايف، محمد:‏
                  - جماعة الديوان في النقد، مطبعة البعث، قسنطينة، الجزائر، 1984م.‏

                  المقديسي، أنيس:‏
                  - أمراء الشعر العربي في العصر العباسي، ط1، دار العلم للملايين، بيروت، 1969م.‏

                  مندور ، محمد:‏
                  - في الأدب والنقد، دار نهضة مصر، القاهرة، 1973م.‏
                  - في الميزان الجديد، ط3، مكتبة نهضة مصر ومطبعتها، الفجالة، القاهرة، (د.ت).‏
                  - النقد المنهجي عند العرب، دار نهضة مصر للطبع، والنشر، الفجالة، القاهرة (د.ت).‏

                  نوفل، يوسف:‏
                  - رؤية النص الإبداعي بين الداخل والخارج، الناشر دار النهضة العربية، القاهرة.‏

                  النويهي، محمد:‏
                  - ثقافة الناقد الأدبي، ط2، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1969م.‏
                  - نفسية أبي نواس، ط2، دار الفكر، بيروت، 1970م.‏
                  - وظيفة الأدب بين الإلتزام الفنّي والانفصام الجمالي، معهد البحوث والدراسات العربية، مطبعة الرسالة 1966م.‏


                  أبو النيل، محمود:‏
                  - الأمراض السيكوسوماتية، الأمراض الجسمية النفسية، المنشأ، دراسات عربية، عالمية، ط1، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1984م.‏

                  الواد،حسين:‏
                  - قراءات في مناهج الدراسات الأدبية، سراس للنشر، تونس 1985م.‏
                  ويليك رينيه، ووارين أوستن:‏
                  - نظرية الأدب، ترجمة محي الدين صبحي، مراجعة:‏
                  حسام الخطيب، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1981م.‏

                  اليافي ، نعيم:‏
                  - تطور الصورة الفنية في الشعر العربي الحديث، مطبعة اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1983م.‏
                  - الشعر العربي الحديث، دراسة تأصيلية في تياراته الفنية، ط2، دار المجد، دمشق، 1982م.‏
                  مقدمة لدراسة الصورة الفنية، منشورات وزارة الثقافة والارشاد القومي ، دمشق 1982.‏

                  2- الدوريات العربية:‏
                  - الثقافة العربية، العدد 7 ، ليبيا، تموز ، 1975م.‏
                  - الهلال، العدد2: مصر، 1954م.‏

                  3- المراجع الأجنبية:‏

                  BELLEMIN, N, J;‏
                  - Psychanalyse et litterature‏
                  p. u, f. Paris, 1978.‏

                  BOUBROUVSKY, S;‏
                  - Pourqoi La nouvelle critique,‏
                  ed danoel Gouthier, Paris, 1978.‏


                  جماعة من النقاد:‏
                  - Les chemins, actuels, de la critique ,‏
                  N 389 ED, busiere, 1973.‏

                  إذا الشعب يوما أراد الحياة
                  فلا بدّ أن يستجيب القــــدر
                  و لا بــــدّ لليــل أن ينجلــي
                  و لا بـــدّ للقيــد أن ينكسـر

                  تعليق

                  يعمل...
                  X