الحرز المبين في تدبر سورة الإخلاص والمعوذتين
للكتور / سليمان لاحم
الإهداء
أهدي هذه السلسلة المباركة لجميع المسلمين، وبخاصة طلاب العلم الشرعي، وأخص منهم أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، وكل من ينشد السعادة ويستلهم الرشد والهداية من كتاب الله عز وجل.
والله أسأل أن يعم بنفعه، وأن يضاعف أجره لي ولوالدي ووالديهم، ولكل من استفدت منهم من علماء المسلمين في التفسير وغيره، وكل من كان عونًا لي – ولو بالتشجيع - على هذا العمل، وأن يبارك في ثوابه لأهلي وأولادي وإخواني وأخواتي وجميع أقاربي وجيراني، ومن أحبني في الله، ومن أحببته في الله، ومشائخي وزملائي وطلابي، وجميع إخواني المسلمين؛ فإن فضله - عز وجل - عظيم، وكرمه واسع، وجوده عميم.
أخي الكريم: هذا العمل جهد المقل، ولا يخلو من تقصير؛ كغيره من أعمال البشر، وكما قيل:
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها
كفى المرء نبلا أن تعد معايبه
المؤلف
القصيم – بريدة
ص.ب 23440
المقدمة
الحمد لله الذي أنزل القرآن، وجعله للذين آمنوا هدى وشفاء، يشفي بإذن الله عز وجل أمراض القلوب والأبدان، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعـد:
فإن أعظم مصائب المسلمين اليوم بعد كثير منهم عن دينهم، وعن منهج التلقي الصحيح: كتاب الله وسنة رسوله r؛ مما كان سببًا في ضعف عقائدهم، واهتزاز شخصية كثير منهم، وتلاعب شياطين الإنس والجن فيهم.
وإن مما يندى له جبين كل مسلم غيور على معتقد الأمة ما أصيب به كثير من المسلمين اليوم من ضعف في اليقين والتوكل على الله، حتى أصبح بعض منهم بسبب ذلك تنتابه المخاوف على مستقبله، فتارة يخاف من العين، وتارة من السحر، وتارة من الجن، وتارة منها كلها، ومع أن هذه الأعراض كلها حق دل عليها الكتاب والسنة فإن من ضعف اليقين وضعف التوكل على الله أن يستسلم المسلم لوساوس شياطين الإنس والجن، فبمجرد ما يحس بعض الناس بأي ألم في جسمه يوسوس له الشيطان أن هذا عين أو سحر أو كذا وكذا، وسرعان ما تنقلب هذه الوساوس والأوهام إلى مسلمات وحقائق لدى سفهاء الأحلام وضعاف الإيمان عندما يؤكدها شياطين الإنس من الدجالين والسحرة والمشعوذين وغيرهم ممن لا خلاق لهم ولا دين يردعهم، وممن جعلوا هذا العمل وسيلة للكسب والتجارة، فلعبوا في عقول كثير من الناس، بل وفي عقائدهم، فخرجوا بهم من الحقيقة إلى الوهم والخيال، بما توسوس لهم به شياطين الجن؛ شعروا بذلك أو لم يشعروا، فعلى كل من أراد سلامة دينه الحذر منهم وعدم تصديقهم، وإن ظهر على أيديهم ما يوهم صدقهم أحيانًا، ابتلاءً واختبارًا لهم ولغيرهم، فلا يغتر بهم كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وعلامة هؤلاء الشياطين دخولهم في دعوى علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، فإذا جاءهم المريض – ولو توهما – قالوا: فيك كذا وكذا؛ رجمًا بالغيب والعياذ بالله، وقد قال الله عز وجل {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}([1])، فكم اتهموا من بريء، وكم روجوا من فرية، ففرقوا عياذًا بالله بهذا الدجل بين الأقارب والجيران، والأخوات، والإخوان، بل بين الآباء والأبناء، فحسبنا الله ونعم الوكيل.
وكيف يحصل هذا وكتاب الله بين أظهرنا فيه الشفاء التام من جميع الأمراض والأسقام، وما حالنا إلا كما قيل:
كالعيس في البيداء يقتلها الظما
والماء فوق ظهورها محمول
وقد جمعت في هذا الكتاب كلام أهل العلم من المفسرين وغيرهم على سورة الإخلاص والمعوذتين والتي في تدبرها بإذن الله عز وجل قراءة وفهمًا وتطبيقًا واعتقادًا الوقاية والشفاء بإذن الله عز وجل، والاستغناء التام عن دجل الدجالين وشعوذة المشعوذين، مع معرفة ما هم عليه من الحدس والتخمين والضلال المبين، وقد سميت هذا الكتاب: «الحرز الأمين في تدبر سورة الإخلاص والمعوذتين». والله أسأل أن ينفع به جميع إخواني المسلمين، وأن يرزقني الإخلاص في القول والعمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
* * *
سورة الإخلاص
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}.
سبب نزول هذه السورة:
عن أبي بن كعب t قال: «إن المشركين قالوا للنبي r: انسب لنا ربك. فأنزل الله عز وجل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}([2]).
وعن جابر بن عبد الله t: «أن أعرابيًا جاء إلى النبي r، فقال: انسب لنا ربك. فأنزل الله عز وجل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} إلى آخرها»([3]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «جاءت اليهود إلى النبي r، منهم كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب، فقالوا: يا محمد صف لنا ربك، الذي بعثك، فأنزل الله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ} فيخرج منه شيء {وَلَمْ يُولَدْ} فيخرج من شيء»([4]).
ومحصل هذه الروايات بمجموعها أن المشركين من أهل مكة ومن أهل الكتاب سألوا النبي r أن ينسب ويصف لهم ربه فأنزل الله هذه السور.
فضل هذه السورة:
سورة الإخلاص سورة عظيمة من أعظم سور القرآن الكريم؛ لما اشتملت عليه من الدلالة على أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات ([5])؛ ولهذا سميت سورة الإخلاص.
وقد وردت أحاديث عدة في فضلها، وفضل قراءتها في الصلاة وخارجها، وفي أدبار الصلوات، وفي الصباح والمساء، وعند النوم والقيام منه، وللاستشفاء بها، وفي أنها تعدل ثلث القرآن إلى غير ذلك. منها ما يلي:
أ- ما ورد في فضل قراءتها وفضل حبها وحب قراءتها:
عن عائشة رضي الله عنها: «أن النبي r بعث رجلاً في سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي r، فقال: سلوه، لأي شيء يصنع ذلك؟ فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها. فقال النبي r: «أخبروه أن الله تعالى يحبه»([6]).
وعن أنس بن مالك t قال: «كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء، فكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} حتى يفرغ منها، ثم يقرأ سورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة، فكلمه أصحابه، فقالوا: إنك تفتتح بهذه السورة، ثم لا ترى أنها تجزئك، حتى تقرأ بالأخرى، فإما أن تقرأ بها، وإما أن تدعها وتقرأ بأخرى. فقال: ما أنا بتاركها؛ إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت، وإن كرهتم تركتكم، وكانوا يرون أنه من أفضلهم، وكرهوا أن يؤمهم غيره، فلما أتاهم النبي r أخبروه الخبر، فقال: «يا فلان، ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك؟ وما يحملك على لزوم هذه في كل ركعة؟ قال: إني أحبها، قال: «حبك إياها أدخلك الجنة»([7]).
وعن أبي هريرة t قال: أقبلت مع النبي r فسمع رجلاً يقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فقال رسول الله r: «وجبت. قلت: وما وجبت؟ قال: الجنة»([8]).
وعن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه عن رسول الله r قال: «من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} حتى يختمها عشر مرات بنى الله له قصرًا في الجنة»، فقال عمر: إذن نستكثر يا رسول الله؟ فقال رسول الله r: «الله أكثر وأطيب»([9]).
ب- ما ورد في أنها تعدل ثلث القرآن:
عن أبي سعيد الخدري t أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يرددها، فلما أصبح جاء إلى النبي r، فذكر ذلك له، وكأن الرجل يتقالها، فقال النبي r: «والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن»([10]).
وفي رواية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله r لأصحابه: «أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟» فشق ذلك عليهم، وقالوا: أينا يطيق ذلك يا رسول الله؟ فقال: «{اللَّهُ الصَّمَدُ} ثلث القرآن»([11]).
وفي رواية عن أبي سعيد t قال: بات قتادة بن النعمان يقرأ الليل كله بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، فذكر ذلك للنبي r فقال: «والذي نفسي بيده لتعدل نصف القرآن، أو ثلثه»([12]).
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «أحشدوا فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن». فحشد من حشد، ثم خرج النبي r، فقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثم دخل، فقال بعضنا لبعض: قال رسول الله r: «فإني سأقرا عليكم ثلث القرآن، إني لأرى هذا خبرًا جاء من السماء»، ثم خرج نبي الله r، فقال: «إني قلت سأقرأ عليكم ثلث القرآن، ألا إنها تعدل ثلث القرآن»([13]).
جـ- ما ورد في فضل قراءتها مع المعوذتين في الصباح والمساء:
عن معاذ بن عبد الله بن خبيب t أن رسول الله r قال له: «قل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوذتين حين تمسي، وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء»([14]).
وعن عقبة بن عامر t قال: لقيت رسول الله r فابتدأته، فأخذت بيده، فقلت: يا رسول الله بم نجاة المؤمن؟ قال: «يا عقبة: أخرس لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك»([15]). قال: ثم لقيني رسول الله r فابتدأني فأخذ بيدي فقال: «يا عقبة بن عامر: ألا أعلمك خير ثلاث سور أنزلت في التوراة والإنجيل والزبور والقرآن العظيم؟» قال: قلت: بلى، جعلني الله فداك. قال: فأقرأني {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ثم قال: «يا عقبة، لا تنسهن، ولا تبت ليلة حتى تقرأهن»، قال: فما نسيتهن منذ قال: «لا تنسهن»، وما بت ليلة قط، حتى أقرأهن. قال عقبة: ثم لقيت رسول الله r فابتدأته، فأخذت بيده، فقلت: يا رسول الله، أخبرني بفواضل الأعمال. فقال: «يا عقبة، صل من قطعك، وأعط من حرمك، وأعرض عمن ظلمك ([16])»([17]).
د- ما ورد في قراءتها مع المعوذتين عند النوم:
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي r كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، ثم يمسح ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات»([18]).
هـ- ما جاء أن فيها اسم الله الأعظم:
وعن سليمان بن بريدة عن أبيه t أنه دخل مع رسول الله r المسجد فإذا رجل يصلي يدعو، يقول: «اللهم إني أسألك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد». قال: «والذي نفسي بيده لقد سأله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعى به أجاب»([19]).
معاني المفردات والجمل:
قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}.
قوله: {قُلْ}: أمر للنبي r ولكل من يصلح له الأمر والخطاب من أفراد أمته، قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى ([20]): «أي: قل قولاً جازمًا به، معتقدًا له، عارفًا بمعناه».
قوله: {هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}: «هو»: ضمير الشأن مبتدأ، وخبره «الله أحد» والجملة من المبتدأ وخبره في محل نصب مقول القول، وكذا ما بعدها.
ولفظ الجلالة «الله» معناه المألوه المعبود محبة وتعظيمًا.
وقال: (أحد)، ولم يقل: الأحد؛ لأنه ليس في الموجودات ما يسمى أحدًا في الإثبات مفردًا غير مضاف سواه سبحانه وتعالى؛ بخلاف النفي وما في معناه؛ كالشرط والاستفهام؛ فإنه يقال: هل عندك أحد، وما جاءني أحد ([21]).
وقوله: (أحد): أي الواحد الأحد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، ولهذا قال بعده: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}.
قال ابن كثير ([22]) رحمه الله تعالى: «يعني هو الواحد الأحد، الذي لا نظير له، ولا وزير، ولا نديد ولا شبيه، ولا عديل. ولا يطلق هذا اللفظ على أحد في الإثبات إلا على الله عز وجل؛ لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله».
وقال السعدي ([23]): «{هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}: أي: قد انحصرت فيه الأحدية؛ فهو الأحد المنفرد بالكمال الذي له الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا، والأفعال المقدسة، الذي لا نظير له، ولا مثيل».
قوله تعالى: {اللَّهُ الصَّمَدُ}: مبتدأ وخبر، والجملة في محل رفع خبر ثان لـ «هو».
وأدخل «ال» على الصمد؛ لأن المستحق لوصف الصمدية على الكمال والتمام هو الله وحده لا شريك له؛ بخلاف المخلوق؛ فهو وإن سمي صمدًا من بعض الوجوه فلا يقال له: «الصمد» بالصمدية المطلقة؛ وإنما يقال له «صمد» بمطلق الصمدية ([24]).
و {الصَّمَدُ} المقصود في جميع الحوائج، المستغني عن كل ما سواه، والذي كل ما سواه محتاج ومفتقر إليه ([25])، الذي تصمد وتتجه إليه الخلائق، وتقصده في طلب قضاء حوائجهم ومسائلهم الدينية والدنيوية، قال تعالى: {إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ}([26]).
وقال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}([27]).
وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ}([28]).
وقال تعالى: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ}([29]).
والصمد: السيد الذي قد كمل في سؤدده، والذي بلغ من كل وصف مما يوصف به غاية كماله ونهايته، سؤددا وشرفًا وعظمة وحلمًا وعلمًا وحكمة وحكما، الحي القيوم الذي لا زوال له، والذي لم يلد ولم يولد، والصمد الذي لا جوف له، وقيل غير ذلك([30]).
قال ابن تيمية ([31]) بعدما ذكر الأقوال في معنى «الصمد» - قال: «قلت: الاشتقاق يشهد للقولين جميعًا؛ قول من قال: إن الصمد الذي لا جوف له، وقول من قال: إنه السيد، وهو على الأول أدل؛ فإن الأول أصل الثاني».
وقال ابن كثير ([32]) بعد سياق كثير من الأقوال في معنى «الصمد»: «وقد قال الحافظ أبو القاسم الطبراني في «كتاب السنة» له بعد إيراده كثيرًا من هذه الأقوال في تفسيره «الصمد»: وكل هذه صحيحة، وهي صفات ربنا عز وجل، هو الذي يصمد إليه في الحوائج، وهو الذي قد انتهى سؤدده، وهو الصمد الذي لا جوف له ولا يأكل ولا يشرب، وهو الباقي بعد خلقه. وقال البيهقي نحو ذلك».
قوله تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} أي: لم يكن له ولد، كما قال تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ}([33])، وقال تعالى: {مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا}([34]).
وقال تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}([35]).
وقال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا}([36]).
وقال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ}([37]).
وقال تعالى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}([38]).
{وَلَمْ يُولَدْ } أي: لم يتولد من غيره، فيكون محدثًا؛ بل هو القائم بذاته، القيوم أزلاً وأبدا ([39]).
لأن (الولد): ما تولد من شيء أو شيئين كآدم، خلق وتولد من التراب، وحواء خلقت وتولدت من آدم، وعيسى تولد من مريم، أنثى بلا ذكر، وسائر الخلق تولدوا من ذكر وأنثى.
وعلى هذا فالولد محدث مخلوق بعد أن لم يكن كما قال عز وجل: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا}([40])؛ أي: قد أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئًا مذكورًا.
وما كان محدثًا مخلوقًا؛ فهو يفنى؛ كما قال عز وجل: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}([41]).
والله عز وجل هو الأول بلا بداية والآخر بلا نهاية؛ كما قال عز وجل: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}([42]).
قال الزمخشري ([43]): «لم يلد لأنه لا يجانس حتى يكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا».
قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}: أي: لم يكن له مكافئ، ولا مماثل، ولا شبيه، ولا نظير؛ كما قال عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}([44]).
قال ابن كثير ([45]): «أي: هو مالك كل شيء وخالفه، فكيف يكون له من خلقه نظير يساميه أو قريب يدانيه، تعالى وتقدس وتنزه».
وقال السعدي ([46]): {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}: لا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله تبارك وتعالى؛ فهذه السورة مشتملة على توحيد الأسماء والصفات».
الفوائد والأحكام:
1- أن الرسول r إنما هو مبلغ عن الله عز وجل؛ لقوله (قل)، وفي هذا الرد على من يزعم من أهل البدع أن الرسول r اختلف القرآن، وأن هذا النظم كلامه ابتدأ به؛ كما أن في هذا الرد على الغلاة الذين يرفعونه r إلى مقام الربوبية؛ فهو r عبد لا يعبد ونبي ورسول لا يكذب.
2- إثبات العبادة لله تعالى وحده دون سواه؛ لقوله: {هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}؛ لأن معنى لفظ الجلالة (الله): المألوه المعبود محبة وتعظيمًا.
3- إثبات الوحدانية لله عز وجل، وأنه الواحد الأحد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله؛ لقوله {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}؛ بل كل هذه السورة دليل على إثبات توحيد الأسماء والصفات له عز وجل.
4- إثبات ربوبيته عز وجل وحاجة الخلائق كلهم إليه عز وجل وغناه سبحانه وتعالى عمن سواه؛ لقوله {اللَّهُ الصَّمَدُ}؛ أي: الذي تصمد إليه الخلائق وتتجه إليه وتقصده بطلب قضاء الحوائج؛ إذ الخير كله بيديه؛ لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع.
5- نفي الولد والمجانس والقريب المداني له عز وجل؛ لقوله {لَمْ يَلِدْ}([47]) كما قال عز وجل: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ}([48])، وقال تعالى: {مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا}([49]).
6- الرد على أهل الشرك من أهل الكتاب وغيرهم في نسبتهم الولد إلى الله عز وجل، وقول اليهود عزيز ابن الله، وقول النصارى المسيح ابن الله، وزعم المشركين أن الملائكة بنات الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا.
قال تعالى: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ * أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ}([50]).
وقال تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ}([51]).
وقال تعالى: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى}([52]).
وعن أبي هريرة t عن النبي r قال: «قال الله عز وجل: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي، فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته ([53]). وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدا. وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد»([54]).
وعن أبي موسى الأشعري t أن رسول الله r قال: «لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله إنهم يجعلون له ولدًا وهو يرزقهم ويعافيهم»([55]).
7- إثبات أنه عز وجل الأول بلا بداية والآخر بلا نهاية لقوله {وَلَمْ يُولَدْ}؛ لأن ما تولد من غيره محدث، ونهايته إلى الفناء، والله عز وجل منزه عن ذلك كله، قال عز وجل: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}([56]).
8- تنزيه الله عز وجل عن المكافئ والشبيه والمثيل والنظير؛ لقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}؛ فلا مكافئ له ولا شبيه، ولا مثيل، ولا نظير؛ بل هو الواحد الأحد، في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله؛ كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}([57])، وقال تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}([58]).
9- وجوب الإقرار والاعتراف ظاهرًا وباطنًا، بنطق اللسان وتصديق القلب، وانقياد الجوارح بألوهية الله عز وجل ووحدانيته وصمديته وربوبيته، وتنزهه عن الولد والوالد والمكافئ؛ لقوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}... إلى آخر السورة.
الحمد لله الذي أنزل القرآن، وجعله للذين آمنوا هدى وشفاء، يشفي بإذن الله عز وجل أمراض القلوب والأبدان، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعـد:
فإن أعظم مصائب المسلمين اليوم بعد كثير منهم عن دينهم، وعن منهج التلقي الصحيح: كتاب الله وسنة رسوله r؛ مما كان سببًا في ضعف عقائدهم، واهتزاز شخصية كثير منهم، وتلاعب شياطين الإنس والجن فيهم.
وإن مما يندى له جبين كل مسلم غيور على معتقد الأمة ما أصيب به كثير من المسلمين اليوم من ضعف في اليقين والتوكل على الله، حتى أصبح بعض منهم بسبب ذلك تنتابه المخاوف على مستقبله، فتارة يخاف من العين، وتارة من السحر، وتارة من الجن، وتارة منها كلها، ومع أن هذه الأعراض كلها حق دل عليها الكتاب والسنة فإن من ضعف اليقين وضعف التوكل على الله أن يستسلم المسلم لوساوس شياطين الإنس والجن، فبمجرد ما يحس بعض الناس بأي ألم في جسمه يوسوس له الشيطان أن هذا عين أو سحر أو كذا وكذا، وسرعان ما تنقلب هذه الوساوس والأوهام إلى مسلمات وحقائق لدى سفهاء الأحلام وضعاف الإيمان عندما يؤكدها شياطين الإنس من الدجالين والسحرة والمشعوذين وغيرهم ممن لا خلاق لهم ولا دين يردعهم، وممن جعلوا هذا العمل وسيلة للكسب والتجارة، فلعبوا في عقول كثير من الناس، بل وفي عقائدهم، فخرجوا بهم من الحقيقة إلى الوهم والخيال، بما توسوس لهم به شياطين الجن؛ شعروا بذلك أو لم يشعروا، فعلى كل من أراد سلامة دينه الحذر منهم وعدم تصديقهم، وإن ظهر على أيديهم ما يوهم صدقهم أحيانًا، ابتلاءً واختبارًا لهم ولغيرهم، فلا يغتر بهم كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وعلامة هؤلاء الشياطين دخولهم في دعوى علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، فإذا جاءهم المريض – ولو توهما – قالوا: فيك كذا وكذا؛ رجمًا بالغيب والعياذ بالله، وقد قال الله عز وجل {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}([1])، فكم اتهموا من بريء، وكم روجوا من فرية، ففرقوا عياذًا بالله بهذا الدجل بين الأقارب والجيران، والأخوات، والإخوان، بل بين الآباء والأبناء، فحسبنا الله ونعم الوكيل.
وكيف يحصل هذا وكتاب الله بين أظهرنا فيه الشفاء التام من جميع الأمراض والأسقام، وما حالنا إلا كما قيل:
كالعيس في البيداء يقتلها الظما
والماء فوق ظهورها محمول
وقد جمعت في هذا الكتاب كلام أهل العلم من المفسرين وغيرهم على سورة الإخلاص والمعوذتين والتي في تدبرها بإذن الله عز وجل قراءة وفهمًا وتطبيقًا واعتقادًا الوقاية والشفاء بإذن الله عز وجل، والاستغناء التام عن دجل الدجالين وشعوذة المشعوذين، مع معرفة ما هم عليه من الحدس والتخمين والضلال المبين، وقد سميت هذا الكتاب: «الحرز الأمين في تدبر سورة الإخلاص والمعوذتين». والله أسأل أن ينفع به جميع إخواني المسلمين، وأن يرزقني الإخلاص في القول والعمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
المؤلف
* * *
سورة الإخلاص
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}.
سبب نزول هذه السورة:
عن أبي بن كعب t قال: «إن المشركين قالوا للنبي r: انسب لنا ربك. فأنزل الله عز وجل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}([2]).
وعن جابر بن عبد الله t: «أن أعرابيًا جاء إلى النبي r، فقال: انسب لنا ربك. فأنزل الله عز وجل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} إلى آخرها»([3]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «جاءت اليهود إلى النبي r، منهم كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب، فقالوا: يا محمد صف لنا ربك، الذي بعثك، فأنزل الله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ} فيخرج منه شيء {وَلَمْ يُولَدْ} فيخرج من شيء»([4]).
ومحصل هذه الروايات بمجموعها أن المشركين من أهل مكة ومن أهل الكتاب سألوا النبي r أن ينسب ويصف لهم ربه فأنزل الله هذه السور.
فضل هذه السورة:
سورة الإخلاص سورة عظيمة من أعظم سور القرآن الكريم؛ لما اشتملت عليه من الدلالة على أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات ([5])؛ ولهذا سميت سورة الإخلاص.
وقد وردت أحاديث عدة في فضلها، وفضل قراءتها في الصلاة وخارجها، وفي أدبار الصلوات، وفي الصباح والمساء، وعند النوم والقيام منه، وللاستشفاء بها، وفي أنها تعدل ثلث القرآن إلى غير ذلك. منها ما يلي:
أ- ما ورد في فضل قراءتها وفضل حبها وحب قراءتها:
عن عائشة رضي الله عنها: «أن النبي r بعث رجلاً في سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي r، فقال: سلوه، لأي شيء يصنع ذلك؟ فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها. فقال النبي r: «أخبروه أن الله تعالى يحبه»([6]).
وعن أنس بن مالك t قال: «كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء، فكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} حتى يفرغ منها، ثم يقرأ سورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة، فكلمه أصحابه، فقالوا: إنك تفتتح بهذه السورة، ثم لا ترى أنها تجزئك، حتى تقرأ بالأخرى، فإما أن تقرأ بها، وإما أن تدعها وتقرأ بأخرى. فقال: ما أنا بتاركها؛ إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت، وإن كرهتم تركتكم، وكانوا يرون أنه من أفضلهم، وكرهوا أن يؤمهم غيره، فلما أتاهم النبي r أخبروه الخبر، فقال: «يا فلان، ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك؟ وما يحملك على لزوم هذه في كل ركعة؟ قال: إني أحبها، قال: «حبك إياها أدخلك الجنة»([7]).
وعن أبي هريرة t قال: أقبلت مع النبي r فسمع رجلاً يقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فقال رسول الله r: «وجبت. قلت: وما وجبت؟ قال: الجنة»([8]).
وعن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه عن رسول الله r قال: «من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} حتى يختمها عشر مرات بنى الله له قصرًا في الجنة»، فقال عمر: إذن نستكثر يا رسول الله؟ فقال رسول الله r: «الله أكثر وأطيب»([9]).
ب- ما ورد في أنها تعدل ثلث القرآن:
عن أبي سعيد الخدري t أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يرددها، فلما أصبح جاء إلى النبي r، فذكر ذلك له، وكأن الرجل يتقالها، فقال النبي r: «والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن»([10]).
وفي رواية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله r لأصحابه: «أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟» فشق ذلك عليهم، وقالوا: أينا يطيق ذلك يا رسول الله؟ فقال: «{اللَّهُ الصَّمَدُ} ثلث القرآن»([11]).
وفي رواية عن أبي سعيد t قال: بات قتادة بن النعمان يقرأ الليل كله بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، فذكر ذلك للنبي r فقال: «والذي نفسي بيده لتعدل نصف القرآن، أو ثلثه»([12]).
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «أحشدوا فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن». فحشد من حشد، ثم خرج النبي r، فقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثم دخل، فقال بعضنا لبعض: قال رسول الله r: «فإني سأقرا عليكم ثلث القرآن، إني لأرى هذا خبرًا جاء من السماء»، ثم خرج نبي الله r، فقال: «إني قلت سأقرأ عليكم ثلث القرآن، ألا إنها تعدل ثلث القرآن»([13]).
جـ- ما ورد في فضل قراءتها مع المعوذتين في الصباح والمساء:
عن معاذ بن عبد الله بن خبيب t أن رسول الله r قال له: «قل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوذتين حين تمسي، وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء»([14]).
وعن عقبة بن عامر t قال: لقيت رسول الله r فابتدأته، فأخذت بيده، فقلت: يا رسول الله بم نجاة المؤمن؟ قال: «يا عقبة: أخرس لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك»([15]). قال: ثم لقيني رسول الله r فابتدأني فأخذ بيدي فقال: «يا عقبة بن عامر: ألا أعلمك خير ثلاث سور أنزلت في التوراة والإنجيل والزبور والقرآن العظيم؟» قال: قلت: بلى، جعلني الله فداك. قال: فأقرأني {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ثم قال: «يا عقبة، لا تنسهن، ولا تبت ليلة حتى تقرأهن»، قال: فما نسيتهن منذ قال: «لا تنسهن»، وما بت ليلة قط، حتى أقرأهن. قال عقبة: ثم لقيت رسول الله r فابتدأته، فأخذت بيده، فقلت: يا رسول الله، أخبرني بفواضل الأعمال. فقال: «يا عقبة، صل من قطعك، وأعط من حرمك، وأعرض عمن ظلمك ([16])»([17]).
د- ما ورد في قراءتها مع المعوذتين عند النوم:
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي r كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، ثم يمسح ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات»([18]).
هـ- ما جاء أن فيها اسم الله الأعظم:
وعن سليمان بن بريدة عن أبيه t أنه دخل مع رسول الله r المسجد فإذا رجل يصلي يدعو، يقول: «اللهم إني أسألك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد». قال: «والذي نفسي بيده لقد سأله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعى به أجاب»([19]).
معاني المفردات والجمل:
قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}.
قوله: {قُلْ}: أمر للنبي r ولكل من يصلح له الأمر والخطاب من أفراد أمته، قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى ([20]): «أي: قل قولاً جازمًا به، معتقدًا له، عارفًا بمعناه».
قوله: {هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}: «هو»: ضمير الشأن مبتدأ، وخبره «الله أحد» والجملة من المبتدأ وخبره في محل نصب مقول القول، وكذا ما بعدها.
ولفظ الجلالة «الله» معناه المألوه المعبود محبة وتعظيمًا.
وقال: (أحد)، ولم يقل: الأحد؛ لأنه ليس في الموجودات ما يسمى أحدًا في الإثبات مفردًا غير مضاف سواه سبحانه وتعالى؛ بخلاف النفي وما في معناه؛ كالشرط والاستفهام؛ فإنه يقال: هل عندك أحد، وما جاءني أحد ([21]).
وقوله: (أحد): أي الواحد الأحد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، ولهذا قال بعده: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}.
قال ابن كثير ([22]) رحمه الله تعالى: «يعني هو الواحد الأحد، الذي لا نظير له، ولا وزير، ولا نديد ولا شبيه، ولا عديل. ولا يطلق هذا اللفظ على أحد في الإثبات إلا على الله عز وجل؛ لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله».
وقال السعدي ([23]): «{هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}: أي: قد انحصرت فيه الأحدية؛ فهو الأحد المنفرد بالكمال الذي له الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا، والأفعال المقدسة، الذي لا نظير له، ولا مثيل».
قوله تعالى: {اللَّهُ الصَّمَدُ}: مبتدأ وخبر، والجملة في محل رفع خبر ثان لـ «هو».
وأدخل «ال» على الصمد؛ لأن المستحق لوصف الصمدية على الكمال والتمام هو الله وحده لا شريك له؛ بخلاف المخلوق؛ فهو وإن سمي صمدًا من بعض الوجوه فلا يقال له: «الصمد» بالصمدية المطلقة؛ وإنما يقال له «صمد» بمطلق الصمدية ([24]).
و {الصَّمَدُ} المقصود في جميع الحوائج، المستغني عن كل ما سواه، والذي كل ما سواه محتاج ومفتقر إليه ([25])، الذي تصمد وتتجه إليه الخلائق، وتقصده في طلب قضاء حوائجهم ومسائلهم الدينية والدنيوية، قال تعالى: {إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ}([26]).
وقال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}([27]).
وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ}([28]).
وقال تعالى: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ}([29]).
والصمد: السيد الذي قد كمل في سؤدده، والذي بلغ من كل وصف مما يوصف به غاية كماله ونهايته، سؤددا وشرفًا وعظمة وحلمًا وعلمًا وحكمة وحكما، الحي القيوم الذي لا زوال له، والذي لم يلد ولم يولد، والصمد الذي لا جوف له، وقيل غير ذلك([30]).
قال ابن تيمية ([31]) بعدما ذكر الأقوال في معنى «الصمد» - قال: «قلت: الاشتقاق يشهد للقولين جميعًا؛ قول من قال: إن الصمد الذي لا جوف له، وقول من قال: إنه السيد، وهو على الأول أدل؛ فإن الأول أصل الثاني».
وقال ابن كثير ([32]) بعد سياق كثير من الأقوال في معنى «الصمد»: «وقد قال الحافظ أبو القاسم الطبراني في «كتاب السنة» له بعد إيراده كثيرًا من هذه الأقوال في تفسيره «الصمد»: وكل هذه صحيحة، وهي صفات ربنا عز وجل، هو الذي يصمد إليه في الحوائج، وهو الذي قد انتهى سؤدده، وهو الصمد الذي لا جوف له ولا يأكل ولا يشرب، وهو الباقي بعد خلقه. وقال البيهقي نحو ذلك».
قوله تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} أي: لم يكن له ولد، كما قال تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ}([33])، وقال تعالى: {مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا}([34]).
وقال تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}([35]).
وقال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا}([36]).
وقال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ}([37]).
وقال تعالى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}([38]).
{وَلَمْ يُولَدْ } أي: لم يتولد من غيره، فيكون محدثًا؛ بل هو القائم بذاته، القيوم أزلاً وأبدا ([39]).
لأن (الولد): ما تولد من شيء أو شيئين كآدم، خلق وتولد من التراب، وحواء خلقت وتولدت من آدم، وعيسى تولد من مريم، أنثى بلا ذكر، وسائر الخلق تولدوا من ذكر وأنثى.
وعلى هذا فالولد محدث مخلوق بعد أن لم يكن كما قال عز وجل: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا}([40])؛ أي: قد أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئًا مذكورًا.
وما كان محدثًا مخلوقًا؛ فهو يفنى؛ كما قال عز وجل: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}([41]).
والله عز وجل هو الأول بلا بداية والآخر بلا نهاية؛ كما قال عز وجل: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}([42]).
قال الزمخشري ([43]): «لم يلد لأنه لا يجانس حتى يكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا».
قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}: أي: لم يكن له مكافئ، ولا مماثل، ولا شبيه، ولا نظير؛ كما قال عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}([44]).
قال ابن كثير ([45]): «أي: هو مالك كل شيء وخالفه، فكيف يكون له من خلقه نظير يساميه أو قريب يدانيه، تعالى وتقدس وتنزه».
وقال السعدي ([46]): {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}: لا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله تبارك وتعالى؛ فهذه السورة مشتملة على توحيد الأسماء والصفات».
الفوائد والأحكام:
1- أن الرسول r إنما هو مبلغ عن الله عز وجل؛ لقوله (قل)، وفي هذا الرد على من يزعم من أهل البدع أن الرسول r اختلف القرآن، وأن هذا النظم كلامه ابتدأ به؛ كما أن في هذا الرد على الغلاة الذين يرفعونه r إلى مقام الربوبية؛ فهو r عبد لا يعبد ونبي ورسول لا يكذب.
2- إثبات العبادة لله تعالى وحده دون سواه؛ لقوله: {هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}؛ لأن معنى لفظ الجلالة (الله): المألوه المعبود محبة وتعظيمًا.
3- إثبات الوحدانية لله عز وجل، وأنه الواحد الأحد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله؛ لقوله {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}؛ بل كل هذه السورة دليل على إثبات توحيد الأسماء والصفات له عز وجل.
4- إثبات ربوبيته عز وجل وحاجة الخلائق كلهم إليه عز وجل وغناه سبحانه وتعالى عمن سواه؛ لقوله {اللَّهُ الصَّمَدُ}؛ أي: الذي تصمد إليه الخلائق وتتجه إليه وتقصده بطلب قضاء الحوائج؛ إذ الخير كله بيديه؛ لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع.
5- نفي الولد والمجانس والقريب المداني له عز وجل؛ لقوله {لَمْ يَلِدْ}([47]) كما قال عز وجل: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ}([48])، وقال تعالى: {مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا}([49]).
6- الرد على أهل الشرك من أهل الكتاب وغيرهم في نسبتهم الولد إلى الله عز وجل، وقول اليهود عزيز ابن الله، وقول النصارى المسيح ابن الله، وزعم المشركين أن الملائكة بنات الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا.
قال تعالى: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ * أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ}([50]).
وقال تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ}([51]).
وقال تعالى: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى}([52]).
وعن أبي هريرة t عن النبي r قال: «قال الله عز وجل: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي، فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته ([53]). وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدا. وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد»([54]).
وعن أبي موسى الأشعري t أن رسول الله r قال: «لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله إنهم يجعلون له ولدًا وهو يرزقهم ويعافيهم»([55]).
7- إثبات أنه عز وجل الأول بلا بداية والآخر بلا نهاية لقوله {وَلَمْ يُولَدْ}؛ لأن ما تولد من غيره محدث، ونهايته إلى الفناء، والله عز وجل منزه عن ذلك كله، قال عز وجل: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}([56]).
8- تنزيه الله عز وجل عن المكافئ والشبيه والمثيل والنظير؛ لقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}؛ فلا مكافئ له ولا شبيه، ولا مثيل، ولا نظير؛ بل هو الواحد الأحد، في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله؛ كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}([57])، وقال تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}([58]).
9- وجوب الإقرار والاعتراف ظاهرًا وباطنًا، بنطق اللسان وتصديق القلب، وانقياد الجوارح بألوهية الله عز وجل ووحدانيته وصمديته وربوبيته، وتنزهه عن الولد والوالد والمكافئ؛ لقوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}... إلى آخر السورة.
* * *
سورة الفلق
قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}.
كان النبي r قبل نزول هذه السورة وسورة الناس يتعوذ من الجان وعين الإنسان فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما، وترك ما سواهما»([59]).
اسم السورة:
تسمى هذه السورة: سورة الفلق، وتسمى مع السورة التي بعدها {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} بالمعوذتين؛ قال ابن القيم ([60]): «فسورة الفلق تتضمن الاستعاذة من شر المصيبات، وسورة الناس تتضمن الاستعاذة من شر العيون التي أصلها كلها الوسوسة».
سبب النزول:
روي عن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما، أن هذه السورة مع سورة الناس نزلتا في سحر اليهود للنبي r([61]).
فضل المعوذتين:
عن عقبة بن عامر t قال: قال رسول الله r: «ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}»([62]).
وفي بعض الروايات عند أحمد وأبي داود وغيرهما أن الرسول r قال لعقبة بن عامر t: «ألا أعلمك سورتين من خبر سورتين قرأ بهما الناس؟» قلت: بلى يا رسول الله. فأقرأني: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ثم أقيمت الصلاة فتقدم رسول الله r فقرأ بهما ثم مر بي، فقال: «كيف رأيت يا عقيب! اقرأ بهما كلما نمت، وكلما قمت»([63]).
وعن عقبة بن عامر قال: «أمرني رسول الله r أن أقرأ بالمعوذات في دبر كل صلاة»([64]).
وعن ابن عابس الجهني أن النبي r قال له: يا ابن عابس «ألا أدلك - أو قال: ألا أخبرك - بأفضل ما يتعوذ به المتعوذون؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} هاتين السورتين»([65]).
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي r كان يقرأ بهما وينفث في كفيه، ويمسح بهما رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، وما بلغت يداه من جسده»([66]).
قال ابن القيم رحمه الله ([67]): «والمقصود: الكلام على هاتين السورتين، وبيان عظيم منفعتهما، وشدة الحاجة بل الضرورة إليهما، وأنه لا يستغني عنهما أحد قط، وأن لهما تأثيرًا خاصًا في دفع السحر والعين وسائر الشرور، وأن حاجة العبد إلى الاستعاذة بهاتين السورتين أعظم من حاجته إلى النفس والطعام والشراب واللباس».
معاني المفردات والجمل:
قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}.
قوله: {قُلْ} الأمر فيه للرسول r ولكل فرد من أفراد أمته ممن يصلح له الخطاب؛ فلا يدخل فيه المجنون والصغير ونحوهما؛ لقوله r: «رفع القلم عن ثلاثة؛ النائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق، والصغير حتى يبلغ»([68]).
وعن أبيّ بن كعب t قال: «سألت رسول الله r عن المعوذتين؟ فقال: «قيل لي»، فقلت: فنحن نقول كما قال رسول الله r»([69]).
وجملة {أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} وما بعدها إلى نهاية السورة في محل نصب مقول القول.
ومعنى {أَعُوذُ}: أعتصم وألتجئ وأستجير وأتحصن وأتحرز وألوذ ([70]) وهذا هو الركن الأول من أركان الاستعاذة، وهو نفس «التعوذ».
قوله: {بِرَبِّ الْفَلَقِ}: (برب): جار ومجرور متعلق بقوله: (أعوذ)، وهذا هو الركن الثاني من أركان الاستعاذة، وهو: المستعاذ به، وهو رب الفلق. والباء: للاستعانة، و(الرب): لغة: مأخوذ من التربية والتنمية للشيء والقيام عليه وإصلاحه.
قال تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ}([71])، أي: اللاتي تربونهن في حجوركم. وقال تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}([72])، أي: القيوم على كل شيء سبحانه.
والرب: هو الخالق المالك المدبر؛ فرب الفلق خالقه ومالكه ومدبره.
ويأتي «الرب» بمعنى المعبود؛ كما في قوله تعالى: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}([73])؛ أي: أآلهة.
ويأتي بمعنى «الصاحب»؛ كما في قوله تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ}([74])؛ فالمعنى هنا: صاحب العزة ([75]).
و (الرب) بالتعريف لا يطلق إلا على الله.
و «رب كذا» بالإضافة يطلق على الله وعلى غيره، فيقال: رب الدار، ورب الناقة، قال تعالى: {قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ}([76]).
وربوبية الله عز وجل لخلقه تنقسم إلى قسمين:
ربوبية عامة لجميع خلقه بمعنى: خالقهم ومالكهم ومدبرهم، كما في قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين}.
وربوبية خاصة بأوليائه بتوفيقه لهم للطريق المستقيم في الدنيا، وفي الآخرة إلى الجنة، كما في قول المؤمنين {رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ}([77]).
و(الفلق): الخلق، والشق، وكل ما انشق عن شيء فهو فلق([78])؛ فالصبح والحب فلق ([79])، قال تعالى: {فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى}([80])، وقال تعالى: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ}([81]). أي الذي خلق وشق الحب والنوى فأخرج منه النبتة فأخرج من الحبة السنابل الكثيرة المشتملة على مئات الحبات كما قال عز وجل: {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ}([82])، وأخرج من النواة النخلة؛ بل العدد من النخيل المثمرة؛ كما قال عز وجل: {وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}([83]).
وخلق وشق الصبح وضياءه من ظلام الليل الدامس البهيم، وفي الحديث: «أنه r ما رأى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح»([84]).
وكل ما انفلق وانشق عن غيره من نبات، وحيوان وغير ذلك فهو فلق ([85]).
قال ابن تيمية رحمه الله ([86]): «وإذا قيل: الفلق يعم ويخص، فبعمومه للخلق استعيذ من شر ما خلق، وبخصوصه للنور النهاري – يعني الصبح – استعيذ من شر غاسق إذا وقب».
وقال ابن القيم رحمه الله ([87]): «واعلم أن الخلق كله فلق، وذلك أن فلق «فعل» بمعنى «مفعول» كقبض وسلب وقنص بمعنى مقبوض ومسلوب ومقنوص. والله عز وجل (فالق الإصباح) و (فالق الحب والنوى) وفالق الأرض عن النبات، والجبال عن العيون، والسحاب عن المطر، والأرحام عن الأجنة، والظلام عن الإصباح، ويسمى الصبح المتصدع عن الظلمة «فلقا وفرقا» يقال: هو أبيض من فرق الصبح وفلقه.. يفرق ظلام الليل بالإصباح.. ومنه فلقه البحر لموسى، وسماه «فلقًا».
قوله تعالى: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}.
في هذه الآيات: الركن الثالث من أركان الاستعاذة، وهو المستعاذ منه، وهو أمور أربعة؛ الأول منها: ذكره الله عز وجل بقوله:
{مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ}: فهذا هو المستعاذ منه الأول في هذه السورة. وقوله: {مِنْ شَرِّ}: جار ومجرور متعلق بـ (أعوذ)، و(ما) موصولة، وهي تفيد العموم([88])، لكنه عموم تقييدي وصفي لا عموم إطلاقي؛ أي: أعوذ برب الفلق من شر جميع المخلوقات التي فيها شر؛ سواء من شرور الدنيا أو الآخرة، من شر شياطين الإنس والجن، وشر السباع والهوام، وشر النار وغير ذلك، وليس المراد الاستعاذة من شر كل ما خلقه الله، وإن كان مما ليس فيه شر؛ بل هو خير محض كالجنة والملائكة، وكذا الأنبياء؛ فإنه خير محض؛ بل الخير كله حصل على أيديهم([89]).
فدخل تحت قوله تعالى: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} الاستعاذة من كل شر، في أي مخلوق قام به الشر: من حيوان أو غيره، إنسيًا كان أو جنيًا أو هامة أو دابة أو ريحًا أو صاعقة، أو أي نوع كان من أنواع البلاء والشرور([90]).
وقد روي أنه r إذا سافر فأقبل الليل، قال: «يا أرض ربي وربك الله أعوذ بالله من شرك، وشر ما فيك، وشر ما خلق فيك، وشر ما يدب عليك، أعوذ بالله من أسد وأسود، ومن الحية والعقرب، ومن ساكن البلد، ومن والد وما ولد»([91]).
قال r: «من نزل منزلاً فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق. لم يضره شيء حتى يرتحل منه»([92]).
وفي الحديث الآخر: «أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض، ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق إلا طارقًا يطرق بخير يا رحمن»([93]).
والشر: هو الآلام الحسية والمعنوية، الجسدية والنفسية، وما يسببها من الكفر والشرك والمعاصي؛ فما من ألم نفسي أو معنوي، جسدي أو نفسي إلا سببه الكفر والمعاصي، قال عز وجل: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}([94]).
قال ابن القيم رحمه الله ([95]): «الشر يقال على شيئين: على الألم، وعلى ما يفضي إليه؛ فالمعاصي والكفر والشرك وأنواع الظلم شرور، وإن كان لصاحبها فيها نوع لذة، لكنها شرور؛ لأنها أسباب للآلام ومفضية إليها كإفضاء سائر الأسباب إلى مسبباتها، فترتب الألم عليها كترتب الموت على تناول السموم القاتلة وعلى الذبح، والإحراق في النار، والخنق بالحبل، وغير ذلك من الأسباب التي تكون مفضية إلى مسبباتها ولابد، ما لم يمنع من السببية مانع، أو يعارض السبب ما هو أقوى منه... وهل زالت عن أحد قط نعمة إلا بشؤم معصيته؛ فإن الله إذا أنعم على عبد نعمة حفظها الله عليه، ولا يغيرها حتى يكون هو الساعي في تغييرها عن نفسه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ}([96]).
وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}([97]).
ومن تأمل ما قص الله في كتابه من أحوال الأمم الذين أزال الله نعمه عنهم وجد سبب ذلك جميعه إنما هو مخالفة أمره وعصيان رسله، وكذلك من نظر في أحوال أهل عصره، وما أزال الله عنهم من نعمه وجد ذلك كله من سوء عاقبة عواقب الذنوب كما قيل:
إذا كنت في نعمة فارعها
فإن المعاصي تزيل النعم
وحافظ عليها بشكر الإله
فإن الإله سريع النقم ([98])
فما حفظت نعمة لله بشيء قط مثل طاعته، ولا حصلت فيها الزيادة بمثل شكره، ولا زالت عن العبد نعمة بمثل معصيته لربه، فإنها نار النعم التي تعمل فيها كما تعمل النار في الحطب اليابس، ومن سافر بفكره في أحوال العالم استغنى عن تعريف غيره له.
وأما كون مسبباتها شرورًا فلأنها آلام نفسية وبدنية، فيجتمع على صاحبها مع شدة الألم الحسي ألم الروح بالهموم والغموم والأحزان والخسران، ولو تفطن العاقل اللبيب لهذا حق التفطن لأعطاه حقه من الحذر والجد والهرب، ولكن قد ضرب على قلبه حجاب الغفلة ليقضي الله أمرًا كان مفعولاً؛ فلو تيقظ حق التيقظ لتقطعت نفسه في الدنيا حسرات على ما فاته من حظه العاجل والآجل من الله، وإنما يظهر هذا حقيقة الظهور عند مفارقة هذا العالم والإشراف والاطلاع على عالم البقاء؛ فحينئذ يقول {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}([99])، {يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ}([100]).
ولما كان الشر هو الآلام وأسبابها كانت استعاذات النبي r جميعها مدارها على هذين الأصلين؛ فكل ما استعاذ منه أو أمر بالاستعاذة منه فهو إما مؤلم، وإما سبب يفضي إليه؛ فكان يتعوذ في آخر الصلاة من أربع، وأمر بالاستعاذة منهن، وهي: «عذاب القبر، وعذاب النار»؛ فهذان أعظم المؤلمات، «وفتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال»، وهذان سبب العذاب المؤلم؛ فالفتنة سبب العذاب... فعادت الاستعاذة إلى الاستعاذة من الألم والعذاب وأسبابه، وهذا من آكد أدعية الصلاة...».
وقال ابن القيم أيضًا ([101]): «والشر المستعاذ منه نوعان: أحدهما: موجود، يطلب رفعه، والثاني: معدوم، يطلب بقاؤه على العدم، وأن لا يوجد؛ كما أن الخير المطلق نوعان: أحدهما: موجود، فيطلب دوامه وثباته، وأن لا يسلبه، والثاني: معدوم، فيطلب وجوده وحصوله؛ فهذه أربعة هي أمهات مطالب السائلين من رب العالمين، وعليها مدار طلباتهم.
وقد جاءت هذه المطالب الأربعة في قوله تعالى حكاية عن دعاء عباده في آخر آل عمران في قوله: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا}؛ فهذا الطلب لدفع الشر الموجود؛ فإن الذنوب والسيئات شر، كما تقدم بيانه، ثم قال: {وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ}؛ فهذا طلب لدوام الخير الموجود - وهو الإيمان - حتى يتوفاهم عليه؛ فهذان قسمان، ثم قال: {رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ}؛ فهذا طلب للخير المعدوم أن يؤتيهم إياه، ثم قال: {وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ}([102])؛ فهذا طلب أن لا يوقع بهم الشر المعدوم، وهو خزي يوم القيامة؛ فانتظمت الآيتان المطالب الأربعة أحسن انتظام، مرتبة أحسن ترتيب، قدم فيها النوعان اللذان في الدنيا، وهما المغفرة ودوام الإسلام إلى الموت، ثم أتبعا بالنوعين اللذين في الآخرة؛ وهما أن يعطوا ما وعدوه على ألسنة رسله، وأن لا يخزيهم يوم القيامة».
قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ}: هذا هو المستعاذ منه الثاني في هذه السورة، وهو والمستعاذ منه الثالث والرابع كلها داخلة ضمن المستعاذ منه الأول، وهو قوله: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} من باب التخصيص بعد التعميم ([103]).
والغاسق هو الليل وظلمته؛ يقال غسق الليل وأغسق الليل إذا أظلم ([104])، ومنه قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ}([105]).
وقوله: {إِذَا وَقَبَ} أي: إذا أقبل ودخل في كل شيء، والوقوب: الدخول، وهو دخول الليل بغروب الشمس ([106]).
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: «أخذ النبي r بيدي، فنظر إلى القمر فقال: «يا عائشة استعيذي بالله من شر هذا؛ فإن هذا هو الغاسق إذا وقب»([107]).
فالقمر غاسق إذا وقب، أي: إذا غاب، والليل غاسق إذا دخل بظلمته كل شيء([108]).
وقيل: المراد بغسق الليل: برودته ([109]).
قال ابن القيم ([110]): «ولا تنافي بين القولين؛ فإن الليل بارد ومظلم، فمن ذكر برده فقط، أو ظلمته فقط اقتصر على أحد وصفيه
قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}.
كان النبي r قبل نزول هذه السورة وسورة الناس يتعوذ من الجان وعين الإنسان فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما، وترك ما سواهما»([59]).
اسم السورة:
تسمى هذه السورة: سورة الفلق، وتسمى مع السورة التي بعدها {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} بالمعوذتين؛ قال ابن القيم ([60]): «فسورة الفلق تتضمن الاستعاذة من شر المصيبات، وسورة الناس تتضمن الاستعاذة من شر العيون التي أصلها كلها الوسوسة».
سبب النزول:
روي عن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما، أن هذه السورة مع سورة الناس نزلتا في سحر اليهود للنبي r([61]).
فضل المعوذتين:
عن عقبة بن عامر t قال: قال رسول الله r: «ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}»([62]).
وفي بعض الروايات عند أحمد وأبي داود وغيرهما أن الرسول r قال لعقبة بن عامر t: «ألا أعلمك سورتين من خبر سورتين قرأ بهما الناس؟» قلت: بلى يا رسول الله. فأقرأني: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ثم أقيمت الصلاة فتقدم رسول الله r فقرأ بهما ثم مر بي، فقال: «كيف رأيت يا عقيب! اقرأ بهما كلما نمت، وكلما قمت»([63]).
وعن عقبة بن عامر قال: «أمرني رسول الله r أن أقرأ بالمعوذات في دبر كل صلاة»([64]).
وعن ابن عابس الجهني أن النبي r قال له: يا ابن عابس «ألا أدلك - أو قال: ألا أخبرك - بأفضل ما يتعوذ به المتعوذون؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} هاتين السورتين»([65]).
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي r كان يقرأ بهما وينفث في كفيه، ويمسح بهما رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، وما بلغت يداه من جسده»([66]).
قال ابن القيم رحمه الله ([67]): «والمقصود: الكلام على هاتين السورتين، وبيان عظيم منفعتهما، وشدة الحاجة بل الضرورة إليهما، وأنه لا يستغني عنهما أحد قط، وأن لهما تأثيرًا خاصًا في دفع السحر والعين وسائر الشرور، وأن حاجة العبد إلى الاستعاذة بهاتين السورتين أعظم من حاجته إلى النفس والطعام والشراب واللباس».
معاني المفردات والجمل:
قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}.
قوله: {قُلْ} الأمر فيه للرسول r ولكل فرد من أفراد أمته ممن يصلح له الخطاب؛ فلا يدخل فيه المجنون والصغير ونحوهما؛ لقوله r: «رفع القلم عن ثلاثة؛ النائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق، والصغير حتى يبلغ»([68]).
وعن أبيّ بن كعب t قال: «سألت رسول الله r عن المعوذتين؟ فقال: «قيل لي»، فقلت: فنحن نقول كما قال رسول الله r»([69]).
وجملة {أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} وما بعدها إلى نهاية السورة في محل نصب مقول القول.
ومعنى {أَعُوذُ}: أعتصم وألتجئ وأستجير وأتحصن وأتحرز وألوذ ([70]) وهذا هو الركن الأول من أركان الاستعاذة، وهو نفس «التعوذ».
قوله: {بِرَبِّ الْفَلَقِ}: (برب): جار ومجرور متعلق بقوله: (أعوذ)، وهذا هو الركن الثاني من أركان الاستعاذة، وهو: المستعاذ به، وهو رب الفلق. والباء: للاستعانة، و(الرب): لغة: مأخوذ من التربية والتنمية للشيء والقيام عليه وإصلاحه.
قال تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ}([71])، أي: اللاتي تربونهن في حجوركم. وقال تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}([72])، أي: القيوم على كل شيء سبحانه.
والرب: هو الخالق المالك المدبر؛ فرب الفلق خالقه ومالكه ومدبره.
ويأتي «الرب» بمعنى المعبود؛ كما في قوله تعالى: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}([73])؛ أي: أآلهة.
ويأتي بمعنى «الصاحب»؛ كما في قوله تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ}([74])؛ فالمعنى هنا: صاحب العزة ([75]).
و (الرب) بالتعريف لا يطلق إلا على الله.
و «رب كذا» بالإضافة يطلق على الله وعلى غيره، فيقال: رب الدار، ورب الناقة، قال تعالى: {قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ}([76]).
وربوبية الله عز وجل لخلقه تنقسم إلى قسمين:
ربوبية عامة لجميع خلقه بمعنى: خالقهم ومالكهم ومدبرهم، كما في قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين}.
وربوبية خاصة بأوليائه بتوفيقه لهم للطريق المستقيم في الدنيا، وفي الآخرة إلى الجنة، كما في قول المؤمنين {رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ}([77]).
و(الفلق): الخلق، والشق، وكل ما انشق عن شيء فهو فلق([78])؛ فالصبح والحب فلق ([79])، قال تعالى: {فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى}([80])، وقال تعالى: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ}([81]). أي الذي خلق وشق الحب والنوى فأخرج منه النبتة فأخرج من الحبة السنابل الكثيرة المشتملة على مئات الحبات كما قال عز وجل: {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ}([82])، وأخرج من النواة النخلة؛ بل العدد من النخيل المثمرة؛ كما قال عز وجل: {وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}([83]).
وخلق وشق الصبح وضياءه من ظلام الليل الدامس البهيم، وفي الحديث: «أنه r ما رأى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح»([84]).
وكل ما انفلق وانشق عن غيره من نبات، وحيوان وغير ذلك فهو فلق ([85]).
قال ابن تيمية رحمه الله ([86]): «وإذا قيل: الفلق يعم ويخص، فبعمومه للخلق استعيذ من شر ما خلق، وبخصوصه للنور النهاري – يعني الصبح – استعيذ من شر غاسق إذا وقب».
وقال ابن القيم رحمه الله ([87]): «واعلم أن الخلق كله فلق، وذلك أن فلق «فعل» بمعنى «مفعول» كقبض وسلب وقنص بمعنى مقبوض ومسلوب ومقنوص. والله عز وجل (فالق الإصباح) و (فالق الحب والنوى) وفالق الأرض عن النبات، والجبال عن العيون، والسحاب عن المطر، والأرحام عن الأجنة، والظلام عن الإصباح، ويسمى الصبح المتصدع عن الظلمة «فلقا وفرقا» يقال: هو أبيض من فرق الصبح وفلقه.. يفرق ظلام الليل بالإصباح.. ومنه فلقه البحر لموسى، وسماه «فلقًا».
قوله تعالى: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}.
في هذه الآيات: الركن الثالث من أركان الاستعاذة، وهو المستعاذ منه، وهو أمور أربعة؛ الأول منها: ذكره الله عز وجل بقوله:
{مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ}: فهذا هو المستعاذ منه الأول في هذه السورة. وقوله: {مِنْ شَرِّ}: جار ومجرور متعلق بـ (أعوذ)، و(ما) موصولة، وهي تفيد العموم([88])، لكنه عموم تقييدي وصفي لا عموم إطلاقي؛ أي: أعوذ برب الفلق من شر جميع المخلوقات التي فيها شر؛ سواء من شرور الدنيا أو الآخرة، من شر شياطين الإنس والجن، وشر السباع والهوام، وشر النار وغير ذلك، وليس المراد الاستعاذة من شر كل ما خلقه الله، وإن كان مما ليس فيه شر؛ بل هو خير محض كالجنة والملائكة، وكذا الأنبياء؛ فإنه خير محض؛ بل الخير كله حصل على أيديهم([89]).
فدخل تحت قوله تعالى: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} الاستعاذة من كل شر، في أي مخلوق قام به الشر: من حيوان أو غيره، إنسيًا كان أو جنيًا أو هامة أو دابة أو ريحًا أو صاعقة، أو أي نوع كان من أنواع البلاء والشرور([90]).
وقد روي أنه r إذا سافر فأقبل الليل، قال: «يا أرض ربي وربك الله أعوذ بالله من شرك، وشر ما فيك، وشر ما خلق فيك، وشر ما يدب عليك، أعوذ بالله من أسد وأسود، ومن الحية والعقرب، ومن ساكن البلد، ومن والد وما ولد»([91]).
قال r: «من نزل منزلاً فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق. لم يضره شيء حتى يرتحل منه»([92]).
وفي الحديث الآخر: «أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض، ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق إلا طارقًا يطرق بخير يا رحمن»([93]).
والشر: هو الآلام الحسية والمعنوية، الجسدية والنفسية، وما يسببها من الكفر والشرك والمعاصي؛ فما من ألم نفسي أو معنوي، جسدي أو نفسي إلا سببه الكفر والمعاصي، قال عز وجل: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}([94]).
قال ابن القيم رحمه الله ([95]): «الشر يقال على شيئين: على الألم، وعلى ما يفضي إليه؛ فالمعاصي والكفر والشرك وأنواع الظلم شرور، وإن كان لصاحبها فيها نوع لذة، لكنها شرور؛ لأنها أسباب للآلام ومفضية إليها كإفضاء سائر الأسباب إلى مسبباتها، فترتب الألم عليها كترتب الموت على تناول السموم القاتلة وعلى الذبح، والإحراق في النار، والخنق بالحبل، وغير ذلك من الأسباب التي تكون مفضية إلى مسبباتها ولابد، ما لم يمنع من السببية مانع، أو يعارض السبب ما هو أقوى منه... وهل زالت عن أحد قط نعمة إلا بشؤم معصيته؛ فإن الله إذا أنعم على عبد نعمة حفظها الله عليه، ولا يغيرها حتى يكون هو الساعي في تغييرها عن نفسه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ}([96]).
وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}([97]).
ومن تأمل ما قص الله في كتابه من أحوال الأمم الذين أزال الله نعمه عنهم وجد سبب ذلك جميعه إنما هو مخالفة أمره وعصيان رسله، وكذلك من نظر في أحوال أهل عصره، وما أزال الله عنهم من نعمه وجد ذلك كله من سوء عاقبة عواقب الذنوب كما قيل:
إذا كنت في نعمة فارعها
فإن المعاصي تزيل النعم
وحافظ عليها بشكر الإله
فإن الإله سريع النقم ([98])
فما حفظت نعمة لله بشيء قط مثل طاعته، ولا حصلت فيها الزيادة بمثل شكره، ولا زالت عن العبد نعمة بمثل معصيته لربه، فإنها نار النعم التي تعمل فيها كما تعمل النار في الحطب اليابس، ومن سافر بفكره في أحوال العالم استغنى عن تعريف غيره له.
وأما كون مسبباتها شرورًا فلأنها آلام نفسية وبدنية، فيجتمع على صاحبها مع شدة الألم الحسي ألم الروح بالهموم والغموم والأحزان والخسران، ولو تفطن العاقل اللبيب لهذا حق التفطن لأعطاه حقه من الحذر والجد والهرب، ولكن قد ضرب على قلبه حجاب الغفلة ليقضي الله أمرًا كان مفعولاً؛ فلو تيقظ حق التيقظ لتقطعت نفسه في الدنيا حسرات على ما فاته من حظه العاجل والآجل من الله، وإنما يظهر هذا حقيقة الظهور عند مفارقة هذا العالم والإشراف والاطلاع على عالم البقاء؛ فحينئذ يقول {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}([99])، {يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ}([100]).
ولما كان الشر هو الآلام وأسبابها كانت استعاذات النبي r جميعها مدارها على هذين الأصلين؛ فكل ما استعاذ منه أو أمر بالاستعاذة منه فهو إما مؤلم، وإما سبب يفضي إليه؛ فكان يتعوذ في آخر الصلاة من أربع، وأمر بالاستعاذة منهن، وهي: «عذاب القبر، وعذاب النار»؛ فهذان أعظم المؤلمات، «وفتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال»، وهذان سبب العذاب المؤلم؛ فالفتنة سبب العذاب... فعادت الاستعاذة إلى الاستعاذة من الألم والعذاب وأسبابه، وهذا من آكد أدعية الصلاة...».
وقال ابن القيم أيضًا ([101]): «والشر المستعاذ منه نوعان: أحدهما: موجود، يطلب رفعه، والثاني: معدوم، يطلب بقاؤه على العدم، وأن لا يوجد؛ كما أن الخير المطلق نوعان: أحدهما: موجود، فيطلب دوامه وثباته، وأن لا يسلبه، والثاني: معدوم، فيطلب وجوده وحصوله؛ فهذه أربعة هي أمهات مطالب السائلين من رب العالمين، وعليها مدار طلباتهم.
وقد جاءت هذه المطالب الأربعة في قوله تعالى حكاية عن دعاء عباده في آخر آل عمران في قوله: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا}؛ فهذا الطلب لدفع الشر الموجود؛ فإن الذنوب والسيئات شر، كما تقدم بيانه، ثم قال: {وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ}؛ فهذا طلب لدوام الخير الموجود - وهو الإيمان - حتى يتوفاهم عليه؛ فهذان قسمان، ثم قال: {رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ}؛ فهذا طلب للخير المعدوم أن يؤتيهم إياه، ثم قال: {وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ}([102])؛ فهذا طلب أن لا يوقع بهم الشر المعدوم، وهو خزي يوم القيامة؛ فانتظمت الآيتان المطالب الأربعة أحسن انتظام، مرتبة أحسن ترتيب، قدم فيها النوعان اللذان في الدنيا، وهما المغفرة ودوام الإسلام إلى الموت، ثم أتبعا بالنوعين اللذين في الآخرة؛ وهما أن يعطوا ما وعدوه على ألسنة رسله، وأن لا يخزيهم يوم القيامة».
قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ}: هذا هو المستعاذ منه الثاني في هذه السورة، وهو والمستعاذ منه الثالث والرابع كلها داخلة ضمن المستعاذ منه الأول، وهو قوله: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} من باب التخصيص بعد التعميم ([103]).
والغاسق هو الليل وظلمته؛ يقال غسق الليل وأغسق الليل إذا أظلم ([104])، ومنه قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ}([105]).
وقوله: {إِذَا وَقَبَ} أي: إذا أقبل ودخل في كل شيء، والوقوب: الدخول، وهو دخول الليل بغروب الشمس ([106]).
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: «أخذ النبي r بيدي، فنظر إلى القمر فقال: «يا عائشة استعيذي بالله من شر هذا؛ فإن هذا هو الغاسق إذا وقب»([107]).
فالقمر غاسق إذا وقب، أي: إذا غاب، والليل غاسق إذا دخل بظلمته كل شيء([108]).
وقيل: المراد بغسق الليل: برودته ([109]).
قال ابن القيم ([110]): «ولا تنافي بين القولين؛ فإن الليل بارد ومظلم، فمن ذكر برده فقط، أو ظلمته فقط اقتصر على أحد وصفيه
([1])سورة النمل، آية: 65.
([2])أخرجه الإمام أحمد في «المسند» 5/133، 134، والترمذي في التفسير – تفسير سورة الإخلاص 3424، والطبري في «جامع البيان» 30،221 – الطبعة الحلبية وابن أبي حتم في «تفسيره» 10/3474 – الأثر 19532.
([3])أخرجه الطبري في «جامع البيان» 30/221، وذكره ابن كثير في «تفسيره» 8/538. وقال «إسناده مقارب» وقال ابن كثير أيضا – بعدما ذكر رواية ابن جرير له قال: «وقد أرسله غير واحد من السلف».
وقد روي من طريق أبي وائل عن عبد الله بن مسعود t قال: «قالت قريش لرسول الله r: انسب لنا ربك» فنزلت هذه السورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. ذكره ابن كثير في «تفسيره» 8/538 وقال: «قال الطبراني: رواه الفريابي وغيره عن أبي وائل مرسلاً».
([4])أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» 10/3474 – الأثر 19534، وفي رواية عن يوسف بن عبد الله بن سلام أن عبد الله بن سلام قال: يا رسول الله أنعت لنا ربك، فأنزل الله هذه السورة، فأسلم عبد الله بن سلام» أخرجها ابن أبي حاتم – الأثر 19533.
([5])انظر «الكشاف» 4/234، «تسير الكريم الرحمن» 7/686.
([6])أخرجه البخاري في التوحيد 7375، ومسلم في صلاة المسافرين – فضل قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، 813، والنسائي في الافتتاح – الفضل في قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 993.
([7])أخرجه البخاري معلقًا في كتاب الأذان 774، والترمذي في فضائل القرآن – ما جاء في سورة الإخلاص 2901، وقال: «غريب من حديث عبيد الله بن ثابت، وأخرجه أحمد 3/141 مختصرًا عن أنس قال: جاء رجل إلى رسول الله r - فقال: «إني أحب هذه السورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}». فقال رسول الله r: «حبك إياها أدخلك الجنة».
([8])أخرجه الترمذي في فضائل القرآن – ما جاء في سورة الإخلاص 2897، ومالك في الموطأ – كتاب القرآن – ما جاء في قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} حديث 484.
([9])أخرجه أحمد 3/437 وقال ابن كثير في «تفسيره» 8/544: «تفرد به أحمد» وأخرجه الدارمي في مسنده من حديث سعيد بن المسيب بأطول من هذا، ذكره ابن كثير في «تفسيره» 8/544 وقال: «مرسل جيد».
([10])أخرجه البخاري في الأيمان – باب كيف كان يمين النبي r، 6643، وفي فضائل القرآن – فضل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 5013، 5014، وفي التوحيد 7374، وأخرجه أبو داود في الصلاة 1461، والنسائي في الافتتاح 995. وروى نحوه من حديث أبي مسعود البدري t أحمد 4/122، وابن ماجه في الآداب – ثواب القرآن 3789.
([11])أخرجه البخاري في فضائل القرآن – باب فضل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 5015 وقد أخرج مسلم في صلاة المسافرين – فضل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 811، وأحمد 1/477 – من حديث أبي الدرداء t نحوه. وكذلك روى نحوه من حديث أبي أيوب الأنصاري - رحمه الله - عنه، أخرجه أحمد 5/418-419، والترمذي في فضائل القرآن، فضل سورة الإخلاص 2896.
ومن حديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط قالت: قال رسول الله r: «{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن». رواه النسائي في اليوم والليلة. انظر: «تفسير ابن كثير» 8/542.
([12])أخرجها البخاري في فضائل القرآن 5014، وأحمد 3/15 – وروي معنى هذا من حديث أبي أيوب الأنصاري t، أخرجه أحمد 2/173.
([13])أخرجه مسلم في الصلاة، باب فضل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 812، والترمذي في فضائل القرآن – ما جاء في سورة الإخلاص 2900، وابن ماجه في الأدب 3787. وروي من حديث أبي بن كعب t، أو رجل من الأنصار قال: قال رسول الله r: «من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فكأنما قرأ بثلث القرآن». رواه أحمد فيما ذكره ابن كثير في «تفسيره» 8/541.
([14])أخرجه أبو داود في الأدب، باب ما يقول إذا أصبح 5082، والنسائي في الاستعاذة 5428، 5429، والترمذي في الدعوات 3575. وحسنه الألباني، وأحمد 5/312.
([15])في هذا التوجيه الكريم: التحذير من فضول الكلام، وفضول مخالطة الأنام، والحث على صدق الإنابة والتوبة من الآثام – والله المستعان.
([16])هذه الصفات الثلاث لا تتوفر إلا لمن وفقه للتذرع بالصبر كما قال عز وجل {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} سورة فصلت، الآية (35).
([17])أخرجه أحمد 4/158-159، والترمذي مختصرًا وليس فيه ذكر خيرية هذه السور في الزهد – ما جاء في حفظ اللسان 2406، وقال: «حديث حسن».
وهذا الحديث إن صح لا يعارض ما ثبت في صحيح البخاري وغيره من حديث أبي سعيد بن المعلى وغيره من أن سورة الفاتحة هي أفضل وأعظم سورة في القرآن، وتكون خيرية هذه السور الثلاث بين سور القرآن ما عدا سورة الفاتحة التي هي أفضل سورة في القرآن بدلالة الكتاب والسنة وإجماع الأمة.
([18])أخرجه البخاري في فضائل القرآن – باب المعوذات 5017، وأبو داود في الأدب ما يقال عند النوم 5056، والترمذي في أبواب الدعوات – ما يقرأ من القرآن عند النوم 3402، وابن ماجه في الدعاء، ما يدعو به إذا أوى إلى فراشه 3875.
([19])أخرجه أبو داود في الوتر – باب الدعاء 1493، والترمذي في أبواب الدعوات – جامع الدعوات 3475، وابن ماجه في الدعاء – باب اسم الله الأعظم 3857. وصححه الألباني.
([20])في «تيسير الكريم الرحمن» 7/686.
([21])انظر «دقائق التفسير» 6/366.
([22])في «تفسيره» 8/547، وانظر «الجامع لأحكام القرآن» 20/244.
([23])في «تيسير الكريم الرحمن» 7/686.
([24])انظر «دقائق التفسير» 6/366-376.
([25])انظر «الكشاف» 4/242، «الجامع لأحكام القرآن 2/245، «تيسير الكريم الرحمن» 7/686.
([26])سورة النحل، آية: 53.
([27])سورة النحل، آية: 62.
([28])سورة الإسراء، آية: 67.
([29])سورة الأنعام، الآيتان: 63، 64.
([30])انظر «جامع البيان» 30/222-223، «تفسير ابن أبي حاتم» 10/3474، وانظر مادة «حمد» في «الصحاح» للجوهري، و«لسان العرب» وانظر «الجامع لأحكام القرآن» 20/245، «تفسير ابن كثير» 8/547.
([31])انظر «دقائق التفسير» 6/356-369.
([32])في «تفسيره» 8/547-548.
([33])سورة المؤمنون، آية: 91.
([34])سورة الجن، آية: 3.
([35])سورة الأنعام، آية: 101.
([36])سورة مريم، الآيات: 88-92.
([37])سورة الأنبياء، آية: 26.
([38])سورة الصافات، الآيتان: 158، 159.
([39])انظر «الكشاف» 4/242، «تفسير ابن كثير» 8/547.
([40])سورة الإنسان، آية: 1.
([41])سورة الرحمن، الآيتان: 26، 27,
([42])سورة الحديد، آية: 3.
([43])انظر «الكشاف» 4/242.
([44])سورة الشورى، آية: 11.
([45])في «تفسيره» 8/547، وانظر «الجامع لأحكام القرآن» 20/247.
([46])في «تيسير الكريم الرحمن» 7/686.
([47])انظر «الكشاف» 4/242، «تفسير ابن كثير» 8/547.
([48])سورة الأنعام، آية: 101.
([49])سورة الجن، آية: 3.
([50])سورة الزخرف، الآيتان: 15، 16.
([51])سورة الزخرف، الآية: 19.
([52])سورة النجم، الآيتان: 21، 22.
([53])كما قال تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} سورة يس الآية (78).
([54])أخرجه البخاري في التفسير 4974، 4975، والنسائي في الجنائز 2078.
([55])أخرجه البخاري في الأدب 6099، ومسلم في صفة القيامة، 2804.
([56])سورة الحديد، الآية: 3.
([57])سورة الشورى، الآية: 11.
([58])سورة مريم، الآية: 65، وانظر: «دقائق التفسير» 6/471.
([59])أخرجه النسائي في الاستعاذة 5494، والترمذي في الطب 2058 – وقال: «حديث حسن غريب» وابن ماجه في الطب 3511 – من حديث أبي سعيد t، وصححه الألباني.
([60])انظر «التفسير القيم» ص600.
([61])انظر «التفسير القيم» ص567، «تفسير ابن كثير» 8/557.
([62])أخرجه مسلم في صلاة المسافرين – باب فضل قراءة المعوذتين 814، والنسائي في الافتتاح 953، والترمذي في التفسير – تفسير المعوذتين 3367، وأحمد 4/144، 146، 149، 150.
([63])أخرجه أبو داود في الوتر 1462، والنسائي في الاستعاذة 5024، 5025، وصححه الألباني.
([64])أخرجه أبو داود في الصلاة 1523، والنسائي في السهو 1336، والترمذي في فضائل القرآن 2903، وقال: «غريب». وأحمد 4/155، وصححه الألباني. وانظر «تفسير ابن كثير» 8/551-553.
([65])أخرجه النسائي في الاستعاذة وصححه الألباني 5432.
([66])أخرجه البخاري في فضائل القرآن 5018، ومسلم في السلام 2192، وأبو داود في الطب، 3902، وابن ماجه في الطب 3529.
([67])انظر «التفسير القيم» ص537.
([68])أخرجه أبو داود في الحدود 4403، والترمذي في الحدود 1423، وابن ماجه في الطلاق 2042 – من حديث علي بن أبي طالب t، وقال الترمذي: «حديث حسن غريب». وصححه الألباني.
([69])أخرجه البخاري في تفسير سورة الناس 4976، 4977.
([70])انظر «لسان العرب» مادة «عوذ» وانظر كتابنا «اللباب في تفسير الاستعاذة والبسملة وفاتحة الكتاب».
([71])سورة النساء، آية: 23.
([72])سورة البقرة، آية: 255.
([73])سورة يوسف، آية: 49.
([74])سورة الصافات، آية: 180.
([75])انظر «اللباب» ص226.
([76])سورة يوسف، آية: 50.
([77])سورة آل عمران، آية: 193.
([78])انظر «الكشاف» 4/243، «الجامع لأحكام القرآن» 20/255.
([79])انظر «تيسير الكريم الرحمن» 7/687.
([80])سورة الأنعام، آية: 95.
([81])سورة الأنعام، آية: 96، وانظر «صحيح البخاري مع فتح الباري» تفسير سورة الفلق 8/741، «جامع البيان» 30/325، «تفسير ابن أبي حاتم» 10/3475، «الجامع لأحكام القرآن» 20/254، «تفسير ابن كثير» 8/553، 554.
([82])سورة البقرة، آية: 261.
([83])سورة الرعد، آية: 4.
([84])أخرجه البخاري في بدء الوحي 3، ومسلم في الإيمان 160، وأحمد 6/153، 232 – من حديث عائشة رضي الله عنها.
([85])انظر «الكشاف» 4/243.
([86])انظر «دقائق التفسير» 6/496.
([87])انظر «التفسير القيم» ص562.
([88])انظر «الكشاف» 4/143ـ «تفسير ابن كثير» 8/554.
([89])انظر «التفسير القيم» ص556، وانظر «دقائق التفسير» 6/510.
([90])انظر «التفسير القيم» ص: 556.
([91])أخرجه أبو داود في الجهاد 2603 – من حديث ابن عمر t وضعفه الألباني.
([92])أخرجه مسلم في الذكر والدعاء 2708، والترمذي في الدعوات 3437، وابن ماجه في الطب 3547 – من حديث خولة بنت حكيم رضي الله عنها.
([93])أخرجه أحمد 3/419 – من حديث عبد الرحمن بن خنبش t.
([94])سورة الروم، آية: 41.
([95])انظر «التفسير القيم» ص544-548.
([96])سورة الرعد، آية: 11.
([97])سورة الأنفال، آية: 53.
([98])هذان البيتان لعلي بن أبي طالب t. انظر «ديوانه» ص175، 176 – جمع نعيم زرزورة، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
([99])سورة الفجر، آية: 24.
([100])سورة الزمر، آية: 56.
([101])انظر «التفسير القيم» ص548.
([102])سورة آل عمران، الآيتان: 193، 194.
([103])انظر «الكشاف» 4/244، «تيسير الرحمن» 7/687.
([104])انظر «لسان العرب» مادة «غسق».
([105])سورة الإسراء، آية: 17.
([106])انظر «جامع البيان» 30/226-227، «تفسير ابن أبي حاتم» 10/3475، «الكشاف» 4/234، «التفسير القيم» ص557، «تفسير ابن كثير» 8/554-555، «فتح الباري» 8/741.
([107])أخرجه الترمذي في «التفسير» 3366. وقال «حديث حسن صحيح».
([108])انظر «لسان العرب» مادة «وقب» التفسير القيم» ص558.
([109])انظر «الجامع لأحكام القرآن» 20/256-257، «دقائق التفسير» 6/496.
([110])انظر «التفسير القيم» ص558.
([2])أخرجه الإمام أحمد في «المسند» 5/133، 134، والترمذي في التفسير – تفسير سورة الإخلاص 3424، والطبري في «جامع البيان» 30،221 – الطبعة الحلبية وابن أبي حتم في «تفسيره» 10/3474 – الأثر 19532.
([3])أخرجه الطبري في «جامع البيان» 30/221، وذكره ابن كثير في «تفسيره» 8/538. وقال «إسناده مقارب» وقال ابن كثير أيضا – بعدما ذكر رواية ابن جرير له قال: «وقد أرسله غير واحد من السلف».
وقد روي من طريق أبي وائل عن عبد الله بن مسعود t قال: «قالت قريش لرسول الله r: انسب لنا ربك» فنزلت هذه السورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. ذكره ابن كثير في «تفسيره» 8/538 وقال: «قال الطبراني: رواه الفريابي وغيره عن أبي وائل مرسلاً».
([4])أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» 10/3474 – الأثر 19534، وفي رواية عن يوسف بن عبد الله بن سلام أن عبد الله بن سلام قال: يا رسول الله أنعت لنا ربك، فأنزل الله هذه السورة، فأسلم عبد الله بن سلام» أخرجها ابن أبي حاتم – الأثر 19533.
([5])انظر «الكشاف» 4/234، «تسير الكريم الرحمن» 7/686.
([6])أخرجه البخاري في التوحيد 7375، ومسلم في صلاة المسافرين – فضل قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، 813، والنسائي في الافتتاح – الفضل في قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 993.
([7])أخرجه البخاري معلقًا في كتاب الأذان 774، والترمذي في فضائل القرآن – ما جاء في سورة الإخلاص 2901، وقال: «غريب من حديث عبيد الله بن ثابت، وأخرجه أحمد 3/141 مختصرًا عن أنس قال: جاء رجل إلى رسول الله r - فقال: «إني أحب هذه السورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}». فقال رسول الله r: «حبك إياها أدخلك الجنة».
([8])أخرجه الترمذي في فضائل القرآن – ما جاء في سورة الإخلاص 2897، ومالك في الموطأ – كتاب القرآن – ما جاء في قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} حديث 484.
([9])أخرجه أحمد 3/437 وقال ابن كثير في «تفسيره» 8/544: «تفرد به أحمد» وأخرجه الدارمي في مسنده من حديث سعيد بن المسيب بأطول من هذا، ذكره ابن كثير في «تفسيره» 8/544 وقال: «مرسل جيد».
([10])أخرجه البخاري في الأيمان – باب كيف كان يمين النبي r، 6643، وفي فضائل القرآن – فضل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 5013، 5014، وفي التوحيد 7374، وأخرجه أبو داود في الصلاة 1461، والنسائي في الافتتاح 995. وروى نحوه من حديث أبي مسعود البدري t أحمد 4/122، وابن ماجه في الآداب – ثواب القرآن 3789.
([11])أخرجه البخاري في فضائل القرآن – باب فضل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 5015 وقد أخرج مسلم في صلاة المسافرين – فضل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 811، وأحمد 1/477 – من حديث أبي الدرداء t نحوه. وكذلك روى نحوه من حديث أبي أيوب الأنصاري - رحمه الله - عنه، أخرجه أحمد 5/418-419، والترمذي في فضائل القرآن، فضل سورة الإخلاص 2896.
ومن حديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط قالت: قال رسول الله r: «{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن». رواه النسائي في اليوم والليلة. انظر: «تفسير ابن كثير» 8/542.
([12])أخرجها البخاري في فضائل القرآن 5014، وأحمد 3/15 – وروي معنى هذا من حديث أبي أيوب الأنصاري t، أخرجه أحمد 2/173.
([13])أخرجه مسلم في الصلاة، باب فضل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 812، والترمذي في فضائل القرآن – ما جاء في سورة الإخلاص 2900، وابن ماجه في الأدب 3787. وروي من حديث أبي بن كعب t، أو رجل من الأنصار قال: قال رسول الله r: «من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فكأنما قرأ بثلث القرآن». رواه أحمد فيما ذكره ابن كثير في «تفسيره» 8/541.
([14])أخرجه أبو داود في الأدب، باب ما يقول إذا أصبح 5082، والنسائي في الاستعاذة 5428، 5429، والترمذي في الدعوات 3575. وحسنه الألباني، وأحمد 5/312.
([15])في هذا التوجيه الكريم: التحذير من فضول الكلام، وفضول مخالطة الأنام، والحث على صدق الإنابة والتوبة من الآثام – والله المستعان.
([16])هذه الصفات الثلاث لا تتوفر إلا لمن وفقه للتذرع بالصبر كما قال عز وجل {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} سورة فصلت، الآية (35).
([17])أخرجه أحمد 4/158-159، والترمذي مختصرًا وليس فيه ذكر خيرية هذه السور في الزهد – ما جاء في حفظ اللسان 2406، وقال: «حديث حسن».
وهذا الحديث إن صح لا يعارض ما ثبت في صحيح البخاري وغيره من حديث أبي سعيد بن المعلى وغيره من أن سورة الفاتحة هي أفضل وأعظم سورة في القرآن، وتكون خيرية هذه السور الثلاث بين سور القرآن ما عدا سورة الفاتحة التي هي أفضل سورة في القرآن بدلالة الكتاب والسنة وإجماع الأمة.
([18])أخرجه البخاري في فضائل القرآن – باب المعوذات 5017، وأبو داود في الأدب ما يقال عند النوم 5056، والترمذي في أبواب الدعوات – ما يقرأ من القرآن عند النوم 3402، وابن ماجه في الدعاء، ما يدعو به إذا أوى إلى فراشه 3875.
([19])أخرجه أبو داود في الوتر – باب الدعاء 1493، والترمذي في أبواب الدعوات – جامع الدعوات 3475، وابن ماجه في الدعاء – باب اسم الله الأعظم 3857. وصححه الألباني.
([20])في «تيسير الكريم الرحمن» 7/686.
([21])انظر «دقائق التفسير» 6/366.
([22])في «تفسيره» 8/547، وانظر «الجامع لأحكام القرآن» 20/244.
([23])في «تيسير الكريم الرحمن» 7/686.
([24])انظر «دقائق التفسير» 6/366-376.
([25])انظر «الكشاف» 4/242، «الجامع لأحكام القرآن 2/245، «تيسير الكريم الرحمن» 7/686.
([26])سورة النحل، آية: 53.
([27])سورة النحل، آية: 62.
([28])سورة الإسراء، آية: 67.
([29])سورة الأنعام، الآيتان: 63، 64.
([30])انظر «جامع البيان» 30/222-223، «تفسير ابن أبي حاتم» 10/3474، وانظر مادة «حمد» في «الصحاح» للجوهري، و«لسان العرب» وانظر «الجامع لأحكام القرآن» 20/245، «تفسير ابن كثير» 8/547.
([31])انظر «دقائق التفسير» 6/356-369.
([32])في «تفسيره» 8/547-548.
([33])سورة المؤمنون، آية: 91.
([34])سورة الجن، آية: 3.
([35])سورة الأنعام، آية: 101.
([36])سورة مريم، الآيات: 88-92.
([37])سورة الأنبياء، آية: 26.
([38])سورة الصافات، الآيتان: 158، 159.
([39])انظر «الكشاف» 4/242، «تفسير ابن كثير» 8/547.
([40])سورة الإنسان، آية: 1.
([41])سورة الرحمن، الآيتان: 26، 27,
([42])سورة الحديد، آية: 3.
([43])انظر «الكشاف» 4/242.
([44])سورة الشورى، آية: 11.
([45])في «تفسيره» 8/547، وانظر «الجامع لأحكام القرآن» 20/247.
([46])في «تيسير الكريم الرحمن» 7/686.
([47])انظر «الكشاف» 4/242، «تفسير ابن كثير» 8/547.
([48])سورة الأنعام، آية: 101.
([49])سورة الجن، آية: 3.
([50])سورة الزخرف، الآيتان: 15، 16.
([51])سورة الزخرف، الآية: 19.
([52])سورة النجم، الآيتان: 21، 22.
([53])كما قال تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} سورة يس الآية (78).
([54])أخرجه البخاري في التفسير 4974، 4975، والنسائي في الجنائز 2078.
([55])أخرجه البخاري في الأدب 6099، ومسلم في صفة القيامة، 2804.
([56])سورة الحديد، الآية: 3.
([57])سورة الشورى، الآية: 11.
([58])سورة مريم، الآية: 65، وانظر: «دقائق التفسير» 6/471.
([59])أخرجه النسائي في الاستعاذة 5494، والترمذي في الطب 2058 – وقال: «حديث حسن غريب» وابن ماجه في الطب 3511 – من حديث أبي سعيد t، وصححه الألباني.
([60])انظر «التفسير القيم» ص600.
([61])انظر «التفسير القيم» ص567، «تفسير ابن كثير» 8/557.
([62])أخرجه مسلم في صلاة المسافرين – باب فضل قراءة المعوذتين 814، والنسائي في الافتتاح 953، والترمذي في التفسير – تفسير المعوذتين 3367، وأحمد 4/144، 146، 149، 150.
([63])أخرجه أبو داود في الوتر 1462، والنسائي في الاستعاذة 5024، 5025، وصححه الألباني.
([64])أخرجه أبو داود في الصلاة 1523، والنسائي في السهو 1336، والترمذي في فضائل القرآن 2903، وقال: «غريب». وأحمد 4/155، وصححه الألباني. وانظر «تفسير ابن كثير» 8/551-553.
([65])أخرجه النسائي في الاستعاذة وصححه الألباني 5432.
([66])أخرجه البخاري في فضائل القرآن 5018، ومسلم في السلام 2192، وأبو داود في الطب، 3902، وابن ماجه في الطب 3529.
([67])انظر «التفسير القيم» ص537.
([68])أخرجه أبو داود في الحدود 4403، والترمذي في الحدود 1423، وابن ماجه في الطلاق 2042 – من حديث علي بن أبي طالب t، وقال الترمذي: «حديث حسن غريب». وصححه الألباني.
([69])أخرجه البخاري في تفسير سورة الناس 4976، 4977.
([70])انظر «لسان العرب» مادة «عوذ» وانظر كتابنا «اللباب في تفسير الاستعاذة والبسملة وفاتحة الكتاب».
([71])سورة النساء، آية: 23.
([72])سورة البقرة، آية: 255.
([73])سورة يوسف، آية: 49.
([74])سورة الصافات، آية: 180.
([75])انظر «اللباب» ص226.
([76])سورة يوسف، آية: 50.
([77])سورة آل عمران، آية: 193.
([78])انظر «الكشاف» 4/243، «الجامع لأحكام القرآن» 20/255.
([79])انظر «تيسير الكريم الرحمن» 7/687.
([80])سورة الأنعام، آية: 95.
([81])سورة الأنعام، آية: 96، وانظر «صحيح البخاري مع فتح الباري» تفسير سورة الفلق 8/741، «جامع البيان» 30/325، «تفسير ابن أبي حاتم» 10/3475، «الجامع لأحكام القرآن» 20/254، «تفسير ابن كثير» 8/553، 554.
([82])سورة البقرة، آية: 261.
([83])سورة الرعد، آية: 4.
([84])أخرجه البخاري في بدء الوحي 3، ومسلم في الإيمان 160، وأحمد 6/153، 232 – من حديث عائشة رضي الله عنها.
([85])انظر «الكشاف» 4/243.
([86])انظر «دقائق التفسير» 6/496.
([87])انظر «التفسير القيم» ص562.
([88])انظر «الكشاف» 4/143ـ «تفسير ابن كثير» 8/554.
([89])انظر «التفسير القيم» ص556، وانظر «دقائق التفسير» 6/510.
([90])انظر «التفسير القيم» ص: 556.
([91])أخرجه أبو داود في الجهاد 2603 – من حديث ابن عمر t وضعفه الألباني.
([92])أخرجه مسلم في الذكر والدعاء 2708، والترمذي في الدعوات 3437، وابن ماجه في الطب 3547 – من حديث خولة بنت حكيم رضي الله عنها.
([93])أخرجه أحمد 3/419 – من حديث عبد الرحمن بن خنبش t.
([94])سورة الروم، آية: 41.
([95])انظر «التفسير القيم» ص544-548.
([96])سورة الرعد، آية: 11.
([97])سورة الأنفال، آية: 53.
([98])هذان البيتان لعلي بن أبي طالب t. انظر «ديوانه» ص175، 176 – جمع نعيم زرزورة، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
([99])سورة الفجر، آية: 24.
([100])سورة الزمر، آية: 56.
([101])انظر «التفسير القيم» ص548.
([102])سورة آل عمران، الآيتان: 193، 194.
([103])انظر «الكشاف» 4/244، «تيسير الرحمن» 7/687.
([104])انظر «لسان العرب» مادة «غسق».
([105])سورة الإسراء، آية: 17.
([106])انظر «جامع البيان» 30/226-227، «تفسير ابن أبي حاتم» 10/3475، «الكشاف» 4/234، «التفسير القيم» ص557، «تفسير ابن كثير» 8/554-555، «فتح الباري» 8/741.
([107])أخرجه الترمذي في «التفسير» 3366. وقال «حديث حسن صحيح».
([108])انظر «لسان العرب» مادة «وقب» التفسير القيم» ص558.
([109])انظر «الجامع لأحكام القرآن» 20/256-257، «دقائق التفسير» 6/496.
([110])انظر «التفسير القيم» ص558.
تعليق