تطهير فلسطين عرقياً في العام 1948
بقلم: الدكتور إيلان بابيه
لسنوات طويلة بدا مصطلح النكبة ؟ الكارثة الإنسانية ؟ مصطلحا كافيا لتقديم (وصف) كل من أحداث العام 1948 في فلسطين وتأثير تلك الأحداث على حياتنا اليومية. أعتقد أن الوقت قد حان لاستخدام مصطلح آخر وهو التطهير العرقي في فلسطين. فمصطلح النكبة لا يتضمن أي إشارة مباشرة إلى من يقف وراء الكارثة ؟ بمعنى: يمكن لأي شيء أن يسبب دماراً في فلسطين ويمكن أن يكون ذلك الفلسطينيون أنفسهم. لكن لن يكون الأمر كذلك عند استخدام مصطلح التطهير العرقي، فهذا المصطلح يتضمن اتهاماً وإشارة مباشرين إلى مرتكبيها، ليس فقط في الماضي وإنما في الحاضر أيضا. والأهم من ذلك بكثير أنها تربط سياسات، مثل تلك التي أدت إلى دمار فلسطين في العام 1948 بأيديولوجية معينة.
وحيث أن تلك الأيديولوجية ما زالت الأساس لسياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين أينما حلّوا -أي حيث تتواصل النكبة- أو بتعبير أكثر دقّة وقوّة حيث يتصاعد التطهير العرقي. بحلول الذكرى الثامنة والخمسين للنكبة، آن الأوان لاستخدام مصطلح التطهير العرقي بوضوح ودون أي تردد، باعتباره أفضل مصطلح قادر على وصف عملية طرد الفلسطينيين في العام 1948.
فالتطهير العرقي هو جريمة وأولئك الذين ارتكبوها هم ثلّة من المجرمين. في العام 1948، أصبحت قيادة الحركة الصهيونية حكومة لإسرائيل وارتكبت جرائم ضد الشعب الفلسطيني. وقد كانت الجريمة جريمة تطهير عرقي. التطهير العرقي ليس مصطلحا غير رسمي ولكنه اتهاما يتضمن منطلقات سياسية وقانونية وأخلاقية عميقة الأبعاد. أما معنى هذا المصطلح فقد تم تفسيره أثناء معالجة نتائج الحرب الأهلية التي دارت في البلقان في التسعينات من القرن الماضي. حيث هدف كل فعل من أفعال المجموعة العرقية المعينة إلى طرد المجموعة العرقية الأخرى بهدف تحويل منطقة مسكونة من قبل أعراق مختلطة إلى منطقة نقية عرقيا وهذا ما أطلق عليه التطهير العرقي. حيث يصبح الفعل سياسة تطهير عرقي بغض النظر عن الأساليب المستخدمة لتحقيقه. كل وسيلة ؟ ابتداءاً من الإقناع والتهديد وصولا إلى الطرد والقتل الجماعيين ؟ يبرر إسناد هذا المصطلح لتلك السياسات. بالإضافة إلى ذلك فإن السلوك نفسه يحدد التعريف به، ولذا اعتبرت بعض السياسات، سياسات تطهير عرقي من قبل المجتمع الدولي حتى في الحالات التي لم تكتشف أو تفضح فيه خطة أساسية لتنفيذ ذلك.
وبناء عليه فإن ضحايا التطهير العرقي هما كلا المجموعتين: التي هجرت جراء الخوف أو أولئك الذين طردوا بالقوة كجزء من عملية متواصلة. إذ توجد التعريفات والمراجع المذكورة آنفا على الصفحات الإلكترونية لوزارة الخارجية الأمريكية وصفحات الأمم المتحدة. تلك هي التعريفات الأساسية التي وجهت محكمة العدل الدولية في لاهاي عندما شرعت في محاكمة أولئك المسؤولين عن تنفيذ عمليات التطهير العرقي باعتبارهم أناس ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية.
تعليق