إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الرّيادة فـي حـروب وفتوحات أبي بكر الصّديق

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الرّيادة فـي حـروب وفتوحات أبي بكر الصّديق

    الرّيادة فـي حـروب وفتوحات أبي بكر الصّديق

    الدكتور محمّد ضاهر وتر

    من منشورات اتحاد الكتاب العرب 1999

    بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
    الحمد لله رب العالمين. الرحمن الرحيم. مالك يوم الدين. إيّاك نعبد وإياك نستعين. اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين.(1)‏
    اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على ابراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد. (2)‏
    ربّ أتمم نعمتك علي، وارض عني، واشرح لي صدري، ويسّر لي أمري، واحلل عقدة من لساني، واجعل لي مخرجاً من كل ضيق، وفرجاً من كل كرب وشدة، وكفّر عني سيآتي، وأعظم لي أجراً، وارحمني، وعلمني، وزدني علماً.‏
    ربّ اجعل هذا الكتاب سبيلاً إليك، ونفعاً لعبادك، والحمد لله رب العالمين.‏
    اللواء الركن‏
    الدكتور محمد ضاهر وتر‏
    (1) سورة الفاتحة.‏
    (2) البخاري ومسلم في (الدعوات)، وابن حنبل واللفظ له.‏


  • #2
    رد: الرّيادة فـي حـروب وفتوحات أبي بكر الصّديق

    تمهيد
    راد أبو بكر مجاهل العلم العسكري، فاستنبط مبادئه وأحكامه، بعد أن تتلمذ على صاحب الريادة الذي قال: "إن الرائد لا يكذب أهله"‏
    لقد وعى هذه الطريق فمهدها، وشمّر عن ساعديه بعد مبايعته ليكون رائد هذه الأمة التي تفرقت واختلفت بعد الرسول صلى الله عليه وسلم.(1)
    إن الاكتشاف من مرامي القيادة، فأبو بكر اكتشف قبل غيره ضرورة قتال من سولت له نفسه ترك الزكاة.(2) وإن الآية على الظاهر تدل على الباطن، فهو قد حمل جسماً رقيقاً في فؤاد كبير.(3) وإن الغدو والرواح يدلان على حركة الريادة ونشاطها، فهو الذي قاد بنفسه المعارك الأولى بكل حركة وفعالية.(4) وإن البصيرة من طبعها، فهو الذي أعلن عن موت الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن ذهل الناس والصحابة.(5) وعيّن عمر بن الخطاب ليكون من بعده أميراً،(6) وإن الحكمة من جوهرها، فهو الذي أبقى خالداً قائداً للجيوش العربية الإسلامية، ولم يسمع به لوشاية أحد قائلاً: "ياعمر ما كنت لأشيم سيفاً سله الله على الكافرين."(7) وإن الجديد والابتكار من صفتها، فهو الذي سيّر الجيوش المتلاقية، جيشاً من أسفل العراق بقيادة خالد ابن الوليد، وجيشاً من أعالي العراق بقيادة عياض بن غنم ليلتقيا فيما بعد بالحيرة،(8) وسيّر كذلك جيوشاً متلاقية في حروب الردة،(9) وكذلك في فتوح الشام(10) وإن الخطوة اللاحقة في الريادة أغنى من الخطوة السابقة وإن كانت الخطوات كلها اكتشافاً، فهو الذي خطا بحروب المرتدين وأعقبها بالخطوة التالية في قتال الفرس، وأتمها في محاربة الروم.(11) وإن التوازن بين النقيضين يوصل إلى خير مستقر، فهو الذي وازن بين السلم والحرب، وبين العدل والظلم، وبين الحق والباطل، وبين الاستقامة والزيغ.(12) وبعد: أتتحقق الريادة(13) دون أن يرافقها صعوبات!؟ كلا إنها الصعوبات التي لابد منها منذ علا أبو بكر سدة القيادة وحتى رحيله من الدنيا.(14)
    لم تكن قيادته سوى سنتين ونيف،(15) ومع أنها فترة قليلة في عمر الزمن إلا أنها كانت مليئة بالانجازات على جميع الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، وعلى المستويين الداخلي والخارجي. ولعل أبرز هذه الانجازات والتي تهمنا في هذا المقام هي الناحية العسكريّة.‏
    لقد كان لماضيه العسكري مع الرسول صلى الله عليه وسلم أثر بارز في تنظيم وعمل وقيادة القوات المسلحة على المستويين التكتيكي والاستراتيجي(16) فهو الذي حرك أحد عشر تشكيلاً قتالياً إلى جبهات مختلفة من أراضي الجزيرة العربية،(17) وقاد هذا العدد من مركز القيادة من المدينة المنورة، وهو الذي وجّه تشكيلين كبيرين إلى العراق، وأعطاهما التعليمات القتالية التي تدل على براعة في القيادة، وعلى اتساع أفقه الاستراتيجي،(18) وهو الذي وجّه أربعة جيوش إلى الشام وأمرها بقتال الروم،(19) وحدد لها الاتجاهات والمهام التفصيلية، كما لو كانت هناك خريطة أمامه، ومجسّم تظهر عليه الهيئات الأرضية، كما لو كان في الوقت الحاضر قائد يشرح لمرؤوسيه الموقف القتالي على صندوق من الرمل.‏
    إنه النظر الثاقب الذي أوتيه أبو بكر،(20) والتخطيط والتنظيم والعمل العسكري على المستوى الاستراتيجي،(21) والأهم من هذا هو التوافق بين التخطيط والتنفيذ. وهناك كثير من القادة العسكريين قصروا عن إدراك هذه الناحية المهمة، كما أن هناك عدداً منهم برز في التخطيط وقصّر بالتنفيذ وبالعكس؛ أما أبو بكر فقد أجاد بهذا وذاك، مدركاً ومتأكداً من تلازمهما.(22)
    اعتمد في قتاله مع أعدائه على مبدأ الهجوم؛ إنه إن تحرك فإنما كان يتحرك لكي يهاجم المرتدين في عقر دارهم،(23) ويباغت الفرس في أرضهم وديارهم،(24) وينقض على الروم في معاقلهم وحصونهم،(25) مركزاً بذلك على الاتجاه الرئيسي الذي يتصف بالأهمية، وعلى النقاط الضعيفة منه، موزعاً قواته بشكل غير متساو، بغية الوصول إلى النقطة الحاسمة، أو الهدف الهام في كل اتجاه، مؤمناً بذلك التفوق في الزمان والمكان، ومحققاً الغلبة على القوات المعادية في أقصر وقت ممكن.‏
    إن عامل الوقت مهم جداً في القتال التكتيكي والعملياتي والاستراتيجي، لذا فقد اختار أبو بكر الصديق لتحقيق هذا العامل قادة من أبرز القادة وفي طليعتهم خالد بن الوليد(26) الذي تميز بسرعة عملياته القتالية، ومناوراته البارعة. وإذا دققنا النظر في هذه الحروب فإن القائد العسكري ليعجب من هذه السرعة التي لو سارتها الجيوش دون معارك لما قطعت هذه المسافة، أو احتلت تلك المساحة في فترة خلافة أبي بكر الصديق، فقد خاضت الجيوش العربية أكثر من خمس وعشرين معركة،(27) وقطعت مسافة أكثر من عشرة آلاف كيلو متر، واستولت على مساحة من الأرض كبيرة، شملت أراضي الجزيرة العربية، وجزءاً من أرض العراق وبلاد الشام.‏
    إن ما يميز القادة إنما هي الصفات الانسانية التي يتحلون بها، ورحمتهم لمرؤوسيهم، والعطف الأبوي الذي ينشرونه على الإخوة والأبناء وبني البشر. فقد كان أبو بكر رحيماً بمن يليهم من خدم وأسارى،(28) رقيق القلب بكّاءً،(29) متسامحاً يعفو عن المسيء،(30) فلا يغضب لنفسه،(31) ولا يحقد على عدو. ولاعلى مبغضيه. ولقد كانت تعليماته إلى القادة الذين أرسلهم في مهمات قتالية تتضمن الرفق بالجنود، والمعاملة الحسنة، والابتعاد عن قتل الولد والشيخ والمرأة، وعن عقر البهيمة، وعن هدم الصوامع وإيذاء الرهبان فيها، ومن أقواله: "إذا سرت فلا تضيق على نفسك، ولا على أصحابك في مسيرك، ولا تغضب على قومك ولا على أصحابك.. وإذا نصرتم على عدوكم فلا تقتلوا ولداً ولا شيخاً ولا امرأة ولا طفلاً، ولا تعقروا بهيمة إلا للمأكول، ولا تغدروا إذا عاهدتم، ولا تنقضوا إذا صالحتم، وستمرون على قوم في الصوامع رهباناً.. فدعوهم ولا تهدموا صوامعهم.."(32)
    أما السبب في اختيار الباحث هذا الموضوع، فلأنه من الحقبة الزمنية التي تخصصّ بها، وهي: التاريخ في صدر الإسلام، ولأنه الحلقة المكملة والمتصلة بالحلقة التي سبقتها، ولأنه يعمّق ويؤصّل العقيدة القتالية التي أرسى قواعدها ومبادئها الرسول العربي محمد صلى الله عليه وسلم، ولأنه يظهر شخصية أبي بكر الصديق العسكرية، واستراتيجية حربه وفتوحاته.‏
    أولاً : التاريخ في صدر الإسلام. لقد تغلب العرب في هذا الصدر على أعظم دولتين هما الفرس والروم؛ ومن بعدها، تفرقوا قليلاً قليلاً، وتباعدوا عن الانتصار والوحدة إلا ما خلا بعض فترات متقطعة من الحكم.‏
    لقد حمل العرب في هذه الفترة أصولاً ومبادئ جعلتهم يتصدرون منزلة عظيمة بين الأمم؛ ولعل أهم هذه الأصول وأجداها: المعرفة المباشرة دون وساطة بين العربي وخالقه.(33) وهذا مما جعله ينبذ تلك الأصنام، وأولئك الكهنة الذين يتدخلون حين لا يجدي التدخل، والإذعان لله وحده دون الرؤساء والزعماء(34) والسيادة على أساس من الحق والمساواة.(35) والأمر المشترك أي الحكم الجماعي والشورى.(36) والاحتكام إلى العقل.(37) والتبحر في العلم.(38) والجمع بين الدين والدنيا، فللدين خصائصه الذاتية والروحية، وللدنيا الملذات الجسدية.(39) والاستفادة من السنن والقوانين الثابتة.(40) واستكناه الطبيعة وسبر أغوارها والكشف عن مجاهلها.(41) والاعتقاد بأن الحرب طبيعة في الإنسان اقتضتها ضرورة الدفاع ومسلمات السلام؛ ولهذا فلا يجوز إطلاقاً أن يفرض دين، أو تُرد ملّة، أو يساء إلى اعتقاد.(42) والنظر في التطوير وبما يرفع من شأن الإنسان وبما يزيد في علمه وبحثه، وهذا يتنافى مع الجمود أو الرجوع إلى الوراء أو الانحطاط. وصفوة القول: إن العقيدة الجديدة وما تحمله من أصول رفيعة، وأخلاق عظيمة، أثرت على عقلية العربي ونظرته الموضوعية للأشياء وسلوكه وأعماله، فنفت منها ما كان مخالفاً، وثبتت ماكان موافقاً.‏
    ثانياً : الحلقة المكملة. كان الباحث قد أعدّ دراسة سابقة في موضوع "الإدارة العسكرية في حروب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم"، ولما لهذه صلة وثيقة بالدراسة التي تبعتها وهي : "الريادة في حروب وفتوحات أبي بكر الصديق رضى الله عنه" آثر أن يكون أبو بكر الذي أعقب الرسول صلى الله عليه وسلم في القيادة هو المعني بهذه الحلقة. لقد تابع أبو بكر الطريق التي رسمها الرسول صلى الله عليه وسلم، فما حاد عنها أبداً ممثلاً بقوله : "والله لو منعوني عَنَاقاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه، (43) وممثلاً بقوله لعمر بن الخطاب في صلح الحديبية: "فاستمسك بغرزه."(44) وأكمل فأرسل بعث أسامة بن زيد، بناءً على ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم قبل موته، وضم هذا البعث كبار قادة الجيش من الصحابة، وحاول بعضهم ثني أبي بكر عما عزم عليه من إرسال هذا البعث فقال: "والذي نفس أبي بكر بيده لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته."(45) وهذا يدل دلالة قاطعة على أن الحلقة التالية هي تتمة للحلقة السابقة. إن هذه كانت متكاملة الجوانب والأوصاف كسابقتها قولاً وعملاً في الأخلاق والشمائل والحكمة والعقل والرؤية البعيدة والتخطيط والتنظيم والقرارات الحاسمة والقيادة المرنة المستمرة وفي الاتجاه العام في الجوانب السياسية والإقتصادية والفكرية والعسكرية.‏
    ثالثاً : العقيدة القتاليّة. إنها العقيدة التي جاء بها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وحياً من ربه إليه بلغة قومه قرآناً عربياً مبيناً، ومن السجايا العربية الفطرية. فلما جاء أبو بكر ساير هذه العقيدة، واستند في تأصيلها إلى قاعدتين أساسيتين أولاهما: الاتباع الصادق والأمين للرسول صلى الله عليه وسلم، وثانيتهما: التطوير المستند إلى العقل والتجربة، والبعد عن الجمود، والمتلائم مع ظروف الزمان والمكان. فهو الذي قاتلت قواته في أرض صحراوية وشبه صحراوية بحيث تبقى الأرض التي اعتادها المقاتل العربي كأساس للقتال عليها،(46) وهو الذي اتخذت قواته التشكيل القبلي في معاركها الحاسمة، وكانت تتصف بالمرونة وخفّة الحركة والمناورة السريعة،(47) كما شكلت "كراديس"(48) قتالية تتلاءم مع ظروف المعركة كما في معركة اليرموك،(49) ومجموعات يتفاوت عددها حسب المهمة الصعبة وطبيعة العدو والأرض،(50) واستخدمت الخيل في مكانها الصحيح، وأغلب الأمرأنها كانت تقاتل مستقلة، ونفذت الهجمات المعاكسة بأسلوب حديث ومبتكر، ونجح الهجوم المعاكس والهجوم العام، واشتركت النساء مع الرجال في المعارك التي دارت خارج شبه الجزيرة ولا سيما في معركة اليرموك،(51) فكان لها دور في القتال وفي الحراسة، وفي تحضير وتقديم الطعام، وفي رفع المعنويات،(52) وقد طبقت القوات العربية مبادئ الحرب في حروبها مع الفرس والروم.‏
    كان يهدف أبو بكر ويحاول دائماً رفع معنويات جيوشه، وإدخال النظم والأساليب القتالية الجديدة، ويثير فيهم روح الحماسة والشجاعة التي كانت في العرب فطرية، ويقوي فيهم روح الاحتمال، والصبر على المكاره؛(53) و إنه مما يثير الاهتمام والدراسة هو عبقرية القيادة عند أبي بكر وقادته الذين ولاهم قيادة الجيوش والتشكيلات.(54) وكذلك عبقرية التوحيد حيث استطاع الخليفة توحيد القبائل العربية كما كانت في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وسار بها ليفتح العالم في الشرق والغرب.(55)
    رابعاً : شخصية أبي بكر العسكريّة. ما إن استلم القيادة حتى تبين أنه رجل على قدر كبير من اتخاذ المواقف الحازمة؛ فقد اتخذ موقفاً صلباً ضد أولئك الذين تهاونوا أو ترددوا في بعث أسامة، وضد أولئك العرب المرتدين الذين فرقوا بين أركان الإسلام، وكذلك فإنه قرر فتح جبهة العراق ثم الشام، وخرج من حدود شبه جزيرة العرب ليسجل العرب أمجاداً وعزة وكرامة. وقد شكل قراره هذا منعطفاً تاريخياً في حياة العرب إلى يومنا هذا. أهذا الرجل الوديع اللطيف الذي حمل جسماً نحيفاً، تخرج منه هذه القرارات وهذه المواقف الحازمة‍!؟ إن أحداً لن يصدق بهذا سوى الذين عرفوه عن كثب، وخبروه عن تجربة.(56) ومما زاد في نجاح حزمه شجاعته التي كان يتصف بها؛ فقد قاد وحده معارك ذي القصة والربذة.(57) وقد شهد بهذه الشجاعة علي ابن أبي طالب.(58) وإذ قلنا بأنه صاحب العقل والحكمة؛ فإنما نعني من ذلك الرجل الذي أعلن عن موت الرسول صلى الله عليه وسلم حين وجل عمر والناس، وغابوا عن وعيهم(59) ، وذلك الرجل الذي أعلن عن خلافة عمر من بعده.(60)
    من أركان القيادة الأساسية، ومن مقوّمات الشخصية العسكرية العلم؛ فقد كان أبو بكر مثقفاً عالماً بذّ الصحابة، واعترفوا له بهذا الفضل، ورجعوا إليه في كل مسألة غامضة؛(61) كما كان على اطلاع واسع بالحروب، وبالخبرة القتالية، ويظهر ذلك من تعليماته القتالية لقادة جيوشه(62) ومن حسن تنفيذه وتوجيهه الجيوش وقيادتها على المستويين التكتيكي والاستراتيجي، والمناورة بها على جبهات واسعة وبعيدة، وتخطيطه لها في قتال التلاقي ولا سيما في العراق.(63)
    كل ذلك، ولهذه الأسباب جميعاً، تحملني على أن أفرد بحثاً خاصاً بأبي بكر الصديق، الذي أعاد وحدتهم، وشق لهم طريق النصر والفتوحات، وعمّ في فتحه الرحمة والإنسانية، وأسس في حربه عقيدة قتالية متجددة ومتطورة، مصدرها الإيمان، وعنوانها السّلام.(64)
    وإني وإن كنت مديناً، فإني مدين لرئيس قسم التاريخ في جامعة دمشق الذي أخذت الكثير من وقته وكتبه وتعليماته، والذي كان حريصاً على أن يكون هذا العمل رائداً ومكتملاً من كل الجوانب.‏
    ولا يفوتني إلا أن أشكر كل الذين شاركوا، أو اطلعوا، أو قرأوا بحثي هذا، فإليهم جميعاً كل تحية وتقدير.‏
    (1) البخاري- باب الأنبياء: 48، النسائي- باب الجهاد: 1، ابن واضح- تاريخ اليعقوبي 2/107.‏
    (2) البلاذري- فتوح البلدان: 103، ابن واضح- تاريخ اليعقوبي: 2/110، البلخي- البدء والتاريخ: 5/153، ابن عساكر- تهذيب تاريخ دمشق الكبير: 1/119.‏
    (3) ابن هشام- السيرة النبوية: 1/249، ابن سعد- الطبقات: 3/176، ابن الجوزي- تاريخ عمر بن الخطاب: 30، ابن عبد البر- الاستيعاب في معرفة الأصحاب: 3/973، النووي- تهذيب الأسماء واللغات: 2/ 1/ 181، الخضري- تاريخ الأمم الاسلامية: 1/ 196 وما بعدها، العقاد- عبقرية الصديق : 204.‏
    (4) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/ 478، 479، الذهبي- تاريخ الاسلام: 1/350، ابن خلدون- ديوان المبتدأ والخبر:2/2/66، غلوب-الفتوحات العربية الكبرى: 183.‏
    (5) ابن واضح- تاريخ اليعقوبي: 2/104 وما بعدها، ابن الجوزي- تاريخ عمر بن الخطاب: 47، أبو الفداء- المختصر في أخبار البشر: 1/156، الراوي- تاريخ الدولة العربية: 5.‏
    (6) الجاحظ- العثمانية: 86، الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/365، 448،الطبراني- المعجم الكبير: 1/13، ابن الجوزي- تاريخ عمر بن الخطاب: 50، 51، 56.‏
    (7) البلاذري- فتوح البلدان: 136، البلخي- البدء والتاريخ: 5/160، الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/503‏
    (8) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/553، 554، 573، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/ 384، 358.‏
    (9) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/ 529، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/ 143، ابن كثير- البداية والنهاية: 6/330.‏
    (10) ابن خياط- تاريخ ابن خياط: 119، البلاذري- فتوح البلدان: 150، عبد الحميد- معارك العرب الحاسمة: 24،25.‏
    (11) البلاذري- فتوح البلدان: 150، الطبري-تاريخ الأمم والملوك: 2/553، 554، الحموي- معجم البلدان: 3/24، ابن خلدون- ديوان المبتدأ والخبر: 2/2/66، وجدي- دائرة معارف القرن العشرين: 2/303‏
    (12) انظر خطبة أبي بكر بعد استلامه الخلافة وفيها تحديد لكل هذه الأشياء: الواقدي- فتوح الشام: 1/4، ابن هشام- السيرية النبوية: 2/ 661، ابن سعد- الطبقات: 3/ 182، 183، ابن قتيبة- الإمامة والسياسة: 1/ 14، ابن واضح- تاريخ اليعقوبي: 2/ 106.‏
    (13) مخطوط 95 صفحة) مستهلاً بالريادة ومعناها. كتبه لي الأستاذ الكبير محمد عنبر تعقيباً على كتاب: "الإدارة العسكرية في حروب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم".‏
    (14) انظر إلى كلام عائشة بنت أبي بكر تصف هذه الصعوبات التي لا تحتملها الجبال، ومع ذلك فقد حملها أبوها، البلاذري- فتوح البلدان: 132، الأفغاني- عائشة والسياسة: 215-217.‏
    (15) الواقدي- فتوح الشام: 1/ 37، الأزدي- فتوح الشام: 98، ابن خياط- تاريخ ابن خياط: 122‏
    (16) ابن خياط- تاريخ ابن خياط: 101، 103، الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/ 478، المسعودي - مروج الذهب: 1/ 415، ابن خلدون- ديوان المبتدأ والخبر: 2/ 2/69 .‏
    (17) ابن خلدون- ديوان المبتدأ والخبر: 2/2/ 69، 70، ابن الطقطقي- الفخري في الآداب السلطانية والدول الاسلامية: 64، وجدي- دائرة معارف القرن العشرين: 2/ 303.‏
    (18) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/551 ومابعدها، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/ 143.‏
    (19) ابن شهاب الزهري- المغازي النبوية: 151، ابن خياط- تاريخ ابن خياط: 119، البلاذري- فتوح البلدان: 150.‏
    (20) انظر حدة هذا النظر عند وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم. الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/ 443، وانظر عندما نظر إلى الزكاة واختلاف الصحابة بشأنها- ابن قتيبة-الإمامة والسياسة: 1/ 14، البلخي- البدء والتاريخ: 5/152، ناصف- التاج الجامع للأصول: 2/ 8.‏
    (21) الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/ 478، المسعودي- مروج الذهب: 1/ 415، خطاب- قادة فتح العراق والجزيرة: 86.‏
    (22) انظر كيف خطط لمحاربة المرتدين ونفذها في حروبة الأولى معهم. الذهبي- تاريخ الاسلام: 1/ 350، ابن خلدون- ديوان المبتدأ والخبر: 2/ 2/ 66، وانظر كيف خطط لحرب العراق ونفذها بقيادة خالد بن الوليد، الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/ 553، 554، ابن كثير- البداية والنهاية: 6/ 330.‏
    (23) انظر معركة بزاخة عند البلاذري- فتوح البلدان: 107، الحموي- معجم البلدان: 1/ 408، وانظر معركة عقربا التي انتهت بالقضاء على المرتدين قضاءً مبرماً عند الطبري- تاريخ الأمم والملوك 2/ 513، الذهبي - تاريخ الإسلام: 1/ 385، غلوب- الفتوحات العربية الكبرى: 196، فارق- تاريخ الردة: 5 ومابعدها.‏
    (24) انظر معركة كاظمة عند الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/ 556، ومعارك المذار، الولجة، الحيرة، أمغيشيا عند الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/557، 559، 560، 563.‏
    (25) انظر التحرك المظفر عند البلاذري- فتوح البدان: 151-155، ومعركة أجنادين عند الواقدي- فتوح الشام: 1/ 37، ابن عساكر- تهذيب تاريخ دمشق الكبير: 1/ 145، حداد- فتح العرب للشام: 44، ومعركة مرج الصفر عند الواقدي- فتوح الشام: 1/ 19- 21؛ وفتح الشام عند غلوب- الفتوحات العربية الكبرى: 275.‏
    (26) انظر ترجمته عند ابن سعد- الطبقات: 7/ 394، الزبيري، نسب قريش: 275، البلاذري - فتوح البلدان: 133، ابن واضح- تاريخ اليعقوبي: 2/ 108، ابن عبد البر- الاستيعاب في معرفة الأصحاب: 3/ 963، ابن حزم- جمهرة أنساب العرب: 1/ 135، ابن الأثير أسد الغابة في معرفة الصحابة: 2/ 102، أكرم - سيف الله: 15 وما بعدها.‏
    (27) انظر حروب الردة عند الطبري - تاريخ الأمم و الملوك: 2/463-535، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/336-378، وفتوح العراق عند الدينوري - الأخبار الطوال: 111-112، وفتوح الشام عند الواقدي: 2 ومابعده، الأزدي، فتوح الشام: 1 وما بعدها.‏
    (28) ابن هشام- السيرة النبوية: 1/319، الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/169، البلخي - البدء والتاريخ: 4/ 192.‏
    (29) ابن شهاب الزهري- المغازي النبوية: 97، الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/ 253.‏
    (30) الجاحظ- العثمانية: 68، 69.‏
    (31) الشيباني- شرح السير الكبير: 1/ 46، الواقدي- فتوح الشام: 1/ 2، 4، 7، الأزدي - فتوح الشام: 12 ومابعدها.‏
    (32) الواقدي- فتوح الشام: 1/ 2، الأزدي- فتوح الشام: 12.‏
    (33) سورة الأنعام- الآيتان: 40، 41، سورة الكهف- الآية: 110، سورة فاطر- الآية: 14، سورة الزمر- الآية: 3.‏
    (34) سورة الروم- الآية: 13، سورة القصص- الآية: 64، سورة البقرة- الآيتان: 166، 167.‏
    (35) انظر خطبة أبي بكر لما ولي الخلافة عند ابن هشام- السيرة النبوية: 2/ 661، ابن سعد- الطبقات: 3/ 182 ، ابن قتيبة- الإمامة والسياسة: 1/ 14، الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/ 450.‏
    (36) سورة الشورى- الآية: 38، سورة آل عمران - الآية: 159.‏
    (37) سورة يونس - الآية: 101، سورة العنكبوت - الآية: 20، سورة الجاثية- الآية: 5.‏
    (38) سورة الزمر- الآية: 9، انظر فضل العلم عند البخاري- باب العلم: 1، 32 ، ابن ماجه- المقدمة: 17.‏
    (39) سورة الأعراف- الآية: 32، سورة البقرة- الآية: 201.‏
    (40) سورة الأحزاب- الآية: 62، سورة فاطر- الآية: 43، سورة الفتح، الآية: 23.‏
    (41) سورة ق~ - الآية: 6، سورة الأنعام- الآية 99، سورة الأعراف- الآية: 101.‏
    (42) انظر توجيهات أبي بكر إلى قادته الذين وجههم لقتال الروم عند الشيباني- شرح السير الكبير: 1/ 46، 47، الواقدي- فتوح الشام: 1/ 2-7، المسعودي - مروج الذهب: 1/ 415.‏
    (43) البخاري -باب الزكاة: 1، 40، باب الاعتصام: 2، باب المرتدين: 3، النسائي- باب الجهاد: 1، باب التحريم: 1 ، أبو يعلى- مسند أبي يعلى: 1/ 69، ناصف- التاج الجامع للأصول: 2/ 8.‏
    (44) الغرز: هو ركاب الدابة الذي يوضع الراكب فيه رجله ليمسكها، وقوله: "فاستمسك بغرْزه" أي تمكن به وأمسكه واتبع قول الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله ولا تخالفه أبداً. انظر ابن منظور- لسان العرب: 5/ 386، الزبيدي- تاج العروس: 4/ 63، وانظر نص الحديث عند البخاري- باب الشروط: 15، ابن حنبل- المسند: 4/ 325، 330، المقريزي- امتاع الأسماع: 1/292، 293.‏
    (45) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/ 461، 462، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/ 334، الكاند هلوي- حياة الصحابة: 435 437.‏
    (46) انظر قتال أبي بكر في الردة، وفي العراق الذي كان القتال على أطرافه الجنوبية، وفي الشام، وفي معركة اليرموك بالذات عند الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/ 463- 591، ابن الأثير الكامل في التاريخ: 2/ 336- 410، ابن كثير - البداية والنهاية: 6/ 305-352، 7/1602.‏
    (47) انظر حركتي اليمامة واليرموك عند الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/ 508 وما بعدها، الذهبي- تاريخ الإسلام: 1/ 385، أكرم -سيف الله: 204 وما بعدها، غلوب- الفتوحات العربية الكبرى: 297 وما بعدها.‏
    (48) ج كردوس ويعادل كتيبة، وتطلق عادة على كتيبة الخيل. انظر الفيروز آبادي- القاموس المحيط: 2/ 254، الزبيدي- تاج العروس: 4/ 231.‏
    (49) الأزدي- فتوح الشام: 191، ابن عساكر- تاريخ مدينة دمشق: 1/ 537 وما بعدها.‏
    (50) ابن عساكر - تاريخ مدينة دمشق: 1/ 536 وما بعدها.‏
    (51) الواقدي - فتوح الشام، 1/ 118 وما بعدها: 192 وما بعدها، مخطوطه ابن حبيش- الغزوات الضامنة الكاملة والفتوح الجامعة الحافلة: 162 وما بعدها.‏
    (52) الواقدي - فتوح الشام: 1/ 105، 121، 128، 138، الأزدي - فتوح الشام: 173، الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/597.‏
    (53) الواقدي- فتوح الشام: 1/2، 127، 129، الأزدي- فتوح الشام: 2-52، الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/ 590 وما بعدها، ابن زيدان - التمدن الاسلامي 1/ 68.‏
    (54) الواقدي- فتوح الشام: 1/ 118، 139، الأزدي- فتوح الشام: 131- 141، ابن واضح- تاريخ اليعقوبي: 2/ 112، ديورانت- قصّة الحضارة: 13/ 72.‏
    (55) توحدت القبائل العربية في آخر معارك الردة، وبخاصة في معركة عقرباء، والقضاء على مسيلمة الكذاب، وتوجيه هذه القوة بعد ذلك لفتح العراق والشام. انظر الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/ 513، 556، 563، الذهبي - تاريخ الاسلام: 1/ 358، غلوب- الفتوحات العربية الكبرى: 193- 228.‏
    (56) انظر قول ابن مسعود الذي يعترف فيه بفضل وحزم أبي بكر عند البلاذري - فتوح البلدان: 131، ابن قتيبة- الإمامة والسياسة: 1/ 15، وكذلك فقد أشارت عائشة ابنته إلى مثل هذا انظر ابن خياط- تاريخ ابن خياط: 102، السيوطي - تاريخ الخلفاء: 49.‏
    (57) الحموي معجم البلدان : 3/ 24، 4/ 366، الذهبي - تاريخ الإسلام: 1/ 350، ابن خلدون - ديوان المبتدأ والخبر: 2/ 2/ 66، غلوب - الفتوحات العربية الكبرى: 183.‏
    (58) السيوطي - تاريخ الخلفاء: 26، الحلبي - السيرة الحلبية: 2/ 166.‏
    (59) الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/ 442، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/ 323، 324.‏
    (60) ابن سعد- الطبقات: 3/ 200، الطبراني - المعجم الكبير: 1/ 13، ابن الجوزي- تاريخ عمر بن الخطاب: 50، 51.‏
    (61) ابن سعد - الطبقات: 3/ 177، 178، ابن حزم - المفاضلة بين الصحابة: 234، 239، السيوطي - تاريخ الخلفاء: 30، ناصف- التاج الجامع للأصول: 3/ 400.‏
    (62) الواقدي - فتح الشام: 1/ 4، 7، 8، البلاذري - فتوح البلدان: 155، غلوب- الفتوحات العربية الكبرى: 234.‏
    (63) الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/ 553، ابن الأثير - الكامل في التاريخ: 2/ 147.‏
    (64) الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/ 551، العقاد - عبقرية الصديق: 150.‏

    تعليق


    • #3
      رد: الرّيادة فـي حـروب وفتوحات أبي بكر الصّديق

      خطّة البحث
      حاولت في هذه الدراسة أن أبرز الجوانب العسكريّة عند أبي بكر الصديق، مستنداً إلى ذلك على أهم المصادر والشخصيات التي كانت معاصرة لهذا البطل المتمكن من خطوته، وعلى بعض الكتّاب الأخصائيين الذين بحثوا ونقبوا؛ فتبيّن لي؛ أن أبا بكر لم يكن بالرجل العادي، وإنما كانت له خصائص عسكريّة، تفرد بها، كما تفوق على غيره في المسائل التخطيطية الاستراتيجية، وقيادة الجيوش.‏
      لقد تضمنت هذه الخطة سبعة فصول، ومُدْخل تعريف تقويمي بأهم المصادر الذي أشير فيه إلى المصادر الرئيسية، وإلى أهم الأعلام الذين كان لهم باع كبير في الكتابة عن حروب الردة، وفتوحات العراق والشام.‏
      الفصل الأوّل : تضمّن حروب أبي بكر الصديق في الفترة النبوية في المدينة، والتي أهلت أبا بكر للقيادة، وممارسة الأعمال القيادية بشكل ملموس وتجريبي، كما ساعدته فيما بعد على أن يكون قائداً استراتيجياً، وبطلاً نموذجياً، أعاد إلى العرب وحدتهم، وإلى القبائل العربية عزتها ومنعتها؛ فقد حمل اللواء، وكان نائباً للرسول صلى الله عليه وسلم في المعارك، وأمين سره، والمدافع عنه، وقاد سراياه، واستلم ميمنة الجيش في معركة حنين وبذل النفس والمال.‏
      الفصل الثّاني : مسارح العمليات. في شبه جزيرة العرب، وفي العراق ثم في الشام. ثلاثة مسارح. الأول صحراوي، ومتسع الجوانب ومكشوف الأجنحة. الماء فيه قليل، والطرقات تحددها المياه. وفيه بعض المدن والقرى المتباعدة عن بعضها، وتقل كثافة السكان في قلب الصحراء، وتزداد على الساحل، وفي الواحات؛ أما الثاني فقد كان على طول نهر الفرات من أسفله إلى وسطه، وفيه بعض المستنقعات والروافد، كما أن درجات الحرارة قد تكون أقل من الأول، وفي كل الأحوال فإن أطراف العراق هي امتداد للمسرح الأول، وعليه فإنه لن يكون متغيراً إلى درجة كبيرة يصعب فيه القتال، إذ حاول الجيش العربي الاسلامي أن يكون من طرف الصحراء ومن الجهة الجنوبية؛ أما المسرح الشامي وهو الثالث، فتكثر فيه الأنهار والأشجار، وتزداد فيه المواد التموينية، وتتوفر فيه المصادر المحلية.‏
      وهناك بعض المواقع التي تؤمن الشروط القتالية الملائمة لقتال هذا الجيش.‏
      الفصل الثالث : حروب الردة. وما رافقتها من مصاعب في التحضير والإعداد، ومن خروج بعث أسامة في الوقت الذي ارتدت فيه أغلبية القبائل العربية. لقد خلت المدينة من مقاتليها، ولم يبق سوى عناصر القيادة، وبعض الرجال. ومع كل هذا، فقد أعلن أبو بكر القتال، وقاد بنفسه العمليات الحربيّة، والدفاع عن المدينة، ووصل في معاركه الأولى إلى ذي القصة والربذة، وقاتل المرتدين ودحرهم. ثم شكل أحد عشر لواءً حركهم إلى جهات مختلفة من شبه جزيرة العرب. وقاتل كل لواء إما لوحده، أو متعاوناً مع آخر. وكان السبق في هذه الأولوية لخالد بن الوليد الذي قاد لواءه، أو مجموعة الألوية التي كانت تُضم إليه، وقاتل في أعنف المعارك ضد مسيلمة الكذاب في اليمامة. وخلال سنة من حروب الردة قُضي على المناوئين، وعادت وحدة شبه جزيرة العرب كما كانت في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم.‏
      الفصل الرّابع : فتوح العراق. أعلن أبو بكر الحرب، وأرسل في المدائن، وفي القبائل يدعوهم إلى التطوع. وهرعت واستجابت اليمن، وقبائل الأزد، وغيرها، وأعطيت التوجيهات بالبدء من أسفل العراق بقيادة خالد بن الوليد، وعياض بن غَنم من أعالي العراق، واستولى جيش خالد على المدن النهرية: الأبلة وكاظمة والمذار والولجة والحيرة ووصل إلى الأنبار، وقاتل وساعد جيش عياض الذي توقف في دومة الجندل لكثرة المقاومات التي خرجت عليه والتي أوقفته وعوقته عن مهمته. ثم تضمن هذا الفصل تاريخ فتح العراق، وحجم الجيش، والاستطلاع، والتسليح، وفن الحرب عند العرب، وعند الفرس، وسير المعارك.‏
      الفصل الخامس : فتوح الشام، تحركت الجيوش تتبع بعضها بعضاً وفي اتجاهات مختلفة، باتجاه الهدف الرئيسي وهو الشام. ثم أعطيت الأوامر إلى خالد أن يتحرك بجيشه من العراق إلى الشام أيضاً. ووقعت لهذه الجيوش جميعاً بعض المعارك الجانبية وهي في طريقها إلى أهدافها؛ جيش يزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وعمرو بن العاص، وجيش أبي عبيدة بن الجراح، اجتمعت بقيادة خالد في عهد أبي بكر الصديق، وخاض بها معارك النصر والفخار، منها: أجنادين، مرج الصفر، حصار دمشق، ولما توفي أبو بكر قاد هذه الجيوش أبو عبيدة؛ ولكنه ظلت لخالد تلك المكانة الرفيعة عند أبي عبيدة، وتعاونا، وكانت ثمرة هذا التعاون الانتصار الساحق في معركة اليرموك.‏
      الفصل السادس : الريادة والقيادة. أبو بكر لما تميز به من صفات القيادة، فهو الحازم والشجاع في المعارك، وهو الذي جاد بماله كله، وصحب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الذي كان واسع الثقافة والاطلاع، وصاحب الماضي المجيد، والموازن بين التخطيط والتنفيذ، وهو الذي حافظ على وحدة الفكر والعقيدة في الجيش، وأرسى دعائم الوحدة الوطنية والقومية، وتفرغ للقيادة، وأمدّ المقاتلين بأعداد متتالية، وأقر مبدأ التعاون، وأعطى التوجيهات العملياتية، واستخدم الاحتياط الاستراتيجي، وهو الذي طبّق مبدأ الهجوم على المستويين التكتيكي والاستراتيجي، وناور بالقوى والوسائط باتجاهات مختلفة، وحرك الجيوش المتلاقية، وفتت العدو نفسياً ومادياً، وقاد مركزياً الجيوش المختلفة من المدينة.‏
      الفصل السابع : قادة الجبهات والتشكيلات. في مسرح عمليات شبه جزيرة العرب، كان من أبرزهم خالد بن الوليد، عمرو ابن العاص، وخالد بن سعيد بن العاص، وعكرمة بن أبي جهل، وشرحبيل بن حسنة. وفي مسرح عمليات العراق وبالإضافة إلى خالد المثنى بن حارثة الشيباني، وعياض بن غنم، ومذعور بن عدي، وعدي بن حاتم. وفي مسرح عمليات الشام بالإضافة إلى خالد ابن الجراح، قادة الكراديس. ولقد أجريت دراسة تناولت شخصية هؤلاء القادة العسكرية والقيادية، ودور كل واحد منهم في المهمة الخاصة التي كلف بها، والمهمة العامة وهي تحقيق الهدف العام الاستراتيجي.‏
      الخاتمة : برزت ملكات أبي بكر القيادية والعسكرية بعد أن تولى الخلافة، وشرع في تسيير وتحريك الجيوش، وقيادتها في مختلف الجبهات، وتمّ له الانتصار في جميع المعارك التي تصدى لها، وقد أثر على غيره من القادة بسلوكه الحازم والشجاع، وبالإيمان القوي بعقيدته، والجهاد في سبيل الله.‏
      إن انتصار الجيوش يعود إلى حسن التدريب، وتطبيق مبادئ القتال، وعبقرية القادة، والقوة المعنوية التي تحلى بها المقاتلون، والتعاون، والتنسيق بين القيادات والجيوش المختلفة.‏
      توالت الفتوحات بعد وفاة أبي بكر الصديق، وكان الانتصار رائدها. وقد أكمل عمر بن الخطاب تلك الفتوحات مستنيراً بهدي المعلم الأول الرسول صلى الله عليه وسلم وخليفته من بعده.‏

      تعليق


      • #4
        رد: الرّيادة فـي حـروب وفتوحات أبي بكر الصّديق

        مُدْخَل
        تعريف تقويمي بأهم المصادر‏
        ما أكثر ما كتب عن حروب الردة، وفتوح العراق، وفتوح الشام، وما أكثر ما اقترن اسم أبي بكر الصديق بهذه الحروب والفتوح. فهو في لسان وقلم القدماء، كما هو في لسان وقلم الحديثين، فقد أكثر هؤلاء وهؤلاء، وامتلأت المكتبات والخزائن بالمؤلفات القديمة والحديثة عن هذا القائد العظيم والمكين الأمكن. وما زال الباحثون يستزيدون وينقبون ويستنبطون إلى أن تطوى الأرض طي السجل للكتب، وينتهي هذ الكوكب ومن عليه.‏
        نجد مواد هذا البحث مبثوثة في كتب السيرة والفتوح والمغازي والتاريخ والحديث والفقه والسنن والمعاجم والشمائل والتراجم والجغرافية التاريخية والخرائط الطبيعية والاقتصادية؛ كما نجد هذه المواد في الكتب الحديثة المختلفة من عربية وأجنبية ومعرّبة، وكلها تحكي سيرة أبي بكر وتتحدث عن حروبه وفتوحاته.‏
        لعل أهم المصادر هي تلك الكتب القديمة التي كانت قريبة من الأحداث، والتي أسندت إلى أولئك الرجال الذين شاهدوا تلك المواقع والغزوات، وإلى أولئك الذين كانوا نقلة صدق، ونقلوا الحديث غضاً طريّاً. ولقد كانوا على درجات من الثقة، وأغلبهم كان من الثقاة، ومن المشهود لهم بالأمانة وحسن التعهد.‏
        إن القرآن الكريم ذكر أبا بكر تلميحاً في عدة مواضع منها: المصاحبة للرسول صلى الله عليه وسلم: "إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم".(1) ومنها الإنفاق والحث على الجود بالمال الذي هو جزء من إرادة القتال: "ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم".(2) كما ذكر الحديث أبا بكر تصريحاً في عدة مواضع منها: الاقتداء بأبي بكر(3) ، والصلاة،(4) وردّ أمر المسلمين إليه في حال غياب الرسول صلى الله عليه وسلم(5) ، وغيرها من الأمور الكثيرة التي تدل على منزلة ومكانة أبي بكر وفضله وقيادته.‏
        تحدثت كتب السّيَر النبوية عن حروب أبي بكر في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، وتناولت صفات أبي بكر الشخصيّة والعسكرية والإنسانية، وبينت مواقفه من كثير من الأحداث، وتصرفه لقاء المهمات المكلف بها، وأهم هذه السّير: المغازي النبوية لابن شهاب الزهري، السيرة النبوية لابن هشام، الاكتفاء للكلاعي، وعيون الأثر لابن سيد الناس، امتاع الأسماع للمقريزي، والسيرة الحلبية للحلبي، ويلاحظ على هذه السير أن أغلبها منقول عن ابن اسحاق والواقدي وغيرهما؛ إلا أن المتأخرين أكملوا ما كان ناقصاً في بعض السير، وشذّبوا تلك المعلومات، ونسقوها بإطار جديد كالذي نراه في عيون الأثر لابن سيد الناس، وإمتاع الأسماع للمقريزي.‏
        وبشكل أدق، وبصورة أكثر تفصيلاً، تناولت كتب سيرة أبي بكر الصديق من لدن حياته إلى وفاته، وتعرضت لكثير من صفاته الحربية، ومضائه وشدته في حروب الردة، واستراتجيته في فتوح العراق والشام، وأهمها: تاريخ الخلفاء لابن ماجه، والعثماينة للجاحظ، والأوائل لأبي هلال العسكري، ورسالة في المفاضلة بين الصحابة لابن حزم الأندلسي، وخصائص العشرة الكرام البررة للزمخشري، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، ويلاحظ مما تقدم أن ابن حزم كان أكثر جرأة في التكلم عن أبي بكر، وتفضيله على غيره من الخلفاء بأدلة مقنعة، وببراهين صادقة.‏

        فإذا ما انتقلنا إلى كتب التاريخ نرى صفحاتها قد ملئت بأخبار أبي بكر الصديق وفتوحاته؛ وإذا كان بعضها قد أطنب في الأخبار، وبعضها الآخر قد أسهب فيها وأهمها: تاريخ اليعقوبي لابن واضح، وتاريخ الأمم والملوك للطبري، والبدء والتاريخ للبلخي، والكامل في التاريخ لابن الأثير، وتاريخ الإسلام للذهبي،والفتوحات الإٍسلامية لدحلان. وإذا دققنا النظر في هذه الكتب نرى الطبري قد فصل في كتابه وأسهب، وأتى بروايات لم يأت بها أحد من قبل ومن بعد، فهو الذي ذكر قادة الكراديس، واعتنى كثيراً بالتشكيلات القتالية، والبنية التنظيمية للجيوش العربية. ولم ينس أبداً قادة الميمنة والميسرة والقلب والطليعة والساقة. وإن أهم شيء ذكره هو التشكيل القبلي في كل من معركتي اليمامة واليرموك.‏
        وإذا ما تركنا هذه الكتب التاريخية العامة، وانتقلنا منها إلى الكتب الاختصاصية التي منها ما يختص بحروب الردة، ومنها ما هو بفتوح العراق، ومنها ما هو بفتوح الشام، ومنها ما جمعت كل هذا ؛ ويبدو أن هذه الكتب جميعاً فيها تفصيلات كثيرة، وأخبار دقيقة عن مجريات الأمور، وتحريك الجيوش، وإرسال الرسائل والكتب المتبادلة بين قادة المعارك وبين القائد الأعلى في المدينة؛ كما أن هذه الكتب هي أقدم الكتب التاريخية وأصدقها وأوثقها. وأهمها: فتوح الشام للواقدي، فتوح الشام للأزدي، فتوح البلدان للبلاذري، الفتوح لابن أعثم الكوفي، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر، الغزوات الضامنة الكاملة والفتوح الجامعة الحافلة لابن جبيش. وسوف نتطرق إلى شيء من التفصيل عن هؤلاء؛ كما نذكر أهمية مؤلفاتهم ودورها في موضوع هذا البحث فيما يأتي.‏
        ومما يلفت النظر كثرة كتب الحديث والفقة وأصول التشريع التي تتعرض لسيرة أبي بكر الصديق وحياته. نجدها متفرقة في جنبات هذه المؤلفات، وبخاصة في أبواب المناقب والفضائل والجهاد. منها: الموطأ لمالك، المسند لأبي حنيفة، المسند للحميدي، السنن للدارمي، الصحيح للبخاري، الصحيح لمسلم، السنن لأبي داود، السنن لابن ماجه، السنن للترمذي وغيرها. ولدى مطالعة هذه الكتب نجد لصحيح البخاري تلك المنزلة الكبيرة للمنهجية التي اتبعها، والتحري الذي سلكه، والعهد الذي أخلص له، والصدق الذي اتصف به ، والمعلومات التي جمعها.‏
        إن لكتب الجغرافية والبلدان والخرائط الطبيعية دوراً كبيراً في مسارح العمليات الثلاثة في شبه جزيرة العرب والعراق وفي الشام؛ كما أن هذه المؤلفات تعطي الباحث ملامح إدارية عن الاحتياجات المادية، والوسائط المحلية، وعن محاور الطرق، وميول الأرض، والجداول، والأنهار، والعيون، وغير ذلك. من هذه الكتب: المسالك والممالك لابن خرداذبه، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم للمقدسي، معجم ما استعجم للبكري، آثار البلاد وأخبار العباد للقزويني، معجم البلدان لياقوت الحموي، الإشارة إلى معرفة الزيارة للهروي، ويبقى معجم البلدان هو أهم هذه المؤلفات، ذلك أنه تضمن كل مقومات المسرح العملياتي، وكان واضحاً في كل المعلومات التي أدلى بها، وبخاصة المحاور والمدن والأماكن التي كانت مسرحاً للعمليات العسكرية.‏
        ازدحمت كتب التراجم بمعلومات مفصله، وأخبار مطوله عن حياة القائد الأعلى وقادة الجبهات والتشكيلات الذين قاتلوا في الردة وفي الفتوحات في عهد أبي بكر الصديق، وتناولت هذه الكتب القادة من مختلف جوانبهم السياسية والعسكرية والشخصية، منوهة بالأعمال البطولية التي قاموا بها، والمعارك التي خاضوها، والمحاور التي سلكوها، وأهم التراجم: الطبقات الكبرى لابن سعد، نسب قريش للزبيري، المحبر لابن حبيب، الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر، أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير، سير أعلام النبلاء للذهبي، الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر. وتدل طبقات ابن سعد على غزارة المعلومات، وتسلسل الأحداث، وصدق الرواية، وحسن التصنيف، كما كان لكتاب نسب قريش للزبيري دور هام في الانتماء والتسلسل النّسبي، واختيار القادة، ووضعهم في المرتبة التي يستحقونها.‏
        وكذلك فإن المراجع الكثيرة، قد انتشرت في المكتبات، وفي الأقطار العربية وغير العربية. وكلها تحكي سيرة أبي بكر الصديق ومناقبه وحروبه، وسيرة قادته الذين قاتلوا تحت إمرته وأبرزهم خالد بن الوليد وأبو عبيدة ابن الجراح والمثنى بن حارثة الشيباني وغيرهم. وقد اخترت من هذه الكتب العديدة: قادة فتح العراق والجزيرة، وقادة فتح الشام لخطاب، ومعارك خالد بن الوليد لسويد، وتاريخ الأمم الاسلامية، وإتمام الوفاء في سيرة الخلفاء للخضري، وتاريخ الرده لفارق، وعبقرية الصديق للعقاد، والصديق أبا بكر لهيكل، و "الشيخان" للدكتور طه حسين، والطريق إلى المدائن، والطريق إلى دمشق لكمال، وتاريخ آداب اللغة العربية لزيدان. وفي الحقيقة فإن الكتب الحديثة يقتصر التجديد فيها على الاستنباط، والمنهجية، والأداء، والتوضيح، والتعليق. وكلها تستند إلى المصادر القديمة، والكتب التي ألفها الأولون؛ كما أنها تسلط الأضواء على بعض الأحداث، أو بعض الشخصيات من القادة. الذين كان لهم دور كبير في معارك الفتوح.‏
        وإنْ أنس لا أنس تلك الكتب المعربة وأهميتها العسكرية، ودورها الكبير في إكمال جوانب هذا البحث ألا وهي: سيف الله خالد بن الوليد للجنرال أكرم، والفتوحات العربية الكبرى لغلوب. وقد أتى المرجع الأول ففصل في معارك خالد وشخصيته العسكرية والقيادية، وحلل دروس المواقع العسكرية، وحجم الجيوش المتقاتلة، والقوى والوسائط، كما أتى المرجع الثاني على أهم المعارك التي خاضتها القوات العربية الإسلامية، وأضاف شيئاً جديداً ألا وهو التحقيق والمناقشة في كل مسألة عسكرية، وبخاصة في محاور القتال، وفي التحرك ، وأمكنة التمركز والأسلحة والوسائط.‏
        بعد إلقاء نظرة سريعة على أهم المصادر والمراجع، وبعد تقويمها، يجدر بنا ألا نغمط حق أولئك الكتاب والمؤلفين الذين تصدروا ذلك الجمع، والذين برزوا في الكتابة. فهم النبع الذي تفجر وسقى كل الأراضي التي كانت في طريقه. وهم أول من كتب في الردة، وفي الفتوح. وهم الذين أعطوا وبذلوا من أموالهم وأنفسهم لإتمام تلك المؤلفات القيمة والكتب النادرة. وأهم هؤلاء الأعلام:‏
        محمّد بن اسحاق بن يسار المطلبي‏
        151/ 768)‏
        مؤرخ قديم. كتب في السيرة النبويّة، وفي الخلفاء.(6) روى عن عدد كبير من العلماء والصحابة الذين شاهدهم، أمثال سعيد بن كعب بن مالك، ومحمّد بن جعفر ابن الزبير، والزهري، وابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وغيرهم.(7) وقد شهد بثقته كثير من المعاصرين والناقدين.(8) كان ابن اسحاق متخصصاً في المغازي وفي سيرة الخلفاء. ومما أعانه على ذلك حافظته، واستيعابه للأحداث، واهتمامه بها حتى قال عنه ابن شهاب الزهري: "هذا أعلم الناس بها."(9) أي بالمغازي. والترجيح في أقوال العلماء أنه كان ثقة وعالماً بهذا الفن، وأنه كان يتحرى الصدق والصحة فيما يرويه، فلا يجاريه أحد في سياق الأخبار وفي جمعها.(10) ولا بالتفاصيل الدقيقة، فهو بحق يعتبر رائداً، وكل من أتى بعده فهو مدين إليه، آخذ عنه. وإن أول من كتبوا عنه أو أخذوا من سيره ابن هشام الذي اعترف بذلك، بيد أنه ترك أموراً كثيرة،(11) ولذلك فقد جاءت سيرة ابن هشام تهذيباً لما فصل فيه ابن اسحاق.‏
        لقد أدرك ابن اسحاق بعض صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم فرأى أنس بن مالك وغيره، وسمع القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وأبان بن عثمان بن عفان، ومحمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وأبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وابن شهاب الزهري.(12)
        ويقول ابن اسحاق: "رأيت أنس بن مالك عليه عمامة سوداء والصبيان يشتدون ويقولون هذا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يموت حتى يلقي الدجال" وقال: "أدركت سعيد بن المسيب وأنا غلام."(13) ومن كان في منزلة السمع والبصر من هؤلاء، فقد أخذ منهم الكثير، وبخاصة فيما يتعلق بالمغازي. ولهذا فإنه قد جمع المعلومات كبيرة حول الرعيل الأول وأخبارهم، ثم أفرغها في مؤلفات عديدة. ولا نشك فيما كتب، إذ استطاع أن يستعين في كتابته من مصادر ممن حضروا تلك المواقع، أو سمعوا بها، أو نقلوها عن آبائهم وأقربائهم. وقد أجمع المحدثون الذين أتوا من بعده، ونقلوا عنه على أنه كان من أصحاب السيرة، وقد اعترفوا بفضله وسعة اطلاعه بهذا العلم(14) تردد ابن اسحاق على الزهري، وسمح له بمراجعته في أي وقت يشاء. وقد أثنى عليه بقوله: " لايزال في المدينة علم جم ما كان فيهم ابن اسحاق." وقال: " لا يزال بالمدينة علم ما بقي ابن اسحاق." وسئل ابن شهاب عن المغازي فقال: "هذا أعلم الناس بها" ويقول الشافعي: "من أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على ابن اسحاق."(15) ويستدل من هذه الأقوال أن ابن اسحاق كان عالماً بالمغازي خبيراً بها، واسع الاطلاع على دقائقها، يتحراها من صدور الرجال الذين شاهدوها، أو نقلوا عن مشاهديها، وإنه في هذا يعتبر رأس المؤلفين الذين كتبوا في السيرة والمغازي.‏
        لابن اسحاق ذاكرة قوية، ساعدته على حفظ الأخبار والأحاديث، فكان الرجل يستودع ابن اسحاق في أحاديث سمعها. وكانوا يقولون: "كأن ابن اسحاق أحفظ الناس." ولعل هذه الميزة جعلته يتفوق على كثير من أقرانه من الذين كتبوا في هذا العلم.‏
        إنه صاحب اختصاص. فكأنه تفرغ لهذا العلم وتخصص به، حتى كدته يدرك دقائق الأمور وشواردها، ويأتي على التفاصيل والحوادث الصغيرة التي ضاعت على أمثاله. وكان تلامذته يقولون: "كنا إذا جلسنا إلى محمد بن اسحاق فأخذ في فن من العلم، قضى مجلسه في ذلك الفن."(16)
        صنف ابن اسحاق كتاب السيرة بناءً على طلب الخليفة المنصور، وقد أطال، فطلب إليه اقتصاره، ثم أودع لسلمة، وهكذا منه إلينا وصلت أخبار الغزوات والسير ممثلة في سيرة ابن هشام.(17) وقد روى سلمة عنه كما روى آخرون أمثال محمّد بن سليمان الحراني، ويونس بن بكير ويزيد بن هارون وغيرهم.(18)
        يرى ابن سيد الناس في ابن اسحاق أنه رجل أوتي علماً غزيراً، لاسيما فيما يتعلق بالمغازي والأخبار، وهو وإن طعن فيه الطاعنون، فهو يرقى بعلمه الذي اختص به، وبالأقوال التي قيلت بحقه من قبل الزهري ومالك والبخاري وغيرهم الذين أثنوا عليه وباركوا عمله وكتابته. وقد فنّد ابن سيد الناس مزاعم الذين قالوا شراً في ابن اسحاق.(19) ووجد له من الأعذار ما يشجع على الأخذ منه، والثقة بكتاباته. ولا ننسى فإن ابن سيد الناس قد أخذ من كتاب "عيون الأثر" الكثير من المعلومات عن ابن اسحاق.(20)

        إن الذي يلفت النظر أن جميع المؤلفين الذين أتوا بعد ابن اسحاق كانوا يأخذون منه بأغلب معلوماتهم التاريخية. تلك التي تتعلق بالمغازي، أو الردة، أو حروب العراق، أو فتوح الشام. فإن ابن خياط في تاريخه قد أخذ منه الكثير، وكذلك الطبري في كتابه تاريخ الأمم والملوك، وكذلك ابن عساكر في كتابه تاريخ مدينة دمشق، وابن كثير في كتابه البداية والنهاية. وهكذا فما رأيت مؤلفاً قديماً أو حديثاً إلا كان ابن اسحاق في تلك المؤلفات، فهو الذي أعطى لهذا العلم حقه ومستحقه، ولا نزال حتى الآن نرجع إليه في كل ما كتبنا عن الردة والفتوح والمغازي، وتتميز كتابته بأنها كانت مفصلة وطويلة وكاملة.(21)
        أبو العبّاس الوليد بن مسلم‏
        195/ 810)‏
        مولى لقريش، عالم الشام، ويطلق عليه "الحافظ الأموي" كتب في المغازي، وفي التاريخ، وفي السنن، وله كتب في ذلك أشهرها: "المغازي" ، "السنن"(22) وقد اعتبر من الثقاة فيما يرويه عن جندب البجلي وحمران بن أبان وطلحه بن نافع وغيرهم.(23) لا يسبقه إلى الملاجم أحد، ولا يدانيه في الكتابة أولئك الذين كتبوا عن المغازي، فهو يحفظ الأبواب، ويصنف الحوادث، ويضعها في مكانها، ويحدد لها ترتيبها.(24)
        هو من القراء المعدودين، ومن أهل دمشق المعروفين، وقد شهد بعلمه وسعة اطلاعه علماء كثيرون وقالوا عنه بأنه صنف سبعين كتاباً(25) أخذ عنه كثيرون أمثال ثور بن يزيد، وهشام بن حسان، والأوزاعي؛ كما تحدث عنه أحمد بن حنبل، وأبو خيثمة، وموسى بن عامر وغيرهم. وهؤلاء جميعاً كانوا يعتبرونه ثقة فيما يقول، وإنه عندهم لصادق(26) . وقال ابن المديني الذي أخذ عنه: "كان الوليد بارعاً في حفظ المغازي."(27) وقال أحمد بن حنبل: "مارأيت في الشاميين أعقل منه."(28)
        لقد اعتبر الوليد من الموصوفين بالتدليس(29) الشديد مع الصدق، ومن الطبقة الرابعة،(30) إذ أخذ عن محدثين كذابين كإبن السفر، ونافع وغيرهما؛ ولذلك اتهم بالتدليس.(31) ومهما قيل في الوليد بن مسلم فإنه يبقى شيخ المحدثين في المغازي، وله باع طويل في هذا العلم. وقد أثبت بعض العلماء في عصره تلك البراعة والقدرة على التأليف والتصنيف في هذا العلم، واعتبروه أهلاً له، وصاحب المصنفات العديدة.(32)
        روى عنه البلاذري فيقول: "حدثنا الوليد بن مسلم" في كتابه "فتوح البلدان"(33) ؛ إلا أنه لم يعتمد عليه كلياً، بل اعتمد على غيره من المحدثين أمثال أبي رباح اليمامي، والقاسم بن سلام، وبكر بن الهيثم وغيرهم، وكذلك روى عنه ابن عساكر في كتابه "تاريخ مدينة دمشق".‏
        سيف بن عمر الأسدي التّميمي‏
        200/ 815)‏
        كتب عن الفتوح والردة. وله كتابان في هذا: "الفتوح الكبير"، "الردة" وكتابٌ آخر "الجمل"(34) روى عن عدد من المهتمين بالفتوح والمغازي أمثال موسى بن عقبة، ومحمد بن اسحاق، ومحمد بن السائب الكلبي وغيرهم ممن سبقوه، وكان لهم باع طويل في هذا العلم(35) ؛ إلا أن بعض الناقدين شكوا في روايته، وقوة حديثة كالواقدي في ترك الحديث وضعفه، وتحتاج إلى إثبات وصدق.(36)
        روى عنه الطبري في تاريخه فيقول: "أخبرنا سيف بن عمر"(37) . وسيف بهذا يروي حديث الردة منذ أن قام أسامة بن زيد فقاد الجيش الذي كلفه به الرسول صلى الله عليه وسلم، ومما رواه سيف قائلاً: "لما بويع أبو بكر رضي الله عنه وجمع الأنصار في الأمر الذي افترقوا فيه قال: ليتم بعث أسامة وقد ارتدت عنه العرب إما عامة وإما خاصة في كل قبيلة. ونجم النفاق، واشرأبت اليهود والنصارى والمسلمون كالغنم في الليلة المطيرة الشاتية لفقد نبيهم صلى الله عليه وسلم وقلتهم وكثرة عدوهم. فقال له الناس إن هؤلاء جلّ المسلمين والعرب على ما ترى قد انتقضت بك فليس ينبغي لك أن تفرق عنك جماعة المسلمين، فقال أبو بكر: والذي نفس أبي بكر بيده لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته."(38) هذا القول إذا قارناه مع غيره من الرواة ومن المحدثين الصادقين لرأينا سيف بن عمر يشابههم ويطابقهم في أقوالهم. وإذا استعرضنا ما كتبه عن الردة لوجدناه:‏

        1- أنه قد أتى بجميع ما قيل عن الردة بأحاديث مسندة صادقة يقصد بها الإحاطة بهذا الموضوع.‏
        2- وقد سرد جميع الأخبار بتسلسل تاريخي، غير متأثر بالأهواء السياسية أو العصبية.‏
        3- وقد أتى بتفاصيل دقيقة عن تحرك الجيوش، وعن منطقة التحشد، والقبائل التي ارتدت، وعن الزعماء الذين ضلوا وأضلوا أمثال الأسود العنسي وطليحة ومسيلمة(39) .‏
        4- ثم لا ينسى أن يذكر الأماكن والمدن والقرى التي اتخذت مسرحاً للعمليات كالربذة والأبرق وغيرهما.(40)
        5- وكذلك فإنه يتطرق لذكر التشكيلات وطرق تحركها من المدينة، والتعليمات التي تلقتها من القائد الأعلى أبي بكر الصديق.(41)
        6- ثم يأتي على ذكر التحذيرات التي أدلى بها أبو بكر للمرتدين، والتوجيهات لقادته.(42)
        7- لقد أبرز سيف دور خالد بن الوليد في حروب الردة، عندما كلف من قبل القائد الأعلى . فهو الذي فصل بين الحق والباطل، وهو الذي أذهب عبيّة الجاهلية، وأعاد المرتدين، وشردهم، وقضى على زعمائهم.(43) ثم يفصل سيف في الأعمال الوقائية التي نفذها خالد في المرتدين فأحرق، ورضخ بالحجارة، ورماهم من الجبال، ونكسهم في الآبار.(44)
        8- وفيما ينتهي سيف من الردة ينتقل إلى فتوح الأيام في العراق فيفصلها، ويسهب في وصف المعارك وسيرها، وفي الكتب المتبادلة بين خالد وهرمز، والجيوش التي تحركت للقتال في العراق.(45)
        9- نحا المنحي نفسه في فتوح الشام. فذكر الجيوش التي أرسلها أبو بكر. هذا وإني لم ألحظ عند أحد من المؤلفين الذين سبقوا سيف بن عمر، ولا من الذين أتوا بعده يعرج على ذكر تلك الكراديس وقادتها تلك التي اشتركت في معركة اليرموك. إن سيف قد فصل فيها وقسمها قبائل تتناسب مع التشكيلة الجديدة.(46)
        وعلى هذا فإن سيف بن عمر الأسدي قد أغنى موضوع البحث بمعلوماته الواسعة، وزودنا بأخبار جديدة لم تكن عند الرواة السابقين واللاحقين.‏
        أبو عبد اللّه محمّد بن عمر الواقدي‏
        207/ 823)‏
        لاجدال في أن الواقدي قد بذّ أقرانه في الكتابة عن المغازي والفتوح، وإنه تصدر جميع الكتاب في عصره(47) . وإن بعض معاصريه يعيبون عليه روايته، وقد يصمونه بالكذب، ذلك أنه لم يكن مختصاً بالحديث، أو ما أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن كان قاضياً إذ كان اهتمامه بالحديث اهتماماً عادياً.(48)
        "وقد خلف الواقدي ستمائة قمطر كتباً كل قمطر حمل رجلين."(49) وكان يكتب الليل والنهار، وله غلامان يكتبان له(50) . وبرز من كتابه محمد بن سعد الذي نقل عنه "الطبقات" وله آثار كبيرة، ومؤلفات عديدة أغلبها يبحث في الفتوح والمغازي منها: "فتوح الشام"، " فتوح العراق"، "مقتل الحسين" و "السيرة" ، "الردة"، "حرب الأوس والخزرج"، "صفين"، سيرة أبي بكر"(51) ....‏
        لقد كان موسوعة عصره، إذ أنه استطاع أن يجمع الأحداث كلها بتفاصيلها من مبعث الإسلام حتى وفاته وكان يقول: "حفظي أكثر من كتبي."(52)
        سمع الواقدي عن علماء كثيرين منهم: معمر بن راشد، ومالك بن أنس؛ ومحمد بن عجلان وغيرهم؛ كما روى عنه كاتبه محمد بن سعد وأبو حسان الزيادي والصاغاني والبرجلاني وغيرهم.(53)
        لقد طاف الواقدي وبحث ونقب وسأل وتأكد، وخرج إلى الأرض يستطلعها، وإلى الطريق يتبعها. وكان يقول: "ما أدركت رجلاً من أبناء الصحابة وأبناء الشهداء، ولا مولى لهم إلا سألته: هل سمعت أحداً من أهلك يخبرك من مشهده وأين قتل؟ فإذا أعلمني مضيت إلى الموضع فأعاينه، ولقد مضيت إلى المريسيع فنظرت إليها. وما علمت غزاة إلا مضيت إلى الموضع حتى أعاينه." وقال ابن منيع: "سمعت هراون الفروي يقول: رأيت الواقدي بمكة ومعه ركوة فقلت: أين تريد قال: أريد أن أمضي إلى حُنَيْنٍ حتى أرى الموضع والوقيعة."(54) وبعد أن يتبين له كل ذلك يقوم بكتابة ما شاهده وما سمعه. ولقد شوهد في المسجد جالساً إلى أسطوانة المسجد يكتب ويدرس، وعندما سئل عما يعمل قال: "أدرس حزبي من المغازي".(55)
        له آثار كثيرة؛ وتتميز هذه الآثار بأنها مفصلة تفصيلاً، وموسعة بحيث تغني القارئ والباحث. فلقد كتب عن غزوة واحدة عشرين مجلداً وأكثر(56) وكان حجة، وإليه يرجع الناس، وإليه تسير الركبان.‏
        ولّي الواقدي القضاء في زمن المأمون في شرقي بغداد في معسكر المهدي. وما اضطره إلى الوظيفة إلا حاجته المادية حيث كان يتقرب إلى الملوك لكي يعطوه مالاً يصرفه على نفسه وعياله. وكان أقرب الملوك إليه رعاية المأمون. وكان الواقدي جواداً، ويبلغ به الجود أحياناً حد التبذير(57)
        إن الذي يهمنا في هذا المقام هو كتاب "فتوح الشام" فقد فصّل فيه تفصيلاً، وأتى على ذكر دقائق الأعمال والأقوال، وأنشأه على الحقيقة والاسترسال(58) فهو الذي احتوى الآثار الطبيعية لأرض المعارك مع هيئاتها المختلفة، كما وصف الأرض كما يصف الجغرافيون فذكر تلالها ووديانها ومدنها وقراها. وهو لم يكتف بذلك بل تطرق إلى حالة الطقس وما فيه من رياح وغبار ورذاذ ومطر، فكأنه راصد جوي، أو عالم فلكي. فهو لم ينس أبداً مواقع القتال، وأمكنة تمركز الجيشين المتقابلين؛ كما ألمح إلى فن الحرب عند العرب وعند الروم، وميزة وخصائص كل جيش على حدة، وقارن بين حجم هؤلاء وهؤلاء؛ والقَوام القتالي؛ كا نبه إلى ضرورة الاستطلاع الذي أجري قبل المعارك وأثناءها، وأفاض في أنواع الأسلحة المستخدمة من كلا الطرفين مع ذكر أسمائها وأنواعها الهجومية والدفاعية.(59) وأشار إلى شعار كل معركة بل إلى كل قبيلة مشتركة في القتال(60) ، وإلى اللواء الراية) الذي يحمله أشجع المقاتلين، ويكون ذا ألوان وأشكال مختلفة(61) ، وإلى إشارة بدء القتال وشروط إعطائها والالتزام بها(62) ، وإلى المبارزة والطعان فيها، والأبطال الذين يركبونها، وتوقيت بدئها وانتهائها، وهزيمة أو قتل أحد المتبارزين(63) ، وإلى الأعمال التضليلية والخدعة التي يقوم بها الجانبان المتقاتلان أو أحدهما وكيفية إجرائها والطرق التي تؤمنها والأشخاص الذين يقومون بها(64) ، وإلى الهجوم المعاكس وتخطيطة وزمن القيام به، والقوات التي تنفذه، والمكان الذي يبدأ به، والقوى والوسائط المرافقة(65) ، وإلى قتال الخيل وكيفية قتالها، مستقلة، أو مع المشاة، وتعاون الصنفين أثناء المعارك، والفرسان الذين يتولون قيادتها(66) وإلى المطاردة التي تكون بعد هجوم ناجح، والصفات والطرق التي يسلكها المطاردون(67) . ومما يستحق الذكر والإشارة إليه هو أن الواقدي فصل في الشؤون الإدارية التي نسيها الآخرون من الذين سبقوه أو تبعوه. فهو بحق الذي حدد معالم هذا الاختصاص، ووضع لبنته الأولى إذ ذكر إعداد وتنظيم الشؤون الإدارية دون أن يتصور أو يدرك أنه يكتب عنها؛ لكن التفاصيل الجزئية التي كان يبحث عنها، ويبالغ في التنقيب عن محتوياتها هي التي أوصلته إلى أن يكتب في العلم الإداري العسكري. فقد ساق الواقدي معلومات وافرة عن الساقة، وعن محاور الإمداد والإخلاء، وعن التأمين المادي بالطعام واللباس والسلاح والأعتدة القتالية والإدارية، وعن التأمين الطبي بالمعالجة والإخلاء، وعن دور المرأة الإداري في القتال برفع المعنويات والتمريض وإعداد الطعام والشراب(68) وأخيراً فإن الواقدي لن ينسى أبداً تقرير نهاية يوم المعركة. فهو الذي يسجل الرسائل المتبادلة بين قيادة المعركة والقيادة العليا في المدينة(69) وصفوة القول أن الواقدي:‏
        1- كان جهازاً سينمائياً متحركاً ناطقاً، يصور كل شيء عن المعركة بتفاصيلها ودقائقها، فكأن المعركة أمام الباحث يسمعها ويراها ويتحسسها ويتفاعل معها.‏
        2- لا يترك للباحث أوالسائل أو القارئ أية مسألة إلا أجاب عنها من خلال كتاباته، وسرده لفتوح بلاد الشام؛ كما أنه يعطيه محطات يستريح بها لكي يستأنف نشاطه بعد الاستراحة، وبخاصة عند انتهاء معركة وابتداء أخرى.‏
        3- حقاً إنه كان مدرسة، استوعبت المنهجية، وأصول الكتابة، والبحث التاريخي..‏
        4- إنه اهتم بصورة خاصة بالأزمنة والأمكنة، وبذلك حدد للمعارك مكانها وزمانها. وهذا ما يعول عليه الباحث العسكري عند دراسة‏
        معركة ما.(70)
        علي بن محمّد بن عبد الله المدائني‏
        225/ 839)‏
        مولى شمس بن عبد مناف. كان عالماً متكلماً. له مؤلفات عديدة، يبحث في أغلبها عن أمهات وصفة عهود الرسول صلى الله عليه وسلم، وعن المستهزئين والذين يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وكذلك فإنه تناول في كتاباته رسائل وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك، وآياته التي جاء بها، وصلحه، وخطبه، وغير ذلك.‏
        حتى عُدّ مختصاً بما أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم. وللمدائني كتاب "المغازي" الذي توسع في أخباره، وهو يقع في ثمانية أجزاء مخطوطة(71) .‏
        روى عنه الزبير بن بكار، وأحمد بن حيثمة، والحارث بن أبي أسامة، وغيرهم. وقد كان ثقة الناس والعلماء، إذ كان صادقاً فيما يروي، أميناً فيما ينقل أو يقول، دقيقاً فيما يخطه(72) .‏
        اختص المدائني بأخبار العرب وأنسابهم، وفصّل في أخبار العرب المسلمين. وكان عالماً كبيراً بالفتوح والمغازي ورواية الشعر. ولقد أثر عنه مصنفات وكتب كثيرة في هذا العلم منها: "فتوح العراق"(73)
        ولسعة اطلاعه، والثقة به فإن الباحث يركن إليه. وهو من القلائل الذين أجادوا الرواية، وكتبوا عن أبي بكر وغيره في مؤلفاته العديدة، كما أن المشتغلين بهذه العلوم من بعده قد أخذوا منه، ورووا عنه(74) .‏
        لم يصلنا من آثار المدائني إلا ما نجده مبثوثاً في أمهات كتب التاريخ قبل: "فتوح البلدان: للبلاذري، "تاريخ الأمم والملوك" للطبري، "العقد الفريد" لابن عبد ربه، "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني، وغيرهم.‏
        أبو اسماعيل محمّد بن عبد الله الأزدي البصري‏
        231/ 845)‏
        كان الأزدي ثقة، صادقاً، عالماً بأخبار الحروب والفتوح، مسنداً أقواله، مستشهداً بالرواة الثقاة الذين شاهدوا، أو سمعوا، حتى لم يكن ليدون خبراً إلا إذا تأكد منه، فقد روى عن الخزاعي الصحابي الذي شهد الحديبية وتوفي سنة 80/699 وعن أنس بن مالك مولى الرسول صلى الله عليه وسلم الذي توفي سنة 93/ 711 وعن سهل ابن سعد الخزرجي الأنصاري الذي توفي سنة 91/ 709 وعن سعيد بن العاص الأموي القرشي الذي توفي سنة 59/ 678 وعن سفيان بن عوف الأزدي الذي رافق فتوح الشام، وكان بطلاً من أبطالها، والذي توفي سنة 52/ 672 وعن هاشم بن عتبة ابن أبي وقاص الخطيب الفارس الذي اشترك في فتح الشام، وأصيبت عينه في اليرموك، وشهد القادسية، والذي توفي سنة 37/ 657 وعن عمرو بن شعيب بن محمد السهمي القرشي من رواة الحديث، والذي توفي سنة 118/ 736 وعن قيس بن أبي حازم البجلي التابعي الذي رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليبايعه فقبض وهو في الطريق سنة 84/ 703 وعن معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي، والذي نفر مع أبي عبيدة في فتوح الشام، ومات في طاعون عمواس سنة 18/ 639 وغيرهم(75) .‏
        يلاحظ من الرواة جميعاً مايلي:‏
        1- أن الأغلبية كانوا من الصحابة، من الذين تمتعوا بمشاهدة الرسول صلى الله عليه وسلم، وصاحبوه، وحضروا معه المشاهد كلها أو بعضها.‏
        2- أن الأغلبية كانوا من الذين شاركوا في فتوح الشام، وحضروا معاركها، وأبلوا فيها بلاءً حسناً.‏
        3- هم من رواة الحديث، ومن الصادقين، والمشهود لهم بصدق الرواية والقول.‏
        4- أن الجميع كانوا من المعاصرين لحروب وفتوح أبي بكر الصديق، وأنهم توفوا جميعاً بعد أن توفي أبي بكر، ولهذا فهم على يقين مما كان يجري من الأحداث التاريخية، والمواقع القتالية.‏
        لقد وصلت إلى الأزدي هذه المعلومات مسندة متواترة عن طريق الوليد بن حماد والحسين بن زياد اللذين نقلا إليه فتوح الشام مباشرة(76) . وهما من رجال الحديث ومصنفيه ومن جلساء البخاري(77) .‏
        إن التراث الوحيد الذي وصلنا من الأزدي هو: "فتوح الشام" وهو يشبه إلى حد بعيد "فتوح الشام" للواقدي، مع بعض الاختلافات.‏
        1- الأزدي أتى بشيء مختصر عما للواقدي، وإن كان في بعض الأحيان يتلاقى معه؛ ويفصل في المعارك، وبخاصة في التقرير الحربي في الرسائل والكتب المتبادلة بين القادة في جبهة الشام، وبين القائد الأعلى في المدينة(78) .‏
        2- جاء الأزدي بتفاصيل وبمعلومات عن القادة الذين اشتركوا في معارك الشام مثل ميسرة بن مسروق العبسي، والأشتر النخعي، وسالم بن نوفل العدوي(79) ، وعن التشكيلات القتالية كتشكيل سعيد بن عامر الذي التحق بجيش اليرموك بعد بدء المعركة(80) وكذلك فقد فصّل في القبائل المشتركة وأولى لها أهمية خاصة(81) وقد أشاد بقبيلة أزد واعتبرها الأغلبية التي قاتلت في المعارك، ونسب إليها الشجاعة والإقدام(82) . ومع الأزدي الحق في ذلك فقد شهد الرسول صلى الله عليه وسلم لهذه القبيلة بالشجاعة والإقدام فقال: "الأزد أسد الله في الأرض."(83)
        3- اقتصر في بعض المعلومات الجغرافية، والتحركات، ومواقع القتال، والاستطلاع(84) ، لكن هذا الاقتصار لم يغير من قيمة هذه المعلومات، وإنما كانت كافية لمثل هذه المعارك.‏
        4- لم يرد في فتوح الشام عند الأزدي المعلومات العسكرية التي يعتمد عليها الباحث من مثل المبارزة والتعزيز أثناء القتال والإمداد بالرجال أثناء سير المعارك والهجوم المعاكس الذي قام به الجيش العربي أثناء هجوم الجيش الرومي في الأيام الأولى في معركة أجنادين وفي المعارك التي تلتها كمعركة اليرموك الفاصلة.‏
        يختلف عن الواقدي في أن رواياته خالية من الحشو والزيادة والاسهاب، فالرواية على قدر ما رواها أولئك السند الذين نقل عنهم. ويحس الباحث أنه يطمئن إلى صدق ما يرويه الأزدي؛ فهو قمة في الصدق والثقة.‏
        أبو يزيد وثيمة(85) بن موسى بن الفرات الفارسي الفسوي‏
        237/ 851)(86)
        نشأ في بلاد فارس كان تاجراً، وصل الأندلس ضارباً في الأرض من البصرة، ثم إلى مصر فمات فيها، وكانت أغلب تجارته بالوشي.(87)
        يؤثر عن وثيمة أنه صنف كتاباً قيماً في الردة سماه "أخبار الردة" ولم يعرف له سوى هذا الكتاب(88) ، الذي تضمن القبائل العربية التي ارتدت بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمكنة تمركزها، والتشكيلات التي أرسلها أبو بكر لمحاربة المرتدين، ثم يذكر المعارك التي خاضتها تلك التشكيلات، وطرق تحركها، وأسلوب التعاون والتنسيق فيما بينها، ويسهب في مانعي الزكاة، ومن عاد منهم إلى الاسلام فاستقام. ويبرز دور خالد بن الوليد في حروب الردة وقتاله مع مالك بن نويره بشيء من التفصيل والحوار والشعر الذي قال متمم في أخيه مالك.(89)
        ترك وثيمة ولداً له يدعى رفاعة، ألف كتاباً تاريخياً جعله على السنين تحدث عن أبيه وغيره من الرجال، وتوفي بمصر سنة 289/ 901(90)
        حدث وثيمة عن سلمة بن الفضل(91) ، وما أكثر ما تحدث سلمة عن ابن إسحاق، وكأن ما كتب وثيمة هو سلمة ذلك أنه كان يروي عنه ويأخذ حديثه، وليس وثيمة وحده هو الذي أخذ عن سلمة؛ بل إن أكثر المؤلفين الذين أتوا من بعده قد أخذوا عنه، ولا سيما الطبري في كتابه تاريخ الأمم والملوك.‏
        أحمد بن يحيى البلاذري‏
        279/ 892)‏
        كان كاتباً وشاعراً. ألف كتباً عديدة منها: البلدان الصغير"، "البلدان الكبير"، "الأخبار والأنساب" الذي لم يتمه. وكان يجيد الفارسية ويترجم منها إلى العربية. وقد جُنّ في آخر حياته، ومات وهو في مصح للأمراض النفسية في بغداد(92) .‏
        إن الأثر الذي وقع بين أيدينا "فتوح البلدان" وهو مختصر عن كتاب "البلدان الكبير". وقد ضمنه البلاذري أخبار الفتوح الاسلامية من أيام النبي صلى الله عليه وسلم إلى أيام عمر بن الخطاب، ووشّاه بمعلومات قيمة عن الوضع الاجتماعي والعمراني والاقتصادي(93) .‏
        عاش البلاذري نديماً للمتوكل، ومات في أيام المعتضد. وقد روى عنه يحيى بن النديم، أبو يوسف وغيرهما، وكان بالإضافة إلى ذلك متقناً للغة العربية(94) ولعل تمكنه من اللغة هو الذي ساعده على تأليف كتبه، ومنها: "فتوح البلدان" الذي نحن بصدده والذي كانت لديه معلومات قيمة عن حروب وفتوحات أبي بكر الصديق؛ ومع هذه المنزلة فقد كان البلاذري سليط اللسان فاحشاً في كلامه، يتسقط زلات الناس، ويمسهم في أعراضهم ويهجوهم(95) . فقد هجا شعراً صاعداً وزير المعتمد وعبد الله بن يحيى الذي كان قاضياً.‏
        لقد أثنى على هذا الكتاب عدة علماء ومحققين، واعترفوا بكثرة فوائده، وصحة المعلومات التي تضمنها أمثال صاحب كشف الظنون، ابن العديم(96) ؛ وإن احتواء هذا الكتاب على الخراج والعطاء والنقود والعمران، فإنه قد تفرد بمعلومات قيمة من حيث اختصاص الشؤون الإدارية والعسكرية كالاحتياجات المادية والرواتب والمصادر الغلالية المتوفرة آنذاك(97) وبهذا يكون المصدر الوحيد من بين المصادر كلها الذي تعرض وفصل في التأمين الإداري، فكان بذلك متمماً عما جاء به الواقدي في كتابه فتوح الشام.‏
        اعتمد البلاذري في رواياته على الواقدي، فنقل عنه الكثير؛ كما نقل عن الوليد بن مسلم؛ كما كان في كثير من الأحيان لا يسند قوله، ويبدأ بكلمة: قالوا، ثم يتابع سرد معلوماته مباشرة. وهذا لا يصح إن لم نقل بأنه ثغرة في باب التوثيق والإسناد. سمع بدمشق هشام بن عمار، وبحمص محمد بن مصفى، وبالعراق عفان بن مسلم، وغيرهم.(98)
        ابن عساكر علي بن الحسين بن وهبة اللّه‏
        571/ 1176)‏
        كان محدثاً، فقيهاً، عالماً بالتاريخ وبخاصة بتاريخ مدينة دمشق الذي يقع في ثمانين مجلداً، ومن كتبه أيضاً "الموافقات" في اثنين وسبعين جزءاً، "الأطراف للسنن الأربعة" في ثمانية وأربعين جزءاً، "معجم شيوخه" في اثني عشر جزءاً" "مناقب الشبان" في خمسة عشر جزءاً، "فضل أصحاب الحديث" في أحد عشر جزءاً، "تبيين كذب المفتري على الشيخ أبي الحسن الأشعري" في مجلده(99) .‏
        لقد تطرق ابن عساكر(100) في كتابه "تاريخ مدينة دمشق" إلى الردة وإلى فتوح الشام من ص 423 إلى ص 620. وقد تميزت كتابته بأنها مسندة، يقلب الخبر إلى عدة وجوه مروية، حتى لتحس أنك أمام بحر من المعلومات التي تصطفي منها وتختار؛ إلا أن ابن عساكر مع هذه الروايات الكثيرة والشاملة لا يضع رأيه أو يشير إلى ناحية الصواب أو الخطأ إذ يترك للقارئ أن يستمتع بما يقرأ، وأن يأخذ ما يشاء؛ إلا في بعض مواضع قليلة عندما يقول: "ويدل عليه أيضاً أن إجماع أهل التواريخ على أن فتح دمشق كان سنة أربع عشرة، وبلا خلاف أن أبا بكر توفي في سنة ثلاث عشرة في جمادى الآخرة."101) ثم إنه يورد الرسائل والكتب المتبادلة بين القائد الأعلى في المدينة وبين قادة الجبهات والتشكيلات كما جاءت. وهو بهذا يتحف الباحث بمعلومات ضرورية عن فكرة لمعركة من خلال هذه الرسائل، كما يضعه في صورة الموقف الحقيقي102)، كما كان يتحرى تواريخ المعارك ويأتي بالأسانيد المختلفة103)، غير أنه لا يأتي بتفاصيل عن سير المعركة؛ وإنما يورد أخباراً متقطعة من هنا وهناك يحس الباحث بصدقها وحسن روايتها104).‏
        طاف البلاد في سبيل الحصول على العلم، وقد جمع ما يقدر بأكثر من عمره، ووضع مالا يتسع لمؤلف أن يضعه خلال حياته105).لقد زار بلاداً كثيرة، فقصد بغداد، وارتحل إلى خرسان ونيسابور وأصبهان ومرو وتبريز وبيهق وخسرو، ووصل إلى الأنبار والرافعه والرحبة وماردين، وزار مكة والمدينة وغيرها واستقر في دمشق ودفن فيها بمقبرة باب الصغير106).‏

        أمضى أغلب أيامه مرتحلاً قاصداً العلم والعلماء في سبيل الحصول على العلم، متجهماً مصاعب السفر، قاطعاً هذه المسافات الشاسعة على مطية لا يظلله غطاء، ولا يصحبه رجال، وليس معه من زاد إلا ما يقوي به ويسد صلبه، وغير إداوة يضع فيها الماء107). أهو رحالة؟ بل زاد، أهو مكتشف؟ بل زاد فلقد كان واهباً نفسه للعلم فأدركه، وكان حجة وذا علم واسع، ساعده على ذلك تعرفه الحقيقي على الجغرافية الطبيعية، وعلى أحوال البلدان والمدن والأراضي التي زارها. فإذا كتب عن الردة أو عن فتوح الشام فإنما يكتب عن بلاد وأراض سار عليها واستراح فيها وأمعن النظر في سهولها وجبالها ووديانها أي أنه درس مسارح العمليات على الواقع والطبيعة؛ كما ساعده على ذلك أيضاً كثرة أساتذته ومشايخه الذين قرأ عليهم وأخذ منهم حتى بلغوا حوالي ألف وثلاثمائة من الرجال، ومن النساء بضع وثمانون امرأة108)، يضاف إلى ذلك أنه لم يترك منذ حداثة سنه العلم والتعليم إذا انتسب إلى مدارس دمشق والعراق كالمدرسة النظامية في بغداد، وأعجب به العراقيون ومن فهمه وكذلك في خراسان والبلاد التي حل بها109). وقد شهد بمقدرته العلمية العلماء والمشايخ الذين عاصروه، وأساتذته الذين درسوه وعلموه110). وكان يسمى ببغداد "شعلة نار" ويقول عنه محيي الدين النووي: "حافظ الدنيا" وكانوا يعتبرون ابن عساكر أحد أربعة من الأرض: ابن عساكر بالشام والسلفي بالإسكندرية وابن ناصر ببغداد وأبو العلاء بهمذان111)ومن هنا ومن خلال ثقافته وأثره الكبير "تاريخ مدينة دمشق نخلص إلى القول: 112)‏
        1- إن ابن عساكر كان ثقة واسع الاطلاع والمعارف، جاب البلاد وبهذا فإن كل ما ذكره في كتابه هذا يتجه إلى الصحة، وإن المنهجية التي سلكها كانت سلمية وأمينة، ذلك أنه أعرض عن الدنيا وزينتها، ورفض الإمامة والخطابة113)‏

        2- أغنى موضوع الردة وفتوح الشام بما فيه الكفاية، بل زاد على غيره أنه فصّل في بعض المواقع والمعلومات العسكرية كمحاور القتال والاستطلاع وحجم وتشكيلة الجيوش المشتركة.‏
        3- إنه كان اختصاصياً في تاريخ دمشق لم يسبقه إلى هذا العلم أحد بتفاصيله وسنده ودقته..‏
        (1) سورة التوبة- الآية: 40، القرطبي - تفسير القرطبي: 4/ 2983 وما بعدها.‏
        (2) سورة النور - الآية: 22، وجدي - المصحف المفسر: 460، الجاحظ- العثمانية: 55.‏
        (3) الترمذي - باب المناقب: 16، 17، ابن ماجه -المقدمة: 11 ، الحميدي- السنن: 1/ 214.‏
        (4) البخاري- باب الأذان: 106، الترمذي- باب المناقب: 16.‏
        (5) ابن سعد- الطبقات: 3/ 178، ابن عبد البر - الاستيعاب في معرفة الأصحاب 3/ 969.‏
        (6) الزركلي- الأعلام: 6/28.‏
        (7) ابن حجر-تهذيب التهذيب: 9/38، 39.‏
        (8) ابن حجر- تهذيب التهذيب: 9/39، 40.‏
        (9) ابن حجر- تهذيب التهذيب 9/39 وما بعدها.‏
        (10) ابن حجر- تهذييب التهذيب: 9/44 وما بعدها.‏
        (11) ابن هشام- السيرة النوية: 1/7.‏
        (12) الخطيب- تاريخ بغداد: 1/214، 217، 218، ابن سيد الناس - عيون الأثر: 1/8، الذهبي- تذكرة الحفاظ: 1/ 163، الذهبي- ميزان الاعتدال: 3/ 21.‏
        (13) الخطيب - تاريخ بغداد: 1/ 215، 216، الذهبي - تذكرة الحفاظ: 1/ 164.‏
        (14) الخطيب - تاريخ بغداد: 1/ 214، 217، الذهبي- ميزان الاعتدال: 3/ 21.‏
        (15) الخطيب - تاريخ بغداد: 1/ 219، ابن سيد الناس - عيون الأثر: 1/ 8، 9، الذهبي - ميزان الاعتدال: 3/ 23.‏
        (16) الخطيب - تاريخ بغداد: 1/ 220، ابن سيد الناس - عيون الأثر: 1/9، الذهبي- ميزان الاعتدال: 3/ 23.‏
        (17) الخطيب - تاريخ بغداد: 1/ 221، زيدان- تاريخ آداب اللغة العربية: 2/ 175.‏
        (18) الذهبي - تذكرة الحفاظ: 1/ 163، الذهبي- ميزان الاعتدال: 3/ 21.‏
        (19) ابن حجر - طبقات المدلسين: 18، ألفية العراقي: 26 وما بعدها.‏
        (20) ابن سيد الناس- عيون الأثر: 1/ 8- 17.‏
        (21) ابن حجر - تهذيب التهذيب: 9/ 46، ابن العماد الحنبلي - شذرات الذهب: 1/ 230.‏
        (22) ابن النديم - الفهرست: 1/ 165، 332، البغدادي - هدية العارفين: 2/ 500، الزركلي - الأعلام: 8/ 122.‏
        (23) ابن حجر- تهذيب التهذيب: 11/ 151.‏
        (24) الذهبي- ميزان الاعتدال: 3/ 275.‏
        (25) الذهبي - تذكرة الحفاظ: 1/ 279، ابن الجزري- غاية النهاية في طبقات القراء. 2/ 360.‏
        (26) الذهبي - تذكرة الحفاظ: 1/ 278.‏
        (27) الذهبي - تذكرة الحفاظ: 1/ 279.‏
        (28) الذهبي - تذكرة الحفاظ: 1/ 279، الذهبي - ميزان الاعتدال: 3/ 275.‏
        (29) التدليس يكون إما في الإسناد، وإما في الشيوخ، وإما في المتن، انظر المعنى مفصلاً عند ابن حجر - طبقات المدلسين: 2،3، وانظر ألفية العراق: 26، وانظر دائرة المعارف الاسلامية: 5/ 2/ 10 وما بعدها.‏
        (30) ابن ججر- طبقات المدلسين: 18، ألفية العراقي: 26، 27، الذهبي ميزان الاعتدال: 3/ 275.‏
        (31) الذهبي- ميزان الاعتدال: 3/ 275، ابن العماد الحنبلي شذرات الذهب: 1/ 344.‏
        (32) ابن العماد الحنبلي- شذرات الذهب: 1/ 344.‏
        (33) الذهبي - ميزان الاعتدال: 3/ 275.‏
        (34) ابن حجر - تهذيب التهذيب: 4/ 295، البغدادي- هدية العارفين: 1/ 413، الزركلي - الأعلام: 3/ 150.‏
        (35) ابن حجر- تهذيب التهذيب: 4/ 295.‏
        (36) ابن حجر - تهذيب التهذيب: 4/ 295، 296، ألفية العراقي: 29.‏
        (37) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/ 429، 430.‏
        (38) الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/ 461.‏
        (39) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/ 471 وما بعدها.‏
        (40) الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/ 279.‏
        (41) الطبري - تاريخ الأمم والملوك 2/ 480.‏
        (42) الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/ 480 وما بعدها‏
        (43) الطبري تاريخ الأمم والملوك 2/ 483.‏
        (44) الطبري تاريخ الأمم والملوك 2/ 490.‏
        (45) الطبري - تاريخ الأمم والموك 2/ 551.‏
        (46) الطبري - تاريخ الأمم والملوك 2/ 592 وما بعدها.‏
        (47) ابن حجر - تهذيب التهذيب: 9/ 365.‏
        (48) ابن حجر - تهذيب التهذيب: 9/ 364، 366.‏
        (49) ابن النديم - الفهرست: 1/ 150، ابن سيد الناس - عيون الأثر: 1/ 18.‏
        (50) ابن النديم - الفهرست: 1/ 150.‏
        (51) ابن النديم - الفهرست: 1/ 150، 151، ياقوت- معجم الأدباء: 8/ 281، ابن خلكان - وفيات الأعيان: 4/ 348.‏
        (52) ابن العماد الحنبلي- شذرات الذهب: 2/ 18.‏
        (53) السمعاني - الأنساب: 577، الخطيب - تاريخ بغداد: 3/ 3، ابن خلكان- وفيات الأعيان: 1/ 506، ابن سيد الناس: عيون الأثر: 1/ 17.‏
        (54) ابن سيد الناس - عيون الأثر: 1/ 18.‏
        (55) الخطيب- تاريخ بغداد: 3/ 7، ابن سيد الناس - عيون الأثر: 1/ 18.‏
        (56) ابن سيد الناس- عيون الأثر: 1/ 19.‏
        (57) السمعاني- الأنساب: 577، الخطيب - تاريخ بغداد: 3/ 3/، 4، ابن خلكان وفيات الأعيان: 1/ 506، ابن العماد الحنبلي وشذرات الذهب: 2/ 18، زيدان- تاريخ آداب اللغة العربية: 2/ 170.‏
        (58) الخطيب - تاريخ بغداد: 3/6.‏
        (59) الواقدي- فتوح الشام: 1/100، 105، 113، 120، 131.‏
        (60) الواقدي - فتوح الشام: 1/129، 131، 133.‏
        (61) المصدر نفسه: 1/118، 124، 125، 126، 130، 133، 135، 139.‏
        (62) المصدر نفسه: 1/125‏
        (63) المصدر نفسه: 1/101، 105، 115، 120، 127، 129، 131، 134، 140.‏
        (64) المصدر نفسه: 1/110،111.‏
        (65) المصدر نفسه: 1/118، 125، 128، 131، 139.‏
        (66) المصدر نفسه: 1/118، 125.‏
        (67) المصدر نفسه: 1/139، 141.‏
        (68) المصدر نفسه: 1/99، 105، 114، 117، 121، 128، 138، 173، 174.‏
        (69) الواقدي- فتوح الشام: 1/ 107، 109.‏
        (70) ابن سعد - الطبقات: 5/ 315، المستشرق مارغوليوت- دراسات عن المؤرخين العرب: 18.‏
        (71) الفهرست - ابن النديم: 1/ 153، 154.‏
        (72) الخطيب- تاريخ بغداد: 12/ 55، الحميدي- جذوة المقتبس: 290.‏
        (73) الخطيب - تاريخ بغداد: 12/ 55، الحميدي- جذوة المقتبس: 290.‏
        (74) الخطيب - تاريخ بغداد: 12/ 54 وما بعدها.‏
        (75) الأزدي- فتوح الشام: 1/ 9، 14، 16، 33، 51، 81، 90 وما بعدها.‏
        (76) الأزدي - فتوح الشام: 1، 9، 14، 16، 33، 51، 81، 90 وما بعدها.‏
        (77) الأزدي- فتوح الشام: مقدمة: ك.‏
        (78) المصدر نفسه: 67 وما بعدها.‏
        (79) المصدر نفسه: 112، 155.‏
        (80) المصدر نفسه: 184‏
        (81) المصدر نفسه: 218.‏
        (82) المصدر نفسه: 189، 191، 192.‏
        (83) ناصف - التاج الجامع للأصول: 3/ 422.‏
        (84) الأزدي - فتوح الشام: 192، 198، 210، 211، 217.‏
        (85) الوثيمة: الحجر المكسور. وقيل حجر القداحة. وقيل الصخر. والوثيمة الجماعة من الحشيش أو الطعام. وقيل : والذي أخرج الثمر من الجريمة والنار من الوثيمة. انظر الزبيدي - تاج العروس: 9/ 89.‏
        (86) ابن الفرضي -تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس: 2/ 165.‏
        (87) ابن الفرضي - تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس: 2/ 165، الحميدي - جذوة المقتبس:‏
        340، 341.‏
        (88) الحميدي - جذوة المقبس: 341، الزركلي- الأعلام: 8/ 110.‏
        (89) ابن خلكان- وفيات الأعيان 21/ 171، 172.‏
        (90) ابن خلكان - وفيات الأعيان: 2/ 171.‏
        (91) الزبيدي - تاج العروس: 9/ 89.‏
        (92) زيدان - تاريخ آداب اللغة العربية: 2/ 224.‏
        (93) ابن شاكر الكتبي فوات الوفيات: 1/ 157، زيدان - تاريخ آداب اللغة العربية: 2/ 224.‏
        (94) ياقوت - معجم الأدباء: 5/91 ، 92، سركيس معجم المطبوعات العربية والمصرية: 585.‏
        (95) ياقوت- معجم الأدباء: 5/ 92؛ ابن شاكر الكتبي- فوات الوفيات: 1/ 155.‏
        (96) سركيس - معجم المطبوعات العربية والمصرية: 585.‏
        (97) سركيس - معجم المطبوعات العربية والمصرية: 585.‏
        (98) ابن شاكر الكتبي - فوات الوفيات: 1/ 155.‏
        (99) ابن العماد الحنبلي- شذرات الذهب: 4/ 239.‏
        (100) اشتهر بابن عساكر، وليس من جدوده من سمي أو لقب بهذا اللقب. انظر السبكي- طبقات الشافعية: 4/ 273، طاش كبرى زاده - مفتاح السعادة: 2/ 211.‏
        101) ابن عساكر - تاريخ مدينة دمشق: 1/ 521.‏
        102) انظر إلى نماذج من هذه الرسائل عند ابن عساكر- تاريخ مدينة دمشق: 1/ 448 وما بعدها.‏
        103) ابن عساكر - تاريخ مدينة دمشق: 1/ 478.‏
        104) ابن عساكر- تاريخ مدينة دمشق: 1/ 493، طاش كبرى زاده - مفتاح السعادة: 1/ 216.‏
        105) طاش كبرى زاده- مفتاح السعادة: 1/ 216، 217.‏
        106) ابن خلكان- وفيات الأعيان: 1/335، ابن الوردي- تاريخه: 2/87، طاش كبرى زاده- مفتاح السعادة: 1/216‏
        107) السبكي - طبقات الشافعية: 4/ 273.‏
        108) السبكي - طبقات الشافعية: 4/ 273،‏
        109) السبكي- طبقات الشافعية: 4/ 273، ابن العماد الحنبلبي - شذرات الذهب: 4/ 239.‏
        110) السبكي - طبقات الشافعية: 4/ 274. ابن العماد الحنبلي- شذرات الذهب: 4/ 239.‏
        111) السبكي - طبقات الشافعية.‏
        112) السبكي- طبقات الشافعية 4/276.‏
        113) طاش كبرى زاده - مفتاح السعادة: 2/ 211.‏

        تعليق


        • #5
          رد: الرّيادة فـي حـروب وفتوحات أبي بكر الصّديق

          ابن حُبيش عبد الرّحمن بن محمّد بن عبد الله الأنصاري الأندلسي
          584/ 1188)‏
          أندلسي، عالم، فقيه، حافظ، ولي القضاء(1) . حبيش خاله نسب إليه(2) من شارقة التابعة بلنسية. أقام بقرطبة ثلاثة أعوام يتلقى العلم ثم عاد إلى وطنه، وخرج منه سنة 542/ 1147 إلى مرسية فولي فيها الخطبة ثم القضاء(3) . ثم إلى جزيرة شقرا فو لي فيها الصلاة والخطبة وبقي فيها نحواً من اثنتي عشرة سنة، ثم عاد إلى مرسية، وتوفي عن ثمانين عاماً(4) وشيعه أناس كثيرون.‏
          لقد برع في القراءات والحديث والأدب واللغة العربية. وكان ثقة وصدقاً. وبالرغم من علو بابه في هذه العلوم، فهو لم يؤلف بها كتباً. ويعتبر إمام الحديث بالأندلس، وهو الذي تفرغ لغريبه ولغته وما آل إليه من علوم(5) .‏
          لابن حبيش كتاب في المغازي سماه: "الغزوات الضامنة الكاملة والفتوح الجامعة الحافلة الكائنة في أيام الخلفاء الأول الثلاثة.." عنوان مطول لمعلومات مطولة ومفصلة؛ اطلعت عليه كمخوط يقع في عدة مجلدات.‏
          وقد اعتمد المؤلف في كتابه الغزوات على الروايات عن أحمد بن عبد الرحمن القصبي وأبي القاسم وابن اليسع، وروى عنه أيضاً أبو الخطاب بن دحيه وعلي ابن أبي العافية(6) .‏
          إن كتاب الغزوات قمة في التأليف، وروعة في المنهجية، وكنز في المعلومات. فهو الذي فصل في حروب الردة أيام أبي بكر الصديق، ثم الفتوحات ومنها فتوح الشام. وكان في أسلوبه الرصين القوي يورد السند، ويتتبع الحوادث الزمنية، والشواهد الحيّة، فكأنك إذا قرأت كتابه هذا أغناك عن كل مصدر، فهو قد جمع به كل ما قيل بشأنه إلى عصره الذي مات فيه. ولئن شبهته بعيون الأثر لابن سيد الناس، الذي جمع فيه ونسقه؛ فكذلك قام ابن حبيش مرتباً منسقاً مسنداً جامعاً المعلومات التي قيلت من قبل وأفرغها بكتاب واحد.‏
          (1) ابن الجزري- غاية النهاية في طبقات القراء: 1/ 378، السيوطي- بغية الوعاة:301، الزركلي الأعلام: 3/ 328.‏
          (2) ابن الأبار- التكملة: 2/ 573، ابن الجزري - غاية النهاية في طبقات القراء: 1/ 378.‏
          (3) ابن الأبار - التكملة: 2/ 573، 574، ابن العماد الحنبلي - شذرات الذهب: 4/ 280.‏
          (4) ابن الآبار- التكملة - 2/ 573، ابن الجزري - غابة النهاية في طبقات القراء: 1/ 378.‏
          (5) السيوطي- بغية الوعاة: 301.‏
          (6) ابن الجزري- غاية النهاية في طبقات القراء: 1/ 378.‏

          تعليق


          • #6
            رد: الرّيادة فـي حـروب وفتوحات أبي بكر الصّديق

            الفصـــــل الأوّل
            حروب أبي بكر الصّديق رضي الله عنه في الفترة النبويّة‏
            استجاب أبو بكر لنداء الإسلام فما تردد(1) ومن هنا بدأت حروبه، وبدأ الناس يسددون سهامهم؛ وبخاصة أولئك الذين يعتبرون كل داخل في الاسلام صائباً. وقد تعرض أبو بكر لقاء هذا الانتساب إلى الأذى والضر فصبر(2) ونزلت آية القتال: "أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز"(3) وأعقبها إذن من الرسول صلى الله عليه وسلم بهجرة كل من أسلم من مكة إلى المدينة، وأبقى أبا بكر فلم يأذن له، لعله يكون صاحبه في السفر(4) . وفهم هذه الإشارة من الرسول صلى الله عليه وسلم فأخذ يجهز نفسه ليوم الهجرة الموعود، فابتاع راحلتين وأعدهما، فلما كان الموعد بكى أبو بكر فرحاً، فخرجا معاً، فدخلا غار ثور، وبقيا ثلاث ليال سوياً(5) ثم تابعا سيرهما باتجاه المدينة. ولما وصل الرسول صلى الله عليه وسلم إليها، بدأت التحضيرات لحرب حقيقية؛ وبعد ثمانية أشهر ندبت أول سرية لقتال قريش.(6) وقد حضر أبو بكر المعارك كلها مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يتخلف عن معركة واحدة(7) .‏
            أبو بكر نائب القائد الأعلى‏
            إن أول معركة مسلحة هي وقعة بدر الكبرى. خرج فيها أبو بكر مع القوم. وكان بجانب القائد الأعلى محمد صلى الله عليه وسلم. وعددهم يومئذ ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، وعدد قريش ألف مقاتل.‏
            في الطريق إلى أرض المعركة كان أبو بكر برفقة الرسول صلى الله عليه وسلم "هو ورجل من أصحابه" وقد قال ابن هشام في السيرة النبوية أن الرجل هو أبو بكر الصديق(8) .‏
            تحرك جيش المدينة باتجاه بدر فنزل وادياً يقال له "ذفران" وهنا اجتمع المجلس الاستشاري العسكري، فكان أول المتكلمين أبو بكر الصديق فعبر عن رأيه، ثم توالى أعضاء المجلس فأدلوا بآرائهم(9) . وعادة ما يتكلم في هذه المجالس بعد القائد نائبه، ولا تزال هذه الطريقة متبعة حتى الآن، إذ يسمح لنائب القائد في التكلم، ثم لرؤساء الفروع التي تليه، ولبقية أركان التشكيل.‏
            بني مقر القيادة في هذه المعركة على مكان مرتفع يشرف على أرض المعركة. ويقود منه الرسول صلى الله عليه وسلم وحدات جيشه. وكان قوام هذا المقر من القائد الأعلى ونائبه أبي بكر حيث دخلا فيه معاً(10) وبعض الحرس من الأنصار.(11)
            القائد يناشد ربه، ويدعوه أن ينجز له وعده، ويلح في الدعاء والتضرع حتى سقط رداؤه، فأخذه النائب فوضعه وأصلحه والتزمه من ورائه وهو يقول: "كفاك يا نبي الله بأبي أنت وأمي مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك(12)
            ذلك القائد الذي يبشر نائبه بالنصر فيقول: "يا أبا بكر أتاك نصر الله"(13)
            فيتهلل وجهه فرحاً، ويتبدد الخوف، ذلك أنه يعلم أن هذه البشرى حق، وأن القائد صادق في قوله. ولهذا فإنه لما التحمت الفئتان وتبين نصر المسلمين فقتل من قتل من صناديد قريش وعظمائها كان القائد ونائبه يرقبان هذه الأعمال من العريش وسعد بن معاذ قائم يحرس مع ثلة من قومه(14) هذا المقر.‏
            ويأخذ القائد برأي نائبه بشأن الأسارى الذي رأى أن تؤخذ منهم الفدية لتكون للمسلمين قوة، وليكون الأسرى في حال دخولهم في الاسلام عضداً ومعيناً. ويترك الرسول صلى الله عليه وسلم آراء الآخرين " وهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قال عمر..."(15)
            استطلع القائد ونائبه في هذه المعركة طرق التحرك ومواقع القتال، وكان يسأل الناس الاستطلاع ومعه أبو بكر. ولقد عرجا على شيخ من العرب، فأخذا منه المعلومات اللازمة عن العدو وأمكنته وعدده وتجميعه(16) وكان أبو بكر يلازم الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه المعركة ويؤازره عند الحرب، وأينما حل وارتحل(17) ، يعاونه في المهام.‏
            انتصر المسلمون في هذه المعركة، وقتل من قتل من قريش، وفروا على أعقابهم، وهنا انقسم جيش المدينة إلى ثلاثة أقسام، قسم يطارد المنهزمين، وقسم يجمع الغنائم، وثالث بقي حول مقر القيادة وحول الرسول صلى الله عليه وسلم ونائبه(18) .‏
            في معركة أحد؛ وعندما انتكس المسلمون، أقبل أبو سفيان قائد جيش قريش، يسأل عن محمد، ثم يسأل عن أبي بكر، ذلك أن قريشاً تعلم منزلة أبي بكر الصديق عند الرسول صلى الله عليه وسلم وتعلم أنه يأتي الرجل الثاني ولذلك قام أبو سفيان فقال: "أفي القوم محمد.. ثم قال بعدها أفي القوم ابن أبي قحافة.."(19) ولم يترك النائب القائد في هذه المعركة بل صاحبه في كل مراحلها، وثبت معه في أشدها، وعندما زلزل المقاتلون، وفر بعضهم عن القائد؛ أما أبو بكر فقد بقي ملازماً مؤازراً مدافعاً.(20)
            وفي غزوة بني النضير انطلق القائد ونائبه ومعهما بعض الصحابة إلى بني النضير يستعينهم في دية القتيلين من بني عامر، وبعد أن أظهر بني النضير العون، انقلبوا يكيدون له، وهمّوا بقتله وذلك بإلقاء صخرة عليه وهو جالس فيهم، فانتبه إلى هذه المكيدة(21) فقام من مجلسه واتجه باتجاه المدينة، وأوكل أمر القيادة إلى أبي بكر الصديق، الذي حاصر يهود بني النضير حتى عاد القائد من مهمته(22) .‏
            وفي غزوة بني المُصطَلق المُرَيْسيع) في السنة السادسة من الهجرة، خرج القائد مع نائبه لملاقاة بني المصطلق الذين يحضرون ويجتمعون لقتال الجيش العربي الاسلامي في المدينة، وقد نال منهم، وانتصر عليهم(23) . ثم قفل راجعاً إلى المدينة، وقبل أن يتحرك الجيش طلب المقاتلون من أبي بكر الصديق على اعتباره نائب القائد لبدء المسير من هذا المكان الذي طال مكوثهم فيه لفقدان عقد لعائشة ابنته.(24)
            وفي فتح مكة، جهز القائد، وأمر بالتحضيرات السرية في السنة الثامنة من الهجرة، وعمَّى على قريش حتى لا تعرف الوجهة التي يتجه إليها الجيش العربي الاسلامي وعمى على غير قريش من الأعداء، فمنهم من يقول يريد قريشاً، ومنهم من يقول يريد غيرها(25) . ودخل القائد مكة بفرقة فيها أبو بكر من أعالي المدينة، وقسم الفرق الأخرى فدخلت مكة من جهاتها الثلاث.(26)
            وفي آخر غزوة غزاها القائد وهي تبوك وذلك في السنة التاسعة من الهجرة، وكان الحر شديداً، والفقر مدقعاً، والناس في ضيق وعسرة. تحرك الرسول صلى الله عليه وسلم بجيشه من المدينة حتى وصل تبوك، وعاد بعد أن مكث هناك بضع عشرة ليلة، وحقق أهدافه الاستراتيجية(27) . وفي هذه أشار القائد الأعلى إلى نائبه أبي بكر الصديق أن يؤم العسكر في الصلاة.(28)
            مما تقدم؛ فقد كان أبو بكر ملازماً لقائده، مرافقاً له، ومصاحباً، وقريباً منه في جميع مراحل القيادة؛ له التقدم في التكلم في شؤون الحرب والقتال؛ وقد ساعد القائد الأعلى من مقر القيادة، كما هوّن عليه وبشره بانجاز ما وعده ربّه به، ونفس عن كربه، وتبادل معه الحديث والبشرى، ومال إلى رأيه بشأن أسارى بدر، واستطلعا معاً ما يجب استطلاعه؛ وقاد أبو بكرالجيش وأمّه في غياب الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وعرف العدوُّ والصديقُ منزلة أبي بكر بأنه النائب للقائد الأعلى لا ينافسه في ذلك أحد من الصحابة.‏
            حامل الرّاية اللواء)‏
            بعد الانتكاسة التي مني بها الجيش العربي الإسلامي في معركة أحد، وعاد إلى المدينة، استنفر القائد الأعلى الجيش في تلك الليلة التي وصل فيها، واستجاب المقاتلون على ما فيهم من جراح وتعب. في هذه الشدة وفي هذه المحنة أودع الرسول صلى الله عليه وسلم الراية أبا بكر الصديق(29) . فأخذها وانطلق أمام الجيش مسرعاً للقاء العدو حتى يظن أن هذا الجيش لايزال على قوته، وأن ما أصابه لم يفت في عزمه، وتجمعت الكتائب تترى متتابعة بعضها إثر بعض حتى وصلت حمراء الأسد(30) ، ونال الجيش من عدوه دون قتال، وأرعب العدو فانسحب إلى مكة وعاد القائد بجيشه إلى المدينة(31) .‏

            وفي غزوة المريسيع حمل أبو بكر الراية عن المهاجرين. (32) . وفي غزوة تبوك حمل اللواء الأعظم وكان لونه أسود.(33)
            لا يحمل الراية اللواء) إلا أقوى القوم وأشجعهم. وإن حمل اللواء يدل على الثقة الكاملة بحامله من القائد الأعلى، ويشعره على أنه أهل للقيادة ورمز لها. وهكذا فإن أبا بكر كما يلاحظ ندب لهذا العمل في أصعب المعارك وأقساها، فغزوة حمراء الأسد كانت بعد انتكاسة والمقاتلون في نصب وجراح، وغزوة تبوك كانت في ضائقة مادية صعبة، وفي حر شديد، ومسافة بعيدة، وخطوط إمداد طويلة.‏
            أبو بكر أمين سر القائد الأعلى‏
            كان القائد يكتم الأسرار، أو بعضها عن مجلسه أو أصحابه؛ لكن أبا بكر كان يعلم ما لا يعلمه غيره، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يخفي التحضيرات ليباغت القوم، وليأخذهم على حين غرة(34) . ففي غزوة الفتح أخفى القائد الأعلى كل تحضيراته حتى على أقرب الناس إليه حتى على زوجه عائشة؛ ولما سأله أبو بكر: "فأين تريد يا رسول الله؟" قال: "قريشاً وأخفِ ذلك يا أبا بكر.. واطوِ ما ذكرت لك."(35) وفي حصار الطائف وبعد التجاء المنهزمين من ثقيف وغيرها بعد وقعة حنين إلى الطائف، وبعد اتخاذ جميع الإجراءات الدفاعية والتحصينية، حاصرهم القائد الأعلى، ونصب عليهم المنجنيق، وقطع عنهم الإمدادات والمياه، لكنهم لم يستسلموا، وظلوا يقاومون ويدافعون عن مدينتهم فيقتلون ويقتلون، ولم يلبث الرسول صلى الله عليه وسلم أن فك الحصار عن الطائف وأذن بالرحيل(36) . وأسرّ القائد إلى نائبه أمين سره وحده دون غيره أنه لم يؤذن له في فتح الطائف، فكتمها أبو بكر؛ ولما كثر الجدال في هذه المسألة بين عمر بن الخطاب وبين أبي محجن، نهى أبو بكر عمر عن هذا الجدال وقال: "لم يؤذن للرسول صلى الله عليه وسلم في فتح الطائف. فسأل عمر الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: "نعم لم يؤذن لي."(37) وكذلك في قصة خطبة حفصة بنت عمر يوم عرضها على أبي بكر فأبى فقال بعد أن خطبها الرسول صلى الله عليه وسلم : "فلم أكن لأفشي سرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها قبلتها " (38)
            المستشار العسكري الأوّل‏
            لقد كان المجلس العسكري الاستشاري يضم نخبة من الصحابة. وفي بعض الأحيان وفي مناقشة بعض الأمور الهامة كشؤون الحرب، واعلان التعبئة، فإن هذا المجلس يكون وقتئذ موسعاً بحيث يشمل المستشار الأول والصحابة الآخرين وزعماء القبائل وقادة التشكيلات، والذين لهم علم وخبرة في الأعمال القتاليّة؛ كما حدث عندما انعقد هذا المجلس قبيل معركة أحد(39) . وسواء أكان المجلس موسعاً أم مقتصراً على فئة خاصة لبحث موضوع قتالي أو حربي، فإن أبا بكر يكون فيه أول المتكلمين، فهو أول من تكلم في معركة بدر بعد أن نجت عير قريش، فقام فقال وأحسن ثم تبعه عمر والمقداد، ثم الأنصار ممثلون بسعد بن معاذ(40) . وفي غزوة حمراء الأسد استشاره الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً في طلب العدو، فأشار عليه في ذلك، فأمر القائد الأعلى بلالاً فنادى: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم بطلب عدوكم."(41) وفي غزوة بدر الموعد بدر الثانية) التي سميت أيضاً غزوة السويق) التي خرج فيها الرسول صلى الله عليه وسلم لملاقاة أبي سفيان(42) . فأشار أبو بكر بالملاقاة والتعرض فقال: "يارسول الله إن الله مظهر دينه، ومعز نبيه، وقد وعدنا القوم موعداً، ولا نحب أن نتخلف فيرون أن هذا جبن فسر لموعدهم، فوالله إن في ذلك لخيرة.(43)

            قائد ميمنة الجيش‏
            يتم تنظيم الجيش العربي الاسلامي من المقدمة، والميمنة، والميسرة، والقلب، والساقة.‏

            في أول معركة في بدر عين أبو بكر قائد ميمنة الجيش(44) ، وقاد ميمنة الجيش أيضاً في معركة حنين(45) . "ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين. ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين(46) " خرجت هوازن وثقيف وعسكرتّا في حنين(47) . وقد ساقوا معهما النساء والصبيان، واستعدوا لقتال وملاقاة الجيش العربي الإسلامي، واصطفت الفئتان، فهاجم مقاتلو هوازن وثقيف على طول جبهة القتال وضغطوا في الهجوم، فتصدع بنيان الصفوف الإسلامية وتفرق قسم منهم، لا يلوون على أحد(48) فثبت أبو بكر الصديق قائد الميمنة.(49) ودعا القائد الأعلى المنهزمين فعطفوا عليه، فأعاد تنظيمهم، وقام بهجوم معاكس أدى إلى خرق صفوف العدو وبعثرة قواته، وهزيمتها.(50) ورد أبو بكر المشركين من جانبه، وعاد تماسك الجناحين والقلب، وأعيد تنظيم الجيش حين أمر الرسول صلى الله عليه وسلم العباس أن ينادي ويصرخ بالمقاتلين لكي يرجعوا فيباشروا القتال من جديد(51) . وكان لأبي بكر دوره في إحراز النصر، وإعادة الجيش(52) .‏
            أوّل شاهد على صلح الحديبية‏
            أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم العمرة في السنة السادسة من الهجرة، وخرج معه أبو بكر الصديق، واجتمع إليه العرب والأعراب، وكان عددهم أربعمائة وألف معتمر.(53) وسار بهم حتى انتهى إلى ذي الحليفة فوقفت قريش في طريقه فمنعته من دخول مكة، فاتجه إلى مِنى، ثم اتبع طريقاً مخفياً عن أنظار أهل مكة فوصل الحديبية فنزل بها، وأرسل إلى قريش يخبرهم أنه جاء معتمراً لا مقاتلاً، واختلفت آراء زعماء قريش، وتعددت رسلهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقام أحدهم عروة بن مسعود، فأراد أن يستفز الصحابة فقال أبو بكر: "اِمصص بظر اللات،(54) أنحن نفر وندعه" فعاد يحمل ما رأى وما سمع وأخيراً أرسلت قريش سهيل بن عمرو مع اثنين ليقوموا بأمر الصلح، وكتبت وثيقة الصلح التي اعترض عليها عمر بن الخطاب، ورأى أن فيها إجحافاً بحق المسلمين، لكن أبا بكر هدَّأ من غضب عمر وأمره بالالتزام والطاعة، كما أقنع الآخرين بأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المؤتمن علينا، وإنه لن يضيعه الله أبداً. فسكن القوم وكأنما أنزلت عليه السكينة والراحة النفسية. في هذا الجو كتبت وثيقة صلح الحديبية وكان أهم ما فيها: وضع الحرب عشر سنين، وأنه من أتى رسول الله من قريش بغير إذن وليه رده عليهم، ومن جاء قريشاً ممن مع رسول الله لم ترده عليه، وأنه من أحب أن يدخل في عقد رسول الله وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه..(55) وبعد أن انتهى علي بن أبي طالب من كتابة هذه الوثيقة التي كان يمليها عليه الرسول صلى الله عليه وسلم دعي أبو بكر ليكون أول شاهد عليها.(56) فوقعها، ممتثلاً ومؤتمراً وملتزماً بإرادة الرسول صلى الله عليه وسلم ورغبته في ذلك، وهو مطمئن إلى سلامة نتائجها، وأثرها في انتشار الإسلام وتعميمه فقال: "ماكان فتح أعظم في الإسلام من فتح الحديبية."(57) لقد قصر نظر المبصرين في هذا الصلح، وضجّ أكثر المقاتلين، وحتى الذين لهم حظ كبير في فهم وإدراك الأمور فاحتج أكثرهم على صلح الحديبية واعتبروه إهانة وذلاً، واعتبره أبو بكر عزاً ورفعة وفتحاً كبيراً(58) .‏
            أبو بكر قائد سرية قتاليّة‏
            بالإضافة إلى تعدد المهام التي كلف بها أبو بكر من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه كلف في السنة السابعة من الهجرة بقيادة سرية(59) تنطلق من المدينة. وتتحرك إلى بني كلاب(60) بنجد(61) . اتبع أبو بكر في قيادة هذه السرية جميع الأعمال القتالية التي تسهل عليه الجاهزية القتالية وتحققها وتحضير وتدريب الجنود وإعطاء التعليمات الأولية والتأمين القتالي والمفاجأة في الزمان والمكان بعد الصبح وعلى ورود الماء(62) ، والأعمال السرية إذ وضع كلمة السر التي كانت أمت أمت(63) وتمركز أبو بكر مع سريته في الأرض المناسبة ونفذ الإخفاء والتمويه.. بهذا كله استطاع أن ينتصر على بني الكلاب وأن يوقع فيهم القتل والسبي ويعود منتصراً(64) .‏
            وكذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم ندب أبا بكر إلى كثير من المواقف العسكرية، والمهمات القتالية، فنفذها بكل جدارة(65) .‏
            قائد سرية ذات مهام خاصّة‏
            في السنة السادسة من الهجرة، تحرك القائد الأعلى بجيشه من المدينة باتجاه بني لحيان(66) الذين غدروا بأصحاب الرجيع، فأخفى جميع التحضيرات، وسلك محوراً قل سالكوه(67) فصعد جبلاً بالقرب من المدينة على طريق الشام، ثم أتى إلى مخيض، فالبتراء، فصخيرات اليمام، فالمحجة من طريق مكة، ثم نزل عُران(68) قريباً من بني لحيان. علموا بالتحرك فهربوا(69) ؛ ولما انتهى الرسول صلى الله عليه وسلم منهم شكل سرية من الجيش ذات مهام خاصة عددها عشرة فوارس بقيادة أبي بكر الصديق مهمتها: ادخال الرعب والخوف في نفس قريش وإرباكها، وجعلها في قلق وحيرة ولتعلم أن هذا الجيش قادر على أن يجوس خلال الديار، وأن يتعرض لها، وأن يصلها وهي في عقر دارها. سار أبو بكر بهذه السرية من عسفان إلى الغميم(70) ، دون أن يلقى عدواً، وقد نفذ مهمته على أكمل وجه. وهذا يدل على أن أبا بكر كان فارساً يحسن ركوب الخيل، ويجيد الوقت نفسه قيادة الفرسان.‏
            الفارس ذو الحركة العالية في الميدان‏
            قائد الطليعة)‏
            لما انتهت معركة أحد، ورجع المقاتلون إلى المدينة على ما بهم من جراح ونصب وحزن وثقل، أعلن القائد الأعلى في اليوم الثاني من أحد استنفار من كان معه بالأمس وأذن مؤذن بالدعوة إلى القتال(71) فانتدب أول ما انتدب أبا بكر والزبير بن العوام في سبعين، وأوكل إلى أبي بكر قيادة الطليعة، فنظمها وأعطى التعليمات القتالية، وأسند المهام، وحدد الاتجاه والهدف، وانطلق في أثر العدو، واستجاب للنداء قال الله تعالى: الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم.(72) ، فخرج على قرحه وتعبه فبلغ حمراء الأسد(73) وأرعب العدو من هذه الاستجابة السريعة، فعاد من حيث أتى، ولم يحصل قتال(74) . ومن هذه الغزوة يستدل على أن أبا بكر أول من استجاب لدعوة القتال، وأول من لحق بالعدو بكتيبة الطليعة، وبالعدد الذي كان جاهزاً آنذاك، ثم تبعته بقية الكتائب إلى أن بلغ عدد المستنفرين حوالي مائتين من المقاتلين(75) ، ويستدل كذلك على أنه كان سريع الحركة، قادراً على إعادة وتحضير وتنظيم هذه الكتيبة التي قادها بعد تبعثرها وتعبها وجراحها، وعلى السيطرة عليها وقيادتها في الظروف الحرجة.‏
            أبو بكر القائد الانضباطي‏
            دلت تلك الفترة التي قضاها أبو بكر مع الرسول صلى الله عليه وسلم في حروبه على أنه قائد انضباطي، ومقاتل طائع، وجندي ملتزم. ينفذ أمر القائد الأعلى بكل طواعية واختيار، وبكل إصرار وتصميم(76) ؛ فهو لثقته وإيمانه بالرسول صلى الله عليه وسلم كان يصدق بكل شيء يصدر عنه من قول أو فعل. ففي غزوة الحديبية أقرّ واعتراف بالمعاهدة مع ما فيها من غبن(77) ، وفي بعث أسامة أكد جاهداً على إرساله ذلك البعث لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر به(78) . فقد أطاعه إلى الأبد حياً وميتاً، لا يناقشة في الأمر، ولا يعترض عليه؛ بل يقوم بتنفيذه، وكما تدل الأنظمة الانضباطية في الجيوش الحديثة اليوم على أن الأمر أمر القائد يجب أن ينفذ دون تذمر أو تلكؤ حتى غدا القول شائعاً في صفوف العسكريين نفذ ثم اعترض، فالتنفيذ أولاً وقبل كل شيء. ولما صلّى أبو بكر بالناس في غياب الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما حضر تأخر أبو بكر فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم "ما منعك أن تثبت حين أمرتك؟" فقال: "ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله" (79) وكان جندياً ملتزماً في معركة ذات السلاسل تحت إمرة عمرو بن العاص(80) . ولم يثبت طوال الفترة النبوية أن اعترض، أو تلكأ، أو توانى، فإنه كان يسارع في إطاعة الأوامر، ويلتزم بها.‏

            القائد العقائدي‏
            آمن أبو بكر بالمبدأ ودافع عنه، وظل ملتزماً به، وقاتل دونه وخاض معارك كثيرة في سبيل هذه العقيدة. ذلك الرجل العقائدي الذي قاتل أقرب المقربين إليه، فقد انبرى في معركة أحد إلى ابنه عبد الرحمن ليبارزه مرتجزاً‏

            وصارم تقضي به يميني‏


            لم يبق إلا حسبي وديني‏


            لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: "شم سيفك وارجع إلى مكانك ومتعنا بنفسك"(81) . ولما أسلم عبد الرحمن قال لأبيه: "لقد أهدفت لي يوم بدر فانصرفت عنك ولم أقتلك." فقال أبو بكر: "لكنك لو أهدفت لي لم أنصرف عنك(82) "؛ كما أنه لم يستعمل أقاربه، ولا حتى ولده عبد الرحمن الذي كانت له فضائل عظيمة وبخاصة في المعارك والحروب، وفي معركة اليرموك نفسها؛ ومع ذلك كله فلم يخصه بشيء، وكان لذلك يخشى أن يصيبه بعض الهوى والميل إلى هؤلاء الأقارب فتفسد العقيدة، ويضيع العدل والحكم(83) .‏

            من ملامح العقائدية عند أبي بكر أنه كان متمسكاً بخطا من سبقه خطوة بخطوة، وشبراً بشبر، ومقتدياً بكل الأفعال والأقوال، ومتبعاً سنة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى ليشعر المرء أن الحب متأصل فيه إلى درجة الافتداء، وإلى تقديم كل ما عنده، فهو الذي أرسل جيش أسامة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر به، برغم المعارضة الشديدة من قبل الصحابة، والخطورة الكبيرة من المرتدين قائلاً لعمر بن الخطاب: "ثكلتك أمك وعدمتك يا بن الخطاب استعمله رسول الله وتأمرني أن أنزعه."(84)
            القائد ذو المعنويّات العالية‏
            يحمل أبو بكر معنويات مصدرها الثقة بالنصر، وإن النصر آت لا محالة والثقة بالقائد الأعلى وإن ما يقوله صدق وعدل لا شك فيه أبداً. ومن هنا فإنه كان يحمل قومه على الثبات ويرفع معنوياتهم في وقت الشدة، ويحافظ عليها في المواقف الحرجة. كان رمزاً لمعنويات المقاتلين. فإذا قاتل في مجموعة كانت القوة المعنوية عالية، ومما يزيد من هذه المعنويات أنه كان يقول الشعر في المواقف الحاسمة وفي الرد على الأعداء، وعلى قريش الذين يعيبون ما حلله الإسلام. ومن عيبهم أنهم ينكرون القتال في الشهر الحرام فنزلت آية التجليل: "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصدٌّ عن سبيل الله وكفرٌ به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.(85) "‏
            كما بدد أبو بكر الشك والريب من نفوس المقاتلين في كثير من المواقف الصعبة التي كادت تعصف بمعنوياتهم، كموقفه يوم صلح الحديبية، حتى إن عمر بن الخطاب ساوره الشك يومئذ فالتجأ إلى أبي بكر فقال: "يا أبا بكر‍ ! أليس هذا نبي الله حقاً؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطى الدنية في ديننا إذاً؟ قال: أيها الرجل، إنه رسول الله، وليس يعصي ربه وهو ناصره، فاستمسك بغرزه حتى تموت، فواللّه إنه لعلى الحق، قلت: أوليس كان يحدثنا أننا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: فأخبرك أنه سيأتيه العام ويطوف به. قلت: لا . قال: فإنك آيته ومطوف به(86) . وموقفه يوم سئل عن إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: "لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين..(87) " وموقفه يوم ماج الناس بموت الرسول صلى الله عليه وسلم واضطربوا فهدأهم وردهم إلى معنوياتهم(88) .‏

            القائد باذل إرادة القتال‏
            تتألف إرادة القتال من عنصرين هامين أولهما، بذل المال، وثانيهما بذل النفس، فمن بذل واحدة فقد أدى شطر الإرادة، ومن قدمهما معاً فقد أدى الإرادة القتالية كاملة.‏
            لقد قدم أبو بكر ماله وكان ذا يسار، فابتاع راحلتين عند الهجرة فقدم واحدة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقدم كل عون ممكن وحمل معه بعض أمواله المنقولة فصرفها في سبيل الله وفي غزوة تبوك قدم المقاتلون جزءاً من أموالهم، وقدم هو كل ماله فلم يبق منه شيئاً، وعندما سأله الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما أبقيت لأهلك؟" قال: "أبقيت لهم الله ورسوله."(89) لقد كان سباقاً في بذل المال، ولم يسبقه أحد، ولم يصل إلى هذا المستوى من العطاء من كان من الصحابة والمقربين(90) . لقد أنفق ماله كله. فما ملك إلا عباءة كانت لفرشه وغطائه في حين أن غيره اقتنى من الحرث والأموال والدور والضياع؛ ولما ولي الخلافة لم يتسع في مال ولم يتخذ جارية ولا خادماً.(91)

            هذا ولا يخفى أن أبا بكر قدم نفسه رخيصه، فحضر المشاهد(92) كلها مع الرسول صلى الله عليه وسلم وذاق الذل والهوان، وكان يقحم نفسه على المهالك قبل الهجرة وبعدها،، ولازم الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يتركه لوحده يوم الشدائد(93) .‏
            حقاً إنه باذل المال والنفس، وإنه أعطى المال كله، وقدم النفس فلم يبخل بشيء، وكان في ذلك قدوة ومثلاً. ألم تر كيف صمد مع ستة من المقاتلين أمام الأعداء في معركة أحد يدافع عن القائد الأعلى ويذب عنه، فلا ترهبه سهامهم ولا تثنيه شدتهم وبطشهم(94) . وكيف ثبت مع القلة الذين ثبتوا في حنين حين انهزم الناس لا يلوون على أحد(95) .‏
            أبو بكر القائد الإداري‏
            لقد أدرك أبو بكر أهمية وسائط النقل، وكانت أهم الوسائط آنذاك الجمال، فهي التي يحمل عليها المقاتل زاده ومتاعه، ويركبها في طريقه إلى ساحات القتال، فإن وصلها ركب الخيل لكي يقاتل عليها.‏
            فلقد هاجر من مكة إلى المدينة على جمل، كما حضر أول معركة، فانتقل من المدينة إلى بدر على بعير في مجموعة من ثلاثة يتعاقبون بعيراً واحداً لقلة وسائط النقل وكان هو وعمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف(96) .‏
            وعلم ما للماء من أهمية، فأوصى وأشار بالتحرك إلى محاور القتال التي يتوفر فيها الماء، كما أوصى في معركة تبوك بالنزول في مكان يتوفر فيه المرعى والماء، ولكن بعض أعضاء المجلس الاستشاري أبوا هذا الرأي فنزلوا بفلاة لا ماء فيها، وكادت تقطع أعناق الرجال من العطش، وكذلك فإن الخيل والإبل ضاقت ذرعاً من شدة العطش فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "أما إنهم لو أطاعوا أبا بكر وعمر رشدوا، وذلك أنهما أرادا أن ينزل بالجيش على الماء فأبوا ذلك عليهما، فنزلوا على غير ماء بفلاة من الأرض.(97) ".‏
            وقدّم الإسعافات الأولية للمقاتلين، وبخاصة في معركة أحد حيث نظر إلى زملائه المقاتلين، فلقي الجرحى في ميدان المعركة من يمينه وشماله، فقدم لهم ما يستطيع تقديمه من إسعافات أولية، وأسرع إلى ابن عمه طلحة ابن عبيد الله فقدم له الإسعافات، ونضح في وجهه الماء، فأفاق من غشيته، فإذا هو ينظر إليه شاكراً له هذه المساعدة، مستفسراً عن صحته وسلامة القائد الأعلى، فيقال له بخير، فيطمئن(98) . ويمضي متنقلاً بين جريح وآخر.‏
            القائد الإنساني‏
            لقد كان أبو بكر رحيماً بالأسارى، إذ كان يترفق بهم. ففي معركة بدر أُسر سبعون رجلاً(99) من قريش، ومنهم الكثير من عشيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وقرابته. والأسير إما أن يقتل، أو يُمن عليه؛ أو يُفتدى، ولما كانت الفكرة آنئذ متجهة إلى قتلهم، فكان أبو بكر يقول: "أهلك وعشيرتك وبنو أبيك أبق عليهم واستأن بهم."(100) " كان يحمل قلباً رحيماً وفؤاداً مفتوحاً، وحناناً إلى كل الناس، فكيف بالأهل والأقارب، حيث كان بهم واصلاً ومشفقاً ومدافعاً. إنه يحمل الصفة الإنسانية التي تميزه عن غيره حتى في حروبه، وفي وصاياه وتعليماته لقادة تشكيلاته. وفي توجيهاته لخالد بن الولد حين وجهه لقتال الردة: "وارفق بالمسلمين في سيرهم ومنازلهم وتفقدهم، ولا تعجل ببعض الناس عن بعض في المسير، ولا في الارتحال من مكان، واستوص بمن معك من الأنصار خيراً من حسن صحبتهم، ولين القول لهم..101)" فلقد كان العفو من شيمته، هيناً، ليناً102).ولما قدم أبو سفيان إلى المدينة طالباً زيادة المدة في صلح الحديبية، لم يظهر الرحمة والإنسانية من بين الصحابة الذين كلمهم أبو سفيان سوى أبي بكر الذي قال: "جواري في جواري رسول الله103). ولما مات سعد بن معاذ بكاه أبو بكر، وكان يسمع بكاؤه إلى حجرة عائشة ابنته.104)وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر.."105)" وهو الذي يصفه ابن الدُّغنة106)قائلاً: "إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق."107)‏
            (1) السهيلي- الروض الأنف: 1/288.‏
            (2) السهيلي - الروض الأنف: 2/127.‏
            (3) سورة الحج- الآيتان: 39، 40.‏
            (4) السهيلي- الروض الأنف: 2/221.‏
            (5) السهيلي- الروض الأنف: 2/224.‏
            (6) ابن سعد- الطبقات: 2/7.‏
            (7) البلخي- البدء والتاريخ: 4/180، ابن الأثير- أسد الغابة في معرفة الصحابة: 3/213، النووي- تهذيب الأسماء واللغات: 2/1/184، وجدي- دائرة معارف القرن العشرين: 2/ 301.‏
            (8) الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/141، السهيلي- الروض الأنف: 3/43.‏
            (9) ابن شهاب- المغازي النبوية: 63، الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/140.‏
            (10) ابن هشام - السيرة النبوية: 1/627، السهيلي- الروض الأنف: 3/36، 38، المقريزي- امتاع الأسماع: 1/79، الحلبي - السيرة الحلبية: 2/166، 171.‏
            (11) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/151، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/ 122، 125.‏
            (12) الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2: 149.‏
            (13) الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/ 150، ابن الأثير - الكامل في التاريخ: 2/ 125، الكلاعي- الاكتفاء: 2/ 29.‏
            (14) الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/151ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/ 126.‏
            (15) الواقدي - مغازي رسول الله: 80، البلخي- البدء والتاريخ: 41/ 92، الحلبي - السيرة الحلبية: 2/ 201.‏
            (16) ابن سيد الناس- عيون الأثر: 1/ 248.‏
            (17) ابن سعد - الطبقات: 2/ 15، ابن عبد البر - الدرر: 114، الكلاعي - الاكتفاء: 2/28-29، الحلبي - السيرة الحلبية: 2/ 177.‏
            (18) المقريزي- امتاع الأسماع: 1/ 92.‏
            (19) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/ 205.‏
            (20) ابن سعد - الطبقات: 2/ 42، النووي- تهذيب الأسماء واللغات: 2/ 1/ 184.‏
            (21) الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/223، 224.‏
            (22) المقريزي- امتاع الأسماع: 1/179، 180، 449.‏
            (23) الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/260‏
            (24) ابن سعد- الطبقات: 2/65.‏
            (25) الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/ 330.‏
            (26) ابن سعد - الطبقات: 2/135، الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/ 334.‏
            (27) ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/ 267 وما بعدها‏
            (28) ابن سعد - الطبقات: 2/ 165.‏
            (29) ابن سعد - الطبقات: 2/ 94، المقريزي- امتاع الأسماع: 1/ 167.‏
            (30) حمراء الأسد مكان على ثمانية أميال من المدينة:الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/ 212. الحموي - معجم البلدان: 2/ 301.‏
            (31) الحميدي - المسند: 1/ 128، الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/ 211، ناصف - التاج الجامع للأصول: 4/ 88.‏
            (32) ابن سعد - الطبقات: 2/ 64.‏
            (33) النووي - تهذيب الأسماء واللغات: 2/ 184، المقريزي- اتباع الأسماع: 1/ 195، وجدي - دائرة معارف القرن العشرين: 2/ 301.‏
            (34) الواقدي- المغازي: 1/ 13، 203، ابن هشام - السيرة النبوية: 4/ 15، 39.‏
            (35) المقريزي- امتاع الأسماع: 1/ 362.‏
            (36) ابن الأثير - الكامل في التاريخ: 2/ 266 وما بعدها.‏
            (37) الجاحظ- العثمانية: 85.‏
            (38) البخاري - باب المناقب: 25، باب النكاح: 33، مسلم - باب فضائل الصحابة: 98، 99، النسائي- باب النكاح: 24، ابن ماجه- باب الجنائز: 64، أبو يعلي - المسند: 1/ 18، 29.‏
            (39) الواقدي- المغازي: 1/ 209، ابن هشام - السيرة النبوية: 3/ 67، ابن سعد - الطبقات: 2/ 26، الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/ 503.‏
            (40) ابن شهاب الزهري - المغازي النبوية: 63، الكلاعي - الاكتفاء: 2/ 19،ا لمقريزي- امتاع الأسماع: 1/ 73، 74، الحلبي - السيرة الحلبية: 2/ 159، 160، الكاند هلوي - حياة الصحابة: 1/ 422.‏
            (41) المقريزي- امتاع الأسماع: 1/ 167.‏
            (42) ابن الأثير - الكامل في التاريخ: 2/ 175، 167.‏
            (43) المقريزي- امتاع الأسماع: 1/ 184.‏
            (44) المقريزي- امتاع الأسماع: 1/ 80.‏
            (45) الجاحظ - العثمانية: 66.‏
            (46) سورة التوبة - الآيتان: 25، 26.‏
            (47) حنين هو واد قريب من مكة يبعد عنها ثلاث ليال. انظر الحموي - معجم البلدان: 2/ 313.‏
            (48) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/ 347.‏
            (49) ابن الأثير - الكامل في التاريخ: 2/ 263.‏
            (50) ابن الأثير - الكامل في التاريخ: 2/363.‏
            (51) الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/ 347، 348.‏
            (52) ابن سعد - الطبقات: 2/ 151.‏
            (53) الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/ 271.‏
            (54) بظر اللات: اللات طاغية ثقيف كانوا يعبدون من دون الله، والبظر مابين الإسْكُتَيْن من المرأة. والعرب تطلق هذا اللفظ على الذم فيقولون: يا ابن مقطعة البظور. انظر الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/ 275، ابن منظور - لسان العرب: 4/ 70.‏
            (55) ابن سعد - الطبقات: 2/ 97، الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/ 280، 281.‏
            (56) الجاحظ- العثمانية: 70، 71.‏
            (57) المقريزي- امتاع الأسماع: 1/ 296.‏
            (58) المقريزي: امتاع الأسماع: 1/ 297 وما بعدها.‏
            (59) ابن سعد - الطبقات: 2/117، 118، المقريزي- امتاع الأسماع: 1/ 334.‏
            (60) بنو كلاب فخذ من هوزان. يسكنون بنجد ووادي القرى. انظر كحالة- معجم قبائل العرب: 3/918، 990، وتر - الإدارة العسكرية في حروب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: 234.‏
            (61) نجد: كل ما ارتفع من تهامة فهو نجد. وهذا المكان غير متفق عليه، وإذا كان بنو هوازن يسكنون نجد فإنهم يسكنون المنطقة التي تلي اليمن. ومن أوديتهم وادي حنين الذي جرت فيه معركة حنين انظر الحموي - معجم البلدان: 5/ 261، كحالة - معجم قبائل العرب: 3/ 1231، وتر - الإدارة العسكرية في حروب الرسول صلى الله عليه وسلم: 234.‏
            (62) ابن سعد - الطبقات: 2/ 118، الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/ 288.‏
            (63) ابن سعد - الطبقات: 2/ 118.‏
            (64) ابن سعد- الطبقات: 2/ 118، الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/ 288.‏
            (65) ابن حزم- المفاضلة بين الصحابة: 233.‏
            (66) بنو لحيان من هذيل. انظر كحالة- معجم قبائل العرب: 3/ 190.‏
            (67) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/ 254.‏
            (68) غران: واد بين أمج وعسفان، أو بين ساية ومكة، انظر ابن هشام - السيرة النبوية: 3/ 292.‏
            (69) ابن سعد - الطبقات: 2/ 78، 79.‏
            (70) ابن سعد - الطبقات: 2/ 79.‏
            (71) ابن كثير- البداية والنهاية: 4/ 49.‏
            (72) سورة آل عمران- الآية: 172.‏
            (73) الحميدي- المسند: 1/ 128، ناصف- التاج الجامع للأصول: 4/ 88.‏
            (74) البلخي- البدء والتاريخ: 4/ 205، القرطبي- تفسير القرطبي: 2/ 1519.‏
            (75) القرطبي - تفسير القرطبي : 2/ 519.‏
            (76) حسين- الشيخان: 6.‏
            (77) الجاحظ- العثمانية: 62، ابن الأثير - الكامل في التاريخ : 2/ 156، المقريزي، امتاع الأسماع: 1/ 144.‏
            (78) الشيباني - شرح السير الكبير: 1/ 54.‏
            (79) ابن حزم - المفاضلة بين الصحابة: 242.‏
            (80) الكلاعي - الاكتفاء: 2/ 422.‏
            (81) المقريزي- امتاع الأسماع: 1/ 144.‏
            (82) السيوطي- تاريخ الخلفاء: 25، الحلبي - السيرة الحلبية: 2/ 179.‏
            (83) ابن حزم المفاضلة بين الصحابة: 245.‏
            (84) الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/ 462، ابن الأثير - الكامل في التاريخ: 2/ 335.‏
            (85) سورة البقرة- الآية: 217.‏
            (86) ابن شهاب الزهري- المغازي النبوية: 55، 56، الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/280، 281،المقريزي- امتاع الأسماع: 1/ 292، السيوطي- تاريخ الخلفاء: 28.‏
            (87) سورة الفتح- الآية: 27.‏
            (88) ابن شهاب الزهري - المغازي النبوية : 134، 135، الجاحظ - العثمانية: 80، السيوطي، تاريخ الخلفاء: 19.‏
            (89) الدارمي- سنن الدارمي: 1/ 391، الترمذي - سنن الترمذي: 9/ 277، اليافعي- الجنان: 1/ 101.‏
            (90) الزمخشري- خصائص العشرة الكرام البررة: 35.‏
            (91) ابن حزم - ا لمفاصلة بين الصحابة: 243، 244.‏
            (92) البلخي: البدء والتاريخ: 4/ 180، ابن الأثير- أسد الغابة في معرفة الصحابة:3/213، وجدي - دائرة معارف القرن العشرين: 2/ 301، الراوي - تاريخ الدولة العربية : 4.‏
            (93) ابنن سعد- الطبقات: 2/ 42، ابن عبد البر- الدرر: 158، النووي - تهذيب الأسماء واللغات: 2/1/184.‏
            (94) ابن سعد- الطبقات: 2/ 46، الجاحظ-العثمانية: 63.‏
            (95) الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/ 347، النووي - تهذيب الأسماء واللغات: 2/1/ 184، المقريزي- إمتاع الأسماع: 1/ 407.‏
            (96) ابن سيد الناس - عيون الأثر: 1/ 246.‏
            (97) المقريزي- إمتاع الأسماع: 1/ 476.‏
            (98) الواقدي- مغازي رسول الله: 199.‏
            (99) الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/ 169، الحلبي - السيرة الحلبية: 2/204.‏
            (100) الطبري - تاريخ الأمم واملوك: 2/ 170، البلخي، البدء والتاريخ: 4/ 192، المقريزي- امتاع الأسماع: 1/ 97، الحلبي - السيرة الحلبية: 2/ 201.‏
            101) فارق- تاريخ الردة: 26.‏
            102) الجاحظ- العثمانية: 68، 69، العقاد- عبقرية الصديق: 43 وما بعدها.‏
            103) الجاحظ- العثمانية: 72.‏
            104) الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/ 253.‏
            105) الترمذي- باب المناقب: 32، ابن ماجه- مقدمة: 11، السيوطي - تاريخ الخلفاء: 32، الحلبي- السيرة الحلبية: 2/ 201.‏
            106) ابن شهاب الزهري - المغازي النبوية: 97 خرج أبو بكر مهاجراً إلى أرض الحبشة، لقيه ابن الدغنة. وهو عند ابن اسحاق رجل من بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة. وكان سيد الأحابيش)‏
            107) ابن شهاب الزهري - المغازي النبوية: 97.‏

            تعليق


            • #7
              رد: الرّيادة فـي حـروب وفتوحات أبي بكر الصّديق

              الفصل الثاني
              مسارح العمليَّات‏
              لم يشهد التاريخ مسرحاً أكبر جبهة وعمقاً ومساحة من المسارح التي خاضها أبو بكر الصديق، وخاضتها جيوشه. فقد وطئت سنابك الخيل أراضي شبه جزيرة العرب، ثم انتقلت إلى العراق فبلاد الشام. ومن الطبيعي أن الأرض بهيئاتها الطبيعية تختلف من مكان إلى آخر. فالعربي قد تعود أرض الجزيرة العربية ورمالها وجفافها وقلة المياه فيها، وارتفاع درجة الحرارة صيفاً، واختلافها في الليل والنهار، وانبساط مسرحها العملياتي وانكشافه، وتوفر ساحات القتال التي تصلح لقتال الخيل والمشاة، وعندما انتقل المقاتل من هذه الأرض، وجد مسرحاً يختلف عن الأول، فالمستنقعات، وزيادة البرودة، وكثافة المدن، وتمركز الحاميات حولها فرض على العرب أن يقاتلوا على مسرح فيه بعض التبديل والتغيير مما اضطرهم إلى أن يختاروا الأرض المناسبة التي قد توفر لهم بعض الشروط التي اعتادوها من قبل. ومن هذا المسرح إلى أرض الشام التي كانت مكسوة بخضرة نضرة، وأشجار ذات ثمار مختلفة، وأنهار متدفقة، وجبال فيها من برد، وسهول فيها من عشب، وطرق فيها من سهولة مما أتاح للجيوش العربية أن تمون قاعدتها المادية، وأن تجد المحاور التي يمكن أن تتحرك عليها، وتبقى مشكلة المنطقة التي تؤمن لهم شروط القتال، والمناورة بالقوى والوسائط وحلت هذه المشكلة بانتقاء المسرح والأرض والموقع المناسب، أي أن العرب اختاروا الأرض وفرضوا على عدوهم أن يقاتل فيها، وهم لا يزالون متأثرين بمسرح شبه جزيرة العرب.‏
              صفات مسارح العمليات‏
              اتسع مسرح العمليات تدريجياً إذ بدأ بمعارك متفرقة حول المدينة، ثم امتد خالد بن الوليد بعملياته نحو الشمال، ثم إلى الشرق من المدينة. ثم شمل أراضي شبه جزيرة العرب، وبضم هذه الأراضي الجديدة تطلّب من الخليفة أبي بكر الصديق أن يحرك أحد عشر تشكيلاً، وأن يوسع عملياته القتالية في كل الاتجاهات، لكن هذا الاتساع أضاف إليه أعباءً كبيرة من حيث السيطرة إذ لا يكفي أبداً أن نحتل الأراضي، بل الأهم من ذلك أن نحافظ على هذا الاحتلال، وأن نتمكن من قيادة وإدارة هذا المسرح بكل كفاءة. وإذا اتسع المسرح العملياتي فإنه يؤدي إلى التخطيط المركزي والتنفيذ غير المركزي بمعنى أن القائد الأعلى في المدينة يقود استراتيجياً ويخطط على المستوى الاستراتيجي، ويكون التنفيذ عملياتياً وتكتيكياً عن طريق الجيوش، المنتشرة في كل الجهات. كما أن الاتساع يضعف القيادة فيما إذا حاولت أن تقود كل الجيوش وأن تتدخل في تحركاتها ومناوراتها، ويُقويها فيما إذا خططت مركزياً وتركت بعض الحريات لقادة الجيوش في التنفيذ. وهذا ما حصل فعلاً إذ أقدم أبو بكر على اعتماد الأسلوب المركزي في التخطيط، وقاد الجيوش معتمداً على رجال أكفاء، وقدرة على المناورة والحركة ضمن هذه الأراضي الواسعة.‏
              امتدت خطوط الإمداد والإخلاء، وأصبحت بعيدة عن مركز المدينة القاعدة المادية الكبيرة في المؤن والرجال. وبهذا الامتداد فإن على الخليفة أن يفكر في قواعد متقدمة تتوفر فيها الأعتدة والوسائط المادية اللازمة لضمان استمرار التقدم، وزيادة وتيرة الهجوم. كما أن عليه أن يفكر في صيانة وحفظ هذه المحاور. وبما أن مسرح عمليات شبه جزيرة العرب كان صحراوياً، فإن المحاور قد تتوفر فيه، وبالتالي فإن الجمال والخيل تستطيع أن تسلكه ولو كان صعب المسلك، أما الخطورة في هذه فإنها تكمن في ضياع معالم الطرق، والوصول إلى أمكنة لا ماء فيها ولا مرعى، وحينئذ يكون المخرج من هذا المأزق في الاعتماد على أدلاء يخرجون بهذا الجيش إلى النجاه والسلامة كما حدث لخالد بن الوليد عندما انتقل من مسرح العراق إلى مسرح الشام، إذ اجتاز طريقاً صعبة كادت تقضي على الجيش لولا حكمة القائد وخبرته القتالية وإجراءاته الإدارية.‏

              تطلّب الاتساع إلى توزيع بعض القوات لحماية الأراضي والمدن والحاميات التي تمت السيطرة عليها، كما تطلب تعيين القيادات والولاة والحكام العسكريين، وتنظيم الإدارة المدنية كما حدث لخالد بن الوليد عندما اجتاز أراضي العراق، وتحرك نحو الشمال، واحتل مدناً كثيرة أهمها الكاظمة والمذار وأليس والجزء الجنوبي من نهر الفرات أسفل العراق) إذ اضطر أن يعين بعض الحراسات التي كان من مهمتها المحافظة على الأمن وترسيخ الحكم الجديد، ودرء المخاطر التي قد تنجم عن مهاجمة الجيش العربي من الخلف، واضطر إلى سحبها أو جزء منها عندما توغل في الشمال ووصل الحيرة. وهذا مما دعا بعض القيادات الفاتحة إلى الاستعانة بالسكان المحليين للدفاع عن هذه الأراضي، أو دفع الجزية. وفي بعض الأحيان كان المقاتلون الذين احتلت بلادهم من أهل فارس يشاركون العرب المسلمين في قتالهم كما حدث لرئيس وفد فارس قبل فتح تستر) أن عرض على أبي موسى الأشعري أن يشترك في القتال معه، وقبل عمر بن الخطاب بذلك(1) ، وكما حدث لسويد بن مقرن المزين عندما فتح بسطام، وصالح أهلها بموجب وثيقة تضمنت مساعدة العرب المسلمين في حروبهم، وتسقط الجزية عنه عند ذلك.(2)
              اختلفت طبيعة الأرض التي يقاتل عليها العربي، إذ كان يقاتل على أرض صحراوية اعتاد عليها، وتواءم مع متغيراتها المناخية، وجفافها، وقلة مياهها، وانكشافها، ورمالها المتموجة، ووجود بعض الواحات القليلة، مع انعدام الأنهار، إلا من بعض الينابيع والعيون التي كان يجري القتال حولها، وقلة الطرق وتبدلها وطمس آثارها، إلا من بعض الطرق الدولية التي تصل أرض الجزيرة بالدول المجاورة، أما الآن فأصبح المقاتل العربي على أرض سهلية وجبلية ترتفع فيها درجة الحرارة وتتساقط الثلوج عليها في أيام الشتاء، فيها الأنهار والعيون والجداول، وفيها الأشجار والنباتات والمرعى والمروج. ولهذا فإن المقاتل العربي عليه أن يستعد للأمور الآتية:‏
              1-التلاؤم السريع بين المنطقة التي كان يعيش فيها، وبين المنطقة الجديدة التي يقيم فيها ويقاتل على أراضيها.‏
              2-أن يتدرب على قتال الجبال والمناطق الصعبة، وأن تكون وسائط القتال وهي الخيل متدربة على هذه الأراضي والسير فيها. وأن تجهز هذه الوسائط بحدوات تمنع تآكل الحافر، وبملابس تقيها البرد والسير في الأدغال والغابات.‏
              3-التدريب على اجتياز الموانع المائية، والمستنقعات، والتزود بوسائط عبور خاصة عند الضرورة. فالمذار في أرض العراق وفي الجنوب منها توجد مستنقعات كبيرة اجتازها خالد بن الوليد بصعوبة(3) . وأجنادين في بلاد الشام التي جرت فيها المعركة التي سميت باسمها، هناك فجرّ الروم سدود نهر الأردن فطافت مياهه، وكان على القوات العربية في هذا الموقف أن تجتاز النهر، وأن تقطع هذه المستنقعات لكي تحقق التلاقي مع القوات الرومية(4) .‏
              4-كان الجيش العربي في كل الأحوال مهاجماً، وكانت القوات والجيوش الفارسية والرومية مدافعة، وطالما أنه وجد في الأراضي الجديدة وديان عميقة، وجبال ذات مغاور وكهوف، فإن المدافع يمكن أن يفاجئ المهاجم وذلك باختبائه خلف سترة أو في مخبأ بين الجبال. وعلى هذا فإن القيادة العربية عليها أن تشكل لقاء ذلك مفارز متقدمة، وحراسات على الأجناب وفي المقدمة، أي عليها أن تغير من أسلوب قتالها فالأرض المكشوفة في الصحراء، هي غير الأرض المستورة في الجبال والتلال.‏
              إن الأرض المجهولة التي كان لا يعرف عنها العربي إلا المعلومات القليلة جداً، ولا تكفي بأي حال من الأحوال أن يتقدم في تلك الأراضي بصورة يطمئن فيها على جنوده، ولهذا فإن الاستطلاع في هذه الحالة له أهمية كبرى، وإن القادة الفاتحين كانوا يستخدمون الاستخبارات والاستطلاع بصورة دائمة، ولا يقدمون على الحرب في أرض ما إلا بعد دراسة الأرض والسكان وإرسال الدوريات المتتالية، ومتى تأكد لهم سلامة الموقف كانوا يتقدمون ويقاتلون.. كالنعمان بن مقرن المزني الذي أرسل دوريات استطلاع عند فتحه وسيره في أراضي "نهاوند".‏
              كانت أراضي شبه جزيرة العرب مقسمة ما بين فارس والروم منتشرين فيها على أطرافها على شكل حاميات ونقاط حراسة ومخافر قتالية، يتراوح عدد الحامية من جماعة إلى سرية أو أكثر. وإن كل منطقة من الأرض كانت تشكل قطاعاً كبيراً محمياً وموزعاً على عدد من النقاط. وفيها من الأسلحة والأعتدة القتالية ما يكفي للدفاع عن هذه الأراضي. وإن الجيوش العربية التي انطلقت من شبه الجزيرة كانت تقضي على هذه الحاميات، وأكثر ما اصطدمت في أرض العراق.‏
              تعددت المصادر المحلية وكثرت في المسرح العملياتي العراقي وفي المسرح العملياتي الشامي. لقد كان التمر المادة الأساسية للمقاتل العربي، ولا يحصل عليها إلا بصعوبة، فأصبحت متوفرة وبكثرة في مسرح العراق كما تعرف المقاتلون العرب على الرقاق، والمأكولات المختلفة والفواكه المتنوعة في بلاد الشام، وأصبح الجندي لا يخشى من قلة الطعام والمواد اللازمة والعتاد القتالي. وبهذا التنوع والكثرة تكونت نواة للقاعدة المادية الكبيرة، إلا أن هذا الجيش ظل يعتمد على المادة التي تعود عليها من قبل وهي التمر. (5)
              كثرت المدن المفتوحة في المسارح الجديدة، واقتربت من بعضها، فمنها ما يشكل حامية كبيرة كالحيرة في بلاد العراق، وبصرى في بلاد الشام، ومنها ما تكون ميناءً كبيراً مطلاً على البحار كالأبله في أسفل العراق المطلة على الخليج العربي والمتصلة ببحر العرب والبحر الأحمر، وغزه وعكا وصيدا المطلة على البحر الشامي. إن هذه المدن الكثيرة التي تم فتحها وبخاصة في مسرح عمليات العراق يتطلب قتالها أساليب قتالية جديدة تتمشى مع نظام القتال في المدن والشوارع، إذ إن هذا النوع يحتاج إلى مجالدة وصبر وتحمل وقطع إمداد وحصار وتطويق ومهاجمة المدن من الثغرات والأسوار والنقاط الضعيفة واستدراج المدافعين لكي يخرجوا من حصونهم واستخدام الحيلة في إغرائهم لكي يخرجوا من مخابئهم، كما حدث للنعمان بن مقرن المزني عندما حاصر نهاوند(6) ، وإنها تحتاج إلى أسلحة ثقيلة تدك هذه الحصون والأبراج.‏
              وبهذا فإن قتال المدن فرض على المقاتلين الفاتحين التدريب على هذا النظام، وتوفير الأسلحة وتطويرها لتتناسب مع فتح المدن كالمجانيق والأسلحة الثقيلة.‏
              مسرح عمليّات شبه جزيرة العرب‏
              إن حدود شبه جزيرة العرب آنئذ تمتد من مصب ماء دجلة والفرات في الخليج إلى البحرين إلى عمان، ثم تميل نحو الغرب مارةً بمهرة وحضرموت وعدن. حتى تصل إلى ساحل اليمن على البحر الأحمر القلزم)، ثم إلى جدة ومَدْين حتى تنتهي إلى العقبة ومنها إلى مدائن قوم لوط فالبحر الميت فالشراة والبلقاء ثم تميل نحو الشمال الشرقي ماراً بأذرعات وحوران وغوطة دمشق حتى تصل إلى بعلبك. هذه الدائرة بدأناها من الغرب ومررنا بها من الجنوب فالغرب فالشمال(7) ، إذاً يحدها من الشرق الخليج العربي وبحر عمان، ومن الجنوب بحر العرب، ومن الغرب البحر الأحمر، ومن الشمال بادية الشام.(8) .‏
              يغلب على أرض شبه جزيرة العرب الرمال التي لا تثبت تحت أقدام الرجال وسنابك الخيل. وهذا ما يفسر انتقاء أرض المعركة من كلا الطرفين المتقاتلين، متضمنة وجود الينابيع أو الآبار بجانبها، وأن يكون قاعها ثابتاً متماسكاً، وتتوفر فيها بعض المراعي والمروج لإطعام الخيل ووسائط النقل الأخرى. وفي أراضي الجزيرة أيضاً بعض التلال، أو الأجزاء المرتفعة فيها، تمكن القائد من الإشراف على ساحة المعركة، يستطيع السيطرة على جنوده ومرؤوسيه، وليكون خلف المقاتلين جبل يستر تحركهم ويحمي ظهورهم، وفيها الاتساع بحيث تؤمن انتشار المقاتلين بالتشكيلات القتالية المختلفة والمناورة بالقوى والوسائط. معركة بزاخة كانت تتوفر فيها بعض الشروط كوجود الجبلين والمراعي والثبات والاتساع، أما معركة عقربا فكانت تحتوي كل الشروط المناسبة للقتال. وتمت جميع العمليات القتالية في حروب الردة على مسرح عمليات يؤمن جزءاً أو كلاً من الشروط(9) .‏
              يغلب على مناخ الجزيرة الحر الشديد والجفاف والرياح الشرقية الصبا)، والرياح الغربية رياح السموم) والشمس الساطعة الملتهبة. إن هذا المناخ يؤثر على المقاتل من حيث تحركه من مكان إلى آخر، وطمس معالم الطرق، والغشاوة التي تؤثر على الأبصار، ودخول الرمال في العتاد القتالي، وضربها وجه المقاتل فتدخل عينيه وأذنيه وأنفه، وجموح الحصان وحرنه. هذا كله يحد من المناورة والحركة السريعة في الميدان. فلقد كانت معارك أكثر القادة الذين حاربوا المرتدين تعترضهم مثل هذه الصعوبات، ونرى هذه الصعوبات تزداد في أماكن قضاعه ووديعة في الشمال عندما تحرك إليهما عمرو بن العاص، وكذلك في أماكن تمركز بني سليم في جنوبي المدينة عندما تحرك إليها طريفة بن حاجز، كما وأن صحارى الجنوب يغلب عليها التموج في الرمال وإثارة الحصباء، وغياب أقدام الرجال والفرسان المقاتلين. ولقد قاتل في هذه المنطقة العلاء ابن الحضرمي وشرحبيل بن حسنة وحذيفة بن محصن الغلفاني.‏
              أهم مناطق الجزيرة مكة. وبها المسجد الحرام، وفي وسطه الكعبة، وبها ماء زمزم، والصفا والمروة والحجر الأسود ومقام إبراهيم وغيره من الآثار(10) ، ليس فيها مياه جارية، إنما فيها بعض العيون المجرورة في أقنية، وأكثر مائها من السماء، وليس فيها شجر مثمر إلا بعض نخيلات، وفيها جبل ثبير يشرف على منى ومزدلفة. فتحها الرسول صلى الله عليه وسلم عام 8 من الهجرة فكسر الأصنام، ومكّن فيها للصبغة الإسلامية(11) . فيها ولد رسول الله وأبو بكر وغيرهما من الصحابة وفيها دور لهم، وفيها المساجد والمقابر(12) . وبين مكة والمدينة قبر القاسم بن محمد ابن أبي بكر الصديق وخيمة أم معبد وغديرخم وبدر وحنين وجبل الملائكة وجبل ريحانة وبئر علي بن أبي طالب القريب من المدينة(13) هاجر منها الرسول صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر الصديق والأصحاب. ومنها وإليها طرق عديدة من العراق وشبه الجزيرة والشام(14) .‏
              وأما المدينة فهي تقع في حرة، وبها مياه ونخيل وزروع وآبار، وبها جبل أحد في شمالي المدينة، وبها وادي العقيق إلى الجنوب منها في طريق مكة. هواؤها ومناخها أثرا على صحة المهاجرين من مكة. تدخل وتخرج منها طرق عديدة تنتهي إلى مكة والكوفة والبصرة والبحرين والرقة ودمشق والعراق وفلسطين ومصر(15) . بها مشاهد كثيرة، وآثار قديمة مثل البقيع ومسجد قباء، وآثار معركة أحد وغيرها(16) . وقد اتخذها الرسول صلى الله عليه وسلم مقراً ومستقراً، وهي التي انطلقت منها جيوش الفتح، واستخلف بعد ذلك أبو بكر فاتخذ منها قاعدة حربية، وسير منها الجيوش العديدة إلى أنحاء مختلفة من أرض الجزيرة، فبدأ بالقريب منها ثم بالأبعد فالأبعد حتى جاس خلال الديار وقاتل المرتدين مبتدئاً بذي القصة والأبرق.‏
              وأما الطائف فكان اسمها "وج" وهي لثقيف(17) . تقع إلى الجنوب الشرقي من مكة، وهي على طرف واد، ومسيرة يوم للطالع من مكة، وتقع على ظهر جبل غزوان. فيها مياه عذبة جارية وعيون ونخل وأعناب، ومشهورة بزبيبها. حاصرها الرسول صلى الله عليه وسلم سنة 8 من الهجرة بعد أن فرغ من حنين، ونصب عليها منجنيقاً(18) تتميز بطيب هوائها ومناخها المعتدل(19) .‏
              وأما البحرين فهي في ناحية نجد. وأشهر مدنها هجر. وقد اشتهرت بالتمور(20) قاتل في أراضيها ومدنها العلاء بن الحضرمي، فالطريق إليها صعب من المدينة، والتحرك إليها يتطلب جهداً كبيراً من المقاتلين. والبحرين قريبة من بلاد فارس، وقد تتأثر بها بحكم الجوار، لذلك كان لا بد من القضاء على الفتنة التي حدثت فيها، وعلى المرتدين الذين امتنعوا عن دفع الزكاة(21) .‏
              وأما اليمن ففيها تهامة وهي جبال تشرف على البحر الأحمر من الغرب. ويحد اليمن من الغرب صعده ونجران، ومن الشمال حدود مكة، ومن الجنوب صنعاء(22) وهذا هو المثلث الذي يمتد ضلعه الأول بخط وهمي من عمان وبحر عمان إلى جيزان على البحر الأحمر وأهم مدن اليمن صنعاء وعدن وحضرموت والشحر والمكلا ومخا والحديدة وغيرها. وأهم أشجارها النخيل والأعناب، وفيها زروع كثيرة، ومروج خضراء حتى أطلق عليها "اليمن الخضراء"(23) وفيها الجبال الكثيرة التي من أهمها الشب وشبام وكوكبان. وفيها صناعة السيوف اليمانية المشهورة(24) وفي اليمن مدينة صنعاء وهي طيبة الهواء وفيها تل يعرف بـ "غمدان" وجبال أهمها المذيخرة صعب المرتقى، وفيه زروع ومياه ونبات. "ونفوسة" وهو جبل تكثر فيه أيضاً المياه والمزروعات. و"شبام" وهو جبل منيع من جبال اليمن عرف بعقيقه وبحجارته الملونة. وأما عدن فهي مدينة مطلة على البحر، وتكثر فيها المزارع والبساتين(25) وأما عُمان فهي بلاد غنية بثمارها من الموز والرمان، وعاصمتها صُحار المشهورة بتجارتها وكثرة أموالها وغنى أهلها، لكن جوها حار، ومناخها، رطب(26) وحرارتها مرتفعة، وجبالها الغربية مرتفعة تبلغ 3170م تسكن في بعض سفوحه من الجهة الشمالية بعض قبائل الأزد. وقد فتحت صحار في عهد أبي بكر الصديق(27) لها محاور ساحلية إلى الشمال وإلى الجنوب. ففي الشمال تتصل بـ دبا، وفي الجنوب بمسقط(28) ، وتتصل أيضاً عن طرق بحرية.‏
              وأما حضرموت فهي تقع في شرقي عدن، ذات رمال كثيرة تعرف بالأحقاف وهي على ساحل بحر العرب. ومن أهم مدنها المكلا والشحر، وفيها إلى الشمال الغربي قبرهود، ومفازه، وثمود. وبالقرب منها كنده التي ضمها إليه زياد بن لبيد الذي أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم ليكون على أهلها. وفيها واد يجتاز قبر هود من الغرب، ثم ينحدر نحو البحر لينتهي إليه. وارتدت حضرموت مع من ارتد من العرب بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم، فلقيهم أبو بكر وأرسل إليهم المهاجر بن أمية ليكون عوناً لزياد بن لبيد البياضي. واستطاع المسلمون التغلب على المرتدين، فعادت هذه المنطقة إلى الإسلام مرة ثانية(29) .‏
              وأما اليمامة فهي تقع في الجزء الشرقي من شبه جزيرة العرب، قريبة من الخليج العربي. تدخلها وتخرج منها عدة طرق. فمن اليمامة إلى الطائف ومكة، ومنها إلى البحرين إلى دبا، ومنها باتجاه الشمال إلى كاظمة في العراق إلى البصرة، ومنها باتجاه الشمال الغربي إلى نباج إلى المدينة المنورة(30) . وكانت ذات خير كثير، وذات شجر ملتف، ويوجد في بعض أجزائها وكأنها غوطة خضراء أهلها من أصحاب الوبر(31) وفي اليمامة جرت أكبر المعارك في عهد أبي بكر الصديق إذ جيّش إليها جيوشاً بقيادة خالد بن الوليد ضد مسيلمة الكذاب الذي أوى إلى تلك المنطقة. التقى الجيشان شمالي اليمامة، وكان النصر لخالد(32) . وبعد هذا الانتصار الساحق، وبعد القضاء على حروب الردة في هذا المكان، انتقلت الجيوش العربية الإسلامية من اليمامة إلى العراق(33) .‏
              وأما البطاح فهي منطقة وبلد صحراوية، وتقع في الجزء الغربي من نجد. وفيها وقعت معركة بين خالد ومالك بن نويرة في حروب الردة في زمن أبي بكر(34) والبطاح ماء لبني أسد وبقربه حدثت معركة البطاح(35) .‏
              وأما النباج مكان يقع شرقي المدينة في منتصف المسافة بين الخليج العربي من الشرق والبحر الأحمر من الغرب. ومن هذه المنطقة تتفرع ثلاث طرق. طريق تتجه إلى الغرب نحو المدينة المنورة، وثانية تتجه نحو الشرق إلى دارين وثالثة تمر من البصرة إلى فيد باتجاه مكة(36) . وهي لبني سليم ومزينة، وهي التي كانت مسرحاً لجيوش أبي بكر الصديق لمحاربة المرتدين.‏
              وأما ذو القصة فهو مكان يقع شمال المدينة على بعد أربعة وعشرين ميلاً، وإلى هذا الموضع بعث الرسول صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة إلى بني ثعلبة، وإليه أيضاً خرج أبو بكر بنفسه فحشد الجيوش هناك لقتال المرتدين(37) واتخذ اجراءات وفاعلية ووقائية ضد المهاجمين، أو الذين سولت لهم أنفسهم مهاجمة المدينة.‏
              وأما الربذة فهي قرية من قرى المدينة، في غربها جبل رحرحان على بعد ما يقرب من بريدين، وبالقرب منه ماء الكديد والوج وغيرهما من القلب والآبار(38) نفر إلى هذا المكان أبو بكر لقتال المرتدين(39) وهو المكان نفسه الذي يدعى "أبرق الربذة"(40) .‏
              وأما دارين فهي بلدة تقع على ساحل الخليج العربي فرج الهند) من الجهة الغربية باتجاه البادية، وتبعد عن الساحل مسيرة يوم بحري، وتتصل بمحور من الساحل إلى المدينة المنورة، وطرق تتجه نحو الشرق إلى دارين وهي لبني سليم ومزينة(41) ومنها إلى كاظمة والأبله عن طريق ساحلي، كما تتصل بطريق إلى الجنوب إلى اليمامة ونجران واليمن. وتم فتح هذه البلاد سنة 12 من الهجرة في زمن أبي بكر الصديق على يد القائد العلاء بن الحضرمي. وهذه البلدة دارين مشهورة بتجارة المسك الذي يجلب من الهند(42) .‏
              وأما دبا فهي تقع في خليج بحر عُمان، وهي سوق يجتمع فيها العرب في تجارتهم(43) . وفيها قبائل الأزد التي أسلمت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم ارتدت بعد موته. وكان معهم عامل الصدقات حذيفة بن محصن الذي أسمعوه شتماً، فأرسل أبو بكر مدداً إلى حذيفة، وحوصروا مدة طويلة إلى أن نزلوا على حكمه، وعاد مرة ثانية هذا البلد إلى الحكم الإسلامي(44) تتصل مع الساحل بمحور شمالي يمر بدارين وكاظمة، وبمحور جنوبي يمر بصحار ومهره وحضرموت وعدن على ساحل بحر العرب جنوبي اليمن، وبمحور غربي يقطع الجزيرة ماراً باليمامة حتى يصل إلى الطائف فمكة فالقضيمة(45) .‏
              وأما حصن الينجر فهو في حضرموت، التجأ إليه المرتدون، فحاصرهم المهاجر بن أبي أمية(46) . الذي أرسل من قبل أبي بكر(47) .‏
              وأما أجأ وسلمى فهما جبلان يقعان في الشمال الشرقي للمدينة. فيهما مياه وشجر، تسكن قريباً منهما قبائل طيء وبنو أسد وغطفان. جبل أجأ في الشمال الغربي وجبل سلمى في الجنوب الشرقي يقابلان بعضهما، وبالقرب منهما بزاخة وفيد وقد جرت معركة بزاخة بين الجبلين وهي بين خالد بن الوليد ومالك بن نويره. المسافة بين الجبلين يوم واحد، وبين الجبلين وفدك ليلة واحدة، وبينهما وبين خيبر خمس ليال(48) تخترقهما عدة محاور، واحد آت من المدينة يمر بينهما، وبعد أن يقطعهما ينحرف نحو الغرب ليمر بتيماء، وثان يمر تحت جبل سلمى آت من المدينة من الجهة الغربية فيخترق فيد ويمر بأجفر حتى يصل إلى القادسية شمالاً، وثالث يأتي من دارين من الساحل متجهاً نحو الغرب فيمر بـ فيد ثم يتفرع إلى فرعين أحدهما يتجه فيمر فوق جبل أحا، والآخر يتجه فيمر تحت جبل سلمى.‏
              كما يلاحظ أن شبه جزيرة العرب محاطة بالبحار من جوانبها الثلاثة، وأكثر السكان يتمركزون وينتشرون على طول السواحل البحرية، أو بالقرب منها. وقد اشتهرت مدن منها ينبع ورابغ وجدة والحديدة ومخا على ساحل البحر الأحمر، وعدن والمكلا والشجر على ساحل بحر العرب، وصحار ودبا على ساحل بحر عمان، والقصير ودارين على ساحل الخليج العربي فرج الهند). وأهم المدن القريبة من الساحل مكة المكرمة والمدينة المنورة والطائف وصنعاء وتعز. وأهم الجبال فيها جبال عمان، وجبال اليمن، وجبلا أجأ وسلمى، وأما في وسط هذه الجزيرة فإنها خالية من السكان إلا قليلاً، تتوزع منها القبائل العربية للمرعى وطلب الماء. وأهم المدن اليمامة ونباج وفيد، لكن الغالب في وسط هذه الجزيرة الجفاف ووجود الرمال والمفازات والصحارى التي من أهمها صحراء الأحقاف والربع الخالي والدهناء ونجد والبطايح والنفود. يقطع هذه الجزيرة بعض الطرقات التي تتمركز وتكثر في منطقة نجد، ومع ذلك فإن القسم الجنوبي منها يكاد يكون خالياً، وبخاصة في الربع الخالي وصحراء الأحقاف. فيها بعض الينابيع والآبار التي تتجمع حولهما القبائل، ويجري الاقتتال عليهما وعلى المرعى. وفيها أيضاً بعض الوديان التي تجري أثناء الشتاء، وتنقطع أثناء الصيف، وأهم الوديان متمركزة حول المدينة المنورة، وحول صنعاء، وكلها تنتهي في البحر. يسكن هذه الجزيرة الحضر الذين يتواجدون في المدن الكبيرة، وبخاصة الساحلية منها والقريبة، والبدو الذين ينتشرون في كل أرجاء هذه المنطقة وأهمهم طيء في أجأ وسلمى، وعبس وغطفان في تيماء، وبنو قضاعة في تبوك، وجهينة في غربي خيبر، والأوس والخزرج في المدينة، وبنو أسد في جنوبي بزاخة، وتميم في البطايح، والرباب وبنو سليم في شمالي النباج، ومزينة وهوازن في الجنوب منها، وبنو عبد القيس وبنو ربيعة في البحرين، والأزد في عُمان، وكندة في حضر موت، وبجيلة وحمير وقسم من الأزد في اليمن. وهكذا نرى أن هذه القبائل تنتشر في كل مكان من أرض الجزيرة العربية عدا الأراضي التي لا يوجد فيها مياه، ولا يمكن للإنسان أن يعيش فيها كالربع الخالي والدهناء والأحقاف.‏
              يشتد القتال ويكثر في المناطق التي تتمركز فيها القبائل، وأغلب الأراضي مفتوحة صالحة للميدان. وعادة ما تجري المعارك بالقرب من مصدر مائي. تتدرج ميول هذه الأرض من الشمال إلى الجنوب، ومن الغرب إلى الشرق. ويبلغ أعلى ارتفاع لها في جبال الطائف واليمن القريبة من الساحل، وجبال عمان.‏
              مسرح عمليّات العراق‏
              مسرح طولاني، يمتد من الغرب إلى الشرق على طول نهر الفرات. يحده من الشرق الخليج العربي وبلاد فارس، ومن الغرب بلاد الشام، ومن الشمال نهر دجلة وأراض بين النهرين وجزء من بلاد فارس، ومن الجنوب شبه جزيرة العرب. هذا المسرح لا يمثل العراق بكامله، وإنما يمثل الجزء الذي عملت فيه الجيوش العربية الإسلامية في زمن أبي بكر الصديق حيث لم يتعمق في أراضي العراق، وإنما ابتدأ بها من البصرة الأبلة) واتجه باتجاه معاكس لنهر الفرات حتى وصل الكوفة وعانة، والقراض. وهنا توقفت عملياته، وأصر بنقل القتال والجيوش إلى أرض الشام. وهناك يبدأ مسرح عمليات جديد. ويمكن إيجاز الخصائص:‏
              1-لم تختلف الهيئات الأرضية، عن الهيئات التي تركها الجيش العربي في شبه جزيرة العرب، ذلك لأن هذه الأراضي كانت امتداداً للأرض التي قاتل عليها الجيش من قبل، فهي أرض صحراوية، فيها بعض التلال والمرتفعات المسيطرة والحاكمة، وفيها بعض الوديان والينابيع والمياه. وقد تمكن الجيش العربي من جر الجيش الفارسي إلى مناطق عمليات تشبه تماماً مناطق العمليات التي قاتل عليها من قبل، ولذلك فهو ذو خبرة بمعالمها وخصائصها وطبيعتها الجغرافية.‏
              2-فيها المستنقعات والمياه التي لم يعتد المقاتل العربي أن يقاتل فيها، فهي تحتاج في بعض الأحيان إلى وسائط عبور كما حدث للجيش العربي أن استخدم السفن التي استولى عليها من أمغيشيا(49) وكما عبر النهر إلى الأنبار(50) وقاتل على الضفة المقابلة لنهر الفرات(51) وكما التف حول المستنقعات في أسفل مجرى النهر بعد معركة المذار(52) .‏
              3-توفر المصادر المحلية في هذا المسرح، فالعراق بلد التمور والحبوب والبقول والفواكه والخضروات.‏
              4-يمكن أن يكون هذا المسرح موبوءاً، ويؤثر على قدرة الجندي وإمكانياته القتالية، وبخاصة في الجزء الأسفل من نهر الفرات، ولكنه لم تحدث مثل هذه الأوبئة على المستوى الجماعي، كما حدث في مسرح عمليات الشام، ومات العديد بالطاعون.‏
              5-كثافة المدن النهرية، أو القريبة من النهر، وهذا ما يفسر حدوث المعارك العديدة حول هذه المدن، واضطرار هذا الجيش إلى فرض الحصار، والتعود على القتال ضمن المدن، أو حصارها، وقطع خطوط الإمداد والمواد التموينية عن أهلها لإجبارهم على الاستسلام.‏
              6-وجود عدد من القبائل العربية التي تحالفت مع الفرس وتعايشت معهم، وقبلت أن تقاتل مع الفرس ضد الجيش العربي الإسلامي. وكانت أغلبية هذه القبائل منتشرة على أطراف وحدود الجزيرة العربية(53)
              إذا دققنا هذا المسرح، نجد أن المعارك حدثت في أغلبها في أطراف الجزيرة، وعلى طول الشريط النهري. لهذا نرى لزاماً علينا أن نبدأ بالبصرة كما أمر أبو بكر خالد بن الوليد أن يبدأ بها.‏
              البصرة: يدخلها نهر دجلة، ويعبر من جانبها نهر الأبله، وهي تقع على الضفة الغربية للنهر، وهي إلى شمال من الخليج العربي. فيها مياه صالحة لجريان المراكب(54) . وفي الشمال من المدينة توجد مستنقعات يشكلها نهرا دجلة والفرات، ويصعب القتال أو التحرك في تلك المنطقة إلا على مراكب في بعض أجزاء منها. وقد اتخذ المثنى مدينة البصرة هدفاً لغاراته المتكررة من الناحية الجنوبية منها ومن ناحية الحيرة(55) وفيها ميناء له أهميته الاقتصادية والحربية لدى القيادة الفارسية، كما أنها ملتقى الطرق القادمة من الخليج العربي، أو من الصحراء، أو من شمالي العراق، وهي قاعدة بحرية للامبراطورية الفارسية المطلة على العرب(56) وفيها الموارد التي يحتاجها الجيش كالتمر والأرز والخبز والمرعى وأنواع الطعام والشراب(57) يجتمع دجلة والفرات فيها. فهي بلد الخيرات والمياه الكثيرة، فلا ينتابها محل، ولا يجتاحها نقص(58) كانت تتبع لولاية "واست ميزان" الفارسية التي عليها هرمز، وهي محصنة ومزودة بالسفن والأسلحة(59) وهي مفتاح العراق الذي أمر أبو بكر خالداً أن يبدأ منها في فتحه للعراق (60) وقد اعتبرها بعض المؤرخين من بلاد الشام(61) . وفيها مشاهد وآثار العرب الذين فتحوها فيها قبر الزبير بن العوام، ودار أبي بكر الصديق، ومشهد علي بن أبي طالب وغيرهم(62) .‏
              الخفّان: مكان يقع على بعد عشرين ميلاً إلى الجنوب من الحيرة. كان المثنى يرابط فيه عندما صدرت الأوامر إلى خالد بتولي العمليات الحربية في أرض العراق. وكانت تسكن تلك الديار قبائل تغلب(63) .‏
              المذار: بلد يقع إلى الشمال من أبله البصرة) بحوالي 100 كم على الضفة الغربية لنهر دجلة، تكثر في أرضها المستنقعات، وبخاصة في القسم الذي يقع بين دجلة والفرات(64) وهي غير صحيّة، لفساد تربتها ورائحتها(65) . ولهذا فإنها لا تصلح لتمركز الجيش والمكوث فيها طويلاً.‏
              كتسفون: تقع هذه البلدة على الضفة الشرقية لنهر دجلة جنوبي بغداد بحوالي 40كم، وشمالي المذار بحوالي 400 كم وهي التي انطلق منها جيش "قارن" القائد الفارسي الذي أرسله الامبراطور "أردشير" تعزيزاً لقوات "هرمز"، كما كانت قاعدة عسكرية كبيرة تنطلق منها الجيوش الفارسية بعد تحضيرها وإعدادها(66)
              ولَجَة: تقع قريبة من الضفة الغربية لنهر الفرات، وهي أول بلده للمتجه من الجنوب إلى الشمال، وهي جنوبي الحيرة بحوالي 80 كم. وفي الولجة جرت معركة كبيرة بين الفرس بقيادة "الأندرزعز" وبين العرب بقيادة خالد بن الوليد(67) .‏
              أليس: تقع بالقرب من مجرى نهر الفرات، وهي على الضفة الغربية له، وهي بلدة بالجزيرة(68) ولا تبعد عن الولجة سوى حوالي 40كم وفيها جرت معركة بين الفرس بقيادة "جابان" وبين العرب بقيادة خالد، وقد جرى الدم نهراً لكثرة القتلى من الفرس(69) .‏
              أمغيشيا: مدينة كبيرة، استولى عليها خالد بن الوليد من غير قتال بعد أن هجرها أهلها خوفاً، فأصاب الجيش العربي منها الغنائم الكبيرة، ثم أمر بهدمها(70) .‏
              الحيرة: وهي بالعراق (71) مدينة لها أهميتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، عاصمة العراق يحكمها مرزبان فارسي "آزاذ به" وفيها زعماء من العرب يقتصر حكمهم على الشؤون القبلية والثانوية من الأعمال. وكانت أهميتها الاقتصادية آتية من أنها على الضفة الغربية لنهر الفرات، وملتقى القادمين من الصحراء، أو من أواسط العراق، وهي غنية بمواردها المحلية، وأما من الناحية العسكرية فتعتبر حامية متقدمة للفرس، وفيها جيش خليط من الفرس والعرب للدفاع عنها. وقد جرت فيها مناوشة بين الفرس والعرب، وانتهت بتسليم المدينة، وإلزام أهلها على دفع الجزية. وفي الحيرة الخورنق على نحو ميل نحو الشرق(72) .‏
              الأنبار: تسميها الفرس "فيروز سابور"(73) وهي تقع على الضفة الشرقية لنهر الفرات وهي حدود فارس(74) وهي تبعد من الحيرة إلى الشمال بحوالي 200 كم، وتبعد عن كتسفون ما بين دجلة والفرات مسافة حوالي 100 كم(75) وهي غنية ببساتينها وأعنابها ومياهها ونشاطها الاقتصادي وتجارتها ما بين بلاد الشام وفارس.. وهي تعتبر قاعدة اقتصادية، ومخزناً كبيراً للحبوب والغلال كالحنطة والشعير(76) . يحكم هذه المدينة حاكم فارسي، وفيها، حامية عسكرية من الفرس والعرب، وهي محصنة، يحيط بها خندق يُغمر بالماء أثناء تهديدها، ومن خلفه سور يتحصن به المدافعون لتسديد سهامهم على المهاجمين. وقد تم فتح المدينة من قبل الجيش العربي الإسلامي في زمن أبي بكر الصديق وفي خلافته سنة 12/634 فصالح أهلها على دفع الجزية(77)
              عين التمر: مدينة كبيرة في وسط المسافة بين الحيرة والأنبار غربي الكوفة، إلا أنها بعيدة عن نهر الفرات إلى الغرب حوالي 50 كم. وهي على طرف البرية ومشهورة بكثرة تمورها وقسبها اللذين يصدران إلى جميع البلاد العراقية والشامية(78) فيها حامية عسكرية من الفرس والعرب، وقد تصدى العرب الموالون للفرس للقوات العربية الزاحفة نحو هذه المدينة، وتم فتحها عنوة(79) .‏
              دومة الجندل: وهي تقع ما بين برك الغماد ومكة، أو بين الحجاز والشام وهي على عشر مراحل من المدينة، وعشر من الكوفة، وثمان من دمشق، واثنتي عشرة من مصر(80) .‏
              تعتبر هذه المدينة من المدن الشامية، تسكنها قبائل عربية أغلبها من غسان وكلب، وهي ملتقى ونقطة اتصال بين العراق والشام والجزيرة العربية، ولها أهميتها الاقتصادية والتجارية يحكمها زعماء من القبيلتين هما أكيدر بن عبد الملك والجودي بن ربيعة اللذان استعدا لقتال قوات أبي بكر الصديق والتصدي لها. فتحت هذه المدينة سنة 9/630. ثم نقض أكيدر العهد. وها هو عياض بن غنم يكلف بمهمة لإعادتها سنة 12/634 ثم تمتنع عنه، فيأتيه خالد فيفتحها(81) .‏
              المصيخ: تقع هذه المدينة في الشمال من عين التمر، وإلى الغرب من نهر الفرات بحوالي 25كم في زمن أبي بكر كانت تتجمع فيها بعض القبائل العربية المتنصرة، وبعض الجنود من الفرس، كما تحشدت فيها القوات الفارسية لقتال خالد، وشكل الفرس والعرب اتحاداً ضد قوات أبي بكر الصديق التي انتصرت على الجميع(82) .‏
              الثني: تقع جنوب شرق المصيخ بحوالي 40 كم وهي بين المصيخ والزميل. وفيها بنو تغلب وبنو بجير الذين وقفوا ضد خالد فأوقع بهم، وساهم سوء العذاب وانتصر عليهم(83) .‏
              الزميل: تقع جنوبي شرقي الثني بحوالي 35كم، وإلى الغرب من خنافس بحوالي 25كم. وفيها بنو تغلب وهم غير الذين غلبوا على يد قوات أبي بكر الصديق وهزموا شر هزيمة (84) .‏
              الخنافس: تقع غربي الأنبار بحوالي 50 كم، وتبعد عن الحصيد نحو الشمال الغربي بحوالي 20كم تقام فيها سوق للعرب، وهي في طرف العراق. وقد جرت معارك بالقرب منها في أيام أبي بكر، وانتصرت القوات العربية على الفارسية(85) .‏
              الحصيد، تقع إلى الطرف الشرقي من خنافس بحوالي 25كم. وهي قريبة من الأنبار، ومن مجرى نهر الفرات، وهي من الجهة الجنوبية من العراق. وقد تجمع فيها من الفرس وقبائل تغلب وربيعة لمجابهة الجيش العربي الإسلامي في عهد أبي بكر. وقد تمكن القعقاع بن عمرو قائد الحملة من إيقاع الهزيمة في الحلفاء، وقتل القائد الفارسي "روزبه"(86) .‏
              الفراض: قرب "أبو كمال" تقع في تخوم العراق من الناحية الشمالية، قريبة من بلاد الشام، متصلة بالجزيرة(87) وقد تجمعت في هذه البلدة بعض القبائل العربية مثل تغلب وإياد والنمر، وبعض الحاميات الفارسية والرومية(88) ، كما ويجري نهر الفرات من شمالها، وتقع على الناحية اليمينية من مجراه. حدثت فيها معركة بين الجيش العربي بقيادة خالد بن الوليد والقوات المتحالفة من الفرس والعرب والروم. وهي آخر معارك العراق في زمن أبي بكر الصديق(89) .‏
              نهرا دجلة والفرات.‏
              هما نهران كبيران يمران من قلب العراق، ليرويا أرضه، ويجعلاه في ظلال وعيون، وفواكه مما يشتهون، وبساتين تجري من تحتها الأنهار. وكانت أغلب المدن تنشأ على ضفافهما، أو قريبة منهما وكانت أكبر مدنهما "كتسفون" على نهر دجلة، والحيرة على نهر الفرات. وكان الحاكم الفارسي يقيم في الأولى، وزعماء القبائل العربية يقيمون في الثانية. ومن الواضح أن جميع الأنهار الكبيرة تغير مجراها. فإذا قمنا برصد حركة النهرين في زمن أبي بكر الصديق، وفي زمن الفرس، لرأينا اختلافاً كبيراً عن اليوم. يلتقيان بعد طول مسير في الأبله البصرة) ويشكلان في هذه المنطقة مستنقعات يصعب على الفارس أو الراجل اجتيازها، كما أن هناك بعض الأنهار الصغيرة التي تتفرع عنها ثم لا تلبث أن تصب فيهما ثانية، كما أن هناك تحويلات نهرية فرعية تجف في أيام الصيف، ويتخذ منها سدوداً للزراعة، أو للأمور الدفاعية إذا اقتضى الأمر كما في الحيرة وفي أليس. ثم يتابعان سيرهما ويصبان في الخليج، كما يرفد النهرين جداول وأنهار صغيرة وكبيرة من جوانبهما، يصلحان لجري السفن(90) .‏
              نهر مكيل. من روافد دجلة، وينبع من الجهة الشمالية الغربية، ويأتي من تلك المستنقعات المتجمعة من الشمال تحت سرير نهر الفرات. وفي غربي نهر مكيل جرت معركة كبيرة من القوات العربية والفارسية التي هزمت وتفرق شملها على يد خالد بن الوليد(91) .‏
              يلاحظ على مسرح عمليات العراق وجود النهرين الكبيرين دجلة والفرات، ووجود أنهار ووديان كثيرة ترفد النهرين تشكل مستنقعات يصعب القتال فيها، وتفرض على المقاتلين أو على الجيشين الالتفاف حولها، أو الوقوع فيها، كما نقطع مسرح العمليات بقطوع عرضانية من الغرب إلى الشرق، متصلة بنهر الفرات مثل الوديان الأبيض والعذف وحوران من الغرب، وبنهر دجلة من الشرق مثل قاوون والمذار ومكيل.‏
              لقد تركزت عمليات الجيش العربي على جزء من نهر دجلة من المذار، وبجزء أكبر من نهر الفرات من الأبله وحتى الفراض. وقد خاض هذا الجيش أغلب عملياته على طول نهر الفرات حتى حوضه الأسفل والأوسط، وكان على القوات العربية أن تناور من أجل قطع النهر إلى ضفته الشرقية، وإن كانت أغلب المعارك حدثت في ضفته الغربية وفي الأراضي القريبة منها كالمصيخ والزميل وعين التمر.‏
              تتدرج ميول مسرح العمليات من الشمال إلى الجنوب، وباتجاه مجرى نهر الفرات، ومن الغرب إلى الشرق باتجاه سرير النهر. وطالما أن الوديان والميول تتجهان من الغرب إلى الشرق، فإن ميدان المعارك لكلا الجيشين يساير هذا الاتجاه، كل واحد يقابل الآخر. ولا يخفى أن العرب أقدر من غيرهم في القتال في الأراضي الصحراوية.‏
              لقد بدأت العمليات الحربية من أسفل المسرح وباتجاه البصرة لقد حدثت أول معركة الكاظمة) وهي بلدة مطلة على الخليج العربي، وتقع جنوبي البصرة، وهي من مدن البحرين(92) . تخترق هذه المنطقة عدة محاور منها باتجاه مكة، فالصمان، فالدهناء(93) ، ومن كاظمة إلى اليمامة ومنها إلى البصرة ومنها إلى النباج، أبله، على الطريق الغربي لبلدة كاظمة اصطف الفرس لمواجهة العرب القادمين من الصحراء بقيادة خالد(94) . أمام البلدة سهل من الناحية الشرقية وبعده تمتد بعض التلال قليلة الارتفاع. هذا الجزء من المسرح تتكرر صورته في كل ما تبقى من المسرح، فالسهول التي تجري فيها المعارك، والمحاور التي تتحرك عليها الجيوش، والتلال التي تستند إليها ظهور المقاتلين من الجيش العربي، وساحة المعارك التي تصلح لتمركز ومناورة الجيش كما حدث للقوات العربية عندما ناورت من الكاظمة إلى الحفير وهو مكان على مشارف أبله من الجهة الجنوبية الغربية من الجهة الصحراوية(95) ومناخ المسرح الذي يتفاوت تفاوتاً بسيطاً من مكان لآخر، فهو في الجنوب يشبه مناخ الساحل المتصل بالصحراء، وهو في الجهة الغربية وإلى الأعلى مناخ حار رطب وهو في الجنوب يميل إلى الجو الصحراوي. وفي كل الأحوال فإن هذا المناخ لم يتغير كثيراً عما ألفه العرب في حياتهم وفي باديتهم.‏
              (1) الطبري -تاريخ الأمم والملوك 3/186‏
              (2) الطبري -تاريخ الأمم والملوك 3/223‏
              (3) الحموي -معجم البلدان: 5/88 أكرم- سيف الله: 250-263‏
              (4) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 3/101 وما بعدها، بروكلمان- تاريخ الشعوب الإسلامية 94‏
              (5) البلاذري- فتوح البلدان: 302‏
              (6) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 3/217، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 3/4‏
              (7) ابن حوقل -صورة الأرض: 1/18،19 أبو خليل -أطلس التاريخ العربي: 33‏
              (8) أمين -فجر الإسلام 2وما بعدها، غلوب -الفتوحات العربية الكبرى: 31-32‏
              (9) غلوب -الفتوحات العربية الكبرى - 67‏
              (10) ابن حوقل -صورة الأرمن -1/29، ابن عبد الحق -مراصد الاطلاع: 3/1303‏
              (11) الهروي -الإشارات إلى معرفة الزيارات: 85‏
              (12) الهروي- الإشارات إلى معرفة الزيارات 87-89‏
              (13) الهروي -الإشارات إلى معرفة الزيارات 89-90‏
              (14) الحموي -معجم البلدان: 5/187-188، القزويني- آثار البلاد وأخبار العباد 112 وما بعدها‏
              (15) الحموي -معجم البلدان: 2/87- وما بعدها، القزويني -آثار البلاد وأخبار العباد 107‏
              (16) الهروي- الإشارات إلى معرفة الزيارات: 92 وما بعدها‏
              (17) البكري -معجم ما استجم: 3/886‏
              (18) الحموي -معجم البلدان: 4/8 وما بعدها‏
              (19) القزويني -آثار البلاد وأخبار العباد 97-98‏
              (20) ابن حوقل- صورة الأرض 1/37‏
              (21) ابن عبد البر -الاستيعاب في معرفة الأصحاب 3/1086‏
              (22) ابن حوقل- صورة الأرض 1/36‏
              (23) الحموي -معجم البلدان : 5/447، القزويني -آثار البلاد وأخبار العباد: 65‏
              (24) القزويني -آثار البلاد وأخبار العباد: 68-69‏
              (25) ابن حوقل -صورة الأرض - 1/38‏
              (26) ابن حوقل -صورة الأرض: 1/38‏
              (27) الحموي -معجم البلدان: 3/393- 394‏
              (28) أبو خليل -أطلس التاريخ العربي: 28- مادون الخريطة التاريخية: 1‏
              (29) الحموي -معجم البلدان - 2/269 وما بعدها‏
              (30) مادون -الخريطة التاريخية 1‏
              (31) الحموي -معجم البلدان -2/442، القزويني -آثار البلاد وأخبار العباد: 131‏
              (32) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/513، الذهبي- تاريخ الإسلام: 1/358، غلوب- الفتوحات العربية الكبرى 294‏
              (33) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/553-554‏
              (34) ابن الأثير -الكامل في التاريخ: 2/358- ابن خلدون -ديوان المتبدأ والخبر: 2/2/74‏
              (35) الحموي -معجم البلدان: 1/445‏
              (36) الحموي -معجم البلدان: 5/256‏
              (37) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/479- البكري -معجم ما استعجم: 3/1076-1077 الحموي - معجم البلدان: 4/366‏
              (38) البكري -معجم ما استعجم: 2/633-634‏
              (39) ابن خلدون -ديوان المبتدأ والخبر 2/2/66، غلوب الفتوحات العربية الكبرى 184‏
              (40) الحموي -معجم البلدان 1/68‏
              (41) مادون -الخريطة التاريخية 1‏
              (42) الحموي -معجم البلدان: 2/132 ما دون -الخريطة التاريخية: 1‏
              (43) البكري - معجم ما استعجم: 2/539‏
              (44) الحموي -معجم البلدان: 435-436‏
              (45) أبو خليل -أطلس التاريخ العربي: 28، مادون -الخريطة التاريخية 1‏
              (46) ابن حجر -الإصابة في تمييز الصحابة 6/144‏
              (47) الحموي -معجم البلدان 2/271‏
              (48) الحموي -معجم البلدان: 1/94 وما بعدها، القزويني -آثار البلاد وأخبار العباد 74‏
              (49) ابن الأثير -الكامل في التاريخ 21/389‏
              (50) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/575 وما بعدها.‏
              (51) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/575 وما بعدها‏
              (52) الطبري -تاريخ الأمم والملوك 2/559- وما بعدها‏
              (53) الطبري -تاريخ الأمم الملوك: 2/551 وما بعدها وأغلبها من قبائل تغلب‏
              (54) ابن حوقل -صورة الأرض: 1/238‏
              (55) الحموي -معجم البلدان 1/430‏
              (56) الحموي -معجم البلدان 1/430 أكرم- سيف الله 249‏
              (57) الحموي -معجم البلدان: 1/431-432‏
              (58) الحموي -معجم البلدان 1/439‏
              (59) الحموي -معجم البلدان 1/431‏
              (60) الطبري -تاريخ الأمم والملوك 2/553‏
              (61) الحموي -معجم البلدان 1/292‏
              (62) الهروي- الإشارات إلى معرفة الزيارات 81 وما بعدها‏
              (63) البكري -معجم ما استعجم: 2/505، أكرم- سيف الله 247‏
              (64) الحموي -معجم البلدان: 5/88 أكرم -سيف الله: 250-263‏
              (65) البكري -معجم ما استعجم 4/1203‏
              (66) أكرم- سيف الله: 250-263-270‏
              (67) الحموي -معجم البلدان 5/383 أكرم -سيف الله- 269 وما بعدها‏
              (68) البكري -معجم ما استعجم 1/189‏
              (69) ابن عبد الحق البغدادي- مراصد الاطلاع: 1/113، أكرم- سيف الله: 286 وما بعدها‏
              (70) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/563، الحموي معجم البلدان: 1/254 ابن عبد الحق البغدادي مراصد الإطلاع 1/119‏
              (71) البكري -معجم ما استعجم 2/478‏
              (72) ابن عبد الحق البغدادي - مراصد الإطلاع: 1/441، القزويني- آثار البلاد وأخبار العباد: 186‏
              (73) الحموي -معجم البلدان - 1/257، ابن عبد الحق البغدادي- مراصد الإطلاع: 1/120‏
              (74) البكري -معجم ما استعجم 1/197‏
              (75) اكرم سيف الله: 242‏
              (76) الحموي -معجم البلدان 1/257‏
              (77) الطبري -تاريخ الأمم والملوك 2/582، الحموي معجم البلدان 1/258‏
              (78) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/576، الحموي معجم البلدان: 4/176 ابن عبد الحق البغدادي، مراصد الإطلاع 1 2/977‏
              (79) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/577، الحموي معجم البلدان: 4/176 أكرم سيف الله: 306 وما بعدها‏
              (80) البكري -معجم ما استعجم 2/565‏
              (81) الحموي -معجم البلدان: 2/487-488، ابن عبد الحق البغدادي- مراصد الإطلاع 2/542‏
              (82) الحموي -معجم البلدان 5/144‏
              (83) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/582، الحموي معجم البلدان: 2/86ـ أكرم سيف الله 318‏
              (84) الطبري -تاريخ الأمم والملوك 2/582، أكرم -سيف الله: 319‏
              (85) الطبري -تاريخ الأمم والملوك 2/580، الحموي معجم البلدان 2/391، أكرم -سيف الله: 321‏
              (86) الطبري -تاريخ الأمم والملوك 2/580، ابن عبد الحق البغدادي- مراصد الإطلاع 1/408‏
              (87) الطبري -تاريخ الأمم والملوك 2/582/ الحموي معجم البلدان 4/244‏
              (88) الطبري -تاريخ الأمم والملوك 2/582‏
              (89) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/583- ابن عبد الحق البغدادي -مراصد الإطلاع: 3/1022‏
              (90) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/560-568، الحموي معجم البلدان: 2/440 وما بعدها، 4/241‏
              (91) أكرم -سيف الله: 250-263‏
              (92) الحموي -نجم البلدان: 4/431‏
              (93) البكري -معجم ما استعجم: 4/1109‏
              (94) أكرم -سيف الله: 254 وما بعدها‏
              (95) البكري - معجم ما استعجم: 2/459، الحموي -معجم البلدان: 2/277‏

              تعليق


              • #8
                رد: الرّيادة فـي حـروب وفتوحات أبي بكر الصّديق

                مسرح عمليات الشام
                الشام المعبر إلى آسية الصغرى، إلى مصر، إلى الجزيرة الفراتية فأرمينية. هذا المسرح يختلف من مكان لآخر، فهناك الجبال المرتفعة، والسهول المنبسطة، والغابات الكثيفة، والأنهار الكثيرة والأشجار المثمرة، والغلال الوفيرة، والطرقات الممتدة إلى كل الجهات والمدن المرتبطة بشبكة مواصلات، غير أن العرب ظلوا على أطراف جزيرتهم، وبقوا على التخوم القريبة من بلادهم، ولم يتوغلوا عميقاً في زمن أبي بكر الصديق، وحدثت أغلب المعارك في أجواء تشبه الأجواء التي اعتادها المقاتل العربي من قبل.‏
                تقع بلاد الشام في الشمال الغربي من بلاد العرب. يحدها من الغرب البحر الأبيض المتوسط بحر الروم) ومن الشرق بادية الشام، ومن الشمال العواصم وجبال طوروس، ومن الجنوب شبه جزيرة العرب.‏
                إن أهم السهول في بلاد الشام سهل البقاع، الذي ينتج أكثر المزروعات وبخاصة القمح(1) والغور الذي اشتهر آنذاك بزراعة قصب السكر والرز، وغوطة دمشق الغربية والشرقية) التي يرويها نهر بردى ونهر الأعوج، وتشتهر بزراعة الأعناب والمشمش وجميع الأشجار المثمرة، والسهول الساحلية التي تمتد على الساحل والتي تشكل بساتين ذات مساحات صغيرة طولانية مع الشريط الساحلي، وعرضانية ضيقة تصطدم بالجبال الشاهقة المرتفعة.‏
                إن أهم الجبال هي سلسلة لبنان الغربية والشرقية، وهي تشكل حاجزاً كبيراً على البحر الأبيض المتوسط، وتبلغ ارتفاعات هذه الجبال فوق 2500 م عن سطح البحر، فيها الأخشاب المتنوعة الصالحة لصناعة السفن، وتتفاوت درجات الحرارة ما بين قمم الجبال وما بين السهول الساحلية.‏
                هناك الخلجان والموانئ الصغيرة على الساحل، يستخدمها الروم والفرس على السواء لنقل المواد والأخشاب، أو للتبادل التجاري، وأحياناً تستخدم هذه الموانئ كقواعد حربية وحاميات رومية وفارسية(2) .‏
                يبقى الاتصال ممكناً ما بين شبه جزيرة العرب، وبلاد الشام، أو ما بين العراق وبلاد الشام التي تعتبر عقدة طرق يمر بها المتجه نحو الساحل، أو إلى الجبال الساحلية أو إلى السهول الداخلية. وهناك عقدة طرق بحرية أيضاً تتصل بالمدن الساحلية أو مع موانئ المحيط الهندي والخليج العربي.‏
                إن المياه متوفرة في هذا المسرح، ولا يلقى الجيش أية صعوبة في التزود بالماء أو نقله، وكلما اقترب من حدود الجزيرة نحو الجنوب كلما قلت المياه وضعُف المسطح المائي الذي يتميز به مسرح عمليات الشام.‏
                لا شك أن سكان بلاد الشام هم امتداد لسكان شبه جزيرة العرب، فالغساسنة كانوا يشكلون القسم الأكبر من السكان، وجبلة بن الأيهم قاتل مع الروم في معارك عديدة ضد العرب وبخاصة في معركة اليرموك(3) واستطاع العرب المتدفقون نحو بلاد الشام أن يؤثروا في السكان المحليين وذلك بفضل اللغة العربية الواحدة، والمبادئ الإنسانية التي يحملونها معهم، إذ اتصلوا مع بني جنسهم ومع غيرهم.‏
                بلاد الشام واسعة، كثيرة المدن والبلدان. وإذا ذكرنا فلا نذكر منها في هذا المقام سوى التي كانت مسرحاً للعمليات، أو ممراً للجيش، أو علامة مميزة بجانب معركة من المعارك التي حدثت في عهد أبي بكر الصديق.‏
                دمشق: هي أم الشام وريحانتها، وقد وصفها الأقدمون بما تستحق، فسطروا عنها الصفحات، وكتبوا عنها من الناحية التاريخية والآثارية والجغرافية والسكانية والسياسية والعسكرية والدينية(4) يسقيها نهر بردى والجداول الأخرى، وتحيط بها الجبال إلا من جهة البادية فتحت دمشق وحوصرت في أيام أبي بكر، وتم الاستيلاء على ما فيها(5) وبعد فتحها اتجه الجيش العربي إلى الجهة الجنوبية لملاقاة الروم في منطقة الجابية واليرموك. ودمشق بلد قديم، فيه الربوة والنيرب والمزة وداريا ومشهد الأقدام وميدان الحصى، وفيها جوامع وزوايا ومشاهد كثيرة وآثار عظيمة، وغوطة ومروح خضراء(6) .‏
                حمص: فيها مشاهد كثيرة، وآثار مزروعة هنا وهناك، منها قبر خالد بن الوليد بطل الجزيرة العربية والعراق والشام وابنه عبد الرحمن وغيره(7) وإلى هذه المدينة اتجه أبو عبيدة بن الجراح عندما سيره الخليفة أبو بكر إلى بلاد الشام(8) صحية الهواء والتربة، وكثيرة المياه والأشجار(9) .‏
                تبوك: تقع على طريق الشام من المدينة، وهي غرب دومة الجندل. ويقال للطريق "الطريق التبوكي" والطريق الساحلي الذي يوازيه على مجر القلزم الأحمر) "الطريق المعرقة". وهي بين جبل حسمى في الغرب وجبل شروري في الشرق. وفيها عين ماء ونخل وأشجار. وتتصل بالمدينة المنورة بطريق إلى الجنوب، وتتصل بأرض الشام بطريق يمر من معان إلى بصرى، وتتصل بدومة الجندل بطريق يصل إلى الفرات(10) .‏
                أيله العقبة): بلدة تقع على ساحل بحر القلزم البحر الأحمر)(11) . وهي على رأس لسانه اليميني. وتعتبر أول بلاد الشام من الجهة الجنوبية(12) يتفرع منها عدة محاور واحد يتجه إلى الجنوب على الساحل ويتصل بالمدن الساحلية أو القريبة مثل الحديدة، عدن، المكلا، صحار حيث يمر في سواحل البحار الثلاثة القلزم، العرب، بحر عمان، وآخر يتجه إلى الشمال حيث يمر بالبلاد الشامية معان، بصرى، دمشق، وثالث يتجه نحو الشمال الغربي حيث يمر بالفسطاط فالأراضي المصرية.‏
                غزة. هي من بلاد فلسطين من الشام، والمطلة على ساحل بحر الروم الأبيض المتوسط) وهي أقرب ما يكون إلى مصر. وفيها آثار قديمة مثل قبر هاشم بن عبد مناف وفيها زروع وفاكهة ونخل(13) . تتصل بمحور إلى الشمال بالمدن الساحلية عسقلان، وقيسارية، وحيفا. وبمصر من الجنوب بمحور يمر من العريش إلى الاسكندرية وغيرها يشرب أهلها من الآبار(14) وهي محطة للجيوش الإسلامية(15) .‏
                دائن: هي ناحية بالقرب من غزة. بها مرت جيوش الفتح العربي إلى الشام، وقاتلت الروم بعد الانتهاء من حروب الردة)(16) .‏
                عربة: موضع من بلاد فلسطين. أنزل أبو أمامة الباهلي الذي كان في جيش يزيد ابن أبي سفيان بالروم هزيمة منكرة فيها(17) .‏
                سوى: ماء لبهراء في أرض السماوة. مرّ به خالد بن الوليد بعد تلقيه أمراً بالتحرك من العراق إلى الشام.(18) .‏
                أرك أراك): وهي واقعة على طريق مسير خالد من العراق إلى الشام وهي قبل تدمر(19) .‏
                القريتين: تقع شرقي دمشق، بعد جيرود والناصرية إلى الشرق. بينها وبين تدمر مرحلتان(20)
                حوران: كورة شامية من أعمال دمشق(21) فيها قرى كثيرة، وحرار منتشرة، ومزارع خضرة، وتربة طيبة. يزرع فيها القمح والحبوب والبقول. وقد فتحت حوران قبل دمشق(22) .‏
                فحل: من قرى الشام(23) . تقع شرقي نهر الأردن قريبة منه، وهي إلى الجنوب الغربي من الجزيرة، وغربي بصرى وهي من أرض فلسطين. وفيها حدثت معركة كبيرة بين الجيش العربي بقيادة خالد، وبين الجيش الرومي. وفي هذه المعركة انتصر العرب على الروم(24)
                مرج راهط: موضع في غوطة دمشق الشرقية، بعد مرج عذراء وأنت متجه إلى حمص إلى اليمين(25) .‏
                مرج الصفر: يقع في جنوبي دمشق بجانب الكسوة. وقد تكلم الشعراء بهذا المرج(26) وقد اصطدمت القوات العربية المتجهة إلى معركة اليرموك بقوات الروم في هذا المكان واستطاع الجيش العربي في أيام أبي بكر الصديق انتزاع النصر(27) .‏
                بُصرى: من أعمال دمشق، ومن قصبة حوران. وهي مشهورة بتجارتها، واجتماع العرب التجار فيها، وعقدة طرقها، ومكانتها الدينية، وبآثارها التاريخية تطرق إليها الشعراء(28) سار إليها خالد بن الوليد عند ما انتهى من مسرح عمليات العراق، وأنزل أهلها على الصلح(29) .‏
                أجنادين: تقع جنوب غربي القدس، قريبة من ساحل البحر الشامي بحر الروم) وهي من أرض فلسطين(30) وصلت إليها القوات العربية عن طريق الجنوب، وكان تشكيل عمرو بن العاص متجهاً إليها(31) وقد حدثت فيها معركة كبيرة بين الجيشين العربي والرومي(32) .‏
                ظهرة العقاب ثنية دمشق) إلى الشرق من دمشق. وهي فرجة إلى الجبل تطل على دمشق وعلى عذراء، وهي طريق القوافل الآتية من القريتين وتدمر، أو الآتية من حمص(33) .‏
                القدس: تقع على جبل مستدير، وعرة المسالك، بناؤها من الحجر الأسود والكلس. يشرب أهلها من عين تجري إليها، ومن عين سلوان، ومن الآبار فيها فواكه كثيرة وخيرات جما(34) فيها المسجد الأقصى، وقبة المعراج، ومربط البراق، ومحراب زكريا، وفيها آثار كثيرة(35) .‏
                بيسان: هي على الجانب الغربي من الغور. خصبة، كثيرة الأشجار فيها مياه كثيرة، وفيها النخيل. ويقال بأن طالوت قتل جالوت في تلك البقعة(36) وأهمية هذه المدينة من الوجهة الحربية بأنها تقع على طريق يصل فلسطين بدمشق وحوران والبلاد الشامية، وتقع أيضاً على طريق يصل بين المدن الساحلية مثل عكا، حيفا، يافا ومن مساوئها أنها كثيرة الرطوبة، كثيرة المستنقعات، مما يسبب بعض الأمراض والحميات. وقد تحصن الروم بها بعد معركة اليرموك وبعد انهزامهم أمام العرب، وقد أرادوا وقف الهجوم ففتحوا المياه في الأراضي أمام الزحف العربي.(37) .‏
                الواقوصة: واد في أرض حوران، تهاوى فيه الروم، وخسروا معظم قواتهم في هذا الوادي(38) يحده من الجهة الشرقية وادي اليرموك، ويتصل من جهة الغرب بسهول فيق، ومن الشمال بسهول حوران، هذه الساحة وهذا الميدان أمام الواقوصة يصلح لقتال جميع الأسلحة.‏
                تل الجابية: وهو موضع بالشام(39) وهو من التلال المحيطة بأرض معركة اليرموك، والذي اجتمعت فيه هيئة أركان الجيش العربي قبل بدء هذه المعركة، واتفقوا على المبادئ التي سيقاتلون بها الجيش الرومي. والجابية قرية بالقرب من التل ومن مرج الصفر ونوى والصنمين.(40)
                نهر الأردن: ويسمى الشريعة أيضاً. وهو من عدة ينابيع تنحدر من جبل الشيخ الثلج) منها الحاصباني وبانياس والدان، وتتجمع تلك الينابيع في شمالي بحيرة الحولة، ثم يصب فيها، ويواصل جريانه فيصب في بحيرة طبرية. ويلتقي بنهر اليرموك بعد أن يخرج من البحيرة، ويتابع في وسط الغور جنوباً حتى يجاوز بيسان، فيصل إلى بحيرة زغر بحيرة لوط)(41) .‏
                يلاحظ على المسرح العملياتي الشامي كثرة المدن وقربها من بعضها، وكثافة السكان، وكثرة المحاور التي تخترقه من كل الجهات، مما يسهل عبور الجيوش الآتية من الجنوب، أو من الشرق، وبوفرة مياهه وأنهاره وينابيعه، ووجود الجبال المرتفعة، كما أن هذا المسرح تنتشر فيه المروج والسهول الصالحة لقتال الفرسان والمشاة على السواء كمرج راهط ومرج الصفر وسهل اليرموك التي كثيراً ما تشابه مسرح عمليات الجزيرة مع فارق الأرض المتماسكة. إن الخضرة تملأ تلك البطاح وإن المرعى متوفر لعلف الخيول والإبل، كما أن الوسائط المادية التي يحتاجها المقاتل كالطعام والشراب واللباس وبعض الأعتدة القتالية متوفرة أيضاً.‏
                إن ميول هذا المسرح تتجه من الشمال إلى الجنوب، وهي ليست حادة، ويرسم ذلك الميل اتجاه دجلة والفرات.‏
                (1) لومبارد- الجغرافية التاريخية: 44‏
                (2) لومبارد -الجغرافية التاريخية: 44‏
                (3) البكري -معجم ما استعجم: 2/459، الحموي -معجم البلدان 2/277‏
                (4) ابن عساكر -تاريخ مدينة دمشق: 1/54 وما بعدها، الحموي- معجم البلدان: 2/463، القزويني- آثار البلاد وأخبار العباد 189 حداد - فتح العرب الشام 55-56‏
                (5) غلوب- الفتوحات العربية الكبرى: 275‏
                (6) الهروي -الإشارات إلى معرفة الزيارات -10 وما بعدها، حداد فتح العرب للشام: 56-61‏
                (7) الهروي -الإشارات إلى معرفة الزيارات: 928 ابن عبد الحق البغدادي - مراصد الإطلاع 1/425‏
                (8) الواقدي -فتوح الشام 1/8‏
                (9) القزويني -آثار البلاد وأخبار العباد 184‏
                (10) الحموي -معجم البلدان: 2/14، مادون- الخريطة التاريخية: 1‏
                (11) البكري -معجم ما استعجم 1/216‏
                (12) الحموي -معجم البلدان: 1/292، القزويني- آثار البلاد وأخبار العباد: 153‏
                (13) المقدسي -أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم: 174- الحموي- معجم البلدان: 4/202-203- القزويني- آثار البلاد وأخبار العباد: 227‏
                (14) القلقشندي -صبح الأعشى. 4/98‏
                (15) شيخ الربوة- نخبة الدهر في عجائب البر والبحر 263‏
                (16) الحموي -معجم البلدان -2/417‏
                (17) البلاذري -فتوح البلدان: 151‏
                (18) الشيباني -شرح السير الكبير - 1/48 ابن عساكر- تهذيب تاريخ دمشق الكبير: 1/138‏
                (19) أبو خليل -أطلس التاريخ العربي 34‏
                (20) الحموي -معجم البلدان: 4/335‏
                (21) البكري -معجم ما استعجم - 2/474، القزويني -آثار البلاد وأخبار العباد: 185‏
                (22) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/603 وما بعدها، ابن الأثير -الكامل في التاريخ: 2/409‏
                (23) البكري - معجم ما استعجم 3/1014‏
                (24) الطبري -تاريخ الأمم والملوك 2/628 ابن عساكر- تهذيب تاريخ دمشق الكبير: 1/145‏
                (25) الحموي -معجم البلدان 3/21‏
                (26) الحموي -معجم البلدان: 5/101‏
                (27) الواقدي -فتوح الشام 1/19 وما بعدها‏
                (28) الحموي -معجم البلدان: 1/441‏
                (29) البلاذري -فتوح البلدان 155‏
                (30) البكري -معجم ما استعجم 1/114‏
                (31) الواقدي -فتوح الشام: 1/7 وما بعدها‏
                (32) الواقدي -فتوح الشام: 1/30 وما بعدها، ابن عساكر- التاريخ الكبير: 1/144‏
                (33) الحموي- معجم البلدان: 4/133‏
                (34) المقدسي -أحسن التقاسم في معرفة الأقاليم: 165، القلقشندي- صبح الأعشى 4/100، طوطح- جغرافية فلسطين 106‏
                (35) القزويني -آثار البلاد وأخبار العباد: 159 وما بعدها‏
                (36) القلقشندي- صبح الأعشى 4/104‏
                (37) المقدسي: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم: 30، الحموي معجم البلدان 1/527، طوطح جغرافية فلسطين 155‏
                (38) الواقدي- فتوح الشام: 1/138.‏
                (39) البكري -معجم ما استعجم 2/355‏
                (40) الحموي -معجم البلدان: 2/91‏
                (41) شيخ الربوة -نخبة الدهر في عجائب البر والبحر: 107، القلقشندي -صبح الأعشى: 4/91‏

                تعليق


                • #9
                  رد: الرّيادة فـي حـروب وفتوحات أبي بكر الصّديق

                  الفصل الثالث
                  حُروب الرّدّة‏
                  معالم الارتداد وطريقة مكافحته في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم.‏
                  أولاً: معنى الارتداد أو الرّدة. أكد معنى هذه الكلمة القرآن: "إن الذين ارتدوا على أدبارهم".. (1) والردة الرجوع في الطريق الذي جاء منه، والرجوع إلى الكفر(2) ثم استعملت هذه الكلمة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت تعني ترك المسلم لدينه وارتداده إلى الكفر أو الشرك أو اتباع دين آخر غير الإسلام أي تبديل الدين وكان هذا الفعل يعتبر من أشنع الأفعال وأقبحها، بل من الأعمال التي توجب القتل. وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتل المرتد صراحة، كما دلت أحاديثه الكثيرة على ذلك(3) وقتل يهودياً أسلم ثم ارتد(4) وأمر بقتل عبد الله بن سعد بن أبي سرح الذي ارتد ولحق بقرشي في مكة، لكن عثمان بن عفان استجار له فأجاره الرسول صلى الله عليه وسلم(5) .‏
                  هناك ردة فردية قام بها أشخاص دخلوا الإسلام ثم خرجوا منه كما دخلوه، ثم هم أشد عناداً وحرباً على الله ورسوله. وقد حذر الله هؤلاء وتوعدهم شراً بخسارة الدنيا والآخرة وبسوء العاقبة وبالعذاب الشديد، وبالبعد عن المغفرة وبالخسران المبين(6) .‏
                  ثم قامت ردة قادها بعض أولئك الذين آمنوا بالرسول وصدقوه، وذلك لما أسري به، إذ لم يصدقوا هذه الحادثة، أو يؤمنوا بها واعتبروها كذباً ونسيج خيال(7) .‏
                  وهناك ردة جماعية سلمية ارتد أصحابها سنة 2/623، وبعد ستة عشر شهراً من الهجرة بسبب تحويل القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة، وأبى المنافقون والذين في قلوبهم مرض إلا أن ينقلبوا على أعقابهم(8) وفي سنة 3/624 وبعد معركة أحد ارتدنا ناس عندما أشيع مقتل الرسول صلى الله عليه وسلم(9) وفي سنة 4/625 وفي معركة الخندق(10) ارتد بعض المسلمين، وشجع ذلك الارتداد بعض القادة المنافقين في الجيش لا مقام لكم فارجعوا..(11) وفي السنة التي قبض فيها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كانت الردة مسلحة والعصيان معلناً. وهنا تصدى أبو بكر لهذه الفتنة الكبيرة، وأعلن عن الآية التي تشير إلى موت الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وذكر فيها وأنذر الذين ينقلبون على أعقابهم(12) هذه الردة انتشرت في العرب في كل قبيلة جزءاً أو كلاً إلا بعض القبائل القليلة التي منها قريش وثقيف(13) .‏
                  ثانياً: الأسود العنسي عبهلة بن كعب. تزعم الأسود الردة في اليمن في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت أول ردة ظهر أمرها وانتشر خطرها(14) ادعى النبوة وعرض نفسه على بني مذحج فأجابوه، وزحف نحو نجران فطرد عامل الرسول صلى الله عليه وسلم خالد بن سعيد بن العاص، ثم جهز جيشاً قوامه سبعمائه فارس وتوجه نحو صنعاء وكان عاملاً فيها شهر بن باذان فتصدى له، ولم يثبت أمامه فهزمه وقتله(15) ثم ضم إليه حضرموت والبحرين، وتوسع ملكه، وطرد كل المناهضين، وولى الناس المقربين إليه(16) .‏
                  ولما استفحل خطر هذا المتنبيء الذي سمى نفسه "رحمن اليمن"(17) أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم بعض الفدائيين لقتلة، لكن الأسود كان محاطاً بحراسة منيعة وبحصن لا ينفذ إليه إلا الرجال الذين من حوله. وبمحاولة من فيروز وبمساعدة زوجة الأسود آزاد) تمكن هذا البطل من ولوج غرفة العنسي وقتله. وزف الخبر إلى المدينة، فلم يصل إلا بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم وفي زمن أبي بكر الصديق(18)
                  ارتد أهل اليمن ثانية بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم بقيادة قيس بن عبد يغوث، وطردوا فيروز فهرب فتبعه عدد من المسلمين وانضموا إليه. فأعاد تنظيمهم في تشكيل قتالي لكي، يحارب به قيساً ومن معه، وتقابلا في معركة، وانسحبت فلول المرتدين إلى "أَبْيَن" واختلفوا فيما بينهم، ثم استسلموا وعادوا إلى الحظيرة العربية الإسلامية(19) .‏
                  ثالثاً: مسيلمة بن ثمامة بن كثير بن حبيب الحنفي الوائلي. ويطلق عليه "مسيلمة الكذاب"(20) ويقال: "أكذب من مسيلمة"(21) كان فقيراً، هزيل الجسم، أصفر اللون(22) ولد في القرية المسماة اليوم "الجبيلة"(23) باليمامة في وادي حنيفة. وفي السنة العاشرة من الهجرة وفد بنو حنيفة مع مسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتجرأ مسيلمة فقال: "إن شئت خلينا لك الأمر وبايعناك"(24) فرد عليه الرسول صلى الله عليه وسلام بكلام لاذع وبشره بالقتل. ولما عاد الوفد ادعى مسيلمة النبوة، وشهد له الرجال بن عنقوة أن الرسول صلى الله عليه وسلم شاركه في الأمر فاتبعه بنو حنيفة وغيرهم في اليمامة. وكتب إلى الرسول العربي محمد صلى الله عليه وسلم رسالة هذا نصها: "من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله، أما بعد فإن لنا نصف الأرض ولقريش نصفها، ولكن قريشاً لا ينصفون، والسلام عليك"(25) ورد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم برسالة جوابية هذا نصها: "بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد النبي إلى مسيلمة الكذاب، أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، والسلام على من اتبع الهدى"(26) ودفعها إلى رسولي، مسيلمة وقال لهما: "لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكما"(27) ولقد أكثر من السجع مضاهاة للقرآن، واستخف قومه بأقواله المعسولة المزينة، وبأنه شريك النبي صلى الله عليه وسلم، وتشابه واختلط القول عليهم. ومن أقواله: "لقد أنعم الله على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحشى"(28) وقد أحل لهم ما حرم الله، وحرم لهم ما أحل الله، وسرى أمره في اليمامه، واجتمع حوله المؤمنون به، يقاتلون عنه، ويذبون عنه كل سوء، وازداد خطره بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن تولى أبو بكر الخلافة، فسيّر إليه الجيوش وقتله(29) .‏
                  رابعاً: طليحة بن خويلد الأسدي. ظهر بسميراء(30) في منازل بني أسد. قدم على النبي صلى الله عليه وسلم عام 9 من الهجرة مع بني قومه، ولما رجع إلى دياره ارتد وادعى النبوة، واتبعه العوام من طيء وغسان وأسد. وبعث إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بابن أخيه يخبره بنبوة طليحة، وأنه يأتيه ذو النون، فأنكر الرسول صلى الله عليه وسلم أعماله وأباطيله وادعاءاته، وقال لابن أخيه لما تطاول في كلامه: "قتلك الله وحرمك الشهادة"(31) ثم وجه إليه ضرار بن الأزور ليغتاله، وبمحاولة من ضرار سدد إليه ضربة بالسيف فنبا عن طليحة، فشاع بين الناس، أن السلاح لا يؤثر فيه، فازدادوا به يقيناً وإيماناً بنبوته(32) وكان من الشجعان، ويعد بألف فارس(33) . كما كان يتلو على الناس أسجاعاً، ويدعي أنه يأتيه جبريل بالوحي(34) ولما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم كثر أتباعه ونظمهم، وهاجم المدينة، وردّ على أعقابه، فأرسل إليه أبو بكر بجيش جعله يفقد صوابه، ويتخلى عن المعركة ويركب حصانه ويردف خلفه امرأته ويفر كما تفر الأنعام(35) والتجأ إلى بني حنيفة حتى توفي أبو بكر الصديق، فقدم على عمر بن الخطاب وأسلم وحسن سلامه، واشترك في القادسية(36) وفي فتوح العراق، واستشهد بنهاوند(37) .‏
                  خامساً: الطرق التي كافح بها الرسول صلى الله عليه وسلم الارتداد: مال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطريقة السلمية، فدعا إلى الحكمة والموعظة الحسنة، ولم يشأ أن يجابه أولئك المرتدين بقوة السلاح، فبعث إليهم رسلاً مبشرين ومنذرين، بالتوعية والإرشاد، عسى لهؤلاء المرتدين أن يتوبوا، وأعطى صلاحية للرسل أن يستنجدوا برجال من العرب وخاصة من تميم وقيس إذا اقتضى الأمر ذلك(38) ، وأن يحاولوا جاهدين دون اللجوء إلى القوة أن يستميلوا قلوب الناس المغرّر بهم، وأن يحبّبوا لهم دينهم الذي ارتضى لهم.‏
                  كما أرسل رسلاً آخرين إلى زعماء القبائل الذين ثبتوا على الإسلام من تلك القبائل التي ارتدت لإيجاد التوازن بين أولئك الزعماء المدّعيّ النبوة، والذين أثروا بصورة فعلية على العامة. فأرسل وبر بن يُحنّس إلى فيروز وإلى حشيش الديلمي وإلى داذويه الأصطحزي، وجرير بن عبد الله إلى ذي الكلاع وإلى ذي ظليم، والأقرع بن عبد الحميري إلى ذي زود وإلى ذي مرّان، وفرات بن حيان العجلي إلى ثمامة بن أثال، وزياد بن حنظله التميمي إلى قيس بن عاصم وإلى الزبرقان بن بدر، وصلصل بن شرحبيل إلى سيرة العنبري، ووكيع الدارمي إلى عمرو بن المحجوب العامري وإلى عمرو ابن الخفاجي من بني عامر، وضرار بن الأزور الأسدي إلى عوف الزرقاني وغيرهم(39) . وفي اعتقادي أن هذا الأسلوب كان كافياً لتوبة ورجوع البدو السذج عن طريق زعمائهم المؤهلين والمكلفين من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الدين وإلى الوحدة العربية، بيد أن مرض القائد الأعلى ووفاته أخرت تلك الطريقة وأوقفتها برهة من الزمن حتى جاء أبو بكر الصديق فاستمر على تحقيق هذا الهدف، إلا أنه كان بأسلوب حربي وبقوة مسلحة إذ لما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم ازداد ارتداد العرب، وسرى في كل قبيلة جزءاً أو كلاً، واستشرى النفاق، وابتعد بعض العرب عن أبي بكر، معلنين الزعامة والأحقية، فشعر عندئذ أن القوة هي السبيل الوحيد لمحاربة هؤلاء المرتدين، وأقسم على المضي بما عهد عنده الرسول صلى الله عليه وسلم ولو كلفه ذلك ما كلفه(40) .‏
                  انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم من الطريقة السلمية إلى الطريقة الحربية ذات الرقعة الضيقة، فهو لم يشأ أن يعلنها تعبئة عامة قتالية، بل أعلن الاستنفار العام والتعبئة العامة وحشد كل الطاقات فيما يختص بالتوعية والتأثير النفسي، ثم حصر الأمور القتالية وضيقها، معلناً فقط قتل واغتيال أولئك الزعماء الذين ادعوا النبوة، وفرقوا الجمع، وفتنوا الناس والعامة كالأسود العنسي(41)

                  حروب الرّدة والتصدي للمرتدين‏
                  استلم أبو بكر الصديق الخلافة، وانتشر مع هذا الاستلام الارتداد في شبه جزيرة العرب، ولم يسلم من هذه الفتنة سوى مكة والمدينة والطائف(42) وقد أصاب الارتداد أكثر ما أصاب تلك البقاع التي كانت بعيدة عن جو المدينة والحضارة والعلم.‏

                  أسباب الرّدة. الأسباب القريبة هي عدم دفع الزكاة، وبهذا انقسم المرتدون إلى ثلاثة أقسام، قسم امتنع عن دفع الزكاة مع الإصرار والعزم على القتال إن أجبر على دفعها(43) والثاني أعلن الردة الكاملة كالمتبنئين أمثال طليحة بن خويلد الأسدي في بزاخة، والأسود العنسي في صنعاء، ومسيلمة الكذاب في اليمامة، وسجاح التي كانت تقيم في شمالي اليمامة(44) . والقسم الثالث أعلن الانفصال الكامل عن جسم الدولة أمثال لقيط بن مالك بعُمان، والنعمان بن المنذر بن ساوى التميمي بالبحرين(45) وهناك فئة انتظرت إلى ما ستؤدي إليه الأقسام الثلاثة، فإن ظفروا كانت معهم، وإن ظفر أبو بكر كانت من عامة المسلمين(46) .‏
                  أما الأسباب البعيدة يمكن إجمالها بالتالي:‏
                  1-العصبية والقبلية اللتان لا تزالان متأصلتين في نفوس القبائل، ويمثلها قول طليحة النمري حين يقول لمسيلمة الكذاب: "أشهد أنك كذاب، وأن محمداً صادق، ولكن كذاب ربيعة أحب إلي من صادق مضر"(47) .‏
                  2-التنافس على الزعامة. ما المتنبئون في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم إلا دليل على وجود زعامات دينية، تريد أن تبني لنفسها مجداً كما بناه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن تتخذ من التنبؤ وسيلة للوصول إلى هذه الزعامة(48) .‏
                  3-الانتماء. كانت ترتبط بعض القبائل بالرسول صلى الله عليه وسلم، ارتباطاً قبلياً، وتنتمي إليه انتماءً شخصياً، فما أن توفي النبيّ حتى رجع كل واحد إلى ارتباطاته القديمة، وإلى انتمائه لشيخ العشيرة ولزعيم القبيلة، واستغل بعضهم هذه الناحية فأعلن زعامته وقيادته، واتبعه الكثيرون، وهكذا فقد عادت الفوضى، واضطربت الأرض العربية، وتمزقت كما كانت في الماضي، ويمثل هذا الانتماء قول أحدهم:‏

                  فيالَ عبادِ الله ما لأبي بكر‏


                  أطعنا رسول الله ما كان بيننا‏

                  وتلك لعَمْرُ الله قاصمةُ الظهر(49)


                  أيورثنا بكراً إذا مات بعده‏

                  وهلا خشيتم حَسّ راعية البَكر.‏


                  فهلاّ رددتم وفْدَنا بزمانه‏

                  وقالوا: "قد كنا ندفع أموالنا إلى محمد فما بال ابن أبي قحافة يسألنا أموالنا"(50)
                  4-إن التحرر من العادات الجاهلية كان أمراً صعباً على الذين لم يدخل الإيمان في قلوبهم، فمنهم الذين تعودوا الربا والزنى وشرب الخمر ولعب الميسر وعبادة الأصنام وضرب الأقداح والنظر إلى الغزو والأخذ بالثأر وغيره. فهم إن غادروا تلك العادات وتركوها فذلك تأسياً بزعامتهم، وخوفاً من البطش والقوة. فهم قد دخلوا في الإسلام وهم في شوق، وهم في نفسهم مما تركوه حاجة(51) .‏
                  5-القيود الثقيلة التي حملها الأعراب حين أتى الرسول صلى الله عليه وسلم بدعوته حيث نهاهم عن الجاهلية والعصبية وما يقرب منهما من قول أو عمل(52) وقد هاجم الرسول صلى الله عليه وسلم بعض هذه الصفات في حجة الوداع فقال: "ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع"(53) وحيث حملهم الصلاة والزكاة والصوم وغيرها من التكاليف التي ناء بحملها أولئك الذين كانوا على ضعف في عقيدتهم وعلى حداثة فيما حملوه(54) .‏
                  6-شيوع الأرض وجعلها عامة ينتفع منها كل الناس، فالأرض لله يورثها من يشاء. هذا هو القانون الذي ساد بعد أن توحدت الجزيرة العربية في ظل الدين الجديد، فالبدوي من قبل يقاتل من أجل الأرض، ولا سيّما أنها طيبة بمائها ومرعاها، فالغزو والسلب من أجل الاستيلاء على ما في الأرض والاستئثار بها. فالقبيلة القوية تدفع الضعيفة وتطردها عن الأرض، والحلف الكبير يهاجم الحلف الصغير ويستولي على أرضه. وهذا مما يفسر حرص مسيلمة الكذاب على الأرض في رسالته التي أرسلها إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ".. إن لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض.."(55) .‏
                  كل هذه الأسباب مردها إلى الإيمان المتردد، الذي لا يتجاوز اللسان، ولا يدخل القلب، فالناس القريبون من الرسول صلى الله عليه وسلم قد اهتدوا وزادهم بما تلقوه عن معلم الإيمان والعقيدة، وأما البعيدون فقد ظلوا يفدون إلى المدينة في المناسبات. وللرسول رسل وعمّال عند بعضهم، يوجهون ويعلمون تلك القبائل أشهرهم: معاذ بن جبل، وأبو موسى الأشعري، وزياد بن لبيد البياضي(56) .‏
                  المعارك الأولى بقيادة أبي بكر الصديق شخصياً: استغل المرتدون فرصة إرسال جيش أسامة بن زيد إلى البلقاء، وطمعوا في الاستيلاء على المدينة، والقضاء على حكومة أبي بكر، وما حمله من معتقدات هي استمرار لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم تجمعت القبائل وخاصة عبس وذبيان وغطفان وفزارة وأجمعوا على محاربة ومهاجمة المدينة، فأرسلوا وافدهم يفاوض بشأن ترك الزكاة، ولما رجع خاسئاً ذليلاً، عادوا فنظموا صفوفهم، وقسموا قبائلهم، وقرروا الهجوم المسلح على العاصمة وتقويض الحكم فيها(57) .‏
                  أبو بكر وحده مع مجموعة من المقاتلين بقوا في المدينة. وكخطة دفاعية أمر أن يُستنفر الناس، وتحرس الأماكن الهامة، وتغطى الشوارع بالدوريات الثابتة والمتحركة، وتعير الانتباه إلى المسجد، وإلى مقر القائد الأعلى أبي بكر الذي كان يسكن بالسنح(58) .‏
                  تقرب المرتدون، ولكن الحرس تنبه لهذا التقرب، فأعلم أبو بكر، وكان مستعداً ومستنفراً قواته، فرد فوراً على القوات الغازية، وقاد جيشاً في آخر الليل جعل على ميمنته النعمان بن مقرن المزني، وأخاه عبد الله على الميسرة، وأخاه سويد على الساقة(59) وهو في القلب، فصبحهم عند شروق الشمس، ففاجأهم فهربوا فتبعهم حتى وصل إلى "ذي القصة"(60) وفي هذه المعركة استخدم القائد الأعلى نوعاً من القتال هو القتال الليلي إذ يحتاج هذا النوع إلى المهارة في استخدام القوى والوسائط، ومن التدريب لكيلا يضل أو يضيع المقاتل، وعلى كل حال فإن جميع المقاتلين الذين اشتركوا في هذه المعركة كانوا على علم بهذه الأرض، ويعرفونها جيداً، وقد حقق هذا الجيش هدفه دون أن تمر به صعوبات التوجه أو استخدام الأعتدة والأسلحة. ومن المعلوم أن الليل يحقق المفاجأة التي تمت بزمانها ومكانها، وتفرق المرتدون في كل مكان. فوضع أبو بكر في ذي القصة بعد أن احتلها حرس إنذار، مهمته كشف العدو، واتجاه تقدمه، وإنذار القوات في المدينة، والدفاع عن هذا الخط حتى تصل القوات الرئيسة. ثم عين لهذا الحرس قائداً هو النعمان بن مقرن المزني، ثم عاد إلى المدنية(61) .‏
                  هدأت العاصمة بعد دحر هؤلاء المرتدين، واتخذت الإجراءات الدفاعية، ولما عاد أسامة من مهمته، وتهيأت الظروف المواتية، شكل القائد الأعلى جيشاً وهاجم المرتدين ثانية قبائل عبس وذبيان ومن معهم في منطقة "الربذة" بالأبرق. خرج كما خرج في الأول وبعدد قليل، ذلك لأنه أمر جيش أسامة أن يريحوا مع وسائط نقلهم، وحاول المحاولون من المسلمين ألا يفعل ذلك، وخاصة وقد حضر أسامة وجنده فقالوا: "ننشدك الله يا خليفة رسول الله. إن تعرض نفسك، فإنك إن تصب لم يكن للناس نظام، ومقامك أشد على العدو، فابعث رجلاً فإن أصيب أمرت آخر"(62) فأبى ونهض بجنده فشكل منهم جيشاً على النظام الذي اتبعه عندما قصد "ذا القصة" وتحرك من المدينة إلى ذي حسى، ومرّ بذي القصة حتى انتهى إلى الربذة وهنا توقف قليلاً وأعاد تنظيم الجيش بما يتوافق مع المجابهة مع المرتدين اللذين كانوا بانتظاره، فقسم الجيش إلى مقدمة، وجناح يميني ويساري وساقة وقلب، وعين القادة الذين عينهم في المعركة الأولى، وأمر النعمان قائد الميمنة أن يلتف خلف جموع المرتدين الذي كان يقودهم الحارث وعوف زعيماً بني عبس وذبيان، فهاجم النعمان، وتحرك الجيش صفاً واحداً بكل أجنحته وتشكيلاته فتأخر المرتدون، فتبعهم أبو بكر بجنوده، وضغط عليهم فهربوا فطاردهم، واستولى على ديارهم وأراضيهم، وجعلها فيما بعد حمى لخيل الجيش العربي الإسلامي، ومنع بني ذبيان ومن شاركهم منها، ولم يعدها لهم رغم مطالبتهم بها(63) لقد استخدم أبو بكر في هذه المعركة التحرك المستور حيث سلك محوراً بعيداً عن أعين الناس، كما استخدم الحرب الوقائية حيث قام بمجابهة المرتدين قبل أن يهاجموه في المدينة، وكذلك فإنه ناور بجيشه ونظمه طبقاً للقواعد والمبادئ المتبعة في التعبئة والتنظيم، ومما يلفت النظر أنه طبق مبدأ الالتفاف ومبدأ الزحف والمواجهة على طول الجبهة مع العدو. وعلى المستوى السياسي فقد حقق أبو بكر بهاتين المعركتين ادخال الرعب في نفوس المرتدين، وأفهمهم أن الجيش العربي الإسلامي لا يزال قوياً يرد الصاع صاعين، ويحقق الانتصار كما كان يحققه من قبل، كما رفع معنويات جيشه وشعبه وأن الدولة لا تزال منيعة الجانب، قوية التأثير. وعلى المستوى القيادي أشار إلى الذين تأخروا في بيعته، أو شكوا في قيادته وإمكانياته أنه قادر على القيادة في الظروف الصعبة، وفي الأحوال غير العادية، وبإمكانه تحقيق النصر على الأعداء بفئة قليلة ضد جموع كبيرة، وخرج بنفسه في المعركتين، وأراح الجيش الذي كان الناس ينتظرون قيامه لزجه في معارك الردة(64) .‏
                  المعارك التالية بقيادة قادة الجبهات والتشكيلات: لقد عهد أبو بكر إلي أحدَ عشرَ تشكيلاً لقتال المرتدين(65) وحدد لهم الأمكنة والعدو والاتجاه، والمهام العاجلة والآجلة، والأفضليات، وخط البدء، ونظام التعاون مع التشكيلات والألوية المشتركة، وخط النهاية، والأهداف المراد تحقيقها على التتابع، ونظام الأولويات فيها، وأحقية القيادة فيها إذا اجتمع بقيادة واحدة أكثر من قائد، والمهل والأزمنة للالتحاق أو لتنفيذ المهام أو التعاون إذ حدد لكل قائد الزمن من حين انطلاقه حتى تحقيق هدفه، والاحتمالات وطرق التصرف عند كل احتمال، وأسلوب الدعوة إلى القتال والكشف عنها وتوضيحها حتى لا يدع قائد التشكيل أي لبس أو غموض فيما يدعو إليه، والتشديد على من رفض الدعوة وأبى السلم والسلام أن يحرق في النار، ويقتل شر قتلة، وتسبى النساء والذراري بالتحري والكشف عن نية العدو فإن تبيّن بكل طرق البيان أنه مسلم غير مرتد فله الرحمة والكف عن إيذائه أو مسه بضر(66) وقد استمع كل قائد تشكيل إلى هذه التوجيهات التي كانت واحدة لجميع القادة نقتطف منها: "بسم الله الرحمن الرحيم. من أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من بلغه كتابي هذا من عامة وخاصة أقام على إسلامه أو رجع عنه. سلام على من اتبع الهدى، ولم يرجع بعد الهدى إلى الضلالة والعمى، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله.. وقد بلغني رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أن أقر بالإسلام وعمل به اغتراراً بالله وجهالة بأمره.. وإني بعثت إليكم فلاناً في جيش من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، وأمرته أن لا يقاتل أحداً، ولا يقتله حتى يدعوه إلى داعية الله، فمن استجاب له وأقر وكف وعمل صالحاً قبل منه وأعانه عليه، ومن أبى أمرت أن يقاتله على ذلك، ثم لا يبقي على أحد منهم قدر عليه، وأن يحرقهم بالنار، ويقتلهم كل قتلة، وأن يسبي النساء والذراري.."(67) .‏
                  انطلقت التشكيلات وتحركت من منطقة التحشد من ذي القصة حاملة التوجيهات والإنذار الذي كان شديداً على المرتدين، رحيماً بالمسلمين.‏
                  1-تشكيل خالد بن الوليد. مهمته الانطلاق والتحرك باتجاه الشمال، والوصول إلى بزاخة، وتدمير قوات طليحة بن خويلد الأسدي، ثم الانعطاف نحو الجنوب والوصول إلى البطاح وتدمير قوات مالك بن نويره هناك، ثم الانعطاف نحو الغرب والوصول إلى مكان تمركز قوات سجاح والقضاء عليها، ثم التوجه نحو الجنوب والوصول إلى اليمامة وتدمير قوات مسيلمة الكذاب، يسبقه ويعاونه إلى ذلك المكان عكرمة بن أبي جهل.‏
                  2-تشكيل عمرو بن العاص. مهمته التحرك باتجاه الشمال الغربي، والوصول إلى قبائل قضاعة ووديعة والحارث، وإخضاعها لحكم المدينة.‏
                  3-تشكيل خالد بن سعيد بن العاص.. مهمته التحرك باتجاه الشمال الغربي وبمحاذاة وموازاة تشكيل عمرو بن العاص من جهة الغرب، والوصول إلى الحمقتين وإلى بلاد الشام، قاطعاً تبوك.‏
                  4-تشكيل عكرمة بن أبي جهل. مهمته التحرك باتجاه الشرق، والوصول إلى اليمامة، والقضاء على قوات مسيلمة الكذاب، ومتابعة التقدم نحو خليج عُمان، ثم الالتفاف بمجاورة ساحل بحر العرب، والوصول إلى حضرموت، وتنظيف ومقاتلة القبائل المرتدة في هذه الطريق الطويلة، لكن هذا التشكيل لم يستطع تنفيذ المهمة(68) وكلف بمهام جديدة من قبل القائد الأعلى على ضوء توقفه والمواقف المستجدة.‏
                  5-تشكيل العلاء بن الحضرمي. التحرك باتجاه الشرق، والوصول إلى البحرين، وإلى دارين، والقضاء على المرتدين هناك، ثم الاتجاه نحو الشمال.‏
                  6-تشكيل شرحبيل بن حسنة. مهمته التحرك باتجاه الشرق والوصول إلى اليمامة، ومساعدة ومعاونة القبائل العربية الموجودة في تلك المنطقة، ومتابعة التقدم بصورة متوازية مع لواء عكرمة من الجهة الداخلية أي أن عكرمة من الجهة الساحلية، وشرحبيل من الجهة الداخلية، الوصول إلى كندة.‏
                  7-تشكيل حذيفة بن محصن الغلفاني، مهمته التحرك باتجاه الشرق والوصول إلى هوازن وإخضاعها، ومتابعة المسير في عرض الصحراء، والوصول إلى دبا. وبعد النجاح التوجه إلى صُحار على ساحل خليج عُمان، ثم التقدم بمحاذاة الساحل، حتى يكون أقرب الألوية إلى البحر، والوصول إلى مهرة.‏
                  8-تشكيل طريفة بن حاجز. مهمته التحرك باتجاه الجنوب الشرقي، والوصول إلى بني سليم وإخضاعهم.‏
                  9-تشكيل عرفجة بن هرثمة البارقي. مهمته التحرك باتجاه الجنوب، ماراً من شرقي الطائف، ثم الانعطاف بربع دائرة نحو الشرق، والوصول قريباً من عمان، ثم الانعطاف نحو الغرب والوصول إلى اليمن، وعليه أن يجتمع مع حذيفة بغية التنسيق والتعاون.‏
                  10- تشكيل المهاجر بن أبي أميّة مهمته التحرك باتجاه الجنوب، والمرور بالطائف وصنعاء ثم الانعطاف مع ساحل اليمن باتجاه الشرق، والوصول إلى مكان قريب من مهرة.‏
                  11-تشكيل سويد بن مقرن المزني. مهمته التحرك باتجاه الجنوب وبمحاذاة ساحل البحر ماراً بمكة وتهامه وبعض مدن اليمن، والوصول إلى عدن، يوازيه من جهة الشرق لواء المهاجر بن أبي أمية.‏
                  بإلقاء نظرة على شبه جزيرة العرب، نرى أن هذه الألوية قد أطبقت على هذه الأرض، ما تركت من أرضها مكاناً إلا وصلته، وما تركت من قبائلها مرتدة إلا قاتلتها، جبهة واسعة، وميدان فسيح، ودقة في التوجه والتحرك، وإحاطة تامة بمعلومات عن التحرك والتمركز والمحاور والأرض من قبل القائد الأعلى. ولو أن قائداً قاد عمليات الجزيرة في الوقت الحاضر، لما وسعه إلا أن يستعين بكل الخرائط والمخططات، ولو أن قائداً أسند المهام لمرؤوسيه في الوقت الحاضر على هذا النحو من الدقة، لما وسعه إلا أن يستعين بالأركانات ذات الاختصاصات المختلفة، ولو أن قائداً دار وسيطر على هذه التشكيلات العديدة لما وسعه إلا أن يستعين بالحواسب والآلات الالكترونية المعقدة. وحسب هذه القيادة أن ألحت وأحاطت بكل ظروف المعارك تخطيطاً وتنظيماً وتنفيذاً بكل كفاءة وبكل حزم ومرونة واستمرار. كان القتال بالتوازي والتلاقي والتعاون بعض هذه الألوية اتجه نحو الشمال، وبعضها نحو الجنوب، وبعضها نحو الشرق، حتى إن اللواء الواحد من هذه الألوية كان يناور وينعطف ويقاتل في كل الجوانب، لكل لواء مهمة واضحة محددة، ولكل واحد منها مهمات قتالية متتالية كما في يومنا هذا. وإني لأقف أمام هذه القيادة معجباً محييّاً ومُكرماً على ما جددت من فنون الحرب، وعلى ما جمعت من خبرة قتالية على المستويات التكتيكية والعملياتية والاستراتيجية، وعلى ما حللت من الوقائع والظروف الراهنة آنذاك تحليلاً علمياً مبنياً على الفهم الصحيح والإدراك السليم.‏
                  معركة بزاخة. تقع في الشمال من المدينة المنورة، وهي بين جبلي أجأ في الشمال الغربي وسلمى في الجنوب الشرقي، وفي الشمال والغرب توجد بعض. التلال قليلة الارتفاع على سهل بين هذه المعالم. وبزاخة(69) ماء لبني أسد.‏
                  قائد الجيش العربي الإسلامي خالد بن الوليد، وقائد العرب المرتدين طليحة بن خويلد الأسدي مع قبائل بني أسد وغطفان وقوة صغيرة من قبيلة طيء، يساعده في ذلك كتائب لـ عيينة بن حصن من بني فزارة.(70) .‏
                  إن القوى والوسائط لكلا الطرفين، فالجيش العربي الإسلامي في أربعة آلاف مقاتل(71) ، أما الجيش العربي المرتد فيقدر في سبعة آلاف مقاتل. سبعمائة مع عيينة من قبيلة فزارة، (72) وثلاثة آلاف وخمسمائة من قبيلة بني أسد، وثلاثة آلاف من قبيلة غطفان والقبائل الأخرى.‏
                  تحرك خالد بجيشه من ذي القصة باتجاه الشمال حيث تسكن قبائل طيء، وقبل الاقتراب منها أرسل عدي بن حاتم الذي أسلم وثبت على إسلامه، وكان زعيماً في قومه، فلما دنا منهم خاطبهم بالرجوع إلى الإسلام، والانفصال عن قوات طليحة، فأصاخوا إليه، وأرسلوا إلى مكان التجمع في بزاخة بحيلة لاستقدام المقاتلين من أهل طيء، ونجحت الحيلة، وانفصلت طيء عن الاشتراك في القتال إلا قليلاً منهم(73) . وتقدم خالد باتجاه بزاخة، لكنه قبل وصوله إلى منطقة تحشد قوات طليحة، أراد أن يخرج قبيلة جديلة من المعركة التي كانت حليفة قبيلة طيء. واستطاع عدي هذا الشيخ المؤمن بعقيدته وإسلامه أن يتدخل فيقنع خالد بن الوليد أن يفصلها بسلم لا بحرب، وفعل فعلته، وتقدم فشرح لهم الموقف العام والخاص فبايعوه على الإسلام(74) وبقي أمام خالد ذلك التحالف الكبير من القبائل، فأرسل دورية استطلاع، لكي تأتي بالمعلومات، وتقدمت هذه الدورية باتجاه معسكر طليحة، لكنها اصطدمت بدورية استطلاع معادية فقتلت واحداً منها هو حبال أخو طلحة الذي ثارت ثائرته لمقتل أخيه، فأرسل على الفور قوة مسلحة قضت على دورية خالد، واقتربت طلائع الجيش العربي من المهاجرين والأنصار(75) ووصلت القوات ساحة المعركة في بزاخة.‏
                  اصطف هذا الجيش بترتيب القتال في هذا السهل في الجزء الجنوبي منه وظهره إلى المدينة المنورة، وسلم خالد اللواء إلى زيد بن الخطاب، وعقد لباقي القبائل راياتهم(76) ووزع قادته، فكان على الميمنة عدي بن حاتم الطائي، وعلى الميسرة زيد الخيل، وعلى الجناح الزبرقان بن بدر التميمي(77) . كما اصطف بالمقابل قوات طليحة في الجهة الشمالية وأصبح الجيشان من بعضهما قاب قوسين أو أدنى، وظهر عيينة بن حصن في بني فزاره، وكان هو قائد المعركة المباشر، وطليحة كان مع شيطانه يتنبأ عن مستقبل المعركة. بدأت المعركة شديدة إذا قام الجيش العربي الإسلامي بهجوم عام صاعق شمل الأجنحة والقلب على طول خط المواجهة، مما جعل الجيش العربي المرتد يتراجع إلى الوراء، وثبت عيينة في بادئ الأمر، وشجع على الثبات، لكن ضغط قوات خالد التي تقدمت بسرعة وفوتت الفرصة الكبيرة والوحيدة على القوات المرتدة التي لم تستطيع استعادة مواقعها، فخسرت جزءاً كبيراً من الأرض، وارتدت على أعقابها، فشعر طليحة بالهزيمة فركب فرسه وأردف خلفه امرأته وفرّ هارباً(78) وبهروبه تفككت صفوف القوات المرتدة، وضعفت معنوياتها فاستغل خالد هذه الفرصة ودخل في القوات المعادية، فلاذت بالفرار، فأسر وغنم الكثير(79) وكان من بين الأسرى عيينة الذي أرسله خالد إلى القائد الأعلى في المدينة(80) كما بث جنوده في مجموعات مطاردة وتنظيف، فاستولى على غمرة وأخضع أهلها، وعلى النقرة من بقايا بني فزارة وبني سليم. وانتشر خبر انتصار الجيش العربي الإسلامي بين القبائل في الشمال والشمال الشرقي فجاءت مذعنة تعلن ولاءها، وتعلن توبتها(81) وقالت: "ندخل فيما خرجنا منه، ونؤمن بالله ورسوله ونسلم لحكمه في أموالنا وأنفسنا"(82) .‏
                  قضى خالد على الجيوب المرتدة، وكان منها جيب كبير يقع في "ظفر" في الجهة الغربية لجبال سلمى إذ اجتمعت القبائل المنهزمة، وعدد من القبائل الأخرى من هوازن وسليم، والتجأت إلى هذه المنطقة. كانت تقود تلك القبائل امرأة سميت سلمى ابنة مالك، جدّها حذيفة، وأمها أم قرفة المشهوران بعدائهما للإسلام. استطاعت سلمى أن تجمع من حولها أولئك الأوباش، وتقودهم في معركة الجيش العربي الإسلامي. هاجم خالد تلك القوة التي تجمعت في ظفر من الحركة دون أن يتخذ مواقع هجومية، أو يتقيد بنظام الصفوف، فخرقت قواته ذلك الجمع من الجانبين، وتعمقت في خرقها، والتفت من الخلف، لكن القوة ظلت صامدة، ومن عادة خالد في مثل هذه الحالات، وعندما يثبت عدوه يلجأ إلى قتل القائد. فشكل مجموعة قتالية انقضاضيّه، بقيادته هاجمت مقر قيادة سلمى، وبسرعة التف قائد المجموعة وانقض عليها فقضى عليها. وبقتلها لاذ المرتدون بالفرار، فتعقبهم الجيش العربي الإسلامي، فانتصر وغنم وأسر العدد الكبير(83) .‏
                  يعود انتصار هذا الجيش في معركة بزاخة إلى التصميم على القتال، وإلى حب الثأر لدورية الاستطلاع التي قتلها طليحة، وإلى الأسلوب الابتكاري الذي اتبعه قائد هذا الجيش بنشر قواته على طول مواجهة القوات المحتشدة في منطقة القتال، والهجوم من الحركة باتجاه منطقة ظفر، وخرق صفوف العدو من اتجاهين، والالتفاف والتطويق، وإلى الشدة والحزم في القتال، وإلى الضغط الكبير والمتتالي على الجيش المعادي، دون أن يترك له فرصة إعادة تنظيم قواته، أو إمدادها، أو المناورة بها، وإلى مهاجمة مراكز القيادة التي بسقوطها يمكن أن يضعف المعنويات، ويترك المقاتلون أمكنتهم طلباً للنجاة، وبتجزئ القوات المعادية وخاصة عندما فصل وجزأ قبيلتي طيء وجديلة عن قوات طليحة، وكذلك جزأ القوات المجتمعة في بزاخة، وقضى عليها قسماً بعد قسم، وذلك لتحقيق التفوق، ولتدمير العدو بسهولة، وباستخدام الحيلة والخدعة عندما كلف عدي بن حاتم ليفرق بين الحلفاء، وليزرع بذور الخلاف والشقاق بين المتحالفين المرتدين.‏
                  معركة البطاح. وهي تقع إلى الشرق من المدينة، والجنوب الشرقي من جبلي أجأ وسلمى، وهي منزل لبني يربوع من بني تميم، وفي هذه المنطقة ماء، وهي قريبة من بلاد فارس. وقد تأثر بنو يربوع من جيرانهم في العادات، وفي اعتناق الديانتين الزرداشية والنصرانية(84) إلى أن جاء الإسلام فاعتنقته تلك القبائل إلا القليل منها. وقد أكثر الشعراء من ذكر تلك المعركة منهم متمم بن نويرة، ووكيع بن مالك(85) .‏

                  قائد الجيش العربي الإسلامي خالد بن الوليد، وقائد العرب المرتدين مالك بن نويرة في قبيلة بني يربوع، وبعض القبائل الأخرى المجاورة كبني حنظلة وبني تغلب(86) .‏
                  تحرك خالد بجيشه من منطقة نقرة باتجاه البطاح، وعلى ما يظهر فإن مالك بن نويرة لم يكن في نيته القتال، وإنما كان يريد أن يعبر عن رأيه أنه لا يريد دفع الزكاة، لكن هذا الأمر وهذا الزعم مرفوض من قبل خالد، فهاجمه دون أن يكون الطرف الثاني مستعداً لهذه المعركة، واستطاع خالد أن يقضي على مالك وعلى أتباعه ويقتلهم(87) . كانت هذه المعركة من أبسط المعارك وأسهلها، ويعتبر دخول خالد إلى منطقة البطاح دخولاً لا مقاومة فيه ولا حرب تذكر سوى بعض المناوشات التي سرعان ما قضي عليها.‏
                  معركة عقرباء. تقع في شمالي اليمامة، وتقع اليمامة في الجهة الشرقية من المدينة المنورة، وهي قريبة من حدود فارس، وفي الطرف الشمالي من الجزيرة العربية، وهي في طريق النباج، وهي إلى الشمال الشرقي من البطاح حيث يتمركز الجيش العربي الإسلامي هناك بعد أن استولى على البطاح.‏
                  سهل عقرباء يقع شماليّ وادي حنيفة، وخلف قرية جبيلة إلى الشمال. ووادي حنيفة يقطع هذا السهل من الشرق إلى الغرب، وعلى ضفتيه ارتفاعات يرى الناظر منها أمامه إلى الشمال وإلى الجنوب، وفي جنوب وادي حنيفة يقع تل صغير يشرف على سهل عقرباء. وفي هذا السهل أيضاً في الطرف الشمالي الشرقي منه تقع "حديقة الموت" وفيها الأشجار المثمرة، محاطة بسور منيع(88) .‏
                  خالد الآن في منطقة البطاح ينتظر أوامر القائد الأعلى، بعد أن نفذ مهمته بكل كفاءة، جاءته الأوامر بالتحرك من هذه المنطقة باتجاه اليمامة لقتال مسيلمة(89) على شكل توجيهات عملياتية، متضمنة ككل التوجيهات المكان ووجهة المسير، والأهداف، والقيادة، ومعاملة الجند، والتصرف حيال العدو المرتقب وغير ذلك(90) ..‏
                  شكل خالد جيشاً كبيراً وكان يتألف من لواء تشكيل) خالد بن الوليد، وقوات الأنصار والمهاجرين التي تخلفت قليلاً لظنها أن خالداً تجاوز حدود الأوامر المعطاة له من قبل الخليفة، وتشكيل شرحبيل بن حسنة. ثم أعطى التعليمات القتالية وأسند المهام إلى الوحدات مستنداً إلى توجيهات القائد الأعلى وإلى الظروف الراهنة، وقوة العدو وإمكانياته.‏
                  تحرك هذا الجيش من منطقة البطاح(91) باتجاه وادي حنيفة من الجهة الجنوبية، حتى إذا وصل إلى ضفة الوادي فتح على صفوف منسقة في العمق مقابل القوات المعادية. وكان على الميمنة زيد بن الخطاب، وعلى الميسرة أسامة بن زيد، وعلى الجناح البراء بن مالك، وعلى القلب قائد الجيش بالذات(92) وكان شعار الجيش: يا أصحاب سورة البقرة(93) ، وعدده حوالي عشرة آلاف مقاتل(94) . وتحركت قوات المرتدين من اليمامة باتجاه الشمال الشرقي وعسكرت في سهل عقرباء(95) على الضفة الشمالية لوادي حنيفة، ومقابل قوات خالد وكان على الميمنة المحكم، وعلى المسيرة الرجّال بن عنقوة وعلى القلب مسيلمة(96) .‏
                  وكان عدد هذا الجيش حوالي أربعين ألف مقاتل(97) .‏
                  أصبح الجيشان مستعدين للقتال صباح الأول من شوال العشرين من كانون الأول سنة 11/632 حرض قائدا هذين الجيشين، مقاتليهما، مذكرين بما يستحث الهمم، ويقوي العنويات(98) .‏
                  قام الجيش العربي الإسلامي بهجوم على طول الجبهة المعادية ضد الجيش العربي المرتد، وحاول هذا الجيش أن يخترق الصفوف، لكن صمود الجبهة أوقف كل تقدم، استغل مسيلمة فشل هذا الهجوم، فقام بهجوم معاكس نجح فيه إلى حد بعيد، حيث استطاع أن يزيح عدوه، وأن يحتل جزءاً من الأرض. وبدا على الجيش العربي الإسلامي التقهقر والفوضى، حتى وصل خلف مواضعه القتالية التي احتلها من قبل أثناء تمركزه، وتبعه الجيش العربي المرتد حتى وصل إلى مقر القيادة(99) . في هذه المرحلة من القتال كان النجاح بجانب الجيش العربي المرتد، الذي مالبث أن غرته مظاهر هذا النجاح، فباشر بالنهب والسلب، وترك مواقع القتال. وهذه فرصة أتاحت لخالد بن الوليد أن يعيد تنظيم قواته من جديد حسب التشكيل القبلي، الذي حركه في نفوس زعماء هذه القبائل، فأثار فيهم روح الحمية والأثرة(100) .‏
                  وبعد الانتهاء قام فوراً بهجوم التثبيت والحركة إذ ثبت قائد القلب الكتلة الرئيسية من جيش مسيلمة، وقام قائد الجناح الأيمن زيد بن الخطاب فخرق الجناح الأيسر من ميسره الرجّال حتى وصل إلى مقر قيادته فقتله101) وحاول قائد هذا الجناح أن يتقدم ويخرق الصفوف لكنه لم يستطع، وكثرت عليه الضربات من كل صوب حتى سقطت الراية من يده، لقد ناضل من أجل الحفاظ عليها حتى قتل، فأخذ الراية سالم مولى أبي حذيفة وحماها، وتقدم المقاتلون102) وثبت هذا الجيش أمام الضربات المتتالية، وكثرت الخسائر من القتلى والجرحى من كلا الطرفين103)، حتى جرى الدم في خندق سمي فيما بعد "خندق الدم" .‏
                  هدأ القتال فترة، ثم استؤنف بالمبارزة، فخرج خالد ينادي للمبارزة104) فخرج إليه أبطال من الجانب المعادي، فدفف عليهم جميعاً، وكان بوده أن يصل إلى مسيلمة الذي ظل حذراً دون أن يقترب من ابن الوليد، وبحركة سريعة أراد أن يقضي عليه فهرب من أمامه، وبهذا الهرب صاح قائد الجيش الله أكبر، فتبعه المسلمون وهم يرددون هذا الشعار، فتراجع المرتدون أمام ضغط وهجوم المسلمين، ثم انقلب هذا التراجع إلى انسحاب، ثم إلى هرب. وهنا استغل الجيش العربي الإسلامي هذه اللحظات، فبقي على تماس مباشر مع الهاربين، وتبعهم حتى ألجأهم إلى حديقة كانت في سهل عقرباء إلى الشرق منها، فدخلوها وأغلقوا بابها علها تحميهم من سيوف ورماح المسلمين105). وقتل في هذه المطاردة العدد الكبير من المرتدين كما قتل قائد الميمنة "المحكم" وبهذا فقد بقي جيش مسيلمة دون قائدي جناحين، وتفككت عرى القيادة والانضباط106)، وسادت الفوضى.‏
                  حاصر الجيش العربي الإسلامي جيش المرتدين ضمن الحديقة،107) ومنع عنهم كل مؤونة، أو عتاد، أو سلاح، وحاول اقتحام الحديقة التي كانت مسوّرة، وبابها موصد يحرسه عدة مقاتلين108) إن الحصار في هذه الحالة يتنافى مع سرعة الانتصار، ذلك أن الحصار يتطلب مدة طويلة، حتى يستسلم العدو، لكن السرعة مطلوبة قبل أن يأتي التعزيز من بعض القبائل، وقبل أن يعيد المرتدون تنظيم صفوفهم، سيما الذين لم يدخلوا الحديقة. ورأى قادة الجيش العربي الإسلامي ضمن هذه الاعتبارات اقتحام الحديقة والهجوم جبهياً من الباب الموصد109) وقاد البراء بن مالك110) مجموعة الاقتحام، وعلا السور، وقفز إلى داخل الحديقة، فقتل بعض الحراس، وفتح الباب111). فتدفقت جموع المقاتلين المسلمين، وخرقوا صفوف المرتدين، فتجزأت قواتهم، وسهل في هذه الحالة القضاء على البقية الباقية في هذه الحديقة112).‏
                  أصر مسيلمة قائد جيش المرتدين على متابعة القتال، وثبت أمام جيشه، وحث رجاله على التصدي، والدفاع عن الأحساب113) لا تزال المعركة قائمة، فالجثث مرمية هنا وهناك، والدماء تغير لون الأرض، والجرحى يتألمون ويئنون، والأبطال من كلا الجيشين قد أنهكهم التعب، وسرى بهم الوصب، وأعلنت الشمس على الأصيل، والمقاتل لا يزال مواصلاً ومتابعاً، في هذه اللحظة تسلل وحشي من بين جنود المسلمين. واقترب رويداً رويداً من مقر قيادة مسيلمة، حتى إذا أيقن أنه أصبح في المدى المجدي من رمية حربته، هزّها، وصوّبها باتجاه الكذاب، ورماها فأصابت صدره، فوقع على الأرض ينازع سكرات الموت114) فأقبل أو دجانه فدفف عليه، وفصل رأسه عن جسده115).‏
                  انتشر مقتل مسيلمة في جموع المقاتلين المرتدين انتشار النار في الهشيم، وقوّى المسلمون هذا النبأ، وساعدوا على تعميمه، وما من لحظات حتى انهارت قوى هذا الجيش، وتحطمت معنوياته بمقتل قائده ونبيّه، وانكفأ يقاتل عن ضعف. وفي هذا الوقت انقض المسلمون على من تبقى من المرتدين فأبادوهم، وكانت مذبحة كبيرة. ومقتلة عظيمة، ومعركة قاصمة، أعادت إلى الجزيرة العربية وحدتها وقوتها116) واستشهد كثير من الصحابة وحملة القرآن117).‏
                  لم يشعر الجيشان بنقص في التموين، ذلك أن الوسائط المحلية كانت كافية لإطعام المقاتلين، فقد كانت تلك المنطقة غنية بالطعام، وتتوفر فيها المياه الكافية، ولقد استفاد الجيش العربي الإسلامي من الغنائم التي حصل عليها في المعارك السابقة قبل دخوله معركة عقرباء، ثم لما استولى على تلك المنطقة وأباد جيش المرتدين حصل أيضاً بالإضافة إلى المواد التموينية على السيوف والدروع والخيل.‏
                  صالح خالد قائد الجيش العربي الإسلامي مجاعة الأسير الذي خدع خالداً بهذه المعاهدة التي تبقي السبي في الحصن فقط، وتأخذ ما عداه من الأعتدة القتالية، ورضي قائد هذا الجيش. ولو حق بنو حنيفة في الأرض أينما ذهبوا، وتعرضوا للسبي والقتل، وضربت عليهم الذلة والمسكنة118).‏
                  اشتركت المرأة العربية في هذا القتال من كلا الجيشين، وكانت أم عمارة المرأة البارزة في هذه المعركة، التي حاولت التقرب من مسيلمة وقتله، لكن صاحب الحربة سبقها إلى ذلك، كما اشترك من الجانب الآخر النسوة اللاتي اعتصمن في حصون الحديقة119).‏
                  يعود انتصار الجيش العربي الإسلامي في هذه المعركة إلى العقيدة التي يحملها، وإلى القيادة التي اتصفت بالمرونة والحزم والاستمرار، وإلى اتباع أساليب جديدة مبتكرة في القتال، وإلى تغيير وتطوير وتبديل هذه الأساليب كلما دعت ضرورة القتال إلى ذلك، فالانتقال من الهجوم المباغت السريع في أول القتال إلى صد العدو إلى الهجوم المعاكس إلى المبارزة إلى استخدام الخدعة إلى تبديل تشكيلات القتال... كلها أساليب أتت في زمنها المحدد من المعركة، وهي تتبدل حسب ظروفها المستجدة، وإلى سرعة التحرك والمرونة والخفة في ميدان المعركة، سيما عند الانقضاض والمطاردة، وإلى التصميم الأكيد على حسم المعركة، وخاصة عند اقتحام الحديقة، وإلى الشدة والعنف في القتال إذ يستميت المقاتل فلا يرحم عدوه، ويفصل الرأس عن الجسد، ويجعل الدماء تسيل كالجداول في "خندق الدم"، وإلى تجزئ القوات المعادية بحيث يمكن التفوق على هذا الجزء وبالتالي فإنه يبدأ بقضمة تتبعها قضمة حتى ينتهي من تدمير الجيش وتمزيق قواته، ويولي جيش المرتدين منهزماً تائهاً في الأراضي، فما نجا منهم إلا القليل، وإلى عدم إتاحة الفرصة لجيش مسيلمة بإعادة تنظيمه، أو استعادة أنفاسه خاصة في اللحظة التي انكفأ فيها مرتداً قبل أن يدخل الحديقة إذ تابع جيش خالد الهجوم والضغط دون أن يترك فاصلاً زمنياً للراحة لجنوده، ودون أن يترك لأعدائه فرصة العودة والقتال من جديد.‏
                  معركة قضاعة ووديعة. تسكن هاتان القبيلتان في الشمال من المدينة في منطقتي تبوك ودومة الجندل، وقد ارتدتا، كما ارتد غيرهما من القبائل، تحرك عمرو بن العاص بتشكيله من المدينة وتصدى لهؤلاء المرتدين، وكان القتال غير نظامي، إنما يشبه قتال العصابات، لذلك كان الانتصار عليهم بسهولة سيما عندما انضم إلى هذا التشكيل شرحبيل بن حسنة الذي انتهى من توه في معركة اليمامة، وتحرك باتجاه الشمال الغربي بأمر من القائد الأعلى ليقاتلا معاً عدواً مشتركاً، وخلال أسابيع قضي على المناوئين، وعادت القبائل إلى دينها120) معركة دبا. تقع دبا في الجهة الشرقية من المدينة المنورة، على ساحل خليج عمان121) وتعتبر عاصمة لُعمان، تسكنها قبيلة أزد بقيادة لقيط بن مالك الأزدي،122) الذي أعلن نفسه ملكاً متوجاً عليها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فارتد هو وقبيلته. تحرك حذيفة ابن محصن الغلفاني من المدينة، والتقى مع لقيط في دبا، ودارت معركة لم تكن فاصلة، فانسحب إلى صُحار، وهي إلى الجنوب من دبا على ساحل الخليج123) ساعد حذيفة في مهمته عكرمة الذي تصدى لقتال المرتدين في المناطق المجاورة، واستطاعا أن يعيدا الاستقرار والإسلام إلى تلك الديار124).‏
                  معركة مهرة. تسكن قبيلة مهرة في الجهة الجنوبية من الجزيرة العربية على ساحل العرب، إلى الشرق من حضرموت، قريباً من قبيلة كندة، مطلة على خليج القمر. ارتدت كما ارتد غيرها. فتوجه إليها عرفجة بن هرثمة البارقي، فقاتلها وأخضعها بمساعدة عكرمة الذي تحرك إليها بتشكيله بعد الانتهاء من دبا125).‏
                  معارك البحرين. تقع البحرين في الجهة الشرقية من الجزيرة العربية على ساحل الخليج العربي إلى الشرق من المدينة126) سار إليها العلاء بن الحضرمي قائد أحد التشكيلات ليقاتل المرتدين لوحده في أماكن مختلفة من البلاد، وشعر السكان المحليون بهذا التحرك، فتحصنوا بحصن "جواثا"127) فحوصروا عدة أيام، لم يتمكن خلالها هذا القائد من مهاجمة الحصن أو اضطراره للتسليم، حتى إذا سكر أهل الحصن فاجأهم واستولى على الحصن، وقتل العديد منهم، وتابع تحركه في البلاد، وإلى الشمال حتى وصل إلى "دارين" فأخضع جميع المرتدين، وعادوا إلى الإسلام.128).‏
                  معركة كندة. كندة قبيلة تسكن في الجزء الجنوبي من الجزيرة العربية جنوبي اليمن، وتنتشر في اليمن وحضرموت ونجران129). وكان الحاكم على هذا الجزء زياد بن لبيد البياضي الذي اتخذ مقره في "ظفر" عاصمة حضرموت. كانت كندة تتحين الفرص للإفلات من دفع الزكاة، وتحاول أن تجد طريقاً أو سبباً للخلاص من هذا القيد الذي لم يألفوه من قبل، وشجع ذلك زعماء القبائل الذين كانوا يتشوقون للعودة إلى الحياة القبلية، والزعامة العشائرية، فخرجوا عن سلطة المدينة وأعلنوا ارتدادهم، وتجمعوا في نقاط عسكرية متعددة بغية مهاجمة الحاكم الإسلامي، لكن زياد هاجم الرياض وهي أكبر معقل لهم، فقتل وأسر العديد منهم، وتفرق الباقون130).‏
                  تأثر الأشعث بن قيس الذي لا يزال على إسلامه حتى ساعة هجوم قائد التشكيل على معاقل المرتدين، فعارض السلطة، ونصب نفسه محامياً ومدافعاً عن المرتدين إذ أخذته حمية الجاهلية والقبلية، فجمع جموعه، وفك الأسرى المعتقلين بالقوة، وبدأ يحضر لشن هجوم ضد ابن لبيد131).‏
                  شعرت القيادة العامة في المدينة أن هناك خطراً على تلك المنطقة وقائدها، فيما لو أتم الأشعث استقطاب جميع المرتدين في قبيلة كندة والسكان المحليين، وأن الكفة ستكون راجحة لصالح الأشعث، فأرسل القائد الأعلى تعزيزات، وأصدر أوامره على الفور إلى المهاجر بن أبي أمية أن يتحرك وينضم إلى القوات العربية الإسلامية في ظفر، وكذلك إلى عكرمة بن أبي جهل الذي لا يزال في "أبين" قريباً من منطقة الصراع132).‏
                  التحقت التعزيزات جميعها في الوقت المحدد، وتحشدت هذه القوات في ظفر بقيادة المهاجر، وأخذت تستعد لقتال المرتدين بقيادة الأشعث، وأدركت قيمة السرعة في الهجوم قبل أن يكتمل استعداد وتحضير الأشعث قائد القوات المرتدة، فأمر المهاجر بالهجوم العام على طول الجبهة، وفي النقاط التي يتجمع فيها المرتدون، فتأخر الأشعث وانسحب إلى حصن "النيجر"133) فتبعته القوات الإسلامية، وضربت حصاراً على الحصن إذ سدت الطرق الثلاثة المؤدية إلى المدينة، ومنعت عنها كل الإمدادات، وحاول المحاصرون فك الحصار بإجراء عدة هجمات محدودة غير مؤثرة، وبقي الحصار مطبقاً بصرامة حتى نفذت التموينات، ونفذ صبر الأشعث ومن معه، فأرسل إلى قادة أحد التشكيلات عكرمة يستشيره في وضع حد لهذا الحصار، فوافق المهاجر وعكرمة على أن يستسلم الحصن، مقابل أن يصان دم الأشعث وعشرة ممن معه من قبيلته134) وفتح باب الحصن، وخان جيشه، وتدفقت جموع المسلمين إلى داخل الحصن، وحدثت مقتلة كبيرة، ذبح فيها الكثير من الرجال، وجمعت الغنائم، وقيدت الأسرى، وسبيت النساء، وأعلم القائد الأعلى بهذا الانتصار.135)‏
                  من مجمل حروب الردة، ومن خلال القيادة الاستراتيجية في المدينة، ومن القيادة التكتيكية في الجهات والأماكن التي ارتدت فيها معظم القبائل، يلاحظ على هذه الحروب ما يلي:‏
                  1-أن القبائل المرتدة كانت تحارب مفككة ومجزأة136) إلا في معركة عقرباء- دون قائد، مما سهل لقادة التشكيلات الانتصار عليها، بفضل التنظيم العسكري للمقاتلين بتشكيلات قتالية. إن الذين ارتدوا كان أكثرهم من أهل البادية وبعيدين عن المدينة، وعن المركز الثقافي والعقائدي، وكانوا أقل من غيرهم شدة وبأساً في القتال، فإنهم إن تضايقوا تركوا المعركة، وإن ثبتوا فإن ثباتهم يكون قليلاً، فقتالهم غير متماسك، أسلوبهم الكر والفر، وغايتهم المال والغنيمة، لم يدخل الإيمان في قلوبهم، وأعلنوا من قبل الإسلام بألسنتهم.‏
                  2-أن جميع المرتدين عادوا بعد القتال إلى الإسلام، ورأوا أن لا مناص من الرجوع، فعادوا من حيث قد خرجوا، وهم إما أن يكون رجوعهم خوفاً أو إيماناً. والمهم أنهم لم يثبتوا على ما هم عليه.‏
                  3-أن زعماء المرتدين كانوا يقاتلون لمنصب، وأنهم استغلوا بساطة وسذاجة البدوي الذي عاش مع الطبيعة القاسية، ومع القبيلة التي لم يكد يتركها في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم حتى عاد إليها في زمن الردة مثل الأسود العنسي في اليمن وصنعاء، ومسيلمة في اليمامة اللذين استطاعا أن يستوليا على قلوب الكثير من القبائل التي ينتمون إليها أو إلى غيرها، في حين أن قادة الجبهات والتشكيلات كانوا يقاتلون عن عقيدة ودفاع عن الإسلام.‏
                  4-أن أكبر معركة كانت في اليمامة ضد مسيلمة الكذاب الذي حشد فيها آلاف المقاتلين. وبانهيار الردة في هذه المنطقة تداعت باقي الثورات واستسلمت دون مقاومة تذكر137).‏
                  5-أن التعاون كان جلياً بين قادة التشكيلات التي كانت تتحرك باتجاه الخطر، كما فعل عكرمة في عُمان ومهرة، وكما حدث بين عرفجة وحذيفة في معركتي دبا ومهرة.‏
                  6-أن القيادة العليا كانت قيادة حكيمة تدير عمليات الجبهات المختلفة بآن واحد، وهي التي كانت تحرك التشكيلات إلى مواقع الخطر كلاً أو جزءاً، شرقاً أو غرباً، شمالاً أو جنوباً كمعركة كندة، وتعزيز زياد بتشكيلين كبيرين، وبقائدين مجربين هما المهاجر وعكرمة.‏
                  7-كفاءة قادة التشكيلات على المستوى التكتيكي، وفي مسرح عمليات المعركة، حيث كانوا يظهرون الخفة والمرونة وقوة الاحتمال، والاستمرار في القتال، والسيطرة على المقاتلين، وتوجيههم إلى الاتجاهات الهامة والرئيسة كما حدث في معركة عقرباء، وإعادة تنظيم القوات بما يتلاءم مع الواقع، ومع جو المعركة كما فعل خالد بن الوليد حين نظم جيشه تنظيماً قبلياً ضمن مجموعات قتالية في معركة ضد مسيلمة.‏
                  8-تطبيق الحصار بشروطه وكيفيته على الحصون إذ كان القادة يقطعون الطرق المؤدية إلى الجهة المحاصرة، كما حدث عند تطويق حديقة الموت وحصن النيجر. وكانت عمليات الحصار ناجحة حيث كانت تنتهي باستسلام الحصن، أو فتحه ومهاجمته من الداخل، والقضاء على من فيه من المدافعين.‏
                  9-من الناحية التموينية، فإن مواد التموين كانت متوفرة وخاصة من المصادر المحلية والغنائم التي حصل عليها القادة العسكريون، وأولهم أسامة بن زيد الذي عاد من حربه، وهو يحمل معه الأموال والغنائم، وخالد بن الوليد الذي جمع من الغنائم الكثيرة في حربه مع طليحة بن خويلد الأسدي، ومع مسيلمة، فكانوا جميعاً يطبقون آية التخميس، أربعة أخماس الغنيمة تذهب إلى الجند، ويرسل بالخمس إلى أبي بكر الصديق، وكان القائد الأعلى يقسم ما وصل إليه بين المسلمين لا يفرق بين الرجل والمرأة، والحر والعبد، فهم في القسمة سواء138) وكذلك فإن الأموال كانت تأتي عن طريق الأسرى الذين يفتدون بمبلغ يفرض عليهم، كما حدد أبو بكر الفدية عن كل أسير من أسرى النيجر بأربعمائة درهم139)، وكذلك من الزكاة التي جمعت من أفراد القبائل بعد أن عادت إلى الإسلام. ولقد شاركت المرأة في النواحي الإدارية، وفي رفع المعنويات، ولكنها كانت تشكل عاراً وشناراً عند هزيمة جيشها حيث تؤخذ سبية، كما حدث في حصن النيجر140).‏
                  10-أن حروب الردة ثبّتت دعائم الحكم الإسلامي، وقوّت مركز أبي بكر الصديق، وزادت ثقة الجيش والمواطن به، ودلّت على حسن رأيه، ونفاذ بصيرته، وأعادت للعرب وحدتهم وقوتهم، كما مهدت الطريق أمام فتح العراق والشام.‏
                  نتائج حروب الرّدة. يمكن إجمالها بما يلي:‏
                  1-إعادة وحدة القبائل العربية، ووحدة القوة المقاتلة.‏
                  2-امتداد الفتح إلى بلاد فارس، وإلى بلاد الروم.‏
                  3-كانت حرباً أهلية ضمن الجزيرة، فلم يسلم بيت أو قبيلة إلا قتل منها أو فقد أو أسر، فما كان من أبي بكر إلا أن وجه تلك القبائل في مجموعها إلى حروب وفتوح لكي تلتئم تلك الجروح، وتنسى تلك الأحقاد141).‏
                  4-دخل المقاتل في حروب الردة قتالاً يمكن أن نطلق عليه: قتال التشكيلات الكبيرة والمعارك المنظمة. ولا سيما ما حدث في معارك بزاخة والبطاح وعقرباء مما أهله فيما بعد أن يدخل في تنظيمات عسكرية مع أكبر دولتين آنذاك هما الفرس والروم.‏
                  5-لا شك في أن حروب الردة صقلت أبا بكر الصديق ليكون قائداً استراتيجياً كبيراً، يقود العمليات الحربية على جميع الجبهات، وهي نفسها التي جعلت خالد بن الوليد قائداً كبيراً، يتولى قيادة الجيش بصورة مباشرة، وينتقل من نصر إلى نصر، ومن معركة إلى معركة، وهي كذلك جعلت قادة الكراديس في معركة اليرموك يقاتلون عن علم وخبرة وعن تصميم ووثوق بالنصر.‏
                  6-إن أكبر ما قدمته حروب الردة هو ذلك الشعور عند المقاتلين بأن الله على نصرهم لقدير، وأن الجيوش الجرارة لن ترهبهم، وأن تقنية سلاح عدوهم لن تثنيهم عن عزيمتهم، فكانوا فيما بعد يقاتلون جيوشاً متفوقة عليهم في العدة والعدد، وفي الأمور الفنية والتقنية التي كانت لدى الفرس والروم.‏
                  7-وهناك عامل السرعة الذي كان نتيجة لحروب الردة، إذ لا يعقل ولا يصدق أن ينتصر جيش قليل بهذا الزمن القصير، وأن يستولي على أرضين واسعة ومدن كثيرة وأن يدك عروشاً، وينزل تيجاناً، وحتى إذا ما قيس بالعمليات الحربية الحديثة فإن الاستيلاء على تلك الأراضي يلزمها وقت كبير، ومع ذلك فقد استطاعت القوات العربية أن تنتقل من حدود الجزيرة، وتجوس ديار العراق على طول امتداد نهر الفرات من أسفله إلى أوسطه، وتدق ديار الشام، وتصل إلى بلاد الجنوب من سورية إلى أرض حوران واليرموك.‏
                  (1) سورة محمد -الآية: 25‏
                  (2) الكفوي -الكليات 2/387‏
                  (3) ابن ماجه -الحدود: 1/ الترمذي، باب الفتن: 21، النسائي -باب التحريم 14‏
                  (4) النسائي -سنن النسائي: 7/105‏
                  (5) النسائي -سنن النسائي: 7/107‏
                  (6) سورة البقرة -الآيات: 108-109-161 سورة آل عمران- الآية: 177‏
                  سورة التوبة- الآية: 75، سورة النساء- الآية 137‏
                  (7) ابن الأثير -أسد الغابة في معرفة الصحابة: 3/206‏
                  (8) سورة البقرة -الآية: 143، القرطبي- تغير القرطبي: 1/540، البيضاوي - تفسير القرآن الكريم: 1/38‏
                  (9) سورة آل عمران- الآيات: 121-128-152-171 البيضاوي- تفسير القرآن الكريم: 1/77.‏
                  (10) سورة الأحزاب -الآيات 9-27‏
                  (11) سورة الأحزاب -الآية 13 البيضاوي -تفسير القرآن الكريم: 2/128، ابن كثير- تفسير القرآن العظيم: 3/473- ابن جزي - تفسير ابن جزي: 554-558‏
                  (12) سورة آل عمران -الآية: 144- القرطبي - تفسير القرطبي: 2/1464 وما بعدها.‏
                  (13) ابن الأثير -الكامل في التاريخ: 2/130‏
                  (14) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/430‏
                  (15) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/430، الذهبي- تارييخ الإسلام: 1/342 ابن كثير- البداية والنهاية: 6/307 ابن خلدون -ديوان المبتدأ أو الخبر 2/2/60‏
                  (16) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/430- ابن كثير -البداية والنهاية 6/307، ابن خلدون -ديوان المبتدأ والخبر: 2/2/60‏
                  (17) البلاذري -فتوح البلدان: 113‏
                  (18) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/470، ابن كثير -البداية والنهاية: 6/310، وجدي -دائرة معارف القرن العشرين 2/308‏
                  (19) ...........‏
                  (20) البلاذري -فتوح البلدان: 98- ابن كثير - الكامل في التاريخ: 2/299‏
                  (21) الزركلي -الأعلام 7/226‏
                  (22) البلاذري -فتوح البلدان: 100‏
                  (23) الزركلي -الأعلام: 7/226‏
                  (24) البلاذري -فتوح البلدان: 97‏
                  (25) البلاذري -فتوح البلدان: 97- ابن الأثير -الكامل في التاريخ: 2/300‏
                  (26) البلاذري -فتوح البلدان: 98- ابن الأثير - الكامل في التاريخ: 2/300‏
                  (27) ابن الأُثير - الكامل في التاريخ: 2/299‏
                  (28) الطبري -تاريخ الأمم والملوك 2/394‏
                  (29) ابن خياط -تاريخ ابن خياط: 107، ابن واضح -تاريخ اليعقوبي: 1-109* التنجي- البدو والتاريخ: 5/162‏
                  (30) وكان بين توز والحاجز بطريق مكة. انظر الحموي -معجم البلدان 3/255‏
                  (31) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/431‏
                  (32) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/486‏
                  (33) ابن الأثير -أسد الغابة في معرفة الصحابة: 3/65، الزركلي الأعلام: 3/230‏
                  (34) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/485‏
                  (35) الطبري -تاريخ لأمم والملوك: 2/485‏
                  (36) ابن الأثير - أسد الغابة في معرفة الصحابة: 3/66‏
                  (37) البلاذري - فتوح البلدان- 300- الزركلي -الأعلام: 3/230‏
                  (38) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/431‏
                  (39) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/432‏
                  (40) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/461‏
                  (41) ابن كثير -البداية والنهاية : 6/310، أبو الفداء- المختصر في تاريخ البشر: 1/155، وجدي- دائرة معارف القرن العشرين: 2/308.‏
                  (42) HAMIDULLAH DOCUMENTS SUR LA DIPLONATIE:2‏
                  ابن الوردي -تاريخه: 1/137‏
                  (43) ابن حزم - المحلى: 11/193‏
                  (44) ابن حجر -فتح الباري بشرح البخاري: 5/303، ابن حزم -المحلى: 11/193‏
                  (45) ابن واضح - تاريخ اليعقوبي: 2/110‏
                  (46) ابن حجر -فتح الباري لشرح البخاري: 5/303‏
                  (47) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/508‏
                  (48) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/463-482-504‏
                  (49) الطبري -تاريخ الأمم والملوك- 2/477‏
                  (50) الدواداري -الدر الثمين: 3/157- الراوي- تاريخ الدولة العربية: 10‏
                  (51) فارق -تاريخ الردة: 13- الرادي: تاريخ الدولة العربية: 17-20‏
                  (52) أبو داود -باب الأدب: 112- ابن ماجة- باب الفتن: 7- مسلم -باب الإمارة: 57، النسائي- باب التحريم: 28‏
                  (53) أبو داود -باب المناسك: 56-ابن ماجه -باب المناسك: 76- الدارمي- باب المناسك 34‏
                  (54) فارق -تاريخ الردة: 13- الراوي -تاريخ الدولة العربية: 20‏
                  (55) البلاذري -فتوح البلدان: 97‏
                  (56) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/464‏
                  (57) HAMIDULLAH DOCUMENTS SUR LA DIPLOMATIE MUSUL MANE:2‏
                  (58) السنح على بعد ميل من المدينة، إذ لم يغير أبو بكر مكان إقامته منذ أن هاجر إلى المدينة مع الرسول صلى الله عليه وسلم. انظر ابن هشام- السيرة النبوية- 1/493- ابن حزم -جمهرة أنساب العرب: 2/361- الحموي -معجم البلدان: 30/265- ابن خلدون -ديوان المبتدأ والخبر: 2/2/63‏
                  (59) الذهبي- تاريخ الإسلام: 1/350- ابن خلدون- ديوان المبتدأ أو الخبر: 2/2/66‏
                  (60) ابن خلدون -ديوان المبتدأ والخبر: 2/2/66- العجلاني -عبقرية الإسلام: 242- غلوب الفتوحات العربية الكبرى: 184.‏
                  SHOUFANY -AL- RIDDAH: 15-112‏
                  (61) ابن خياط -تاريخ ابن خياط: 101-103 الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/478‏
                  ابن الأثير -الكامل في التاريخ 2/345‏
                  (62) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/478-479‏
                  (63) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/479‏
                  (64) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/478 وما بعدها.‏
                  (65) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/480، الروحي- بلغة الظرفاء: 9‏
                  (66) ابن خلدون -ديوان المبتدأ والخبر: 2/2/70، ابن الطقطقي -الفخري في الاداب السلطانية: 64 وجدي -دائرة معارف القرن العشرين: 2/38‏
                  (67) ابن خلدون -ديوان المبتدأ والخبر: 2/2/70-فارق -تاريخ الردة: 27‏
                  HAMIDULLAH -DOCU MENTS SUR LA DIPLOMATIE MUSULMANE:207-209‏
                  (68) PERCEVAL ESSAE SURL , HISTOIRE DES ARABES 3/364‏
                  (69) الحموي -معجم البلدان: 1/408، أكرم -سيف الله: 174‏
                  (70) الذهبي -تاريخ الإسلام 1/352‏
                  (71) انضم إلى الجيش العربي الإسلامي فيما بعد من قبيلة جديله ألف فارس، كما انضم إليه من القبائل الأخرى فئات لم يذكر المؤرخون عددها. انظر الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/483 وما بعدها.‏
                  (72) ابن خلدون -ديوان المبتدأ والخبر: 2/2/71‏
                  (73) فارق -تاريخ الردة: 31 وما بعدها، وجدي - دائرة معارف القرن العشرين: 2/305،‏
                  SHOUFANY -AL- RIDDAH: 119‏
                  (74) PERCEVAL -FSSAI SURL, HISTOIRE DES ARABES 3/360‏
                  (75) كمال - الطريق إلى المدائن: 168‏
                  (76) فارق -تاريخ الردة: 33 وما بعدها.‏
                  (77) ابن أعتم -الفتوح: 1/13‏
                  (78) فارق- تاريخ الردة : 36- الروحي- بلغة الظرفاء: 9‏
                  PERCEVAL- ESSAI SUR L,HISTOERE DES ARABES 3/360‏
                  (79) ابن أعثم- الفتوح: 1/15‏
                  (80) ابن أعثم -الفتوح: 1/16‏
                  (81) فارق -تاريخ الردة: 42- SHOUFANY- AL- RIDDAH: 119‏
                  (82) البلاذري -فتوح البلدان: 107‏
                  (83) الذهبي -تاريخ الإسلام: 1/352- كمال -الطريق إلى المدائن: 168‏
                  (84) ابن حوقل -صورة الأرض: 1-19‏
                  (85) الحموي- معجم البلدان: 1/445- الذهبي -تاريخ الإسلام: 1/354- أكرم - سيف الله: 185- فارق -تاريخ الردة: 51 وما بعدها.‏
                  (86) ابن أعثم- الفتوح: 1/21- ابن الأثير -الكامل في التاريخ: 2/357-358، ابن خلدون- ديوان المبتدأ والخبر: 2/2/73‏
                  (87) ابن أعثم -الفتوح: 1/22- ابن الأثير -الكامل في التاريخ: 2/358- ابن خلدون- ديوان المبتدأ والخبر: 2/2/74- اليافعي -مرآة الجنان: 1/95 كمال -الطريق إلى المدائن: 171.‏
                  (88) الطبري تاريخ الأمم والملوك: 2/508- الحموي -معجم البلدان: 4/135- أكرم- سيف الله: 204-206‏
                  (89) البلاذري -فتوح البلدان: 98-100، ابن الأثير- الكامل في التاريخ 2/299-300‏
                  (90) انظر هذه التوجيهات عند ابن الأعثم - الفتوح: 1/26-27‏
                  (91) فارق -تاريخ الردة 71‏
                  (92) الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/508، كما -الطريق إلى المدائن: 172‏
                  (93) البلاذري -فتوح البلدان: 99‏
                  (94) أربعة آلاف مع تشكيل خالد، وثلاثة آلاف مع تشكيل شرجيل وألف من جديلة، وألفان من بقية القبائل. انظر ابن كثير -ملحق الجزء التاسع: 12، أما الجنرال أكرم فقد قال: ثلاثة عشر ألف مقاتل. انظر أكرم -سيف الله: 208‏
                  (95) ابن أعثم- الفتوح: 1/31- فارق -تاريخ الردة: 75‏
                  (96) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/508‏
                  (97) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/505- وجدي -دائرة معارف القرن العشرين 2/307‏
                  (98) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/509- وما بعدها‏
                  (99) ابن أعثم- الفتوح: 1/34- الراوي- تاريخ الدولة العربية: 15- كمال- الطريق إلى المدائن: 73‏
                  (100) الطبري -تاريخ الأمم والملوك 2/513- هيكل -الصديق: 171- سويد -معارك خالد بن الوليد 160-161‏
                  101) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/511، ابن أعثم -الفتوح: 1/35‏
                  102) فارق- تاريخ الردة: 76- الكاندهلوي - حياة الصحابة: 1/551‏
                  103) ابن أعثم- الفتوح: 1/40-44‏
                  104) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/513‏
                  105) ابن أعثم -الفتوح: 1/36-37‏
                  106) الذهبي -تاريخ الإسلام 1/358‏
                  107) ابن أعثم -الفتوح: 1/37- فارق -تاريخ الردة: 80‏
                  108) سويد -معارك خالد بن الوليد 162‏
                  109) ابن أعثم -الفتوح 1/38‏
                  110) البراء بن مالك أخو أنس بن مالك. وقد كان جريئاً، لا يهاب الموت، ولا يحسب للشدة، ولا للخوف حساباً، وهو الذي أبلى وقتل من الأعداء في هذه المعركة عدداً كبيراً. انظر الشيباني -شرح السير الكبير: 1/62-100‏
                  111) PERCEVAL- ESSAI SUR L, HISTOIRE DES ARABES 3/373.‏
                  112) غلوب -الفتوحات العربية الكبرى: 192‏
                  113) ابن أعثم -الفتوح: 1/38‏
                  114) ابن أعثم -الفتوح: 1/38 الروحي -بلغة الظرفاء: 9- اليافعي -مرآة الجنان: 1/96- هيكل -الصديق 175‏
                  115) الذهبي - تاريخ الإسلام - 1/358- غلوب الفتوحات العربي الكبرى: 194- فارق -تاريخ الردة: 80‏
                  116) ابن أعثم- الفتوح- 1/39 غلوب- الفتوحات العربية الكبرى: 196‏
                  117) اليافعي- مرآة الجنان: 1/96‏
                  118) ابن أعثم: 1/41- ERCEVAL -FSSAI SUR L, HISTOIRE DES ARABES 3/377‏
                  119) ابن أعثم -الفتوح: 1/40‏
                  120) فارق -تاريخ الردة: 148- وما بعدها‏
                  121) الحموي -معجم البلدان: 2/435-436.‏
                  122) الحموي -معجم البلدان - 2/436‏
                  123) ابن واضح- تاريخ اليعقوبي: 2/110- البلاذري -فتوح البلدان: 104- الحموي -معجم البلدان: 3/393‏
                  124) ابن أعثم -الفتوح: 1/73-74، ابن كثير -البداية والنهاية: 6/330- فارق -تاريخ الردة: 147 وما بعدها.‏
                  125) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/528 وما بعدها، فارق -تاريخ الردة: 155 وما بعدها،‏
                  perceval- Essaisur L,histoire Des Arabes 3/387‏
                  126) الحموي - معجم البلدان: 1/346 وما بعدها‏
                  127) ابن أعثم - الفتوح: 1/47-51- كمال- الطريق إلى المدائن: 176‏
                  128) ابن أعثم -الفتوح - 1/48- وما بعدها، فارق -تاريخ الردة: 136- وما بعدها، كمال - الطريق إلى المدائن: 175- الخضري -اتمام الوفاء: 36-‏
                  perceval- Essai Sur L,histozre DES arabes 3/365-386‏
                  129) فارق -تاريخ الرده: 159‏
                  130) ابن أعثم - الفتوح: 1-55- وما بعدها، فارق تاريخ الردة: 159- وما بعدها‏
                  131) ابن أعثم- الفتوح: 1/55-59-60‏
                  132) ابن أعثم -الفتوح: 1/70-71‏
                  133) ابن أعثم - الفتوح: 1/75‏
                  134) الطبري -تاريخ لأمم والملوك: 2/547 ابن أعثم -الفتوح: 1/84 غلوب - الفتوحات العربية الكبرى - 206‏
                  135) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/548- ابن أعثم -الفتوح: 1/82- وما بعدها/ الخضري -اتمام الوفاء - 41-42‏
                  136) العقاد -عبقرية الصديق - 140‏
                  137) الطبري - تاريخ الأمم والملوك - 2/619‏
                  138) ابن الأثير - الكامل في التاريخ: 2/373- حسين - الشيخان: 100‏
                  139) البلاذري -فتوح البلدان: 1/145‏
                  140) الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/619‏
                  141) كمال - الطريق إلى المدائن - 182‏

                  تعليق


                  • #10
                    رد: الرّيادة فـي حـروب وفتوحات أبي بكر الصّديق

                    الفَصل الرّابع
                    فتوح العراق‏
                    كان يحكم العراق قبل أن تطأها سنابك خيل المسلمين الفرس، وكان بينهم وبين الروم عداوة لاختلافهم على زعامة العالم آنذاك، وتنازع الفرس فيما بينهم، وضعفت دولتهم بموت كسرى أبرويز، ثم أعقبه عدة ملوك ساد في زمنهم الفوضى والخلل في الحكم.‏
                    أدرك القادة العرب وفي مقدمتهم أبو بكر الصديق أنه آن الأوان لفتح العراق وبلاد فارس، ولا سيما أنه يعلم ضعف هذه الدولة وما وصلت إليه من الفوضى والاضطراب والاختلاف الكبير بينها وبين دولة الروم اللتين كانتا على الأقل- فيما إذا حدث هجوم من قبل العرب المسلمين - لن تقوم الواحدة بمساعدة الأخرى. وضمن هذا التفكير، وضمن هذا التصور الاستراتيجي أصدر أبو بكر أوامره بعد انتهاء الردة إلى خالد بن الوليد أن يطأ أرض فارس فقال: "سر إلى العراق حتى تدخلها وابدأ بفرج الهند وهي الأبلة) وتألف أهل فارس ومن كان في ملكهم من الأمم"(1) .‏
                    لقد ركز أبو بكر على هذه الجبهة لأنها تشكل الجناح اليميني للجزيرة، وبنفس الوقت فإنها مجاورة للعرب، وفيها الفرس الذين يمكن تألفهم وضمهم إلى القوة العربية الإسلامية. وقبل أن يكتمل فتح العراق أمر الجيوش بالزحف إلى بلاد الشام لأهميتها وخطورتها، ولكنه لا يزال في نفسه إيثار جبهة العراق على غيرها، أو على الأقل مساوية للجبهة الشامية لما لها من أهمية استراتيجية، وهذا ما صرح به قبيل وفاته فقال "وددت أني وجهت خالد بن الوليد إلى الشام، ووجهت عمر إلى العراق فأكون قد بسطت يديّ يميني وشمالي في سبيل الله عز وجل"(2) أي أنه كان بوده أن يحارب على جبهتين شرقية وغربية، عمر بن الخطاب للأولى، وخالد بن الوليد للثانية.‏
                    قرار الفتح‏
                    ما هو الذي حدا بأبي بكر الصديق بأن يفكر في فتح العراق، ويوجه جيشه إلى هذا البلد؟ أهو قرار صادر عن نزوة، أم عن تفكير عميق، ودراسة دقيقة؟ أبو بكر الرجل الاستراتيجي فكر ثم قدر ثم عبر بتنفيذ ما كان قدره وخططه. ويمكن إجمال أهم الأسباب التي جعلت القائد الأعلى يتخذ هذا القرار فيما يلي:‏
                    1-ضعف الامبراطورية الفارسية - وبخاصة من الوجهة السياسية.‏
                    2-وفيها من العرب الذين يمكن تألفهم وجمعهم تحت الراية العربية الواحدة‏
                    3-توسيع رقعة الأرض العربية، وضم بلاد إليها ليتسع الحكم الإسلامي، ويدخل الناس فيه أفواجاً.‏
                    4-نشر الدين الإسلامي في جميع البلاد المفتوحة.‏
                    5-التفرغ لهذه الحرب بعد أن قضى نهائياً على القبائل المرتدة في الجزيرة العربية‏
                    6-وجود قادة قادرين على الحرب في أرض العراق، وهم اهل لها كخالد بن الوليد والمثنى بن حارثة الشيباني والقعقاع بن عمرو ومذعور بن عدي وغيرهم.‏
                    7-اشغال القبائل بالحروب العادلة، وتحقيق الأعمال التي اعتادت عليها وذلك بتصعيدها وتوجيهها نحو الجهاد.‏
                    حدد القائد الأعلى لخالد بن الوليد مهمة الفتح، وأمره أن يبدأ من الجنوب من أسفل العراق باتجاه الحيرة، متخذاً محور التحرك اليمامة، النباج، الحفير، الأبلة (3) كما أعطى الصلاحية من قبل للمثنى أن يغير بقبيلته بني بكر على الجزء الشمالي الشرقي من شبه الجزيرة العربية(4) . ثم حدد أبو بكر حجم الجيش الذي سيقاتل في أرض العراق، وأوصى أن يكون كله من المتطوعين الذين نذروا أنفسهم واستبعد الذين ارتدوا من قبل(5) .‏
                    هذا وقد أرسل القائد الأعلى أيضاً جيشاً آخر بقيادة عياض بن غنم، وأعطاه نفس المهمة باختلاف خط البدء ومحور التحرك إذ عين لهذا القائد أن يدخل العراق من أعلاه، وأن يكون محور التحرك من المدينة إلى دومة الجندل باتجاه الحيرة التي ستكون ملتقى الجيشين(6) حيث ستوحد القيادة وتكون جميع القوات آنئذ بإمرة الذي يحتل الحيرة، ويسبق في الوصول إليها.‏
                    وفي حال نجاح هذين الجيشين ووصولهما إلى الهدف المحدد فإن على أحد الجيشين أن يمكث ويقيم في الحيرة، وأن يتقدم الآخر لإتمام الفتح. وبهذا فقد حدد أبو بكر في قراره أيضاً بعد انتهاء المرحلة الأولى من القتال المهمة المباشرة) المرحلة الثانية المهمة التالية) ألا وهي التوغل في بلاد فارس والوصول إلى كتسفون المدائن) عاصمة الفرس آنذاك في أرض العراق، وفي هذه المرحلة على أحد الجيشين أن يبقى في الحيرة كحماية لظهر الجيش الذي يتقدم باتجاه أرض فارس بغية توطيد الحكم، وتطهير الجيوب الخلفية من بقايا الفرس والعرب(7) .‏
                    تلقى خالد قرار القائد الأعلى، فتفهم المهمة، وأعطى تعليماته الأولية، وحسب الزمن، وخطط للمعارك القادمة، ووزع المهام على قادته المرؤوسين، وأرسل إنذاراً إلى حاكم العراق هرمز(8) كما تلقى عياض بن غنم مهمة قتالية مشابهة.‏
                    خاض الجيش العربي في جبهة العراق عدة معارك أهمها: كاظمة ذات السلاسل)، نهر مكيل، الولجة، أليس، الحيرة، الأنبار، عين التمر، دومة الجندل، الحصيد، الخنافس، المصيخ، المثنى، الزميل، الفراض(9) .‏
                    تاريخ فتح العراق‏
                    انتهت حروب الردة في سنة 11/632، وأقبلت السنة الجديدة، فقرر أبو بكر فتح العراق، وتحركت القوات العربية لهذه المهمة في يوم الخميس الأول من المحرم 18 آذار سنة 12/633(10) وحدثت أول معركة مع الفرس في نفس هذا الشهر، ثم المذار في الأسبوع الأول من صفر(11) وفي يوم السبت في الأول من صفر 17 نيسان حدثت معركة الولجة ثم أليس في نفس الشهر(12) وفي يوم الأحد من ربيع الأول 16أيار تم فتح الحيرة فالأنبار فعين التمر. ثم تحرك خالد في آخر الشهر إلى دومة الجندل(13) وفي يوم الجمعة 15 ذي القعدة الموافق 21 كانون الثاني 13/634 حدثت معركة الفراض وهي آخر سلسلة المعارك التي خاضتها القوات المسلحة العربية في العراق(14) وقد تم فتح هذه البلاد العديدة، والأراضي الواسعة، وخاض فيها الجيش أكثر من ثلاث عشرة معركة متنقلاً من مكان إلى آخر في غضون عشرة أشهر وثلاثة أيام. ولو كلف جيش ميكانيكي، أو دبابات في الوقت الحاضر ما كان ينبغي له أن يتم تلك الفتوحات خلال هذه المدة القصيرة، وبهذه الانتصارات الرائعة.‏
                    حجم الجيش‏
                    كان عدد الجيش بقيادة خالد ثمانية عشر ألف مقاتلٍ. دخل العراق في عشرة آلاف، وانضم إليه بعد الدخول قادة التشكيلات العراقية وكانوا أربعة، مع كل واحد ألفا مقاتل، وهم المثني بن حارثة الشيباني، ومذعور بن عدي، وحرمله بن مريطة التميمي وسلمى بن سلمى القين التميمي(15) أما عدد الجيش بقيادة عياض بن غنم، فلم تذكر المصادر حجم هذا الجيش، وإنما يفهم من التكليف الذي أمر به أبو بكر الصديق إلى هذين الجيشين أن جيش عياض يقل عدداً عن جيش خالد(16) .‏
                    وكذلك فإن الجيش الفارسي، لم تتعرض المصادر إلى حجمه أيضاً، وإنما يمكن الاستدلال على الحجم من الخسائر إذ خسر هذا الجيش في معركة المذار ثلاثين ألفاً، وفي أليس سبعين ألفاً(17) وكذلك فإن لكل معركة وقعت في أرض العراق عدداً من الجنود يختلف عن المعركة الأخرى، وبالإضافة إلى ذلك فإن عدد الجيش الذي يقوده أحد قادة الفرس إنما يبلغ عشرة آلاف. فإذا كانت هذه الدلائل كافية فإن الجيش الفارسي كان في كل معركة يتفوق بعدده على الجيش العربي. وإذا جمع عدد الذين اشتركوا في القتال في أراضي العراق من الفرس والعرب في الجيش الفارسي لشكلوا رقماً بالتأكيد أعلى من رقم الجيش العربي.‏
                    الاستطلاع‏
                    الاستطلاع من الأمور الهامة التي استندت القيادة العربية عليه، فكانت تعلم كل شيء عن تحرك الفرس، وما يدور داخل معسكرهم، وحتى ضمن قياداتهم، وذلك بفضل التنظيم الدقيق لوسائط الاستطلاع، وبخاصة السكان المحليين إذ كانت شبكة من العيون مبثوثة في كل الأراضي والمعسكرات والمدن الفارسية.‏
                    ومن مصادر الاستطلاع الطليعة التي كانت تتقدم الجيش بقيادة المثنى، حيث كان عالماً بالأراضي وبالسكان، وله خبرة طويلة، وكان قد مارس الغارات المتتالية عليهم، فقد كان يمثل دور رئيس الاستخبارات بالإضافة إلى عمله الرئيسي في القوات العربية كقائد طليعة. وللأدلاء دور كبير أيضاً في جمع المعلومات عن الأراضي وعن السكان وعن المصادر المحلية وعن العدو، فكان دليل المثنى ظفر ودليل عدي بن حاتم مالك بن عياد ودليل عاصم بن عمرو وسالم بن نصر، والفرقة الثالثة التي كانت بقيادة خالد، وكان دليله رافع(18) .‏
                    وكما قدمنا فإن المثنى كان اختصاصياً، وبحكم موقعه فإنه كان على تماس مباشر بالعدو، ينقل عنه الأخبار تباعاً بذلك التنصت وبث العيون والرصد. ففي معركة المذار وصلت المعلومات إلى قائد الجبهة بوقتها وبصورة صحيحة، ولذلك كان قراره صحيحاً حيث تحرك نحو المذار(19) .‏
                    إن الأسرى كانوا بأعداد كبيرة من الجيش الفارسي حيث كانوا يدلون بمعلومات عن قادتهم وتشكيلاتهم، وقد أسر كثير من الرجال في معركتي المذار وأليس وأدلوا بمعلومات قيمة، استفادت منها القيادة العربية في فتح أليس والحيرة(20) .‏
                    كذلك فإن الكمائن كانت تقوم بدور الاستطلاع القسري، حيث كانت تغير على الفرس، أو تكمن لهم فتأخذ كل من يقع في يدها، وترسله إلى القيادة العامة التي تقوم بدورها باستجوابهم، والحصول على المعلومات اللازمة(21) .‏
                    وهناك السكان المحليون الذين أعجبوا بمعاملة الحكم العربي بالمقارنة مع ظلم الحكم الفارسي. وفي الحقيقة فإن العرب من سكان البلاد المحليين هم الذين كانوا ينقلون الأخبار عن تحرك الجيش الفارسي وقوّته وسلاحه ونيته. وقد ظهر ذلك واضحاً عندما تحرك "الأندرزعز" القائد الفارسي من المدائن كتسفون) فمر بكسكر ووصل الولجة وقبل وصوله علمت القيادة العربية بكل هذه التحركات وبجميع المعلومات، فأعدت وحضرت كل قواتها، وتمركزت في موقع مناسب يؤمن لها الشروط المناسبة لقتال الفرس(22) .‏
                    التسليح‏
                    كان الجيش الفارسي مسلحاً بأحدث الأسلحة. فمنها للرأس كالبيضة والمغفر، وللجسم كالتجفاف(23) . والدرع والجوشن والساعدين والساقين والترس التي تعتبر جميعها أسلحة دفاعية، وأما الأسلحة الهجومية فأهمها الرمح والطبر(24) والعمود(25) والقوس والسيف. وهناك جعبة فيها قوسان بوترهما وثلاثون نشابة ووتران آخران كاحتياط يضعهما، الفارس ويعلقهما في مغفره وراء ظهره(26) وقد ظهر سلاح أثناء حصار القصر الأبيض من قبل ضرار بن الأزور أطلق عليه "الخزاريف" وهي المداحي من الخزف، كانوا يرمون بها المسلمين رجال من متعلقي المخالي(27) أما الجيش العربي فكان تسليحه عادياً، كذلك فإن بعض الأسلحة غير متوفرة كالدروع والخوذ(28) أما السيوف فكانت متوفرة، وعلى عادة العربي فإنه يصطحب معه عدة أسياف إن توفر له ذلك، وقد عرف عن خالد بن الوليد أنه كان يصطحب معه ثلاثة أسياف أو أكثر المِرْسَبْ والأَدْلَق والقُرطبى(29) .‏
                    فن الحرب عند العرب وعند الفرس‏
                    إذا استعرضنا فن الحرب عند العرب، فإننا نستعرض ما تم في فتح العراق، وبدءاً من صدور قرار القائد الأعلى في المدينة، وحتى صدور القرار بالتوجه نحو الشام للانضمام إلى الجبهة الشامية لمحاربة الروم.‏
                    1-التحرك على محاور متلاقية، وعلى اتجاهات متلاقية: أصدر القائد الأعلى أبو بكر الصديق أوامر إلى خالد ابن الوليد أن يتجه نحو العراق بادئاً من أسفله من أبله، وإلى عياض بن غنم أن يبدأ من أعلاه من الشمال من المصيخ، وأن يلتقيا فيما بعد في الحيرة(30) وهذا النوع من التحرك يعطي حرية المناورة للقادة، كما يحدد لهم الاتجاه، ويمنح لهم الاستقلالية والتصرف حسب مقتضى الحال. وفعلاً فقد سار الجيشان طبقاً للخطة وللأوامر الصادرة بهذا الشأن. فتقدم خالد بسرعة فأنهى مهمته، وتأخر عياض في دومة الجندل لوجود بعض المقاومات، فعاونه خالد، والتقى الجيشان في الحيرة وكما فعل القائد الأعلى كذلك فعل خالد بن الوليد، ففرق جيشه إلى ثلاثة تشكيلات تحركت على محاور متلاقية لتلتقي في الحفير، ثم لتبدأ جميعها معركة الكاظمة ذات السلاسل ضد الفرس(31) وكذلك في عين التمر إذ قسم خالد جيشه إلى ثلاثة تشكيلات أحدهما بقيادة القعقاع وتوجه إلى الحصيد، والثاني بقيادة أبي ليلى وتوجه إلى الخنافس، والثالث بقيادة خالد بقي كاحتياط بيد قائد الجيش(32) .‏
                    2-خفة الحركة. يتميز الجندي العربي بأنه كان خفيفاً في حركته، رشيقاً في جسمه، لا تثقله الأعتدة والأسلحة الثقيلة، قد عود نفسه على أنواع التدريبات المختلفة التي تجعله يتحرك على المحاور، وعلى الأجناب، وعلى المؤخرات بسرعة كبيرة، وخفة تدعو للتقدير والإعجاب، وتجلى ذلك بوضوح في المعارك التي خاضها ضد الجيش الفارسي، وبخاصة في المعارك كاظمة، عين التمر، المصيخ(33) .‏
                    3-القتال بأساليب مختلفة ومتطورة تبعاً لطبيعة العدو والأرض وظروف المعركة المتبدلة من وقت لآخر. فقد حارب الجيش العربي الإسلامي في العراق الجيش الفارسي في معركة الكاظمة بنظام التحرك على المجنبات والمؤخرة، يرافق هذا التحرك ضغط كبير، وهجوم مستمر بحيث لا يترك للعدو فرصة لإعادة تنظيمه، أو استعادة قوته(34) وبالكتلة الواحدة - وهي استثنائية- وهي تتلخص بقتال الجيش لعدوه بقوة مجتمعة حيث لا يستطيع في هذه الحالة التحرك على المجنبات، إنما يقاتل وجهاً لوجه، وكتلة لكتلة، وجيشاً لجيش كما في معركة المذار التي كان فيها اليمين والشمال مغلقين(35) وبحصار الحصون والقلاع الذي اتصف بالهجوم المباشر والقضاء على سدنة المنجنيق، واقتحام الحصن والدخول إليه واستسلام أهله والإذعان إلى شروط الجيش العربي(36) وفي مدينة الأنبار فرض الحصار عليها كما فرض على قلاع وقصور الحيرة، إلا أن هذه المدينة قد أحيطت بخندق مملوء بالمياه، فابتعد الجيش العربي عن مرمى أسلحة هذه المدينة، وتمركز بعيداً وأخذ يرمي بسهامه ذات الرمي البعيد تجاه مقاتلي الفرس الذين اعتصموا بالسور، وكان الرماة المسلمون شديدي الإصابة حيث كانت السهام تصيب العيون(37) وبعدها هاجم المدينة بعد أن وضع جسراً من الإبل المنحورة ليتجاوز الخندق، وفتحت المدينة ودخلها العرب(38) . وكذلك فإن الجيش العربي في هذه المعارك قاتل بأسلوب تجزئ القوات الفارسية، وقتاله جيشاً بعد جيش إذ تعرض الجيش العربي لجيش "الأندرزعز" قبل أن يصل جيش "بهْمن"، وقضي عليه نهائياً ودمره في معركة الولجة(39) ، وأوقع فيه خسائر كبيرة وهرب الباقون بما فيهم قائد الجيش "الاندرزعز" باتجاه الصحراء ومات جوعاً وعطشاً، أما "بهْمن" فقد توقف في مكانه عند سماعه أنباء معركة الولجة، وحاق به الخوف فأرسل نائبه "جابان" والتقى به الجيش العربي في أليس(40) ، وحلت بالجيش الفارسي أيضاً الهزيمة والقتل والتشريد، وحارب القوات الفارسية في الحصيد وخنافس قبل أن يلتقيا مع بعضهما، كما حارب القبائل المتحالفة في الثني والزميل، قبل أن يلتقيا مع القوات الفارسية(41) .‏
                    4-قتال الخيل. قاتلت بصورة مستقلة، وخرج الفرسان في معركة الولجة من خلف التلال، وانقضوا على أجناب ومؤخرة جيش "الاندرزعز" وتم تطويقه كاملاً(42) وكذلك فإن الخيالة انقسمت إلى مفارز قد تبلغ أكثر من مجموعتين وذلك حسب واقع وظروف المعركة، وعند المطاردة في معركة أليس انقسمت الخيالة إلى عدة مفارز لتعقب الهاربين والتمكن منهم وسوقهم إلى مذبحة النهر(43) .‏
                    5-القتال بشدة وغلظة دون هوادة. فالمقاتل يقتل، والأرض تدمر، والمدن تهدم كما حدث بأمغيشيا(44) والأسرى تضرب أعناقهم، والدم يجري كالنهر، والرجال الفارون من جحيم القتال يتعقبهم الفرسان فيقضون عليهم أينما حلوا وأينما ذهبوا، لا ينجي من القتل معذرة أو هرب أو وقوع في أيدي المسلمين. إن الشدة في قتال الجيش العربي لا تبقى ولا تذر(45) .‏
                    6-الحرب النفسية. وجه خالد إلى هرمز إنذاراً يحذره فيه من مغبة القتال مع العرب، ويذكره بشدة الرجال العرب المسلمين وقوتهم وأنهم يحبون الموت(46) . فلا يسمع العدو تلك المقالة حتى تنهار معنوياته، وترتعد فرائصه، وتضمحل قواه، فقد فر "الآزاذبه" قائد الجيش الفارسي، وقطع الفرات هارباً دون قتال(47) . وطلب الصلح عمرو بن عبد المسيح بن قيس خوفاً ورعباً(48) . وكذلك طلب الصلح أهل الحيرة، ورضوا أن يكونوا تحت حكم العرب المسلمين(49) وكتب خالد إلى ملوك فارس كتباً عديدة فيها تهديد ووعيد وتخويف ورعب ومنها: "بسم الله الرحمن الرحيم، من خالد بن الوليد إلى ملوك فارس. أما بعد. فالحمد لله الذي حل نظامكم، ووهن كيدكم، وفرق كلمتكم، ولو لم يفعل ذلك بكم كان شراً لكم، فادخلوا في أمرنا ندعكم وأرضكم، ونجوزكم إلى غيركم، وإلا كان ذلك وأنتم كارهون على غلب على أيدي قوم يحبون الموت كما تحبون الحياة"(50) وقتل عقة بن أبي عقة وهزم جيشه دون قتال(51) بهذه الحرب التي كان يشنها الجيش العربي، كان يضعف من معنويات الفرس، ويشل قواهم الجسدية والفكرية، ويجعلهم في خوف دائم يؤدي في النهاية إلى الاستسلام.‏
                    7-القتال الصحراوي: إن العرب قد اختصوا بهذا النوع من القتال، فالمثنى كان يغير على أطراف الامبراطورية الفارسية، ثم يعود إلى الصحراء،(52) وكذلك فإن الجيش العربي الذي كلف بفتح العراق كان يقاتل وظهره إلى دياره، فهي مصدر الأمان، ومعقد الرجاء، وقواعد الإمداد، ففي معركة كاظمة كان العرب يقاتلون وظهورهم إلى الصحراء(53) . وكذلك في معركة المذار(54) ، وكذلك فإن جميع المعارك التي كان يخوضها الجيش العربي مع الفرس كان ظهره دائماً إلى الصحراء التي تؤمن له حرية المناورة في كل الاتجاهات، وتؤمن له على الأقل ما كان قد اعتاد عليه من قبل.‏
                    8- اعتماد مبدأ الهجوم في كل المعارك. ما إن يتقابل الفريقان، ويتبارز الأبطال، وتسفر النتيجة حتى ترى الجيش العربي ينطلق مهاجماً دون إتاحة الفرصة للجيش الفارسي بأن يقوم بمثل هذا الهجوم(55) وحتى المناطق المحصنة فإنه لا يجري حصارها مدة طويلة، بل تقتحم بمهاجمة جبهية معتمدين في ذلك على التسلل وفتح باب الحصن وقتل حراس الأبواب، واعتلاء السور، والدخول من كل مكان كما حدث في فتح الحيرة وفي حصار دومة الجندل(56) وانطلاق الجيش العربي من قواعده في شبه جزيرة العرب واتجاهه نحو بلاد فارس ما هو إلا هجوم يقصد به محاربة الجيش الفارسي في عقر داره.‏
                    9- تأمين التماس المباشر مع العدو: يحاول الجيش العربي بكل الوسائل الممكنة تحقيق هذا المبدأ لأنه يؤمن ويوفر المعلومات الصحيحة عن الجيش الفارسي، وعن مواقعه، والتعرف على نيته، ووجهة تحركه، وبالتالي فإنه يظل تحت المراقبة والترصد، ولا يتيح المجال له لكي يعيد تجمعه أو أن يقوم بهجوم معاكس. قبل المعركة ترسل مجموعات استطلاعية، أو الطليعة لتظل على مقربة من الجيش الفارسي كما فعل المثنى(57) . وكذلك فإنه أثناء التحرك إذ يرسل جيش تشكيل) ليقوم بتلمس العدو والاقتراب منه كما فعلت التشكيلات التي حركها خالد بن الوليد تباعاً، يتبع بعضها بعضاً، وأمر أحد قادتها بتحقيق التماس المباشر مع العدو(58) . وأثناء المعركة كان يجري الالتحام، ويتعرف الجيشان على بعضهما، وتجري المنازلة. وهذا يعتبر تحضيراً مادياً ونفسياً للمعركة وتماساً، حتى إذا انتهت المعركة لصالح الجيش العربي، وتفرق وهرب الجيش الفارسي، لوحق وظل التماس معه حاصلاً. وقد ظهر ذلك في كل المعارك، وبخاصة بعد معركة الكاظمة إذ هرب الجيش الفارسي إلى الشمال، والتجأ إلى الأبلة ثم المذار، ولا يزال الجيش العربي في أعقابه حتى حدثت معركة المذار(59) وكان التعقب لا ينقطع أبداً حتى انتهت معارك العراق التي كلفت بها تشكيلات الجيوش العربية أثناء خلافة أبي بكر الصديق.‏
                    أما فن الحرب عند الجيش الفارسي، فإنه يتلخص فيما يلي:‏
                    1-التحرك من كتسفون المدائن) باتجاه واحد هو الاتجاه الخطر أو الأكثر خطورة إذ تحرك جيش هرمز باتجاه الحفير وهو لا يدري هل هذا الاتجاه حقاً هو الأجدى، أم اتجاه كاظمة!؟ وضاع عليه تحديد الاتجاه(60) ، ذلك لأن الجيوش الفارسية كان ينقصها تحقق الاستطلاع، وتأكيد التماس المباشر، لاعتقادها أنها تتحرك في أرض موالٍ سكانها للفرس، وأنها ليست بحاجة إلى إجراءات أمن التحرك أو سواها من التأمينات.‏
                    2-بطء الحركة. كان الجيش الفارسي إذا تحرك فإنه يتحرك بثقل، وإذا قاتل فإنه يقاتل وكأنه مقيد من كثرة أحماله، وبالإضافة إلى ذلك فإنه يربط بالسلاسل ويقيد بها(61) .‏
                    3- القتال بأساليب روتينية بعيدة عن الإبداع والابتكار. وقد دلت معارك العراق على أن جميعها كانت تجري بأسلوب واحد هو القتال بكتلة واحدة. وقد درج قادة هذه المعارك على أنهم يتبعون بعضهم بعضاً، ولم يحدث أن قائداً واحداً استطاع أن يطور ذلك الأسلوب، وكما نلاحظ فإنه في أول معركة الكاظمة دخلها الجيش الفارسي بنظام الكتلة الواحدة(62) ، وكذلك بقية المعارك منتهياً بالثني والرميل والفراض(63) .‏
                    4- قتال الخيل: تقاتل حسب الفن الحربي الفارسي مع المشاة، وهي لا تنفصل عنهم، وقد استغل الجيش العربي هذه الصفة، فكان يفصل الخيل عن المشاة، وبمجرد فصلهما يصبح المشاة غير قادرين على متابعة الحرب لوحدهم. وقد تجلى ذلك في أغلب المعارك في أسفل العراق وفي وسطه، في بدء المعارك وفي نهايتها، وبخاصة في معركتي الولجة وعين التمر(64) .‏
                    5- القتال البحري: أو القتال وظهر الجيش إلى الغرب. من الطبيعي أن تكون حرية المناورة في هذه الحالة مقيدة، فالبحر أو النهر بعيد الالتفاف أو التحرك على المجنبات، وهذا ما يفسر دخول الجيش الفارسي واعتماده على نظام الكتلة الواحدة. وقد حصر نفسه في معركة الكاظمة في البحر، وفي معركة المذار بالنهر، وهو في كل معاركه كان يقاتل وظهره إلى النهر، وما اجتاز الجيش النهر إلا في لحظات، أو في مواقع قليلة(65) .‏
                    6- اعتماد مبدأ الدفاع. وذلك أن الفرس كانوا يخشون التوغل في الصحراء، فهي أمنع عليهم من الجبال، ولذلك فإنهم ينتظرون وصول الجيش العربي إليهم، ويأخذون الاستعدادات اللازمة للقائه في أرض بعيدة عن الغرب والجنوب، وقريبة من الشمال والشرق. وإذا لاحظنا أن المعارك جميعها جرت على شط الفرات أو قريبة منه. فالأبله والولجة وأليس والحيرة والأنبار كلها كانت على النهر الذي جرى من دمائهم عبيطاً ، وإن القائد بهّمن الذي كلف بدعم"الأندرزعز" دفع نائبه وتخلف بعد أن أعطاه تعليمات الدفاع قائلاً له: "كفكف نفسك وجندك من قتال القوم إلا أن يعجلوك."(66) .‏
                    7- القتال من وراء الحصون والأسوار: فالمقاتل الفارسي لا يثبت مواجهة، وإذا ثبت فإنما يثبت لمدة قليلة، حتى إذا تضايق التجأ إلى حصن يحميه، أو سور يرد عنه السهام، كما أنه لا يستطيع أن يقاتل في أرض مكشوفة، فهو يخاف إن قاتل في هذه الأرض أن يضيع في مجاهل الصحراء، وأن يموت جوعاً وعطشاً(67) ، لذلك فهو يتحاشى ذلك القتال في تلك الأرض، ويفضل أن يقاتل دائماً في أرض محددة الجوانب والعوالم؛ أما العربي فقد كان يفضل أن يقاتل في الأرض المكشوفة، وعلى هذا فإنه يجر عدوه إلى المواقع والأماكن المفتوحة، كما لا يخشى بنفس الوقت- بعد أن تبين له النصر على عدوه- أن يقتحم المدن ويقاتل فيها، وأن يفتح الحصون ويقاتل من داخلها(68) .‏
                    المبارزة‏
                    جرت العادة في الجيش العربي والفارسي على المبارزة قبل الدخول في القتال، وقبل الالتحام. وقد تكون شخصاً لشخص، أو اثنين لاثنين أو أكثر، ولكن الأغلب تكون مقاتلاً ضد مقاتل من الجيش الآخر، وعادة ما يكون هذا المقاتل من الأبطال الأشداء، وأصحاب البأس والقوة، وفي بعض الأحيان يبرز قائد الجيش لقائد الجيش الآخر، أو يخرج أحد المقاتلين فيتحدى الآخر باسمه. ويخرج المتبارزان من بين الصفوف أمام مشهد جمع غفير من العسكريين من كلا الطرفين الذين يرقبون النتائج. في معركة الكاظمة نزل هرمز قائد الجيش الفارسي، وتحدى خالداً قائد الجيش العربي، وتقابل القائدان وجهاً لوجه، وبدأت بينهما مباراة حامية، نزل هرمز عن فرسه، وطلب من خصمه أن يفعل مثله، واحتدم القتال، واختلفا بضربتين، وما نال واحد من الآخر، وطلب القائد الفارسي المصارعة فالتحما، وضم خالد خصمه بين يديه حتى كاد أن يخنقه ويكسر أضلاع صدره. وهنا وفي هذه اللحظة كان رجال يختبئون خلف سائر كان قد أعدهم هرمز الذي اشتهر بمكره وخداعه حتى قالوا: "أخبث من هرمز وأكفر من هرمز."(69) فأومأ إليهم فأسرعوا لينفذوا جريمتهم، ويوقعوا في خالد؛ لكن القعقاع بن عمرو كان أسرع منهم حيث وقف في وجههم فقاتلهم فقتلهم، وقضى خالد على خصمه. وبهَذا قتل قائد الفرس وحاميته الذين كادوا أن يقضوا على خالد؛ فارتفعت معنويات الجيش العربي، وانخفضت معنويات الجيش الفارسي، ثم أمر خالد بالهجوم الصاعق والسريع(70) . وفي معركة المذار خرج أيضاً"قارن" قائد الجيش الفارسي وطلب المبارزة فخرج إليه خالد؛ لكن فارساً من فرسان الجيش العربي سبق خالداً وهو معقل بن الأعشى بن النباش واقتتل مع قارن فقتله. فثارت حمية"قباذ" و"أنوشجان" قائدي جناحي الجيش الفارسي، وتقدما للمبارزة فبرز إليهما قائدا جناحي الجيش العربي عاصم بن عمرو التميمي وعدي بن حاتم، فقتل عاصم أنوشجان، وقتل عدي قباذ(71) . وفي معركة الولجة بارز خالد أيضاً رجلاً من الفرس يعد بألف رجل فقتله. وفي معركة أليس جرت مبارزة أيضاً بين خالد ومالك بن قيس الذي ما تحرك من ضربة أصيب بها (72) . وربح الجيش العربي جميع المباريات في فتوح العراق، ولم يصب ولو بواحدة، وظل يزحف نحو الشمال حتى وصل إلى الفراض(73) .‏
                    هذا وإنه وإن وقعت بعض المعارك وسبقتها أو توسطتها بعض المبارزات فإن بعضها الآخر حدثت مباشرة وبدونها كمعارك الأنبار وعين التمر والحصيد والخنافس والثني والزميل(74) .‏
                    المفاجأة‏
                    أجاد الجيش العربي في تخطيط المفاجأة وتنفيذها، وطبقها بأوجه مختلفة، فلقد كانت باتباع الأساليب المختلفة في القتال. فالتحرك إلى أرض العراق لم يكن على محور واحد؛ وإنما كان على عدة محاور(75) . ليفاجئ العدو بظهوره من محور لم يكن العدو يتوقعه، وليزرع فيه الشك، وليوزع قواه على جميع المحاور بدلاً من أن يجمعها، وبذلك تكون المفاجأة قد نجحت؛ وكذلك فإن هذا الجيش قاتل في بادئ الأمر وفي أول معركة على المجنبات والمؤخرة بالالتفاف(76) ، فظن العدو أن هذا هو الأسلوب القتالي الذي سيقاتل فيه الجيش العربي في المعارك القادمة؛ ولكنه فوجئ في معركة المذار أن هذا الجيش يقاتل بالكتلة الواحدة(77) . وفي المكان فاجأ هذا الجيش في معركة عين التمر قوات عقه بن أبي عقة قبل أن تقوم من مقامها وهي لا تزال في وضعية التحضير والاستعداد، ولا تزال في أماكن تحشدها، تقيم صفوفها، وتعبئهم تعبئة تواجه بها الجيش العربي(78) . وفي الزمان وفي معركة المصيخ تقدم هذا الجيش في خفية، وتحرك دون ضجيج أو إعلام على طريق: العين، الجناب، البروان، الحنى. وفي الحنى كمن الجيش، حتى إذا جن الليل قام فأغار على بني الهذيل في المصيخ وهم نائمون فقتلوهم شر قتلة(79) وكذلك حدثت هذه المفاجأة في معركة الزميل(80) .‏
                    سير المعارك‏
                    تحرك الجيش العربي من اليمامة باتجاه الشمال بقيادة خالد بن الوليد، وعمل عدة مناورات أثناء التحرك ليخفي نيته، وليلبس على العدو الهدف المقصود، فوصل الحفير، ثم عاد إلى كاظمة. وتحرك الجيش الفارسي من الأبله باتجاه الجنوب بقيادة هرمز، وتوقع أن يلتقي بقائد الجيش العربي في كاظمة. وتحرك فوصلها، فلم ير أثراً لخالد، ولما علم أنه تحرك باتجاه الحفير تبعه، فعاد الجيش العربي إلى كاظمة. وهذه هي المناورة التي نفذها هذا الجيش ليشل قدرة العدو المادية والنفسية.‏
                    التقى الجيشان في سهل كاظمة، وهو يقع أمام البلدة. وهو سهل مرجي مستطيل إلى الشمال والجنوب، وأمامه إلى الشرق بعض التلال قليلة الارتفاع، وفي الشمال الطريق الموصل إلى أبلة، وفي الجنوب الطريق الموصل إلى اليمامة. فتح الجيش الفارسي بالتشكيلة الخماسية وظهره إلى البحر، وفتح الجيش العربي بالتشكيلة ذاتها وظهره إلى الصحراء وخلفه التلال.‏
                    بدأت المعركة بالمبارزة بين قائدي الجيشين المتقاتلين، وما لبث خالد أن قضى على خصمه، فاتبعه مباشرة بهجوم صاعق وسريع أدى إلى ارتداد الفرس إلى الخلف، واستمر الضغط، وخرقت جبهتهم، فلم يستطيعوا القيام بالهجوم المعاكس، واحتل جناحا الفرس، وانسحبا وتراجعا، وجرت مذبحة كبيرة وخاصة لأولئك الذين ربطوا بالسلاسل. وانتهت المعركة بانتصار الجيش العربي على الجيش الفارسي(81) .‏
                    انسحبت العناصر المهزومة نحو الأبلة، الذين التقوا بجيش"قارن" الذي كان يتحرك من كتسفونالمدائن) مَدَداً لجيش هرمز، وما إن وصلته أخبار الهزيمة حتى توقفت بالمذار، ونشر قواته مستعداً للدفاع والأخذ بالثأر، وتحرك الجيش العربي بعد أن أعيد تنظيمه، فالتقى بالجيش الفارسي بالمذار.. وتقابل الجيشان مرة ثانية، وبدأت المعركة بالمبارزة، فقتل قارن وقائدا جناحيه، وسرعان ما أمر خالد بالهجوم كعادته، وأصيب الفرس ثانية بهزيمة منكرة(82) .‏
                    وصلت أخبار الهزيمة"أردشير، فأمر بتعبئة وتحضير جيشين أحدهما بقيادة"الأندرزعز" والثاني بقيادة"بَهْمَن جاذويه". تحرك الأول من كتسفونالمدائن) إلى كسكر إلى الولجة التي تمركز فيها، وضم بعض العرب الموالين، ومن بقي سالماً من المعركة السابقة. وتحرك الثاني يتبع الأول بعد أن استكمل وأصبح جاهزاً؛ أما الجيش العربي فقد تحرك من المذار باتجاه الجنوب ثم انعطف نحو الشمال ليلتقي مع الجيش الأول بقيادة"الاندرزعز" قبل أن يصل الجيش الثاني، وفعلاً فقد وصل وتمركز في سهل الولجة، وأعطى التعليمات القتالية، وفتح للمعركة المترقبة، وأخفى الفرسان خلف أكمة. وبدأت كالعادة المبارزة، فقتل خالد منافسه، ثم أمر بالهجوم، وكان في هذه المعركة في بادئ الأمر المشاة فقط. وثبت الجيشان ولم يستطع الجيش العربي إلا أن يهاجم في هذه الحالة على مبدأ الكتلة الواحدة، والتحرك السريع ضمن هذه الكتلة، واستطاع أن يحدث بعض الخروق في صفوف الجيش الفارسي؛ إلا أن هذا الجيش- بعد أن شعر بتقدم ونجاح الجيش العربي قام بهجوم معاكس أدى فيه وأحررز بعض النجاحات، وفي هذه اللحظة أعطى خاالد إشارة... ثم يتابع خالد إشارة هجوم سلاح الفرسان، فانقض على مجنبتي الجيش الفارسي وعلى مؤخرته، وطوّقه تطويقاً كاملاً، وهنا دب الذعر، وانتشرت الفوضى، وبدأ الفرس يهربون، وحدثت مذبحة كبيرة، وانتصر كذلك العرب على الفرس(83) .‏
                    صدرت الأوامر إلى"بهمن" من الإمبراطور الفارسي أن يتقدم باتجاه تحرك الجيش العربي، وأن يوقفه قبل أن يصل إلى الحيرة، ولأمر ما، تأخر"بهمن" وأرسل رئيس أركانه"جابان" بجيش مختلط من الفرس والعرب المتحالفين من بني عجل، وتيم اللات، وضبيعة، وعرب الضاحية من أهل الحيرة(84) فوصل"أليس". وتحرك الجيش العربي من الولجة على أمل أن يقضي على العرب المتحالفين- الذين تجمعوا لقتال هذا الجيش- قبل أن تصل القوات الفارسية، ولم يتمكن من ذلك، فأعاد خالد تنظيم الجيش، وفتح للمعركة، ورأى الفرصة سانحة لمهاجمتهم من الحركة، وهم يتناولون طعام الغداء. وتقابل الجيشان في الجنوب الشرقي من أليس، وضغط الجيش العربي على الجيش الفارسي بهجوم سريع وبالتفاف من المجنبتين، ولم يلبث قليلاً حتي تداعت صفوف الفرس، وتراجعوا إلى الخلف وباتجاه النهر، وحرص خالد في هذه المعركة على تدمير القوات الفارسية ومن معها من العرب تدميراً كاملاً لئلا يشكلون في المستقبل قوة تنضم إلى غيرها أثناء متابعة الفتح. وفعلاً فقد طوق الجيش الفارسي تطويقاً كاملاً، ثم شكل مجموعات خيّالة، عليها أن تطارد الفلول المهزومة، فلا تدع لها مجالاً للهرب؛ بل تقتل كل من تصادفه. وجرى النهر، وامتزج بدماء الكثير من القتلى(85) . وتقدم الجيش العربي باتجاه أمغيشيا فوجدها خالية فاستولى عليها دون حرب(86) . وتابع تحركه باتجاه الحيرة، وكان حاكمها قد تهيأ فأعلن التعبئة، وخرج من المدينة لملاقاة الجيش العربي الزاحف: "آزاذبه" قرر الدفاع عن المدينة بمساعدة ملك الحيرة إياس بن قبيصة الذي كان اسماً فقط؛ إنما الحاكم الفعلي هو الفارسي"آزاذبه". وكان الأمراء العرب الذين في هذه المدينة كإياس في التصرف. حاول الحاكم الفارسي منع القوات العربية من التقدم، فأرسل طليعة بقيادة ابنه، وسد مجرى النهر خشية أن يفكر خالد باستخدام السفن التي استولى عليها من أمغيشيا في النقل والعبور؛ لكن الجيش العربي لم يتوقف فقضى على الطليعة، وفجر النهر، وجرت المياه. ولما علم بذلك هذا الحاكم هرب وترك المدينة، ودخل الجيش ظافراً منتصراً، وبقيت بعض القصور التي يسكنها الأمراء العرب الذين تحصنوا بداخلها، فحوصروا وقوتلوا قتالاً شديداً(87) .‏
                    بعد أن استتب الأمن في الحيرة وما حولها، وبعد فرض الجزية(88) ، اتجه الجيش العربي نحو الشمال باتجاه الأنبار ليحقق الاستيلاء على العراق الشمالي، تنفيذاً لقرار القائد الأعلى أبي بكر الصديق الذي أمر عياض أن يبدأ من الشمال؛ لكن ظروف القتال وتأخيره في دومة الجندل حالت دون ذلك. وصل خالد الأنبار بعد أن جاوز النهر إلى الضفة المقابلة التي تقع فيها المدينة، فضرب عليها الحصار، وتقدمت النبالة فرشقوا من كان داخل الحصن، وأمروا أن يرموا العيون، ولا يتوخوا، غيرها، وأن يكون التسديد دقيقاً والإصابة محققة(89) . وفقئت عيون المدافعين عن الأنبار وسميت تلك المعركة. "وقعة ذات العيون"(90) ، وأصاب المدينة هلع كبير. في هذا الجو من الرعب أمر خالد اقتحام المدينة؛ إلا أن المدينة يحيط بها خندق مملوء ماءاً، وكذلك فإن الأسوار الشاهقة تحول دون تسلقها. ومن أجل حل صعوبة الخندق نُحرت الإبل الضعيفة ووضعت في الأمكنة الضيقة من الخندق واجتاز الجيش العربي هذا المانع المائي. ومن أجل حل الصعوبة المكانية فقد تسلق الشجعان على أبواب الحصن وفتحوها. وبذلك أتيح للجيش العربي أن يفتح المدينة ويشتبك مع أهلها في قتال دام، أدى في النهاية إلى استسلام حاكمها الفارسي"شيرزاذ" الذي سُمح له بمغادرة المدينة إلى كتسفون، ودانت مدينة الأنبار إلى الحكم العربي(91) .‏
                    ما إن فرغ الجيش العربي من الأنبار حتى توجه إلى عين التمر مجتازاً النهر- الذي كان قد قطعه قبل معركة الأنبار- ومنعطفاً نحو الجنوب العربي وكان يحكم المدينة"مهران بن بهرام جوبين" ومعه من العرب عقه بن أبي عقه مع جمع غفير من أهالي عين التمر، وبني تغلب، وإياد وغيرهم. أخذ عقه التزاماً أمام الحاكم الفارسي محاربة الجيش العربي، وتصدى لقتال خالد وعبأ جيشاً قسمه إلى جناحين وقلب؛ وبينما هو منهمك في تنظيم جيشه، فاجأه خالد بحملة قوية من القلب بانقضاض سريع حتى وصل إليه، فأخذه أسيراً(92) .‏
                    وسبى كثيراً من النساء منهن لبابة بنت أبي لبابة الأنصارية(93) . وانهزم جيش عقه، وتفرق كالأنعام السائبة، فقتلوا وأسروا، وضربت عنق عقه ومن معه من زعماء العرب، واستولى على المدينة وما فيها(94) .‏
                    ثم فتح عين التمر(95) ، وكان في نية الجيش العربي أن يتم فتوحاته ويستولي على الشمال العراقي لولا أن جاءه خبر من عياض بن غَنْم قائد الجيش الثاني المكلف بدخول العراق من الشمال طالباً المدد والمساعدة من خالد بن الوليد قائد الجيش الأول وفاتح العراق، والمنجز لهمته(96) . فما كان من خالد حتى توجه فوراً مع جزء من جيشه إلى دومة الجندل التي توقف فيها الجيش الثاني للمقاومات الكبيرة، ولأن هذه المدينة محصنة وقوية، يقودها ويدافع عنها أكيدر بن عبد الملك والجودي بن ربيعة في جمع غفير من قبائل بهراء وكلب وغسان وتنوخ والضجاعم(97) . تنبه المدافعون عن المدينة لتحرك خالد، فأصابهم الخوف، ونصحهم أكيدر بالصلح، لكنهم لم يسمعوا لكلامه. وما إن وصل قائد الجيش الأول حتى ضم الجيش الثاني إليه وأعاد تشكيله بما يتلاءم مع الوضع القتالي الجديد، فأمر عياض أن يكون من الجزء الجنوبي، وأن يقطع طرق الجزيرة العربية، وأن يسد المنافذ من كل الاتجاهات، وأن يكون الحصار كاملا. ونفذت القوات العربية الإسلامية الحصار، وابتعدت عن مرمى أسلحة المدافعين عن المدينة، وطال الحصار فنفذت التموينات، ورأى الجودي أن لا مناص من هذا الحصار إلا بالخروج من الحصون، ومهاجمة القوات المحاصرة من الشمال والجنوب، وهذا ما كانت تريده القيادة المهاجمة، فما أن خرج الجودي من المدينة وابتعد عنها، حتى أمر خالد بالهجوم السريع والعنيف، وما إن مضت لحظات معدودات حتى كان الجودي والقبائل الموالية تفر كقطيع الأغنام. وأُسر الجودي ومن معه من الزعماء وضربت أعناقهم أمام المقاتلين الذين لا يزالون داخل الحصن يدافعون عن المدينة. وهنا خارت عزيمتهم، وظل خالد ضاغطاً ومهاجماً حتى فتح المدينة(98) . ثم عاد خالد بصحبة عياض إلى الحيرة(99) .‏
                    استغلت القيادة الفارسية هذا الظرف العارض الذي ابتعد به خالد بن الوليد لينقذ عياضاً في دومة الجندل، وأخذت تعد العدة، وتؤلب القبائل العربية التي فجعت بقتلاها وأسراها، وتكوَّن بذلك جيشٌ كبير بقيادة"بهمن" الذي قسمه إلى قسمين أحدهما بقيادة"روزبه" الذي تحرك من كتسفون إلى الحصيد والثاني بقيادة"زرمهر" الذي تحرك أيضاً من العاصمة إلى خنافس، وكان على هذه القوات أن تجمع القبائل بمجرد الوصول إلى منطقة القبائل؛ لكن هذه القبائل كانت متباعدة عن بعضها، فمنها ما هو بالمصيخ، ومنها ما هو بالثني والزميل.‏
                    ترك خالد الحيرة بعد أن عين لها عياضاً، وتقدم نحو عين التمر التي غادرها منذ مدة إلى دومة الجندل، فنظم الجيش، وقسمه إلى ثلاثة تشكيلات أحدهم بقيادة القعقاع بن عمرو، والثاني بقيادة أبي ليلى بن فدكي، والثالث بقيادة خالد بن الوليد(100) . وحددت المهام. فالأول عليه أن يتصدى لـ"روزبه" ويحتل الحصيد، والثاني أن يتصدى لـ"زرمهر" ويحتل الخنافس. نجح الأول في تدمير عدوه، وأبطأ الثاني في تحركه وملاقاة عدوه، فانسحب إلى مصيخ، وكذلك تجمعت كل القوات الفارسية والعربية المتحالفة في هذا المكان. وهنا أيضاً أعيد تشكيل الجيش العربي الإسلامي على أساس جيش واحد مجمع تجميع عملياتي) ليقابل ذلك التجمع الكبير، وليتمكن من التفوق. وسارت التشكيلات من مكانها التي وصلت إليه في القتال، لتلتقي جميعها بالمصيخ101). وفي نقطة الالتقاء هاجم الجيش العربي الإسلامي المقاتلين من الفرس والعرب، وأصاب منهم مقتلاً، وركز خالد الفتك بالعرب المتحالفة فنال من هذيل، وقتل منهم مقتلة عظيمة102).‏
                    اتجهت القوات المهزومة من العرب والفرس، وتجمعت في الثني والزميل، وكان من خطة خالد ألا يترك لهم مجالاً للراحة، ولا لإعادة وتنظيم قوتهم فأتبعهم بجيش قسمه إلى ثلاثة تشكيلات. تشكيل في الوسط، ومجنبتان على اليمين والشمال، وسار بسرعة، وما إن وصل الثني حتى أمر بمهاجمة التجمع المختلط، فقضى عليه. ثم تابع تحركه وضغطه من الزميل إلى الثني، فأتم تدميره للقوات الفارسية، والقبائل العربية المتحالفة103).‏
                    تحركت القوات العربية بعد نجاحها إلى الفراض، وتحشدت على الضفة الغربية لنهر الفرات؛ أما القوات المتحالفة من الفرس والروم والعرب. فكانت على الضفة الشرقية. دعا كل فريق الآخر إلى عبور النهر، وأخيراً عبرت القوات المتحالفة، وكان الجيش العربي ناشراً قواته، وما إن عبرت تلك القوة حتى هاجمها بسرعة وعنف، ثم جزأهم، وفصل كل مجموعة عن الأخرى، وابتلعها واحدة بعد أخرى، وقضى عليها نهائياً104). ثم انسحب وعاد إلى الحيرة.‏
                    (1) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/551‏
                    HAMIDULLAH- DOCUMENTS SUR LADIPLOMATIE MUSULMANE 2/7‏
                    F- GOBRIELI - MUHAMMAD AND THE CANQUESTS OF ISLAM PP 91-94‏
                    THE ENCYCLOPEDIO OF MILITARY HISTORY PP: 230‏
                    (2) المسعودي -مروج الذهب: 1/415- الطبري - المعجم الكبير 1/16- البكري -معجم ما استعجم: 3/1077‏
                    (3) الطبري - تاريخ الأمم والملوك - 2/553-554‏
                    (4) الطبري -تاريخ الأمم والملوك - 2/552‏
                    (5) الطبري -تاريخ الأمم والملوك - 2/553-554‏
                    (6) الطبري -تاريخ الأمم والملوك - 2/554‏
                    (7) الطبري - تاريخ الأمم والملوك- 2/554- الخضري -اتمام الوفاد- 43-44‏
                    (8) الطبري -تاريخ الأمم والملوك - 2/554‏
                    (9) ابن الأثير - الكامل في التاريخ: 384-399‏
                    (10) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/551- ابن الأثير - الكامل في التاريخ: 2/384- مختار باشا التواريخ الهجرية: 1/44‏
                    (11) الطبري -تاريخ الأمم والملوك - 2/557- مختار باشا -التواريخ الهجرية: 1/44‏
                    (12) الطبري -تاريخ الأمم والملوك- 2/558- مختار باشا -التواريخ الهجرية: 1/44‏
                    (13) الطبري - تاريخ الأمم والملوك - 2/563- مختار باشا التواريخ الهجرية: 1/44‏
                    (14) الطبري -تاريخ الأمم والملوك - 2/583- مختار باشا -التواريخ الهجرية - 1/44‏
                    (15) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/554‏
                    (16) الطبري -تاريخ الأمم والملوك 2/553- وما بعدها‏
                    (17) الطبري - تاريخ الأمم والملوك - 2/558-562‏
                    (18) الطبري - تاريخ الأمم والتاريخ: 2/554‏
                    (19) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/557‏
                    (20) الطبري -تاريخ الأمم والملوك 2/558-561‏
                    (21) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/559‏
                    (22) الطبري -تاريخ الأمم والملوك 2/559‏
                    (23) التجفاف ج تجافيف. هي آلة الحرب من حديد، يلبس للفرس، وقد يلبسه الإنسان أيضاً، وهو في الأصل ما جلل به الفرس. وقيل: هو الدرع الذي يصنع للدابة من اللباس أو القماس المبطن. انظر الزبيدي- تاج العروس: 6/59- زكي- السلاح في الإسلام: 24‏
                    (24) الطبر لغة فارسية ويعني الفاس. يضعها الفارس في حلقة في سرج فرسه، وكان يطلق على من يحمله "الطبردار" والطبر يصنع من الحديد على شكل هلال نصف دائرة، وله مقبض من خشب أو حديد على شكل عصا. انظر القلقشندي -صبح الأعشى: 2/135- زكي - السلاح في الإسلام: 39‏
                    (25) العمود. يصنع من الحديد، ويستخدم لضرب الرأس والأنف، أو العضد والركبة، ويمكن أن يكسر به الرمح أو السيف: له أنواع منها اللتوت التي لها رؤوس مستطيلة ومضرسة، ومنها الدبوس التي لها رؤوس مدورة. يعلق العمود في كلاب من سرج الفرس عند ركبة الفارس اليسرى. انظر مخطوطة ابن هذيل- في الخيل والسلاح وما يتعلق بهما: 68-69- ماجد- الحضارة الإسلامية: 65‏
                    (26) الدينوري -الأخبار الطوال: 72-73‏
                    (27) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/565‏
                    (28) ابن عبد ربه -العقد الفريد: 1/179- الطرسوسي -تبصرة أرباب الألباب: 6 وما بعدها، خماش- الشام في صدر الإسلام: 318‏
                    (29) ابن المحبر - المنمق: 523-524‏
                    (30) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/553-554-573- ابن الأثير -الكامل في التاريخ: 2/384-185‏
                    (31) الطبري -تاريخ الأمم والملوك 2/554‏
                    (32) الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/576- وما بعدها، 580 أكرم -سيف الله: 320-322‏
                    (33) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/557-576-580 ابن الأثير -الكامل في التاريخ: 2/395‏
                    (34) الطبري -تاريخ الأمم والملوك : 2/555-556‏
                    (35) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/557- أكرم - سيف الله: 265‏
                    (36) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/569- ابن الأثير -الكامل في التاريخ 2/390‏
                    (37) الطبري -تاريخ الأمم والملوك- 2/575- وما بعدها، ابن الأثير الكامل في التاريخ: 2/394‏
                    (38) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/575‏
                    (39) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/558- وما بعدها، ابن الأثير -الكامل في التاريخ: 2/387- أكرم -سيف الله: 273‏
                    (40) الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/560-561 ابن الأثير- الكامل في التاريخ 2/388‏
                    (41) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/580- أكرم -سيف الله: 320‏
                    (42) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/560- أكرم -سيف الله: 276‏
                    (43) الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/516‏
                    (44) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/563‏
                    (45) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/561-562، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/389‏
                    (46) الأزدي -فتوح الشام: 66- الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/554‏
                    (47) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/564- ابن الأثير - الكامل في التاريخ 2/390‏
                    (48) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/565‏
                    (49) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/570-571 ابن الأثير -الكامل في التاريخ: 2/392‏
                    (50) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/572‏
                    hamidullah -Documents Sur La Diplomatie nusulname:222‏
                    (51) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/577- ابن الأثير -الكامل في التاريخ: 2/395‏
                    (52) الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/552‏
                    (53) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/556- أكرم -سيف الله: 257‏
                    (54) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/557- أكرم -سيف الله: 265‏
                    (55) الطبري - تاريخ الأمم والملوك: 2/541-551-557-558-560-576‏
                    (56) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/564-578-579، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/390-396‏
                    (57) الطبري -تاريخ الأمم والملوك2/552- ابن الأثير - الكامل في التاريخ: 2/384-385‏
                    (58) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/554‏
                    (59) الطبري -0تاريخ الأمم والملوك: 2/556-557- ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/386‏
                    (60) الطبري -تاريخ الأمم والملوك 2/555- ابن الأثير -الكامل في التاريخ 2/385 أكرم -سيف الله 253‏
                    (61) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/ 555، 556، 3/ 206، إن الأثير- الكامل في التاريخ: 2،385.‏
                    (62) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/ 555، أكرم- سيف الله: 255.‏
                    (63) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/582، إبن الأثير- الكامل في التاريخ: 2، 398، 399.‏
                    (64) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/ 558، 576، أبد الأثير- الكامل في التاريخ: 2/387، 394.‏
                    (65) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/555، 557، 560.‏
                    (66) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/ 560.‏
                    (67) الطبري -تاريخ الأمم والملوك: 2/560‏
                    (68) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/ 546، 578، خماش- الشام في صدر الإسلام: 323 وما بعدها.‏
                    (69) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/555.‏
                    (70) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/556، ابد الأثير- الكامل في التاريخ: 2، 386.‏
                    (71) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/557، ابد الأثير- الكامل في التاريخ: 2،386.‏
                    (72) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/560، 561، ابد الأثير- الكامل في التاريخ: 2/389.‏
                    (73) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/582.‏
                    (74) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/574، 576، 580، 582، ابد الأثير- الكامل في التاريخ: 2/394، 397،368.‏
                    (75) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/554، ابد الأثير- الكامل في التاريخ: 2/385.‏
                    (76) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/555 ومابعدها، ابد الأثير- الكامل في التاريخ: 2/386‏
                    (77) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/557.‏
                    (78) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/557، ابد الأثير- الكامل في التاريخ: 2/395.‏
                    (79) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/581، ابد الأثير- الكامل في التاريخ: 2/397.‏
                    (80) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/582، ابد الأثير- الكامل في التاريخ: 2/399.‏
                    (81) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/556، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/385، 386، كمال، االطريق إلى المداائن‏
                    (82) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/ 557، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/386، كمال- الطريق إلى المدائن: 222 وما بعدها.‏
                    (83) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/559، 560 ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/387، أكرم- سيف الله: 272-276، كمال، الطلريق إلى المدائن 228 وما بعدها.‏
                    (84) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/560، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/388..‏
                    (85) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/561، 562، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/389، كمال- الطريق إلى المدائن: 232 وما بعدها.‏
                    (86) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/563، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/389.‏
                    (87) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/563، 564، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/39، كمال- الطريق إلى المدائن: 238، الخضري- اتمام الوفاء: 46، 47.‏
                    (88) ابن الوردي - تاريخه 1/143.‏
                    (89) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/575، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/394، كمال- الطريق إلى المدائن: 282 وما بعدها.‏
                    (90) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/575، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/394.‏
                    (91) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/576، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/ 394.‏
                    (92) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/577، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/395، كمال- الطريق إلى المدائن: 287 وما بعدها.‏
                    (93) ابن حبيب- المنمّق: 37.‏
                    (94) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/577، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/395.‏
                    (95) اليافعي - الجنان: 1/98.‏
                    (96) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/578، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/395.‏
                    (97) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/578.‏
                    (98) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/579، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/396.‏
                    (99) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/579.‏
                    (100) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/580.‏
                    101) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/581، ابن الأثير الكامل في التاريخ: 2/397.‏
                    102) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/581، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/397.‏
                    103) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/582، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/398، 399.‏
                    104) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/583، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/399.‏

                    تعليق


                    • #11
                      رد: الرّيادة فـي حـروب وفتوحات أبي بكر الصّديق

                      الشؤون الإداريّة
                      لم يكن قادة الجيش العربي يهتمون بالمؤخرة كاهتمام قادة الجيش الفارسي.‏
                      إن الصحراء ومحاورها مؤمنة. وهو لا يحتاج أثناء القتال إلى نقل الإمدادات، وإنما يكتفي بما تزود به هذا الجيش من التمر. وبالمقابل فإن محاور كتسفون بالنسبة للجيش الفارسي مفتوحة، ويجري عليها الإمداد إلى مناطق القتال.‏
                      وفي كل الأحوال فإن الفرس كانوا في أرض فيها حامياتهم ومناطقهم العسكرية، وقواعدهم الإمدادية.‏
                      إن تأمين الطعام كان يأتي من المقاتل الذي زود به نفسه حين خرج من بلاده من الجزيرة العربية، ومن المصادر المحلية التي كانت موفورة في أرض العراق، فهي جنات من أعناب ونخيل وحنطة وزروع(1) . وقد أشار خالد بن الوليد إلى هذه المصادر وأهميتها بعد معركة الولجة، فسمح للفلاحين أن يشتغلوا في الأرض، ولم يتعرض لهم بسوء(2) . وكذلك فإن جميع البلدان والمدن التي تم فتحها كانت غنية بمواسمها وطعامها مثل عين التمر التي كانت تشتهر بمنتوجاتها من التمر(3) ، والذي يعتبر وجبة رئيسية في طعام المقاتل العربي. وقد تعرف الجيش العربي على أطعمة لم يكن قد شاهدها و تذوقها من قبل كالرقاق البيض الذي كانت العرب تسميه القرى(4) . وكالجوز الذي ظنوه حجارة، والسمك الصغير المقدد الذي تعجبوا من ادخاره، والخبز الذي كانوا يأكلونه فيحسبون أنهم قد سمنوا، والأرز الذي ظنوه سماً(5) .‏
                      في حين أن الطعام كان مؤمناً للمقاتل الفارسي، وهو لا يجد صعوبة في الحصول عليه، ففي معركة أليس وقبيل بدئها، فرش الفرس البسط، ووضعوا عليها الأطعمة المختلفة، وكانوا يأكلون وكأنهم في نزهة لا في قتال(6) .‏
                      إن نظام الطعام في الجيش العربي وجبة في المساء، وبضع تمرات قبل القتال؛ أما في الجيش الفارسي فكان يتناول طعامه كاملاً قبل الدخول في المعركة، وهذا ما حدث قبل معركة أليس حيث أقدم هذا الجيش على تناول طعامه، وفوجئ بالهجوم من قبل الجيش العربي وهو منهمك في الأكل والشرب(7) واللهو.‏
                      لا يتقيد الجيش العربي باللباس، ولا بالشارات؛ أما الجيش الفارسي فكان يلبس لباساً موحداً، وللقادة شارات يُعرفون بها وبخاصة لباس القلنسوة الذي كان يقدر بمائة ألف. وقد كان هرمز من بين القادة الذين حصلوا على هذه القلنسوة(8) ، كما أن"الآزاذبه" مرزبان الحيرة كانت قيمة القلنسوة بخمسين ألفاً،(9) وكذلك كانت السراويل التي ألفها، المقاتل العربي فلم يلبسها بعد أن آلت إليه في حربه مع الفرس(10) .‏
                      كان يجري القتال على الماء، ويحاول كلا الطرفين المتخاصمين أن يستولي على المنطقة التي تتوفر فيها المياه. وقد سبق الجيش الفارسي الجيش العربي في التمركز وأخذ المواقع الملائمة والتي تؤمن المياه وتمنعه عن الطرف الآخر في معركة الكاظمةذات السلاسل)(11) ؛ لكن خالداً قائد الجيش أمر جنده بالصبر والتصميم فقال: "ليصيرن الماء لأصبر الفريقين وأكرم الجندين"(12) .‏
                      إن نقل الجند والأعتدة والمواد التموينية كان يجري بواسطة العربات والفيلة من قبل الجيش الفارسي؛ أما الجيش العربي فكانت وسائط نقله هي الجمال(13) .‏
                      شكلت الغنائم جزءاً كبيراً من موارد الدولة، وقد غنم الجيش العربي في هذه الفتوح ما مكنّه من سد جزء كبير من احتياجاته المادية، بما فيها الأسلحة والعتاد القتالي، كما ظهر على أفراد القوات المسلحة الغنى من جراء حروبهم في العراق. ومن الغنائم قلنسوة هرمز الثمينة وبعض الفيلة والأموال، وأصاب الفارس من وقعتي الكاظمة والثني ألف درهم والراجل ثلث المبلغ(14) ، والطعام الذي لا يمكن خزنه نفله قائد الجيش إلى جنوده بعد معركة أليس(15) ، وفي معركة أمغيشيا كان نصيب الفرد ألفاً وخمسمائة درهم، وكذلك فإن الجيش العربي استولى على السفن النهرية، والأسلحة والأعتدة القتالية(16) .‏
                      بلغ عدد الأسرى رقماً كبيراً، وفي نهاية كل معركة يجمع الأسرى ويقتلون، ولاسيّما الذين كانوا يقاتلون مع الجيش الفارسي. ففي معركة أليس جرى النهر ممتزجاً بدماء هؤلاء(17) . وفي معركة عين ا لتمر ضربت أعناق عقه ومن معه من بني قومه أيضاً(18) ، كما قتل الأساري في دومة الجندل منهم الجودي ومن معه(19) .‏
                      وكان السبي من الولدان والنساء يقتسم بين المقاتلين كما جرى ذلك بعد معركتي المذار وعين التمر، وكان من بين السبي يومئذ أبو الحسن البصري ونصير أبو موسى بن نصير(20) .‏
                      (1) الحموي- معجم البلدان: 4/93 وما بعدها.‏
                      (2) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/559، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/378.‏
                      (3) الحموي- معجم البلدان: 4/176.‏
                      (4) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/562.‏
                      (5) أبو هلال العسكري- الأوائل: 2/12.‏
                      (6) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/561، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/388.‏
                      (7) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/561، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/388.‏
                      (8) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/556.‏
                      (9) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/563.‏
                      (10) أبو هلال العسكري- الأوائل: 2/12.‏
                      (11) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/555.‏
                      (12) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/555، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/385.‏
                      (13) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/556.‏
                      (14) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/556، 557، 562.‏
                      (15) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/562، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/389.‏
                      (16) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/562.‏
                      (17) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/561، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/389.‏
                      (18) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/577، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/395.‏
                      (19) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/579، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/396.‏
                      (20) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/558، 577، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/395.‏

                      تعليق


                      • #12
                        رد: الرّيادة فـي حـروب وفتوحات أبي بكر الصّديق

                        الفصل الخامس
                        فتوح الشّام‏
                        جاء فتح الشام بعد فتح العراق في زمن أبي بكر الصديق، وقد كان أبو بكر يتوق إلى فتح الشام، ويحدث به نفسه(1) ، ولما تولى الخلافة أراد أن يحقق تلك الرغبة، وذلك الحديث النفسي؛ إلا أنه فوجئ بالمثنى قادماً عليه يستحثه على الحرب في العراق، ويزين له احتلال الأراضي العراقية والقضاء على فارس(2) ، ولهذا لما فرغ من العراق وجه جيوشه إلى بلاد الشام مباشرة(3) .‏
                        خطّة فتح الشّام‏
                        يقصد بالخطة تلك الإجراءات والأعمال التي خطط لها أبو بكر من الناحية العسكرية، وقد تميزت هذه الخطة برؤىً واضحةٍ، وأهدافٍ محددة، وأطر استراتيجية، وتعبئة عامة للقوى والوسائط المتوفرة، وأسس سليمة مبنية على القواعد العلمية الصحيحة.‏
                        أهداف خطّة الفتح‏
                        لو لم تكن الشام مهمة، لما ترك أبو بكر العراق-دون أن يكمل فتحها بالكامل- وتوجه قِبَل الشام؛ لكنه اكتفى بالبلاد والأراضي العراقية المجاورة لشبه جزيرة العرب. وأهم هذه الأهداف:‏
                        1- تحقيق رغبات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحث العرب المسلمين على إعطاء أولوية لفتح الشام، والاهتمام بها أكثر من غيرها من الأقطار. ومن أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنكم ستجدون أجناداً. جند بالشام، وجند بالعراق، وجند باليمن. قلت يا رسول الله خِر لي. قال: عليكم بالشام فمن أبى فليلحق بيمنه، وليستق من غُدره، فإن الله تكفل لي بالشام وأهله."(4) وفي ابن عساكر أكثر من أربعين حديثاً بروايات مختلفة كلها تحث على الالتزام بالشام.‏
                        2- طرد الروم من الأرض العربية التي عاثوا فيها فساداً، وسلبوا خيراتها، وأذاقوا أهلها العذاب.‏
                        3- إحلال السلام والإسلام في بلاد العرب المغتصبة.‏
                        4- الاستفادة من المصادر المحلية المختلفة. وفي هذه الأرض جنات وأعناب وزرع ونخيل وأخشاب وأعتدة قتالية وإداريّة. ومن هذا يمكن أن يكون للجيش العربي قاعدة مادية كبيرة يستعين بها في فتوحاته وفي حروبه المستقبلية.‏
                        5- وضع الأماكن المقدسة تحت الحكم العربي.. وقيل:"الشام مباركة، وفلسطين مقدسة، وبيت المقدس قدس القدس."(5) .‏
                        6- تكثير الجيش وزيادة قوته، وذلك بانضمام أعداد كبيرة من عرب الأرض المحتلة، ومن غير العرب الذين دخلوا في دين الله أفواجاً، وأعجبهم حكم العرب وعدالتهم، فقالوا: "يا معشر المسلمين أنتم أحب إلينا من الروم وإن كانوا على ديننا، أنتم أوفى لنا وأرأف بنا، وأكف عن ظلمنا، وأحسن ولاية علينا، ولكنهم غلبونا على أمرنا وعلى منازلنا."(6) .‏
                        7- تدريب أفراد الجيش العربي على الحرب، وتطبيق مبدأ"التدريب على الحرب بالحرب" وتأهيلهم ليكونوا قادرين في المستقبل على التوغل في البلاد غير العربية لينشروا السلام، وليعلموا الناس الدين الجديد.‏
                        8- قتال العدو الأقرب فالأقرب. إن الروم كانوا قريبين من أرض العرب، وحسب خطة الفتح فإن العرب سوف يقاتلون الروم في أول الأمم الذين سيتصدون لهم، وبذلك يكونون قد حددوا هدف الفتح وحددوا العدو. وهذا ما صرح به معاذ بن جبل لقيادات الروم قائلاً لهم: "ما بدأنا بقتالكم إلا أنكم أقرب إلينا منهم، وإنكم عندنا لسواء، وما جاءنا كتابنا بالكف عنهم، ولكن الله أنزل في كتابه على نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلطة واعلموا أن الله مع المتقين(7) وكنتم أقرب إلينا منهم فبدأنا بكم لذلك."(8) .‏
                        قيادة الفتح‏
                        عين أبو بكر قادة من كبار الصحابة الذين يشهد لهم بالكفاءة وحسن القيادة والتصرف وهم:‏
                        1-أبو عبيدة بن الجراح باتجاه حمص.‏
                        2-يزيد بن أبي سفيان باتجاه دمشق سالكاً محور تبوك.‏
                        3-شرحبيل بن حسنة باتجاه الأردن سالكاً محور تبوك.‏
                        4-عمرو بن العاص باتجاه فلسطين سالكاً طريق أيلةالعقبة)‏
                        وهي في الوقت الحاضر في الأراضي الأردنية(9) .‏
                        أثناء التجميع القتالي، وتوحيد هذه الجيوش، يكون أبو عبيدة هو القائد العام لهذه الجيوش، وإن اجتمع شرحبيل وعمرو بن العاص ويزيد ابن أبي سفيان، فالقائد لهذه المجموعة هو يزيد. وإن اجتمع جيشان من هذه الجيوش في منطقة عمل، فإن القيادة تكون لمن كان في نطاق عمله القتال(10) . وإن اجتمع خالد فيما بعد فالقيادة لخالد ابن الوليد(11) .‏
                        لقد استبعد من القيادة كل من شُكّ في تصرفه، أو في ولائه إلى القائد الأعلى إذ استبعد خالد بن سعيد بن العاصي، وعزل بعد أن ولي القيادة وعُقد له لواؤها قبل تحركه إلى بلاد الشام، وذلك عندما ثبت أنه تربص ببيعته إلى أبي بكر مدة شهرين، وتفوه بكلمات تمس شخص أبي بكر فقال: "يا بني عبد مناف لقد طبتم نفساً عن أمركم يليه غيركم."(12) .‏

                        خطّة الفتح الاستراتيجية والتعبـئة‏
                        ما إن استقر رأي القائد الأعلى على فتح الشام حتى بادر إلى وضع خطة استراتيجية، يضمن بها النجاح والسيطرة على القوات، وضمان الانتصار على العدو. وكان أهم ما تضمنته هذه الخطة:‏
                        1- إعلان التعبئة العامة في كل البلاد، وفي أرجاء شبه الجزيرة العربية، وبخاصة في المدن الهامة في مكة والمدينة والطائف واليمن، وفي مناطق نجد والحجاز، فسارع المتطوعون متحشدين في المدينة المنورة(13) . ومن دعوة أبي بكر إلى الاستنفار العام قوله إلى أهل اليمن: "فإن الله كتب على المؤمنين الجهاد، وأمرهم أن ينفروا خفافاً وثقالاً. وقد استنفزنا من قبلنا من المسلمين إلى جهاد الروم بالشام وقد سارعوا إلى ذلك.. فسارعوا عباد الله إلى فريضة ربكم."(14) فلبى العرب النداء، ولبى أهل اليمن هذه الدعوة فأتوا مسرعين، وتقدمت الوفود تتبعها الوفود(15) .‏
                        2- تنظيم الأفراد المتطوعين والذين وصلوا إلى المدينة بجيوش نظامية تعتمد على التنظيم العشري، وعلى القيادة القبلية(16) . فانظر إلى الوفود التي جاءت متتالية. كانت القبيلة مع زعيمها، فلقد أقبل حمزة بن مالك الهمذاني في بني همذان في أكثر من ألفي مقاتل، فولاه أبو بكر عليهم، وأرسله إلى جبهة القتال(17) ؛ كما أمر قادة الجيوش أن يعقدوا لكل قبيلة لواءاً يُعرفون به(18) .‏
                        3- التحرك باتجاهات مختلفة وعلى محاور متباعدة، فقد سار قائد كل جيش على محور يختلف عن القائد الآخر، ولقد كان وجهة كل جيش إلى مكان يختلف عن وجهة الجيش الآخر(19) ، وذلك لضمان سلامة التحرك، والسرعة في المسير.‏
                        4- الدعاية الإعلامية الكبيرة الداخلية، التي هيأت النفوس، وقوت المعنويات، ووضعت كل مقاتل أمام مسؤولياته. فلقد كانت دعوة أبي بكر إلى الناس كافة، ومن بلغ هذه الدعوة عليه أن يستجيب لنداء القتال. وهكذا فقد اجتمع الآلاف المؤلفة من المقاتلين في المدينة من كل أرجاء الجزيرة العربية. وكلهم يتوق التوجه إلى جبهة القتال. وقد قام بهذه الدعاية القائد الأعلى والقيادة المركزية في المدينة. ومن خطب أبي بكر الإعلامية: "أيها الناس إن الله قد أنعم عليكم بالإسلام، وأعزكم بالجهاد، وفضلكم بهذا الدين على أهل كل دين، فتجهزوا عباد الله إلى غزو الروم بالشام، فإني مؤمر عليكم أمراء، وعاقد لهم عليكم، فأطيعوا ربكم، ولا تخالفوا أمراءكم، ولتحسن نيتكم وسيرتكم وطعمتكم، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون."(20) كما كتب إلى عمال الصدقات يستحثهم ويدعوهم إلى القتال ويأمرهم بالتحضير والإعداد، ومنهم عمرو بن العاص فقال له: "إني كنت قد رددتك على العمل الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاكه مرة، وسماه لك أخرى مبعثك إلى عمان إنجازاً لمواعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد وليتَه ثم وليته. وقد أحببت أبا عبد الله أن أفرغك لما هو خير لك في حياتك ومعادك منه إلا أن يكون الذي أنت فيه أحب إليك"(21) . وكتب إلى الوليد بن عقبة وغيره، وكلهم أحابوه بالطاعة والاستعداد وحب الجهاد وتفضيله على أعمال الصدقات(22) .‏
                        5- توحيد الجيوش وتوحيد القيادة. وكان من خطة أبي بكر قتال الروم بجيش موحد، وذلك بأن تجتمع كل الجيوشالمتجهة نحو الشام) بجيش يضم أبا عبيدة وعمرو وشرحبيل ويزيد تحت قيادة خالد بن الوليد. ومما جاء في كتاب أبي بكر لأبي عبيدة بن الجراح: "بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد فإني قد وليت خالداً قتال الروم بالشام، فلا تخالفه، واسمع له، وأطع أمره، فإني وليته عليك، وأنا أعلم أنك خير منه، ولكن ظننت أن له فطنة في الحرب ليست لك، أراد الله بنا وبك سبل الرشاد، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته."(23) .‏
                        6- الاحتفاظ باحتياطي كبير في المدينة. كان أبو بكر يدفع هذا الاحتياطي تباعاً إلى جهة القتال، تبعاً لأهمية هذه الجبهة، وإمكانية العدو القتالية، وحجم القوى التي يقاتل بها(24) . وقد قيل: "مازال أبو بكر رضي الله عنه يبعث بالأمراء إلى الشام، أميراً، أميراً، ويبعث بالقبائل، قبيلة، حتى ظن أنهم قد اكتفوا، وأنهم لا يبالون ألا يزدادوا رجلاً.."(25) .‏
                        7- تركيز الجهود الرئيسة باتجاه دمشق، وذلك عندما تجتمع جيوش الروم، والقتال على جبهة عريضة، وبنقاط استناذ متصلة فيما بينها وبذلك عندما لا يكون للروم جمع. وتنفيذاً لهذا البند من الخطة فقد أصدر أبو بكر إلى جميع الجيوش أمراً بتركيز جهودها نحو دمشق وباتجاه فلسطين؛ وأما القتال على جبهة عريضة فقد تحرك كل جيش وتمركز بدءاً من الشمال، من حمص وحتى جنوبي الأردن بأربعة جيوش متصلة مع بعضها بعضاً(26) . ومن الطبيعي أن تبدأ القوات العربية مطبقة الانتشار ومتخذة مراكز انطلاق إلى الأراضي التي يحتلها الروم. تجمع هذا الجيش في معركة اليرموك الفاصلة واستطاع بهذا التمركز والتركيز أن يحقق نصراً ساحقاً(27) .‏
                        8- المسير مع توقع المعركة التصادمية. تلقى قادة الجيوش عند تحركهم من المدينة مهمة القتال في طريقهم مع توقع حدوث مصادمات مع العدو. فالطريق التي سيسلكونها ليست خالية من الروم، وعلى الجيوش المتحركة أن تكون يقظة حذرة، وأن تقاتل كل من يعترض طريقها حتى تصل إلى المكان الذي أرسلت إليه. وفعلاً فقد سار كل جيش واصطدم مع قوات من الروم. فهذا جيش يزيد بن أبي سفيان اشتبك مع الروم في قتال في عربة وفي دائن(28) وهذا مسير جيش أبي عبيدة الذي اصطدم أيضاً في طرقه مع الروم في مؤاب بعمان(29) . وهذا خالد بن الوليد الذي اقتحم عدة بلدان، وخاض عدة معارك في طريقه إلى بلاد الشام(30) . وهكذا ترى معي أن هذه المسيرات اصطدمت مع الروم في مناوشات لم تكن فاصلة، إلا أنها كانت تعيق سير تلك الجيوش حتى تصل إلى أمكنتها المحددة.‏
                        التحضير والإعداد لفتح الشام‏
                        لابد لكل جيش قبل أن يدخل المعارك، أو أن يبدأ في القتال من أن يعد إعداداً كاملاً، يستطيع من خلاله أن يكون قادراً، أو على الأقل مطمئناً لإحراز النصر.‏
                        1- الإعداد المعنوي. جمع أبو بكر المجلس العسكري، وذكرهم بفضل الجهاد، وطرح موضوع فتح الشام، فلم يتردد واحد منهم، بل أقر الجميع هذه الفكرة(31) ، ثم طرحها على مستوى القاعدة من الشعب في المدينة في شبه استفتاء فأوكلوا له الأمر، وفوضوا إليه أن يسيرّهم إلى حيث أراد(32) . وإن القائد الأعلى بهذا التصرف جمع القلوب ووحد الصفوف وقوى المعنويات، وزاد في إيمانهم وثقتهم بالقتال والجهاد في سبيل الله. ومما شجع المقاتلين، وجعلهم يتمتعون بمعنويات عالية هو الثقة المطلقة بالقائد، وفرضية الجهاد، والإيمان باللّه وبرسوله، وصدق الدعوة، واليقين بالنصر من عند الله، والانتصار الكبير الذي تحقق في قتال الردة، وفتح العراق، لأن الفتح يدفع بالناس إلى التطوع حباً في المشاركة، والأجر والثواب، أو طلباً للغنيمة والمال. منهم من يريد الدنيا، ومنهم من يريد الآخرة، لكنهم يلتقون بهدف واحد مشترك وهو القتال، وإن كان الأول أعف وأفضل، ولا أدل على ذلك من إقبّال الناس من مكة والمدينة والحجاز واليمن وغيرها على التطوع وخاصة بعد نجاح القوات العربية بأجنادين، وانتصارها على القوات الرومية(33) وكذلك حين قدم قادة اليمن بقبائلهم ومقاتليهم ونسائهم وأولادهم ملبين بذلك نداء القتال ودعوة الداعي، مستعدين للبذل والعطاء، معلنين الشهادة أو النصر(34) .‏
                        2- الإعداد المادي. لقد جاء المقاتلون بأموالهم يحملونها وبأسلحتهم يتقلدونها، وبخيولهم يمتطونها، وبزادهم وطعامهم يتزودون به. فلم ينقصهم أي شيء، جاؤوا جاهزين للقتال، على درجة كاملة من الاستعداد، وقد أعلنوا عن جاهزيتهم عندما وصلوا إلى المدينة أمام القائد الأعلى. وقد تأكد بنفسه عندما تفقدهم وبارك لهم وأعطاهم من حبه، وأثنى عليهم. وما عليه الآن إلا أن يأمرهم بالمسير والتوجه نحو بلاد الشام(35) . لم يقتصر هذا الإعداد على مستوى أهل اليمن فحسب بل شمل الأقطار العربية كلها، وبخاصة المدينة التي كانت مقراً ومستقراً للقيادة العليا في البلاد. لقد حث القائد الأعلى المواطنين والمقاتلين على بذل المال والنفس فقدموا كل ما عندهم(36) . ولئن شمل الإعداد المادي أول من شمل جيش يزيد بن أبي سفيان، إلا أن الجيوش التي تلت قد شملها الإعداد المادي أيضاً، فكان كل جيش بعد أن يحضر ويستكمل احتياجاته المادية يتوجه الوجهة التي أُمر بها(37) .‏
                        3- الإعداد البشري. لبى الناس نداء القتال، فأتت الوفود من كل حدب وصوب من اليمن ومن مكة وسائر بلاد العرب والمسلمين(38) . وأول عمل قام به القائد الأعلى في هذا المجال هو تنظيم هؤلاء الوفود، وقلبهم إلى تنظيم عسكري يتمشى مع فكرة القتال، ومع إمكانيات العدو، والأوضاع القبلية، والصفات القيادية التي كانت لكل قبيلة أميرها، قبيلة حمير يقودها أميرها ذو الكلاع الحميري، وقبائل طيء الحارث بن سعد الطائي، والأزد جندب بن عمرو الدوسي وغيرها(39) .‏
                        تبع نفس التنظيم الذي كان متبعاً من قبل في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم(40) . وكان أكبر تنظيم هو الألف وأقله هو العشرة، وكان يزيد أول قائد يتوجه بألف إلى بلاد الشام(41) .‏
                        4- الإعداد التدريبي. لاشك أن هذا النوع من التدريب يكتسب أهمية كبرى في تقرير مصير المعارك المقبلة بدءاً من أصغر وحدة وحتى أكبر تشكيل. فلقد كان المقاتل العربي المرشح للاشتراك في فتوح الشام مؤهلاً بكل هذه الصفات حيث كان خفيف الحركة، ذا لياقة بدنية عالية، متمرساً على الطعان والمبارزة والمطاردة، مجيداً لركوب الخيل واستخدام السيف(42) ، مدرباً على الحرب بالحرب، فهو الذي خاض معارك الدعوة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، واستمر في قتال أهل الردة، وكذلك في الجبهة العراقية، فكان هذا التدريب جامعاً لكل ما تقدم. ولهذا فإنه لا يحتاج إلا إلى التعرف والتدريب على ظروف المعركة وطبيعتها التي سيقاتل عليها في بلاد الروم، وكذلك التعرف على طبيعة المقاتلين الذين سيلقاهم عند المواجهة. وبهذا فإن أبا بكر كان يرسل الجيش تلو الآخر بمجرد اكتماله من الناحية التنظيمية لاعتقاده في أن هذا الجيش مدرب على كل أنواع القتال، وعنده القدرة على الصمود والاقتحام، وعنده اللياقة القتالية والمعرفة التامة بفنون الحرب المختلفة. إن القائد الأعلى مقتنع بالمستوى التدريبي الذي وصلت إليه القوات العربية، ولهذا فإنه كان لا يشير إلى هذه الناحية في توجيهاته. وتعليماته إلى المقاتلين؛ إنما كان يشير إلى النواحي المعنوية والإنسانية والحربية(43) .‏
                        معارك الفتح‏
                        لقد خاضت القوات العربية أثناء تقدمها لبلاد الشام معارك عديدة مهدت للفتح، كما مهدت لمعركة اليرموك. ولعل أهم هذه المعارك: معركة عربة. لما صدرت الأوامر إلى يزيد بن أبي سفيان أن يتحرك بجيشه من المدينة لملاقاة الروم في أرض الشام، وكان هذا القائد قد أمر أبا أمامة الباهلي أن يكون طليعة لهذا الجيش. فسار بطليعته حتى وصل موضعاً يقال له"عربة"(44) ، وفيه تحشد الروم، وكان في نيتهم وقف تحرك هذا الجيش أو تأخيره، أو إعاقة وصوله إلى بلاد الشام. وتقول بعض الروايات: إن الروم كانوا يتحشدون في تلك المنطقة بست تشكيلات يبلغ عدد كلّ تشكيل خمسمائة مقاتل أي بمجموع ثلاثة آلاف(45) . اشتبك أبو أمامة مع هذا الجمع، وقُتل أحد قادة التشكيلات.‏
                        لما رأى يزيد قائد الجيش العربي أن طليعة أبي أمامة الباهلي لم تكن متكافئة مع قوة الروم المتحشدة بتشكيلاتها الستة، أمر بتعزيز هذه الطليعة بخمسمائة مقاتل(46) ، وأصبح ميزان القوى 1 إلى 3، وبهذا التعزيز تمكن أبو أمامة أن يهاجم القوات الرومية بهذه النسبة، وهي نسبة المهاجم إلى المدافع التي لا تزال حتى الآن تؤخذ بعين الاعتبار أثناء الهجوم. كما أن ما تبقى من الجيش العربي مع يزيد خلف هذه الطليعة جاهزة للتدخل، مما يطمئن قائد الطليعة ويشجعه ويرفع من معنوياته ومعنويات جنوده. ترى لماذا لم يدخل يزيد بكامل جيشه ضد القوات الرومية المتحشدة وهي تتفوق على الطليعة؟ ذلك لأن يزيد وهو قائد مجرب لم يشأ أن يزج جميع قواته، بل طبّق مبدأً حربياً هو مبدأ الاقتصاد في القوى، وأدخل العدد الضروري والمناسب، ووقف يترقب الموقف، وينتظر النتائج، وظهر نصر أبي أمامة، وهرب الروم، وبدأت المطاردة، والتجأ الجيش المهزوم إلى مكان يقال له"دائن"(47) فتبعهم يزيد بجيشه ولم ينفصل عن القوات الرومية وظل على تماس مباشر معهم. وهنا في هذا المكان أعاد الجيش الرومي تنظيمه، وانضمت إليه بعض الحاميات الرومية، إلا أن ضيق الوقت، والقوات العربية في ظهورهم لم تسمح لهم بإعادة التنظيم، أو حشد القوى، فهاجمهم يزيد بكتلة واحدة بكامل جيشه فقضى عليهم(48) .‏
                        تعتبر هذه المعركة أول المعارك التي حصلت بين العرب والروم، بل أول اصطدام. وهنا حرص يزيد على كسر شوكة الروم من أول معركة، وفعلاً فإن هذا الاصطدام أوقع الرعب في قلوب الروم، وجرّأ العرب على اقتحام المواقع الرومية، وظلوا بعدها ينتقلون من نصر إلى نصر.‏
                        معركة أجنادين. لقد بشر بهذه المعركة أبو بكر الصديق قبيل وفاته(49) . هناك اختلاف بين المؤرخين في تاريخ حدوث هذه المعركة. فالطبري وابن كثير يقولان إنما حدثت في سنة 15/636(50) ؛ أما البلاذري واليعقوبي وغيرهما مثل بروكلمان والجنرال أكرم فيقولون إنها حدثت في تموز سنة 13/634(51) .‏
                        إننا بتحديد التاريخ سوف نحدد حدوثها قبل أو بعد وفاة أبي بكر الصديق. فإذا كانت في سنة 15/363، فهي معركة خارجة عن بحثنا، وإن كانت في سنة 13/634 فهي جديرة بالدراسة من الناحية العسكرية لأنها حدثت في زمن أبي بكر وفي السنة التي توفي بها(52) .‏
                        سار الجيش من بصرى ليعبر الأراضي الفلسطينية من الجهة الشرقية، ويعبر نهر الأردن الذي فجرت سدوده لتمنع اجتياز الجيش العربي إلى الضفة المقابلة، ولإعاقته عن التقدم، وتأخير وصوله إلى سهل أجنادين؛ لكن خالد بن الوليد لم تعجزه تلك العملية من العبور(53) ، لكي يلتقي بجيش عمرو بن العاص في هذا السهل إما قبل وصوله، أو أن يصلا بوقت واحد، وذلك لكي لا يتاح للقوات الرومية أن تنفرد بجيش عمرو وحده إذ لا يستطيع مجابهتها؛ أما إذا وصلت الكتلة الرئيسة بقيادة خالد المؤلفة من ثلاثة جيوش يمكنها أن تصمد أمام القوات الرومية حتى يصل جيش عمرو في حال تأخره. وعلى هذا فإن خالد كان يسرع في تحركه، واجتاز النهر بسرعة، وأعاقته بعض الوقت المياه المتفجرة التي كانت تشكل صعوبة أثناء التقدم لوجود الطمي والمستنقعات. كان على عمرو بن العاص ألا يتعرض إلى الجيوب والحاميات الرومية التي كانت منتشرة في الرملة والقدس وقيساريه وأجنادين(54) ، لكي يصل في الوقت المحدد. وفعلاً فقد استطاع عمرو أن يتجنب كل هذا، ويصل أرض المعركة من الجهة الجنوبية من وادي عربة.‏
                        وصلت قوات خالد قبل وصول عمرو واتخذت تراتيب القتال في مقابل تراتيب العدو(55) .‏
                        بلغ عدد الجيش العربي اثنين وثلاثين ألف مقاتل بقيادة خالد بن الوليد، فيما بلغ الجيش الرومي تسعين ألف مقاتل بقيادة وردان(56) .‏
                        بعد أن تقابل الجيشان، جرى تفقدهما واستعراضهما من قبل قياداتهما، وجرى تحريض كبير للرجال، وحث على القتال، والمصابرة والمجالدة(57) .‏
                        عين خالد القادة طبقاً للبنية العملياتية، فقد جعل على الميمنة عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وعلى الميسرة سعيد بن عامر، وعلى القلب معاذ بن جبل، وعلى الجناح الأيسر شرحبيل بن حسنة، وعلى الساقة يزيد بن أبي سفيان، وترك في يده الاحتياط المتحرك المؤلف من أربعة آلاف فارس، وأوكل الجناح اليميني إلى يزيد بالإضافة إلى مهمته(58) .‏
                        قــــــوات الــــروم‏



                        تصوير ص 145‏



















                        القوات العربية‏

                        كانت النسوة في هذه المعركة يشكلن الساقة، وقد تلقين مهمة من القائد العام(59) - بعد أن بث فيهن روح العقيدة والإيمان، وأثار في نفوسهن الشجاعة والإقدام- الدفاع عن الساقة، فلا يدعن للروم فرصة في المهاجمة، ولهذا فإن على كل واحدة أن تقوم بأخذ الاستعدادات اللازمة للقتال، ورد الهاربين من الجيش، فأخذن عهداً على تنفيذ هاتين المهمتين، ومضين يقاتلن ويرددن المتخاذلين(60) .‏
                        تعطى إشارة بدء القتال من القائد العام، ويحظر على كل قائد من القادة في الميمنة أو الميسرة أو أي مقاتل أن يحمل على العدو إلا بإيعاز من خالد بن الوليد(61) ، وكذلك فإنه أوعز بأخذ الاستعدادات النهائية للقتال، وأن يتهيأ المقاتلون، ويجردوا السيوف، ويوتروا القسي، ويفوقوا السهام(62) .‏
                        كان القائد العام يعطي التعليمات من مقر قيادته التي كانت في القلب، وكان الأركان معه في هذا المقر منهم عمرو بن العاص وعبد الله بن عمر وقيس بن هبيرة ورافع بن عميرة وغيرهم(63) ، وكانت مهمتهم مساعدة القائد في اتخاذ القرار، وذلك بإعطاء المعلومات الصحيحة عن العدو، وإبداء المشورة، وقيادة التشكيلات المقاتلة.‏
                        جرت مفاوضات مطولة قبل بدء القتال؛ لكن القائد العام أصر على القتال إن لم تحقق أحد المطالب الثلاثة الإسلام، أو الجزية، أو القتال، فأبى الروم وآثروا القتال(64) .‏
                        تقدم نبالة العدو، وبدأوا يمطرون المسلمين بوابل من سهامهم، فقتل وجرح عدد منهم، وسارت الأمور لصالح الجيش الرومي(65) .. لكن المبارزة حولت الأمور لصالح الجيش العربي إذا انطلق ضرار بن الأزور فبارز بعض القادة من الروم، ثم شق صفوفهم فقتل منهم عدداً كبيراً(66) . وكذلك فإن ضرار أرسل بمهمة استطلاعية قبل أن يقوم بالمبارزة، فذهب عاري الصدر فوصل إلى معسكر يشرف على معسكر الروم، فأحسوا به، فأرسلوا في طلبه، فاستدرج الجنود بعيداً عن الثكنة، واشتبك معهم، فقتل منهم، وفر الباقون، ورجع من مهمته وقدم تقريراً شفهياً بذلك(67) .‏
                        طالما أن العدو متفوق في العدد، فإن خالد بن الوليد وسع جبهة جيشه ليمنع الجيش الرومي من الالتفاف، كما شكل مجموعات قتالية على الجناحين لتزيد من طول الجبهة، وشكل القلب والمجنبتين والاحتياط، وعين القيادات المختلفة.(68)
                        بعد منتصف النهار أمر القائد العام بالهجوم العام، وهنا دارت المعركة بالسيف، وكان الموقف حسناً لصالح المسلمين، وانقضى النهار، وانفصل الجيشان عن بعضهما(69) .‏
                        استؤنف القتال في اليوم التالي على أشلاء القتلى والجرحى الكثيرين الذين كانوا من الجانب الرومي، وذهل العدو من هذه الخسائر، فأراد قائد الجيش الرومي أن يدبر خطة لقتل خالد بن الوليد وهي أن يطلب الصلح ويرسل شخصاً لهذه الغاية، وبنفس الوقت يكمن عدة جنود عندما يبدأ التفاوض على الصلح، ثم ينقضوا خلال هذه الفترة، انقضاض رجل واحد على قائد الجيش العربي؛ لكن الخطة فشلت عندما نقل هذه المعلومات مقاتل من الجيش الرومي إلى خالد بن الوليد الذي أرسل مباشرة فور تلقيه هذا النبأ ضرار بن الأزور في عشرة من المقاتلين، وقضوا على الكمين. وحين حان وقت المفاوضة للسلام الخادع تقدم وردان قائد الجيش الرومي لينفذ المؤامرة، وهو لا يعلم مصير مجموعة الكمين التي أبيدت، وفوجئ بضرار وعشرة مقاتلين معه فارتعدت فرائصه ووقع في الفخ، وأومأ خالد إلى ضرار بقتل وردان فقتله(70) . والتحم الجيشان ودارت معركة حامية بذل الفريقان أقصى ما يستطيعان من جهد، ولما رأى خالد هذا الوضع زج الاحتياطي المؤلف من أربعة آلاف فارس، واستطاع أن يخترق صفوف العدو في عدة أماكن(71) ، كما أمر مجموعة فدائية أن تصل إلى القيادة الرومية وتقتل قائدها"القبقلار" الذي استلم القيادة بعد مقتل"وردان"، وتمكنت هذه المجموعة من أن تصل إلى القلب وتقتل القائد العام، فلما قتل قائدهم مالت الكفة لصالح المسلمين، وانهزم الروم في ثلاثة اتجاهات إلى غزة، وإلى يافا، والقوة الرئيسة اتجهت إلى القدس. وهنا بدأت مطاردة الجيش المنهزم وقتل منه العدد الكبير(72) .‏
                        كان بإمكان الجيش الرومي أن يقوم بحركة التفاف على مجنبات الجيش العربي لأنه كان متفوقاً بالعدد وبكثرة الخيل؛ لكنه لم يستطع لأن خالد بن الوليد قوى المجنبتين وعززهما، ومنع كل التفاف قد يحدث، كما قابل العدد الكبير على طول المواجهة بامتداد الجبهة كلها، وكذلك كان بإمكان الجيش الرومي أن يستخدم السلاح الطويلالنبال) الذي كان يتفوق به على الجيش العربي؛ لكن خالداً قلب هذا التفوق لصالحه إذ استخدم المبارزة ليقطع وليبطل مفعول السلاح الطويل. وبمجرد التفوق بالمبارزة، انقلبت المعركة لصالحه وحولها إلى تماس مباشر مع العدو بالأسلحة القريبة كالسيف والترس.‏
                        من عادة خالد بن الوليد أن يستخدم المجابهة عندما يتأكد من نجاحها؛ وأن يستخدم التطويق عندما يكون ناجحاً. ففي هذه المعركة استخدم المجابهة بالاعتماد على خفة الحركة في جنوده، وحسن استخدامهم للسيف وللأسلحة القريبة.‏
                        إن الاحتياط ضروري للقائد يستخدمه عند الضرورة. وهذا المبدأ لا يزال ذا أهمية حتى في الوقت الحاضر، فقد حرص خالد أن يستخدمه لاستثمار النصر في الوقت المحدد وفي المكان المحدد.‏
                        لقد كان القائد العام للجيش العربي الإسلامي في هذه المعركة حريصاً كل الحرص على أن يوقت مراحل المعركة المتتالية، فهو لم يأذن بمهاجمة الروم بالرغم من تفوقهم بادئ الأمر بالنبال، وإنما أخّر الهجوم إلى ما بعد منتصف النهار، وأمر قائد القلب معاذ-الذي هم بالهجوم- ألا يهاجم، كذلك فقد أرجأ الهجوم العام إلى ما بعد نجاح الخطة التكتيكية التي قتل فيها وردان قائد الجيش الرومي.‏
                        من المعروف في القتال القديم والحديث أن المطاردة تبدأ عندما ينتصر جيش على آخر بعد معركة ناجحة. ومن شروط المطاردة أن تكون القوات المطاردة على تماس مع القوات المنهزمة، وأن تتعقبها فلا تترك لها مجالاً لإعادة تنظيمها، أو الانضمام إلى قطعة أخرى. فقد كان خالد بن الوليد من أمهر القادة في تنفيذ هذا النوع من القتال، وبالإضافة إلى ذلك فقد استطاع تجزئة الفلول المنهزمة ليسهل عليه تدميرها وقتلها، حيث قسمها إلى ثلاثة أجزاء فرت إلى جهات مختلفة(73) .‏
                        إن العنف من صفات هذا القائد العربي إذ اشتّهر في حروبه بهذه الميزة. فقد كان حازماً في إعطاء الأوامر، ساهراً على تنفيذها، عنيفاً في مهاجمة العدو إذ لم يترك له وقتاً ليلم شعثه، أو يجمع قتلاه من أرض المعركة. وكان قاسياً عندما أمر أن تفتح السهام بوقت واحد. على طول جبهة القتال فقال: "لتكن السهام إذا خرجت من أكباد القسي كأنها قوس واحدة فإذا تلاصقت السهام رشقاً كالجراد لم يخل أن يكون فيها سهم صائب"(74) .‏
                        كانت الشؤون الإدارية في هذه المعركة كالعادة مؤلفة من النساء والأولاد والمؤن والحراسات، والاحتياجات التي لا تتطلب قوافل إمدادية، أو تعيق في التقدم، أو تحد من حركة القوات المقاتلة. وكان يرأس المؤخرة في هذه المعركة يزيد بن أبي سفيان الذي نظم الحراسة والوقاية والدفاع عن الساقة من النساء اللواتي كلفن بهجمات قتالية وإدارية(75) .‏
                        كانت الخسائر البشرية في الجانب الرومي خمسين ألفاً، فيما كان من الجانب العربي أربعمائة وخمسين قتيلاً(76) .‏
                        لقد مهدت هذه المعركة الطريق إلى الفتوحات البعيدة في بلاد الشام، وحدثت معارك بعدها أهمها معركة اليرموك التي كانت من المعارك الفاصلة في التاريخ، وانحسر الروم عن الأرض العربية، وحاولوا عبثاً الصمود أمام الجيوش الفاتحة، لكنهم لم يستطيعوا الوقوف أمام السيل المندفع(77) .‏
                        معركة فحل. بعد أجنادين، توجه الجيش العربي إلى فحل. وقد حدثت معركة في تلك المنطقة بين العرب والروم سنة 13/634(78) . وكان يوم فحل يسمى"يوم الردغة" أو"يوم بيسان"(79) . لأن المقتلة الكبيرة للروم كانت في الرداع، قتل منهم يومئذ ثمانون ألف قتيل(80) .‏
                        سارت الجيوش إلى فحل(81) ، وفُجرت المياه، وامتلأ سهل بيسان، وحوصرت المدينة، وهوجمت من أطرافها، فوقع أكثر الروم في الوحل وقضي عليهم(82) . وبعد هذا النجاح تحركت القوات إلى مرج الصفر، بعد أن تركت القيادة العامة قوة عسكرية لهذه المدينة مهمتها منع القوات الرومية من التحرك نحو دمشق، وضع التعزيزات من الوصول إلى المدينة.‏
                        معركة مرج الصفر. حدثت هذه المعركة في سنة 13/634(83) . واختلف في هذا التاريخ، كما اختلف في تواريخ المعارك السابقة لها واللاحقة. سارت القوات العربية من فحل باتجاه دمشق، واتبعت في تحركها الطريق الموصل إلى الكسوة، دمشق. وفي منطقة الكسوة يمتد مرج الصفر الذي يمر من أسفله نهر الأعوج فيسقي البساتين التي من حوله. اصطدمت طلائع الجيش العربي الإسلامي بقوة كبيرة من الروم في هذا المرج تبلغ اثني عشر ألف جندي بقيادة"كولوس" مهمتها إنذار قيادة مدينة دمشق بالخطر، وتأخير القوات العربية ريثما تستعد المدينة للدفاع عن نفسها، وحتى يمكن تحصينها، وإغلاق الأبواب، واتخاذ إجراءات الدفاع(84) .‏
                        انتشرت وفتحت القوات العربية الإسلامية من الجهة الجنوبية والشرقية، وامتدت القوات الرومية من الجهة الشمالية والغربية وبدأت المبارزة التي نجحت فيها القوات الجنوبية، وانبرى بعض القادة لخصومهم ونظرائهم، ونزل خالد بن الوليد لمبارزة"كولوس" القائد الرومي فأسر، وتقدم النائب الأول لهذا القائد المأسور وهو"أدادير" وجرت عدة محاولات أسر في نهايتها أيضاً(85) .‏

                        بعد المبارزة انهارت معنويات المقاتلين الروم، واستغل الجيش العربي الإسلامي هذه البادرة فهاجم خصمه من الأجنحة والقلب، واستطاع أن يتفوق عليه، ويضطره إلى ترك أمكنته والانسحاب نحو دمشق. وزحف الجيش العربي نحو دمشق، وفرض عليها الحصار.‏
                        حصار وفتح دمشق. اختلف المؤرخون كعادتهم في حصار وفتح دمشق. فقد ذكر الواقدي والطبري أنها فتحت في سنة 13/634(86) ؛ أما الأزدي فقد قال إنها فتحت في سنة 14/635، وقد حدد يوم الأحد لثلاثة عشر شهراً من إمارة عمر بن الخطاب، فإذا كان عمر تولى الإمارة في مساء يوم 21 جمادى الثاني، فإن الفتح يكون قد تم في جمادى الأولى الأحد الموافق في 25 حزيران(87) ؛ أما البلاذري والأوزاعي واليعقوبي وابن الجوزي ودحلان وابن عساكر وهرتمن وهيار ولا منس وبكر فقد اتفقوا على أن دمشق فتحت في سنة 14/635(88) في شهر رجبآب- أيلول). وفي تاريخ الأزدي وابن خياط وهؤلاء جميعاً شبه إجماع. وإذا عدنا إلى مدة الحصار فإن بعض المؤرخين كاليعقوبي قد ذكر أن مدة الحصار كانت سنة كاملة(89) ؛ أما ابن خلدون فقد ذكر أن مدة الحصار ستة أشهر(90) ؛ وأما البلاذري فقد اعتبر مدة الحصار أربعة أشهر(91) ؛ وأما ابن الأثير فقد ذكر مدة الحصار سبعين ليلة(92) . ولعل بعض المؤرخين يرجحون أن تكون مدة الحصار ستة أشهر منهم أبو معشر وابن الكلبي وهرتمن ودي غوبي. ومعنى ذلك أن الحصار كان في شهر المحرم سنة 14 وانتهى بسقوط دمشق في شهر رجب في السنة نفسها(93) . وإذا اعتُمد قول الأزدي أنها فتحت يوم الأحد في 21 جمادى الثاني، وقد سبق ذلك حصار دام ستة أشهر فمعنى ذلك أن الحصار وقع في سنة 13/634، وأن الفتح وقع في سنة 14/635، أي أن الحصار أو جزءاً منه تم في عهد أبي بكر الصديق، وأن الفتح قد تم في عهد عمر بن الخطاب. وهذا ما تؤكده رسالة العزل التي بعث بها عمر الأمير إلى أبي عبيدة القائد العام للجيش، بعزل خالد عن القيادة العامة وتولية أبي عبيدة، فوصلت والعرب محاصرون لدمشق(94) . وكذلك قول اليعقوبي في أن المدينة قد حوصرت قبل موت أبي بكر(95) .‏
                        دمشق قبل الفتح كانت محددة من الشرق بباب شرقي ومن الغرب بباب الجابية، ومن الشمال بباب توما ومن الجنوب بباب الصغير. فهي مَدْحِيّة كالبيضة لا يكاد بعدها من الرأس إلى العقب يتجاوز1500)م وبعدها من البطنين لا يتجاوز1000)م، يحيط بالمدينة سور من الحجارة الكبيرة المربعة، يبلغ ارتفاع هذا السور عشرين قدماً وسمكه خمسة عشر، وكل خمسين خطوة توجد أبراج وشرفات وفتحات لرمي السهام والأحجار ضد المهاجمين أو المقتحمين. وأمام السور خندق مملوء بمياه نهر بردى يتراوح عرضه من 10-15 قدم. إذاً أمام الجيش العربي عدة موانع المياه والسور القوي، والرجال المدافعون من داخل الحصن، والأبواب الحديدية الضخمة المصفحة والتي إذا ما أغلقت صعب على الفاتحين أن يفتحوها أو يخرقوها وهذه الأبواب محيطة بالمدينة من جميع جهاتها: باب شرقي، باب توما، باب الفراديس، باب الجابية، باب الصغير، باب كيسان(96) .‏
                        هذه الأنواع من الموانع تحتاج إلى تجهيزات خاصة، ترى هل كان الجيش العربي يملك مثل هذه التجهيزات وأهمها السلالم والمنجنيقات على اختلافها والدبابات على اختلافها؟ لقد ثبت أن هذا الجيش لا يملك وقتئذ مثل هذه الأعتدة والأسلحة، وإإنما كان يملك بعض الحبال... والقرب التي لا تؤدي بالغرض المطلوب(97) ، صحيح أن العرب كانوا غير مجهزين بأعتدة وأسلحة ضد الحصون والقلاع إلا أنهم يجيدون فن الحصار، وأهمها الابتعاد عن مرمى الأسلحة المعادية، وقطع التموين والمياه عن المدينة، ومسك الطرق المؤدبة إلى دمشق فلقد كان أبو الدرداء ومعه مجموعة من الجند يرابطون على طريق برزة في الجهة الشمالية من المدينة(98) ، وكان ذو الكلاع الحميري مع مجموعه أيضاً ترابط على طريق دمشق حمص الجهة الشرقية من المدينة(99) ، وكان علقمة بن حكيم ومسروق العبسي مع مجموعة ترابط على طريق دمشق فلسطين(100) باتجاه الجنوب. إذاً الجهات الثلاث والطرق المؤدية إلى دمشق أمسكها الجيش العربي ليمنع كل الإمدادات بالرجال أو بالعتاد من وصولها إلى دمشق، وليحمي ظهور المقاتلين العرب. هذا هو فن الحصار الذي أجاده العرب وجربوا به في حصار بني قينقاع وبني النضير وقريظة وخيبر والطائف قبل أن يحاصروا هذه المدينة، ثم إن خالد بن الوليد وعياض بن غنم اللذين فتحا حصون العراق وجنودهما كانوا على علم تام بهذا الفن، ومن الفن أيضاً الذي طبق وجرب ذلك الهجوم الجبهي في حال الظفر بالعدو، أو إطالة مدة الحصار. ففي هذه المدينة طبق الجيش العربي هذا وذاك كما سنرى فيما بعد.‏
                        أمرت القيادة العامة للجيش العربي الإسلامي بحصار مدينة دمشق بقوة تقدر باثنين وعشرين ألف مقاتل، يقابله عدد مماثل من المدافعين الروم عن المدينة. حوصرت المدينة من كل اتجاهاتها، واستولي على ضواحي هذه المدينة، ورابطت القوى على كل مداخلها من المحاور الخارجية، ووزعت قطاعات وأبواب المدينة: باب الجابية لأبي عبيدة بن الجراح، باب شرقي لخالد ابن الوليد، باب الفراديس لعمرو بن العاص، الباب الصغير ليزيد بن أبي سفيان، باب توما لشرحبيل بن حسنة101).‏
                        أعطى القائد العام المهام لقادة القطاعات، ووزع القوى والوسائط، وأمرهم بتطبيق شروط الحصار وفنه الذي أسلفنا فيه التكلم. ثم حدد لهم نقطة الإزدلاف بعد الفتح، كما وضعت الحراسات المتحركة والثابتة والمراقبين والأرصاد للإعلام عن كل ظاهرة، أو تحرك مريب.‏
                        اشتد الحصار على المدينة، وطال أمده، ونفذ صبر المدافعين، فأرسلوا يطلبون النجدة والاستغاثة بهرقل ملك الروم، وعلى الفور شكل جيشاً من الشمال وأمره بمتابعة المسير باتجاه دمشق لإنقاذها. ووصلت معلومات عن هذا الزحف الذي يبلغ اثني عشر ألفاً مقبلين من الشمال، ومارين بحمص. وعلى الفور أصدر القائد العام أمراً إلى ضرار بن الأزور أن يتحرك فوراً، ويرابط على الطريق الشمالية في"بيت لاهية" بالقرب من ثنية العقاب، وأن يتصدى لكل النجدات التي تأتي من هذا الاتجاه، وأن ينظم الكمائن، ويهاجم القوات المتقدمة، ويوقف زحفها. واشتبك ضرار مع هذه القوة التي تتفوق عليه في العدة والعدد، ولم يستطع أن يوقف تقدمها إلا قليلاً، وأسر ضرار، وكادت المعركة تنتهي بانتصار الروم لولا أن خالد بن الوليد القائد العام- لما علم بنتائج الاصطدام- اتخذ عدة إجراءات منها التعديل في قوام القوة المحاصرة، ثم أسند قيادة القوات في المدينة إلى أبي عبيدة، واتجه شمالاً مع أربعة آلاف خيال لإنقاذ الموقف. ومن الحركة دخل المعركة بالتعاون مع رافع الذي استلم القيادة بدلاً من ضرار الذي أسر. وفي اليوم التالي أعاد تجميع قواته وتنظيمها التي بلغت حوالي عشرة آلاف مقاتل، التي تكافأت مع قوة الروم، واستطاع خالد أن يتغلب على أعدائه، فانسحبوا مذعورين وعادوا من حيث أتوا، وبقي عليه تخليص ضرار من الأسر، فأرسل رافع في مجموعة كمنوا أمام المنسحبين في طريق حمص، فأتوا بضرار، وعادت المجموعة وأخذت مهمتها التي كانت من قبل، وعاد خالد لتوه لمعاودة الحصار على دمشق.‏
                        ابتدأت مرحلة جديدة من الحصار، وخاب أمل توماس الرومي قائد مدينة دمشق بوصول النجدات، وبالمقابل فإن معنويات الجيش العربي الإسلامي ارتفعت، بعد أن زفت لهم البشرى بالانتصار، وحاول توماس جاهداً للتخلص من هذا الحصار إما بالهجوم، أو التأثير على قوات العرب المسلمين؛ لكن جميع محاولاته باءت بالفشل الذريع بالرغم من حدوث خسائر في قطاع باب توما وبعض القطاعات الأخرى102).. ولما وصل إلى هذا الحد مال إلى المصالحة.‏
                        الموقف بين الطرفين قبيل الهجوم على المدينة واقتحامها: فالقوات العربية تملك من وسائل عبور الخندق القِرَبَ103)التي ينفخها المقاتل ثم يسبح بها ليصل السور كما يملك الحبال104) التي تساعده على تسلق السور. معنويات المقاتل العربي مرتفعة، وتصميمه على القتال كان ظاهرة مميزة105)، وإيمانه بالنصر كان له حافزاً على تخطي جميع العقبات والصعاب، كما أن القوات العربية كانت تجيد تطبيق فن الحصار على دمشق حيث قطعت المؤن، ورابطت في كل اتجاه، ومنعت النجدات، وقطعت كل أمل للمدافعين إلا أن يستسلموا؛ أما القوات الرومية فقد أصابها الانهيار من طول الحصار، وقطع المواد التموينية، وشعر المدافعون بنقص بالاحتياجات المادية، وبدا على قادتهم اليأس والملل من الحصار، وضعفت مقاومتهم عندما شعروا بأن النجدة التي أرسل بها هرقل لم تستطع الوصول إلى دمشق. في هذا الموقف، وفي هذا الوقت بالذات، شعرت القيادة، العربية أنه قد حان الأوان لمهاجمة المدينة، وشعر خالد بالذات بهذا الموقف الملائم فأمر بعبور الخندق المملوء بالمياه، فعبرت هذه القوة من باب شرقي، ثم أمر باعتلاء السور بواسطة الحبال والاعتماد على الذات وعلى الإخوة المقاتلين، وتقدم الأبطال الشجعان مثل القعقاع ومذعور بن عدي وغيرهما ممن استطاعوا أن يفتحوا باب شرقي، وأن يندفعوا نحو وسط المدينة106). لكن توماس أسرع باتجاه باب الجابية لكي يستقبل أبا عبيدة ويقبل شروط التسليم، ودخل أبو عبيدة بسلام، ودخل خالد بحرب، ودخلت القوات، وفتحت الأبواب جميعها، وتم الاتفاق على بنود السلام، وعلى أن يُدفع عن كل رأس دينار واحد، وعلى أن يخرج المقاتلون ومن معهم بكل ما يريدون من أمتعة107). لكن خالد بن الوليد رأى أن تعاد هذه المواد فتبعهم بخيالته وأدركهم"بمرج الديباق"108) واستطاع الانتصار عليهم، وإعادة الغنائم والسبايا ثم عاد إلى دمشق مقر قيادته109).‏
                        (1) الدواداري- الدر الثمين: 3/161.‏
                        (2) الأزدي- فتوح الشام: 53 وما بعدها، البلاذري- فتوح البلدان: 242.‏
                        (3) البلاذري- فتوح البلدان: 150، الخضري، إتمام الوفاء: 54 وما بعدها.‏
                        (4) ابن حنبل- المسند: 2/99، 119، ابن عساكر- تاريخ مدينة دمشق: 1/49.‏
                        (5) ابن عساكر- تاريخ مدينة دمشق: 1/134.‏
                        (6) الأزدي- فتوح الشام: 111.‏
                        (7) سورة التوبة- الآية: 123.‏
                        (8) الأززدي- فتوح الشام: 119.‏
                        (9) أبو يوسف- الخراج: 22، ابن خياط- تاريخ ابن خياط: 119، البلاذري- فتوح البلدان: 150، كمال- الطريق إلى دمشق: 159، عبد الحميد- معارك العرب الحاسمة: 24، 25.‏
                        (10) البلاذري- فتوح البلدان:116- 117، طبعة دار الكتب العلمية ببيروت 1983.‏
                        (11) الواقدي- فتوح الشام: 1/13، الأزدي- فتوح الشام: 68، كمال- الطريق إلى دمشق: 239.‏
                        (12) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/ 586.‏
                        (13) البلاذري- فتوح البلدان: 150.‏
                        (14) الأزدي- فتوح الشام: 8 .‏
                        (15) الأزدي- فتوح الشام:9-16-39 وما بعدها.‏
                        (16) البلاذري- فتوح البلدان 115.‏
                        (17) الأزدي- فتوح الشام: 39 وما بعدها.‏
                        (18) البلاذري- فتوح البلدان: 117.‏
                        (19) البلاذري- فتوح البلدان: 150، الخضري- إتمام الوفاء: 54 وما بعدها.‏
                        (20) الأزدي- فتوح الشام: 4، 5.‏
                        (21) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/587، 588.‏
                        (22) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/588.‏
                        (23) الأزدي- فتوح الشام: 86.‏
                        (24) الأزدي- فتوح الشام: 39، 41.‏
                        (25) الأزدي- فتوح الشام: 52.‏
                        (26) البلاذري- فتوح البلدان: 150، كمال- الطريق إلى دمشق: 159.‏
                        (27) الأزدي- فتوح الشام: 217.‏
                        (28) الأزدي- فتوح الشام: 52، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/405، الحموي- معجم البلدان: 2/417، 4/96.‏
                        (29) الأزدي- فتوح الشام: 29.‏
                        (30) الأزدي- فتوح الشام: 63 وما بعدها.‏
                        (31) الدواداري- الدر الثمين: 3/162.‏
                        (32) الواقدي- فتوح الشام:1/2، الدوادري- الدر الثمين: 3/165.‏
                        (33) الواقدي- فتوح الشام: 1/37.‏
                        (34) الواقدي- فتوح الشام: 1/3.‏
                        (35) الواقدي- فتوح اللشام: 1/3.‏
                        (36) الواقدي- فتوح الشام: 1/ 2-4.‏
                        (37) الواقدي- فتوح الشام: 1/7 وما بعدها، البلاذري- فتوح البلان: 150.‏
                        (38) الواقدي- فتوح الشام: 1/3-6.‏
                        (39) الواقدي- فتوح الشام: 1/3-4.‏
                        (40) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/8.‏
                        (41) الواقدي- فتوح الشام: 1/4.‏
                        (42) الجاحظ- البيان والتبيين: 3/7، 10، 12.‏
                        (43) انظر إلى توجيهات القائد الأعلى إلى يزيد بن أبي سفيان عندما أمره بالتحرك لمحاربة الروم عند الواقدي- فتوج الشام: 1/4.‏
                        (44) عربة، موضع بأرض فلسطين. ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/405، الحموي- معجم البلدان: 4/96، ابن كثير- البداية والنهاية: 7/4.‏
                        (45) ابن الأثير -الكاامل في التاريخ: 2/406، االواقدي - فتوح الشام: 1/36‏
                        (46) ابن الأثير -الكامل في التاريخ: 404-406- االواقدي -فتوح الشام:1/37‏
                        (47) دائن. قرية من قرى فلسطين قريبة من غزة انظر الحموي- معجم البلدان: 2/417.‏
                        (48) الأزدي- فتوح الشام:52.‏
                        (49) ابن عساكر- تاريخ مدينة دمشق: 1/483.‏
                        (50) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 3/101، ابن كثير- البداية والنهاية: 7/51،54.‏
                        (51) الواقدي- فتوح الشام: 1/37، البلاذري فتوح البلدان: 157، ابن واضح- تاريخ اليعقوبي: 2/113، ابن عساكر- تهذيب تاريخ دمشق الكبير: 1/145، حداد- فتح العرب للشام44: أكرم- سيف الله: 363. بروكلمان - تاريخ الشعوب الإسلامية: 94، غلوب -الفتوحات العربية الكبرى: 261‏
                        (52) الواقدي- فتوح الشام: 1/37، البلاذري- فتوح البلدان: 157، ابن عساكر- تاريخ مدينة دمشق: 1/521.‏
                        (53) بروكلمان- تاريخ الشعوب الإسلامية: 94.‏
                        (54) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 3/101، 102، العسلي فن الححرب: 107، كمال -الطريق إلى دمشق: 277 وما بعدها.‏
                        (55) ابن واضح- تاريخ اليعقوبي: 2/112، الديار بكري- تاريخ الخميس: 2/234..‏
                        (56) دحلان- الفتوحات الإسلامية: 1/32.‏
                        (57) الواقدي- فتوح الشام: 1/30، 31، ابن عساكر- التاريخ الكبير: 1/144.‏
                        (58) الواقدي- فتوح الشام: 1/31، ابن أعثم- الفتوح: 1/145.‏
                        (59) ابن أععثم- الفتوح: 1/145.‏
                        (60) الواقدي- فتوح الشام: 1/31، الأزدي- فتوح: 90.‏
                        (61) الواقدي- فتوح الشام: 1/31.‏
                        (62) الواقدي- فتوح الشام: 1/31.‏
                        (63) الواقدي- فتوح الشام: 1/31.‏
                        (64) الواقدي- فتوح الشام: 1/31، 32، 36.‏
                        (65) الأزدي- فتوح الشام: 91، ابن أعثم- الفتوح: 1/147.‏
                        (66) الواقدي- فتوح الشام: 1/32.‏
                        (67) الواقدي- فتوح الشام: 1/35، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/234.‏
                        (68) الديار بكري- تاريخ الخميس: 2/234.‏
                        (69) الديار بكري- تاريخ الخميس: 2/234.‏
                        (70) الواقدي- فتوح الشام: 1/35، 36، الأزدي- فتوح الشام: 91.‏
                        (71) الواقدي- فتوح الشام: 1/37، الأزدي- فتوح الشام: 91.‏
                        (72) الواقدي- فتوح الشام: 1/36، 37.‏
                        (73) الواقدي- فتوح الشام: 1/36، 37.‏
                        (74) الواقدي- فتوح الشام: 1/31.‏
                        (75) الواقدي- فتوح الشام: 1/31.‏
                        (76) الواقدي- فتوح الشام: 1/37.‏
                        (77) الواقدي- فتوح الشام: 1/37 وما بعدها.‏
                        (78) الذهبي- تاريخ الإسلام: 1/337، ابن عساكر- تهذيب تأريخ دمشق الكبير: 1/144، 145.‏
                        (79) الحموي- معجم البلدان: 4/237، ابن عساكر- تهذيب تاريخ دمشق الكبير: 1/145.‏
                        (80) الحموي- معجم البلدان: 4/237، ابن عساكر- تهذيب تاريخ دمشق الكبير: 1/145.‏
                        (81) ابن أعثم- الفتوح: 1/189 وما بعدها.‏
                        (82) الطبري تاريخ الأمم والملوك: 2/628، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/165.‏
                        (83) ابن خياط- تاريخ ابن خياط: 120، ابن عساكر- تاريخ مدينة دمشق: 1/481، كمال- الطريق إلى دمشق: 229.‏
                        (84) ابن أعثم- الفتوح: 1/150.‏
                        (85) الواقدي- فتوح الشام: 1/19- 21، كمال- الطريق إلى دمشق: 291 وما بعدها.‏
                        (86) الواقدي- فتوح الشام: 1/59، 79، 85، الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/589.‏
                        (87) الأزدي- فتوح الشام: 106، مختار باشا- التواريخ الهجرية: 1/45.‏
                        (88) حداد- فتح العرب للشام: 93.‏
                        (89) ابن واضح- تاريخ اليعقوبي: 2/140 إصدار دار صادر بيروت بدون تاريخ..‏
                        (90) حداد- فتح العرب للشام: 95.‏
                        (91) البلاذري- فتوح البلدان: 130.‏
                        (92) ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/428.‏
                        (93) حداد- فتح العرب للشام: 95، 96.‏
                        (94) الأزدي- فتوح الشام: 102 وما بعدها.‏
                        (95) ابن واضح- تاريخ اليعقوبي: 2/139 إصدار دار صادر بيروت، بدون تاريخ‏
                        (96) حداد- فتح العرب للشام: 57-61، أبو خليل- أطلس التاريخ العربي: 36.‏
                        (97) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/626، 627.‏
                        (98) البلاذري- فتوح البلدان: 121.‏
                        (99) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/626.‏
                        (100) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/626.‏
                        101) الأزدي- فتوح الشام: 94، ابن واضح تاريخ اليعقوبي: 2/140، ابن أعثم الفتوح: 1/194.‏
                        102) الأزدي- فتوح الشام: 96 وما بعدها، غلوب- الفتوحات العربية الكبرى: 275.‏
                        103) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/626 وما بعدها‏
                        104) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/626، 627.‏
                        105) حداد- فتح العرب للشام: 98.‏
                        106) الأزدي- فتوح الشام: 104.‏
                        107) حداد- فتح العرب للشام: 88 وما بعدها، 92.‏
                        108) مرج الديباق. ويقال له أيضاً"مرج الديباج" وهو واد يقع بين الجبال، بينه وبين المصيصة عشرة أميال. والمصيصة قرية من قرى دمشق قريبة من بيت لهيه. انظر الحموي- معجم البلدان: 5/101، 144.‏
                        109) الواقدي- فتوح الشام: 73 وما بعدها، حداد- فتح العرب للشام: 90.‏

                        تعليق


                        • #13
                          رد: الرّيادة فـي حـروب وفتوحات أبي بكر الصّديق

                          مخطط حصار دمشق وفتحها
                          1- الحصار‏


                          تصوير ص 155‏

                          مخطط حصار دمشق وفتحها‏
                          2- الفتح‏


                          تصوير ص 156‏

                          مسير الجيوش والمعارك التّصادميّة‏
                          بعد أن أعلنت التعبئة، وأعدت وأحضرت الجيوش، وجهزت بالأعتدة والأسلحة، أمر القائد العام بإرسال الجيوش، وتحركها باتجاه الشام، بعد أن تلقى كل جيش مهمته التي كلف بها.‏
                          جيش يزيد بن أبي سفيان. تحرك أول جيش من المدينة بتاريخ الأول من صفر الموافق الأول من نيسان سنة 13/634 باتجاه دمشق. فسلك المحور: المدينة، وادي القرى، تبوك، الجابية، دمشق(1) .‏
                          إن هذا التحرك سيكون محفوفاً بالمخاطر، وسيلاقي هذا الجيش بعض الجيوب من الروم المبثوثة هنا وهناك، والقوى المعادية التي جمعت نفسها وأسرعت لتحول دون هذا التحرك أو التقدم، وسينتبه الروم إلى خطورة العرب الزاحفين من الجزيرة إلى بلاد الشام، ولذا فإنهم سيعدون العدة، ويجمعون الجموع، ويحاولون جهدهم لمنع هذا الجيش من التوغل في أراضيهم، أو احتلال جزء منها(2) .‏
                          كان على يزيد إزاء هذه التوقعات والاحتمالات أن يرسل أمامه دوريات الاستطلاع والطلائع، وأن يبث العيون على طول الطريق لكشف قوة العدو، وتحديد أماكن دفاعه الرئيسة والثانوية، ونوع أسلحته ومراكز إمداده(3) .‏
                          استنفرت القوات الرومية ورفعت جاهزيتها القتالية عندما علمت بتحرك العرب على هذا المحور، فاجتمع جيش مؤلف من ثمانية آلاف فارس ومقسم إلى خمسة ألوية على رأس كل لواء أحد البطارقة، وتوجهوا جميعاً بقيادة البطاريق شطر تبوك، جاعلين من أدلائهم وعيونهم العرب الذين كانوا يقيمون في المدينة وعلى الطريق إلى دمشق(4) .‏
                          تنبه قادة الجيش العربي إلى هذه التحركات المريبة، فأسرع جيش يزيد في السير لكي يسبق الجيش الرومي إلى تبوك، وليختار أمكنة التمركز، وبذلك يستطيع أن يحسن أمكنة القوات، وأن يستعد لملاقاة العدو، فوصل قبل ثلاثة أيام(5) ، وفتح بتشكيلة القتال بقوة ألف مقاتل أي بنسبة 1 إلى 8، وخطب في المقاتلين، وحرضهم على القتال، وقوى من معنوياتهم، كما أرسل بالكمائن أمام الجيش بقيادة ربيعة بن عامر(6) .‏
                          تلاقت الفئتان، واصطف الجيشان، وبدأ القتال على أشده، لكن يزيد أمر الكمين أن يجذب قسماً من القوات الرومية، وأن يعميه عن الاتجاه الرئيسي، وبذلك أتاح لقوات القلب والمجنبتين أن تتحرك بسرعة محدثة خرقاً كبيراً في صفوف الجيش الرومي. حاول هذا الجيش أن يعيد تنظيمه لكنه لم يستطع بسبب عدم تدريب هذه القوات على القتال المشترك مع جميع الألوية الداخلة في قوام هذا الجيش، واستطاع الجيش العربي استغلال هذه الناحية فانفرد بكل جزء على حدة، وضاعت فرص التعاون بين ألوية الجيش الرومي؛ أما الجيش العربي فقد كان يقاتل كتلة واحدة، وبشجاعة نادرة.‏
                          وانهارت قوى الجيش الرومي عندما قتل القائد العام لهذا الجيش، ولما علم قادة الألوية بمقتله فروا هاربين طالبين النجاة، فتبعهم الجيش العربي قتلاً وأسراً. وقد بلغ مجموع القتلى ألفاً ومائتين، ومن جيش زيد مائة وعشرين(7) .‏
                          إن اختلاف الروايات في مسير هذا الجيش، واصطدامه بعدد من جيوب المقاومة الرومانية، تجعلنا نشعر بضرورة التحري عن الحقيقة، متبعين في ذلك أسس وقواعد القتال التي كان يقاتل بها الجيش العربي. إن الصحيح عندنا هو أن هذا الجيش خرج من المدينة، فاصطدم في طريقه بعدد من حاميات الروم التي جمعت نفسها، فأرسل يزيد طليعة بقيادة أبي أمامة الباهلي، والتقت هذه الطليعة بـ"عربة" و"دائن" بجيش من الروم يتفوق بالعدة والعدد، فقاتل أبو أمامة، وطلب بنفس الوقت تعزيز قواته، فأمده يزيد بقوة تساوي القوة التي يقاتل بها أبو أمامة وبقي يزيد في الأنساق الثانية يرقب الموقف، ويترصد سير القتال، حتى إذا تبين فوز أبي أمامة على أعدائه، لم يشأ يزيد أن يُقحم أو يزج القوات الباقية أو النسق الثاني الذي كان محتفظاً به، ولو رأى إن الروم كادوا ينتصرون لزج هذه القوة التي كانت بيده، ولما تأخر لحظة واحدة.‏
                          وهكذا فإن يزيد استطاع أن يقضي على الجيوب المعادية في طريقه ويصل إلى هدفه المحدد له من قبل القائد الأعلى.‏

                          جيش شرحبيل بن حسنة. أراد الروم بعد هذه المعركة التصادمية مع يزيد أن يستدرجوا العرب حيلة ودهاءً وإغراءً؛ لكن العرب عرفوا واكتشفوا هذه الطرق، وأعلنوها صريحة إما السيف، أو أداء الجزية أو الإسلام(8) . فلم يرضوا بذلك واختاروا القتال. تواصلت المعركة وشد كل جيش ضد الآخر، وأنقذ الموقف جيش شرحبيل الذي وصل لتوه إلى تبوك والذي أنفذه أبو بكر(9) . واحتدم القتال، وهنا زج يزيد النسق الثاني الاحتياط الذي كان بيده، والتف جيش شرحبيل حول مجنبة العدو. فكان جيش يزيد يثبت العدو من الأمام، ويقوم جيش شرحبيل بالالتفاف حتى وصل مؤخرة الجيش الرومي وطوّقه حتى لم يفلت منهم أحد، وتبعثرت قواته المتبقية والناجية من القتل، واستخدمت القوات العربية بعد هذا الانتصار المطاردة حتى قضي على أكثر القوات الرومية الثمانية آلاف.(10)
                          غنم الجيش العربي الأموال الكثيرة، والأعتدة والأسلحة، فأرسل بالأموال إلى المدينة، وأبقى الأعتدة والأسلحة(11) ، احتياطي لاستخدامها إذا لزم الأمر، وأرسل مع الغنائم شداد بن أوس إلى القائد الأعلى أبي بكر(12) .‏
                          واصل جيش شرحبيل تقدمه بعد هذه المعركة المشتركة مع جيش يزيد، وتوجه بأمر من أبي عبيدة إلى بصرى في أربعة آلاف فارس(13) , وبصرى بلد له أهميته الدينية والتجارية عند الروم، ويحكمه بطريق له شهرته ومكانته يدعى"روماس". وجه شرحبيل إنذاراً لهذا البطريق: الإسلام أو الجزية، أو السيف(14) . وبعد مشاورات ومفاوضات قرر هذا البطريق الدخول في الحرب في اثني عشر ألف فارس(15) . صف شرحبيل جيشه بتشكيلة القتال، وحرضه، وقوى معنوياته، وذكره بالجهاد والجنة(16) ، وكذلك فإن الجيش الرومي أخذ مكانه بصفوف بعضها خلف بعض، وابتدأ القتال بين الجيشين في أول النهار، وأشرقت الشمس على الهاجرة، ولا يزال القتال ضارياً ومستمراً، وكاد الجيش الرومي يتغلب على الجيش العربي، لولا أن خالد ابن الوليد الذي نفذ بجيشه الذي خرج به من العراق، ودخل المعركة من الحركة فثبّت جبهة القتال إلى آخر اليوم، وفي اليوم الثاني أعاد تنظيم الجيش وانتصر على الروم(17) .‏
                          جيش عمرو بن العاص. استنفر المقاتلون من أهل مكة والطائف، وتدافعوا عن حب وطواعية، وأقبلوا للانضمام إلى الجيش الذي سيتجه إلى الشام. أصدر القائد الأعلى أمراً بتعيين عمرو بن العاص على هذا الجيش، كما وجه إليه التوجيهات العملياتية التي ركزت على التعاون مع أبي عبيدة بن الجراح(18) ، وعلى كثير من الأمور السياسية والعسكرية والإدارية والإنسانية(19) . تحرك قائد هذا الجيش- بعد أن تلقى المهمة وتفهمها- على محور: إيليا متجهاً إلى أرض فلسطين. وقد نظم قواته حسب قواعد المسير، حيث أرسل الطلائع أمامه، والحراسات الجانبية والأمامية، وفي الخلف الساقة والشؤون الإدارية، وسار بحيطة وحذر في تسعة آلاف مقاتل (20) .‏
                          علم الروم بتحرك هذا الجيش، فحشدوا جيوشهم، وأمر هرقل القائد الأعلى أن تكون هذه الجيوش مستعدة لملاقاة الجيش العربي الذي وصل إلى أرض فلسطين. وعين"روبيس" قائداً عاماً للجيوش الرومية التي بلغت مائة ألف فارس(21) . وأرسل الطلائع والعيون لاستطلاع الأخبار.‏
                          علم عمرو بن العاص بواسطة استخباراته تحرك الروم نحوه، فعقد على الفور مجلس الحرب الذي خرج بمقررات منها: المجابهة والقتال ضد الروم على كثرتهم، وأن لا تهاون ولا تخاذل ولا تراجع أما مهم، ونظم جيشه استناداً لمهمة القتال المقبلة، وأرسل طليعة قوامها ألف فارس بقيادة عبد الله بن عمرو بن الخطاب. وبعد مسيرة يوم اصطدمت بطليعة الجيش الرومي التي كانت مؤلفة من عشرة آلاف فارس(22) . نشر عبد الله ابن عمر فرسانه بتشكيلة القتال، وأمرهم بالهجوم من الحركة، دون أن يترك لعدوه فرصة الاستعداد، أو فتح القوات إلى وحدات قتالية، ثم هاجمها بمجموعات قتالية من المجنبات، واستخدم الرمح والسيف والقتال القريب، وقاد بنفسه مجموعة باتجاه قائد طليعة الجيش الرومي، فوصل إليه، وأهوى عليه السيف فقتله، وبقتله ضعفت معنويات الجيش الرومي، وانهارت قواه، وداخله الرعب، فهرب من هرب، وقتل العديد، وأسر ستمائة قتلوا بعد ذلك حين رفضوا الدخول في الإسلام، وجمعت الغنائم من الخيل والأعتدة والأسلحة(23) .‏
                          إن هذا النجاح الذي أحرزه عبد الله بطليعته أتاح للقوة الرئيسة للجيش العربي بقيادة عمرو بن العاص أن يعد العدة، وأن يتهيأ للقتال، وأن ينشر قواته، ويفتح وحداته القتالية، ويعين القادة والأجنحة والكتائب والسرايا والمؤخرة. فكان على الميمنة الضحاك، وعلى الميسرة سعيد بن خالد، وعلى القلب عمرو بن العاص، وعلى الساقة أبو الدرداء(24) ؛ أما الجيش الرومي فقد كان في مائة ألف مقسماً إلى عشر فرق، في كل فرقة عشرة آلاف فارس(25) . ومن الحركة قام الجيش العربي بالهجوم السريع، وتقدمت الميسرة بقيادة سعيد بن خالد بسرعة كبيرة نحو مجنبة الجيش الرومي حيث استطاعت أن تخرق تلك الصفوف المتعددة، استطاع الجيش الرومي أن يسد على سعيد طريق العودة، وأن يقتل قائد الميسرة مع عدد من رجاله؛ إلا أن القلب في هذه اللحظة ضغط وتقدم باتجاه الصفوف؛ كما أن الميمنة بقيادة الضحاك استطاعت أن تخرق جزءاً بسيطاً من القوات الرومية، وأبطأ الجيش العربي في تقدمه لوجود المقاومات العديدة، ولصمود القوات الرومية. وفي آخر النهار ضعفت مقاومة الجيش الرومي، وبقي الجيش العربي ضاغطاً، حتى انهزم الجيش الرومي، وفر هارباً من أرض المعركة في الاتجاهات المختلفة. وقد قتل في هذه المعركة التصادمية من الروم أكثر من خمسة عشر ألف فارس، وقتل من العرب مائة وثلاثون(26) . ويرجع انتصار العرب على الروم إلى المعنويات العالية، وإلى الخفة والسرعة في ميدان المعركة، وإلى الوسائط القتالية التي كانت فيها خيل الجيش العربي أسرع وأقوى على التحمل من خيل الجيش الرومي(27) ، وفي الإيمان والعقيدة التي ظهرت حين بدء القتال بصيحات"الله أكبر"، وفي التصميم على النصر(28) . وبعد الانتصار اجتمع المقاتلون فأقاموا الصلاة، وجمعوا الغنائم فخمسوها(29) .‏
                          أعاد عمرو بن العاص تنظيم جيشه بعد هذه المعركة، وأرسل يستطلع خبر الروم، وفي نيته أن يتحرك لإكمال فتح فلسطين، فتطوع للاستطلاع خالد بن سعيد والد سعيد الذي قتل في هذه المعركة ليثأر لابنه، فقاد مجموعة من ثلاثمائة فارس(30) ، وتحرك بعيداً عن تمركز الجيش، فاصطدم بقوم من الأنباط فقتل منهم ثلاثين وأسر أربعة(31) ، فدلوه على أماكن تمركز الروم، وعلى المستودعات المملوءة بالاحتياجات المادية، فلما وصل تلك المنطقة درس أرضها وعدد الحرس الذين كانوا يقومون بحراسة الوسائط المادية وهم ستمائة. فباغتهم، وقصد رئيسهم فقتله واستولى على الغنائم، وعاد بها إلى مقر قيادة الجيش إلى عمرو بن العاص، فقدم له تقريراً عن مهمته، وسلمه الغنائم، وأعلمه أن الروم تحشدوا بأجنادين(32) .‏
                          جيش أبي عبيدة الجراح. بعد يوم واحد من مسير جيش عمرو ابن العاص، أمر القائد الأعلى هذا القائد أن يتحرك على محور الجابية باتجاه الشام إلى حمص(33) ، وأعطاه نفس التوجيهات التي أعطاها لعمرو بن العاص(34) . وكان عدد جيشه سبعة آلاف وخمسمائة(35) .‏
                          سار أبو عبيدة كما سار غيره من الجيوش التي سبقته، وبنفس شروط المسير، مع أخذ الحيطة والحذر، ولم يلق أثناء تحركه مقاومة تذكر؛ لكنه توقف على مشارف للشام لوصول معلومات مؤكدة أن العدو حشد قوات كبيرة في أجنادين، وإن هرقل أرسل بجيوشه للتصدي للقوات العربية(36) . إن أبا عبيدة كان يحرص كل الحرص على جنوده، فلا يزجهم في مواقف صعبة،وإنه ليحزنه أن يرى جنوده يقتلون دون مبرر.. ولقد أشار خالد بن الوليد إلى بعض هذه الصفات حين قال: "أما أبو عبيدة فإنه رجل خالص النية، وليس عنده غائلة الحرب، ولا يعلم بمواقعها(37) ".‏
                          لما علم أبو بكر توقف أبي عبيدة، أراد أن يدعم الموقف، ويضفي عليه الحيوية والنشاط، فعين خالد بن الوليد ليكون القائد العام للجبهة الشامية(38) .‏
                          جيش خالد بن الوليد. بعد أن أرسل أبو بكر الجيوش الأربعة إلى بلاد الشام، عاد فأرسل خالداً إلى العراق، وإلى بلاد فارس. وكالعادة فإن القائد الأعلى حدد لخالد المهمة والهدف، وأصدر إليه التوجيهات، وحدد له القوى والوسائطجيش الزحف ومقاتلي لخم وجذام)(39) .‏
                          نجحت الجبهة العراقية، وتوقفت جيوش الجبهة الشامية لوجود عدو قوي. وكان أبو بكر يهمه كاستراتيجي أن تنجح جبهة الشام كما نجحت جبهة العراق، وعلى اعتبار أن خالد بن الوليد قد نجح في قيادته، فأراد القائد الأعلى أن يكلفه بهذه المهمة، فأصدر إليه أمراً أن يتحرك من بلاد فارس إلى بلاد الروم".. وإني قد وليتك على جيوش المسلمين، وأمرتك بقتال الروم.."(40) .‏
                          تحرك خالد من أرض العراق متبعاً الطريق القصيرة التي تسهل له الوصول بسرعة إلى بلاد الشام، لتعزيز هذه الجبهة، وقبل أن يكتمل تجمع العدو، ويتأهب للقتال. انطلق خالد بجيشه في ربيع الثاني في حزيران 13/634، فسلك المحور الشمالي المحفوف بالمخاطر(41) بجيش بلغ تسعة آلاف مقاتل أو أكثر(42) .‏
                          لاقى خالد وهو في طريقه إلى الشام كثيراً من المقاومات الرومية أو العربية غير الموالية، وكانت أول مقاومة اصطدم بها عندما وصل إلى"سوى" فقضى عليها(43) ، وواصل تقدمه فمر بـ"أرك" فصالح أهلها على دفع الجزية وسلم قائد هذه الحامية الرومي كل ما يريده الجيش العربي(44) ، وكذلك في"تدمر" حيث صالح أهلها كما صالح أهل"أرك"، وفي"القريتين" قام أهلها ووقفوا في وجه هذا الجيش المتقدم، لكنهم هُزموا، وخَضعوا(45) ، وفي مرج"راهط" اصطدمت قوات المسلمين بالغساسنة الذين أبدوا مقاومة فقضى عليهم، وأرسل خالد سرية إلى الغوطة الشرقية فأغارت على بعض النقاط المعادية(46) ، واستولت عليها. وكان قائد الجيش في تحركه يرسل الطلائع والدوريات والسرايا والعيون(47) كما كان يستفيد من المصادر المحلية المتوفرة كالماشية والمياه والغنائم المستولى عليها، وكان لا يذر أية مقاومة صغيرة كانت أم كبيرة إلا قضى عليها، وذلك كله لتأمين تحرك الجيش.‏
                          وصلت طلائع هذا الجيش إلى بصرى، واشتركت فوراً بالقتال مع جيش شرحبيل بن حسنة الذي كان مشتبكاً مع الروم، وكذلك اشتركت القوة الرئيسة عند وصولها وفتحت تشكيلاتها بوحدات قتالية، ومضى اليوم دون أن تظهر النتائج(48) .‏
                          في اليوم التالي عاود القتال، ونظم خالد جيشه فجعل على الميمنة رافع بن عمير الطائي، وعلى الميسرة ضرار بن الأزور، وفي القلب خالد بن الوليد القائد العام، وفي الساقة عبد الرحمن بن أبي بكر، وقسم جيش الزحف إلى قسمين، وجعل على كل قسم قائداً قادراً على الحركة بسرعة(49) .‏
                          إن حجم القوى والوسائط في كلا الجيشين أصبحت متقاربة، ففي الجيش العربي تسعة آلاف، مضافاً إليها أربعة آلاف أما الجيش الرومي فكان اثني عشر ألف فارس(50) .‏
                          بدأت المعركة بالمبارزة إذ خرج من الجيش الرومي"الدير جان" قائد الجيش، وخرج من الجيش العربي خالد ابن الوليد قائد الجيش، لكن عبد الرحمن بن أبي بكر استأذن من خالد ليبارزه فخرج، وطالت المبارزة، حتى إذا تضايق"الديرجان" فر هارباً. وهنا أمر خالد بالهجوم العام لاستغلال هذه الفرصة التي انهزم فيها قائد الجيش الرومي، وتراجع الجيش الرومي، وأزيح عن مواقعه، وانسحب ودخل المدينة وتحصن بها، وحوصرت بصرى من قبل الجيوش مجتمعة، وفرض عليها الحصار الكامل(51) . وبمساعدة العملاء من جيش الروم علم خالد مقر القيادة والتحشدات، فشكل مجموعة فدائية بقيادة عبد الرحمن بن أبي بكر قصدت قائد الروم، واستطاعت أن تصل إلى مقره وتقتله(52) . وأسلم"روماس" الروماني، ودخل في دين الله بعد أن أسهم بانتصار المسلمين، وبخاصة عندما دلّ خالد بن الوليد على عورات الجيش الرومي، وعلى مقر قيادته، وأعطى الكثير من المعلومات التي ساعدت في فتح المدينة، والانتصار على الجيش الرومي(53) . وفتحت بصرى، ودفع أهلها الجزية(54) . ثم أعلم خالد أبا بكر وأبا عبيدة بهذا الفتح والانتصار(55) ، ثم انضم أبو عبيدة إلى خالد(56) .‏
                          كانت حروب الشام حتى الآن تمهيداً لفتوحات أكبر، ولم تقع معركة حاسمة، وقد استفاد الجيش العربي الخبرة في القتال، والخصائص التي يتميز بها الروم عن الفرس وعن غيرهم، كما استطاع أن يغنم غنائم كثيرة ساعدته فيما بعد على إكمال احتياجاته ووسائطه المادية، وأضيف لهذا الجيش أعداد كبيرة من الذين تطوعوا من الأراضي التي دخلت تحت الحكم العربي.‏
                          لم يكن الروم يتوقعون نجاح الجيش العربي بهذه المعارك، وإنما كان في تصورهم أن هذا الجيش لا يملك العدة والعدد لمقاتلة الجيش الرومي، ولذا كان الاهتمام بالتحضير لحرب العرب لا يأخذ تلك الأهمية، ولما أحس قادة الروم بالخطر، كان الجيش العربي، قد دخل معارك متعددة ونجح فيها، ولما اجتمع الجيش الرومي في اليرموك، ورأوا أن الفرصة سانحة للقضاء على هذا الجيش، لم يستطيعوا وباؤوا بالفشل الذريع وخسروا المعركة وانهزموا شر هزيمة، وآن للعرب آنئذ أن ينطلقوا نحو الفتوحات الكبرى في زمن عمر بن الخطاب.‏

                          (1) الواقدي- فتوح الشام: 1/4، عبد الحميد- معارك العرب الحاسمة: 25.‏
                          (2) الواقدي- فتوح الشام: 1/4.‏
                          (3) الواقدي- فتوح الشام: 1/4.‏
                          (4) الواقدي- فتوح الشام: 1/4، العسلي- فن الحرب: 96، 97.‏
                          (5) الواقدي- فتوح الشام: 1/4.‏
                          (6) الواقدي- فتوح الشام: 1/5.‏
                          (7) الواقدي- فتوح الشام: 1/5.‏
                          (8) الواقدي- فتوح الشام: 1/5.‏
                          (9) البلاذري- فتوح البلدان: 115، الطبري- تاريخ الأمم ولملوك: 2/589، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/155.‏
                          (10) الواقدي- فتوح الشام: 1/6.‏
                          (11) الواقدي- فتوح الشام: 1/6.‏
                          (12) الواقدي- فتوح الشام: 1/6.‏
                          (13) الواقدي- فتوح الشام: 1/14.‏
                          (14) الواقدي- فتوح الشام: 1/15.‏
                          (15) الواقدي- فتوح الشام: 1/15.‏
                          (16) الواقدي- فتوح الشام: 1/15.‏
                          (17) الواقدي- فتوح الشام: 1/15-16.‏
                          (18) الواقدي- فتوح الشام: 1/7، الأزدي- فتوح الشام: 48، 49.‏
                          (19) الواقدي- فتوح الشام: 1/7،8، ابن عساكر- تهذيب تاريخ دمشق الكبير: 1/130.‏
                          (20) الواقدي- فتوح الشام: 1/7،8.‏
                          (21) الواقدي- فتوح الشام: 1/9.‏
                          (22) الواقدي- فتوح الشام: 1/9.‏
                          (23) الواقدي- فتوح الشام: 1/10، العسلي- فن الحرب: 98.‏
                          (24) الواقدي- فتوح الشام: 1/10.‏
                          (25) الواقدي- فتوح الشام: 1/10.‏
                          (26) الواقدي- فتوح الشام: 1/11.‏
                          (27) الواقدي- فتوح الشام: 1/11.‏
                          (28) حداد- فتح العرب للشام: 68.‏
                          (29) الواقدي- فتوح الشام: 1/11.‏
                          (30) الواقدي- فتوح الشام: 1/12.‏
                          (31) الواقدي- فتوح الشام: 1/12.‏
                          (32) الواقدي- فتوح الشام: 1/12.‏
                          (33) الواقدي- فتوح الشام: 1/8، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/155، عبد الحميد- مارك العرب الحاسمة: 26.‏
                          (34) الواقدي- فتوح الشام: 1/8.‏
                          (35) البلاذري- فتوح البلدان: 116، البلخي- البدء والتاريخ: 5/166.‏
                          (36) الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 3/590، ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/155.‏
                          (37) الواقدي- فتوح الشام: 1/15.‏
                          (38) الواقدي- فتوح الشام: 1/13.‏
                          (39) الواقدي- فتوح الشام: 1/8.‏
                          (40) الواقدي- فتوح الشام: 1/13، الأزذي- فتوح الشام: 68، ابن أعثم- الفتوح: 1/133، 135، كمال- الطريق إلى دمشق: 239.‏
                          (41) الشيباني- شرح السبر الكبير:1/48، ابن سعد- الطبقات: 7/396، الطبري- تاريخ الأمم والملوك: 2/603، ابن عساكر- تهذيب تاريخ دمشق الكبير: 1/138، أكرم- سيف الله: 336، 337.‏
                          (42) ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/407، ابن الطقطقي- الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية: 65.‏
                          (43) ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/409.‏
                          (44) ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/409، كمال - الطريق إلى دمشق: 244.‏
                          (45) ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/409.‏
                          (46) ابن الأثير- الكامل في التاريخ: 2/409، ابن عساكر- تهذيب تاريخ دمشق الكبير: 1/135.‏
                          (47) الشيباني- شرح السير الكبير: 1/49.‏
                          (48) البلاذري- فتوح البلدان: 155.‏
                          (49) الأزدي- فتوح الشام: 81.‏
                          (50) الواقدي- فتوح الشام: 1/15.‏
                          (51) الواقدي- فتوح الشام: 1/16، الأزدي- فتوح الشام: 82.‏
                          (52) الواقدي- فتوح الشام: 1/17.‏
                          (53) الواقدي- فتوح الشام: 1/17.‏
                          (54) ابن خياط- تاريخ ابن خياط: 119، البلاذري- فتوح البلدان: 155، البلخي- البدء والتاريخ: 5/166، ابن عساكر- تهذيب تاريخ دمشق الكبير: 1/139.‏
                          (55) الواقدي- فتوح الشام: 1/17 وما بعدها.‏
                          (56) البلخي- البدء والتاريخ: 5/166.‏

                          تعليق

                          يعمل...
                          X