رد: صمود وانهيار مسارات التفاوض العربية-الإسرائيلية بعد مؤتمر مدريد-
لحد.. غزة
المواجهة في غزة بدأت حسب المخطط الذي رسمته وأرادته ودفعت باتجاهه "إسرائيل" فقد دخل عرفات الآن من الباب الذي حدد له، إلى ميدان حصر فيه، ولن يتراجع أو هو لا يملك أن يتراجع، ربما تأخر توقيت دخوله قليلاً، ولكنه الآن في المكان المحدد، لأداء الدور أو المراحل التالية من الدور المحدد فمنذ أيام أخذت قوة الحكم الذاتي في غزة تلاحق أفراد الجهاد الإسلامي وحماس وتعتقلهم تنفيذاً لمطالب رابين وبيريس بعد العملية الأخيرة، عملية "نتساريم " التي فجر فيها شاب من الجهاد الإسلامي نفسه فقتل بلحمه ودمه ثلاثة من قوات العدو واستشهد هو في المكان.
وبداية هذه المواجهة بين عرفات والإسلامي ين أو بين قوة الحكم الذاتي والرافضين للاتفاقية التي نتج عنها الحكم الذاتي، هذه البداية وضعت عرفات وأتباعه على طريق: سعد حداد وأنطوان لحد، فأصبح هو ومن معه جيشاً متعاوناً مع العدو، تابعاً له، مؤتمراً بإمرته، يوجه حرابه إلى صدور الفلسطينيين ليحمي حدود الكيان الصهيوني والمستعمرات التي يقيمها، يحميها من كل من يريد أن يقاوم "إسرائيل"، ويحرر أرضا عربية من استعمارها، ويستعيد وجوداً عربياً كريماً في فلسطين.
ولم يعد دوره يتوقف عند حدود وقف الانتفاضة، بل انتقل إلى مرحلة مطاردة أفرادها، وقد نسي، ومن الطبيعي أن ينسى، يوم كان يقول: إنه لا توجد قوة في الأرض توقف الانتفاضة وإنها مستمرة حتى التحرير، ويوم كان ينسب تفجيرها لنفسه. اليوم وبعد عملية "نتساريم" وملاحقة من قام بها وأيَّدها وتوعد باستمرار أمثالها، اليوم يدخل الصراع الفلسطيني - الفلسطيني، داخل الأرض المحتلة، مرحلة كانت أحد الأهداف الرئيسة، والبنود الجوهرية في اتفاقيات: " أوسلو - القاهرة - وادي عربة " لأنها ترمي جميعاً إلى جعل القوى الفلسطينية - الفلسطينية، والقوى العربية تتآكل من الداخل وتتساقى الموت، وتستبدل صراعاً بصراع، لتبقى في حالة استنزاف وانعدام وزن، وبحاجة مستمرة لمن تستند إليه وتستعين به في اقتتالها الداخلي؛ وسيأتي اليوم الذي تتحول فيه إلى شظايا في مهب رياح الخصومة.
لقد تأهل عرفات لدوره وأخذ عدته، ونزل ساحة المواجهة، وهذا إيذان بمسيرة الدم التي طالما حذرنا منها وحذرنا الخوض فيها، ولكنها لا تلبث أن تكتسح المعسكر الذي طالما حرصت "إسرائيل" على اكتساحه، وحين يخرج عرفات من مواجهاته ستكون أمامه مواجهات أخرى تهيأ له، ليس الأردن بعيداً عنها، حتى يكتمل التحالف " الإسرائيلي " معهما، أو ينتهي إلى انضوائهما تحت لواء قواته مباشرة / بوصفها حامياً أو داعماً أو حكماً أو حكيماً / وبذلك تدخل كل القوى الفلسطينية والأردنية في نطاق الائتمار الشامل بالآمرة الصهيونية التي تتطلع إلى إشعال مناطق أخرى في الوطن العربي لتروج السلاح وتربح المال وتقتل كل تفكير وأمل بمواجهتها. إن العدو الذي أصر على إشعال النار بين الفلسطينيين في غزة واشترط أن يكون عرفات بمواجهة الإسلاميين الذين يواجهون "إسرائيل" ويرفضونها، حرص على أن يقف الملك حسين الموقف ذاته من الإسلاميين والقوميين المعارضين للاتفاقية في الأردن؛ وعلى أن يكون هو وعرفات على أرضية من العداء المستمر التي تنمو سواء حول القدس أو حول النفوذ في الضفة الغربية، أو حول المستقبل الذي تجري الرهانات فيه على أحصنة عربية رابحة تفتح أبواب العرب - المتهاوية - أكثر فأكثر أمام "إسرائيل" المستكلِبة على المال والهيمنة وعلى المشاركة في رسم مستقبل المنطقة وتحديد حدود الاستقرار والاستنفار في كل جزء منها. العدو الصهيوني يريد أن يطمئن وأميركا من ورائه تريد أن تطمئن عليه وعلى المستقبل الذي ينتظره وينتظر مصالحها أيضاً، ولا يرون ذلك الآن إلا في ظل القضاء على كل أمة تدعو إلى رفض "إسرائيل" والاعتراض على تطبيع العلاقات معها، كما أنهم لا يرون ذلك إلا في غياب كل من يدعو إلى بقاء الذاكرة الشعبية العربية عامرة بالتاريخ القريب ومعطياته وبشيء من الكرامة والتعلق بالحق والماضي .
ولذلك فإن الاقتتال العربي مطلوب، وملاحقة عرب ليزدادوا ركوعاً وخضوعاً وفقراً وجوعاً مطلوب، وإكرام من اعترفوا بـ " إسرائيل " وأقاموا العلاقات معها، ودفعهم إلى مزيد من اللهاث ورائها، ومزيد من القطيعة مع أبناء أمتهم مطلوب هو الآخر. أن "إسرائيل" تريد أن تتفرغ، على أرضية من الراحة والثقة، إلى إدارة الصراع مع سورية ولبنان، بعد أن أبعدت بعض العرب عنهما، وهي من أجل تحقيق أهدافها على هذه الجبهة، ضغطت وتضغط لتجعل الأميركي يزداد شكاً بسورية، وتبذل جهداً خاصاً جداً ليقول شخص مثل "جسي هلمز" رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي القادم "جمهوري" بان سورية تريد الجولان والأموال الأميركية ولا تريد أن تمضي إلى أبعد من ذلك، وتعمل كل ما بوسعها لتثير الرئيس الأميركي ولتثير أمامه - بعد أن لمس جدية وموضوعية وصلابة في موقف سورية - تثير أمامه، وتثير في وجهه أيضاً - قضية عدم التنديد السوري العلني بما تسميه "الإرهاب " وتعني به مقاومة العرب لـ " إسرائيل " في الأراضي التي تحتلها في فلسطين وجنوب لبنان. وكل ذلك الذي تقوم به على جبهة "الراعي الأول لمفاوضات السلام" تشفعه بتحرك محموم في الأوساط العربية، لتستقطبها وتقيم علاقات معها، وتلغي المقاطعة التي تفرضها الدول العربية عليها، تمهيدا لجعل سورية في موقف "ضعيف" في أثناء المرحلة القادمة من الصراع ولممارسة ضغط على لبنان من شأنه - حسب خططها - أن يفصله عن سورية، فيختار ما اختاره الأردن وعرفات. إن العدو يعمل كل ما بوسعه لتحقيق غاياته. وهذا أمر مفهوم يمكن للمرء أن يدرك مغازيه وأبعاده ومخاطره بالنسبة لعدو، أمّا ما يقوم به عرب كانوا إلى يوم قريب ينصبون من أنفسهم محررين ومقاومين شرسين لكل أطماع العدو، فكيف يمكن أن نفهم تصرفهم، ونحدد أبعاد أفعالهم وتوجهاتهم، ونضعها في إطار يبقي لهم صلة ما بالعرب ونضالهم ومستقبلهم ؟! إنه سؤال مطروح على أولئك الذين ما زالوا يرون في من يطاردون المقاتلين العرب ويجهضون الانتفاضة والروح المعنوية والثقة بمستقبل عربي على أي مستوى كان، يرون فيهم عرباً وقادة وأصحاب رؤية تستحق الاعتبار ؟! ...
الأسبوع الأدبي/ع438//17/ت2/1994
وبداية هذه المواجهة بين عرفات والإسلامي ين أو بين قوة الحكم الذاتي والرافضين للاتفاقية التي نتج عنها الحكم الذاتي، هذه البداية وضعت عرفات وأتباعه على طريق: سعد حداد وأنطوان لحد، فأصبح هو ومن معه جيشاً متعاوناً مع العدو، تابعاً له، مؤتمراً بإمرته، يوجه حرابه إلى صدور الفلسطينيين ليحمي حدود الكيان الصهيوني والمستعمرات التي يقيمها، يحميها من كل من يريد أن يقاوم "إسرائيل"، ويحرر أرضا عربية من استعمارها، ويستعيد وجوداً عربياً كريماً في فلسطين.
ولم يعد دوره يتوقف عند حدود وقف الانتفاضة، بل انتقل إلى مرحلة مطاردة أفرادها، وقد نسي، ومن الطبيعي أن ينسى، يوم كان يقول: إنه لا توجد قوة في الأرض توقف الانتفاضة وإنها مستمرة حتى التحرير، ويوم كان ينسب تفجيرها لنفسه. اليوم وبعد عملية "نتساريم" وملاحقة من قام بها وأيَّدها وتوعد باستمرار أمثالها، اليوم يدخل الصراع الفلسطيني - الفلسطيني، داخل الأرض المحتلة، مرحلة كانت أحد الأهداف الرئيسة، والبنود الجوهرية في اتفاقيات: " أوسلو - القاهرة - وادي عربة " لأنها ترمي جميعاً إلى جعل القوى الفلسطينية - الفلسطينية، والقوى العربية تتآكل من الداخل وتتساقى الموت، وتستبدل صراعاً بصراع، لتبقى في حالة استنزاف وانعدام وزن، وبحاجة مستمرة لمن تستند إليه وتستعين به في اقتتالها الداخلي؛ وسيأتي اليوم الذي تتحول فيه إلى شظايا في مهب رياح الخصومة.
لقد تأهل عرفات لدوره وأخذ عدته، ونزل ساحة المواجهة، وهذا إيذان بمسيرة الدم التي طالما حذرنا منها وحذرنا الخوض فيها، ولكنها لا تلبث أن تكتسح المعسكر الذي طالما حرصت "إسرائيل" على اكتساحه، وحين يخرج عرفات من مواجهاته ستكون أمامه مواجهات أخرى تهيأ له، ليس الأردن بعيداً عنها، حتى يكتمل التحالف " الإسرائيلي " معهما، أو ينتهي إلى انضوائهما تحت لواء قواته مباشرة / بوصفها حامياً أو داعماً أو حكماً أو حكيماً / وبذلك تدخل كل القوى الفلسطينية والأردنية في نطاق الائتمار الشامل بالآمرة الصهيونية التي تتطلع إلى إشعال مناطق أخرى في الوطن العربي لتروج السلاح وتربح المال وتقتل كل تفكير وأمل بمواجهتها. إن العدو الذي أصر على إشعال النار بين الفلسطينيين في غزة واشترط أن يكون عرفات بمواجهة الإسلاميين الذين يواجهون "إسرائيل" ويرفضونها، حرص على أن يقف الملك حسين الموقف ذاته من الإسلاميين والقوميين المعارضين للاتفاقية في الأردن؛ وعلى أن يكون هو وعرفات على أرضية من العداء المستمر التي تنمو سواء حول القدس أو حول النفوذ في الضفة الغربية، أو حول المستقبل الذي تجري الرهانات فيه على أحصنة عربية رابحة تفتح أبواب العرب - المتهاوية - أكثر فأكثر أمام "إسرائيل" المستكلِبة على المال والهيمنة وعلى المشاركة في رسم مستقبل المنطقة وتحديد حدود الاستقرار والاستنفار في كل جزء منها. العدو الصهيوني يريد أن يطمئن وأميركا من ورائه تريد أن تطمئن عليه وعلى المستقبل الذي ينتظره وينتظر مصالحها أيضاً، ولا يرون ذلك الآن إلا في ظل القضاء على كل أمة تدعو إلى رفض "إسرائيل" والاعتراض على تطبيع العلاقات معها، كما أنهم لا يرون ذلك إلا في غياب كل من يدعو إلى بقاء الذاكرة الشعبية العربية عامرة بالتاريخ القريب ومعطياته وبشيء من الكرامة والتعلق بالحق والماضي .
ولذلك فإن الاقتتال العربي مطلوب، وملاحقة عرب ليزدادوا ركوعاً وخضوعاً وفقراً وجوعاً مطلوب، وإكرام من اعترفوا بـ " إسرائيل " وأقاموا العلاقات معها، ودفعهم إلى مزيد من اللهاث ورائها، ومزيد من القطيعة مع أبناء أمتهم مطلوب هو الآخر. أن "إسرائيل" تريد أن تتفرغ، على أرضية من الراحة والثقة، إلى إدارة الصراع مع سورية ولبنان، بعد أن أبعدت بعض العرب عنهما، وهي من أجل تحقيق أهدافها على هذه الجبهة، ضغطت وتضغط لتجعل الأميركي يزداد شكاً بسورية، وتبذل جهداً خاصاً جداً ليقول شخص مثل "جسي هلمز" رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي القادم "جمهوري" بان سورية تريد الجولان والأموال الأميركية ولا تريد أن تمضي إلى أبعد من ذلك، وتعمل كل ما بوسعها لتثير الرئيس الأميركي ولتثير أمامه - بعد أن لمس جدية وموضوعية وصلابة في موقف سورية - تثير أمامه، وتثير في وجهه أيضاً - قضية عدم التنديد السوري العلني بما تسميه "الإرهاب " وتعني به مقاومة العرب لـ " إسرائيل " في الأراضي التي تحتلها في فلسطين وجنوب لبنان. وكل ذلك الذي تقوم به على جبهة "الراعي الأول لمفاوضات السلام" تشفعه بتحرك محموم في الأوساط العربية، لتستقطبها وتقيم علاقات معها، وتلغي المقاطعة التي تفرضها الدول العربية عليها، تمهيدا لجعل سورية في موقف "ضعيف" في أثناء المرحلة القادمة من الصراع ولممارسة ضغط على لبنان من شأنه - حسب خططها - أن يفصله عن سورية، فيختار ما اختاره الأردن وعرفات. إن العدو يعمل كل ما بوسعه لتحقيق غاياته. وهذا أمر مفهوم يمكن للمرء أن يدرك مغازيه وأبعاده ومخاطره بالنسبة لعدو، أمّا ما يقوم به عرب كانوا إلى يوم قريب ينصبون من أنفسهم محررين ومقاومين شرسين لكل أطماع العدو، فكيف يمكن أن نفهم تصرفهم، ونحدد أبعاد أفعالهم وتوجهاتهم، ونضعها في إطار يبقي لهم صلة ما بالعرب ونضالهم ومستقبلهم ؟! إنه سؤال مطروح على أولئك الذين ما زالوا يرون في من يطاردون المقاتلين العرب ويجهضون الانتفاضة والروح المعنوية والثقة بمستقبل عربي على أي مستوى كان، يرون فيهم عرباً وقادة وأصحاب رؤية تستحق الاعتبار ؟! ...
الأسبوع الأدبي/ع438//17/ت2/1994
Comment