رد: صمود وانهيار مسارات التفاوض العربية-الإسرائيلية بعد مؤتمر مدريد-
قد ينجح.. ولكن
عرفات سيحكم غزة وأريحا..
وسيرفع بعد بضع سنوات إلى منصب أعلى من رئيس ذلك المخفر على حدود الأرض المحتلة، ليصبح حاكم الضفة الغربية وغزة.
وربما تُوّج، بعد أن يمر بالاختبار الصعب، رئيساً لبلدية حي من أحياء القدس الموحدة. ولكنه لن يكون في أية لحظة أكثر من سمسار للمصالح الإسرائيلية- الأميركية، ولن يجد له أمناً واطمئناناً وراحة إلا بحماية الإسرائيليين، ولن تكون له صناعة إلا ترويج المقولات الغربية والصهيونية في الأوساط العربية والإسلامية. وسيكون سعيداً بهذا الدور لأنه سيمكنه من الاعتماد على أصدقائه في البيت الأبيض وتل أبيب ليستروا عريه بزينة وموكب وإشاعات ترافق موكبه الكرتوني وتسبقه إلى أعتاب الملوك والرؤساء.
عرفات سوف يمكَّن من النجاح بنظر أكثر من مليوني فلسطيني سيشغلهم بما يقدم إليهم من مشاريع وأحلام وأوهام، عن السكين التي ابتلعوها؛ وسيبادل عرفات سكان المستوطنات اليهود في الضفة وغزة بعرب من عرب فلسطين 1948 ممن يسكنون في الجليل أو سواها. سيفعل ذلك تحت ضغط الأوصياء والحماة، والأوضاع والمستجدات، وسوف ينظر إلى ذلك ويقدمه للناس على أنه نصر وتحرير للفلسطينيين من قبضة الاحتلال " الإسرائيلي "؛ في حين أنه يخرجهم من فلسطين الجغرافية بعد أن أخرجهم من فلسطين التاريخ.
وسوف ينجح عرفات بترويج السلع والمشاريع الاقتصادية الإسرائيلية خصوصاً والغربية عموماً، وسيسوق " إسرائيل " عربياً، ويكون جسر التطبيع في أكثر من مجال، وربما في كل المجالات، وسيقبض عمولة "السمسار" على ذلك كله، وسيشيع رغبته في الوجاهة إلى أبعد الحدود، ويتحرك في الأرض طولاً وعرضاً مقدماً للناس "دولة فلسطينية" في قفص يحمله حكام "إسرائيل" ويعرضونه على العالم كله.
وسوف تكون له فرص شخصية أكبر من تقاسمه مع رابين وبيريس جائزة اليونيسكو للسلام.. إنه باختصار سيدخل التاريخ.. ولكن أي تاريخ.. ومن الذي سيدخله التاريخ وكيف؟!
بين عشية وضحاها انتقل عرفات من "إرهابي" إلى رجل سلام؛ ومن منبوذ شبه ملاحق من الغرب والصهيونية إلى صاحب حظوة في البيت الأبيض وتل أبيب. يكتشف له أصدقاء يسميهم (أصدقاء شعبه) في البيت الأبيض وهم الذين قتلوا شعبه وأمته وسرقوا وطنه وما زالوا يعلنون أنهم سوف يستمرون في مشاريعهم التي تجعل منهم حماة وأوصياء وسادة في وطن العرب.
ربما يفعل عرفات الكثير، وربما يجد الكثير مما كان محروماً منه منثوراً بين يديه.. ولكنه لن يستطيع أبداً أن يقنع عربياً شريفاً بأنه لم يفرط بفلسطين وبحقوق الشعب الفلسطيني، وبقضية قومية استقطبت جهود العرب أو بعض العرب لعقود طويلة. ولن يستطيع أن يقنع عربياً واحداً بأنه لم يفرط أيضاً بصحبة أخوته الذين يسميهم الآن "أصدقاء" حين كان يسير معهم في خطاً تنسيقية مشتركة، وعلى طريق نضالية تحريرية.
أما أن يصل عرفات إلى إقناع المثقفين والمعنيين من أبناء الأمة العربية بأن فلسطين شأن فلسطيني خالص لا علاقة للأمة به، ولا علاقة لعربي بقرار يتصل بها؛ فإن ذلك من المستحيلات بالنسبة للواعين قومياً والملتزمين بأمتهم وتاريخهاً ومقومات وجودها ومستقبلها.
إن الذين أخذوا يعزفون على وتر القرار الفلسطيني المستقل، وأولئك الذين أخذوا يطلبون من العرب، كل العرب، أن يقيموا علاقات طيبة مع "إسرائيل" وأن ينهوا المقاطعة، ويساهموا في إلغاء كل القرارات التي تدين "إسرائيل" وتصمها بما هي أهل له في المجتمع الدولي والأمم المتحدة، على أرضية الاعتراف الفلسطيني "بإسرائيل" واعتبار القضية منتهية لأن الفلسطيني اعترف وسالم وتحالف وفرح بكل ما وصل إليه؛ إن أولئك لن يستطيعوا انتزاع فلسطين من الوجدان القومي، ولن يستطيعوا محو الذاكرة الشعبية، التي يحرص المثقفون العرب وأهل الالتزام بقضايا الأمة على تجديدها.
"فلسطين عربية.. وستبقى عربية".
هكذا سنقول، وهكذا سنكتب، وعلى هذا سنربي أبناءنا. ولن تحذف من مناهج مدارسنا كل ما يتصل بحقيقة أن "إسرائيل" كيان دخيل على المنطقة، أقيمت على أرض فلسطين بقوة القهر وبتواطؤ غربي، ودعم من الاستعمار بأشكاله القديمة والجديدة المتجددة.
لقد أخذ الإسرائيليون وأهل التطبيع مع "إسرائيل" من العرب، ومناصرو المشروع الصهيوني وصنَعته وحماته من الغربيين، أخذوا ينتشرون كالسرطان في جسم السياسة العربية، وفي أوساط على هامشها، وتسارعت خطواتهم واتسعت مطالبهم حتى أنها، ومنذ البداية، تطالب بتحقيق كل ما يمكن أن تصل إليه نهايات المسارات.. إنهم يطلبون أن ينسى العربي أرضه وتاريخه وجرحه وكل المصائب والكوارث التي ألحقها الصهاينة والغرب المتصهين به، جرَّاء مطالبته بحقوقه في فلسطين. ويطالبون بأن نتخلص من ضمائرنا ومن كل ما يشكل قوام شخصيتنا وحضورنا وتمايزنا وحضارتنا، لندخل العصر " الإسرائيلي " من أوسع أبوابه، حيث نأكل ونعمل ونحرص على مصالح العدو الذي "هبط علينا رحمةً من السماء" بعنصريتة وتعاليه وغطرسته وخداعه وحقارته!؟!.
يطلبون منا أن ننسى الماضي، كل الماضي، وفي مقدمته أننا سُحقنا ودفنا أعزاءنا الذين قتلهم العدوان، وأن نتوجه إلى المستقبل الذي يفتح أبوابه لنا كلنتون "المخلص لـ " إسرائيل " أكثر من إخلاصه لنفسه" ورابين الذي يعلن اشمئزازه من منظمة التحرير في اللحظة التي يصافح فيها رئيسها. وعرفات الذي يرضيه أن يكون دمية بيد عدوه، ومدية في قلب أخيه، وحارساً لمصالح من احتقروه ودمروا شعبه، وسرقوا وطنه؛ وأحرقوا مراكب أمته لتسقط في بحر العلقم.
إنهم يطلبون منا أن نقبل وننسى.. وأن نصدق رابين الذي يهددنا وهو يذرف دموع التماسيح متباكياً على سلام يسمح له بأن يحتل مزيداً من الأرض والإرادات، وأن يسيطر على المنطقة ويتجذر اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً فيها؛ وأن يدخل حاضنة دائمة له "ولدولته" بعد أن شعر بأن أميركا تريد "لإسرائيل" فطاماً من ثديها، ولكنها تحرص على أن تربط فمها إلى ثدي عربي مدرار؛ ليتحرر مبلغ كبير من المال تدريجياً تفك به أميركا أزمتها أو يساعدها على حل الأزمة الاقتصادية المستحكمة ويلغي الاحتجاج الذي بدأ يتصاعد من فقراء أميركا وأمييها الذين بلغ عددهم /90/ مليوناً في عصر ازدهار إمبراطوريتها!؟.
إنهم يريدون منا، نحن المجروحين بأكثر السيوف سُميّة وحقداً في التاريخ، أن ننسى وأن نركض لنحتضن "المنقذ" الهابط إلينا من فضاء التلمود مدججاً بالحقد العنصري والقنابل النووية؛ بحجة أنه يربط في أعلى ساق حذائه العسكري دمية تمثل مصالحة مضحكة، على حقوق شعب وأمة وأجيال، لا يملك فرد الحق في أن يتنازل عنها.
إنهم يهددون من يعارض، ويتوعدون من يعوق الاتفاق ويلوحون لمن لا يدعمه من العرب، أفراداً أو تنظيمات وحكومات، بالحصار والقتل والتدمير.. وهناك من يركض باحثاً عن مظلة أو زورق نجاة، وهناك من يقاوم على استحياء، وهناك من يسأل بحيرة وأحياناً بلؤم: وماذا لديكم من حلول أخرى!! وهناك من يؤمن بأن طريق الحق العربي والتحرير لا بد أن تبقى مفتوحة لتسلكها الأجيال القادمة عندما تتغير ظروف ومعطيات وتربية وتوجهات، ويرى أن مهمته، مهما ضاق مداها وقلت وسائلها، يجب ألا تكون أقل من إبقاء طريق التحرير.. طريق الكرامة.. طريق عروبة فلسطين مفتوحة أمام الأجيال العربية التي لا يجوز لأحد أن يصادر حقها أو يساوم عليه.
فلنكن من حملة الشعلة.. ولندفع عن أمتنا وتاريخنا ما يمكن أن ندفعه، وليكن لنا الأمل ورصيد من التفاؤل غير الأحمق.. فليس جبروت أميركا بدائم؛ و"إسرائيل" من دون حاضنة تغذيها وثدي يرضعها، لا تصمد أكثر من عقد من الزمان. وحتى لو لم نقاوم واستمر رفضنا الجاد والحازم والحاسم "لإسرائيل" فإذا ذلك وحده يشكل كابوساً على صدر حكامها ومستوطنيها وحماتها.. فلنكن ذلك الكابوس على صدر اللص الذي يريد أن يبارك: المسروق له، والعالم كله، والربّ الخلاق، سرقتَه ومهنتَه ويدَه التي لم تقطع!!
الأسبوع الأدبي/ع380//23/أيلول/1993
وسيرفع بعد بضع سنوات إلى منصب أعلى من رئيس ذلك المخفر على حدود الأرض المحتلة، ليصبح حاكم الضفة الغربية وغزة.
وربما تُوّج، بعد أن يمر بالاختبار الصعب، رئيساً لبلدية حي من أحياء القدس الموحدة. ولكنه لن يكون في أية لحظة أكثر من سمسار للمصالح الإسرائيلية- الأميركية، ولن يجد له أمناً واطمئناناً وراحة إلا بحماية الإسرائيليين، ولن تكون له صناعة إلا ترويج المقولات الغربية والصهيونية في الأوساط العربية والإسلامية. وسيكون سعيداً بهذا الدور لأنه سيمكنه من الاعتماد على أصدقائه في البيت الأبيض وتل أبيب ليستروا عريه بزينة وموكب وإشاعات ترافق موكبه الكرتوني وتسبقه إلى أعتاب الملوك والرؤساء.
عرفات سوف يمكَّن من النجاح بنظر أكثر من مليوني فلسطيني سيشغلهم بما يقدم إليهم من مشاريع وأحلام وأوهام، عن السكين التي ابتلعوها؛ وسيبادل عرفات سكان المستوطنات اليهود في الضفة وغزة بعرب من عرب فلسطين 1948 ممن يسكنون في الجليل أو سواها. سيفعل ذلك تحت ضغط الأوصياء والحماة، والأوضاع والمستجدات، وسوف ينظر إلى ذلك ويقدمه للناس على أنه نصر وتحرير للفلسطينيين من قبضة الاحتلال " الإسرائيلي "؛ في حين أنه يخرجهم من فلسطين الجغرافية بعد أن أخرجهم من فلسطين التاريخ.
وسوف ينجح عرفات بترويج السلع والمشاريع الاقتصادية الإسرائيلية خصوصاً والغربية عموماً، وسيسوق " إسرائيل " عربياً، ويكون جسر التطبيع في أكثر من مجال، وربما في كل المجالات، وسيقبض عمولة "السمسار" على ذلك كله، وسيشيع رغبته في الوجاهة إلى أبعد الحدود، ويتحرك في الأرض طولاً وعرضاً مقدماً للناس "دولة فلسطينية" في قفص يحمله حكام "إسرائيل" ويعرضونه على العالم كله.
وسوف تكون له فرص شخصية أكبر من تقاسمه مع رابين وبيريس جائزة اليونيسكو للسلام.. إنه باختصار سيدخل التاريخ.. ولكن أي تاريخ.. ومن الذي سيدخله التاريخ وكيف؟!
بين عشية وضحاها انتقل عرفات من "إرهابي" إلى رجل سلام؛ ومن منبوذ شبه ملاحق من الغرب والصهيونية إلى صاحب حظوة في البيت الأبيض وتل أبيب. يكتشف له أصدقاء يسميهم (أصدقاء شعبه) في البيت الأبيض وهم الذين قتلوا شعبه وأمته وسرقوا وطنه وما زالوا يعلنون أنهم سوف يستمرون في مشاريعهم التي تجعل منهم حماة وأوصياء وسادة في وطن العرب.
ربما يفعل عرفات الكثير، وربما يجد الكثير مما كان محروماً منه منثوراً بين يديه.. ولكنه لن يستطيع أبداً أن يقنع عربياً شريفاً بأنه لم يفرط بفلسطين وبحقوق الشعب الفلسطيني، وبقضية قومية استقطبت جهود العرب أو بعض العرب لعقود طويلة. ولن يستطيع أن يقنع عربياً واحداً بأنه لم يفرط أيضاً بصحبة أخوته الذين يسميهم الآن "أصدقاء" حين كان يسير معهم في خطاً تنسيقية مشتركة، وعلى طريق نضالية تحريرية.
أما أن يصل عرفات إلى إقناع المثقفين والمعنيين من أبناء الأمة العربية بأن فلسطين شأن فلسطيني خالص لا علاقة للأمة به، ولا علاقة لعربي بقرار يتصل بها؛ فإن ذلك من المستحيلات بالنسبة للواعين قومياً والملتزمين بأمتهم وتاريخهاً ومقومات وجودها ومستقبلها.
إن الذين أخذوا يعزفون على وتر القرار الفلسطيني المستقل، وأولئك الذين أخذوا يطلبون من العرب، كل العرب، أن يقيموا علاقات طيبة مع "إسرائيل" وأن ينهوا المقاطعة، ويساهموا في إلغاء كل القرارات التي تدين "إسرائيل" وتصمها بما هي أهل له في المجتمع الدولي والأمم المتحدة، على أرضية الاعتراف الفلسطيني "بإسرائيل" واعتبار القضية منتهية لأن الفلسطيني اعترف وسالم وتحالف وفرح بكل ما وصل إليه؛ إن أولئك لن يستطيعوا انتزاع فلسطين من الوجدان القومي، ولن يستطيعوا محو الذاكرة الشعبية، التي يحرص المثقفون العرب وأهل الالتزام بقضايا الأمة على تجديدها.
"فلسطين عربية.. وستبقى عربية".
هكذا سنقول، وهكذا سنكتب، وعلى هذا سنربي أبناءنا. ولن تحذف من مناهج مدارسنا كل ما يتصل بحقيقة أن "إسرائيل" كيان دخيل على المنطقة، أقيمت على أرض فلسطين بقوة القهر وبتواطؤ غربي، ودعم من الاستعمار بأشكاله القديمة والجديدة المتجددة.
لقد أخذ الإسرائيليون وأهل التطبيع مع "إسرائيل" من العرب، ومناصرو المشروع الصهيوني وصنَعته وحماته من الغربيين، أخذوا ينتشرون كالسرطان في جسم السياسة العربية، وفي أوساط على هامشها، وتسارعت خطواتهم واتسعت مطالبهم حتى أنها، ومنذ البداية، تطالب بتحقيق كل ما يمكن أن تصل إليه نهايات المسارات.. إنهم يطلبون أن ينسى العربي أرضه وتاريخه وجرحه وكل المصائب والكوارث التي ألحقها الصهاينة والغرب المتصهين به، جرَّاء مطالبته بحقوقه في فلسطين. ويطالبون بأن نتخلص من ضمائرنا ومن كل ما يشكل قوام شخصيتنا وحضورنا وتمايزنا وحضارتنا، لندخل العصر " الإسرائيلي " من أوسع أبوابه، حيث نأكل ونعمل ونحرص على مصالح العدو الذي "هبط علينا رحمةً من السماء" بعنصريتة وتعاليه وغطرسته وخداعه وحقارته!؟!.
يطلبون منا أن ننسى الماضي، كل الماضي، وفي مقدمته أننا سُحقنا ودفنا أعزاءنا الذين قتلهم العدوان، وأن نتوجه إلى المستقبل الذي يفتح أبوابه لنا كلنتون "المخلص لـ " إسرائيل " أكثر من إخلاصه لنفسه" ورابين الذي يعلن اشمئزازه من منظمة التحرير في اللحظة التي يصافح فيها رئيسها. وعرفات الذي يرضيه أن يكون دمية بيد عدوه، ومدية في قلب أخيه، وحارساً لمصالح من احتقروه ودمروا شعبه، وسرقوا وطنه؛ وأحرقوا مراكب أمته لتسقط في بحر العلقم.
إنهم يطلبون منا أن نقبل وننسى.. وأن نصدق رابين الذي يهددنا وهو يذرف دموع التماسيح متباكياً على سلام يسمح له بأن يحتل مزيداً من الأرض والإرادات، وأن يسيطر على المنطقة ويتجذر اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً فيها؛ وأن يدخل حاضنة دائمة له "ولدولته" بعد أن شعر بأن أميركا تريد "لإسرائيل" فطاماً من ثديها، ولكنها تحرص على أن تربط فمها إلى ثدي عربي مدرار؛ ليتحرر مبلغ كبير من المال تدريجياً تفك به أميركا أزمتها أو يساعدها على حل الأزمة الاقتصادية المستحكمة ويلغي الاحتجاج الذي بدأ يتصاعد من فقراء أميركا وأمييها الذين بلغ عددهم /90/ مليوناً في عصر ازدهار إمبراطوريتها!؟.
إنهم يريدون منا، نحن المجروحين بأكثر السيوف سُميّة وحقداً في التاريخ، أن ننسى وأن نركض لنحتضن "المنقذ" الهابط إلينا من فضاء التلمود مدججاً بالحقد العنصري والقنابل النووية؛ بحجة أنه يربط في أعلى ساق حذائه العسكري دمية تمثل مصالحة مضحكة، على حقوق شعب وأمة وأجيال، لا يملك فرد الحق في أن يتنازل عنها.
إنهم يهددون من يعارض، ويتوعدون من يعوق الاتفاق ويلوحون لمن لا يدعمه من العرب، أفراداً أو تنظيمات وحكومات، بالحصار والقتل والتدمير.. وهناك من يركض باحثاً عن مظلة أو زورق نجاة، وهناك من يقاوم على استحياء، وهناك من يسأل بحيرة وأحياناً بلؤم: وماذا لديكم من حلول أخرى!! وهناك من يؤمن بأن طريق الحق العربي والتحرير لا بد أن تبقى مفتوحة لتسلكها الأجيال القادمة عندما تتغير ظروف ومعطيات وتربية وتوجهات، ويرى أن مهمته، مهما ضاق مداها وقلت وسائلها، يجب ألا تكون أقل من إبقاء طريق التحرير.. طريق الكرامة.. طريق عروبة فلسطين مفتوحة أمام الأجيال العربية التي لا يجوز لأحد أن يصادر حقها أو يساوم عليه.
فلنكن من حملة الشعلة.. ولندفع عن أمتنا وتاريخنا ما يمكن أن ندفعه، وليكن لنا الأمل ورصيد من التفاؤل غير الأحمق.. فليس جبروت أميركا بدائم؛ و"إسرائيل" من دون حاضنة تغذيها وثدي يرضعها، لا تصمد أكثر من عقد من الزمان. وحتى لو لم نقاوم واستمر رفضنا الجاد والحازم والحاسم "لإسرائيل" فإذا ذلك وحده يشكل كابوساً على صدر حكامها ومستوطنيها وحماتها.. فلنكن ذلك الكابوس على صدر اللص الذي يريد أن يبارك: المسروق له، والعالم كله، والربّ الخلاق، سرقتَه ومهنتَه ويدَه التي لم تقطع!!
الأسبوع الأدبي/ع380//23/أيلول/1993
تعليق