رد: صمود وانهيار مسارات التفاوض العربية-الإسرائيلية بعد مؤتمر مدريد-
فطير صهيون أم انكشارية جديدة
يذكر العرب السوريون جيداً قصة " فطير صهيون " تلك التي انكشفت، من بين قصص كثيرة أخرى، وكان أبطالها من يهود حي باب شرقي في دمشق، وقد صفّوا دم مسيحي حتى الموت ليصنعوا بدمه فطيراً يوم عيدهم .
وإذا كانت التحقيقات الفرنسية، إبَّان عهد الاحتلال الفرنسي لسورية، قد كشفت الفاعلين وسجَّلت شهادات الشهود، وثبَّتت القضية في سجلات الشرطة والقضاء، وأصبحت مصدراً لمن يريد أن يعرف المزيد عن عنصرية اليهود ودمويتهم؛ أقول إذا كانت تحقيقات الفرنسيين قد كشفت بعض ذلك في دمشق فإن البريطانيين، الذين كانوا مكلفين بتنفيذ وعد " بلفور "، الذي تبنته عصبة الأمم بإقامة دولة يهودية في فلسطين، لم يهتموا بعشرات الحوادث التي كانت تتم في فلسطين المحتلة، ويُصَفَّى فيها دم فلسطينيين حتى الموت لأغراض شتى؛ ومن ثمة لم تنكشف تفاصيلُها. وهناك حوادث كثيرة مشابهة عُتِّم عليها تمت في روسيا وفي أنحاء مختلفة من أوربا والعالم.
وما يبعث تلك الحوادث اليوم حيّة في ذاكرتي خبرٌ ورد من " ريو دي جانيرو " ونقلته وكالة الأنباء الفرنسية (أ. ف. ب) وقع يوم
الاثنين (5/10/1992) وقد جاء فيه ما يلي :
"اعتقلت الشرطة الفيدرالية البرازيلية مساء الاثنين (5/10/1992)
في مطار " ريو دي جانيرو " برازيليتين كانتا تهمَّان بتسليم زوجين " إسرائيليين " طفلة من " البارغواي " في شهرها الرابع بعد شرائها من عائلتها. وأفادت الشرطة أن إحدى البرازيليتين اشترت الطفلة من عائلة فقيرة في سانسون " الباراغواي " وكانت تسافر منتحلة اسماً مستعاراً .
وأفادت الشرطة الفيدرالية أن من بين كل (10) أطفال برازيليين يتبناهم أجانب بطريقة غير شرعية هناك ستة يحملون جواز سفر مزوراً يصلون إلى "إسرائيل " !!
وإذا كانت نسبة 60 % مما يُشرى أو يُسرق من أطفال البرازيل يذهب إلى " إسرائيل " فإن أيدي اليهود في إفريقيا طائلة بالقدر ذاته وربما أكثر.
ولم ينصرف انتباهي وأنا أتأمل في الخبر الوارد من " ريو دي جانيرو " إلى أن " إسرائيل " تشتري خرافاً بشرية وتعلُفها من أجل صناعة فطير للسكان في أعياد الدولة الصهيونية العنصرية، على الرغم مما قفز إلى الذاكرة من مخزون يشد الانتباه إلى هذا الاتجاه؛ بل انصرف تفكيري إلى شيء آخر تماماً أراه أقرب إلى التكوين العنصري لليهود اليوم، وإلى أطماعهم الصهيونية في المرحلة الحالية، وألصق بمتطلبات السياسة التوسعية الاستيطانية التي تنتهجها " إسرائيل "؛ وبطبيعة تفكير اليهود في فلسطين المحتلة، وحساسيتهم الشديدة من الخسائر البشرية التي تلحق بهم، وتأثير ذلك في الأوساط الاجتماعية والدينية والسياسية، تلك التي ترى أنه لا يجوز " للغوييم" أن يقتلوا يهودياً أُوكلَ إليه " يهوه " استبعاد " الغوييم واستخدامهم وقتلهم، وترى أن اليهودي يساوي عشرات "الغوييم" بنظر أبناء " الشعب المختار" وحاخاماتهم، الذين يرون أن التلمود يجيز قتل الواحد من "الغوييم" بحمار اليهودي ؟!.
ولذلك فإن التفكير الإستراتيجي الصهيوني، في ضوء تعامله مع عرب الأرض المحتلة، الذين يعتبرون " مخرِّبين"، وفي ضوء توجهه التوسعي مستقبلاً لتحقيق الحلم التوراتي بدولة يهودية تمتد من النيل إلى الفرات؛ ولأنه ينظر إلى وجود " إسرائيل " على أنه وجود مهدد في خضم من العرب، الذين يتكاثرون بسرعة ويغضبون بسرعة أيضاً؛ وفي ضوء حقائق توجه المجتمع اليهودي الذي يريد أرباحاً من دون خسائر من أي نوع ؛ ربما اتجه ذلك التفكير الاستعماري ـ الاستيطاني، بل ارجح أنه يعمل في الخفاء ـ على إيجاد قوة بشرية، غير يهودية الأصول، تخدم أهداف " إسرائيل" بولاء لا يقبل الشك، ويمكن التضحية بأعداد كبيرة منها من غير إِثارة من أي نوع للمجتمع اليهودي وعواطفه ومشاعره؛ كما يمكن تربية تلك القوة منذ الصغر تربية خاصة على الخدمة بتفانٍ، والقتل بقسوة، والتصرف من غير رحمة مع العرب؛ فتحقق للصهيونية أهدافاً كبيرة من خلال الولاء، وربما من خلال التهويد ـ تهويد النسل ـ مستقبلاً .
وذلك نمط من تكوين جيش "إنكشاري" صهيوني بمواصفات عصرية، ينفذ الإستراتيجية التوسعية ـ الاستيطانية ـ الصهيونية. وإلاّ فما معنى أن تمتد تلك الشبكات التي تشتري الأطفال لمصلحة " إسرائيل " في بلدان متعددة ومناطق مختلفة من القارات التي ينتشر فيها الفقر والحاجة، وأن تصل نسبة ما يصل إلى " إسرائيل " من الأولاد المسروقين أو المبيعين إلى 60 % من مجموعهم في الأورغواي مثلاً؛ وما معنى أن يسهَّل خروج أولئك من بلدانهم بجوازات سفر إسرائيلية، وأن يصلوا إلى فلسطين المحتلة مملوكين بالشراء من متبنّين " إسرائيليين "؟! وما معنى أن يتم التكتم على عمليات من ذلك النوع؟! وإذا ما انتشر خبر من أخبارها مصادفة عُتِّم عليه بإشكال مختلفة جراء سيطرة الإعلام الصهيوني والتعاطف معه؟! ألا يكمن وراء ذلك جهد المنظمة الصهيونية، و " دولة الكيان الصهيوني" وأجهزة الاستخبارات التي تنظم ذلك وتدفع تكاليفه، وتبرمجه خدمة لمخططها؟ !
إن من واجبنا أن نفكر بكل احتمال من تلك الاحتمالات، وأن نتلمَّس ما تُخفيه " إسرائيل " من خطط ومشاريع؛ لأن اعتمادها المستمر على القوة القاهرة، وسعيها الدؤوب للتفوق العسكري على العرب مجتمعين، وتبنيها للاستراتيجية التوسعية العدوانية، مازال مستمراً، ولأنها تأخذ مكانة متقدمة في الاستراتيجية الأميركية في هذه المنطقة من العالم ـ وهي استراتيجية قائمة على حماية المصالح الأميركية بالقوة إذا لزم الأمر، وعماد قوتها واقتدارها ينصب على دور " إسرائيل " في هذه الاستراتيجية، التي تعود بالنفع على الطرفين وتحقق أهدافهما ومصالحهما المتبادلة، وتحتاج إلى قوى بشرية كبيرة ومخططات طموحة وبعيدة المدى لتنفيذها.
إننا في صراع طويل وقاس ومرّ، مع الكيان العنصري الصهيوني الذي يحتل أرضنا العربية، ذلك الذي لن نعترف " لدولته " بشرعية وجود من أي نوع بين ظهرانينا، مهما امتدّ الزمن واشتد الصراع وطال مداه. وعلينا أن نتهيَّأ لذلك بكل الوسائل حتى لا نندُب حظاً عاثراً بعد فوات الأوان في كل جولة من جولاتنا معه .
الأسبوع الأدبي/ع335//1992.
وإذا كانت التحقيقات الفرنسية، إبَّان عهد الاحتلال الفرنسي لسورية، قد كشفت الفاعلين وسجَّلت شهادات الشهود، وثبَّتت القضية في سجلات الشرطة والقضاء، وأصبحت مصدراً لمن يريد أن يعرف المزيد عن عنصرية اليهود ودمويتهم؛ أقول إذا كانت تحقيقات الفرنسيين قد كشفت بعض ذلك في دمشق فإن البريطانيين، الذين كانوا مكلفين بتنفيذ وعد " بلفور "، الذي تبنته عصبة الأمم بإقامة دولة يهودية في فلسطين، لم يهتموا بعشرات الحوادث التي كانت تتم في فلسطين المحتلة، ويُصَفَّى فيها دم فلسطينيين حتى الموت لأغراض شتى؛ ومن ثمة لم تنكشف تفاصيلُها. وهناك حوادث كثيرة مشابهة عُتِّم عليها تمت في روسيا وفي أنحاء مختلفة من أوربا والعالم.
وما يبعث تلك الحوادث اليوم حيّة في ذاكرتي خبرٌ ورد من " ريو دي جانيرو " ونقلته وكالة الأنباء الفرنسية (أ. ف. ب) وقع يوم
الاثنين (5/10/1992) وقد جاء فيه ما يلي :
"اعتقلت الشرطة الفيدرالية البرازيلية مساء الاثنين (5/10/1992)
في مطار " ريو دي جانيرو " برازيليتين كانتا تهمَّان بتسليم زوجين " إسرائيليين " طفلة من " البارغواي " في شهرها الرابع بعد شرائها من عائلتها. وأفادت الشرطة أن إحدى البرازيليتين اشترت الطفلة من عائلة فقيرة في سانسون " الباراغواي " وكانت تسافر منتحلة اسماً مستعاراً .
وأفادت الشرطة الفيدرالية أن من بين كل (10) أطفال برازيليين يتبناهم أجانب بطريقة غير شرعية هناك ستة يحملون جواز سفر مزوراً يصلون إلى "إسرائيل " !!
وإذا كانت نسبة 60 % مما يُشرى أو يُسرق من أطفال البرازيل يذهب إلى " إسرائيل " فإن أيدي اليهود في إفريقيا طائلة بالقدر ذاته وربما أكثر.
ولم ينصرف انتباهي وأنا أتأمل في الخبر الوارد من " ريو دي جانيرو " إلى أن " إسرائيل " تشتري خرافاً بشرية وتعلُفها من أجل صناعة فطير للسكان في أعياد الدولة الصهيونية العنصرية، على الرغم مما قفز إلى الذاكرة من مخزون يشد الانتباه إلى هذا الاتجاه؛ بل انصرف تفكيري إلى شيء آخر تماماً أراه أقرب إلى التكوين العنصري لليهود اليوم، وإلى أطماعهم الصهيونية في المرحلة الحالية، وألصق بمتطلبات السياسة التوسعية الاستيطانية التي تنتهجها " إسرائيل "؛ وبطبيعة تفكير اليهود في فلسطين المحتلة، وحساسيتهم الشديدة من الخسائر البشرية التي تلحق بهم، وتأثير ذلك في الأوساط الاجتماعية والدينية والسياسية، تلك التي ترى أنه لا يجوز " للغوييم" أن يقتلوا يهودياً أُوكلَ إليه " يهوه " استبعاد " الغوييم واستخدامهم وقتلهم، وترى أن اليهودي يساوي عشرات "الغوييم" بنظر أبناء " الشعب المختار" وحاخاماتهم، الذين يرون أن التلمود يجيز قتل الواحد من "الغوييم" بحمار اليهودي ؟!.
ولذلك فإن التفكير الإستراتيجي الصهيوني، في ضوء تعامله مع عرب الأرض المحتلة، الذين يعتبرون " مخرِّبين"، وفي ضوء توجهه التوسعي مستقبلاً لتحقيق الحلم التوراتي بدولة يهودية تمتد من النيل إلى الفرات؛ ولأنه ينظر إلى وجود " إسرائيل " على أنه وجود مهدد في خضم من العرب، الذين يتكاثرون بسرعة ويغضبون بسرعة أيضاً؛ وفي ضوء حقائق توجه المجتمع اليهودي الذي يريد أرباحاً من دون خسائر من أي نوع ؛ ربما اتجه ذلك التفكير الاستعماري ـ الاستيطاني، بل ارجح أنه يعمل في الخفاء ـ على إيجاد قوة بشرية، غير يهودية الأصول، تخدم أهداف " إسرائيل" بولاء لا يقبل الشك، ويمكن التضحية بأعداد كبيرة منها من غير إِثارة من أي نوع للمجتمع اليهودي وعواطفه ومشاعره؛ كما يمكن تربية تلك القوة منذ الصغر تربية خاصة على الخدمة بتفانٍ، والقتل بقسوة، والتصرف من غير رحمة مع العرب؛ فتحقق للصهيونية أهدافاً كبيرة من خلال الولاء، وربما من خلال التهويد ـ تهويد النسل ـ مستقبلاً .
وذلك نمط من تكوين جيش "إنكشاري" صهيوني بمواصفات عصرية، ينفذ الإستراتيجية التوسعية ـ الاستيطانية ـ الصهيونية. وإلاّ فما معنى أن تمتد تلك الشبكات التي تشتري الأطفال لمصلحة " إسرائيل " في بلدان متعددة ومناطق مختلفة من القارات التي ينتشر فيها الفقر والحاجة، وأن تصل نسبة ما يصل إلى " إسرائيل " من الأولاد المسروقين أو المبيعين إلى 60 % من مجموعهم في الأورغواي مثلاً؛ وما معنى أن يسهَّل خروج أولئك من بلدانهم بجوازات سفر إسرائيلية، وأن يصلوا إلى فلسطين المحتلة مملوكين بالشراء من متبنّين " إسرائيليين "؟! وما معنى أن يتم التكتم على عمليات من ذلك النوع؟! وإذا ما انتشر خبر من أخبارها مصادفة عُتِّم عليه بإشكال مختلفة جراء سيطرة الإعلام الصهيوني والتعاطف معه؟! ألا يكمن وراء ذلك جهد المنظمة الصهيونية، و " دولة الكيان الصهيوني" وأجهزة الاستخبارات التي تنظم ذلك وتدفع تكاليفه، وتبرمجه خدمة لمخططها؟ !
إن من واجبنا أن نفكر بكل احتمال من تلك الاحتمالات، وأن نتلمَّس ما تُخفيه " إسرائيل " من خطط ومشاريع؛ لأن اعتمادها المستمر على القوة القاهرة، وسعيها الدؤوب للتفوق العسكري على العرب مجتمعين، وتبنيها للاستراتيجية التوسعية العدوانية، مازال مستمراً، ولأنها تأخذ مكانة متقدمة في الاستراتيجية الأميركية في هذه المنطقة من العالم ـ وهي استراتيجية قائمة على حماية المصالح الأميركية بالقوة إذا لزم الأمر، وعماد قوتها واقتدارها ينصب على دور " إسرائيل " في هذه الاستراتيجية، التي تعود بالنفع على الطرفين وتحقق أهدافهما ومصالحهما المتبادلة، وتحتاج إلى قوى بشرية كبيرة ومخططات طموحة وبعيدة المدى لتنفيذها.
إننا في صراع طويل وقاس ومرّ، مع الكيان العنصري الصهيوني الذي يحتل أرضنا العربية، ذلك الذي لن نعترف " لدولته " بشرعية وجود من أي نوع بين ظهرانينا، مهما امتدّ الزمن واشتد الصراع وطال مداه. وعلينا أن نتهيَّأ لذلك بكل الوسائل حتى لا نندُب حظاً عاثراً بعد فوات الأوان في كل جولة من جولاتنا معه .
الأسبوع الأدبي/ع335//1992.
تعليق