بسم الله الرحمان الرحيم
هذا جزء من بحث تحت عنوان نظرات فى حماسة ابى تمام وان شاء الله سابحث عن بقيته فارجو المعذرة
٭ أحمد بشار بركات
- باب الأدب اختيارات أبي تمام في هذا الباب من الحماسة تعكس جانباً من شخصيته،
فمن يقرأ أخباره وأشعاره يلاحظ تأثره بمختاراته ولعل في هذا الأمر بداهةً إذ أن الشعراء جميعاً في ذلك الوقت كانوا يترددون على مناهج القدماء كثيراً، فضلاً عن شخصية هذا الشاعر الطائي التي اتصفت بالجدّ والوقار . وقد قصد أبو تمام في هذا الباب معنى الأدب الخلقي لا ماعرَّفه به ابن خلدون في مقدمته المشهورة «بأنه الأخذ من كلّ علمٍ بطرف» فقد اختار (لسلمة بن وابصة) - وهو شاعر إسلامي تابعي - أبياتاً تنهى عن سماع الفاحشة وتدعو إلى الصفح عن إساءة الصاحب إذ يقول : أحبُّ الفتى ينفي الفواحشَ سمعهُ كأنَّ بهِ عن كلِّ فاحشةٍ وقْرا سليمَ دواعي الصدر لاباسطاً أذىً ولامانعاً خيراً ولاقائلاً هُجرا إذا ماأتتْ من صاحبٍ لك زلةٌ فكنْ أنتَ محتالاً لزلتهِ عُذرا وهذا شاعر آخر يدعى محمد بن بشير يقول أبياتاً مليئة بالحكم : إنَّ الأمورَ إذا انسدّتْ مسالكها فالصبرُ يفتقُ منها كلَّ ماارتججا لاتيأسنَّ وإنْ طالتْ مُطالبةٌ إذا استعنتَ بصبرٍ أنْ ترى فرجا أخلقْ بذي الصبرِ أن يحظى بحاجتهِ ومدمنِ القرعِ للأبوابِ أن يلجا قدّرْ لرجلك قبلَ الخطو موضعها فمنْ علا زلقاً عن غِرَّةٍ زلجا ولايغرّنْكَ صفوٌ أنتَ شاربهُ فربّما كان بالتكدير ِ مم تزجا وهذا رجل وهو من بني قريع يقول في أبيات تتجلّى فيها الحكمة : متى مايرى الناسُ الغنّي وجارهُ فقيرٌ يقولوا عاجزٌ وجليدُ وليس الغنى والفقرُ من حيلةِ الفتى ولكنْ أحاظٍ قُسّمتْ وجُدودُ إذا المرءُ أعيتهُ المروءةُ ناشئاً فمطلبها كهلاً عليه شديدُ وإنَّ امرأً يمسي ويصبحُ سالماً من الناس إلاّ ماجنى لَسعيدُ - باب النسيب وهو من أسماء الغزل عند العرب ، ودُعي أيضاً التشبيب فابن سلام دعاه بالنسيب ، وابن رشيق لم يفرّق بين أسمائه ، فالنسيب والتغزل والتشبيب كلها عنده بمعنى واحد . على أن التبريزي أحد شرّاح الحماسة كما ذكر ، يفرق بين النسيب والغزل ، فالغزل هو «الاشتهار بمودات النساء والصبوة إليهن. أما النسيب فهو «ذكر ذلك والخبر عنه» وقد تنوعت اختيارات النسيب بين الجاهليين والإسلاميين من حضر وبدو، ومن مشهور مااختاره أبو تمام في هذا الباب للبُداة من شعراء العرب قصيدة الشاعر الإسلامي الصمّة بن عبد الله القشيري: التي يقول فيها : حننْتَ إلى ريّا ونفسكَ باعدتْ مزاركَ من ريّا وشعباكما معا فما حسنٌ أن تتركَ الأمر طائعاً وتجزعَ أن داعي الصبابة أسمعا قفا ودّعا نجداً ومن حلّ بالحمى وقلّ لنجدٍ عندنا أن يُودّعا بنفسيَ تلكَ الأرضُ ماأطيبَ الرُّبا وماأحسنَ المصطافَ والمتربّعا! وليست عشيّاتُ الحِمى برواجعٍ عليكَ ولكنْ خلّ عينيكَ تدمعا ولما رأيتُ «البشْرِ» أعرضَ دوننا وحالتْ بناتُ الشوقِ يحْنُنَّ نُزّعا بكتْ عينيَ اليسرى فلما زجرتها عن الجهلِ بعد الحلمِ أسبلتا معا تلفّتُ نحو الحيِّ حتى وجدْتني وجِعتُ من الإصغاءِ ليتاً وأخدَعا وأذكرُ أيامَ الحِمى ثمّ أنثني على كبدي من خشيةٍ أن تصدّعا وهذا شاعر آخر يرثي لحال المحبين وشقائهم في حبهم إذ هم في بكاء دائم سواء في اللقاء أو الفراق فيقول : وما في الأرض أشقى من مُحبٍّ وإن وجد الهوى حُلوَ المذاقِ تراه باكياً في كل حينٍ مخافةَ فرقةٍ أو لاشتياقِ فيبكي إن نأوا شوقاً إليهم ويبكي إن دنوا خوف الفراقِ - باب الهجاء : الهجاء لغةً : هو الوقيعة في الأنساب وغيرها ورمي الإنسان بالمعايب والقبائح ، وقد قيل إن معناه التفصيل، ومنه حروف الهجاء . فأقول هجّى فلان الكلمة إذا فصّل حروفها . وكأن الشاعر إذا هجا غيره فرقه وفصله . وباب الهجاء في الحماسة ضم بين أوراقه فنوناً من الهجاء الذي تداولته العرب من هجاء شخص تناول الرجال والنساء إلى هجاءٍ قبلي تناولت القبائل فيه الذمّ والمثالب . وفيه مختارات من هجاء شعراء العصر الأموي الذي احتدم فيه الهجاء القبلي إثر انبعاث العصبية القبلية في أمصار العرب . فأما من الهجاء الشخصي فنذكر أبياتاً لامرأة تهجو زوجها واسمه قتادة اليشكري : حلفتُ ولم أكذبْ وإلا فكلُ ما ملكتُ لبيتِ الله أهديهِ حافيهْ لو انّ المنايا أعرضتْ لاقتحمتها مخافةَ فِيْهِ إنّ فيه لَداهيهْ فما جيفةُ الخنزير عند ابن مغربٍ قتادة إلاّ ريحُ مسكٍ وغاليهْ فكيفَ اصطباري ياقتادةُ بعدما شممْتُ الذي من فِيكِ أثأى صماخِيَهْ وأما الهجاء القبلي فمثاله قول الشاعر (قعنب بن أم صاحب) يهجو قومه : إنْ يسمعوا ريبةً طاروا بها فرحاً مِنّي وما سمعوا من صالحٍ دفنوا صُمَّ إذا سمعوا خيراً ذكرْتُ به وإن ذُكرتُ بشرّ عندهم أذنوا جهلاً علينا وجُبناً عن عدوّهم لبئستِ الخلّتان الجهلُ والجبنُ
هذا جزء من بحث تحت عنوان نظرات فى حماسة ابى تمام وان شاء الله سابحث عن بقيته فارجو المعذرة
٭ أحمد بشار بركات
- باب الأدب اختيارات أبي تمام في هذا الباب من الحماسة تعكس جانباً من شخصيته،
فمن يقرأ أخباره وأشعاره يلاحظ تأثره بمختاراته ولعل في هذا الأمر بداهةً إذ أن الشعراء جميعاً في ذلك الوقت كانوا يترددون على مناهج القدماء كثيراً، فضلاً عن شخصية هذا الشاعر الطائي التي اتصفت بالجدّ والوقار . وقد قصد أبو تمام في هذا الباب معنى الأدب الخلقي لا ماعرَّفه به ابن خلدون في مقدمته المشهورة «بأنه الأخذ من كلّ علمٍ بطرف» فقد اختار (لسلمة بن وابصة) - وهو شاعر إسلامي تابعي - أبياتاً تنهى عن سماع الفاحشة وتدعو إلى الصفح عن إساءة الصاحب إذ يقول : أحبُّ الفتى ينفي الفواحشَ سمعهُ كأنَّ بهِ عن كلِّ فاحشةٍ وقْرا سليمَ دواعي الصدر لاباسطاً أذىً ولامانعاً خيراً ولاقائلاً هُجرا إذا ماأتتْ من صاحبٍ لك زلةٌ فكنْ أنتَ محتالاً لزلتهِ عُذرا وهذا شاعر آخر يدعى محمد بن بشير يقول أبياتاً مليئة بالحكم : إنَّ الأمورَ إذا انسدّتْ مسالكها فالصبرُ يفتقُ منها كلَّ ماارتججا لاتيأسنَّ وإنْ طالتْ مُطالبةٌ إذا استعنتَ بصبرٍ أنْ ترى فرجا أخلقْ بذي الصبرِ أن يحظى بحاجتهِ ومدمنِ القرعِ للأبوابِ أن يلجا قدّرْ لرجلك قبلَ الخطو موضعها فمنْ علا زلقاً عن غِرَّةٍ زلجا ولايغرّنْكَ صفوٌ أنتَ شاربهُ فربّما كان بالتكدير ِ مم تزجا وهذا رجل وهو من بني قريع يقول في أبيات تتجلّى فيها الحكمة : متى مايرى الناسُ الغنّي وجارهُ فقيرٌ يقولوا عاجزٌ وجليدُ وليس الغنى والفقرُ من حيلةِ الفتى ولكنْ أحاظٍ قُسّمتْ وجُدودُ إذا المرءُ أعيتهُ المروءةُ ناشئاً فمطلبها كهلاً عليه شديدُ وإنَّ امرأً يمسي ويصبحُ سالماً من الناس إلاّ ماجنى لَسعيدُ - باب النسيب وهو من أسماء الغزل عند العرب ، ودُعي أيضاً التشبيب فابن سلام دعاه بالنسيب ، وابن رشيق لم يفرّق بين أسمائه ، فالنسيب والتغزل والتشبيب كلها عنده بمعنى واحد . على أن التبريزي أحد شرّاح الحماسة كما ذكر ، يفرق بين النسيب والغزل ، فالغزل هو «الاشتهار بمودات النساء والصبوة إليهن. أما النسيب فهو «ذكر ذلك والخبر عنه» وقد تنوعت اختيارات النسيب بين الجاهليين والإسلاميين من حضر وبدو، ومن مشهور مااختاره أبو تمام في هذا الباب للبُداة من شعراء العرب قصيدة الشاعر الإسلامي الصمّة بن عبد الله القشيري: التي يقول فيها : حننْتَ إلى ريّا ونفسكَ باعدتْ مزاركَ من ريّا وشعباكما معا فما حسنٌ أن تتركَ الأمر طائعاً وتجزعَ أن داعي الصبابة أسمعا قفا ودّعا نجداً ومن حلّ بالحمى وقلّ لنجدٍ عندنا أن يُودّعا بنفسيَ تلكَ الأرضُ ماأطيبَ الرُّبا وماأحسنَ المصطافَ والمتربّعا! وليست عشيّاتُ الحِمى برواجعٍ عليكَ ولكنْ خلّ عينيكَ تدمعا ولما رأيتُ «البشْرِ» أعرضَ دوننا وحالتْ بناتُ الشوقِ يحْنُنَّ نُزّعا بكتْ عينيَ اليسرى فلما زجرتها عن الجهلِ بعد الحلمِ أسبلتا معا تلفّتُ نحو الحيِّ حتى وجدْتني وجِعتُ من الإصغاءِ ليتاً وأخدَعا وأذكرُ أيامَ الحِمى ثمّ أنثني على كبدي من خشيةٍ أن تصدّعا وهذا شاعر آخر يرثي لحال المحبين وشقائهم في حبهم إذ هم في بكاء دائم سواء في اللقاء أو الفراق فيقول : وما في الأرض أشقى من مُحبٍّ وإن وجد الهوى حُلوَ المذاقِ تراه باكياً في كل حينٍ مخافةَ فرقةٍ أو لاشتياقِ فيبكي إن نأوا شوقاً إليهم ويبكي إن دنوا خوف الفراقِ - باب الهجاء : الهجاء لغةً : هو الوقيعة في الأنساب وغيرها ورمي الإنسان بالمعايب والقبائح ، وقد قيل إن معناه التفصيل، ومنه حروف الهجاء . فأقول هجّى فلان الكلمة إذا فصّل حروفها . وكأن الشاعر إذا هجا غيره فرقه وفصله . وباب الهجاء في الحماسة ضم بين أوراقه فنوناً من الهجاء الذي تداولته العرب من هجاء شخص تناول الرجال والنساء إلى هجاءٍ قبلي تناولت القبائل فيه الذمّ والمثالب . وفيه مختارات من هجاء شعراء العصر الأموي الذي احتدم فيه الهجاء القبلي إثر انبعاث العصبية القبلية في أمصار العرب . فأما من الهجاء الشخصي فنذكر أبياتاً لامرأة تهجو زوجها واسمه قتادة اليشكري : حلفتُ ولم أكذبْ وإلا فكلُ ما ملكتُ لبيتِ الله أهديهِ حافيهْ لو انّ المنايا أعرضتْ لاقتحمتها مخافةَ فِيْهِ إنّ فيه لَداهيهْ فما جيفةُ الخنزير عند ابن مغربٍ قتادة إلاّ ريحُ مسكٍ وغاليهْ فكيفَ اصطباري ياقتادةُ بعدما شممْتُ الذي من فِيكِ أثأى صماخِيَهْ وأما الهجاء القبلي فمثاله قول الشاعر (قعنب بن أم صاحب) يهجو قومه : إنْ يسمعوا ريبةً طاروا بها فرحاً مِنّي وما سمعوا من صالحٍ دفنوا صُمَّ إذا سمعوا خيراً ذكرْتُ به وإن ذُكرتُ بشرّ عندهم أذنوا جهلاً علينا وجُبناً عن عدوّهم لبئستِ الخلّتان الجهلُ والجبنُ
Comment