الحمد لله الذي ارتضى لأمَّة محمد r دين الإسلام، وجعل شريعة محمد r خاتمة الشرائع وأكملها، وأرسل بها أفضل خلقه محمدًا r .. وبعد:
فقد اطَّلعت على ما نُشر في جريدة «اليوم» العدد «4080» بتاريخ 12/8/1404هـ الصفحة الأخيرة تحت عنوان: «معبد غريب للسيخ في الإمارات» نقلاً عن وكالة أنباء الخليج .. وقد جاء في ذلك الخبر ما يلي:
ووصف أحد علماء المسلمين في دبي هذا المعبد بأنه يُشكِّل خطرًا كبيرًا على المسلمين وينبغي إزالته، وقال إنَّ الديانات المسموح بها في الإمارات هي التي لها كتابٌ سماويٌّ فقط، أمَّا ما عدا ذلك فهي معتقدات كافرة ينبغي إزالة معابدها ومنعها من ممارسة طقوسها حتى لا تؤثر على المسلمين في هذه الأرض.
إنَّ اليهودية والنصرانية مسموحٌ بهما في الإمارات، سواء الانتماء إليهما أو إقامة معابد لها أو مزاولة كافة طقوسهما .. ومعنى ذلك أنَّ التبشير النصراني علنيٌّ ومسموحٌ له رسميًا هناك .. وهذا أمرٌ خطير.
والأمر الثاني، وهو أخطر من الأول:
الحكم ضمنًا من واقع كلام هذا المتحدث بأنَّ الديانات السماوية كاليهودية والنصرانية ليست كافرة، وبالتالي فإنه إذا كان الأمر كذلك يجوز الدخول فيهما والانتماء إليهما والدعوة إليهما والتبشير بهما.
ولن أتعرَّض لمعبد السيخ هذا؛ لأنَّ الخبر جاء فيه بأن الشيخ عبد الجبار الماجد مدير أوقاف دبي قال بأنَّ البلدية سوف تُزيل هذا المعبد فجزاه الله خيرًا؛ لأنَّ وجود هذا المعبد يتضمَّن الدعوة إلى عبادة الأوثان التي يجب إنكارها.
أمَّا هذا الكلام السابق فمعلوم ما فيه من بطلان وغلط، فإنَّ الدين الإسلامي هو الدين الصحيح المطلوب من أهل الأرض .. قال الله تعالى: }وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ{
والآيات الكريمات في هذا المعنى كثيرة، مما يُعلم معه بأنَّ الديانة اليهودية والديانة النصرانية قد نُسختا بشريعة محمد r، وأنَّ ما فيهما من حقٍّ أثبته الإسلام، وما فيهما من باطل هو مما حرَّفه القوم وبدَّلوه حسب أهوائهم، ليشتروا به ثمنًا قليلاً، فبئس ما يشترون.
أهل الأرض، وهو الدين الذي بشَّر به جميع الأنبياء .. روى النسائي عن النبي r أنه رأى في يد عمر بن الخطاب t ورقة من التوراة فقال: «أمتهوِّكون يا بن الخطاب؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية لو كان موسى حيًّا واتبعتموه وتركتموني ضللتم».
وفي رواية: «لو كان موسى حيًا ما وسعه إلاَّ اتباعي».
فقال عمر: رضيت بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبينًا([1]).
وكما أنَّ عيسى u جاء مُجدِّدًا لديانة موسى u، وليُحلَّ لهم بعض ما حُرَّم عليهم كما في قوله تعالى: }وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ{ [آل عمران: 50، 51]
فإنه سينزل في آخر الزمان ليُجدِّد رسالة محمد r: «يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا مقسطًا فيكسر الصليب ويقتل
([1]) أخرجه أحمد والدارمي وحسنه الألباني في تعليقه على المشكاة (1/63).
قال النووي في شرحه قوله «يضع الجزية»: أي لا يقبل إلا الإسلام أو السيف([2]).
وعندما يرى هذه الآية أهل الأرض فعند ذلك يرجع لدين الإسلام من هدى الله قلبه، ويدخل فيه من أنار الله بصيرته من اليهود والنصارى؛ فيؤمن بعيسى بعدما ظهرت أمامه الآيات الساطعات التي تتجلَّى فيها أنوار الحقِّ الواضحة .. ويكون الإيمان بعيسى u في ذلك الوقت تصديق برسالة محمد r وبالدين الذي جاء به من عند ربِّه وهو الإسلام، حيث ينكشف الكذب ويظهر الزيف الذي أدخله الأحبار والرهبان على الديانة النصرانية واليهودية ليُضلُّوا الناس ويُلبسوا عليهم دينهم .. قال الله تعالى في قصة عيسى u مع أهل الكتاب الذين قالوا بأنهم قتلوه، موضِّحًا كذبهم، وأن منهم من سوف يؤمن بعيسى u قبل موته، لأنَّ الموت حقٌّ على جميع البشر في هذه الحياة الدنيا: }بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَإِنْ مِنْ
([1]) أخرجه مسلم (155). ([2]) شرح مسلم للنووي (2/190).
وهذا الموقف الذي أبانه القرآن الكريم جاء بعد أن وصفهم بالكفر في آية قبلها وهي قوله تعالى: }وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا{ [النساء: 156، 157].
وفي عهد رسول الله r وبعد أن وضحت شريعة الإسلام لأهل الأرض دخل من أنار الله بصيرته من اليهود والنصارى في الإسلام بعد ما عرف الحق، وتبرَّأ من الاعتقادات التي تناقض شرع الله الذي شرَّع لعباده، وهي الوحدانية لله جلَّ وعلا وعدم الإشراك معه في العبادة والاعتقاد.
ودين الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله لأنبيائه منذ الأزل، قال الله تعالى: }إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ{ [آل عمران: 19].
ودين الإسلام هو الطريق المستقيم الموصل إلى الله، كما ورد في تفسير سورة الفاتحة، فإنَّ العبد يدعو ربّه بأن يَهديَه إلى الصراط المستقيم، وأن يُبعده عن طريق «المغضوب عليهم»، وهم اليهود الذين عصوا الله عن علمٍ ومعرفة، وطريق «الضالين» وهم النصارى الذين يعبدون الله على جهلٍ وضلالة.
ومما ذكرناه يتَّضح أنَّ الطريق إلى الله واحد، وهو دين الإسلام، وهو الذي بعث الله به نبيه محمدًا r كما بعث جميع الرسل، وأنَّ جميع ما خالفه من يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو وثنية أو غير ذلك من نِحَل الكفر كلّه باطل، وليس طريقًا إلى الله، ولا يوصل إلى جنته، وإنما يوصل إلى غضبه وعذابه كما قال تعالى: }وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ{ [آل عمران: 85].
وقال النبي r: «لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم
يؤمن بالذي أُرسلت به إلا كان من أهل النار» رواه الإمام مسلم في صحيحه([1]).
والله المسئول أن يمنحنا وجميع المسلمين الفقه في الدين والثبات عليه، وأن يُصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يهدينا جميعًا الصراط المستقيم، وأن يُجنِّبنا طريق المغضوب عليهم والضالين، إنه ولي ذلك والقادر عليه .. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم([2]).
^^^
([1]) أخرجه مسلم (153). ([2]) مجموع فتاوى سماحة الشيخ ابن باز (1/185) نشر دار الوطن.
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد:
فقد اطَّلعت على المقال المنشور في جريدة «الشرق الأوسط» تحت عنوان «الفهم الخاطئ»، وملخص المقال إنكار لِما هو معلومٌ من دين الإسلام بالضرورة وبالنصِّ والإجماع، وهو عموم رسالة محمد r إلى جميع الناس، وادِّعاؤه أنَّ من لم يتبع محمدًا r ولم يُطعه بل بقي يهوديًا أو نصرانيًا فهو على دينٍ حقّ .. ثم تطاول على ربِّ العالمين سبحانه في حكمته في تعذيب الكفار والعُصاة، وجعل ذلك من العبث!
وقد قام بتحريف النصوص الشرعية ووضعها في غير مواضعها، وفسَّرها بما أملاه هواه، وأعرض عن الأدلَّة الشرعية والنصوص الصريحة الدالة على عموم رسالة محمد r، وعلى كُفر من سمع به ولم يتَّبعه، وأنَّ الله لا يقبل غير الإسلام دينًا ... إلى غير ذلك من النصوص الصريحة التي أعرض عنها لينخدع بكلامه الجُهَّال.
وهذا الذي فعله كاتب هذا المقال يُعدُّ كفرًا صريحًا وردَّةً عن الإسلام وتكذيبًا لله سبحانه وتعالى ولرسوله r، كما يعلم ذلك من قرأ المقال من أهل العلم والإيمان.
والله سبحانه وتعالى قد بيَّن عموم رسالة محمد r ووجوب اتباعه على جميع الثِّقلَين، وذلك لا يجهله من له أدنَى مسكة من علمٍ من المسلمين .. قال تعالى: }قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ{ [الأعراف: 158].
وروى البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي r قال: «أُعطيت خمسًا لم يُعطهنَّ أحد من الأنبياء قبلي، نُصرتُ بالرعب مسيرة شهر، وجُعِلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، وأُحلت لي المغانم ولم تحلَّ لأحدٍ قبلي، وأُعطيت الشفاعة، وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصة وبُعثت إلى الناس عامة»([1]).
تعليق