رد: خمســـون عامـــاً علــــى النكـــبة - د. فايز رشيد
أجوبة الأستاذ/ أمين اسكندر
منسق عام الحركة الشعبية لمقاومة الصهيونية ومقاطعة (إسرائيل) في مصر
السؤال الأول:
في اعتقادي أن أسباب هزيمتنا كمشروع نهضة وتحرر عربي، وفي القلب منه مشروع تحرير فلسطين يرجع إلى:
أ- بنية التخلف العربية، تلك البنية المجتمعية الشاملة التي ما زالت واقعة في أسر الخرافة والأسطورة على محور طريق التفكير، والتداخل الطبقي الاجتماعي وعدم التبلور على محور المجتمع وهشاشة الهوية وعدم نضجها على المستوى الحضاري، وتحكم الفكر الماضوي في التفكير المستقبلي، والصراع بين البادية والحضر على مستوى الأمة.
ب-عدم الإيمان بالعلم، وبالتالي بالتخطيط العلمي، طويل المدى، ولعل ذلك قد كشفت عنه كافة المعارك التي هزمنا فيها، كما كشفت عنه حياتنا اليومية وطريقة تفكيرنا ومدى ما نصرفه ونعطيه من اهتمام بالتعليم والبحث العلمي في كافة أقطارنا العربية ومدى ملاءمة المناخ العام للبحث العلمي واشتراطات إبداعه التي تبدأ بالديمقراطية ونسبية الحقيقة من أجل سيادة العقل والعقلانية.
ج-عدم الإيمان بالديمقراطية
وتلك قضية معقدة، تبدأ من بنية المجتمع العربي نفسه، والشخصية العربية التي تحتاج إلى مخطط طويل المدى (حضاري وثقافي وعقلاني) يستهدف تخليص تلك الشخصية وذلك المجتمع من السلبيات التي تراكمت بفعل التاريخ والجغرافيا، والتي تراكمت من جراء الفشل في معالجة الإشكاليات المتعددة التي يعاني منها الواقع العربي المعاش. كما أن قضية الديمقراطية تحتاج إلى نضال طويل بعد الإيمان بها، وتحتاج إلى تأهيل يبدأ بالمدرسة ومناهج التعليم، وينطلق من الأسرة ولا يقف عند دور وسائل الإعلام والأحزاب السياسية، كما أنه لا ينتهي عند تداول السلطة، أنها طبيعة حياة وسلوك بشر. لذلك كان من الطبيعي أن تفتقد الرأي الآخر، والطرف الآخر، وجدل التطور والتقدم الناتج من صراع الأفكار مع الواقع، وصراع الواقع مع الأفكار، كما أننا فقدنا نسبية الأفكار البشرية لتمسكنا بإطلاقية الشمولية والواحديه والتبسيطية التي نزعت لتسييد حل واحد صحيح لأي مشكل، لكن الحقيقة في عالمنا الإنساني مركبة وإنسانية وابنة بيئة متعددة الدرجات والمستويات ولا ينتج عن ذلك سوى حلول متعددة حسبما تفرز العوامل المتعددة المشتركة في تفسير الظاهرة -المشكل، وبالتالي فلا بد أن تكون نسبية.
د-الفشل في تنشئة طليعة عربية مؤمنة بقضايا الأمة: لعل ذلك يتبين لنا من تقويم مسيرة النضال العربي ومقارنتها بالصفوة الصهيونية التي عملت من أجل مشروعها الاستيطاني الاستعماري العنصري الصهيوني حيث ترى أولاً. إيمان مكثف بغاية وهدف حتى ولو كان ضالاً وترى بعد ذلك إرادة فولاذية لإعماله، ونرى توظيفاً وتكاملاً للأدوار والمفاعيل من الرجال حتى البلدان ونرى تفكيراً علمياً لدخول المستقبل وتحدي الواقع متكامل مع تفكير خرافي أسطوري لتأسيس وقائع الماضي من أجل صناعة الجذور وبالتالي تغذية الغاية والهدف.
أما عن أمتنا العربية، رغم قدم التاريخ إلا أنه ما زالت تعيش عصر وحالة التفاخر والتباهي، دون أن تعيش القدرة على الاستمرار واختراق المستقبل، ورغم كافة الإمكانيات التي لدينا لكن ما زلنا نعيش الهدر الذي يصل إلى خيانة الأمانة. فشلنا في تحديد الهدف بدقة وفشلنا في توظيف إمكانياتنا لصالح ذلك الهدف وفشلنا في سياسة النفس الطويل، واعتبرنا النضال لمدة أربعين عاماً أو أكثر تضحيات كبيرة جداً، واستشهاد الآلاف منا إراقة للدماء، وتناسينا بعمد أو نسينا بجهل أن التاريخ طويل جداً، وأن مسيرة التطور تحتاج إلى الإرادات القوية والعقول المبدعة، وأن الحياة نفسها صراع مع الواقع والطبيعة والمثل والقيم. من أجل كل ذلك ظهر عندنا وفي صفوفنا من يئسوا من أحوالنا فتعرضوا لاختراق منظم من قبل إنجازات العدو، وظهر من عندنا من تنكر لحقوقنا ووقع صكوك التنازل عنها، وظهر من عندنا من تحالف مع العدو على المستوى السياسي والعسكري وحتى الثقافي.
لكن علينا أن نتذكر الوجه الآخر، حيث ظهر من عندنا من استشهد ومن سوف يستشهد ومن يقاوم على كافة المستويات. لكن الأمر في النهاية يتوقف عند فشل مسيرة النضال العربي من 1948 حتى الآن في القدرة على تنشئة أجيال عقائدية صلبة لا تفرط في الحقوق ذات نفس نضالي طويل، قادرة على امتلاك ناصية العلم وبالتالي المستقبل. فما زالت قوانا ونخبنا وطلائعنا العربية مختلفة ما إذا كانت عربية أم لا؟ وما زالت سلطاتنا غير شرعية (بمعنى تحقيق ما يجمع عليه مواطنيها)، وما زلنا غير قادرين على الوقوف على المشترك الناتج من جغرافيا وتاريخ تلك الأمة.
من المؤكد أن تلك العوامل المشتركة أثرت كثيراً على المشروع الفلسطيني، لكن بالإضافة إلى ذلك هناك انزلاق حدث من الطليعة الفلسطينية، معظمها إلى الإقليمية والنزوع إلى الفلسطينية عن عمد أو عن غفلة حقيقية الصراع وتشابكاته وهوية فلسطين وجغرافيا الحدود والأمن المشترك ومركزية القضية. كما أنه حدث انزلاق آخر نحو الربط الوثيق بين الثورة الفلسطينية والدولة الإقليمية في الأقطار العربية، مما رتب العاب المخابرات والأجهزة، والأهم من ذلك كله البداية غير القومية لأداة النضال الفلسطيني. ولعل ما كشفت عنه مسارات التسوية يؤكد لنا مدى الربط الذي تم وسوف يتم بين الكيان الفلسطيني الوليد والمشروع الصهيوني الشرق أوسطي.
السؤال الثاني:
المشروع الصهيوني لم يتغير نحن الذين تغيرنا.
ما زالت الأسطورة هي التي تسيّر هذا المشروع، وما زالت العنصرية هي الحاكمة لذلك المشروع، فهم شعب الله المختار وباقي شعوب الأرض أغيار، وما زال الاستيطان هو جوهر الفكرة الصهيونية، وما زالت الحركة استعمارية بمعنى الاستيلاء على الأرض وعدم وجود حدود ثابتة، بل ما زالت هي أشرس وأقسى أنواع الاستعمار، حيث لا أمد له وإنما ادعاء دائم بالحق والإقامة عليه وطرد أصحابه، وما زالت القوة هي المهيمنة على سلوك هذا المشروع، من القوة النووية إلى قوة التعذيب في السجون بقانون. إذن ما الذي تغير؟
الهدف ما زال هو هو، والمراحل متعددة حسبما ينتج الظرف والبيئة، والأدوات والسلوك ما زالت هي نفسها أدوات وسلوك المراحل الأولى من الاستيطان الصهيوني. عنف وطرد وتهجير قسري واستيلاء على الأرض وتهويد الأمكنة.
حتى بعد نجاح تلك الحركة في توقيع معاهدات واتفاقيات للتسوية و(السلام) نستطيع أن نؤكد أن مرحلة جديدة قد بدأت تستهدف الهيمنة على المنطقة ككل، وتستهدف السيطرة على مقعد قيادة هذه المنطقة وتستخدم نفس الأدوات القديمة، مضافاً إليها السيطرة والغزو الثقافي والاقتصادي موظفة في ذلك بيئة ما بعد الحرب الباردة.
السؤال الثالث:
-تأثير الاتفاقات المبرمة بين إسرائيل وعدة أطراف عربية.
أ-تجزئة وأقلمة الصراع العربي الصهيوني وتحويله إلى نزاع مصري- إسرائيلي وسوري -إسرائيلي، ولبناني- إسرائيلي، أردني- إسرائيلي، وفلسطيني- إسرائيلي.
ب-تجزئة واختراق للأمن القومي العربي وذلك عبر:
أولاً: الربط باتفاقيات تنص على أن تلك الاتفاقيات هي بمثابة آخر الحروب
ثانياً: إلزام التطبيع بين كل من إسرائيل وكل دولة عربية.
ثالثاً: إلزام كل دولة عربية وقعت تلك الاتفاقيات بالتعاون الأمني المشترك
رابعاً: إلزام كل دولة عربية وقعت تلك الاتفاقيات بنزع السلاح وتحديد حجم تسليحها ونوعيته لمناطق حدودية معينة مثلما حدث في سيناء حيث تم تقسيمها إلى مناطق (أ، ب، جـ، د) وكل منطقة لها تسليح معين متفق عليه، وعدد من القوات ومحظور عليها إدخال أي شيء آخر على تلك المنطقة سواء معدة أو فرد زيادة وتمر قوات مشتركة وتابعة للأمم المتحدة للتفتيش.
خامساً: اختراق بوابات الأمن العربي من برية وبحرية فهناك بوابة الأمن البرية الواقعة على الأرض في شرق الوطن العربي والجامعة لكل من العراق وسورية وفلسطين ولبنان وهي البوابة الفاصلة الواصلة بين الحضارة الغربية الأوروبية والتركية والفارسية من جانب آخر، وهي بوابة تأخذ شكل القوس الممتد من رأس الخليج العربي لفلسطين ولعلها من أهم بوابات أمتنا العربية، حيث يتجسد فيها بشكل واضح تعانق الأمن القطري مع الأمن القومي بشكل لا فكاك منه.
وبقليل من التأمل، سوف نكتشف العلاقات والروابط العضوية بين بوابات أمن الصراع العربي الصهيوني وبوابات أمن الوطن العربي.
فالخط الأول: سلسلة جبال طوروس، والخط الثاني: فلسطين، والخط الثالث: سيناء وتلك هي خطوط الدفاع عن الجبهة الشرقية للوطن العربي، وهي إحدى بوابات مصر في الصراع العربي الإسرائيلي، وبعقد كامب ديفيد بين (إسرائيل) ومصر، وكل من الاتفاقيات التي وقعت بين كل من منظمة التحرير الفلسطينية والأردن وإسرائيل فقد تم اختراق واسع لتلك البوابة الشرقية، أما بوابة الصراع الثانية هي بوابة باب المندب الواصلة بقناة السويس مما يجعلها خطاً حاكماً في البحر الأحمر وهي قناة الوصل بين المحيط الهندي والبحر المتوسط والذي عن طريقه تمر العلاقات الاقتصادية والتجارية بين قارة آسيا و(إسرائيل) والغرب الأوروبي و(إسرائيل) ويكشف غلق باب المندب في حرب أكتوبر 1973 عن أهمية ذلك المحور، وهكذا بعد اتفاقيات التسوية تلك أصبح لبوابات، الأمن العربي دوراً مختلفاً عن دورها في زمن الحرب، في الحرب تكون خاضعة للجيوش والمعدات العسكرية، أما بعد التسوية فهي خاضعة للمنتجعات السياحية والمشروعات الترفيهية، وهي مناطق رخوة تمتد فيها شبكة التعاون بين إسرائيل وكل دولة على البر وفي البحر وتلك أخطر نقاط الاختراق الذي تم.
خامساً: التمهيد منذ كامب ديفيد حتى الآن وعبر كافة الاتفاقيات التي وقعت بتغير خريطة المنطقة لصالح إسرائيل والعمل على تغير هوية المنطقة لصالح دمج إسرائيل وهذا ما عرف بعد ذلك بالشرق الأوسط الجديد.
سادساً: تفريغ المنطقة من القوة العربية أو ذلك عبر تحييد القوة الأمريكية وإخراجها عن طريق معاهدة كامب ديفيد، وربطها بمنظومة التسليح الأمريكية والتدريبات المشتركة والربط بين المعونة الأمريكية لمصر لتوريد الأسلحة للجيش المصري، وهذا بالإضافة إلى إلحاق الأردن والكيان الفلسطيني بإسرائيل عبر المعاهدات والضمانات وتنسيق الأجهزة الأمني وإدخال الولايات المتحدة طرف في تلك التعاقدات.
بعد كل ذلك نستطيع أن نؤكد أن تلك الاتفاقيات قد ألحقت بالمستقبل العربي كثيراً من القيود شديدة الوطأة على الأجيال القادمة.
السؤال الرابع:
-الربط بين الخاص الوطني والعام القومي من أجل بناء الجبهة الوطنية الشعبية، في اعتقادي لا بد أولاً من تقويم مسيرة النضال العربي منذ 48 حتى الآن، حتى يتبين لنا الصالح من الطالح على مستوى العقائد والبرامج والقوى والرجال، فلم يعد صالحاً أن تمارس نفس الممارسات بنفس الأخطاء، لم يعد صالحاً أن تتمسك بعض القوى حتى الآن بقرار التقسيم وموقفها المؤيد له، لم يعد صالحاً أن تؤيد بعض القوى مواقف منظمة التحرير الفلسطينية أياً كانت بحجة إنها صاحبة المصلحة والمعبّر الوحيد عن الشعب الفلسطيني، لم يعد صالحاً أن تخلط بعض القوى الفلسطينية بين شرعية مقاومة ما هو قائم وبين الحفاظ على الأدوات النضالية.. الخ.
ومن خلال ذلك التقويم، ومن خلال إيماني بالمبدأ القومي، أرى أننا مطالبون أولاً ببناء الحركة العربية الواحدة على المستوى القومي، وبناء التحالفات والجبهات الوطنية على المستوى القطري، على المحور الأول تكون القضية وأجندة الأعمال:
1-تجسيد العمل على بناء الوحدة من أسفل أي بمشاركة الجماهير والعمل على خلق وبناء مؤسسات شعبية وحدوية.
2-تبنى إستراتيجية لمقاومة الصهيونية ومقاطعة إسرائيل .
3-تبنى إستراتيجية جديدة لحركة تحرير فلسطينية جديدة .
أما أجندة أعمال المستوى الوطني:
1-النضال الديمقراطي .
2-مقاومة التطبيع .
3-العمل على إيجاد قواسم مشتركة بين القوى والفاعليات السياسية وبالذات الأجيال الجديدة.
4-تبنى مشروع ثقافي للمقاومة يكون بديلاً عن ثقافة السلام.
السؤال الخامس:
-ما هي أشكال الخروج من المأزق: أولاً، لا بد من توفر قوى تكون قادرة على نقد المسيرة وقادرة أيضاً على الاستعداد للتخلص من الأدوات التي تأكد فشلها مهما كانت تاريخيتها، فلا قداسة للأدوات.
بعد ذلك تكون هناك مبادرة تأتي من مرجعية لها مصداقية لتقديم ورقة أو أوراق حول تقويم مسيرة النضال العربي.
بعد ذلك لا بد من تشكيل الحركة العربية الواحدة على المستوى القومي، ولا بد من عقد مؤتمر لحق العودة تجتمع فيه القوى الفلسطينية والقومية المؤمنة والقادرة على بداية طريق نضال ثوري جديد منسق الصورة وبناء حركة تستند إلى حق العودة للاجئين إلى ديارهم.
أمين اسكندر
منسق عام الحركة الشعبية لمقاومة الصهيونية ومقاطعة (إسرائيل)
قيادي ناصري
مؤلف كتاب: عبور الهزيمة: ذاكرة ورؤية
محرر: تحالف كوبنهاجن- رؤية نقدية.
5/3/1998 الخميس.
السؤال الأول:
في اعتقادي أن أسباب هزيمتنا كمشروع نهضة وتحرر عربي، وفي القلب منه مشروع تحرير فلسطين يرجع إلى:
أ- بنية التخلف العربية، تلك البنية المجتمعية الشاملة التي ما زالت واقعة في أسر الخرافة والأسطورة على محور طريق التفكير، والتداخل الطبقي الاجتماعي وعدم التبلور على محور المجتمع وهشاشة الهوية وعدم نضجها على المستوى الحضاري، وتحكم الفكر الماضوي في التفكير المستقبلي، والصراع بين البادية والحضر على مستوى الأمة.
ب-عدم الإيمان بالعلم، وبالتالي بالتخطيط العلمي، طويل المدى، ولعل ذلك قد كشفت عنه كافة المعارك التي هزمنا فيها، كما كشفت عنه حياتنا اليومية وطريقة تفكيرنا ومدى ما نصرفه ونعطيه من اهتمام بالتعليم والبحث العلمي في كافة أقطارنا العربية ومدى ملاءمة المناخ العام للبحث العلمي واشتراطات إبداعه التي تبدأ بالديمقراطية ونسبية الحقيقة من أجل سيادة العقل والعقلانية.
ج-عدم الإيمان بالديمقراطية
وتلك قضية معقدة، تبدأ من بنية المجتمع العربي نفسه، والشخصية العربية التي تحتاج إلى مخطط طويل المدى (حضاري وثقافي وعقلاني) يستهدف تخليص تلك الشخصية وذلك المجتمع من السلبيات التي تراكمت بفعل التاريخ والجغرافيا، والتي تراكمت من جراء الفشل في معالجة الإشكاليات المتعددة التي يعاني منها الواقع العربي المعاش. كما أن قضية الديمقراطية تحتاج إلى نضال طويل بعد الإيمان بها، وتحتاج إلى تأهيل يبدأ بالمدرسة ومناهج التعليم، وينطلق من الأسرة ولا يقف عند دور وسائل الإعلام والأحزاب السياسية، كما أنه لا ينتهي عند تداول السلطة، أنها طبيعة حياة وسلوك بشر. لذلك كان من الطبيعي أن تفتقد الرأي الآخر، والطرف الآخر، وجدل التطور والتقدم الناتج من صراع الأفكار مع الواقع، وصراع الواقع مع الأفكار، كما أننا فقدنا نسبية الأفكار البشرية لتمسكنا بإطلاقية الشمولية والواحديه والتبسيطية التي نزعت لتسييد حل واحد صحيح لأي مشكل، لكن الحقيقة في عالمنا الإنساني مركبة وإنسانية وابنة بيئة متعددة الدرجات والمستويات ولا ينتج عن ذلك سوى حلول متعددة حسبما تفرز العوامل المتعددة المشتركة في تفسير الظاهرة -المشكل، وبالتالي فلا بد أن تكون نسبية.
د-الفشل في تنشئة طليعة عربية مؤمنة بقضايا الأمة: لعل ذلك يتبين لنا من تقويم مسيرة النضال العربي ومقارنتها بالصفوة الصهيونية التي عملت من أجل مشروعها الاستيطاني الاستعماري العنصري الصهيوني حيث ترى أولاً. إيمان مكثف بغاية وهدف حتى ولو كان ضالاً وترى بعد ذلك إرادة فولاذية لإعماله، ونرى توظيفاً وتكاملاً للأدوار والمفاعيل من الرجال حتى البلدان ونرى تفكيراً علمياً لدخول المستقبل وتحدي الواقع متكامل مع تفكير خرافي أسطوري لتأسيس وقائع الماضي من أجل صناعة الجذور وبالتالي تغذية الغاية والهدف.
أما عن أمتنا العربية، رغم قدم التاريخ إلا أنه ما زالت تعيش عصر وحالة التفاخر والتباهي، دون أن تعيش القدرة على الاستمرار واختراق المستقبل، ورغم كافة الإمكانيات التي لدينا لكن ما زلنا نعيش الهدر الذي يصل إلى خيانة الأمانة. فشلنا في تحديد الهدف بدقة وفشلنا في توظيف إمكانياتنا لصالح ذلك الهدف وفشلنا في سياسة النفس الطويل، واعتبرنا النضال لمدة أربعين عاماً أو أكثر تضحيات كبيرة جداً، واستشهاد الآلاف منا إراقة للدماء، وتناسينا بعمد أو نسينا بجهل أن التاريخ طويل جداً، وأن مسيرة التطور تحتاج إلى الإرادات القوية والعقول المبدعة، وأن الحياة نفسها صراع مع الواقع والطبيعة والمثل والقيم. من أجل كل ذلك ظهر عندنا وفي صفوفنا من يئسوا من أحوالنا فتعرضوا لاختراق منظم من قبل إنجازات العدو، وظهر من عندنا من تنكر لحقوقنا ووقع صكوك التنازل عنها، وظهر من عندنا من تحالف مع العدو على المستوى السياسي والعسكري وحتى الثقافي.
لكن علينا أن نتذكر الوجه الآخر، حيث ظهر من عندنا من استشهد ومن سوف يستشهد ومن يقاوم على كافة المستويات. لكن الأمر في النهاية يتوقف عند فشل مسيرة النضال العربي من 1948 حتى الآن في القدرة على تنشئة أجيال عقائدية صلبة لا تفرط في الحقوق ذات نفس نضالي طويل، قادرة على امتلاك ناصية العلم وبالتالي المستقبل. فما زالت قوانا ونخبنا وطلائعنا العربية مختلفة ما إذا كانت عربية أم لا؟ وما زالت سلطاتنا غير شرعية (بمعنى تحقيق ما يجمع عليه مواطنيها)، وما زلنا غير قادرين على الوقوف على المشترك الناتج من جغرافيا وتاريخ تلك الأمة.
من المؤكد أن تلك العوامل المشتركة أثرت كثيراً على المشروع الفلسطيني، لكن بالإضافة إلى ذلك هناك انزلاق حدث من الطليعة الفلسطينية، معظمها إلى الإقليمية والنزوع إلى الفلسطينية عن عمد أو عن غفلة حقيقية الصراع وتشابكاته وهوية فلسطين وجغرافيا الحدود والأمن المشترك ومركزية القضية. كما أنه حدث انزلاق آخر نحو الربط الوثيق بين الثورة الفلسطينية والدولة الإقليمية في الأقطار العربية، مما رتب العاب المخابرات والأجهزة، والأهم من ذلك كله البداية غير القومية لأداة النضال الفلسطيني. ولعل ما كشفت عنه مسارات التسوية يؤكد لنا مدى الربط الذي تم وسوف يتم بين الكيان الفلسطيني الوليد والمشروع الصهيوني الشرق أوسطي.
السؤال الثاني:
المشروع الصهيوني لم يتغير نحن الذين تغيرنا.
ما زالت الأسطورة هي التي تسيّر هذا المشروع، وما زالت العنصرية هي الحاكمة لذلك المشروع، فهم شعب الله المختار وباقي شعوب الأرض أغيار، وما زال الاستيطان هو جوهر الفكرة الصهيونية، وما زالت الحركة استعمارية بمعنى الاستيلاء على الأرض وعدم وجود حدود ثابتة، بل ما زالت هي أشرس وأقسى أنواع الاستعمار، حيث لا أمد له وإنما ادعاء دائم بالحق والإقامة عليه وطرد أصحابه، وما زالت القوة هي المهيمنة على سلوك هذا المشروع، من القوة النووية إلى قوة التعذيب في السجون بقانون. إذن ما الذي تغير؟
الهدف ما زال هو هو، والمراحل متعددة حسبما ينتج الظرف والبيئة، والأدوات والسلوك ما زالت هي نفسها أدوات وسلوك المراحل الأولى من الاستيطان الصهيوني. عنف وطرد وتهجير قسري واستيلاء على الأرض وتهويد الأمكنة.
حتى بعد نجاح تلك الحركة في توقيع معاهدات واتفاقيات للتسوية و(السلام) نستطيع أن نؤكد أن مرحلة جديدة قد بدأت تستهدف الهيمنة على المنطقة ككل، وتستهدف السيطرة على مقعد قيادة هذه المنطقة وتستخدم نفس الأدوات القديمة، مضافاً إليها السيطرة والغزو الثقافي والاقتصادي موظفة في ذلك بيئة ما بعد الحرب الباردة.
السؤال الثالث:
-تأثير الاتفاقات المبرمة بين إسرائيل وعدة أطراف عربية.
أ-تجزئة وأقلمة الصراع العربي الصهيوني وتحويله إلى نزاع مصري- إسرائيلي وسوري -إسرائيلي، ولبناني- إسرائيلي، أردني- إسرائيلي، وفلسطيني- إسرائيلي.
ب-تجزئة واختراق للأمن القومي العربي وذلك عبر:
أولاً: الربط باتفاقيات تنص على أن تلك الاتفاقيات هي بمثابة آخر الحروب
ثانياً: إلزام التطبيع بين كل من إسرائيل وكل دولة عربية.
ثالثاً: إلزام كل دولة عربية وقعت تلك الاتفاقيات بالتعاون الأمني المشترك
رابعاً: إلزام كل دولة عربية وقعت تلك الاتفاقيات بنزع السلاح وتحديد حجم تسليحها ونوعيته لمناطق حدودية معينة مثلما حدث في سيناء حيث تم تقسيمها إلى مناطق (أ، ب، جـ، د) وكل منطقة لها تسليح معين متفق عليه، وعدد من القوات ومحظور عليها إدخال أي شيء آخر على تلك المنطقة سواء معدة أو فرد زيادة وتمر قوات مشتركة وتابعة للأمم المتحدة للتفتيش.
خامساً: اختراق بوابات الأمن العربي من برية وبحرية فهناك بوابة الأمن البرية الواقعة على الأرض في شرق الوطن العربي والجامعة لكل من العراق وسورية وفلسطين ولبنان وهي البوابة الفاصلة الواصلة بين الحضارة الغربية الأوروبية والتركية والفارسية من جانب آخر، وهي بوابة تأخذ شكل القوس الممتد من رأس الخليج العربي لفلسطين ولعلها من أهم بوابات أمتنا العربية، حيث يتجسد فيها بشكل واضح تعانق الأمن القطري مع الأمن القومي بشكل لا فكاك منه.
وبقليل من التأمل، سوف نكتشف العلاقات والروابط العضوية بين بوابات أمن الصراع العربي الصهيوني وبوابات أمن الوطن العربي.
فالخط الأول: سلسلة جبال طوروس، والخط الثاني: فلسطين، والخط الثالث: سيناء وتلك هي خطوط الدفاع عن الجبهة الشرقية للوطن العربي، وهي إحدى بوابات مصر في الصراع العربي الإسرائيلي، وبعقد كامب ديفيد بين (إسرائيل) ومصر، وكل من الاتفاقيات التي وقعت بين كل من منظمة التحرير الفلسطينية والأردن وإسرائيل فقد تم اختراق واسع لتلك البوابة الشرقية، أما بوابة الصراع الثانية هي بوابة باب المندب الواصلة بقناة السويس مما يجعلها خطاً حاكماً في البحر الأحمر وهي قناة الوصل بين المحيط الهندي والبحر المتوسط والذي عن طريقه تمر العلاقات الاقتصادية والتجارية بين قارة آسيا و(إسرائيل) والغرب الأوروبي و(إسرائيل) ويكشف غلق باب المندب في حرب أكتوبر 1973 عن أهمية ذلك المحور، وهكذا بعد اتفاقيات التسوية تلك أصبح لبوابات، الأمن العربي دوراً مختلفاً عن دورها في زمن الحرب، في الحرب تكون خاضعة للجيوش والمعدات العسكرية، أما بعد التسوية فهي خاضعة للمنتجعات السياحية والمشروعات الترفيهية، وهي مناطق رخوة تمتد فيها شبكة التعاون بين إسرائيل وكل دولة على البر وفي البحر وتلك أخطر نقاط الاختراق الذي تم.
خامساً: التمهيد منذ كامب ديفيد حتى الآن وعبر كافة الاتفاقيات التي وقعت بتغير خريطة المنطقة لصالح إسرائيل والعمل على تغير هوية المنطقة لصالح دمج إسرائيل وهذا ما عرف بعد ذلك بالشرق الأوسط الجديد.
سادساً: تفريغ المنطقة من القوة العربية أو ذلك عبر تحييد القوة الأمريكية وإخراجها عن طريق معاهدة كامب ديفيد، وربطها بمنظومة التسليح الأمريكية والتدريبات المشتركة والربط بين المعونة الأمريكية لمصر لتوريد الأسلحة للجيش المصري، وهذا بالإضافة إلى إلحاق الأردن والكيان الفلسطيني بإسرائيل عبر المعاهدات والضمانات وتنسيق الأجهزة الأمني وإدخال الولايات المتحدة طرف في تلك التعاقدات.
بعد كل ذلك نستطيع أن نؤكد أن تلك الاتفاقيات قد ألحقت بالمستقبل العربي كثيراً من القيود شديدة الوطأة على الأجيال القادمة.
السؤال الرابع:
-الربط بين الخاص الوطني والعام القومي من أجل بناء الجبهة الوطنية الشعبية، في اعتقادي لا بد أولاً من تقويم مسيرة النضال العربي منذ 48 حتى الآن، حتى يتبين لنا الصالح من الطالح على مستوى العقائد والبرامج والقوى والرجال، فلم يعد صالحاً أن تمارس نفس الممارسات بنفس الأخطاء، لم يعد صالحاً أن تتمسك بعض القوى حتى الآن بقرار التقسيم وموقفها المؤيد له، لم يعد صالحاً أن تؤيد بعض القوى مواقف منظمة التحرير الفلسطينية أياً كانت بحجة إنها صاحبة المصلحة والمعبّر الوحيد عن الشعب الفلسطيني، لم يعد صالحاً أن تخلط بعض القوى الفلسطينية بين شرعية مقاومة ما هو قائم وبين الحفاظ على الأدوات النضالية.. الخ.
ومن خلال ذلك التقويم، ومن خلال إيماني بالمبدأ القومي، أرى أننا مطالبون أولاً ببناء الحركة العربية الواحدة على المستوى القومي، وبناء التحالفات والجبهات الوطنية على المستوى القطري، على المحور الأول تكون القضية وأجندة الأعمال:
1-تجسيد العمل على بناء الوحدة من أسفل أي بمشاركة الجماهير والعمل على خلق وبناء مؤسسات شعبية وحدوية.
2-تبنى إستراتيجية لمقاومة الصهيونية ومقاطعة إسرائيل .
3-تبنى إستراتيجية جديدة لحركة تحرير فلسطينية جديدة .
أما أجندة أعمال المستوى الوطني:
1-النضال الديمقراطي .
2-مقاومة التطبيع .
3-العمل على إيجاد قواسم مشتركة بين القوى والفاعليات السياسية وبالذات الأجيال الجديدة.
4-تبنى مشروع ثقافي للمقاومة يكون بديلاً عن ثقافة السلام.
السؤال الخامس:
-ما هي أشكال الخروج من المأزق: أولاً، لا بد من توفر قوى تكون قادرة على نقد المسيرة وقادرة أيضاً على الاستعداد للتخلص من الأدوات التي تأكد فشلها مهما كانت تاريخيتها، فلا قداسة للأدوات.
بعد ذلك تكون هناك مبادرة تأتي من مرجعية لها مصداقية لتقديم ورقة أو أوراق حول تقويم مسيرة النضال العربي.
بعد ذلك لا بد من تشكيل الحركة العربية الواحدة على المستوى القومي، ولا بد من عقد مؤتمر لحق العودة تجتمع فيه القوى الفلسطينية والقومية المؤمنة والقادرة على بداية طريق نضال ثوري جديد منسق الصورة وبناء حركة تستند إلى حق العودة للاجئين إلى ديارهم.
أمين اسكندر
منسق عام الحركة الشعبية لمقاومة الصهيونية ومقاطعة (إسرائيل)
قيادي ناصري
مؤلف كتاب: عبور الهزيمة: ذاكرة ورؤية
محرر: تحالف كوبنهاجن- رؤية نقدية.
5/3/1998 الخميس.
تعليق