Announcement

Collapse
No announcement yet.

النقد والفلسفة والعرب ...

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • النقد والفلسفة والعرب ...

    النقد والفلسفة والعرب ...



    21-4-2010

    يدعي بعض الباحثين العرب عدم وجود ( فلسفة عربية ) ، أو عدم وجود فعاليةُ تفلسفٍ لدى المفكرين العرب ، قديماً وحديثاً ... سمعت هذا من بعض أساتذتنا مباشرة ( أنطون مقدسي مثلاً ) ، وقرأت ما يشبهه لكتاب عرب أيضاً ، متأثرين فيما يبدو بـ
    ( رينان ) الذي زعم بأن العقلية السامية لا تقوى على ممارسة هذا النمط من التفكير المجرد ، في توجه عنصري يفتقد المصداقية المعرفية والأخلاقية ، جاراه فيه بعض المستشرقين الذين نحوا نحوه في التفكير .... فإذا أحلتَ هؤلاء إلى أسماء مثل الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد .... وسواهم أجابوك : إن هؤلاء ، في أحسن الحالات ، لم يكونوا أكثر من شرّاحٍ للفلسفة الإغريقية ، وإنهم ، وكلمات الأستاذ ( أنطون مقدسي ) ما زالت ترن في أذني مذ كنت طالباً في السنة الجامعية الثانية ، مجرد سعاة بريد أوصلوا الفلسفة من أرض الإغريق إلى أصحابها المرسلة إليهم في أوربا ، وإذا كان من فضل للعرب في هذا فهو الفضل الذي يعطى لساعي البريد لإيصاله رسالة ذات أهمية خاصة ؟!. ... أما جهود علماء الكلام المسلمين فلا تستحق ، بزعمهم ، أن تدخل في دائرة التفلسف ، حتى وإن تزيّت بأزياء الفلسفة ولبست لبوسها وسلكت سبلها ؟! .... مع أن بعض مؤرخي الفلسفة الغربيين قد عدوا علم الكلام فلسفة عربية إسلامية أصيلة . من جهتي فإنني أزعم بأن الادعاء بعدم وجود فعالية تفلسف عربية أصيلة متهافت وغير صحيح ... ويعد نوعاً من الهزيمة الثقافية والفكرية أمام الآخر ، بسبب الانبهار الذي عطل فعاليات النقد من جهة ، وبسبب عدم الاطلاع على ما أنجزه العرب والمسلمون في ميدان الفكر الفلسفي من جهة ثانية .... هذا إذا تحررنا من التعريف المتقادم للفلسفة : ( حب الحكمة ) . لأن فعل التفلسف ، فيما أزعم ، لا يتأتى من المضامين التي يتصدى لها : ( الوجود بما هو موجود ) ، ولا من التصدي للمشكلات الميتافيزيقية الكبرى والمزمنة والخالدة : ( الخلق ، النفس ، الحرية ، الخلود ....... ) ، ولا من خلال المنهج الذي يحرص الفيلسوف على الالتزام به وهو يبني صرح مشروعه الفكري ليكون متماسكاً داخلياً وخارجياً ... هذا المنهج الذي تحول في حالات كثيرة إلى أُقْنُوم مقدس يتقدم على المضامين : يمثل القياس الأرسطي قمته عند البعض ، والجدل ، ثم الجدلية بشقيها المادي والتاريخي قمة أخرى عند آخرين . لأن فعل التفلسف الحقيقي يكمن ، فيما أزعم ، في الغاية التي يسعى إليها ، وأعني بالغاية هنا البحث عن العام في الخاص ، والتعالي عن الجزئي والعارض لمصلحة الكلي والجوهر ..... فالعام والجوهر والكلي هو ما يهم الفيلسوف ، مع أهمية الخاص والعرضي والجزئي والمرحلي .... بطبيعة الحال .وإذا انتبهنا إلى التغيير الذي طرأ على فعالية التفلسف نتيجة تقدم العلوم وتفجر المعرفة ، إذ لم يعد ممكناً أن يكون الفيلسوف طبيباً وفقيهاً وموسيقياً وشاعراً ولغوياً وعالم رياضيات وفلكياً ....... في آن معاً ، لأن الثقافة الموسوعية قد فقدت مصداقيتها ( وإمكانيتها ) ، وأي مدّعٍ بذلك لابد أن يكون مشعوذاً أو دجالاً أو ساذجاً . ولم يعد مطلوباً من أحد أن يملك مشروعاً يقدم الحلول للمشكلات جميعاً كما كان يفعل من اصطلح على تسميتهم بالفلاسفة ، فهؤلاء ليس لهم مكان في عالم اليوم منذ أن تقدم العلم ليفسر الوجود ، ومنذ أن أصبح العالَم في قبضة التقنية الحديثة ، التي تتطور بصورة مذهلة ، ولم يعد هذا العالَم قادراً على تحمل فيلسوف بالمفهوم التقليدي لمصطلح فيلسوف . وهكذا بتنا نطلق اسم الفيلسوف مجازاً على المفكر الذي يقدم رؤية واضحة ومحددة في مجال ما من المجالات .... وغدت الفلسفة المعاصرة من إنتاج أفراد متعددين يشتغل كل منهم على جانب محدود من جوانب المعرفة ، شرط أن يكون لكل منهم موقف محدد ورأي شخصي في هذا الذي يشتغل عليه ، حتى لا نماهي بين العالم والمفكر . ومن الواضح أن الذي يكون حاضراً بقوة من خلال موقفه ورأيه الشخصي هو الناقد ... فالنقد فعالية فلسفية بصورة ما ، أو هو الفعالية الفلسفية المعاصرة ، طالما أن الناقد يتخذ موقفاً مما يشتغل عليه ، سواء أكان شغله على نصوص فكرية أم سياسية أم أدبية ... أم على وقائع وأحداث جرت أو تجري في سياق التاريخ ..... وقد اصطلح على تسمية الحضور الشخصي القوي للباحث في بحثه باسم التفكير الناقد ، هذا إذا كان الباحث يملك رأياً أصيلاً ، أي رأياً جديداً ومبتكراً ، يقوم على الوعي والبراهين والأدلة العقلية والمسوغات المعرفية .... وليس مجرد إعادة تنظيم لآراء الآخرين دون وعي حقيقي بهذه الآراء .... وهكذا فإن الناقد هو فيلسوف العصور الحديثة .أعرف أن كلامي لن يروق لبعض المثقفين وبعض الباحثين الذين سيتهمونني بتبسيط الأمور وتسطيحها ، ولاسيما ما يتعلق بمفهوم الفلسفة .... فبرأي هؤلاء أن بعض المقالات النقدية المعزولة ، مهما كانت مهمة ، لا تصنع من منتجها فيلسوفاً .... وينسون أن عصر الفيلسوف ، الذي في أذهانهم ، قد أفل إلى غير رجعة ، وأننا ، منذ قرن على الأقل ، لم نعد نسمع بفيلسوف من أصحاب المذاهب ، وأن الفلسفة المعاصرة يصنعها المفكرون منتجو الثقافة ومريدوهم وتلاميذهم من الباحثين .... وجملة ما ينتجونه ، إن شكل ما يشبه المذهب الفلسفي ، فلا يمكن أن ينسب إلى واحد منهم .‏

  • #2
    النقد والفلسفة والعرب ...

    النقد والفلسفة والعرب ...



    21-4-2010

    يدعي بعض الباحثين العرب عدم وجود ( فلسفة عربية ) ، أو عدم وجود فعاليةُ تفلسفٍ لدى المفكرين العرب ، قديماً وحديثاً ... سمعت هذا من بعض أساتذتنا مباشرة ( أنطون مقدسي مثلاً ) ، وقرأت ما يشبهه لكتاب عرب أيضاً ، متأثرين فيما يبدو بـ
    ( رينان ) الذي زعم بأن العقلية السامية لا تقوى على ممارسة هذا النمط من التفكير المجرد ، في توجه عنصري يفتقد المصداقية المعرفية والأخلاقية ، جاراه فيه بعض المستشرقين الذين نحوا نحوه في التفكير .... فإذا أحلتَ هؤلاء إلى أسماء مثل الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد .... وسواهم أجابوك : إن هؤلاء ، في أحسن الحالات ، لم يكونوا أكثر من شرّاحٍ للفلسفة الإغريقية ، وإنهم ، وكلمات الأستاذ ( أنطون مقدسي ) ما زالت ترن في أذني مذ كنت طالباً في السنة الجامعية الثانية ، مجرد سعاة بريد أوصلوا الفلسفة من أرض الإغريق إلى أصحابها المرسلة إليهم في أوربا ، وإذا كان من فضل للعرب في هذا فهو الفضل الذي يعطى لساعي البريد لإيصاله رسالة ذات أهمية خاصة ؟!. ... أما جهود علماء الكلام المسلمين فلا تستحق ، بزعمهم ، أن تدخل في دائرة التفلسف ، حتى وإن تزيّت بأزياء الفلسفة ولبست لبوسها وسلكت سبلها ؟! .... مع أن بعض مؤرخي الفلسفة الغربيين قد عدوا علم الكلام فلسفة عربية إسلامية أصيلة . من جهتي فإنني أزعم بأن الادعاء بعدم وجود فعالية تفلسف عربية أصيلة متهافت وغير صحيح ... ويعد نوعاً من الهزيمة الثقافية والفكرية أمام الآخر ، بسبب الانبهار الذي عطل فعاليات النقد من جهة ، وبسبب عدم الاطلاع على ما أنجزه العرب والمسلمون في ميدان الفكر الفلسفي من جهة ثانية .... هذا إذا تحررنا من التعريف المتقادم للفلسفة : ( حب الحكمة ) . لأن فعل التفلسف ، فيما أزعم ، لا يتأتى من المضامين التي يتصدى لها : ( الوجود بما هو موجود ) ، ولا من التصدي للمشكلات الميتافيزيقية الكبرى والمزمنة والخالدة : ( الخلق ، النفس ، الحرية ، الخلود ....... ) ، ولا من خلال المنهج الذي يحرص الفيلسوف على الالتزام به وهو يبني صرح مشروعه الفكري ليكون متماسكاً داخلياً وخارجياً ... هذا المنهج الذي تحول في حالات كثيرة إلى أُقْنُوم مقدس يتقدم على المضامين : يمثل القياس الأرسطي قمته عند البعض ، والجدل ، ثم الجدلية بشقيها المادي والتاريخي قمة أخرى عند آخرين . لأن فعل التفلسف الحقيقي يكمن ، فيما أزعم ، في الغاية التي يسعى إليها ، وأعني بالغاية هنا البحث عن العام في الخاص ، والتعالي عن الجزئي والعارض لمصلحة الكلي والجوهر ..... فالعام والجوهر والكلي هو ما يهم الفيلسوف ، مع أهمية الخاص والعرضي والجزئي والمرحلي .... بطبيعة الحال .وإذا انتبهنا إلى التغيير الذي طرأ على فعالية التفلسف نتيجة تقدم العلوم وتفجر المعرفة ، إذ لم يعد ممكناً أن يكون الفيلسوف طبيباً وفقيهاً وموسيقياً وشاعراً ولغوياً وعالم رياضيات وفلكياً ....... في آن معاً ، لأن الثقافة الموسوعية قد فقدت مصداقيتها ( وإمكانيتها ) ، وأي مدّعٍ بذلك لابد أن يكون مشعوذاً أو دجالاً أو ساذجاً . ولم يعد مطلوباً من أحد أن يملك مشروعاً يقدم الحلول للمشكلات جميعاً كما كان يفعل من اصطلح على تسميتهم بالفلاسفة ، فهؤلاء ليس لهم مكان في عالم اليوم منذ أن تقدم العلم ليفسر الوجود ، ومنذ أن أصبح العالَم في قبضة التقنية الحديثة ، التي تتطور بصورة مذهلة ، ولم يعد هذا العالَم قادراً على تحمل فيلسوف بالمفهوم التقليدي لمصطلح فيلسوف . وهكذا بتنا نطلق اسم الفيلسوف مجازاً على المفكر الذي يقدم رؤية واضحة ومحددة في مجال ما من المجالات .... وغدت الفلسفة المعاصرة من إنتاج أفراد متعددين يشتغل كل منهم على جانب محدود من جوانب المعرفة ، شرط أن يكون لكل منهم موقف محدد ورأي شخصي في هذا الذي يشتغل عليه ، حتى لا نماهي بين العالم والمفكر . ومن الواضح أن الذي يكون حاضراً بقوة من خلال موقفه ورأيه الشخصي هو الناقد ... فالنقد فعالية فلسفية بصورة ما ، أو هو الفعالية الفلسفية المعاصرة ، طالما أن الناقد يتخذ موقفاً مما يشتغل عليه ، سواء أكان شغله على نصوص فكرية أم سياسية أم أدبية ... أم على وقائع وأحداث جرت أو تجري في سياق التاريخ ..... وقد اصطلح على تسمية الحضور الشخصي القوي للباحث في بحثه باسم التفكير الناقد ، هذا إذا كان الباحث يملك رأياً أصيلاً ، أي رأياً جديداً ومبتكراً ، يقوم على الوعي والبراهين والأدلة العقلية والمسوغات المعرفية .... وليس مجرد إعادة تنظيم لآراء الآخرين دون وعي حقيقي بهذه الآراء .... وهكذا فإن الناقد هو فيلسوف العصور الحديثة .أعرف أن كلامي لن يروق لبعض المثقفين وبعض الباحثين الذين سيتهمونني بتبسيط الأمور وتسطيحها ، ولاسيما ما يتعلق بمفهوم الفلسفة .... فبرأي هؤلاء أن بعض المقالات النقدية المعزولة ، مهما كانت مهمة ، لا تصنع من منتجها فيلسوفاً .... وينسون أن عصر الفيلسوف ، الذي في أذهانهم ، قد أفل إلى غير رجعة ، وأننا ، منذ قرن على الأقل ، لم نعد نسمع بفيلسوف من أصحاب المذاهب ، وأن الفلسفة المعاصرة يصنعها المفكرون منتجو الثقافة ومريدوهم وتلاميذهم من الباحثين .... وجملة ما ينتجونه ، إن شكل ما يشبه المذهب الفلسفي ، فلا يمكن أن ينسب إلى واحد منهم .‏

    Comment

    Working...
    X