رد: - القمم والمؤتمرات الاقتصادية والأمنية من التطبيع إلى الهيمنة -
ثالثاً: مؤتمر القاهرة الاقتصادي الثالث"(24)
مقدمة
قامت إسرائيل على الإرهاب وتعيش عليه وتستخدم مكافحته لتحقيق أهدافها التوسعية والاستيطانية في الأرض العربية. وتمارس الإرهاب والعنصرية والاستيطان والهيمنة كسياسة رسمية. فاغتالت أبرز القادة الفلسطينين وقادة كتائب عز الدين القسام في الضفة والقطاع وبيروت وجنوب لبنان وروما ولندن وباريس وتونس وغيرها. واغتالت الأمين العام لحزب الله عباس موسوي وعائلته. وخطفت الشيخ عبد الكريم عيد ومصطفى ديراني من منزلهما في لبنان.
وأغارت على مطار بيروت ودمرت (15) طائرة مدنية. وأسقطت طائرة ركاب مدنية ليبية وقتلت جميع ركابها المدنيين وعددهم(107). وارتكبت الحروب العدوانية والمجازر الجماعية منها مجزرة صبرا وشاتيلا. وتمارس أبشع صور الإرهاب في التاريخ البشري. فمن هو الإرهابي الذي عاش ويعيش على الإرهاب؟ ألم يكن المصلون العرب في الحرم الإبراهيمي الشريف ضحايا الإرهاب اليهودي؟
ألم يكن المصلون العرب الذين قتلتهم الشرطة الإسرائيلية في الحرم القدسي الشريف ضحايا الإرهاب الإسرائيلي؟ أطفال مدرسة بحر البقر وعمال مصنع أبو زعبل في مصر وسكان بلدة داعل السورية، ألم يكونوا ضحايا الإرهاب الرسمي لإسرائيل؟.
اغتالت إسرائيل(أبو جهاد) خليل الوزير في تونس(وأبو علي) حسن سلامة وكمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار في بيروت، والدكتور فتحي الشقاقي، الأمين العام للجهاد الإسلامي في مالطا، والمهندس يحيى عياش، قائد كتائب عز الدين القسام في غزة فماذا نسمّي هذا؟
اغتال الإرهابي الإسرائيلي عامير، عميل الموساد الجنرال رابين، بعد أن أقدم رابين على اغتيال الشقاقي. ولم يتحدث أحد في العالم سواء من السياسيين أو رجال الإعلام عن الإرهابي اليهودي عامير، وإنما قالوا عنه"المتطرف اليهودي"؛ فهل اليهودي اغلى من العربي وفوق البشر، يجوز له مالا يجوز لغيره من البشر؟
إن عدالة قضية فلسطين معروفة لدى جميع شعوب العالم وحكوماته. وبالرغم من مرور خمسة عقود على معاناة ومأساة الشعب الفلسطيني ومعاناته التي سببتها إسرائيل، لم تجد حلاً عادلاً حتى الآن.
وعندما يمارس الشعب العربي الفلسطيني حقه الطبيعي في المقاومة التي يقرها القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والعديد من العهود الدولية ضد المحتل الإسرائيلي تتحوّل هذه المقاومة النابعة من الترحيل والقهر والاضطهاد والتهويد ومصادرة الأرض والمياه والحقوق إلى إرهاب يجب سحقه واقتلاع جذوره بتعاون عرفات وسلطة الحكم الذاتي معه والعديد من المشيخات والمحميات والممالك وبتعاون دولي تقوده الولايات المتحدة الأميركية لحماية التوسع والاستيطان اليهودي وتصليب عنجهية إسرائيل ويتحول الضحية بالمنطق اليهودي والأميركي إلى إرهابي يجب سحقه والقضاء عليه ومطاردته في كل مكان، ويتحول القاتل إلى ضحية وحمل وديع يحتاج إلى مساعدة سلطة الحكم الذاتي ومعظم النظم العربية وجميع دول العالم. وبالفعل نجحت الولايات المتحدة في حمل معظم حكومات العالم على اعتبار كل عمل من أعمال المقاومة ضد الاحتلال والاستيطان والهيمنة الإسرائيلية أبشع أنواع الإرهاب يجب اقتلاعه وسحق القائمين عليه.
لقد ارتكبت المؤسسة العسكرية في إسرائيل جريمة اغتيال يحيى عياش، مما أدى إلى تفجير الوضع بين حماس وإسرائيل فقامت حركة حماس بالثأر لاستشهاده.
الولايات المتحدة والعمليات الاستشهادية
هزت عمليات حماس الاستشهادية أركان الكيان الصهيوني وأعادت بحث اغتصاب الصهاينة للأرض العربية في فلسطين. وجاءت كرد فعل على الاحتلال وعلى عمليات قتل المدنيين العرب وعناصر حركة حماس المجردين من السلاح على يد فرق الجيش الإسرائيلي السرية وفرق المستعربين والمستوطنين. جاءت العمليات الاستشهادية بعد نسف الجيش الإسرائيلي لآلاف الشقق والمنازل الفلسطينية بالبلدوزرات والصواريخ وبعد أن ظهر للعيان أن إسرائيل تعمل لتصفية حركة حماس بالتعاون والتنسيق الكاملين مع قيادة عرفات وسلطة الحكم الذاتي المحدود.
ولقد ظهر للعيان بعد العمليات الاستشهادية أن دور السلطة الفلسطينية لا يقل عن دور سلطات الاحتلال الإسرائيلي في قمع المقاومة الإسلامية وذلك انطلاقاً من وظيفتها حسب اتفاق أوسلو والتي تتلخص في أمرين أساسيين:
الأول: التنازل عن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني في وطنه فلسطين والحقوق القومية والدينية للعرب والمسلمين.
والثاني: المحافظة على أمن الكيان الصهيوني وأمن المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث اعترف عرفات في اتفاق الإذعان في أوسلو بشرعية الاحتلال ووجوب تأمين الأمن الإسرائيلي. ويجسد اتفاق الإذعان الأطماع والمزاعم والخرافات اليهودية وإهدار الشرعية الدولية حيث لم تعد قرارات الشرعية الدولية هي المرجعية وإنما بنود الاتفاق التي وضعتها إسرائيل وبصم عليها عرفات.
إن مقاومة المحتل عمل مشروع طبقاً للقانون الدولي وتقرها الشرائع السماوية والأعراف الدولية ولا سيما وأن العدوان والاحتلال والاغتصاب الإسرائيلي مازالت قائمة. إن أرض فلسطين ملك للعروبة والإسلام، فهي أرضنا ووطننا ويقطن فيها شعبنا العربي منذ آلاف السنين، والعدو الصهيوني هو المغتصب للأرض والحقوق والمعتدي علينا، وعلينا أن نرد عليه ونسترجع الوطن المغتصب منه مهما طال الزمن، لأن مقاومة الغاصب والمحتل واجب وطني وفرض ديني فلا يجوز الاستسلام للعدو والسكوت عن ضياع الحق المغتصب.
وانطلاقاً من مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والمواثيق الدولية الأخرى لا يجوز إطلاقاً أن نسمي العمليات الاستشهادية إرهاباً مادام هناك احتلال واغتصاب للأرض والحقوق والثروات.
لقد أقامت إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية الدنيا ولم تقعدها بسبب العمليات الاستشهادية ومقتل(60) من اليهود. فماذا عن مقتل عشرات الألوف من المدنيين العرب في فلسطين؟ وماذا عن مقتل عشرات الألوف من المدنيين في لبنان، ومنهم ضحايا مجزرة قانا الوحشية! ماذا عن مقتل حوالي(60) من المصلين العرب في المسجد الإبراهيمي في الخليل وماذا عن مقتل(25) من العرب في مجزرة الحرم القدسي الشريف؟ وماذا عن مقتل حوالي ثمانية آلاف مدني في صبرا وشاتيلا؟ إن مسألة قتل الإنسان العربي، الفلسطيني واللبناني والسوري والمغربي ومسألة قتل المسلم وأطفاله وشيوخه وشبابه عند الولايات المتحدة هي مسألة لا تثير شيئاً، أما اليهودي فهو مميز وهو من أبناء شعب الله المختار لا يجوز المساس به مهما ارتكب من جرائم وحشية تنتهك أبسط مبادئ حقوق الإنسان، والقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. لقد أكد العديد من علماء الشريعة في فتوى أصدروها شرعية العمليات الاستشهادية على أرض فلسطين وجاء فيها:
"1- إن اليهود الجاثمين على أرض فلسطين اليوم في حكم الشرع الإسلامي كفار وأعداء ومحاربون ومغتصبون، اغتصبوا كل أرض فلسطين بما فيها القدس، وأقاموا عليها كيانهم المغتصب ودولتهم، واعتقدوا ولا يزالون بأن القدس عاصمة دولتهم اليهودية إلى الأبد.
2- المدنيون اليهود على أرض فلسطين هم كفار وأعداء ومحاربون ومغتصبون وهم جنود مقاتلون يلبون نداء الاعتداء والإرهاب من الحكومة اليهودية، وهم جنود احتياطيون في أي حرب أو قتال.
3- المدنيون اليهود على أرض فلسطين حاربوا أهل فلسطين وسفكوا دماء الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال أو ساعدوا في ذلك بالمال أو الرأي.
4- المدنيون اليهود والعسكريون وهم جميعاً في حكم العسكريين أخرجوا أهل فلسطين المسلمين وغير المسلمين من ديارهم، واستولوا عليها وتملكوها غصباً وسكنوها واستثمروها.
5- اليهود سواء كانوا مدنيين أو عسكريين الآن في حقيقتهم غرباء على فلسطين جاؤوا من أصقاع الدنيا إلى فلسطين على أساس فكرة دينية يهودية خلاصتها أن فلسطين أرض الميعاد، وأنه لابد من هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل مكانه، ولابد من احتلال بلاد المسلمين من النيل إلى الفرات لإقامة دولتهم عليها.
وبناء على هذه المعطيات الواقعية فإن الحكم الشرعي بشأن هؤلاء اليهود المحاربين الغاصبين المحتلين هو وجوب قتالهم وإخراجهم من فلسطين.
والإسلام يقرر مقاتلة الغازي والمعتدي وإن أدى إلى قتله سواء كان عسكرياً أو مدنياً، يقرر قتل كل مدني أسهم في الحرب برأي أو مال أو جهد......"(112)
إن قضية فلسطين والقدس الشريف عند المسلمين ليست قضية تراب ووطن فقط وإنما هي أيضاً قضية إيمان وعقيدة. وإن مقاومة المحتل والغاصب والمعتدي الإسرائيلي قضية حق الشعوب في مقاومة الاحتلال الأجنبي.
لقد بدأت إسرائيل الحرب المستمرة والدائمة ضد العروبة والإسلام منذ تأسيسها ولا تزال مستمرة بها لأنها لا تزال تحتفظ باحتلال الأرض العربية ومصادرتها وتهويدها واضطهاد الإنسان العربي والحيلولة دون تطوره وتقدمه. فالتعايش بين العرب واليهود على أرض واحدة غير ممكن والحل الصحيح وقف الهجرة اليهودية وإزالة المستوطنات وعودة المستوطنين إلى أماكنهم الأصلية.
إن السلام الإسرائيلي والأميركي يقفز فوق مبادئ الحق والعدالة، ومبادئ وأهداف الشرعية الدولية. ويبيح لإسرائيل استعباد شعب بكامله وسرقة ثرواته ومقدساته وزرع أرضه بالمستوطنين والمستوطنات. ويعمل على اغتصاب مدينة القدس، أولى القبلتين وثالث الحرمين ومدينة الإسراء والمعراج وجعلها العاصمة الأبدية لليهود. فالعمليات الاستشهادية هي نتيجة لسياسة القهر والاحتلال والاستيطان والتهويد والهيمنة. فأي سلام بلا سيادة وبلا وطن وبلا قدس وبلا عودة وحق تقرير المصير؟!
لقد طلب كلنتون من الرئيس الأسد إدانة العمليات الاستشهادية ولكن الأسد رفض إدانتها. وصرح وزير الخارجية الأميركي على أثرها قائلاً: "إن على جميع شعوب المنطقة ليس فقط إدانة التفجيرات بل أيضاً التعاون مع الجهود الرامية إلى عدم تكرار حماس هذه الأعمال".(113)
وطالب باتخاذ إجراءات صارمة ضد حماس وطلب من عرفات مواجهة حماس قائلاً:
"دعمُنا لعرفات مشروط بمواجهته لحماس وقال إن الهجمات لا تستهدف إسرائيل ورئيس حكومتها بيريس بل إنها أيضاً موجهة ضد عرفات"(114).
واستجاب عرفات للمطالب الأميركية والإسرائيلية فأعلن بيريس معلقاً على ذلك قائلاً:
"انتظر من عرفات أن يلقي القبض على قادة الجناح العسكري في حركة حماس واعتبار المنظمات الإرهابية خارجة عن القانون، وفعل ذلك، وطلبنا منه تجريدهم من السلام وقد بدأ بذلك وزودنا الشرطة الفلسطينية بلائحة من ثلاث عشر مطلوباً".(115)
ونجح بيريس في تجنيد عرفات وشرطته ومخابراته واتباعه في حربه ضد المناضلين الفلسطينين لقمع العمليات الاستشهادية.
ويمكن القول إن الأطراف التي تضررت من العمليات الاستشهادية في القدس وعسقلان وتل أبيب هي:
* حزب العمل الإسرائيلي وزعيمه مجرم الحرب شمعون بيرس.
* انهيار نظرية الأمن الإسرائيلي والردع العسكري.
* سلطة الحكم الذاتي العميلة وزعيمها ياسر عرفات.
* الإدارة الأميركية وزعيمها المتصهين بيل كلنتون باعتباره راعياً ومدافعاً وداعماً للاحتلال والاستيطان والإرهاب اليهودي.
فالولايات المتحدة، القطب الوحيد المهيمن على العالم والمنحازة لإسرائيل والتي تكيل بمكيالين هي التي دعت إلى عقد القمة لإزالة الخوف الذي دب في نفوس الإسرائيليين وتهدئة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية والمحافظة على المصالح الأميركية وتنفيذ المخططات الأميركية في المنطقة.
وأرادت إسرائيل أن تثبت أن لها اليد الطولى في المنطقة وفي العالم، وأنها قادرة على إخضاع الفلسطينيين وتخويف العرب بمساعدة الولايات المتحدة وأوروبا وبعض الأطراف الفلسطينية والعربية.
فالعمليات الاستشهادية فجرت الخوف والقلق والانفعال في نفوس الإسرائيليين وجعلتهم يخشون على مستقبلهم ومستقبل الكيان الصهيوني ككيان غريب ودخيل جاء يغتصب الأرض العربية ويتوسع ويقيم المستعمرات اليهودية ويرحَّل السكان العرب، لذلك فأن المستعمر اليهودي لا يمكن أن يرتاح إلاَّ بالأمن المطلق. فهبت الولايات المتحدة لمساعدته على تحقيق هذا الأمن.
لقد وضع بيرس شروطاً على عرفات وطالبه بتنفيذها وهي:
- اعتبار حركتي حماس والجهاد الإسلامي خارجتين على القانون.
- تجريد الإرهابيين من السلاح.
- اعتقال زعماء المنظمات الإرهابية.
واستجاب عرفات للمطالب الإسرائيلية فوصف العمليات الاستشهادية بالإجرامية وأخذ يطلق التهديد تلو الآخر للمنظمات الفلسطينية واعتبرها جميعها بما فيها مجموعات النسر الأحمر والنجم الأحمر والفهود السود منظمات غير شرعية. وأصدر التعليمات لأجهزته الأمنية والشرطية بمطاردة المجاهدين والمناضلين. ودعا الجماهير الفلسطينية في غزة إلى التظاهر للتنديد بالإرهاب الفلسطيني.
هل فكر عرفات ولو ثانية واحدة لماذا يقوم الفلسطينيون بتفجير أنفسهم؟ ومن هو الذي أدخل العنف والإرهاب والمجازر الجماعية في المنطقة؟ فهل هو العربي الذي يدافع عن أرضه ووطنه وحياته؟ أم المستعمر اليهودي الذي جاء من نيويورك أو موسكو لينتزع الأرض من أصحابها ويقيم المستعمرات اليهودية عليها؟
فماذا ينتظر الرئيس الأميركي كلنتون ونتنياهو وعرفات من العرب وهم يرون الاحتلال الإسرائيلي ينهب الأرض والمياه والثروات ويعلن أن القدس، أولى القبلتين وثالث الحرمين عاصمة أبدية لكيانه المغتصب؟
فالاحتلال الإسرائيلي وممارسة إسرائيل للإرهاب والعنصرية والاعتداءات اليومية والمجازر الجماعية هي التي تدفع العرب إلى استخدام العنف.
ولذلك فإن العمليات الاستشهادية هي نتاج بطولي لتراكم الظلم والقهر واغتصاب الأرض والحقوق خلال نصف قرن من عمر الكيان الصهيوني، الدخيل على المنطقة والغريب عنها والذي عرقل ويعرقل تطورها وتقدمها وازدهارها واستقرارها.
وبالرغم من هذه الحقائق دعا رئيس سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني المحدود في خطابه الذي افتتح به المجلس التشريعي الفلسطيني إلى قمة دولية لمكافحة الإرهاب.
وكانت حركة حماس قد هددت في أعقاب اغتيال أجهزة الأمن الإسرائيلية للشهيد البطل يحيى عياش تنفيذاً للقرار الذي اتخذه رئيس الوزراء شمعون بيرس شخصياً وتباهت إسرائيل بنجاح جريمة الاغتيال التي نفذتها، هددت بالرد والثأر لاغتيال قائد فصائل عز الدين القسام. وأعلنت أن السلطات الإسرائيلية قد اتخذت كافة الاحتياطات لمواجهة الرد وإحباطه وأرسلت الولايات المتحدة الخبراء الأميركيين والمعدات والأجهزة الحديثة لتعزيز قدرة إسرائيل في مجال الكشف عن المتفجرات. وبعثت الإدارة الأميركية رسائل إلى الدول العربية تطلب منها أن تدين بوضوح عمليات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
ومن المؤلم حقاً أن بعض العواصم العربية استجابت لرغبة أميركا وإسرائيل واتهمت رجال المقاومة بالإرهابيين ووصفت العمليات الفدائية بالجرائم وبأنها هجوم جبان.
التطلعات المصرية والإسرائيلية من القمة.
يتلخص الهدف الأساسي من انعقاد قمة شرم الشيخ هو"إقامة تحالف دولي ضد حركات المقاومة الوطنية والإسلامية تحت ستار مكافحة الإرهاب. وأرادت إسرائيل أن تكون القمة كإطار إقليمي ودولي للتصدي للمقاومة الفلسطينية بعد أن فشلت في القضاء عليها والتصدي للأطراف التي تدعمها ورفع معنويات الشعب الإسرائيلي بعد أن سيطر عليه الخوف والرعب بعد العمليات الاستشهادية في القدس وتل أبيب وعسقلان.
لقد وجدت إسرائيل المدججة بأحدث أنواع الأسلحة في العالم بما في ذلك السلاح النووي نفسها عاجزة عن مواجهة العمليات الاستشهادية، فأسرعت تطلب المساعدة والدعم من الولايات المتحدة والدول الأوروبية وبعض الدول العربية وسلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود.
وأسرعت الولايات المتحدة وحملت زعماء العالم على الهرولة إلى إسرائيل مرة عندما قام الإرهابي اليهودي عامير باغتيال الجنرال رابين والمرة الثانية لعقد قمة شرم الشيخ لتسخير إمكانات بعض أجهزة الأمن العربية والفلسطينية والدولية لمساعدة إسرائيل في قمع عمليات المقاومة البطولية ولاتخاذ قرارات صارمة ضدها وحمل الدول العربية على اتخاذ خطوات حاسمة ترمي إلى شل نشاطها.
وانطلق الموقف الأميركي من تبني وجهة النظر الإسرائيلية بوجوب تركيز القمة على"الإرهاب" الذي تتعرض له إسرائيل ويستهدف عملية السلام وإن عمليات حماس تسببت في توجيه ضربة لمسيرة التسوية، وإن القمة تهدف إلى نبذ الإرهاب للاستمرار في التسوية، وذلك لتبرير عدم تنفيذ اسرائيل للاتفاقيات التي وقعتها سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود وتعليق المفاوضات مع سورية بأمر من شمعون بيرس. وأبدى الرئيس كلنتون اهتماماً بالغاً لانتشال الحكومة الإسرائيلية من أزمتها ودعم فرص حزب العمل للنجاح في الانتخابات. واعتبرت الإدارة الأميركية أن العقوبات الجماعية التي فرضتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني وحملات الاعتقال والتعذيب والتجويع وتخريب الإنتاج الزراعي مشروعةَ دفاعاً عن الأمن الإسرائيلي، مما يخدم التصلب الإسرائيلي والتهديدات والضغوطات الإسرائيلية المتزايدة على سلطة الحكم الذاتي ويبرر الانتهاكات الإسرائيلية للاتفاقات المعقودة في أوسلو والقاهرة.
لقد لجأت الإدارة الأميركية إلى عقد قمة شرم الشيخ والمؤتمرات الدولية الأخرى للمحافظة على اتفاقات الإذعان العربية- الإسرائيلية التي أجبرت الولايات المتحدة الأطراف العربية على توقيعها في ظل الاحتلال الإسرائيلي وبواسطتها وبالشروط والإملاءات الإسرائيلية؛ أجبرت الإدارة الأميركية الدول العربية والعديد من دول العالم على الاشتراك في المؤتمرات الدولية للحيلولة دون تراجع بعض العرب عن اتفاقات الإذعان ولحمايتها وضمان استمراريتها وفرض التطبيع على العرب جميعاً للوصول إلى الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة العربية.
ورأت الولايات المتحدة أن تسمي المؤتمر مؤتمراً لمكافحة الإرهاب، بينما رأت مصر أن يكون اسم المؤتمر"مؤتمر صانعي السلام".
وانطلق الموقف المصري عشية انعقاد القمة والتحضير إلى انعقادها من وجوب عقدها لدفع عملية السلام التي وصلت إلى طريق مسدود وواجهت مشاكل معقدة بعد العمليات الاستشهادية حيث اعتبر عمرو موسى، وزير الخارجية المصري أن إعاقة مسار السلام بواسطة العنف من الجانبين مسألة غير مقبولة ووجه اللوم إلى إسرائيل لأنها فرضت الحصار على الضفة والقطاع واتخذت إجراءات لا تتفق مع التزامات إسرائيل الواردة في الاتفاقات.
إن الجانب العربي الذي يعرف حق المعرفة أن سبب العنف في المنطقة هو الاستيطان اليهودي واغتصاب فلسطين العربية لا يمكن أن ينظر إليه على اعتباره مجرد وسيلة تهدد أمن إسرائيل وأمن الإسرائيليين، فالعنف في المنطقة له أسبابه وتاريخه ونتج عن الاغتصاب والاحتلال والتهويد وممارسة إسرائيل للإرهاب والعنصرية والاستيطان كسياسة رسمية. ونجحت مصر في تحويل القمة من قمة لمكافحة الإرهاب وخدمة الأمن الإسرائيلي فقط إلى قمة لدعم السلام ومكافحة الإرهاب وذلك بالتسمية والعنوان فقط، مما أنقذ مصر من ورطة سياسية تسيء لدورها العربي وموقفها من الحق العربي في فلسطين.
بدأ التوريط المصري بالقمة خلال الزيارة التي قام بها إلى إسرائيل الدكتور أسامة الباز، مستشار الرئيس مبارك للشؤون السياسية.
يقول دبلوماسي مصري عن زيارة الباز مايلي: "بدا واضحاً من المحادثات التي أجراها الباز مع المسؤولين الإسرائيليين أن المصاعب المحيطة بعملية السلام، خصوصاً على المسار الفلسطيني الإسرائيلي بعد عمليات التفجير في القدس وعسقلان وتل أبيب، بلغت درجة الخطورة وباتت تهدد العملية من أساسها.(116)
ولعب الباز دوراً هاماً بعد عودته من تل أبيب بإقناع الرئيس مبارك بعقد قمة شرم الشيخ، حيث حذره في التقرير الذي رفعه إليه من "أن المناخ السائد في إسرائيل بفعل التفجيرات أصبح هاجساً أمنياً، وأن المسار الفلسطيني- الإسرائيلي بات مهدداً بالانهيار مالم يتم إنقاذه بسرعة"(117).
لقد نجح بيرس بإقناع الباز ونجح الباز بإقناع الرئيس مبارك بفكرة بيرس وهي عقد قمة شرم الشيخ لمكافحة الإرهاب. وجاءت الفكرة المصرية بعقد القمة لإنقاذ عملية السلام ومكافحة الإرهاب.
ساد اتجاهان في التحضير للقمة:
الأول: يقول إن الغرض الرئيسي من القمة ينبغي أن يكون دفع عملية السلام بعد العمليات الاستشهادية وكسر الجمود المسيطر على المسار السوري- اللبناني بعد أن أوقف بيرس المفاوضات. ودعمت مصر هذا الاتجاه.
والاتجاه الثاني: يطالب بإجراءات محددة وآليات عملية لمواجهة الإرهاب ودعم شمعون بيرس في الانتخابات
وأكدت مصر أن نجاح بيرس شأن إسرائيلي داخلي وأن ما يعنيها هو إزالة كل ما من شأنه عرقلة السلام، وهذا يتطلب بحث موضوع الإرهاب والأسباب التي أدت إليه. وتبلور الموقف المصري على الشكل التالي:
"إن مصر ترفض العنف والعنف المضاد، ولا تقبل بترويع المدنيين، كما ترفض سياسة إغلاق إسرائيل للضفة والقطاع. وتعتبر الإرهاب مرفوضاً، والحرب عليه واجباً. وهذا ما يستدعي اتخاذ تدابير أمنية وسياسية عدة، منها إعادة النظر في حق اللجوء السياسي الذي تمنحه الدول الغربية للإرهابيين وأنصارهم، والبحث عن مصادر تمويل هذه الجماعات ومراقبة أنشطتها ورصد اتصالاتها وتحركات عناصرها.
لكن القضية الجوهرية في نظر مصر هي ضرورة إزالة المناخ الذي يشجع الإرهاب. وهذا يتم من خلال تسريع عملية السلام وتدعيمها، والتوصل إلى اتفاقات على المسارين السوري واللبناني، وإنجاح مفاوضات المرحلة النهائية على المسار الفلسطيني.
وعبر حاييم فورين، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية عن أن لاخلاف على أهمية دعم عملية السلام، لكننا نعتبر أن ذلك لا يمكن أن ينفصل عن محاربة الإرهاب، لأن الهدفين مرتبطان عضوياً. فالإرهاب الحالي يهدف إلى تقويض السلام وتدمير إمكانات تحقيقه. ولذلك لا يمكن دعم السلام من دون مكافحة الإرهاب، والعكس أيضاً صحيح" (118).
وطالبت إسرائيل بضرورة عدم الاكتفاء بإعلان المواقف والتصريحات، بل وجوب الوصول إلى ممارسات عملية يتفق عليها المشاركون في القمة من أجل مكافحة الإرهاب والحيلولة دون تحقيق أهدافه.
ولخص حاييم فورين موقف حكومة العدو في القمة والنتائج التي ترغب في الوصول إليها قائلاً:
"طبعاً سيكون مهماً أن تطلع القمة بإعلان مشترك يوافق عليه الجميع ضد الإرهاب، وهذا ما نرغب فيه ونريده. لكن الأهم سيكون الاتفاق على الخطوات العملية التي يقرر جميع المشاركين في القمة تنفيذها ضد الإرهاب في إطار استراتيجية موحدة تقوم على التعاون والتنسيق. فمثل هذا الاتفاق سيكون المؤشر الحقيقي على نجاح القمة في تحقيق أهدافها"(119).
وأعرب زئيف شيف، الخبير الإسرائيلي الكبير في الشؤون الاستراتيجية عن أهمية قمة شرم الشيخ في تحقيق التعاون الأمني بين إسرائيل والدول العربية المشتركة في القمة وقال:
"لابد من الاعتراف بأن مجرد جلوس الدول العربية على منبر واحد مع إسرائيل تحت شعار مكافحة الإرهاب هو في حد ذاته نقلة تحول أساسية ينبغي التركيز عليها، وهو أيضاً يشكل في نظرنا الإنجاز الأهم لاجتماع شرم الشيخ على المستوى السياسي والاستراتيجي العام. فهذا يعني أن العرب باتوا أخيراً على استعداد للإقرار بأن هناك مصالح أمنية مشتركة تجمعهم مع إسرائيل لكنني أعود وأكرر هنا أن الناحية الإيجابية المنبثقة عن هذا الاجتماع هي تكريسه حقيقة أنه بات هناك الآن عرب وإسرائيليون في خندق واحد مؤيد للعملية السلمية ضد عرب وإسرائيليين معارضين لهذه العملية"(120).
وكانت إسرائيل ترغب من القمة تعزيز الشراكة الأمنية بين الإسرائيليين والفلسطينين وبين الإسرائيليين وبعض الأطراف العربية. ونجحت إسرائيل في تجسيد هذه الشراكة الأمنية على أرض الواقع في الضفة والقطاع وداخل إسرائيل. ولكنها تعمل من خلال القمة لمد هذه الشراكة خارج إطار المناطق المحتلة وإسرائيل، حيث عبر ضابط إسرائيلي كبير في شؤون مكافحة الإرهاب عما تريده إسرائيل من القمة وقال:
"نعم نعرف جميعاً أن القمة هدفت إلى دعم الحملة الانتخابية لشمعون بيرس ومساعدة ياسر عرفات على تعزيز مواقعه في المناطق الفلسطينية. نحن ندرك تماماً مشكلة عرفات والسلطة الفلسطينية فحماس والجهاد جزء من المجتمع الفلسطيني، ولا يمكن للسلطة أن تتحمل الظهور بمظهر الأداة في يد إسرائيل، فهذا سيفقدها صدقيتها. لكن يتعين في المقابل المحافظة على صدقية السلام في نظر الإسرائيليين أيضاً.
وفي اعتقادي أن عملية المعالجة في الداخل بدأت فعلاً من خلال تعزيز التعاون وتبادل المعلومات والتنسيق بين أنشطة الأجهزة الإسرائيلية والفلسطينية. لكن المشكلة الحقيقية تظل في الخارج، وهي تحديداً في الدول التي تأوي الإرهاب وتوفر له الدعم المادي والغطاء السياسي. ولن يكون حل هذه المشكلة ممكناً من دون محاسبة هذه الدول على ما تفعله...... من هذه الزاوية تكون قمة شرم الشيخ حققت أهدافها السياسية. أما مكافحة الإرهاب والإجراءات الأمنية اللازمة في شأنه، فهذه لا تحتاج إلى مؤتمرات قمة لبحثها، بل يتم الاتفاق عليها داخل غرف مغلقة."(121)
وتركز إسرائيل على تعميق مفهوم الشراكة الأمنية مع بعض الأطراف العربية وعلى مكافحة الإرهاب والمضي في المفاوضات والعملية السلمية بالشروط الإسرائيلية. وتربط بين مكافحة الإرهاب وعملية السلام ودعم سلطة عرفات وإقناع الدول المانحة بالوفاء بالتزاماتها المالية حيال السلطة الفلسطينية حيث يعاني الفلسطينيون ضائقة اقتصادية خانقة تدفع ببعضهم إلى التطرف والعنف. وتعتقد إسرائيل بأهمية الجهود التي تقوم بها السلطة الفلسطينية ضد حماس والجهاد لأنها تكرس مفهوم الشراكة الأمنية في مفهوم الرأي العام الإسرائيلي.
ومن الغريب حقاً أن يكون ما يسمى بالإرهاب"الإسلامي" وحده على جدول أعمال القمة ولم يتم التطرق إلى الإرهاب اليهودي الذي أدى إلى العديد من الحروب العدوانية والمجازر الجماعية وبالتالي تم التركيز عشية التحضير للقمة على"الإرهاب" الإسلامي لا الإرهاب اليهودي.
وأدلى شمعون بيرس رئيس وزارء العدو الإسرائيلي عشية عقد القمة بعدة تصريحات تشير بوضوح إلى رغبة إسرائيل في قيام إطار استراتيجي إقليمي جديد يجمع مابين إسرائيل والدول العربية وتركيا برعاية الولايات المتحدة الأميركية ومباركة أوروبا على أساس مجموعة من المصالح السياسية والأمنية والاقتصادية المشتركة، وتحت شعار مكافحة الإرهاب ودعم السلام.
وخلاصة القول: إن قمة شرم الشيخ فكرة إسرائيلية، أطلقها شمعون بيرس، رئيس وزراء العدو الإسرائيلي وتبناها بيل كلنتون، وأقنع بيرس أسامة الباز بالفكرة، وأوصى الباز الرئيس مبارك بالأخذ بها. ونجحت الولايات المتحدة في حمل الدول العربية وزعماء العالم على المجيء إلى شرم الشيخ والمشاركة في القمة دفاعاً عن ممارسة إسرائيل للاستيطان والاحتلال والتهويد والعنصرية والإرهاب كسياسة رسمية، ودعم بيرس وعرفات وتكريس معاهدة أوسلو ووادي عربة وتعزيز موقع مصر كمرجع إقليمي ثابت في المنطقة.
ويعبِّر عقد القمة عن ازدواجية المعايير لدى الولايات المتحدة التي لم تدع إلى عقد قمة مماثلة بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف عام 1994 وإنما تعمل على فرض حلول على العرب لمصلحة إسرائيل وضد المصالح العربية وفرض مجالات جديدة في تطبيع العلاقات العربية- الإسرائيلية، وبالتالي يمكن القول إن العرب الذين شاركوا في القمة قد تورطوا لأول مرة في التوقيع تحت الرعاية الدولية على مساواة مقاومة الاحتلال بالإرهاب وإدانة كل شكل من أشكال العمل العسكري ضد الاحتلال الأجنبي والرد على جرائمه وتحرير الأرض والحقوق والمقدسات من اغتصابه. وأقر المشاركون العرب في القمة بالدور العربي والفلسطيني في مواجهة هذه المقاومة وتسهيل مهمة إسرائيل في مكافحتها والتصدي لها. وجندت جهود وإمكانات عربية لمساعدة مجرم الحرب بيرس في سحق حركتي حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله وكل شكل من أشكال مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وطالبت بتضافر الجهود واتخاذ مواقف أكثر جدية على صعيد كل دولة إزاء ما تحصل عليه الحركات الإرهابية على أرضها من مساعدات وتمويل وحرية واتصال، وبالتالي فتحت أخطر مجالات التطبيع مع العدو وهو التطبيع الأمني.
رفضت الدول العربية المشاركة في القمة المطلب الإسرائيلي بإدانة الدول العربية التي لم تحضر القمة أو لم تشجب العمليات الاستشهادية. ورفضت فرنسا وبعض الدول الأوروبية الأخرى المساعي والمحاولات الأميركية لاستغلال المؤتمر وفرض إجراءات مقاطعة مشددة على إيران.
أرادت إسرائيل والولايات المتحدة من القمة أن تكون قمة عالمية لمكافحة الإرهاب وحصره بالإرهاب الإسلامي، إرهاب حماس والجهاد وحزب الله، وإدانة الدول المؤيدة للمقاومة وهي سورية وإيران. وأرادت مصر ومعها الدول العربية وبعض الدول الأخرى أن يسمّى المؤتمر مؤتمر صانعي السلام ومكافحة الإرهاب. وأظهر التطبيق العملي لقرارات القمة أن الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل لا تهتم أبداً إلاّ بما يخدم الكيان الصهيوني في مواجهة المقاومة الإسلامية للاحتلال الإسرائيلي وأما القرارات الأخرى فلا أهمية لها على الإطلاق وجرى تجاهلها مما وضع الموقف العربي والأوروبي وخاصة الروسي في موضع حرج. وجاءت نتيجة الانتخابات الإسرائيلية صفعة قوية للتوازن في قرارات القمة التي سعت مصر وفرنسا إلى اتخاذها، وبقي فقط ما يهم إسرائيل وسياساتها.
افتتاح القمة
دعا الرئيس الأميركي إلى عقد القمة لإنقاذ بيرس وعرفات واتفاق الإذعان في أوسلو ومعنويات الإسرائيليين من الانهيار.
وكانت السفيرة مادلين أولبرايت (مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة) قد قالت عشية انعقاد المؤتمر"إن هذا المؤتمر هو الأهم في تاريخ القرن العشرين" (122) وبالتالي فإنه برأيها كيهودية إن قمة شرم الشيخ أهم من مؤتمر فرساي وبوتسدام وسان فرانسيسكو(المؤتمر التأسيسي للأمم المتحدة.).
وانعقدت القمة في 13/3/1996 بحضور كبار قادة العالم من كلنتون وشيراك إلى ميجر وكول ويلتسين، وحضور عربي من أربع عشرة دولة بين ملك ورئيس دولة ووزير خارجية. وحدد بيرس عنوان القمة"التعبير عن الدعم الدولي لإسرائيل، ورفع التعاون الأمني بين أميركا وبين إسرائيل وبعض أجهزة الأمن العربية" (123).
وتعتبر أسرع قمة دولية جرى الاتفاق عليها خلال ساعات، وهرع ملوك ورؤساء العالم للاشتراك فيها، مما أظهر خضوع البلدان المشاركة فيها إلى الضغط والابتزاز اليهودي والأميركي، ودشنت بداية مرحلة جديدة ظالمة بحق شعوب العالم التي تتطلع إلى التحرر والاستقلال والسيادة من الاحتلال الأجنبي، مرحلة لا تخدم مبادئ الحق والعدل والقانون الدولي والشرعية الدولية، وإنما تخدم ممارسة إسرائيل للحروب العدوانية والإرهاب والعنصرية.
افتتح الرئيس مبارك القمة برسالة واضحة ضد الإرهاب والقوى الداعمة له مع الدعم والتأييد لإسرائيل وسطلة الحكم الذاتي والإصرار على فرض السلام.
وتحدث الرئيس كلنتون في المؤتمر قائلاً: "أقول لقوى العنف والكراهية إنكم تقتلون أنفسكم والآخرين بهدف قتل السلام، فالسلام باق لن تنجحوا ، لقد حانت ساعة نهايتكم.". وجاء في كلمته: "وربما لا بد لنا من إلاّ ندع قوى الإرهاب والشر أن تنال من عملية السلام ومن ثم لابد أن تتضافر جهودنا وأن نعزز مواقفنا من أجل أن نحبط هذه الأهداف الشريرة".(124).
وأعلن كلنتون في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس مبارك عن إنشاء مجموعة متابعة مفتوحة أمام جميع المشاركين في القمة".(125).
واعتبرت أميركا وإسرائيل قمة شرم الشيخ قمة من أجل مكافحة الإرهاب، وعملتا على تجييرها لمصلحة إسرائيل بشكل كامل وتحقيق مكاسب أمنية وسياسية لها وتوفير جميع الوسائل والأجهزة والأموال لدعمها في الاستمرار في سياسة القبضة الحديدية.
وألقى غياب سورية ولبنان عن القمة بظلاله، لأنه شكك بأهدافها والنتائج التي تتوصل إليها، ولا سيما وإن سورية تنادي بالتفريق بين الإرهاب والمقاومة. وشككت بموقف بعض الدول من عملية السلام وطالبت بالعودة إلى عقد مؤتمر مدريد. وجاء عدم حضور سورية منسجماً مع موقف القائد العربي الكبير حافظ الأسد القائم على التفريق بين الإرهاب والمقاومة، وأن السلام هو الذي يحقق الأمن وينهي التوتر في المنطقة، وأن إزالة التوتر مرتبطة بإزالة أسبابه وهي الاحتلال، ولذلك لا يمكن لسورية أن تعطي دعماً لإسرائيل بحضور القمة، لأن سورية تعتبر أن إسرائيل المسبب الأول لأعمال العنف الناتجة عن احتلال الأراضي العربية ولأن سوريا تدافع عن الحق العربي ولا يمكن لها أن تدعم سياسة الاحتلال وحضورها يعني تأييد إسرائيل. وأكد وزير الخارجية السوري أن قمة شرم الشيخ ستخدم مواقف إسرائيل ومصالحها على حساب مصالح العرب. واتفق الرئيسان السوري واللبناني على اعتبار قمة شرم الشيخ متسرعة وغير مدروسة، كما أن الدعوة لها والمواضيع المعروضة عليها لم يتم التحضير لها جيداً. ووجه الرئيس الهرواي رسالة إلى الرئيس الأميركي جاء فيها أن معالجة الأزمة السياسية تتطلب إنهاء العنف وأسبابه وما يجلبه من ردود فعل..
ووجهت حماس مذكرة إلى القمة تبرر فيها العمليات الاستشهادية وتعلن عن استعدادها لقبول وساطة المؤتمرين وطرحت الهدنة مع إسرائيل وأكدت أن العمليات هي دفاع عن النفس في مواجهة احتلال وقمع وإرهاب إسرائيل. واعتبرت الجهاد الإسلامي أن المؤتمر مؤشر لحرب صليبية جديدة، تقودها إسرائيل واميركا للتغطية على الإرهاب الذي تمارسه الدولة اليهودية وانقاذ بيرس وعرفات وأن المؤتمر حملة عالمية ضد النضال الفلسطيني بمشاركة عربية وايد عربية.
شدد الرئيس مبارك على أهمية السلام الذي يحقق الأمن والاستقرار ويقضي على مظاهر العنف. وشدد على تحقيق التقدم على جميع المسارات، بينما قال الرئيس كلنتون إنه أصبح من الضروري وقف دوامة العنف سواء من جانب إسرائيل أو الفلسطينيين. وتحدث عن أهمية تحقيق السلام والقضاء على العنف والإرهاب.
وتحدث بيرس أمام القمة قائلاً: "إن القرار الفعّال لابد وأن يتخذ هنا اليوم. إن هذا المؤتمر لابد وأن يضع استراتيجية وذلك من قبل المجتمع الدولي من أجل مواجهة هذا الإرهاب وذلك من قبل التعاون الدولي وعقد العزم على القضاء على جيوب الإرهاب وأربابه."إن هذا الإرهاب له اسم ولديه حساب في البنك وله بنية أساسية وله شبكة وكذلك مثلما هي الحال بالنسبة للمؤسسات الخيرية"(127)..
ودعا الملك حسين إلى إيجاد آلية دولية تعمل على تعريف الإرهاب ووضع المبادئ والوسائل الكفيلة بوأده في مهده من حيث التمويل والتدريب والممارسة. وقال في القمة إنه لابد من مواجهة ظاهرة الإرهاب مواجهة دولية لا جهوية ولا إقليمية، وإنه يجب علينا أن نتخذ الإجراءات الرادعة ضد أي دولة تدعم الإرهاب أو تستضيف مؤسساته ومنظماته".(128).
انعقدت قمة شرم الشيخ بسبب العمليات الاستشهادية التي أطاحت بنظرية الأمن الإسرائيلي وفشلت إسرائيل في التصدي لها، لذلك احتلت المقاومة والتصدي لها مكان الصدارة في القمة. وأراد الرئيس كلنتون وأصدقاء أميركا وإسرائيل من الدول العربية انقاذ بيرس من السقوط في الانتخابات تحت شعار"إنقاذ بيرس ينقذ السلام"، ولكن الحقائق أثبتت وتثبت أنه يمارس القمع والإرهاب والتطرف أكثر من الليكود الذي توصل إلى معاهدة السلام مع مصر.
وجاء الاشتراك العربي في القمة تلبية لرغبة الرئيس الأميركي لإنجاح بيرس وإنقاذ عرفات ودعم مركزه وتقديم الأموال والمعدات لأجهزته القمعية، وبالتالي نجحت القمةفي توريط بعض البلدان العربية في عملية دعم إسرائيل ومعاداة العرب والإسلام، و يمكن أن تؤدي إلى انتكاسه في عملية التسوية بسبب تصلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بيرس وتشدده. وغفرت القمة لإسرائيل ما ارتكبته من ممارسة الإرهاب والإبادة وتكسير العظام والعقوبات الجماعية طوال نصف قرن.
إن القمة حدث لا مثيل له على ساحة الشرق الأوسط والساحة العالمية، حيث نجح الرئيس الأميركي في تجنيد العالم لمساعدة إرهاب إسرائيل ودعمها، فإسرائيل تأسست من رحم الإرهاب وشبّتْ عليه وتمارسه كسياسة رسمية وتصدره للخارج للمحافظة على اغتصاب الأرض والحقوق العربية وفرض الهيمنة على العرب، ولذلك فإنه لا يمكن لإسرائيل أن تفكر بغير عقلية الإرهابي والإرهاب.
واعتبرها بيرس بمثابة إعلان تضامن دولي مع إسرائيل ومحاربتها الإرهاب، فالرابح الوحيد من عقدها هو الإرهاب الإسرائيلي والتطرف والاستيطان اليهودي.
لقد تأثر المواطن العربي أشد التأثر عندما سمع ممثل قطر يتحدث في المؤتمر وكأن بيرس يتحدث ثم وجه الدعوة لبيرس لزيارة قطر. وسار ممثل عُمان على خطى ممثل قطر وقال إن الأحداث الإرهابية التي راح ضحيتها الأبرياء في إسرائيل أمر مستنكر، وطالب بإتخاذ إجراءات حازمة ضد الإرهاب، وبالتالي تكون قطر وعُمان قد أدانتا المقاومة أولاً وطالبتا بدعم مسيرة السلام ثانياً وتوجيه دعوة لمجرم الحرب شمعون بيرس لزيارتهما ثالثاً.
وشجع موقف قطر وعمان ورئيس سلطة الحكم الذاتي إسرائيل على المطالبة بـ"حق إسرائيل في الإطلاع على أسماء العائلات الفلسطينية التي تتسلم مساعدات مالية مقدمة من لجان عربية تعمل على دعم الشعب الفلسطيني.".(129)
وطالبت السعودية بإعطاء عملية السلام دفعة حقيقية واتخاذ إجراءات جادة ضد العنف واجتثاث جذوره، وأدانت العمليات في القدس وتل أبيب كما أدانت ارتكاب مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف. وهاجمت العقوبات الجماعية التي فرضها العدو الإسرائيلي على الضفة والقطاع.
وطالبت الكويت بمواصلة العمل الدولي لإزالة العقبات التي تعترض مسيرة السلام وبتعاون دولي جاد لوضع حد لظاهرة الإرهاب والأسباب التي تؤدي إليها.
وأدانت اليمن الإرهاب مهما كان مرتكبوه سواء أفراداً أو سلطة. وطالبت بوجوب عدم إدانة شعب أو أمة أو دين دون آخر، وإقامة سلام عادل وشامل دون استضعاف أو استكبار.
ورحبت تونس بكل خطوة لإقرار سلام عادل ودائم وشامل والتصدي لكل أشكال الإرهاب ومساعدة السلطة الفلسطينية.
وعملت إسرائيل خلال القمة على الخروج بصيغة لإيجاد تعاون أمني عربي- إسرائيلي لمكافحة الإرهاب ومصادر دعمه وتمويله وتبادل المعلومات مع الدول العربية حوله. شجعها في ذلك موقف عرفات والأردن، حيث كان عرفات الوحيد داخل المؤتمر الذي هاجم حماس بالاسم وبعنف وتعهد بتصفيتها.
وكان الجنرال باراك، وزير خارجية إسرائيل قد زار الأردن قبل عقد قمة شرم الشيخ بيوم واحد لتنسيق المواقف بين الحكومة الأردنية والحكومة الإسرائيلية وكان الأمير الحسن قد قال إن المعاهدة تلزم الأردن بالتنسيق والعمل مع إسرائيل لمكافحة الإرهاب.
وأكد باراك في عمان أن إسرائيل تسعى إلى بناء تعاون إقليمي ودولي في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية وتبادل التكنولوجيا وسبل ضبط انسياب الدعم المالي الموجه إلى الأنشطة الإرهابية(130)..
ووصف باراك سورية في عمان بأنها احدى ثلاث قلاع للإرهاب في المنطقة إلى جانب إيران وليبيا(131).
وخلاصة القول أرادت إسرائيل الاتفاق مع البلدان العربية المشتركة في القمة على استراتيجية مشتركة لسحق المقاومة العربية بعد أن نجحت بإلزام عرفات وشرطته وأجهزته الأمنية ومؤسساته السياسية بتنفيذ كافة مطالبها الأمنية. ونجحت مع الأردن في المحافظة على حدودها قبل وبعد معاهدة وادي عربة .
لقد اتهم بيرس إيران بالوقوف أمام الإرهاب وأنها هي الدولة الوحيدة التي تتصدره وأصبحت طهران عاصمة الإرهاب. وليس للإرهاب حدود، ولذلك فلا يجوز أن تمنع الحدود العمل من أجل القضاء على أفعى الإرهاب.
وكان شيراك قد تحدث في المؤتمر حول ما طرحه بيرس وعرفات عن دور إيران وقال:
"عرفات وبيرس تحدثا عن تورط عناصر خارجية، وإذا ثبت لنا ذلك عليناأن نستخلص النتائج والأسرة الدولية ترفض التصريحات غير المسؤولة وعلى جميع الدول إدانة الإرهاب: وردت إيران على اتهامات عرفات وبيرس قائلة بأن المؤتمرين يعملون على ضرب الحركة الإسلامية في فلسطين. ووصفت القمة بمثابة الضوء الأخضر لإسرائيل لممارسة القمع ضد الحركة الإسلامية في فلسطين ولبنان. وانتقدت الحكومات العربية التي لبّتْ حضور المؤتمر، لأن الدول العربية أصبحت تابعة للحدث الإسرائيلي، إنه مؤتمر حماة إرهاب الدولة الإسرائيلي والتضامن مع المحتلين الإسرائيليين. وأعلن كلنتون في شرم الشيخ نقاطه الثلاث لدعم إسرائيل وهي: أولاً: ستبدأ الولايات المتحدة فوراً في مدّ إسرائيل بمعدات وتدريب إضافي. ثانياً: ستتعاون الدولتان لتطوير وسائل وتكنولوجيا جديدة لمكافحة الإرهاب. ثالثاً: سنعمل من أجل تعزيز الاتصالات والتعاون بين البلدين ومع حكومات أخرى شاركتنا الحرب ضد الإرهاب. وأشار إلى أن إسرائيل دولة ديمقراطية وأن العلاقات معها وثيقة جداً ومتينة.(132).
المواقف داخل القمة:
سعت الولايات المتحدة وإسرائيل في القمة إلى تسخير المجموعة الدولية بما فيها الدول العربية إلى الالتزام بالمحافظة على اتفاقات الإذعان التي أمليت بقوة إسرائيل العسكرية ودور الولايات المتحدة الأميركية في أوسلو ووادي عربة مخالفة بذلك الحقوق التاريخية الوطنية والقومية والدينية للعرب والمسلمين بتخليد الاستيطان وشرعنة الاحتلال على حساب قرارات الشرعية الدولية.
وتتجلى بشاعة قمة شرم الشيخ في التشهير بكرامة الأمة وسيادتها وتاريخها ونضالها وشهدائها ووصف مقاومة الاحتلال بالإرهاب والعمل المأجور والخارج عن إرادة الشعب وتقاليد الأمة والقادم من إيران.
إن تشويه صورة المقاومة الوطنية والإسلامية في مواجهة الإرهاب والاحتلال اليهودي هو إهانة للعروبة والإسلام ودماء شهداء الأمة العربية الذين رووا أرض فلسطين العربية بدمائهم الزكية، كما أن تزوير الحقائق وبث الأكاذيب والأضاليل اليهودية والعرفاتية حول دور القوى الخارجية في عمليات حماس والجهاد الإسلامي تحقير وإهانة للشعب الفلسطيني واللبناني والأمة العربية في مقاومة الاحتلال.
إن الولايات المتحدة التي نظمت القمة هي التي تدافع عن احتلال إسرائيل للأراضي العربية وهي التي مكنتها من احتلال هذه الأراضي والاستمرار في المحافظة على احتلالها لإملاء الشروط الإسرائيلية في أوسلو ووادي عربة، وهي التي تموّل الاستيطان اليهودي في الأراضي العربية المحتلة، وهي التي أعطت الضوء الأخضر إلى مجرم الحرب بيرس لشن الحرب على المدنيين في لبنان لتدمير المزيد من الاقتصاد اللبناني وفرض المزيد من الخنوع والاستسلام على العرب، وهي بالتالي الداعم والحامي والمدافع والمموّل والمسّلح للإرهاب اليهودي الذي تمارسه دولة اليهود، وهي الداعم للإرهاب في الشرق الأوسط وفي العالم.
لقد كانت قمة شرم الشيخ قمة الرئيس الأميركي المتصهين، بيل كلنتون لحماية حليفه الاستراتيجي الكيان الصهيوني وإخراج إسرائيل من المأزق الذي أوقعت نفسها فيه وتوظيف القمة من أجل إنجاح رئيس وزراء العدو الإسرائيلي في الانتخابات والتأكيد على أن إسرائيل تعمل من أجل السلام.
لماذا لم يدع العرب والعالم إلى مؤتمر عالمي لمكافحة الإرهاب اليهودي عندما ارتكب الإرهابي اليهودي غولدشتاين مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف؟
لماذا لم يتحدث الرئيس الأميركي عن الإرهاب اليهودي في حين جمع العرب والعالم لإدانة التطرف والعنف الإسلامي؟
لماذا تسخّر واشنطون وتل أبيب ياسر عرفات لسحق حماس والجهاد الإسلامي؟
كانت القمة قمة فرض الخطط والمشاريع الإسرائيلية، قمة فرض الحلول المصنوعة لخدمة مصالح الصهيونية والإمبريالية لنهب ثروات وأراضي وإرادة وحقوق الأمة العربية. لذلك يرفض المواطن العربي ما تمخضت عنه القمة التي خدمت التصلب والغطرسة الإسرائيلية وصعدت من الاعتداءات والجرائم الإسرائيلية على الشعبين اللبناني والفلسطيني. فالمقاومة اللبنانية والفلسطينية مقاومة مشروعة وعادلة في مواجهة المزاعم والخرافات والأساطير وأبطالها ليسوا بمجموعة من الإرهابيين كما وصفتهم قمة شرم الشيخ التي صبت في خدمة الاحتلال والاستيطان والإرهاب اليهودي.
إن الإرهاب هو اتهام المقاوم بالإرهاب، وتأييد الإرهاب اليهودي بحجة مكافحة الإرهاب. لقد تجسّد الإرهاب في قمة شرم الشيخ باتهام النضال العادل ضد الاحتلال اليهودي وضد الإذلال والاضطهاد والقمع والوحشية اليهودية دفاعاً عن الوجود وفق مبادئ وأهداف وقرارات الشرعية الدولية بالارهاب.
ظهرت ثلاثة مواقف في قمة شرم الشيخ:
أولاً: الموقف الإسرائيلي- الأميركي وطالب بتسمية القمة قمة مكافحة الإرهاب وسحق الإرهاب الذي تدعمه إيران وتغض سورية النظر عنه ولا تفعل شيئاً لمنعه، لذلك لابد من تحالف شرق أوسطي وعالمي لسحقه كشرط لاستئناف التسوية.
ثانياً: الموقف المصري- الفرنسي وتؤيده السعودية وبعض الدول الأوروبية، ويعتبر أن العنف مسؤول عن تعثر عملية السلام وهو أصولي وإسرائيلي ويرى عدم محاصرة السلطة الفلسطينية واحترام المواثيق التي تم توقيعها ومن الضروري متابعة المسيرة السلمية.
ثالثاً: الموقف السوري- اللبناني ويقوم على أساس أن المقاومة حق مشروع في التصدي للاحتلال وتحرير الأرض والدفاع عن الوطن والذات والثروات والمنجزات. ويقوم على وجوب التفريق بين المقاومة والإرهاب، ومتابعة العملية السلمية التي أوقفتها إسرائيل على أساس مرجعية مدريد وتطبيق قرارات الشرعية الدولية.
ونفذت السلطة الفلسطينية مطالب إسرائيل والولايات المتحدة كافة في التصدي لحركتي حماس والجهاد الإسلامي واعتقال جميع العناصر التي طالبت إسرائيل باعتقالهم وحظر نشاطات الجمعيات الخيرية التابعة لهما وحددت موعداً لانعقاد المجلس الوطني الفلسطيني لإلغاء الميثاق.
وأعلن عرفات داخل المؤتمر الحرب الشاملة على المقاومة الإسلامية وقرر استئصالها استجابة لمطلب إسرائيل بتدمير البنية التحية لها.
وأكد في كلمته تصميمه على اقتلاع الإرهاب في المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية وقال: إن"الإرهاب ينال منا جميعاً، وعلينا نحن أبناء إبراهيم أن نؤمن بأن من يدعو إلى القتل خارج عن إرادة الله وشرائعه السماوية"(133)..
ومن الجدير بالذكر أنه لم يرتفع صوت يدعو إسرائيل للانسحاب من الأراضي التي احتلتها والتوقف عن سياستها الاستيطانية وتفكيك المستعمرات اليهودية والتوقف عن مصادرة الأراضي العربية..
ودار الخلاف في المؤتمر حول استخدم العنف واللجوء إليه وظهر اتجاهان: الأول يعتبر أن الإرهاب سبب المشاكل وتتبناه الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما. والثاني يرى أن العنف هو نتيجة لاغتصاب الأرض واليأس والإحباط والحصار الاقتصادي على الضفة والقطاع والفشل في تحقيق السلام العادل والشامل واستمرار الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق الأمن الإسرائيلي على حساب الأمن العربي.
ورأت فرنسا داخل المؤتمر أنه من الخطأ أن ينحاز المشاركون فيه إلى إسرائيل، أو أن يظهر المؤتمر وكأنه جاء لحماية إسرائيل، وإن أمن إسرائيل لا ينفصل عن أمن الفلسطينيين.
وقال الرئيس جاك شيراك في المؤتمر"على المجموعة الدولية أن تدين الإرهاب وتعمل على دفع عملية السلام" كما وجه التحية إلى الشعب الإسرائيلي في محنته وقال إن: "الأولوية القصوى يجب أن تعطى لحماية أمن وسلامة شعبي اسرائيل وفلسطين" (134)
وأكد الرئيس الفرنسي أن عملية السلام لا رجعة فيها والسلام يمر من البوابة الاقتصادية، لذلك على المجتمع الدولي أن يزيد حجم معونته الاقتصادية للفلسطينيين.
وقال المستشار الألماني هيلموت كول إن التفجيرات لم توجه ضد إسرائيل وإنما ضد عملية السلام، وتمثل خطراً كبيراً على العملية. وتابع حديثه قائلاً:
"أقول لأصدقائي في إسرائيل إنني أشعر بأسى وحزن وأشاركهم الأحزان وأعلن في هذا المؤتمر أن عملية السلام هي عملية لابد أن تصل إلى نهايتها ولا خيار أمامنا إلاّ الوصول إلى السلام.
ودعا كول إسرائيل ومنظمة التحرير إلى محاربة الإرهاب باتخاذ قرارات حاسمة، وليس بالإدانة وحدها.
وقال: "عقدنا العزم على محاربة من يريدون تعطيل السلام ومساندة من يناضلون ضد أعداء السلام، وتقديم الدعم الكامل لهم."(135).
وأعلن عرفات أمام المشتركين في المؤتمر:
"إننا نواجه وسنواجه الإرهاب ونقتلعه من أرضنا، لأن حلمنا في الحرية والاستقلال وتقرير المصير لا يمكن أن يزدهر ويتحقق وسط بحر الدم والدموع، وإنما بالعمل الدؤوب في مواجهة ..... الإرهاب، لهذه الأجنحة المتطرفة والخطرة لحماس والجهاد الإسلامي"(136).
وأكد رئيس وزراء بريطانيا جون ميجر أن بلاده أعلنت مساندتها منذ وقت طويل لعملية السلام، والدول التي تكافح الإرهاب. وعبر عن حزنه العميق على العمليات الإرهابية ورحب بحرارة بالتعاون بين عرفات وبيرس.
وأظهرت بريطانيا انحيازها لإسرائيل وتبعيتها للسياسة الأميركية فيما يتعلق بالصراع العربي- الصهيوني، وجاء في الكلمة التي ألقاها بيرس أمام المؤتمر"إن القرار الفعال لابد و أن يتخذ هنا اليوم. إن هذا المؤتمر لابد وأن يضع استراتيجيته وذلك من قبل المجتمع الدولي من أجل مواجهة هذا الإرهاب بالتعاون الدولي وعقد العزم على القضاء على جيوب الإرهاب وأربابه".
ووصلت الوقاحة الإسرائيلية حداً طالبت فيه"بحق إسرائيل في الاطلاع على أسماء الأُسر والعائلات الفلسطينية التي تتسلم تبرعات مالية ومساعدات مقدمة من لجان عربية تعمل في مجال دعم الشعب الفلسطيني. ورد الجانب المصري على هذا الكلام وقال: "وماذا عن الأموال التي تتلقاها جماعات إسرائيلية متطرفة يمارس بعض أعضائها الإرهاب من الولايات المتحدة ودول أخرى في صورة تبرعات" (137).
وأكد أن مصر و الدول العربية حتى المعنية بعملية السلام بشكل مباشر لن تعمل لحساب إسرائيل. وشدد على أن أمن إسرائيل وظيفة إسرائيل، والأمن الإقليمي له عناصر كثيرة من بينها مكافحة الإرهاب. وتتضمن أيضاً الموضوع النووي.
بيان القمة الختامي
سعت إسرائيل والولايات المتحدة إلى أن يتضمن البيان الختامي للقمة خطوات عملية وآليات للقضاء على الإرهاب، إلاّ أن المؤتمرين توصلوا إلى حل وسط بالتركيز على مكافحة الإرهاب ودعم عملية التسوية السياسية. أما القرارات فجاءت كما أرادت إسرائيل مناهضة للعنف والإرهاب. واتخذت طابعاً عملياً بالإعلان عن إنشاء مجموعة متابعة عقدت أول اجتماع لها في واشنطون بتاريخ 27/3/1996 وبحضور حوالي(29) بلداً لوضع الخطوات العملية لمكافحة الإرهاب. وأكد البيان الإدانة الشديدة لكافة أعمال الإرهاب بكافة أشكالها النكراء مهما كانت دوافعها وأياً كان مرتكبوها بما في ذلك الهجمات الإرهابية الأخيرة في إسرائيل." وجاء في البيان الختامي أن القمة قررت ما يلي: -
"أ- دعم الاتفاقات الإسرائيلية الفلسطينية واستمرار عملية المفاوضات وتدعيمها سياسياً واقتصادياً وتعزيز الوضع الأمني للطرفين. ((ويصب هذا القرار في صالح إسرائيل لأنها هي التي وضعت الاتفاقيات وبصم عليها عرفات.))
ب- دعم استمرار عملية المفاوضات من أجل تحقيق تسوية شاملة(بدون تحديد الزمان والمكان وبالتالي يترك لإسرائيل حرية التصرف بعملية المفاوضات كما تريد وكما تشاء.)
جـ- العمل سوية لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة بتطوير إجراءات فعالة وعملية ومزيد من المساعدات.
ء- دعم تنسيق الجهود من أجل وقف أعمال الإرهاب على المستويات الثنائية والإقليمية والدولية لضمان وصول مرتكبي هذه الأعمال إلى أمام العدالة. (تهدف إسرائيل من جراء هذا البند مساعدة العالم لها لتعزيز دور الشرطي الذي تقوم به لقمع النضال العربي وتخليد اغتصابها للأرض والحقوق العربية) .
هـ- بذل أقصى الجهد لتحديد مصادر تمويل هذه الجماعات والتعاون في وقف ضخها وتوفير التدريب والمعدات وأشكال الدعم الأخرى للأطراف التي تتخذ خطوات ضد الجماعات التي تستخدم العنف والإرهاب. (ويجسد هذا الموقف موقف إسرائيل من وقف المساعدات العربية للمؤسسات الخيرية الفلسطينية وحصولها على الأموال والمعدات لسحق النضال العربي كما قال بيرس.).
و- تشكيل مجموعة عمل مفتوحة لكافة المشاركين في القمة لإعداد توصيات حول أفضل الأساليب لتنفيذ فقرات هذا البيان.
وجاء في البيان"دعم الاتفاقات واستمرار عملية المفاوضات من أجل تحقيق تسوية شاملة ووقف العمليات"الإرهابية" وكيفية التمويل والمتابعة، وبالتحديد نص البيان على أهداف ثلاثة: تعزيز عملية السلام ودعم الأمن ومحاربة الإرهاب. وعكس البيان مواقف رؤساء الوفود في المؤتمر حول تأييد العملية السلمية ومحاربة الإرهاب.
تضمن بيان القمة النقاط التالية:
* تأييد عملية السلام ودفع الأمن والاستقرار في المنطقة إلى الأمام.
* التنديد بكل أشكال الإرهاب أياً تكن الدوافع إليها.
* التصدي بحزم لظاهرة الإرهاب والعمل على وقف العمليات الإرهابية.
* تعزيز التعاون والتنسيق بين الحكومات وبين أجهزة الأمن والشرطة من أجل مكافحة الإرهاب.
* اتفاق دولي لمحاكمة مرتكبي الأعمال الإرهابية والذين يخططون لها.
لقد تحالف عرب وإسرائيليون وأميركيون وأوروبيون في القمة للقضاء على المقاومة العربية للاحتلال الإسرائيلي. ورأت الإدارة الأميركية أن المهمة الدولية العاجلة لمكافحة الإرهاب هي مواجهة الإرهاب الذي تقوم به منظمات ترفع شعارات إسلامية في الشرق الأوسط ويلقى مساعدات من إيران ودعماً وأرضاً في سورية ولبنان.
ووصف الرئيس الأميركي بيل كلنتون القمة بأنها ناجحة جداً ومثمرة وبناءة وأعلن عن إنشاء مجموعة عمل للمتابعة ستضع تقريراً لها خلال شهر، في الأسابيع المقبلة. وقال الرئيس مبارك في مؤتمر صحفي مشترك مع كلنتون"إن المشاركين اتفقوا على إجراءات محددة وإنشاء آليات محددة وذلك مما يؤدي إلى تعزيز عملية السلام".
علق بيرس على القمة وقال"يمكن للإسرائيليين أن يناموا باطمئنان أكبر الآن"(139).
واعتبر بيرس القمة تضامناً عربياً لا سابق له مع إسرائيل.
وكرر بيرس موقفه باتخاذ إجراءات عاجلة محلية وإقليمية ودولية لمواجهة عمليات حماس وسحقها. وتقدمّ مجدداً إلى عرفات طالباً منه حظر نشاط كل المنظمات الإرهابية وعدم السماح بحمل السلاح واعتقال القادة والكوادر، وأعطاه قائمة جديدة بمجموعة أسماء تم تحديدها لاعتقالهم، واستمر في فرض الطوق الأمني على الضفة والقطاع. وكرر طلبه إلى الدول العربية اتخاذ مواقف حاسمة لا يقاف أي دعم مادي لحماس والمنظمات الأخرى.
واستثمر بيرس الدعم الأميركي المطلق ودعم عرب القمة لتشديد سياسة العقوبات الجماعية على الشعب العربي الفلسطيني.
وعند العودة إلى بيان القمة الذي ينص على دعم السلام يتساءل المواطن العربي ما هو هذا السلام الذي تدعمه القمة؟ هل هو سلام الأمر الواقع الناتج عن استخدام القوة وتسخير الإحتلال للتوصل إلى اتفاقات كاتفاق أوسلو ووادي عربة؟
أم السلام العادل والشامل والدائم والقائم على مبادئ الحق والعدالة، مباديء القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والمواثيق الدولية الأخرى؟
وهل هو سلام الإملاءات الإسرائيلية، وتكريسها في معاهدات عن طريق الراعي الأميركي المنحاز للعدو أم السلام الذي توافق عليه وترضى عنه الأجيال العربية القادمة؟ وما هو مفهوم الأمن الذي تدعمه القمة؟ هل هو الأمن للمحتل والمعتدي ومكافأته على عدوانه؟ أم هو الأمن المتبادل للبلدان العربية وإسرائيل؟
هل هو أمن في ظل التفوق العسكري الإسرائيلي والسلاح النووي أم هو أمن يمنع المعتدي الإسرائيلي من إشعال حروب جديدة في المنطقة وفي إطار مبادئ وأهداف وقرارات الشرعية الدولية؟.
ثالثاً: مؤتمر القاهرة الاقتصادي الثالث"(24)
مقدمة
قامت إسرائيل على الإرهاب وتعيش عليه وتستخدم مكافحته لتحقيق أهدافها التوسعية والاستيطانية في الأرض العربية. وتمارس الإرهاب والعنصرية والاستيطان والهيمنة كسياسة رسمية. فاغتالت أبرز القادة الفلسطينين وقادة كتائب عز الدين القسام في الضفة والقطاع وبيروت وجنوب لبنان وروما ولندن وباريس وتونس وغيرها. واغتالت الأمين العام لحزب الله عباس موسوي وعائلته. وخطفت الشيخ عبد الكريم عيد ومصطفى ديراني من منزلهما في لبنان.
وأغارت على مطار بيروت ودمرت (15) طائرة مدنية. وأسقطت طائرة ركاب مدنية ليبية وقتلت جميع ركابها المدنيين وعددهم(107). وارتكبت الحروب العدوانية والمجازر الجماعية منها مجزرة صبرا وشاتيلا. وتمارس أبشع صور الإرهاب في التاريخ البشري. فمن هو الإرهابي الذي عاش ويعيش على الإرهاب؟ ألم يكن المصلون العرب في الحرم الإبراهيمي الشريف ضحايا الإرهاب اليهودي؟
ألم يكن المصلون العرب الذين قتلتهم الشرطة الإسرائيلية في الحرم القدسي الشريف ضحايا الإرهاب الإسرائيلي؟ أطفال مدرسة بحر البقر وعمال مصنع أبو زعبل في مصر وسكان بلدة داعل السورية، ألم يكونوا ضحايا الإرهاب الرسمي لإسرائيل؟.
اغتالت إسرائيل(أبو جهاد) خليل الوزير في تونس(وأبو علي) حسن سلامة وكمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار في بيروت، والدكتور فتحي الشقاقي، الأمين العام للجهاد الإسلامي في مالطا، والمهندس يحيى عياش، قائد كتائب عز الدين القسام في غزة فماذا نسمّي هذا؟
اغتال الإرهابي الإسرائيلي عامير، عميل الموساد الجنرال رابين، بعد أن أقدم رابين على اغتيال الشقاقي. ولم يتحدث أحد في العالم سواء من السياسيين أو رجال الإعلام عن الإرهابي اليهودي عامير، وإنما قالوا عنه"المتطرف اليهودي"؛ فهل اليهودي اغلى من العربي وفوق البشر، يجوز له مالا يجوز لغيره من البشر؟
إن عدالة قضية فلسطين معروفة لدى جميع شعوب العالم وحكوماته. وبالرغم من مرور خمسة عقود على معاناة ومأساة الشعب الفلسطيني ومعاناته التي سببتها إسرائيل، لم تجد حلاً عادلاً حتى الآن.
وعندما يمارس الشعب العربي الفلسطيني حقه الطبيعي في المقاومة التي يقرها القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والعديد من العهود الدولية ضد المحتل الإسرائيلي تتحوّل هذه المقاومة النابعة من الترحيل والقهر والاضطهاد والتهويد ومصادرة الأرض والمياه والحقوق إلى إرهاب يجب سحقه واقتلاع جذوره بتعاون عرفات وسلطة الحكم الذاتي معه والعديد من المشيخات والمحميات والممالك وبتعاون دولي تقوده الولايات المتحدة الأميركية لحماية التوسع والاستيطان اليهودي وتصليب عنجهية إسرائيل ويتحول الضحية بالمنطق اليهودي والأميركي إلى إرهابي يجب سحقه والقضاء عليه ومطاردته في كل مكان، ويتحول القاتل إلى ضحية وحمل وديع يحتاج إلى مساعدة سلطة الحكم الذاتي ومعظم النظم العربية وجميع دول العالم. وبالفعل نجحت الولايات المتحدة في حمل معظم حكومات العالم على اعتبار كل عمل من أعمال المقاومة ضد الاحتلال والاستيطان والهيمنة الإسرائيلية أبشع أنواع الإرهاب يجب اقتلاعه وسحق القائمين عليه.
لقد ارتكبت المؤسسة العسكرية في إسرائيل جريمة اغتيال يحيى عياش، مما أدى إلى تفجير الوضع بين حماس وإسرائيل فقامت حركة حماس بالثأر لاستشهاده.
الولايات المتحدة والعمليات الاستشهادية
هزت عمليات حماس الاستشهادية أركان الكيان الصهيوني وأعادت بحث اغتصاب الصهاينة للأرض العربية في فلسطين. وجاءت كرد فعل على الاحتلال وعلى عمليات قتل المدنيين العرب وعناصر حركة حماس المجردين من السلاح على يد فرق الجيش الإسرائيلي السرية وفرق المستعربين والمستوطنين. جاءت العمليات الاستشهادية بعد نسف الجيش الإسرائيلي لآلاف الشقق والمنازل الفلسطينية بالبلدوزرات والصواريخ وبعد أن ظهر للعيان أن إسرائيل تعمل لتصفية حركة حماس بالتعاون والتنسيق الكاملين مع قيادة عرفات وسلطة الحكم الذاتي المحدود.
ولقد ظهر للعيان بعد العمليات الاستشهادية أن دور السلطة الفلسطينية لا يقل عن دور سلطات الاحتلال الإسرائيلي في قمع المقاومة الإسلامية وذلك انطلاقاً من وظيفتها حسب اتفاق أوسلو والتي تتلخص في أمرين أساسيين:
الأول: التنازل عن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني في وطنه فلسطين والحقوق القومية والدينية للعرب والمسلمين.
والثاني: المحافظة على أمن الكيان الصهيوني وأمن المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث اعترف عرفات في اتفاق الإذعان في أوسلو بشرعية الاحتلال ووجوب تأمين الأمن الإسرائيلي. ويجسد اتفاق الإذعان الأطماع والمزاعم والخرافات اليهودية وإهدار الشرعية الدولية حيث لم تعد قرارات الشرعية الدولية هي المرجعية وإنما بنود الاتفاق التي وضعتها إسرائيل وبصم عليها عرفات.
إن مقاومة المحتل عمل مشروع طبقاً للقانون الدولي وتقرها الشرائع السماوية والأعراف الدولية ولا سيما وأن العدوان والاحتلال والاغتصاب الإسرائيلي مازالت قائمة. إن أرض فلسطين ملك للعروبة والإسلام، فهي أرضنا ووطننا ويقطن فيها شعبنا العربي منذ آلاف السنين، والعدو الصهيوني هو المغتصب للأرض والحقوق والمعتدي علينا، وعلينا أن نرد عليه ونسترجع الوطن المغتصب منه مهما طال الزمن، لأن مقاومة الغاصب والمحتل واجب وطني وفرض ديني فلا يجوز الاستسلام للعدو والسكوت عن ضياع الحق المغتصب.
وانطلاقاً من مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والمواثيق الدولية الأخرى لا يجوز إطلاقاً أن نسمي العمليات الاستشهادية إرهاباً مادام هناك احتلال واغتصاب للأرض والحقوق والثروات.
لقد أقامت إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية الدنيا ولم تقعدها بسبب العمليات الاستشهادية ومقتل(60) من اليهود. فماذا عن مقتل عشرات الألوف من المدنيين العرب في فلسطين؟ وماذا عن مقتل عشرات الألوف من المدنيين في لبنان، ومنهم ضحايا مجزرة قانا الوحشية! ماذا عن مقتل حوالي(60) من المصلين العرب في المسجد الإبراهيمي في الخليل وماذا عن مقتل(25) من العرب في مجزرة الحرم القدسي الشريف؟ وماذا عن مقتل حوالي ثمانية آلاف مدني في صبرا وشاتيلا؟ إن مسألة قتل الإنسان العربي، الفلسطيني واللبناني والسوري والمغربي ومسألة قتل المسلم وأطفاله وشيوخه وشبابه عند الولايات المتحدة هي مسألة لا تثير شيئاً، أما اليهودي فهو مميز وهو من أبناء شعب الله المختار لا يجوز المساس به مهما ارتكب من جرائم وحشية تنتهك أبسط مبادئ حقوق الإنسان، والقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. لقد أكد العديد من علماء الشريعة في فتوى أصدروها شرعية العمليات الاستشهادية على أرض فلسطين وجاء فيها:
"1- إن اليهود الجاثمين على أرض فلسطين اليوم في حكم الشرع الإسلامي كفار وأعداء ومحاربون ومغتصبون، اغتصبوا كل أرض فلسطين بما فيها القدس، وأقاموا عليها كيانهم المغتصب ودولتهم، واعتقدوا ولا يزالون بأن القدس عاصمة دولتهم اليهودية إلى الأبد.
2- المدنيون اليهود على أرض فلسطين هم كفار وأعداء ومحاربون ومغتصبون وهم جنود مقاتلون يلبون نداء الاعتداء والإرهاب من الحكومة اليهودية، وهم جنود احتياطيون في أي حرب أو قتال.
3- المدنيون اليهود على أرض فلسطين حاربوا أهل فلسطين وسفكوا دماء الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال أو ساعدوا في ذلك بالمال أو الرأي.
4- المدنيون اليهود والعسكريون وهم جميعاً في حكم العسكريين أخرجوا أهل فلسطين المسلمين وغير المسلمين من ديارهم، واستولوا عليها وتملكوها غصباً وسكنوها واستثمروها.
5- اليهود سواء كانوا مدنيين أو عسكريين الآن في حقيقتهم غرباء على فلسطين جاؤوا من أصقاع الدنيا إلى فلسطين على أساس فكرة دينية يهودية خلاصتها أن فلسطين أرض الميعاد، وأنه لابد من هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل مكانه، ولابد من احتلال بلاد المسلمين من النيل إلى الفرات لإقامة دولتهم عليها.
وبناء على هذه المعطيات الواقعية فإن الحكم الشرعي بشأن هؤلاء اليهود المحاربين الغاصبين المحتلين هو وجوب قتالهم وإخراجهم من فلسطين.
والإسلام يقرر مقاتلة الغازي والمعتدي وإن أدى إلى قتله سواء كان عسكرياً أو مدنياً، يقرر قتل كل مدني أسهم في الحرب برأي أو مال أو جهد......"(112)
إن قضية فلسطين والقدس الشريف عند المسلمين ليست قضية تراب ووطن فقط وإنما هي أيضاً قضية إيمان وعقيدة. وإن مقاومة المحتل والغاصب والمعتدي الإسرائيلي قضية حق الشعوب في مقاومة الاحتلال الأجنبي.
لقد بدأت إسرائيل الحرب المستمرة والدائمة ضد العروبة والإسلام منذ تأسيسها ولا تزال مستمرة بها لأنها لا تزال تحتفظ باحتلال الأرض العربية ومصادرتها وتهويدها واضطهاد الإنسان العربي والحيلولة دون تطوره وتقدمه. فالتعايش بين العرب واليهود على أرض واحدة غير ممكن والحل الصحيح وقف الهجرة اليهودية وإزالة المستوطنات وعودة المستوطنين إلى أماكنهم الأصلية.
إن السلام الإسرائيلي والأميركي يقفز فوق مبادئ الحق والعدالة، ومبادئ وأهداف الشرعية الدولية. ويبيح لإسرائيل استعباد شعب بكامله وسرقة ثرواته ومقدساته وزرع أرضه بالمستوطنين والمستوطنات. ويعمل على اغتصاب مدينة القدس، أولى القبلتين وثالث الحرمين ومدينة الإسراء والمعراج وجعلها العاصمة الأبدية لليهود. فالعمليات الاستشهادية هي نتيجة لسياسة القهر والاحتلال والاستيطان والتهويد والهيمنة. فأي سلام بلا سيادة وبلا وطن وبلا قدس وبلا عودة وحق تقرير المصير؟!
لقد طلب كلنتون من الرئيس الأسد إدانة العمليات الاستشهادية ولكن الأسد رفض إدانتها. وصرح وزير الخارجية الأميركي على أثرها قائلاً: "إن على جميع شعوب المنطقة ليس فقط إدانة التفجيرات بل أيضاً التعاون مع الجهود الرامية إلى عدم تكرار حماس هذه الأعمال".(113)
وطالب باتخاذ إجراءات صارمة ضد حماس وطلب من عرفات مواجهة حماس قائلاً:
"دعمُنا لعرفات مشروط بمواجهته لحماس وقال إن الهجمات لا تستهدف إسرائيل ورئيس حكومتها بيريس بل إنها أيضاً موجهة ضد عرفات"(114).
واستجاب عرفات للمطالب الأميركية والإسرائيلية فأعلن بيريس معلقاً على ذلك قائلاً:
"انتظر من عرفات أن يلقي القبض على قادة الجناح العسكري في حركة حماس واعتبار المنظمات الإرهابية خارجة عن القانون، وفعل ذلك، وطلبنا منه تجريدهم من السلام وقد بدأ بذلك وزودنا الشرطة الفلسطينية بلائحة من ثلاث عشر مطلوباً".(115)
ونجح بيريس في تجنيد عرفات وشرطته ومخابراته واتباعه في حربه ضد المناضلين الفلسطينين لقمع العمليات الاستشهادية.
ويمكن القول إن الأطراف التي تضررت من العمليات الاستشهادية في القدس وعسقلان وتل أبيب هي:
* حزب العمل الإسرائيلي وزعيمه مجرم الحرب شمعون بيرس.
* انهيار نظرية الأمن الإسرائيلي والردع العسكري.
* سلطة الحكم الذاتي العميلة وزعيمها ياسر عرفات.
* الإدارة الأميركية وزعيمها المتصهين بيل كلنتون باعتباره راعياً ومدافعاً وداعماً للاحتلال والاستيطان والإرهاب اليهودي.
فالولايات المتحدة، القطب الوحيد المهيمن على العالم والمنحازة لإسرائيل والتي تكيل بمكيالين هي التي دعت إلى عقد القمة لإزالة الخوف الذي دب في نفوس الإسرائيليين وتهدئة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية والمحافظة على المصالح الأميركية وتنفيذ المخططات الأميركية في المنطقة.
وأرادت إسرائيل أن تثبت أن لها اليد الطولى في المنطقة وفي العالم، وأنها قادرة على إخضاع الفلسطينيين وتخويف العرب بمساعدة الولايات المتحدة وأوروبا وبعض الأطراف الفلسطينية والعربية.
فالعمليات الاستشهادية فجرت الخوف والقلق والانفعال في نفوس الإسرائيليين وجعلتهم يخشون على مستقبلهم ومستقبل الكيان الصهيوني ككيان غريب ودخيل جاء يغتصب الأرض العربية ويتوسع ويقيم المستعمرات اليهودية ويرحَّل السكان العرب، لذلك فأن المستعمر اليهودي لا يمكن أن يرتاح إلاَّ بالأمن المطلق. فهبت الولايات المتحدة لمساعدته على تحقيق هذا الأمن.
لقد وضع بيرس شروطاً على عرفات وطالبه بتنفيذها وهي:
- اعتبار حركتي حماس والجهاد الإسلامي خارجتين على القانون.
- تجريد الإرهابيين من السلاح.
- اعتقال زعماء المنظمات الإرهابية.
واستجاب عرفات للمطالب الإسرائيلية فوصف العمليات الاستشهادية بالإجرامية وأخذ يطلق التهديد تلو الآخر للمنظمات الفلسطينية واعتبرها جميعها بما فيها مجموعات النسر الأحمر والنجم الأحمر والفهود السود منظمات غير شرعية. وأصدر التعليمات لأجهزته الأمنية والشرطية بمطاردة المجاهدين والمناضلين. ودعا الجماهير الفلسطينية في غزة إلى التظاهر للتنديد بالإرهاب الفلسطيني.
هل فكر عرفات ولو ثانية واحدة لماذا يقوم الفلسطينيون بتفجير أنفسهم؟ ومن هو الذي أدخل العنف والإرهاب والمجازر الجماعية في المنطقة؟ فهل هو العربي الذي يدافع عن أرضه ووطنه وحياته؟ أم المستعمر اليهودي الذي جاء من نيويورك أو موسكو لينتزع الأرض من أصحابها ويقيم المستعمرات اليهودية عليها؟
فماذا ينتظر الرئيس الأميركي كلنتون ونتنياهو وعرفات من العرب وهم يرون الاحتلال الإسرائيلي ينهب الأرض والمياه والثروات ويعلن أن القدس، أولى القبلتين وثالث الحرمين عاصمة أبدية لكيانه المغتصب؟
فالاحتلال الإسرائيلي وممارسة إسرائيل للإرهاب والعنصرية والاعتداءات اليومية والمجازر الجماعية هي التي تدفع العرب إلى استخدام العنف.
ولذلك فإن العمليات الاستشهادية هي نتاج بطولي لتراكم الظلم والقهر واغتصاب الأرض والحقوق خلال نصف قرن من عمر الكيان الصهيوني، الدخيل على المنطقة والغريب عنها والذي عرقل ويعرقل تطورها وتقدمها وازدهارها واستقرارها.
وبالرغم من هذه الحقائق دعا رئيس سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني المحدود في خطابه الذي افتتح به المجلس التشريعي الفلسطيني إلى قمة دولية لمكافحة الإرهاب.
وكانت حركة حماس قد هددت في أعقاب اغتيال أجهزة الأمن الإسرائيلية للشهيد البطل يحيى عياش تنفيذاً للقرار الذي اتخذه رئيس الوزراء شمعون بيرس شخصياً وتباهت إسرائيل بنجاح جريمة الاغتيال التي نفذتها، هددت بالرد والثأر لاغتيال قائد فصائل عز الدين القسام. وأعلنت أن السلطات الإسرائيلية قد اتخذت كافة الاحتياطات لمواجهة الرد وإحباطه وأرسلت الولايات المتحدة الخبراء الأميركيين والمعدات والأجهزة الحديثة لتعزيز قدرة إسرائيل في مجال الكشف عن المتفجرات. وبعثت الإدارة الأميركية رسائل إلى الدول العربية تطلب منها أن تدين بوضوح عمليات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
ومن المؤلم حقاً أن بعض العواصم العربية استجابت لرغبة أميركا وإسرائيل واتهمت رجال المقاومة بالإرهابيين ووصفت العمليات الفدائية بالجرائم وبأنها هجوم جبان.
التطلعات المصرية والإسرائيلية من القمة.
يتلخص الهدف الأساسي من انعقاد قمة شرم الشيخ هو"إقامة تحالف دولي ضد حركات المقاومة الوطنية والإسلامية تحت ستار مكافحة الإرهاب. وأرادت إسرائيل أن تكون القمة كإطار إقليمي ودولي للتصدي للمقاومة الفلسطينية بعد أن فشلت في القضاء عليها والتصدي للأطراف التي تدعمها ورفع معنويات الشعب الإسرائيلي بعد أن سيطر عليه الخوف والرعب بعد العمليات الاستشهادية في القدس وتل أبيب وعسقلان.
لقد وجدت إسرائيل المدججة بأحدث أنواع الأسلحة في العالم بما في ذلك السلاح النووي نفسها عاجزة عن مواجهة العمليات الاستشهادية، فأسرعت تطلب المساعدة والدعم من الولايات المتحدة والدول الأوروبية وبعض الدول العربية وسلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود.
وأسرعت الولايات المتحدة وحملت زعماء العالم على الهرولة إلى إسرائيل مرة عندما قام الإرهابي اليهودي عامير باغتيال الجنرال رابين والمرة الثانية لعقد قمة شرم الشيخ لتسخير إمكانات بعض أجهزة الأمن العربية والفلسطينية والدولية لمساعدة إسرائيل في قمع عمليات المقاومة البطولية ولاتخاذ قرارات صارمة ضدها وحمل الدول العربية على اتخاذ خطوات حاسمة ترمي إلى شل نشاطها.
وانطلق الموقف الأميركي من تبني وجهة النظر الإسرائيلية بوجوب تركيز القمة على"الإرهاب" الذي تتعرض له إسرائيل ويستهدف عملية السلام وإن عمليات حماس تسببت في توجيه ضربة لمسيرة التسوية، وإن القمة تهدف إلى نبذ الإرهاب للاستمرار في التسوية، وذلك لتبرير عدم تنفيذ اسرائيل للاتفاقيات التي وقعتها سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود وتعليق المفاوضات مع سورية بأمر من شمعون بيرس. وأبدى الرئيس كلنتون اهتماماً بالغاً لانتشال الحكومة الإسرائيلية من أزمتها ودعم فرص حزب العمل للنجاح في الانتخابات. واعتبرت الإدارة الأميركية أن العقوبات الجماعية التي فرضتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني وحملات الاعتقال والتعذيب والتجويع وتخريب الإنتاج الزراعي مشروعةَ دفاعاً عن الأمن الإسرائيلي، مما يخدم التصلب الإسرائيلي والتهديدات والضغوطات الإسرائيلية المتزايدة على سلطة الحكم الذاتي ويبرر الانتهاكات الإسرائيلية للاتفاقات المعقودة في أوسلو والقاهرة.
لقد لجأت الإدارة الأميركية إلى عقد قمة شرم الشيخ والمؤتمرات الدولية الأخرى للمحافظة على اتفاقات الإذعان العربية- الإسرائيلية التي أجبرت الولايات المتحدة الأطراف العربية على توقيعها في ظل الاحتلال الإسرائيلي وبواسطتها وبالشروط والإملاءات الإسرائيلية؛ أجبرت الإدارة الأميركية الدول العربية والعديد من دول العالم على الاشتراك في المؤتمرات الدولية للحيلولة دون تراجع بعض العرب عن اتفاقات الإذعان ولحمايتها وضمان استمراريتها وفرض التطبيع على العرب جميعاً للوصول إلى الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة العربية.
ورأت الولايات المتحدة أن تسمي المؤتمر مؤتمراً لمكافحة الإرهاب، بينما رأت مصر أن يكون اسم المؤتمر"مؤتمر صانعي السلام".
وانطلق الموقف المصري عشية انعقاد القمة والتحضير إلى انعقادها من وجوب عقدها لدفع عملية السلام التي وصلت إلى طريق مسدود وواجهت مشاكل معقدة بعد العمليات الاستشهادية حيث اعتبر عمرو موسى، وزير الخارجية المصري أن إعاقة مسار السلام بواسطة العنف من الجانبين مسألة غير مقبولة ووجه اللوم إلى إسرائيل لأنها فرضت الحصار على الضفة والقطاع واتخذت إجراءات لا تتفق مع التزامات إسرائيل الواردة في الاتفاقات.
إن الجانب العربي الذي يعرف حق المعرفة أن سبب العنف في المنطقة هو الاستيطان اليهودي واغتصاب فلسطين العربية لا يمكن أن ينظر إليه على اعتباره مجرد وسيلة تهدد أمن إسرائيل وأمن الإسرائيليين، فالعنف في المنطقة له أسبابه وتاريخه ونتج عن الاغتصاب والاحتلال والتهويد وممارسة إسرائيل للإرهاب والعنصرية والاستيطان كسياسة رسمية. ونجحت مصر في تحويل القمة من قمة لمكافحة الإرهاب وخدمة الأمن الإسرائيلي فقط إلى قمة لدعم السلام ومكافحة الإرهاب وذلك بالتسمية والعنوان فقط، مما أنقذ مصر من ورطة سياسية تسيء لدورها العربي وموقفها من الحق العربي في فلسطين.
بدأ التوريط المصري بالقمة خلال الزيارة التي قام بها إلى إسرائيل الدكتور أسامة الباز، مستشار الرئيس مبارك للشؤون السياسية.
يقول دبلوماسي مصري عن زيارة الباز مايلي: "بدا واضحاً من المحادثات التي أجراها الباز مع المسؤولين الإسرائيليين أن المصاعب المحيطة بعملية السلام، خصوصاً على المسار الفلسطيني الإسرائيلي بعد عمليات التفجير في القدس وعسقلان وتل أبيب، بلغت درجة الخطورة وباتت تهدد العملية من أساسها.(116)
ولعب الباز دوراً هاماً بعد عودته من تل أبيب بإقناع الرئيس مبارك بعقد قمة شرم الشيخ، حيث حذره في التقرير الذي رفعه إليه من "أن المناخ السائد في إسرائيل بفعل التفجيرات أصبح هاجساً أمنياً، وأن المسار الفلسطيني- الإسرائيلي بات مهدداً بالانهيار مالم يتم إنقاذه بسرعة"(117).
لقد نجح بيرس بإقناع الباز ونجح الباز بإقناع الرئيس مبارك بفكرة بيرس وهي عقد قمة شرم الشيخ لمكافحة الإرهاب. وجاءت الفكرة المصرية بعقد القمة لإنقاذ عملية السلام ومكافحة الإرهاب.
ساد اتجاهان في التحضير للقمة:
الأول: يقول إن الغرض الرئيسي من القمة ينبغي أن يكون دفع عملية السلام بعد العمليات الاستشهادية وكسر الجمود المسيطر على المسار السوري- اللبناني بعد أن أوقف بيرس المفاوضات. ودعمت مصر هذا الاتجاه.
والاتجاه الثاني: يطالب بإجراءات محددة وآليات عملية لمواجهة الإرهاب ودعم شمعون بيرس في الانتخابات
وأكدت مصر أن نجاح بيرس شأن إسرائيلي داخلي وأن ما يعنيها هو إزالة كل ما من شأنه عرقلة السلام، وهذا يتطلب بحث موضوع الإرهاب والأسباب التي أدت إليه. وتبلور الموقف المصري على الشكل التالي:
"إن مصر ترفض العنف والعنف المضاد، ولا تقبل بترويع المدنيين، كما ترفض سياسة إغلاق إسرائيل للضفة والقطاع. وتعتبر الإرهاب مرفوضاً، والحرب عليه واجباً. وهذا ما يستدعي اتخاذ تدابير أمنية وسياسية عدة، منها إعادة النظر في حق اللجوء السياسي الذي تمنحه الدول الغربية للإرهابيين وأنصارهم، والبحث عن مصادر تمويل هذه الجماعات ومراقبة أنشطتها ورصد اتصالاتها وتحركات عناصرها.
لكن القضية الجوهرية في نظر مصر هي ضرورة إزالة المناخ الذي يشجع الإرهاب. وهذا يتم من خلال تسريع عملية السلام وتدعيمها، والتوصل إلى اتفاقات على المسارين السوري واللبناني، وإنجاح مفاوضات المرحلة النهائية على المسار الفلسطيني.
وعبر حاييم فورين، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية عن أن لاخلاف على أهمية دعم عملية السلام، لكننا نعتبر أن ذلك لا يمكن أن ينفصل عن محاربة الإرهاب، لأن الهدفين مرتبطان عضوياً. فالإرهاب الحالي يهدف إلى تقويض السلام وتدمير إمكانات تحقيقه. ولذلك لا يمكن دعم السلام من دون مكافحة الإرهاب، والعكس أيضاً صحيح" (118).
وطالبت إسرائيل بضرورة عدم الاكتفاء بإعلان المواقف والتصريحات، بل وجوب الوصول إلى ممارسات عملية يتفق عليها المشاركون في القمة من أجل مكافحة الإرهاب والحيلولة دون تحقيق أهدافه.
ولخص حاييم فورين موقف حكومة العدو في القمة والنتائج التي ترغب في الوصول إليها قائلاً:
"طبعاً سيكون مهماً أن تطلع القمة بإعلان مشترك يوافق عليه الجميع ضد الإرهاب، وهذا ما نرغب فيه ونريده. لكن الأهم سيكون الاتفاق على الخطوات العملية التي يقرر جميع المشاركين في القمة تنفيذها ضد الإرهاب في إطار استراتيجية موحدة تقوم على التعاون والتنسيق. فمثل هذا الاتفاق سيكون المؤشر الحقيقي على نجاح القمة في تحقيق أهدافها"(119).
وأعرب زئيف شيف، الخبير الإسرائيلي الكبير في الشؤون الاستراتيجية عن أهمية قمة شرم الشيخ في تحقيق التعاون الأمني بين إسرائيل والدول العربية المشتركة في القمة وقال:
"لابد من الاعتراف بأن مجرد جلوس الدول العربية على منبر واحد مع إسرائيل تحت شعار مكافحة الإرهاب هو في حد ذاته نقلة تحول أساسية ينبغي التركيز عليها، وهو أيضاً يشكل في نظرنا الإنجاز الأهم لاجتماع شرم الشيخ على المستوى السياسي والاستراتيجي العام. فهذا يعني أن العرب باتوا أخيراً على استعداد للإقرار بأن هناك مصالح أمنية مشتركة تجمعهم مع إسرائيل لكنني أعود وأكرر هنا أن الناحية الإيجابية المنبثقة عن هذا الاجتماع هي تكريسه حقيقة أنه بات هناك الآن عرب وإسرائيليون في خندق واحد مؤيد للعملية السلمية ضد عرب وإسرائيليين معارضين لهذه العملية"(120).
وكانت إسرائيل ترغب من القمة تعزيز الشراكة الأمنية بين الإسرائيليين والفلسطينين وبين الإسرائيليين وبعض الأطراف العربية. ونجحت إسرائيل في تجسيد هذه الشراكة الأمنية على أرض الواقع في الضفة والقطاع وداخل إسرائيل. ولكنها تعمل من خلال القمة لمد هذه الشراكة خارج إطار المناطق المحتلة وإسرائيل، حيث عبر ضابط إسرائيلي كبير في شؤون مكافحة الإرهاب عما تريده إسرائيل من القمة وقال:
"نعم نعرف جميعاً أن القمة هدفت إلى دعم الحملة الانتخابية لشمعون بيرس ومساعدة ياسر عرفات على تعزيز مواقعه في المناطق الفلسطينية. نحن ندرك تماماً مشكلة عرفات والسلطة الفلسطينية فحماس والجهاد جزء من المجتمع الفلسطيني، ولا يمكن للسلطة أن تتحمل الظهور بمظهر الأداة في يد إسرائيل، فهذا سيفقدها صدقيتها. لكن يتعين في المقابل المحافظة على صدقية السلام في نظر الإسرائيليين أيضاً.
وفي اعتقادي أن عملية المعالجة في الداخل بدأت فعلاً من خلال تعزيز التعاون وتبادل المعلومات والتنسيق بين أنشطة الأجهزة الإسرائيلية والفلسطينية. لكن المشكلة الحقيقية تظل في الخارج، وهي تحديداً في الدول التي تأوي الإرهاب وتوفر له الدعم المادي والغطاء السياسي. ولن يكون حل هذه المشكلة ممكناً من دون محاسبة هذه الدول على ما تفعله...... من هذه الزاوية تكون قمة شرم الشيخ حققت أهدافها السياسية. أما مكافحة الإرهاب والإجراءات الأمنية اللازمة في شأنه، فهذه لا تحتاج إلى مؤتمرات قمة لبحثها، بل يتم الاتفاق عليها داخل غرف مغلقة."(121)
وتركز إسرائيل على تعميق مفهوم الشراكة الأمنية مع بعض الأطراف العربية وعلى مكافحة الإرهاب والمضي في المفاوضات والعملية السلمية بالشروط الإسرائيلية. وتربط بين مكافحة الإرهاب وعملية السلام ودعم سلطة عرفات وإقناع الدول المانحة بالوفاء بالتزاماتها المالية حيال السلطة الفلسطينية حيث يعاني الفلسطينيون ضائقة اقتصادية خانقة تدفع ببعضهم إلى التطرف والعنف. وتعتقد إسرائيل بأهمية الجهود التي تقوم بها السلطة الفلسطينية ضد حماس والجهاد لأنها تكرس مفهوم الشراكة الأمنية في مفهوم الرأي العام الإسرائيلي.
ومن الغريب حقاً أن يكون ما يسمى بالإرهاب"الإسلامي" وحده على جدول أعمال القمة ولم يتم التطرق إلى الإرهاب اليهودي الذي أدى إلى العديد من الحروب العدوانية والمجازر الجماعية وبالتالي تم التركيز عشية التحضير للقمة على"الإرهاب" الإسلامي لا الإرهاب اليهودي.
وأدلى شمعون بيرس رئيس وزارء العدو الإسرائيلي عشية عقد القمة بعدة تصريحات تشير بوضوح إلى رغبة إسرائيل في قيام إطار استراتيجي إقليمي جديد يجمع مابين إسرائيل والدول العربية وتركيا برعاية الولايات المتحدة الأميركية ومباركة أوروبا على أساس مجموعة من المصالح السياسية والأمنية والاقتصادية المشتركة، وتحت شعار مكافحة الإرهاب ودعم السلام.
وخلاصة القول: إن قمة شرم الشيخ فكرة إسرائيلية، أطلقها شمعون بيرس، رئيس وزراء العدو الإسرائيلي وتبناها بيل كلنتون، وأقنع بيرس أسامة الباز بالفكرة، وأوصى الباز الرئيس مبارك بالأخذ بها. ونجحت الولايات المتحدة في حمل الدول العربية وزعماء العالم على المجيء إلى شرم الشيخ والمشاركة في القمة دفاعاً عن ممارسة إسرائيل للاستيطان والاحتلال والتهويد والعنصرية والإرهاب كسياسة رسمية، ودعم بيرس وعرفات وتكريس معاهدة أوسلو ووادي عربة وتعزيز موقع مصر كمرجع إقليمي ثابت في المنطقة.
ويعبِّر عقد القمة عن ازدواجية المعايير لدى الولايات المتحدة التي لم تدع إلى عقد قمة مماثلة بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف عام 1994 وإنما تعمل على فرض حلول على العرب لمصلحة إسرائيل وضد المصالح العربية وفرض مجالات جديدة في تطبيع العلاقات العربية- الإسرائيلية، وبالتالي يمكن القول إن العرب الذين شاركوا في القمة قد تورطوا لأول مرة في التوقيع تحت الرعاية الدولية على مساواة مقاومة الاحتلال بالإرهاب وإدانة كل شكل من أشكال العمل العسكري ضد الاحتلال الأجنبي والرد على جرائمه وتحرير الأرض والحقوق والمقدسات من اغتصابه. وأقر المشاركون العرب في القمة بالدور العربي والفلسطيني في مواجهة هذه المقاومة وتسهيل مهمة إسرائيل في مكافحتها والتصدي لها. وجندت جهود وإمكانات عربية لمساعدة مجرم الحرب بيرس في سحق حركتي حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله وكل شكل من أشكال مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وطالبت بتضافر الجهود واتخاذ مواقف أكثر جدية على صعيد كل دولة إزاء ما تحصل عليه الحركات الإرهابية على أرضها من مساعدات وتمويل وحرية واتصال، وبالتالي فتحت أخطر مجالات التطبيع مع العدو وهو التطبيع الأمني.
رفضت الدول العربية المشاركة في القمة المطلب الإسرائيلي بإدانة الدول العربية التي لم تحضر القمة أو لم تشجب العمليات الاستشهادية. ورفضت فرنسا وبعض الدول الأوروبية الأخرى المساعي والمحاولات الأميركية لاستغلال المؤتمر وفرض إجراءات مقاطعة مشددة على إيران.
أرادت إسرائيل والولايات المتحدة من القمة أن تكون قمة عالمية لمكافحة الإرهاب وحصره بالإرهاب الإسلامي، إرهاب حماس والجهاد وحزب الله، وإدانة الدول المؤيدة للمقاومة وهي سورية وإيران. وأرادت مصر ومعها الدول العربية وبعض الدول الأخرى أن يسمّى المؤتمر مؤتمر صانعي السلام ومكافحة الإرهاب. وأظهر التطبيق العملي لقرارات القمة أن الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل لا تهتم أبداً إلاّ بما يخدم الكيان الصهيوني في مواجهة المقاومة الإسلامية للاحتلال الإسرائيلي وأما القرارات الأخرى فلا أهمية لها على الإطلاق وجرى تجاهلها مما وضع الموقف العربي والأوروبي وخاصة الروسي في موضع حرج. وجاءت نتيجة الانتخابات الإسرائيلية صفعة قوية للتوازن في قرارات القمة التي سعت مصر وفرنسا إلى اتخاذها، وبقي فقط ما يهم إسرائيل وسياساتها.
افتتاح القمة
دعا الرئيس الأميركي إلى عقد القمة لإنقاذ بيرس وعرفات واتفاق الإذعان في أوسلو ومعنويات الإسرائيليين من الانهيار.
وكانت السفيرة مادلين أولبرايت (مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة) قد قالت عشية انعقاد المؤتمر"إن هذا المؤتمر هو الأهم في تاريخ القرن العشرين" (122) وبالتالي فإنه برأيها كيهودية إن قمة شرم الشيخ أهم من مؤتمر فرساي وبوتسدام وسان فرانسيسكو(المؤتمر التأسيسي للأمم المتحدة.).
وانعقدت القمة في 13/3/1996 بحضور كبار قادة العالم من كلنتون وشيراك إلى ميجر وكول ويلتسين، وحضور عربي من أربع عشرة دولة بين ملك ورئيس دولة ووزير خارجية. وحدد بيرس عنوان القمة"التعبير عن الدعم الدولي لإسرائيل، ورفع التعاون الأمني بين أميركا وبين إسرائيل وبعض أجهزة الأمن العربية" (123).
وتعتبر أسرع قمة دولية جرى الاتفاق عليها خلال ساعات، وهرع ملوك ورؤساء العالم للاشتراك فيها، مما أظهر خضوع البلدان المشاركة فيها إلى الضغط والابتزاز اليهودي والأميركي، ودشنت بداية مرحلة جديدة ظالمة بحق شعوب العالم التي تتطلع إلى التحرر والاستقلال والسيادة من الاحتلال الأجنبي، مرحلة لا تخدم مبادئ الحق والعدل والقانون الدولي والشرعية الدولية، وإنما تخدم ممارسة إسرائيل للحروب العدوانية والإرهاب والعنصرية.
افتتح الرئيس مبارك القمة برسالة واضحة ضد الإرهاب والقوى الداعمة له مع الدعم والتأييد لإسرائيل وسطلة الحكم الذاتي والإصرار على فرض السلام.
وتحدث الرئيس كلنتون في المؤتمر قائلاً: "أقول لقوى العنف والكراهية إنكم تقتلون أنفسكم والآخرين بهدف قتل السلام، فالسلام باق لن تنجحوا ، لقد حانت ساعة نهايتكم.". وجاء في كلمته: "وربما لا بد لنا من إلاّ ندع قوى الإرهاب والشر أن تنال من عملية السلام ومن ثم لابد أن تتضافر جهودنا وأن نعزز مواقفنا من أجل أن نحبط هذه الأهداف الشريرة".(124).
وأعلن كلنتون في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس مبارك عن إنشاء مجموعة متابعة مفتوحة أمام جميع المشاركين في القمة".(125).
واعتبرت أميركا وإسرائيل قمة شرم الشيخ قمة من أجل مكافحة الإرهاب، وعملتا على تجييرها لمصلحة إسرائيل بشكل كامل وتحقيق مكاسب أمنية وسياسية لها وتوفير جميع الوسائل والأجهزة والأموال لدعمها في الاستمرار في سياسة القبضة الحديدية.
وألقى غياب سورية ولبنان عن القمة بظلاله، لأنه شكك بأهدافها والنتائج التي تتوصل إليها، ولا سيما وإن سورية تنادي بالتفريق بين الإرهاب والمقاومة. وشككت بموقف بعض الدول من عملية السلام وطالبت بالعودة إلى عقد مؤتمر مدريد. وجاء عدم حضور سورية منسجماً مع موقف القائد العربي الكبير حافظ الأسد القائم على التفريق بين الإرهاب والمقاومة، وأن السلام هو الذي يحقق الأمن وينهي التوتر في المنطقة، وأن إزالة التوتر مرتبطة بإزالة أسبابه وهي الاحتلال، ولذلك لا يمكن لسورية أن تعطي دعماً لإسرائيل بحضور القمة، لأن سورية تعتبر أن إسرائيل المسبب الأول لأعمال العنف الناتجة عن احتلال الأراضي العربية ولأن سوريا تدافع عن الحق العربي ولا يمكن لها أن تدعم سياسة الاحتلال وحضورها يعني تأييد إسرائيل. وأكد وزير الخارجية السوري أن قمة شرم الشيخ ستخدم مواقف إسرائيل ومصالحها على حساب مصالح العرب. واتفق الرئيسان السوري واللبناني على اعتبار قمة شرم الشيخ متسرعة وغير مدروسة، كما أن الدعوة لها والمواضيع المعروضة عليها لم يتم التحضير لها جيداً. ووجه الرئيس الهرواي رسالة إلى الرئيس الأميركي جاء فيها أن معالجة الأزمة السياسية تتطلب إنهاء العنف وأسبابه وما يجلبه من ردود فعل..
ووجهت حماس مذكرة إلى القمة تبرر فيها العمليات الاستشهادية وتعلن عن استعدادها لقبول وساطة المؤتمرين وطرحت الهدنة مع إسرائيل وأكدت أن العمليات هي دفاع عن النفس في مواجهة احتلال وقمع وإرهاب إسرائيل. واعتبرت الجهاد الإسلامي أن المؤتمر مؤشر لحرب صليبية جديدة، تقودها إسرائيل واميركا للتغطية على الإرهاب الذي تمارسه الدولة اليهودية وانقاذ بيرس وعرفات وأن المؤتمر حملة عالمية ضد النضال الفلسطيني بمشاركة عربية وايد عربية.
شدد الرئيس مبارك على أهمية السلام الذي يحقق الأمن والاستقرار ويقضي على مظاهر العنف. وشدد على تحقيق التقدم على جميع المسارات، بينما قال الرئيس كلنتون إنه أصبح من الضروري وقف دوامة العنف سواء من جانب إسرائيل أو الفلسطينيين. وتحدث عن أهمية تحقيق السلام والقضاء على العنف والإرهاب.
وتحدث بيرس أمام القمة قائلاً: "إن القرار الفعّال لابد وأن يتخذ هنا اليوم. إن هذا المؤتمر لابد وأن يضع استراتيجية وذلك من قبل المجتمع الدولي من أجل مواجهة هذا الإرهاب وذلك من قبل التعاون الدولي وعقد العزم على القضاء على جيوب الإرهاب وأربابه."إن هذا الإرهاب له اسم ولديه حساب في البنك وله بنية أساسية وله شبكة وكذلك مثلما هي الحال بالنسبة للمؤسسات الخيرية"(127)..
ودعا الملك حسين إلى إيجاد آلية دولية تعمل على تعريف الإرهاب ووضع المبادئ والوسائل الكفيلة بوأده في مهده من حيث التمويل والتدريب والممارسة. وقال في القمة إنه لابد من مواجهة ظاهرة الإرهاب مواجهة دولية لا جهوية ولا إقليمية، وإنه يجب علينا أن نتخذ الإجراءات الرادعة ضد أي دولة تدعم الإرهاب أو تستضيف مؤسساته ومنظماته".(128).
انعقدت قمة شرم الشيخ بسبب العمليات الاستشهادية التي أطاحت بنظرية الأمن الإسرائيلي وفشلت إسرائيل في التصدي لها، لذلك احتلت المقاومة والتصدي لها مكان الصدارة في القمة. وأراد الرئيس كلنتون وأصدقاء أميركا وإسرائيل من الدول العربية انقاذ بيرس من السقوط في الانتخابات تحت شعار"إنقاذ بيرس ينقذ السلام"، ولكن الحقائق أثبتت وتثبت أنه يمارس القمع والإرهاب والتطرف أكثر من الليكود الذي توصل إلى معاهدة السلام مع مصر.
وجاء الاشتراك العربي في القمة تلبية لرغبة الرئيس الأميركي لإنجاح بيرس وإنقاذ عرفات ودعم مركزه وتقديم الأموال والمعدات لأجهزته القمعية، وبالتالي نجحت القمةفي توريط بعض البلدان العربية في عملية دعم إسرائيل ومعاداة العرب والإسلام، و يمكن أن تؤدي إلى انتكاسه في عملية التسوية بسبب تصلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بيرس وتشدده. وغفرت القمة لإسرائيل ما ارتكبته من ممارسة الإرهاب والإبادة وتكسير العظام والعقوبات الجماعية طوال نصف قرن.
إن القمة حدث لا مثيل له على ساحة الشرق الأوسط والساحة العالمية، حيث نجح الرئيس الأميركي في تجنيد العالم لمساعدة إرهاب إسرائيل ودعمها، فإسرائيل تأسست من رحم الإرهاب وشبّتْ عليه وتمارسه كسياسة رسمية وتصدره للخارج للمحافظة على اغتصاب الأرض والحقوق العربية وفرض الهيمنة على العرب، ولذلك فإنه لا يمكن لإسرائيل أن تفكر بغير عقلية الإرهابي والإرهاب.
واعتبرها بيرس بمثابة إعلان تضامن دولي مع إسرائيل ومحاربتها الإرهاب، فالرابح الوحيد من عقدها هو الإرهاب الإسرائيلي والتطرف والاستيطان اليهودي.
لقد تأثر المواطن العربي أشد التأثر عندما سمع ممثل قطر يتحدث في المؤتمر وكأن بيرس يتحدث ثم وجه الدعوة لبيرس لزيارة قطر. وسار ممثل عُمان على خطى ممثل قطر وقال إن الأحداث الإرهابية التي راح ضحيتها الأبرياء في إسرائيل أمر مستنكر، وطالب بإتخاذ إجراءات حازمة ضد الإرهاب، وبالتالي تكون قطر وعُمان قد أدانتا المقاومة أولاً وطالبتا بدعم مسيرة السلام ثانياً وتوجيه دعوة لمجرم الحرب شمعون بيرس لزيارتهما ثالثاً.
وشجع موقف قطر وعمان ورئيس سلطة الحكم الذاتي إسرائيل على المطالبة بـ"حق إسرائيل في الإطلاع على أسماء العائلات الفلسطينية التي تتسلم مساعدات مالية مقدمة من لجان عربية تعمل على دعم الشعب الفلسطيني.".(129)
وطالبت السعودية بإعطاء عملية السلام دفعة حقيقية واتخاذ إجراءات جادة ضد العنف واجتثاث جذوره، وأدانت العمليات في القدس وتل أبيب كما أدانت ارتكاب مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف. وهاجمت العقوبات الجماعية التي فرضها العدو الإسرائيلي على الضفة والقطاع.
وطالبت الكويت بمواصلة العمل الدولي لإزالة العقبات التي تعترض مسيرة السلام وبتعاون دولي جاد لوضع حد لظاهرة الإرهاب والأسباب التي تؤدي إليها.
وأدانت اليمن الإرهاب مهما كان مرتكبوه سواء أفراداً أو سلطة. وطالبت بوجوب عدم إدانة شعب أو أمة أو دين دون آخر، وإقامة سلام عادل وشامل دون استضعاف أو استكبار.
ورحبت تونس بكل خطوة لإقرار سلام عادل ودائم وشامل والتصدي لكل أشكال الإرهاب ومساعدة السلطة الفلسطينية.
وعملت إسرائيل خلال القمة على الخروج بصيغة لإيجاد تعاون أمني عربي- إسرائيلي لمكافحة الإرهاب ومصادر دعمه وتمويله وتبادل المعلومات مع الدول العربية حوله. شجعها في ذلك موقف عرفات والأردن، حيث كان عرفات الوحيد داخل المؤتمر الذي هاجم حماس بالاسم وبعنف وتعهد بتصفيتها.
وكان الجنرال باراك، وزير خارجية إسرائيل قد زار الأردن قبل عقد قمة شرم الشيخ بيوم واحد لتنسيق المواقف بين الحكومة الأردنية والحكومة الإسرائيلية وكان الأمير الحسن قد قال إن المعاهدة تلزم الأردن بالتنسيق والعمل مع إسرائيل لمكافحة الإرهاب.
وأكد باراك في عمان أن إسرائيل تسعى إلى بناء تعاون إقليمي ودولي في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية وتبادل التكنولوجيا وسبل ضبط انسياب الدعم المالي الموجه إلى الأنشطة الإرهابية(130)..
ووصف باراك سورية في عمان بأنها احدى ثلاث قلاع للإرهاب في المنطقة إلى جانب إيران وليبيا(131).
وخلاصة القول أرادت إسرائيل الاتفاق مع البلدان العربية المشتركة في القمة على استراتيجية مشتركة لسحق المقاومة العربية بعد أن نجحت بإلزام عرفات وشرطته وأجهزته الأمنية ومؤسساته السياسية بتنفيذ كافة مطالبها الأمنية. ونجحت مع الأردن في المحافظة على حدودها قبل وبعد معاهدة وادي عربة .
لقد اتهم بيرس إيران بالوقوف أمام الإرهاب وأنها هي الدولة الوحيدة التي تتصدره وأصبحت طهران عاصمة الإرهاب. وليس للإرهاب حدود، ولذلك فلا يجوز أن تمنع الحدود العمل من أجل القضاء على أفعى الإرهاب.
وكان شيراك قد تحدث في المؤتمر حول ما طرحه بيرس وعرفات عن دور إيران وقال:
"عرفات وبيرس تحدثا عن تورط عناصر خارجية، وإذا ثبت لنا ذلك عليناأن نستخلص النتائج والأسرة الدولية ترفض التصريحات غير المسؤولة وعلى جميع الدول إدانة الإرهاب: وردت إيران على اتهامات عرفات وبيرس قائلة بأن المؤتمرين يعملون على ضرب الحركة الإسلامية في فلسطين. ووصفت القمة بمثابة الضوء الأخضر لإسرائيل لممارسة القمع ضد الحركة الإسلامية في فلسطين ولبنان. وانتقدت الحكومات العربية التي لبّتْ حضور المؤتمر، لأن الدول العربية أصبحت تابعة للحدث الإسرائيلي، إنه مؤتمر حماة إرهاب الدولة الإسرائيلي والتضامن مع المحتلين الإسرائيليين. وأعلن كلنتون في شرم الشيخ نقاطه الثلاث لدعم إسرائيل وهي: أولاً: ستبدأ الولايات المتحدة فوراً في مدّ إسرائيل بمعدات وتدريب إضافي. ثانياً: ستتعاون الدولتان لتطوير وسائل وتكنولوجيا جديدة لمكافحة الإرهاب. ثالثاً: سنعمل من أجل تعزيز الاتصالات والتعاون بين البلدين ومع حكومات أخرى شاركتنا الحرب ضد الإرهاب. وأشار إلى أن إسرائيل دولة ديمقراطية وأن العلاقات معها وثيقة جداً ومتينة.(132).
المواقف داخل القمة:
سعت الولايات المتحدة وإسرائيل في القمة إلى تسخير المجموعة الدولية بما فيها الدول العربية إلى الالتزام بالمحافظة على اتفاقات الإذعان التي أمليت بقوة إسرائيل العسكرية ودور الولايات المتحدة الأميركية في أوسلو ووادي عربة مخالفة بذلك الحقوق التاريخية الوطنية والقومية والدينية للعرب والمسلمين بتخليد الاستيطان وشرعنة الاحتلال على حساب قرارات الشرعية الدولية.
وتتجلى بشاعة قمة شرم الشيخ في التشهير بكرامة الأمة وسيادتها وتاريخها ونضالها وشهدائها ووصف مقاومة الاحتلال بالإرهاب والعمل المأجور والخارج عن إرادة الشعب وتقاليد الأمة والقادم من إيران.
إن تشويه صورة المقاومة الوطنية والإسلامية في مواجهة الإرهاب والاحتلال اليهودي هو إهانة للعروبة والإسلام ودماء شهداء الأمة العربية الذين رووا أرض فلسطين العربية بدمائهم الزكية، كما أن تزوير الحقائق وبث الأكاذيب والأضاليل اليهودية والعرفاتية حول دور القوى الخارجية في عمليات حماس والجهاد الإسلامي تحقير وإهانة للشعب الفلسطيني واللبناني والأمة العربية في مقاومة الاحتلال.
إن الولايات المتحدة التي نظمت القمة هي التي تدافع عن احتلال إسرائيل للأراضي العربية وهي التي مكنتها من احتلال هذه الأراضي والاستمرار في المحافظة على احتلالها لإملاء الشروط الإسرائيلية في أوسلو ووادي عربة، وهي التي تموّل الاستيطان اليهودي في الأراضي العربية المحتلة، وهي التي أعطت الضوء الأخضر إلى مجرم الحرب بيرس لشن الحرب على المدنيين في لبنان لتدمير المزيد من الاقتصاد اللبناني وفرض المزيد من الخنوع والاستسلام على العرب، وهي بالتالي الداعم والحامي والمدافع والمموّل والمسّلح للإرهاب اليهودي الذي تمارسه دولة اليهود، وهي الداعم للإرهاب في الشرق الأوسط وفي العالم.
لقد كانت قمة شرم الشيخ قمة الرئيس الأميركي المتصهين، بيل كلنتون لحماية حليفه الاستراتيجي الكيان الصهيوني وإخراج إسرائيل من المأزق الذي أوقعت نفسها فيه وتوظيف القمة من أجل إنجاح رئيس وزراء العدو الإسرائيلي في الانتخابات والتأكيد على أن إسرائيل تعمل من أجل السلام.
لماذا لم يدع العرب والعالم إلى مؤتمر عالمي لمكافحة الإرهاب اليهودي عندما ارتكب الإرهابي اليهودي غولدشتاين مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف؟
لماذا لم يتحدث الرئيس الأميركي عن الإرهاب اليهودي في حين جمع العرب والعالم لإدانة التطرف والعنف الإسلامي؟
لماذا تسخّر واشنطون وتل أبيب ياسر عرفات لسحق حماس والجهاد الإسلامي؟
كانت القمة قمة فرض الخطط والمشاريع الإسرائيلية، قمة فرض الحلول المصنوعة لخدمة مصالح الصهيونية والإمبريالية لنهب ثروات وأراضي وإرادة وحقوق الأمة العربية. لذلك يرفض المواطن العربي ما تمخضت عنه القمة التي خدمت التصلب والغطرسة الإسرائيلية وصعدت من الاعتداءات والجرائم الإسرائيلية على الشعبين اللبناني والفلسطيني. فالمقاومة اللبنانية والفلسطينية مقاومة مشروعة وعادلة في مواجهة المزاعم والخرافات والأساطير وأبطالها ليسوا بمجموعة من الإرهابيين كما وصفتهم قمة شرم الشيخ التي صبت في خدمة الاحتلال والاستيطان والإرهاب اليهودي.
إن الإرهاب هو اتهام المقاوم بالإرهاب، وتأييد الإرهاب اليهودي بحجة مكافحة الإرهاب. لقد تجسّد الإرهاب في قمة شرم الشيخ باتهام النضال العادل ضد الاحتلال اليهودي وضد الإذلال والاضطهاد والقمع والوحشية اليهودية دفاعاً عن الوجود وفق مبادئ وأهداف وقرارات الشرعية الدولية بالارهاب.
ظهرت ثلاثة مواقف في قمة شرم الشيخ:
أولاً: الموقف الإسرائيلي- الأميركي وطالب بتسمية القمة قمة مكافحة الإرهاب وسحق الإرهاب الذي تدعمه إيران وتغض سورية النظر عنه ولا تفعل شيئاً لمنعه، لذلك لابد من تحالف شرق أوسطي وعالمي لسحقه كشرط لاستئناف التسوية.
ثانياً: الموقف المصري- الفرنسي وتؤيده السعودية وبعض الدول الأوروبية، ويعتبر أن العنف مسؤول عن تعثر عملية السلام وهو أصولي وإسرائيلي ويرى عدم محاصرة السلطة الفلسطينية واحترام المواثيق التي تم توقيعها ومن الضروري متابعة المسيرة السلمية.
ثالثاً: الموقف السوري- اللبناني ويقوم على أساس أن المقاومة حق مشروع في التصدي للاحتلال وتحرير الأرض والدفاع عن الوطن والذات والثروات والمنجزات. ويقوم على وجوب التفريق بين المقاومة والإرهاب، ومتابعة العملية السلمية التي أوقفتها إسرائيل على أساس مرجعية مدريد وتطبيق قرارات الشرعية الدولية.
ونفذت السلطة الفلسطينية مطالب إسرائيل والولايات المتحدة كافة في التصدي لحركتي حماس والجهاد الإسلامي واعتقال جميع العناصر التي طالبت إسرائيل باعتقالهم وحظر نشاطات الجمعيات الخيرية التابعة لهما وحددت موعداً لانعقاد المجلس الوطني الفلسطيني لإلغاء الميثاق.
وأعلن عرفات داخل المؤتمر الحرب الشاملة على المقاومة الإسلامية وقرر استئصالها استجابة لمطلب إسرائيل بتدمير البنية التحية لها.
وأكد في كلمته تصميمه على اقتلاع الإرهاب في المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية وقال: إن"الإرهاب ينال منا جميعاً، وعلينا نحن أبناء إبراهيم أن نؤمن بأن من يدعو إلى القتل خارج عن إرادة الله وشرائعه السماوية"(133)..
ومن الجدير بالذكر أنه لم يرتفع صوت يدعو إسرائيل للانسحاب من الأراضي التي احتلتها والتوقف عن سياستها الاستيطانية وتفكيك المستعمرات اليهودية والتوقف عن مصادرة الأراضي العربية..
ودار الخلاف في المؤتمر حول استخدم العنف واللجوء إليه وظهر اتجاهان: الأول يعتبر أن الإرهاب سبب المشاكل وتتبناه الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما. والثاني يرى أن العنف هو نتيجة لاغتصاب الأرض واليأس والإحباط والحصار الاقتصادي على الضفة والقطاع والفشل في تحقيق السلام العادل والشامل واستمرار الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق الأمن الإسرائيلي على حساب الأمن العربي.
ورأت فرنسا داخل المؤتمر أنه من الخطأ أن ينحاز المشاركون فيه إلى إسرائيل، أو أن يظهر المؤتمر وكأنه جاء لحماية إسرائيل، وإن أمن إسرائيل لا ينفصل عن أمن الفلسطينيين.
وقال الرئيس جاك شيراك في المؤتمر"على المجموعة الدولية أن تدين الإرهاب وتعمل على دفع عملية السلام" كما وجه التحية إلى الشعب الإسرائيلي في محنته وقال إن: "الأولوية القصوى يجب أن تعطى لحماية أمن وسلامة شعبي اسرائيل وفلسطين" (134)
وأكد الرئيس الفرنسي أن عملية السلام لا رجعة فيها والسلام يمر من البوابة الاقتصادية، لذلك على المجتمع الدولي أن يزيد حجم معونته الاقتصادية للفلسطينيين.
وقال المستشار الألماني هيلموت كول إن التفجيرات لم توجه ضد إسرائيل وإنما ضد عملية السلام، وتمثل خطراً كبيراً على العملية. وتابع حديثه قائلاً:
"أقول لأصدقائي في إسرائيل إنني أشعر بأسى وحزن وأشاركهم الأحزان وأعلن في هذا المؤتمر أن عملية السلام هي عملية لابد أن تصل إلى نهايتها ولا خيار أمامنا إلاّ الوصول إلى السلام.
ودعا كول إسرائيل ومنظمة التحرير إلى محاربة الإرهاب باتخاذ قرارات حاسمة، وليس بالإدانة وحدها.
وقال: "عقدنا العزم على محاربة من يريدون تعطيل السلام ومساندة من يناضلون ضد أعداء السلام، وتقديم الدعم الكامل لهم."(135).
وأعلن عرفات أمام المشتركين في المؤتمر:
"إننا نواجه وسنواجه الإرهاب ونقتلعه من أرضنا، لأن حلمنا في الحرية والاستقلال وتقرير المصير لا يمكن أن يزدهر ويتحقق وسط بحر الدم والدموع، وإنما بالعمل الدؤوب في مواجهة ..... الإرهاب، لهذه الأجنحة المتطرفة والخطرة لحماس والجهاد الإسلامي"(136).
وأكد رئيس وزراء بريطانيا جون ميجر أن بلاده أعلنت مساندتها منذ وقت طويل لعملية السلام، والدول التي تكافح الإرهاب. وعبر عن حزنه العميق على العمليات الإرهابية ورحب بحرارة بالتعاون بين عرفات وبيرس.
وأظهرت بريطانيا انحيازها لإسرائيل وتبعيتها للسياسة الأميركية فيما يتعلق بالصراع العربي- الصهيوني، وجاء في الكلمة التي ألقاها بيرس أمام المؤتمر"إن القرار الفعال لابد و أن يتخذ هنا اليوم. إن هذا المؤتمر لابد وأن يضع استراتيجيته وذلك من قبل المجتمع الدولي من أجل مواجهة هذا الإرهاب بالتعاون الدولي وعقد العزم على القضاء على جيوب الإرهاب وأربابه".
ووصلت الوقاحة الإسرائيلية حداً طالبت فيه"بحق إسرائيل في الاطلاع على أسماء الأُسر والعائلات الفلسطينية التي تتسلم تبرعات مالية ومساعدات مقدمة من لجان عربية تعمل في مجال دعم الشعب الفلسطيني. ورد الجانب المصري على هذا الكلام وقال: "وماذا عن الأموال التي تتلقاها جماعات إسرائيلية متطرفة يمارس بعض أعضائها الإرهاب من الولايات المتحدة ودول أخرى في صورة تبرعات" (137).
وأكد أن مصر و الدول العربية حتى المعنية بعملية السلام بشكل مباشر لن تعمل لحساب إسرائيل. وشدد على أن أمن إسرائيل وظيفة إسرائيل، والأمن الإقليمي له عناصر كثيرة من بينها مكافحة الإرهاب. وتتضمن أيضاً الموضوع النووي.
بيان القمة الختامي
سعت إسرائيل والولايات المتحدة إلى أن يتضمن البيان الختامي للقمة خطوات عملية وآليات للقضاء على الإرهاب، إلاّ أن المؤتمرين توصلوا إلى حل وسط بالتركيز على مكافحة الإرهاب ودعم عملية التسوية السياسية. أما القرارات فجاءت كما أرادت إسرائيل مناهضة للعنف والإرهاب. واتخذت طابعاً عملياً بالإعلان عن إنشاء مجموعة متابعة عقدت أول اجتماع لها في واشنطون بتاريخ 27/3/1996 وبحضور حوالي(29) بلداً لوضع الخطوات العملية لمكافحة الإرهاب. وأكد البيان الإدانة الشديدة لكافة أعمال الإرهاب بكافة أشكالها النكراء مهما كانت دوافعها وأياً كان مرتكبوها بما في ذلك الهجمات الإرهابية الأخيرة في إسرائيل." وجاء في البيان الختامي أن القمة قررت ما يلي: -
"أ- دعم الاتفاقات الإسرائيلية الفلسطينية واستمرار عملية المفاوضات وتدعيمها سياسياً واقتصادياً وتعزيز الوضع الأمني للطرفين. ((ويصب هذا القرار في صالح إسرائيل لأنها هي التي وضعت الاتفاقيات وبصم عليها عرفات.))
ب- دعم استمرار عملية المفاوضات من أجل تحقيق تسوية شاملة(بدون تحديد الزمان والمكان وبالتالي يترك لإسرائيل حرية التصرف بعملية المفاوضات كما تريد وكما تشاء.)
جـ- العمل سوية لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة بتطوير إجراءات فعالة وعملية ومزيد من المساعدات.
ء- دعم تنسيق الجهود من أجل وقف أعمال الإرهاب على المستويات الثنائية والإقليمية والدولية لضمان وصول مرتكبي هذه الأعمال إلى أمام العدالة. (تهدف إسرائيل من جراء هذا البند مساعدة العالم لها لتعزيز دور الشرطي الذي تقوم به لقمع النضال العربي وتخليد اغتصابها للأرض والحقوق العربية) .
هـ- بذل أقصى الجهد لتحديد مصادر تمويل هذه الجماعات والتعاون في وقف ضخها وتوفير التدريب والمعدات وأشكال الدعم الأخرى للأطراف التي تتخذ خطوات ضد الجماعات التي تستخدم العنف والإرهاب. (ويجسد هذا الموقف موقف إسرائيل من وقف المساعدات العربية للمؤسسات الخيرية الفلسطينية وحصولها على الأموال والمعدات لسحق النضال العربي كما قال بيرس.).
و- تشكيل مجموعة عمل مفتوحة لكافة المشاركين في القمة لإعداد توصيات حول أفضل الأساليب لتنفيذ فقرات هذا البيان.
وجاء في البيان"دعم الاتفاقات واستمرار عملية المفاوضات من أجل تحقيق تسوية شاملة ووقف العمليات"الإرهابية" وكيفية التمويل والمتابعة، وبالتحديد نص البيان على أهداف ثلاثة: تعزيز عملية السلام ودعم الأمن ومحاربة الإرهاب. وعكس البيان مواقف رؤساء الوفود في المؤتمر حول تأييد العملية السلمية ومحاربة الإرهاب.
تضمن بيان القمة النقاط التالية:
* تأييد عملية السلام ودفع الأمن والاستقرار في المنطقة إلى الأمام.
* التنديد بكل أشكال الإرهاب أياً تكن الدوافع إليها.
* التصدي بحزم لظاهرة الإرهاب والعمل على وقف العمليات الإرهابية.
* تعزيز التعاون والتنسيق بين الحكومات وبين أجهزة الأمن والشرطة من أجل مكافحة الإرهاب.
* اتفاق دولي لمحاكمة مرتكبي الأعمال الإرهابية والذين يخططون لها.
لقد تحالف عرب وإسرائيليون وأميركيون وأوروبيون في القمة للقضاء على المقاومة العربية للاحتلال الإسرائيلي. ورأت الإدارة الأميركية أن المهمة الدولية العاجلة لمكافحة الإرهاب هي مواجهة الإرهاب الذي تقوم به منظمات ترفع شعارات إسلامية في الشرق الأوسط ويلقى مساعدات من إيران ودعماً وأرضاً في سورية ولبنان.
ووصف الرئيس الأميركي بيل كلنتون القمة بأنها ناجحة جداً ومثمرة وبناءة وأعلن عن إنشاء مجموعة عمل للمتابعة ستضع تقريراً لها خلال شهر، في الأسابيع المقبلة. وقال الرئيس مبارك في مؤتمر صحفي مشترك مع كلنتون"إن المشاركين اتفقوا على إجراءات محددة وإنشاء آليات محددة وذلك مما يؤدي إلى تعزيز عملية السلام".
علق بيرس على القمة وقال"يمكن للإسرائيليين أن يناموا باطمئنان أكبر الآن"(139).
واعتبر بيرس القمة تضامناً عربياً لا سابق له مع إسرائيل.
وكرر بيرس موقفه باتخاذ إجراءات عاجلة محلية وإقليمية ودولية لمواجهة عمليات حماس وسحقها. وتقدمّ مجدداً إلى عرفات طالباً منه حظر نشاط كل المنظمات الإرهابية وعدم السماح بحمل السلاح واعتقال القادة والكوادر، وأعطاه قائمة جديدة بمجموعة أسماء تم تحديدها لاعتقالهم، واستمر في فرض الطوق الأمني على الضفة والقطاع. وكرر طلبه إلى الدول العربية اتخاذ مواقف حاسمة لا يقاف أي دعم مادي لحماس والمنظمات الأخرى.
واستثمر بيرس الدعم الأميركي المطلق ودعم عرب القمة لتشديد سياسة العقوبات الجماعية على الشعب العربي الفلسطيني.
وعند العودة إلى بيان القمة الذي ينص على دعم السلام يتساءل المواطن العربي ما هو هذا السلام الذي تدعمه القمة؟ هل هو سلام الأمر الواقع الناتج عن استخدام القوة وتسخير الإحتلال للتوصل إلى اتفاقات كاتفاق أوسلو ووادي عربة؟
أم السلام العادل والشامل والدائم والقائم على مبادئ الحق والعدالة، مباديء القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والمواثيق الدولية الأخرى؟
وهل هو سلام الإملاءات الإسرائيلية، وتكريسها في معاهدات عن طريق الراعي الأميركي المنحاز للعدو أم السلام الذي توافق عليه وترضى عنه الأجيال العربية القادمة؟ وما هو مفهوم الأمن الذي تدعمه القمة؟ هل هو الأمن للمحتل والمعتدي ومكافأته على عدوانه؟ أم هو الأمن المتبادل للبلدان العربية وإسرائيل؟
هل هو أمن في ظل التفوق العسكري الإسرائيلي والسلاح النووي أم هو أمن يمنع المعتدي الإسرائيلي من إشعال حروب جديدة في المنطقة وفي إطار مبادئ وأهداف وقرارات الشرعية الدولية؟.
Comment